مقتضى الإطلاقات الجواز بعد كونه فقيرا فعلا، و كانت الزيارة و الحج من حوائجه المتعارفة خصوصا مع شدة اشتياقه إليها بحيث يصعب عليه تركها، لأنّ تشريع الصدقات لسدّ الخلة و الحاجات المتعارفة بلا فرق بين حاجة دون أخرى مع كثرة اهتمام الشارع بشأن الفقراء و مراعاة حقوقهم و شؤونهم من كل وجه، و يشهد لذلك إطلاق صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن الأول (عليه السلام): «يكون عندي المال من الزكاة فأحج به مواليّ و أقاربي؟ قال (عليه السلام): نعم، لا بأس»۹.
و قريب منه صحيح ابن مسلم۱۰. نعم، لو كان في البين مهم و أهم لا بد من الصرف في الأهم هذا مع عدم الشرط. و أما معه فقد يقال بعدم صحة الشرط، لعدم ولاية المالك عليه و لا يجوز التصرف في المال المأخوذ إن كان الشرط بنحو وحدة المطلوب، و أما إن كان بنحو تعدد المطلوب فالظاهر الجواز لتحقق إعطاء أصل المال برضا المالك فيصح الأخذ و إن بطل الشرط. و يمكن القول بصحة الشرط بدعوى:
كونه من فروع ولايته على أصل الإعطاء، فتشمله أدلة ولايته و يأتي من الماتن في [مسألة ۳۸] من الحج التصريح بصحة الشرط، و التصريح بالجواز، و يأتي في تلك المسألة و [مسألة ٥۷] من كتاب الحج ما ينفع المقام.
فرعان- (الأول): لا يعتبر قصد الصنف الخاص في إعطاء الزكاة و يكفي قصد مطلق الزكاة قربة إلى اللَّه تعالى، للأصل و الإطلاق، فلو كان شخص موردا للزكاة في الجملة يجزي في تفريغ ذمة المالك قصد مطلق الزكاة ثمَّ هو يصرفها في أيّ من المصارف المنطبقة عليه. و على هذا لو دفع الزكاة إلى شخص بداعي الفقر مثلا و صرفها في الحج أو الزيارة تفرغ ذمة المالك، لفرض أنّ زكاته صرفت في مصرفها الواقعيّ و هو سبيل اللَّه. و منه يظهر أنّ هذه المسألة مبنية على البسط بالنسبة إلى الأصناف و اعتبار قصد الصنف. و أما بناء على عدم اعتبار ذلك كله و كفاية قصد مطلق الزكاة فلا ثمرة لها.
(الثاني): يجوز للمالك أن يشترط شيئا على الفقير من كيفية الصرف و المصرف و نحو ذلك، لإطلاق دليل ولايته، و كذا يجوز ذلك للحاكم الشرعيّ، بل هو أولى.
إن قيل: إنّ الفقير يملك بالقبض. فلا وجه لتحديد الملك بالنسبة إليه فإنّه خلاف قاعدة السلطنة (يقال): إن حصل الملك فلا يجوز تحديده بدون رضاه، و أما إن كان حصول الملك من الأول محدودا، فلا محذور فيه.
إن قيل: إنّ الشرط خلاف سيرة المتشرعة (يقال): قيام السيرة على عدم الشرط بنحو اعتبار العدم ممنوع. نعم، لا يشترطون غالبا و هو أعمّ من اعتبار العدم، فلا بأس بالشرط خصوصا إن كان الآخذ غير مبال بالصرف و المصرف.
إن قيل: هل يجب على الآخذ الوفاء بهذا الشرط كالشروط المذكورة في ضمن العقود اللازمة أو لا؟. يقال: نعم، لفرض أنّ التمليك جهتيّ لا من كل جهة فيكون كما إذا قدم أحد طعاما إلى شخص و قال: هذا لنفسك و لا تعط إلى غيرك فلا يجوز له إعطاؤه إلى الغير. لفرض أنّ الإباحة جهتية لا من كل جهة. نعم، الشروط التي يرجع نفعها إلى المالك و تتعاوض بالمال عرفا الظاهر عدم صحتها إلا برضا الطرفين. و بذلك يمكن أن يجمع بين القول بالجواز و القول بالعدم، و لهذه المسألة فروع كثيرة.