و هو عبارة عن التحبيس الذي هو الجامع المشترك بين الوقف و الرقبى و العمري و السكنى، و حيث أن الوقف له أهمية خاصة و مسائل كثيرة خصّه الفقهاء بكتاب مستقل دون البقية، و لكن الجامع بين الكل هو الحبس كما عرفت في أول الكتاب، و تقدم الفرق بينه و بين الوقف في مسألة ۱۸ فحقيقة التحبيس في الثلاثة واحدة و الاختلاف انما هو بالإضافة فإن أضيف إلى العمر قيل «عمرى» و «سكنى»، و إن أضيف إلى الإسكان فقط قيل «سكنى» خاصة و إن أضيف إلى المدة قيل «رقبى» فالجامع واحد و تختلف الإضافة و يختلف الاسم من هذه الجهة. و يظهر من جمع منهم الشهيدين و المحقق صحة أصل التحبيس و لو لم يعنون بأي عنوان كما إذا احتبس فرسه في سبيل اللّه تعالى.
(مسألة ۱): يجوز للإنسان أن يحبّس ملكه على كل ما يصح الوقف عليه (۱). بأن يصرف منافعه فيما عينه على ما عينه (۲)، فلو حبّسه على سبيل من سبل الخير و مواقع قرب العبادات مثل الكعبة المعظمة و المساجد و المشاهد المشرفة، فإن كان مطلقا أو صرح بالدوام فلا رجوع و لا يعود على ملك المالك و لا يورث (۳)، و إن كان إلى مدة لا رجوع في تلك المدة و بعد انقضائها يرجع إلى المالك (٤)، و لو حبّسه على شخص فإن عيّن مدة أو مدة حيوته لزم حبسه عليه في تلك المدة (٥)، و لو مات الحابس قبل انقضائها يبقى على حاله إلى أن تنقضي (٦) و إن أطلق و لم يعيّن وقتا لزم ما دام حيوة الحابس (۷)، و إن مات كان ميراثا (۸) و هكذا الحال لو حبّس على عنوان عام (۹) كالفقراء، فإن حدده بوقت لزم إلى انقضائه و إن لم يوقّت لزم ما دام حياة الحابس (۱۰).
لأصالة الإباحة و قاعدة السلطنة و الإجماع و نصوص خاصة تأتي الإشارة إليها.
لقاعدة: «المؤمنون عند شروطهم»، و للإجماع و نصوص خاصة منها خبر ابن نعيم عن الكاظم عليه السّلام: «رجل جعل سكنى داره لرجل أيام حياته أو له و لعقبه من بعده؟ قال عليه السّلام: هي له و لعقبه كما شرط»1، و عن حمران عن
الصادق عليه السّلام: «سألته عن السكنى و العمري؟ فقال عليه السّلام: الناس فيه عند شروطهم إن كان شرط حياته فهي حياته و إن كان لعقبه فهو لعقبه كما شرط حتى يفنوا ثمَّ يرد إلى صاحب الدار»2.
للأصل و الإجماع و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «ليس لهم أن يبيعوا و لا يورّثوا»3.
أما عدم الرجوع في تلك المدة فلمكان الاشتراط و الالتزام الذي التزم به على نفسه، و أما الرجوع إلى المالك فلفرض بقائه على ملكه، و انما أحلّ للطرف حق السكنى فقط كما يأتي في المسألة السادسة، و مع وفاة المالك يرجع إلى وارثه لعموم أدلة الإرث.
لوجوب الوفاء بالعقد و لزومه عليه.
لأن عقد الحبس لازم يجب الوفاء به على نحو ما إنشاء مطلقا كان أو موقتا.
بناء على انصراف الإطلاق إلى حياة الحابس، و أما بناء على كفاية المسمى و صرف الوجود فيه كما يأتي في المسألة الخامسة فيصح له الرجوع متى شاء.
