1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الصوم
  10. /
  11. فصل في طرق ثبوت هلال رمضان و شوال‏ الهلال
في طرق ثبوت هلال رمضان و شوال للصوم و الإفطار و هي أمور:

: كسائر الموضوعات الخارجية التي تكون مورد حكم من الأحكام الشرعية فكل ما يثبت به تلك الموضوعات الأخر يثبت به الهلال أيضا إلا أن يدل دليل خاص به من توسعة أو تضييق أو هما معا، فيتبع لا محالة.

الأول: رؤية المكلّف نفسه (۱).

بضرورة المذهب، بل الدّين، و نصوص متواترة: منها: قول أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في الصحيح: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر»۱.

و أما قوله (عليه السلام): «إنّما الرؤية أن يقول القائل: رأيت فيقول القوم صدق»۲ فمحمول على صورة حصول التردد و الشبهة للرائي.

الثاني: التواتر (۲).

لأنه مما يوجب العلم العادي، فيكون حجة من هذه الجهة، و في خبر الأزدي قال: قلت: «لأبي عبد اللَّه (عليه السلام) أكون في الجبل في القرية فيها خمس مائة من الناس فقال (عليه السلام): إذا كان كذلك فصم‏ لصيامهم و أفطر لفطرهم»۳ و قريب منه غيره.

الثالث: الشياع المفيد للعلم، و في حكمه كلّ ما يفيد العلم و لو بمعاونة القرائن (۳) فمن حصل له العلم بأحد الوجوه المذكورة وجب عليه العمل به (٤) و إن لم يوافقه أحد، بل و إن شهد ورد الحاكم شهادته (٥).

كل ذلك لأنّ للعلم حجية فطرية و قد جبلت النفوس على اتباع العلم و لم يردعهم الشارع.

لأنّ الفطرة مجبولة على اتباع العلم الحاصل له من أي وجه حصل، و اعتبار هذه الطرق الثلاثة لا اختصاص لها بالمقام، بل يجري في كل مورد و مقام.

لفرض حصول العلم و لا يعارض العلم شي‏ء من الأشياء مطلقا ما دام ثابتا.

الرابع: مضيّ ثلاثين يوما من هلال شعبان، أو ثلاثين يوما من هلال رمضان، فإنّه يجب الصّوم مع الأول و الإفطار في الثاني (٦).

لنصوص كثيرة، مضافا إلى الإجماع، و أنّ ذلك من موجبات حصول العلم العادي، ففي خبر ابن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام):

«أنّه قال: في كتاب عليّ (عليه السلام): فإن خفي عليكم، فأتموا الشهر الأول ثلاثين يوما»4.

و قال أبو جعفر (عليه السلام)- في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام)-: «و إن غمّ عليهم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمَّ أفطروا»٥.

الخامس: البينة الشرعية (۷) و هي خبر عدلين سواء شهدا عند الحاكم و قبل شهادتهما أو لم يشهدا عنده أو شهدا ورد شهادتهما، فكلّ من شهد عنده عدلان يجوز، بل يجب عليه ترتيب الأثر (۸) من‏ الصّوم أو الإفطار و لا فرق بين أن تكون البينة من البلد أو من خارجه و بين وجود العلة في السماء و عدمها (۹). نعم، يشترط توافقهما في الأوصاف (۱۰)، فلو اختلفا فيها لا اعتبار بها (۱۱). نعم، لو أطلقا أو وصف أحدهما و أطلق الآخر كفى (۱۲) و لا يعتبر اتحادهما في زمان الرؤية مع توافقهما على الرؤية في الليل (۱۳). و لا يثبت بشهادة النساء (۱٤) و لا بعدل واحد و لو مع ضم اليمين (۱٥).

لعموم ما دل على حجيتها، و خصوص ما ورد من المستفيضة في المقام التي يأتي بعضها.

لظهور الإجماع، و لإطلاق النصوص المستفيضة كقول أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «إنّ عليّا (عليه السلام) كان يقول: لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين»٦.

و عنه (عليه السلام) أيضا: «قال عليّ (عليه السلام): لا نقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين»۷.

و عنه (عليه السلام) أيضا: «أو شهد عليه بينة عدول»۸.

و يمكن أن يكون اعتبار البينة من الأمور المتعارفة بين جميع الناس و من مرتكزاتهم أيضا في جميع الملل و الأديان، و إنّما الاختلاف في العدالة إذ رب عادل في ملة غير عادل في ملة أخرى، و لكنه اختلاف صغرويّ لا يضرّ بمسلّمية أصل الكبرى في الجملة، فيكون اعتبارها لأجل حصول العلم العادي الذي تطابقت على اعتباره آراء الناس، فقد تمت الحجية الشرعية، فيجب ترتيب الأثر، و كذا في جميع الموضوعات- كالطهارة، و النجاسة، و القبلة، و الحلية، و الحرمة، و غيرها مما لا تحصى- فلو قامت البينة على أنّ البلل الخارج من الشخص مني وجب عليه الغسل. نعم، في مورد الخصومة و المنازعة الذي لا بد فيها من الرجوع إلى الحاكم الشرعي تكون البينة بنظر الحاكم الشرعي أيضا.

و أما قول الصادق (عليه السلام) في موثق الخزاز: «إنّ شهر رمضان‏

فريضة من فرائض اللَّه فلا تؤدوا بالتظني، و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد: قد رأيته، و يقول الآخرون: لم نره إذا رآه واحد رآه مائة، و إذا رآه مائة رآه ألف، و لا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقلّ من شهادة خمسين، و إذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر»۹.

