للأرض حياة و موت كما في النفوس النباتية و الحيوانية كل بحسبه فللحيوانية مراتب كما ان لذيها أنواع و أقسام لا يعلمها إلا الحي القيوم قال تعالى اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها1، و إحياء الموات من الأمور القديمة جدا و هو حليف الإنسان من أول حدوثه على وجه الأرض إلى انقراضه عنها، كما ان تبدل الحياة و الموات على الأرض قرينها منذ خلقت الى ان يبدل الأرض غير الأرض، فكم من معمورة محياة صارت خربة و مواتا، و كم من خربة و موات صارت عامرة و محياة، و كذلك كم من أرض تبادلت عليها العمران و الخراب مرات عديدة و سيتبادل عليها كذلك و هذه سنّة اللّه التي لا و الموات و الإحياء و المشتركات و حيازة المباحات من أهم الأمور النظامية العامة التي لا تختص كل ذلك بملة دون أخرى، و لا بعصر دون آخر، و إنما وردت الشرائع السماوية عليها لا أنها أخذت من الشرائع الإلهية، و إحياء الأرض من صنع اللّه تعالى الملهم إلى عباده ليجري هذا النظام الأتم الأكمل، فأول ما فعله أبونا آدم عليه السّلام عند هبوطه إلى الأرض إنما هو إحياء الموات و حيازة المباحات، و جرى ذلك في ذريته إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها فالأصل في الاملاك البشر هو إحياء الموات و حيازة المباحات، و البقية متفرعة عليهما و جعل اللّه الأرض اليف الإنسان في جملة من العوالم التي ترد عليه منها يخرج و فيها يعيش و فيها يموت و عليها يبعث و يحشر إلى غير ذلك من استحالات الإنسان إلى الأرض و استحالات الأرض إلى الإنسان، فكم من أرض كانت إنسانا في القرون الماضية و تصير كذلك في القرون اللاحقة قال تعالى مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى2، و ذلك من أعظم مظاهر قدرة اللّه تعالى كما ان إحياء الأرض كذلك قال تعالى وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها3.
و المرجع في الإحياء و الموات إلى العرف في ما هو قبل الشرع و ليس له فيه تعبد خاص و لا للفقهاء فيه نظر مخصوص.
نعم، جرت عادة الشرع على تحديد الموضوعات العرفية بحدود و قيود تأتي الإشارة إليها.
ثمَّ إن الفطرة البشرية تحكم بان كل من أحيا أرضا مواتا فهي له، و هذا حكم عام في كل عصر و مكان و في جميع الملل و الأديان، و هو الأصل الأولي في ملك الإنسان و قرره الشريعة المقدسة كما كان، فقال نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من أحيا أرضا مواتا فهي له»4، و عنه عليه السّلام: «من غرس شجرا أو حفر و أديا بديا لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّه و رسوله»5، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمّروها فهم أحق بها و هي لهم»6، إلى غير ذلك من الروايات.