لبقاء العين على ملك مالكه فينتقل بعد موته إلى ورثته كما في سائر
أملاكه، و ينتقل حق السكنى إلى ورثة المالك أيضا أما بناء على الانصراف إلى حياة الحابس فلبطلان السكنى بموته و كذا بناء على كفاية صرف الوجود فيه كما هو معلوم.
لجريان جميع ما تقدم فيه أيضا من غير فرق.
لأصالة اللزوم الجارية فيه بل في جميع العقود كما تقدم مكررا.
(مسألة ۲): إذا جعل لأحد سكنى داره- مثلا بأن سلّطه على إسكانها مع بقائها على ملكه يقال له «السكنى» سواء أطلق و لم يعين مدة أصلا كأن يقول «أسكنتك داري» أو «لك سكناها» أو قدّره بعمر أحدهما، كما إذا قال لك «سكنى داري مدة حياتك» أو «مدة حياتي» أو قدره بالزمان كسنة و سنتين مثلا. نعم، في كل من الأخيرين له اسم يختص به و هو العمري في أولهما و الرقبى في ثانيهما (۱۱).
الوجه في تمام هذه المسألة واضح لا يحتاج إلى البيان.
(مسألة ۳): يحتاج كل من هذه الثلاثة إلى عقد مشتمل على إيجاب من المالك و قبول من الساكن (۱۲)، فالإيجاب كل ما أفاد التسليط المزبور بحسب المتفاهم العرفي كان يقول في السكنى «أسكنتك هذه الدار» أو «لك سكناها» و ما أفاد معناهما بأي لغة كان (۱۳)، و في العمرى «أسكنتكها» أو «لك سكناها مدة حياتك أو حياتي»، و في الرقبى «أسكنتكها سنة أو سنتين» مثلا، و للعمري و الرقبى لفظان آخران فللأولى «أعمرتك هذه الدار عمرك أو عمري أو ما بقيت أو بقيت أو ما حييت أو حييت أو ما عشت أو عشت و نحوها»، و للثانية «أرقبتك مدة كذا» و أما القبول فهو كل ما دل على الرضا و القبول من الساكن (۱٤) و تجري فيها المعاطاة (۱٥).
لأن كل واحد من الثلاثة عقد إجماعا و كل عقد متقوم بالإيجاب و القبول بالضرورة فيحتاج كل واحد من الثلاثة إليهما كذلك، و يحتمل في كل واحد منها أن يكون الرد مانعا لا أن يكون القبول شرطا كما تقدم في الوقف و يأتي في الوصية.
لما تقدم غير مرة أنه لا موضوعية للألفاظ في العقود و انما هي طريق محض لإبراز المعنى المقصود، فكل لفظ أفاد ذلك يكتفى به في المحاورات ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في المقام.
لما تقدم آنفا من غير فرق بينهما في ذلك.
لكونها موافقة للقاعدة فتجري في جميع العقود إلا مع الدليل على العدم و هو مفقود في المقام.
(مسألة ٤): يشترط في كل من الثلاثة قبض الساكن فلو لم يقبض حتى مات المالك بطلت كالوقف (۱٦).
لتقوم تحقق المجانيات مطلقا بالقبض عند العرف مضافا إلى الإجماع على اعتباره فيها.
(مسألة ٥): هذه العقود الثلاثة لازمة (۱۷) يجب العمل بمقتضاها و ليس للمالك الرجوع و إخراج الساكن (۱۸)، ففي السكنى المطلقة حيث ان الساكن استحق مسمى الإسكان و لو يوما لزم العقد في هذا المقدار فليس للمالك منعه عن ذلك. نعم، له الرجوع و الأمر بالخروج في الزائد متى شاء (۱۹)، و في العمرى المقدرة بعمر الساكن أو عمر المالك لزمت مدة حياة أحدهما، و في الرقبى لزمت في المدة المضروبة فليس للمالك إخراجه قبل انقضائها (۲۰).
لأصالة اللزوم في كل عقد مطلقا التي قررناها في كتاب البيع ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل كذلك في المقام.
لأنه لا معنى للزوم العقد إلا ذلك.