و قريب منه خبر الخزاعي‏۱۰ فمحمول على مورد التهمة بالخطإ و مخالفة النوع للبينة و في مثله يشكل اعتبار أصل البينة لتبادر الناس إلى خطئها حينئذ و لذا حكم (عليه السلام) باعتبارها فيما إذا كانت في السماء علة، لعدم تحقق المخالفة حينئذ غالبا، لأنّهم لا يدعون الرؤية مع العلة و لا يبادرون إلى خطإ من ادعاها، فالمستفيضة الدالة على اعتبار البينة في الهلال غير قابلة للتخصيص. و من نسب إليه من القدماء عدم اعتبار البينة إذا لم تكن في السماء علة لعله أراد ما قلناه فراجع و تأمل.

ثمَّ إنّ الحصر في مثل قول الصادق (عليه السلام): «ليس على أهل القبلة إلا الرؤية، و ليس على المسلمين إلا الرؤية»۱۱ إضافيّ لا أن يكون حقيقيا، فلا ينافي التحقق بطريق آخر من شياع أو بينة أو نحوهما من الحجج المعتبرة

لإطلاق ما تقدم من النصوص، و تقدم حمل موثق الخزاز على مورد تخطئه البينة عرفا، فلا وجه للحجية حينئذ.

إن ذكر الأوصاف، و لكن لا دليل على لزوم ذكرها، بل مقتضى‏ الأصل عدمه بعد صدق الشهادة بالنسبة إلى أصل الرؤية و لو في الجملة و ذات الهلال من حيث هو.

لعدم قيام البينة على شي‏ء واحد مع الاختلاف في المشهود به.

نعم، لو رجع الاختلاف إلى الأمور الخارجة عنه- كما إذا قال أحدهما: كان الهواء صافيا، و قال الآخر: كان مغبرا- لا بأس بمثله لتحقق التوافق على أصل المشهود به، فكل ما اتفقت البينة في المشهود به تقبل و إن اختلفت في الجهات الأخرى، و كل ما اختلفت في المشهود به لا تقبل و إن اتفقت في الجهات الأخرى.

لتحقق الاتفاق على المشهود به، إذ لا اختلاف بين المطلق و المقيد عرفا، و المسألة سيالة في جميع الموارد، و قد تقدم في (فصل طريق ثبوت النجاسة) و غيره.

لصدق قيام البينة على شي‏ء واحد، فتشملها الإطلاقات، و لو شهد أحدهما بأنّي رأيته في الليلة الماضية، و الآخر بأنّي رأيته هذه الليلة يكون ذلك من شهادة العدل الواحد، و لا يكون من قيام البينة على شي‏ء واحد عرفا.

للإجماع، و النصوص التي- تقدم بعضها- و أما قول أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في خبر داود بن حصين: «و لا بأس في الصوم بشهادة النساء و لو امرأة واحدة»۱۲ فمحمول على الاستحباب، لمخالفته لإجماع المحققين من الأصحاب، فيستحب الصوم في شهر رمضان و لو بشهادة امرأة واحدة بعنوان الرجاء، لا بعنوان أنّه من شهر رمضان.

على المشهور، و عن سلار الاكتفاء به في الصوم دون الإفطار، لما عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه بينة عدل من المسلمين»۱۳.

و فيه: أنّ المراد به البينة بقرينة سائر الأخبار الكثيرة- المتقدمة بعضها- مع أنّه في الإفطار و لا يقول به شيخنا السلار.

ثمَّ إنّه (رحمه اللَّه) استشكل في اعتبار شهادة العدل الواحد في سائر الموارد و جزم بالعدم هنا، للتنصيص بالعدلين في جملة من الأخبار في المقام‏۱4.

السادس: حكم الحاكم (۱٦) الذي لم يعلم خطؤه و لا خطأ مستنده (۱۷) كما إذا استند إلى الشياع‏ الظنّي (۱۸) و لا يثبت بقول المنجمين (۱۹)، و لا بغيبوبة الشفق في الليلة الأخرى (۲۰)، و لا برؤيته‏ يوم الثلاثين قبل الزوال، فلا يحكم بكون ذلك اليوم أول الشهر (۲۱) و لا بغير ذلك (۲۲) مما يفيد الظنّ و لو كان قويا (۲۳) الا للأسير و المحبوس (۲٤).بل شهدا شهادة علمية (۲٥).

نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب.

و في الجواهر «يمكن تحصيل الإجماع عليه خصوصا في أمثال هذه الموضوعات العامة التي من المعلوم الرجوع فيها إلى الحكام كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بالشرع و سياسته و بكلمات الأصحاب في المقامات المختلفة فما صدر عن بعض متأخري المتأخرين من الوسوسة في ذلك من غير فرق بين حكمه المستند إلى علمه أو البينة أو غيرهما لا ينبغي الالتفات إليها».

أقول: الظاهر أنّ اعتبار حكم الحاكم في الجملة من المسلّمات العقلائية عند الناس، لأنّ لكل مذهب و ملة حاكم و حكم في أمورهم الدّينية و الدنيوية خصوصا الأمور النوعية التي يحتاج النوع إليها، فالمقتضي للحجية في حكم الجامع للشرائط موجود و المانع عنه مفقود، فلا بد من الاعتبار، فيصح أن يقال: إنّ كل مورد يرجع فيه الناس بفطرتهم إلى الحاكم يكون حكمه فيه معتبرا

إلا مع ثبوت الردع، و قد ثبت الردع عن حكم من لم يكن جامعا للشرائط من المسلمين فكيف بغيرهم؟.

و أما الفقيه الإماميّ الجامع للشرائط، فمقتضى فطرة الشيعة اعتبار حكمه إلا مع ثبوت الردع، لأنّهم يرون حكمه حكم الإمام (عليه السلام)، و تقتضيه العمومات و الإطلاقات، كالتوقيع الرفيع: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه حديثنا، فإنّهم حجتي عليكم، و أنا حجة اللَّه»۱٥، و إطلاق قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم، إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بالإفطار ذلك اليوم، و أخر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم»۱٦.

