نسب ذلك إلى أكثر القدماء، و في الرياض نسبته إلى المشهور و عن الغنية و الانتصار دعوى الإجماع عليه و استدل له.
تارة: بقاعدة السلطنة.
و أخرى: بأصالة الصحة.
و ثالثة: باستصحاب الصحة.
و رابعة: بالأدلة الأربعة الدالة على لزوم العقد و صحتها كما تقدم۹۰.
و خامسة: بإطلاقات كل عقد و تصرف و إيقاع.
و خامسة: بالسيرة و الإجماعات المنقولة و عن الشيخ نسبته ذلك إلى أخبار الطائفة.
و سادسة: بالأخبار الكثيرة الخاصة الناصة أو الظاهرة في ذلك كصحيح صفوان عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يعطي الشيء من ماله في مرضه، فقال عليه السّلام: إذا أبان فهو جائز و إن أوصى به فهو من الثلث»۹۱، و المراد من الإبانة التنجيز بقرينة المقابلة الواردة فيه و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يكون له الولد أ يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال عليه السّلام: هو ماله يصنع ما شاء به إلى أن يأتيه الموت إن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيا إن شاء و هبة و إن شاء تصدق به و إن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت فإن أوصى به فليس له إلا الثلث إلا أن الفضل في أن لا يضيع من يعوله و لا يضر بورثته»۹۲.
و خبر عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الميت أحق بماله ما دام فيه الروح يبين، به قال: نعم فإن أوصى به فليس له إلا الثلث»۹۳.
و في خبر أبي المحامد عنه عليه السّلام أيضا: «الإنسان أحق بماله ما دامت الروح في بدنه»۹4 و خبر الساباطي «صاحب المال أحق بماله ما دام فيه شيء من الروح يضعه حيث يشاء»۹٥، و في خبره الآخر: «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كله فهو جائز»۹٦، فيشمل المنجز بالفحوى و هذه الأخبار مع تعاضدها بالشهرة القديمة و الأصول العقلية تجزي في الحكم، بل واحد منها يجزي فلا
وجه للإطالة في نقل جميعها، و لا المناقشة في سند بعضها أو دلالة بعضها الآخر فإن ذلك باطل كما لا يخفى على من راجع المفصلات خصوصا رسالة المحقق اليزدي التي أوردها في ختام حاشيته الشريفة على المكاسب، فإنه أحسن ما وضع في المسألة على ما ظفرنا عليه.
هذا خلاصة ما استدل به للقول الأول و هو الخروج من الأصل.
القول الثاني: الخروج من الثلث و عدم الخروج من الأصل نسب ذلك إلى المشهور بين المتأخرين.
تارة: و إلى الأكثر أخرى و إلى عامة المتأخرين ثالثة، و عن الغنية دعوى الإجماع عليه و لا يخفى أن في دعوى الغنية الإجماع تهافتا منه لنقله الإجماع على القول الأول أيضا.
و لا بد من التأمل في النسبة إلى الأكثر أو المشهور أيضا كما لا يخفى على المتأمل في الكلمات و المتفحص فيها، و دليلهم اخبار ادعى في جامع المقاصد تواترها و هي طوائف:
أحدها: ما دل على أن للرجل عند موته ثلث ماله كخبر يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال عليه السّلام: له ثلث ماله و للمرأة أيضا»۹۷، و في خبر ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام ما للرجل من ماله عدن موته؟ قال عليه السّلام: الثلث و الثلث كثير»۹۸، و عنه عليه السّلام أيضا:
«للرجل عند موته ثلث ماله و إن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه»۹۹، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إن اللّه تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم»۱۰۰، إلى غير ذلك من الأخبار و ظهورها في الوصية و لو بقرينة غيرها مما لا ينكر فلا وجه للتطويل بأكثر مما ذكرنا.
الثانية: ما ورد في خصوص العتق و هي أقسام من الأخبار منها خبر عقبةبن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال عليه السّلام: ما يعتق منه إلا ثلثه»۱۰۱، و مثله غيره.
و منها: ما عن محمد بن مسلم قال: «سألته عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه و أوصى بوصيته و كان أكثر من الثلث قال عليه السّلام: يمضى عتق الغلام و يكون النقصان فيما بقي»۱۰۲، و قريب منه غيره.
و منها: ما عن زرارة عن الصادق عليه السّلام: «في رجل أعتق مملوكه عند موته و كان عليه دين، فقال عليه السّلام: إن كان قيمته مثل الذي عليه و مثله جاز عتقه و إلا لم يجز»۱۰۳، إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في العتق و عدها من المقام بعيد جدا كما لا يخفى على الأعلام، لأن المنساق من كلماتهم في أبواب العتق انها مسألة أخرى لا ربط لها بالمنجّزات مع إمكان حمل بعضها على الوصية كخبر علي بن عقبة تجد شاهدا على ما قلنا، فعن الصادق عليه السّلام: «في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال عليه السّلام:
ما يعتق منه إلا ثلاثة و سائر ذلك الورثة أحق بذلك و لهم ما بقي»۱۰4.
الثالثة: الأخبار الدالة على عدم الصحة في بعض المنجزات كالنحلة كما في خبر جراح المدائني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن عطية الوالد لولده يبينه قال عليه السّلام: إذا أعطاه في صحته جاز»۱۰٥، و العطية كما في خبر سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن عطية الوالد لولده؟ فقال: أما إذا كان صحيحا فهو ماله يصنع به ما شاء و أما في مرضه فلا يصلح»۱۰٦، و الصداق كما في صحيح الحلبي قال:«سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه فتبرئه منه في مرضها؟ فقال عليه السّلام: لا و لكنها إن وهبت له جاز ما وهبت له من ثلثها»۱۰۷، و في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «أنه كان يرد النحلة في الوصية و ما أقر به عند موته بلا ثبت و لا بينة ردّه»۱۰۸، و الحق أن ظهورها في الكراهة بملاحظة مجموع أخبار الباب بعد رد بعضها إلى بعض مما لا ينكر فلا وجه لعدها معارضا لما ثبت بالأصول العقلية و النقلية المتقدمة.
الرابعة: ما عن علي عليه السّلام: «ما أبالي أضررت بولدي أو سرقتهم ذلك المال»۱۰۹، و مثله غيره.
و فيه: ان المنساق منها عرفا الوصية بالزائد على الثلث لإخراج المال عن ملك الورثة رأسا قبل الموت فلا ربط لها بالمقام أيضا.
فخلاصة الكلام: إن كل من لاحظ جميع الأخبار الواردة من بدئها إلى ختامها يحكم بفطرته بترجيح الأخبار الدالة على صحة المنجّزات من الأصل على الأخبار الدالة على انها من الثلث لو فرض التعارض مع أنه لا موضوع للتعارض كما مر، و لا أدري ما بالهم «رحمهم اللّه تعالى» حكموا بالحمل على الكراهة في موارد كثيرة من الفقه من موارد التعارض بحمل ما دل على المنع عليها، و في المقام قالوا بالبطلان فيا ليتهم قالوا بالجواز مع الكراهة ليوافق ذلك مع أقوالهم في سائر أبواب الفقه.