لقاعدة السلطنة، مضافا إلى الإجماع بعد وفائه بما التزم به و هو بذل مسمى الإسكان، و يدل عليه صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «قلت له: رجل أسكن رجلا داره و لم يوقت؟ قال عليه السّلام: جائز و يخرجه إذا شاء»4، و مثله غيره هذا إذا لم تكن قرينة معتبرة في البين على التحديد بالحياة من انصراف و نحوه و إلا تتبع.
لوجوب الوفاء عليه بما التزم به على نفسه.
(مسألة ٦): إذا جعل داره سكنى أو عمري أو رقبى لشخص لم تخرج عن ملكه (۲۱)، و جاز له بيعها (۲۲) و لم يبطل الإسكان و لا الأعمار و لا الإرقاب بل يستحق الساكن السكنى على النحو الذي جعلت له (۲۳) و كذا ليس للمشتري إبطالها (۲٤). نعم، لو كان جاهلا كان له الخيار بين فسخ البيع و إمضائه بجميع الثمن (۲٥).
للأصل و النص و الإجماع، ففي خبر أبي الصباح عن الصادق عليه السّلام قال: «سئل عن السكنى و العمري؟ فقال: إن كان جعل السكنى في حياته فهو كما شرط و إن كان جعلها له و لعقبه بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا ثمَّ ترجع الدار إلى صاحبها الأول»5.
لقاعدة السلطنة مضافا إلى الإجماع.
للأصل و الإطلاق و الاتفاق في كل من الحكمين.
لأصالة عدم حق له على الإبطال مضافا إلى الإجماع.
لأن عدم استيلاء المشتري على المنفعة الخاصة لملكه ضرر عليه و لا بد و أن يتدارك هذا الضرر و تداركه يتحقق بنفي اللزوم، و هذا عبارة أخرى عن الخيار، و تقدم نظير ذلك في الإجارة فراجع هذا في السكنى المحدودة بحد خاص و أما المطلق منها فحيث يتحقق بالمسمى يصح أن يكون البيع رجوعا عنه مع الالتفات و لو في الجملة للمشتري بعد ذلك لعدم موضوع له حينئذ.
(مسألة ۷): لو جعل المدة في العمرى طول حياة المالك و مات الساكن قبله كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك، و لو جعل المدة طول حياة الساكن و مات المالك قبله لم يكن لورثته إزعاج الساكن بل يسكن طول حياته (۲٦)، و لو مات الساكن لم يكن لورثته السكنى (۲۷) إلا إذا جعل له السكنى مدة حياته و لعقبه و نسله بعد وفاته فلهم ذلك ما لم ينقرضوا (۲۸) فإذا انقرضوا رجعت إلى المالك أو ورثته (۲۹).
هذه المسألة مبنية على أن الحاصل بالثلاثة تمليك المنفعة كالإجارة أو أن الحاصل منها مجرد حصول حق الانتفاع فقط، أو لا تكون من هذا و لا ذاك بل تحصل مجرد الإذن و الإباحة المحضة من دون حصول ملك أو حق في البين، و يترتب على الأولين تحقق الإرث لورثة الساكن لو مات قبل انقضاء المدة، و أما الأخير فلا موضوع للإرث لعدم مال أو حق في البين حتى يورث، و مقتضى مرتكزات المتشرعة بل الناس و ظواهر كلمات الفقهاء هو الأول و الأدلة الشرعية منزلة عليه ما لم يكن شاهد على الخلاف و هو مفقود، و إن كان مقتضى الأصل هو الأخير كما لا يخفى على الخبير و طريق الاحتياط واضح.
لفرض اختصاص حق السكنى بخصوص الساكن الأول دون ورثته.
لشمول الإذن من المالك للجميع حينئذ.
لعدم خروج الملك من ملك المالك في السكنى بل هو باق على
ملكه فمع حياته يرجع إليه و مع موته يرجع إلى ورثته و يتبعه حق السكنى أيضا، لفرض انقراض من جعل له الحق فالمقتضي للرجوع مطلقا موجود و المانع عنه مفقود.