و في المقبولة: «ينظران من كان منكم قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما»۱۷.

إلى غير ذلك من الأخبار التي وردت للامتنان على الشيعة إلى ظهور الحجة، لسوقهم إلى ملاذ و ملجأ في جميع أمورهم كما هو المفطور في النفوس في جميع المذاهب و الأديان، فالمقتضي للحجية في حكم الجامع للشرائط موجود و المانع عنه مفقود فلا بد من الاعتبار.

و قد أشكل على اعتبار حكمه في المقام بوجوه كلها ضعيفة-:

الأول: أنّه لا يصح التمسك لاعتباره بالمطلقات الدالة عليه للشك في كون المقام مشمولا لها و معه يكون التمسك بها تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية.

و فيه: أنّه من موضوعها عرفا و لا شك فيه لأنّه عبارة عن كل ما يرجع فيه‏

الناس إلى رئيسهم الدّينيّ مطلقا إلا مع ثبوت الردع الشرعيّ عن الرجوع و لم يثبت ذلك.

الثاني: أنّ المنساق من المطلقات إنّما هو خصوص الأحكام الشرعية أو الموضوعات التي تكون مورد المخاصمة الفعلية فلا يشمل المقام.

و فيه: أنّ التخصيص بخصوص الأحكام بلا مخصص و مخالف لظاهر العموم التي ورد مورد التسهيل و الامتنان، و مثل المقبولة و إن وردت في مورد المخاصمة لكن المورد لا يكون مخصصا للوارد، مع أنّه يصح أن يقال: إنّ اعتبار أصل الحكم إنّما هو لأجل قطع التفرقة و الاختلاف فعلا، أو شأنا، رفعا أو دفعا، و لا ريب في تحقق الأخير في مثل رؤية الهلال.

الثالث: أنّ مقتضى الحصر في قوله (عليه السلام): «لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين»۱۸ عدم ثبوته بحكم الحاكم. (و فيه): أنّه إضافيّ لا حقيقيّ، فلا وجه للاعتماد عليه في عدم اعتباره غيره.

الرابع: أنّ المراد بالإمام- فيما تقدم من قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح‏۱۹– إمام الأصل، فلا يشمل الفقيه.

و فيه: أنّ ظاهره الإطلاق و لا قرينة على التقييد كما في سائر موارد إطلاقاته، مع أنّه لم يعهد أن يبيّن معصوم تكليف معصوم آخر، و يظهر التعميم من قول الصادق (عليه السلام) لأبي العباس: «ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا»۲۰. فإنّه ظاهر في مسلمية التعميم و إن كان تطبيقه على المورد لأجل التقية، و في الخبر: «الإمام يقضي عنه المؤمنين الديون»۲۱ إلى غير ذلك من موارد إطلاقات لفظ الإمام.

الخامس: أنّه من الموضوعات الخارجية و لا ربط لها بالفقيه.

و فيه أولا: أنّ مورد الحكم أعمّ من أن يكون موضوعا خارجيا- كالعدالة، و الفسق، و النسب، و نحوها مما هو كثير، و يأتي في كتاب القضاء- أو أمرا كليا.

و ثانيا: أنّ مرجعه إلى الحكم بوجوب الصوم في أول الشهر و حرمته في آخره. فما ناقشه بعض متأخري المتأخرين في شمول حجية الحكم للمقام مخالفة لمرتكزات المؤمنين، بل الناس أجمعين حيث يتزاحمون آخر شعبان، و آخر شهر رمضان على باب دار من يزعمونه مرجعا دينيا لهم لاستعلام حكم الصوم وجوبا و تحريما، و هذه السيرة كانت مستمرة إلى عصر المعصوم (عليه السلام).

و بالجملة: كل ما يرجع فيه المتدينون إلى رئيسهم الدّينيّ في الأمور النظامية يكفي في عدم ثبوت الردع عن الاعتبار، و لا نحتاج إلى ثبوت الدليل على الحجية و الاعتبار فضلا عمّا ورد في المقام من الدليل عليه، و التشكيك في المقام مع التشكيك في الواضحات الفقهية، و لم أظفر على التشكيك فيه من القدماء، مع أنّ المسألة كانت ابتلائية لديهم.

ثمَّ إنّه لا فرق في اعتبار الحكم بين كون مستنده شياعا أو بينة أو العلم بذلك الحاصل من رؤية نفسه أو غيره، و الوجه في ذلك كله ارتكاز الناس لعموم اعتبار حكمه.

لعدم اعتبار شي‏ء مع العلم بمخالفته للواقع، و كذا لو علم بتقصيره فيما يتعلق بالحكم، فلا اعتبار به حينئذ. و أما لو ظن بخطئه بالظنون الاجتهادية مع إحراز استفراغ وسعه فيما يتعلق بالحكم، فمقتضى إطلاق أدلة الاعتبار، و أنّ الراد عليه كالراد على اللَّه‏۲۲ حجيته، و وجوب ترتيب الأثر عليه، و حرمة نقضه قال في الجواهر:

«ينقض الحكم إذا خالفه دليل علميّ لا مجال للاجتهاد فيه، أو دليل اجتهادي لا مجال للاجتهاد بخلافه إلا غفلة و نحوها، و لا ينقض في غير ذلك، لأنّ الحكم بالاجتهاد الصحيح حكمهم، فالراد عليه راد عليهم، و الراد عليهم على حدّ الشرك باللَّه تعالى». و قال أيضا في كتاب القضاء: «بل حكى الإجماع بعضهم بعدم جواز نقض الحكم الناشئ عن اجتهاد صحيح باجتهاد كذلك» و يأتي التفصيل في كتاب القضاء.

لأصالة عدم الحجية و الاعتبار. نعم، إن استند اعتبار الشياع الظنّي إلى الظنون الاجتهادية يكون معتبرا حينئذ كسائر الأحكام المستندة إلى الظنون الاجتهادية المعتبرة.

