الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السّلام على أشرف خلقه محمّد و آله الطّيّبين الطّاهرين.
الزكاة: قرين الصلاة في القرآن الكريم فيما يقرب من ثلاثين آية قال تعالى:
أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ۱. بل هو كذلك في جميع الشرائع الإلهية، قال تعالى حكاية عن عيسى وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا۲.
و الزكاة من جملة الصدقات التي تطابقت الأدلة الأربعة على رجحانها و يكفي من الكتاب العزيز قوله تعالى أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ۳، و قوله تعالى وَ أَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً4.
و من السنة نصوص متواترة بين الفريقين، منها قوله (صلّى اللّه عليه و آله):
«خير مال المرء و ذخائره الصدقة»٥و قول عليّ (عليه السلام): «إذا أملقتم فتاجروا اللَّه بالصدقة» ٦ و غير ذلك من الأخبار. و قد أجمع المسلمون بل العقلاء على حسنها.
و من العقل: حكمه القطعي بحسن مساعدة الفقراء، و إنّ التعاون بين البشر و توجه الأغنياء إلى الفقراء و الاهتمام بسدّ فقرهم و حاجتهم من أهم الأمور النظامية البشرية التي تحكم الفطرة العقلية بلزومه و رعايته مهما أمكن، و لا بد و أن تهتم الشرائع السماوية بذلك اهتماما بليغا، فإنّ الاجتماع البشري لا يتم إلا بأمرين مهمين يتقوّمان بالمال.
أحدهما: عطف الأغنياء على الفقراء و تموينهم بما يحتاجونه و سدّ خلتهم، و قد بذل الشارع وسعه في ذلك بكلّ ما أمكنه من إيجاب الصدقات و الكفارات و نحوهما.
و ثانيهما: ما يحفظ به دماؤهم و أعراضهم و أموالهم و بلادهم، و المال الذي يصرف في ذلك يجيء من بينهم و يصرف في مصالحهم، و قد اصطلح على هذا القسم من المال بالخراج، و المقاسمة، و الجزية.
و الحقوق التي جعلها اللَّه تعالى في أموال الأغنياء كثيرة شرحها أبو عبد اللَّه (عليه السلام) في موثق سماعة.
«و لكن اللَّه عزّ و جلّ فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة، فقال عزّ و جلّ:
وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ .. فالحق المعلوم غير الزكاة، و هو شيء يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته و سعة ماله فيؤدي الذي فرض على نفسه إن شاء في كل يوم، و إن شاء في كل جمعة، و إن شاء في كل شهر، و قد قال اللَّه عزّ و جلّ أيضا أَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً و هذا غير الزكاة، و قد قال اللَّه عزّ و جلّ أيضا يُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً، و الماعون أيضا و هو القرض يقرضه، و المتاع يعيره، و المعروف يصنعه. و مما فرض اللَّه عزّ و جلّ أيضا في المال من غير الزكاة قوله عزّ و جلّ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، و من أدى ما فرض اللَّه عليه فقد قضى ما عليه، و أدّى شكر ما أنعم اللَّه عليه في ماله إذا هو حمده على ما أنعم اللَّه عليه فيه مما فضّله به من السعة على غيره، و لما وفّقه لأداء ما فرض اللَّه عزّ و جلّ عليه و أعانه عليه»۷.
و لكن مقتضى الأصل و الإجماع، و السيرة القطعية، بل الضرورة الدينية عدم وجوب شيء ابتداء غير الزكاة و الخمس، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد من النصوص في فرض الزكاة، «و إنّه لو علم عدم سدّ حاجة الفقراء لافترض عليهم غيرها». نعم لا ريب في تأكد استحباب ما ورد في الموثق المذكور و غيره من الأخبار الكثيرة.
و الزكاة: في اصطلاح الكتاب و السنة- و منه اصطلاح الفقهاء-: ما يجب في أموال خاصة بشروط مخصوصة، و يناسب ذلك معناه اللغوي أيضا. لأنّها في اللغة إما بمعنى الطهارة، أو النمو. و إخراج الزكاة يطهّر المال عن الأوساخ و الأقذار المعنوية. كما أنّه يوجب النموّ أي البركة و حلّية الاستفادة منه في وجوه المعيشة. قال الصادق (عليه السلام): «و لو أنّ الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير» ۸. و قال (عليه السلام) أيضا: «ما من طير يصاد إلا بتركه التسبيح، و ما من مال يصاب إلا بترك الزكاة»۹. و تصح نسبة الطهارة إلى فاعل الزكاة، لأنّ إخراجها يطهّر النفس عن رذيلة البخل و الشّح و ينميها إلى ذروة فضيلة الجود و السخاء، و يمكن إضافتهما إلى المجتمع لأنّها توجب طهارة مجمع الأغنياء و الفقراء عن التنافر و البغضاء و نموهم في مجتمع واحد مهتمين بعضهم بشؤون بعض، و هذا من أقوى موجبات التآلف و التناصر فيما بينهم، و لذا ورد في عقاب تارك الزكاة ما تبهر منه العقول، ففي الصحيح عن أبي عبد اللَّه عليه السلام:
«ما من ذي مال- إبل أو غنم أو بقر- يمنع زكاة ماله إلا حبسه اللَّه عزّ و جلّ بقاع قرقر- أي الأرض السهلة المستوية- تطؤه كل ذات ظلف بظلفها، و تنهشه كل ذات ناب بنابها، و ما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلا طوّقه اللَّه تعالى ريعة (مرتفع) أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة» ۱۰.
و الجزء الأول من هذا الحديث يدل على حشر الحيوانات الذي هو مورد البحث عند الحكماء. و الجزء الثاني يمكن أن يحمل على أنّ هذا يطوق ثقله هذا المقدار، أو غيره من المحامل الممكنة. أعاذنا اللَّه و المسلمين من عقوبات تارك الزكاة. ثمَّ إنّه قد أطلق على الزكاة أنّها أوساخ الناس، و يأتي نقل الحديث و شرحه في فصل أوصاف المستحقين للزكاة إن شاء اللَّه تعالى.