(مسألة ۸): إطلاق السكنى يقتضي أن يسكن من جعلت له السكنى بنفسه و أهله و أولاده و الأقرب جواز إسكان من جرت العادة بالسكنى معه، كغلامه و جاريته و مرضعة ولده و ضيوفه، بل و كذا دابته إذا كان الموضع معدا لمثلها (۳۰). و لا يجوز أن يسكن غيرهم (۳۱) إلا أن يشترط ذلك أو يرضى المالك (۳۲)، و كذا لا يجوز أن يؤجر المسكن أو يعيره لغيره على الأقوى (۳۳).
كل ذلك لظهور الإطلاق المنزّل على ما هو المتعارف و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الخصوصيات و الجهات.
للأصل بعد ظهور الإسكان في سكنى نفسه و كذا لو شك في الشمول لغيره.
لتحقق الإذن حينئذ من المالك و من له الحق.
للأصل بعد الشك في شمول الإذن في السكنى لذلك لأنا و إن قلنا بأنه تمليك المنفعة لكن الظاهر أن التمليك مختص به.
نعم، لو استفيد من القرائن عدم اعتبار المباشرة لنفسه بنفسه يصح كل ذلك لثبوت الإذن من المالك حينئذ.
(مسألة ۹): كل ما صح وقفه صح إعماره (۳٤) من العقار و الحيوان و الأثاث و غيرها، و يختص مورد السكنى بالمساكن (۳٥)، و أما الرقبى ففي كونها في ذلك بحكم العمري أو بحكم السكنى تأمل و إشكال (۳٦).
أرسل ذلك إرسال المسلمات و ادعي الإجماع عليه و تقتضيه قاعدة السلطنة أيضا.
لظهور اللغة و العرف و النص6، و الإجماع فيه.
الظاهر أنه لا إشكال في كونه كالعمرى لقاعدة السلطنة و عدم ما يصح للتخصيص من نص أو إجماع معتبر أو غيرهما.
(مسألة ۱۰): يشترط في الحبس و ما يلحق به الشرائط العامة (۳۷) و جميع ما تقدم من الشرائط في الوقف (۳۸).
لما تقدم غير مرة من الدليل على اعتبارها فلا وجه للتكرار المرجوح.
لما أرسلوه إرسال المسلمات بحيث يظهر منهم الإجماع على ذلك، و لعل السر في عدم تعرضهم لتفصيل القول في الحبس الاكتفاء بما ذكروه في الوقف.
(مسألة ۱۱): يجوز أن يجعل مورد الحبس نفس المنفعة مثل ما إذا استأجر شخص دارا من غير شرط استيفاء المنفعة بنفسه مدة معينة ثمَّ حبس تلك المدة لغيره (۳۹).
لإطلاق الأدلة الشاملة لهذه الصورة أيضا كما تقدم بعد عدم دليل على اختصاص التحبيس بالعين بخلاف الوقف، كما عرفت- بل يجوز حبس الانتفاع أيضا كما إذا حبس المالك الانتفاع من ظل جداره أو شجرته على أحد و كذا غيرهما من الانتفاعات.
(مسألة ۱۲): لو ادعى المالك الحبس و ادعى المحبوس عليه الوقف يقدم قول المالك إن لم تكن بيّنة في البين (٤۰).
لأنه أعرف بنيته ما لم تكن حجة على الخلاف، مع بقاء سلطنته على العين، و لو وقع هذا النزاع بين ورثة المالك و المحبوس عليه فمقتضى أصالة بقاء العين على ملك مورّثهم انتقال العين إليهم أيضا فيقدم قولهم إلا إذا قامت البينة على الوقفية.
- الوسائل باب: 2 من أبواب السكنى و الحبيس.
- الوسائل باب: 2 من أبواب السكنى و الحبيس.
- الوسائل باب: 3 من أبواب السكنى و الحبيس الحديث: 2.
- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام السكنى و الحبيس الحديث: 1.
- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام السكنى الحديث: 1.
- تقدم في صفحة: 113.