لأصالة عدم الحجية إلا فيما دل عليها الدليل، و لأنّه من التظنّي المنهيّ عنه بالخصوص، كما مرّ في بعض النصوص‏۲۳، مضافا إلى مكاتبة أبي عمر: «أخبرني يا مولاي إنّه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان و لا نراه و نرى السماء ليست فيها علة و يفطر الناس و نفطر معهم، و يقول قوم من الحسّاب قبلنا: إنّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر، و إفريقية و الأندلس هل يجوز يا مولاي ما قال الحسّاب في هذا الباب حتّى يختلف العرض على أهل الأمصار، فيكون صومهم خلاف صومنا، و فطرهم خلاف فطرنا؟ فوقّع لا صوم من الشك، أفطر لرؤيته و صم لرؤيته»۲4.

على المشهور للأصل، و لأنّه من التظني المنهيّ عنه. و أما ما عن الصادق (عليه السلام) في خبر إسماعيل بن الحر عن‏

أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب الشفق فهو لليلتين»۲٥، فهو- مضافا إلى قصور سنده، و موافقته للعامة- و هجره لدى الخاصة معارض بمكاتبة ابن راشد قال:

«كتب إليّ أبو الحسن العسكري (عليه السلام) كتابا و أرّخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان و ذلك في سنة اثنين و ثلاثين و مائتين، و كان يوم الأربعاء يوم شك، فصام أهل بغداد يوم الخميس و أخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس، و لم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل، قال: فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس و أنّ الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء، قال: فكتب إليّ زادك اللَّه توفيقا فقد صمت بصيامنا قال: ثمَّ لقيته بعد ذلك فسألته عما كتبت به إليه، فقال لي: أو لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس، و لا تصم إلا للرؤية»۲٦، فلا وجه للاعتماد عليه.

ثمَّ إنّ حق العبارة أن يقال: و لا عبرة بغيبوبته بعد الشفق المغربي في ليلة الرؤية في كونه لليلة السابقة.

للأصل، و دعوى الإجماع من التذكرة، و جملة من النصوص:

منها: الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا رأيتم الهلال، فأفطروا، أو شهد عليه عدول من المسلمين، و إن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل»۲۷.

بناء على أنّ المراد بوسط النهار قبل الزوال، فيدل على عدم كون اليوم الذي رؤي فيه الهلال قبل زواله أول شوال حتى يحرم صومه، بل هو من شهر

رمضان، فيجب إتمام صومه.

و منها: مكاتبة محمد بن عيسى: «جعلت فداك ربما غمّ علينا هلال شهر رمضان، فنرى من الغد الهلال قبل الزوال و ربما رأيناه بعد الزوال، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ و كيف تأمر في ذلك؟ فكتب (عليه السلام) تتم إلى الليل، فإنّه إن كان تاما رؤي قبل الزوال»۲۸. و المراد بهلال شهر رمضان هلال شوال توسعا بقرينة ذيل الخبر.

و منها: قول أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في خبر المدائني: «من رأى هلال شوال بنهار في شهر رمضان فليتم صيامه»، و المرسل عن عليّ (عليه السلام)- كما في الجواهر: «إذا رأيتم الهلال، أو رآه ذو عدل منكم نهارا فلا تفطروا حتى تغرب الشمس، كان ذلك في أول النهار أو في آخره»۲۹.

و منها: المستفيضة الدالة على أنّ الصوم للرؤية و الفطر للرؤية۳۰ بناء على اختصاصها بالرؤية المغربية فلا أثر لغير تلك الرؤية.

و قد نوقش في الجميع:

أما المستفيضة: فلأنّ المنساق منها عرفا كون الرؤية موجبة للصوم و الفطر و لا نظر فيها إلى جهة أخرى، فلا وجه للاستدلال بها.

و المرسل قاصر سندا و لم يوجد في الكتب المعتمدة.

و قول الصادق (عليه السلام) محمول على ما بعد الزوال، و المكاتبة معارضة بما هو أقوى سندا و دلالة، و المراد النهار في الصحيح بعد الزوال بقليل جمعا بينه و بين غيره، كما سيأتي.

و أما الأخبار المعارضة:

فمنها: قول الصادق في الصحيح: «إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك‏

اليوم من شوال، و إذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان»۳۱.

و قوله (عليه السلام) أيضا في الصحيح: «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة»۳۲ و نحوهما غيرهما.

و معناهما: وجوب الصوم في أول الشهر و حرمته في آخره إن كانت الرؤية قبل الزوال و عدم الوجوب و عدم الحرمة مع كون الرؤية بعده، و دعوى الإجماع من التذكرة معارض بدعوى الإجماع من السيد على العمل بمفاد الأخبار الأخيرة، و مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين و لكن قال في الجواهر: «إنّ منشأه اختلال الطريقة» ورد الطائفة الثانية من الأخبار بموافقتها لجمع من العامة، و إعراض المشهور عنها، و مخالفتها للأصل، و كونها من التظني المنهيّ عنه في صوم شهر رمضان.

كالتطوق- و هو ظهور النور في جرم القمر مستديرا- و العدّ و غيرهما و يأتي التعرض لها و الإشكال عليها.

لأصالة عدم الاعتبار إلا أن يدل عليه الحجية المعتبرة من الآيات و الأخبار.

ثمَّ إنّه نسب إلى الصدوق (رحمه اللَّه) أنّ التطوق أمارة كونه لليلتين، لقول الصادق (عليه السلام): «إذا تطوق الهلال فهو لليلتين»۳۳. و عدّ خمسة أيّام من هلال شهر رمضان الماضي، فيكون الخامس من أول المستقبل، لقوله (عليه السلام) أيضا: «صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول»۳4، و عن كتاب عجائب المخلوقات أنّه امتحن ذلك خمسين سنة فكان صحيحا، و عد شعبان ناقصا أبدا و شهر رمضان تاما كذلك،

لقوله (عليه السلام): «شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص و اللَّه أبدا»۳٥ و نسب إلى المفيد العمل به أيضا.

و لكن جميع مثل هذه الأخبار معرض عنها عند المشهور، و أخبار تمامية شهر رمضان أبدا مخالفة للوجدان، و لعلها وردت للتحفظ على عدم المبادرة إلى الحكم بأول الشهر و آخره إلا مع حجة معتبرة، مع أنّها معارضة بالمستفيضة الدالة على أنّ شهر رمضان كسائر الشهور يصيبه ما يصيبها من التمام و النقصان‏۳٦، و لكن لا بأس بالعمل بالجميع مع حصول العلم، و لعل من اعتبرها أراد هذه الصورة فقط، فيسقط النزاع رأسا.

فائدة: المشهور بين الفقهاء أنّه لا عبرة في ثبوت الهلال بالجدول و ذكر له محتملات التقاويم المعروفة أو جدول أهل الحساب المشتمل على عدّ شهر تاما و شهر ناقصا أو جدول عبيد اللَّه بن معاوية و عبد اللَّه بن جعفر و نسب إلى الصادق (عليه السلام) و كذا المشهور بينهم أنّه لا عبرة في ثبوته بالعدّ و هو عدّ خمسة أيّام من أول رمضان الماضي و جعل الخامس أول الحاضر أو عدّ تسعة و خمسين من أول رجب و جعل الستين أول شهر رمضان و الجدول يتداخل في بعض معانيه مع العدد.

ثمَّ إنّ الأمارات الواردة في الأخبار لتعيين أول الشهر عشرة:

الأول: أخبار العدلين بالرؤية.

الثاني: الرؤية.

الثالث: الشياع.

و هذه الثلاثة معتبرة عند الفقهاء بإجماعهم.

الرابع: إكمال الشهر الأول ثلاثين، و هذا أيضا معتبر عندهم مع فقد الثلاثة الأول.

الخامس: التطوق.

السادس: غيبوبة الهلال بعد الشفق.

السابع: رؤية ظلّ الرأس.

الثامن: عدم رؤية الهلال ليلة في الشهر السابق فإنّه أمارة على أنّ الليلة اللاحقة أول الشهر.

التاسع: صوم اليوم الخامس من شهر رمضان السنة السابقة و يعبّر عنه بالعدد و الجدول أيضا.

العاشر: صوم اليوم الستين من أول شهر رجب.

و هذه كلّها منصوصة كما لا يخفى على من راجع الوسائل (أبواب أحكام شهر رمضان) و لكن المشهور لم يعملوا بها مع قصور سند بعضها و لكن هناك كلام مع المشهور و هو أنّهم يقولون إنّ المراد بالعلم في اصطلاح الكتاب و السنة الاطمئنان العرفي الذي يسكن إليه فإذا حصل من هذه الأمور الاطمئنان العرفي فأيّ مانع عن الاعتماد عليها و بذلك يمكن الجمع بين الروايات و الأقوال.

و أما احتمال أنّ التطويق من الأمور التكوينية كشف عنه الشارع.

ففيه أولا: أن الدليل المهجور لدى الأصحاب كيف يعتمد عليه و لو كان صحيحا.

و ثانيا: أنّه صحيح لو كان التطويق في نفس جرم القمر من حيث هو و إن لم يحرز ذلك بل ظهر التطويق في نوره لأجل الأشعة الشمسية و سائر الجهات فهو مجمل فكيف يعتمد عليه؟

يأتي تفصيله في [مسألة ۱] فراجع.

لتقييد الشهادة بخصوص الرؤية في الأخبار كما يأتي نقل بعضها.

(مسألة ۲): إذا لم يثبت الهلال و ترك الصّوم ثمَّ شهد عدلان برؤيته يجب قضاء ذلك اليوم (۲٦)، و كذا إذا قامت البينة على هلال‏ شوال ليلة التاسع و العشرين من هلال رمضان (۲۷) أو رآه في تلك الليلة بنفسه (۲۸).

للنص، و الإجماع، قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام) في صحيح‏ منصور بن حازم «صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنّهما رأياه فاقضه»۳۷ و مثله غيره.

لأنّ البينة حجة شرعية، و يثبت بها هلال شوال، فيكون قد صام ثمانية و عشرين يوما فيجب عليه قضاء يوم، لأنّه المتيقن و الزائد مشكوك فينفى بالأصل، و في خبر ابن سنان: «صام عليّ (عليه السلام) بالكوفة ثمانية و عشرين يوما شهر رمضان، فرأوا الهلال، فأمر مناديا ينادي: اقضوا يوما، فإن الشهر تسعة و عشرون يوما»۳۸.

يجري فيه ما تقدم في سابقة، إذ لا فرق في الحجية بين البينة و الرؤية.

(مسألة ۳): لا يختص اعتبار حكم الحاكم بمقلّديه، بل هو نافذ بالنسبة إلى الحاكم الآخر أيضا (۲۹) إذا لم يثبت عنده خلافه (۳۰).

لعموم دليل اعتباره و تنزيله منزلة حكم الإمام (عليه السلام) الشامل لكلّ من العامي، و المجتهد و المقلّد، و الحاكم الشرعيّ.

بل و إن ثبت خلافه بالظنون الاجتهادية. نعم، مع العلم بالبطلان لا وجه للاعتبار بالنسبة إليه، و قد مرّ ما يتعلق به في السادس من طرق ثبوت الهلال فراجع.

(مسألة ٤): إذا ثبت رؤيته في بلد آخر و لم يثبت في بلده فإن كانا متقاربين كفى (۳۱) و إلا فلا (۳۲) إلا إذا علم توافق أفقهما و إن كانا متباعدين (۳۳).

لأنّه المتيقن من الإجماع، و سيرة المتشرعة خلفا عن سلف، و للنص ففي صحيح هشام: «إن كانت له بينه عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما»۳۹، و قول أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه» و تقتضيه إطلاقات أدلة اعتبار شهادة العدلين و الرؤية.

البحث في هذه المسألة العامة البلوى- في غالب الأعصار و الأعوام- تارة بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الأخبار. و ثالثة: بحسب الاعتبار. و رابعة: بحسب كلمات فقهائنا.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم صحة ترتب آثار الأولية و الآخرية- بواجباتها و مندوباتها، و مكروهاتها، و محرّماتها- بالنسبة إلى الأول و الآخر، لفرض عدم ثبوتها بحجة معتبرة كما هو الشأن في جميع موارد الشك في الموضوع. هذا إذا لم يستظهر من الأخبار ما ينافيه، و إلا فهو المتبع لا محالة، لما ثبت في محله من تقدم الحجج المعتبرة على الأصول كذلك.

و أما الثاني: فالأخبار على أقسام ثلاثة:

الأول: المطلقات كقول أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «صم لرؤية الهلال، و أفطر لرؤيته»، و موثق سماعة: «صيام شهر رمضان بالرؤية»، و قوله (عليه السلام): «صم للرؤية و أفطر للرؤية»، و قوله (عليه السلام): ليس على أهل القبلة إلا الرؤية و ليس على المسلمين إلا الرؤية»44 إلى غير ذلك مما هو كثير، و إطلاق لفظ «الرؤية» يشمل كلّ رؤية في أيّ بلد كان، لأيّ محلّ يحصل لهم الوثوق بتحقق الرؤية في أيّ بلد كانت إن قيل: إنّ هذا القسم من الأخبار لا ربط له بالمقام، لأنّ المنساق منها أنّ الرؤية حجة للرائي و لا نظر لها إلى التعميم و التخصيص يقال: لا ريب في ظهورها في أنّ الرؤية حجة معتبرة شرعا إلا أنّها على أقسام:

الأول: أن يراه شخص و لا يطلع عليه أحد.

الثاني: أن يراه شخص و يطلع عليه من يعلم بصدق الرائي في دعواه.

الثالث: أن يراه عدلان و يشهدا به عند الحاكم أو غيره، و مقتضى إطلاقها بالنسبة إلى الآخرين عدم الفرق بين اتحاد الأفق و اختلافه فلو رآه شخص في الحجاز و علم بصدقه شخص آخر في الهند، أو بالعكس وجب ترتيب الأثر، و كذا لو رآه شخص في الحجاز- مثلا- و جاء إلى الهند أو بالعكس وجب ترتيب الأثر على رؤيته، لشمول الإطلاق لجميع ذلك.

و بعبارة أخرى: صرف وجود الرؤية إذا تقاربت الأيام و الليالي في الجملة في بلاد العالم منشأ لترتيب الأثر اتحد الأفق أو اختلف و يأتي ما ينفع المقام في مستقبل الكلام.

القسم الثاني‏ من الأخبار: المستفيضة الدالة على أنّه إن صام تسعة و عشرين يوما ثمَّ شهد بينة عدول أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فإنّه يقضي ذلك اليوم، كموثق الشحام عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «أنّه سئل عن الأهلة فقال: هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر قلت:

أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ فقال (عليه السلام) لا إلا أن يشهد لك بينة عدول، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم».

و صحيح هشام عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): أنّه قال فيمن صام تسعة و عشرين قال: «إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما»، و لا ريب في شمول إطلاقه لاتحاد الأفق و اختلافه.

و صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الأهلة؟

فقال (عليه السلام): هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم و إذا رأيته فأفطر، قلت: إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ قال (عليه السلام): لا إلا أن تشهد لك بينة عدول، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم».

و في خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان فقال (عليه السلام): لا تصم إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه».

و في خبر سماعة عنه (عليه السلام) أيضا: «إذا اجتمع أهل مصر على صيامه للرؤية فاقضه» إلى غير ذلك مما هو كثير، و المنساق منها أنّ شهر رمضان في جميع البلاد واحد من حيث الكمية و العدد، و إطلاقها يشمل اتحاد الأفق و الاختلاف فيه.

القسم الثالث‏ من الأخبار: المستفيضة الدالة على أنّ شهر رمضان كسائر الشهور يصيبه ما يصيبه من الزيادة و النقصان:

منها: قول أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «شهر رمضان شهر من الشهور يصيبه ما يصيبه الشهور من التمام و النقصان»٥۰، و كذا قول أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة و النقصان»٥۱، فإنّ إطلاقها يدل على أنّ شهر رمضان في جميع البلاد واحد كوحدة سائر الشهور فيها فإما أن يكون تسعة و عشرين يوما في الجميع، أو ثلاثين يوما كذلك. لا أن يكون تسعة و عشرين يوما في بعض البلاد، و ثلاثين في البعض الآخر، فإنّ ذلك خلاف مجموع الأخبار.

و أما ما دل على أنّه تام أبدا كقوله (عليه السلام): «شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا»٥۲ و مثله غيره، فأسقطها عن الاعتبار إعراض الأصحاب

عنها و مخالفتها للوجدان، فلا بد من حملها على بعض المحامل. و أما الثالث: فهو مركب من أمور:

الأول: أنّ أول الشهر و آخره من الأمور التكوينية و لا وجه للتعبد في التكوينيات. نعم، يمكن التعبد بلحاظ الحكم الظاهري المترتب عليه، و لا وجه للحكم الظاهري مع إثبات الخلاف بالدليل المعتبر.

الأمر الثاني: أول الشهر بحسب البراهين القطعية الهيئوية عبارة عن خروج القمر عن تحت الشعاع و بروزه في الأفق، تعلقت به الرؤية أم لا، و هذا من الأمور التكوينية في الحركات الدّورية للكرات التي إحداها مضيئة، و البقية مستضيئة كما هو المشاهد لكل ذي فكرة من الإنسان، و الخروج عن تحت الشعاع و البروز في الأفق لا يؤثر فيه اختلاف الأفق مطلقا إلا إذا كان الاختلاف بمقدار اليوم أو الليلة و هو غير متحقق في البلاد الإسلامية- التي وجب عليهم الصّيام- فكلّ آن صدق عليه في الواقع أنّ فيه خرج القمر عن تحت الشعاع و برز يكون ذلك أول الشهر و يتعلق به الحكم في الواقع، و الرؤية طريق محض إليه لا أن تكون فيها موضوعية خاصة، كما أنّ سائر الطرق لها طريقية محضة و لا موضوعية فيها بوجه، و إنّما لم يذكر الخروج عن تحت الشعاع في الأدلة الشرعية، لبعده عن أذهان عامة الناس فيكون بالنسبة إلى سواد الناس من الإحالة على المجهول، و إلا فالمناط عليه اتحدت آفاق البلاد أو اختلفت.

الأمر الثالث: ليس في الأخبار التي عندنا اسم من اتفاق الأفق في البلاد و اختلافه، فتكفي رؤية الهلال في بعض البلاد للبعض الآخر في الأول دون الأخير، و لم نظفر على هذا التعبير أو ما يقاربه في الأخبار بشي‏ء. نعم، ذكر فيها الغيم و العلة في السماء٥۳ و لو كان للتقارب دخل في الحكم أو الموضوع لأشير إليه في خبر من الأخبار. و ليس اعتبار التقارب معقد إجماع معتبر أصلا، بل تمسك بعضهم بما في دعاء السماء: «و جعلت رؤيتها لجميع الناس مرأى واحدا» على عدم الاختلاف رأسا، و آخر، بأنّ الأرض مسطحة لا كروية، و لعل مراده التسطيح النسبيّ لا الحقيقيّ حتى ينافي العلوم الحديثة العصرية فمن أين حصل ا القيد الذي أوقع الناس في الاختلاف في هذه المسألة العامة البلوى و المناط كلّه على صدق أول الشهر و الأولية تصدق عرفا باشتراك البلاد المختلفة في خروج القمر عن تحت الشعاع و بروزه في الأفق و لو في بعض الوقت و إن اختلفت البلاد في الأفق بكثير ما لم يصل الاختلاف إلى مقدار اليوم أو الليلة.

و بعبارة أخرى: ليلة أول الشهر ليلة خروج القمر عن تحت الشعاع و بروزه إلى الأفق في أيّ أفق من آفاق البلاد كان، و هذه الليلة ليلة أول الشهر في جميع بلاد العالم‏ بشرطين: الأول: اتحادها في جامع الليلة بساعات يسيرة.

الثاني:- و هو عبارة أخرى عن الأولى- أن لا يكون بقدر يوم أو ليلة، و ذلك كلّه لصدق بروز القمر في الأفق في الجميع و خروجه عن تحت الشعاع كذلك.

إن قيل: فليكن كذلك بالنسبة إلى الظهر و المغرب أيضا مع أنّه خلاف الوجدان من اختلافهما باختلاف البلدان (يقال): القياس مع الفارق لأنّ ليلة أول الشهر لوحظت بعرضها العريض المنطبق على كلّ بلد تحقق فيه عنوان الليلة مع خروج القمر عن تحت الشعاع و بروزه في الأفق بخلاف الظهر و المغرب فإنّهما لوحظا بالنسبة إلى كلّ بلد مع ملاحظة عرضها و طولها، و ليس في البين عنوان واحد لجميع البلاد كلّها في وقت واحد. و يمكن أن يستظهر من ذلك أنّ النزاع بينهم لفظيّ: فمن اعتبار تقارب البلاد في الأفق جعل أول الشهر مثل الظهر و المغرب. و من لم يعتبر ذلك جعله من باب انطباق عنوان واحد على الجميع و لو في وقت يسير. و الحق مع الأخير كما لا يخفى.

و يمكن التشكيل بشكل بديهي الإنتاج بأن يقال: هذه ليلة السبت- مثلا- في النجف الأشرف بجميع لوازمها العامّة الفلكية التي منها كونها أول الشهر،

و كلّ ليلة سبت كذلك في النجف ليلة سبت في جميع البلاد إلا ما اختلف فيه الليل و النّهار، و هذه ليلة أول الشهر في النجف، فيكون أول الشهر في الجميع فتأمل.

الأمر الرابع: موانع الرؤية في البلاد مختلفة و كثيرة جدّا كما و كيفا و من سائر الجهات التي لا تحصى كالغيم، و كدورة الهواء، و غلظة الأبخرة المتصاعدة، و اختلاف الأوضاع الأرضية و السماوية إلى غير ذلك فيكون عدم الرؤية أعمّ من عدم البروز في الأفق قطعا.

و أما الأخير و هو بيان كلمات الفقهاء: فنسب جواز الاكتفاء إلى العلامة (رحمه اللَّه) في المنتهى، و نسبه في التذكرة إلى بعض علمائنا، و اختاره المحدّث الكاشاني، و صاحب الحدائق، و صاحب المستند، و الخونساري في شرح النجاة، و مال إليه صاحب الجواهر، و اختاره جمع من معاصرينا و حيث إن أحسن الكلام و أمتنه ما ذكره صاحب المستند في مستنده نذكره بعينه قال (قدّس سرّه): «الحق الذي لا محيص عنه عند الخبير كفاية الرؤية في إحدى البلدين للبلد الآخر مطلقا سواء كان البلدان متقاربين أم متباعدين كثيرا، لأنّ اختلاف حكمها موقوف على العلم بأمرين: أحدهما أن يعلم أنّ مبنى الصّوم و الفطر على وجود الهلال في البلد بخصوصه، و لا يكفي وجوده في بلد آخر و إن حكم الشارع بالقضاء بعد ثبوت الرؤية في بلد آخر له لا يدل على وجوده في هذا البلد أيضا مما لا سبيل إليه لم لا يجوز أن يكفي وجوده في بلد لسائر البلدان أيضا. ثانيهما أن يعلم أنّ البلدين مختلفان في الرؤية البتة أي: يكون الهلال في أحدهما دون الآخر و هذا أيضا غير معلوم» فراجع عباراته تجدها وافية بالمطلب.

ثمَّ إنّه إما أن يعلم من وجوده في هذا البلد وجوده الواقعيّ في سائر البلاد و إن لم ير، أو يشك فيه، أو يعلم بالعدم فعلا، و مقتضى إطلاق ما تقدم من الأخبار٥4 تحقق أول الشهر في الجميع لتعلق الحكم على صرف وجود الرؤية و المفروض تحققه، و يمكن الاستشهاد للاعتبار و لو مع اختلاف آفاق البلاد بما ورد في دعاء قنوت الفطر و الأضحى: «بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا»، و بالمتواترة الدالة على أنّ ليلة القدر واحدة٥٥، و بالدعاء: «و جعلت رؤيتها لجميع الناس مرأى واحدا» أي: من حيث الحكم بأنّه إذا رآه أهل بلد وجب الصّوم على الجميع، و بأنّ عدم الاعتبار اختلاف و شقاق بين المسلمين و الشارع لا يرضى بذلك. إلى غير ذلك من المؤيدات و أئمة الدّين (عليهم السلام) لا يرضون بتفريق المسلمين، و لذلك اهتموا بالتقية اهتماما كثيرا.

فكيف يرضون بالتفرقة بين شيعتهم في يوم عيدهم الذي هو أهمّ الشعائر الدّينية و المذهبية، و في ليلة القدر التي هي أهمّ المجامع العبادية لبرّهم و فاجرهم. و أما قولهم (عليهم السلام): «إنّما عليك مشرقك و مغربك و ليس على الناس أن يبحثوا»٥٦ فالمراد به أوقات الفرائض لا أول الشهر و آخره و إلا لتعدد الأول و الآخر و اختلف اختلافا كثيرا.

توافق الأفق من طرق إحراز خروج القمر عن تحت الشعاع و بروزه في السماء و بأيّ وجه أحرز ذلك يكفي تباعدت الآفاق أم تقاربت، لما تقدم من كفاية تحقق مسمّى الرؤية. نعم، لو كان التباعد بمقدار ليلة لا يترتب الحكم حينئذ، لتحقق التبائن الكلي.

(مسألة ٥): لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي المسمّى بالتلغراف في الإخبار عن الرؤية (۳٤) إلا إذا حصل منه العلم (۳٥) بأن كان البلدان متقاربين (۳٦) و تحقق حكم الحاكم أو شهادة العدلين برؤيته هناك (۳۷).

لأصالة عدم الحجية، و كذا الكلام في الإذاعة و نحوها، و لكن لو كان المباشر للتلغراف و الإذاعة حجة معتبرة يشملهما دليل اعتبار البينة و لو علم‏ الصّدق بالقرائن الخارجية وجب ترتيب الأثر أيضا.

لاعتبار العلم من أيّ سبب حصل.

تقدم أنّه لا أثر للتقارب و لا اعتبار به، و أنّ المناط كلّه هو العلم بصرف وجود الخروج عن تحت الشعاع و البروز في السماء بالنسبة إلى الكرة الأرضية بأيّ نحو تحقق العلم و من أيّ منشأ حصل.

لعدم الفرق بين الحجج المعتبرة و مناشئ حصول العلم و الاطمئنان.

(مسألة ٦): في يوم الشك في أنّه من رمضان أو شوال يجب أن يصوم (۳۸)، و في يوم الشك في أنّه من شعبان أو رمضان يجوز الإفطار و يجوز أن يصوم، لكن لا بقصد أنّه من رمضان كما مرّ سابقا تفصيل الكلام فيه (۳۹) و لو تبيّن في الصورة الأولى كونه من شوال وجب الإفطار (٤۰) سواء كان قبل الزوال أو بعده، و لو تبيّن في الصورة الثانية كونه من رمضان وجب الإمساك و كان صحيحا إذا لم يفطر و نوى قبل الزوال و يجب قضاؤه إذا كان بعد الزوال (٤۱).

للأصل، و النص‏٥۷، و الإجماع.

راجع [مسألة ۱٦] من (فصل النية).

لتبيّن حرمة صومه، فلا يجوز البقاء عليه، و يكفي في الإفطار نية القطع أو القاطع، و لا يجب تناول شي‏ء، و مقتضى إطلاق دليل الحرمة عدم الفرق بين قبل الزوال و بعده.

مرّ ما يتعلق بالمسألتين في (فصل النية) فراجع.

(مسألة ۷): لو غمّت الشهور و لم ير الهلال في جملة منها أو في تمامها حسب كل شهر ثلاثين (٤۲) ما لم يعلم النقصان عادة (٤۳).

للاستصحاب، و النص، و الإجماع، قال أبو جعفر (عليه السلام) في الموثق: «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان- فإذا صمت تسعة و عشرين يوما ثمَّ تغيمت السماء فأتم العدّة ثلاثين يوما»٥۸.

و عن عليّ (عليه السلام): «و إن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمَّ أفطروا»٥۹. و يمكن أن يكون بعض محامل ما دلّ على أنّ شهر رمضان تام أبدا٦۰ ما إذا تغيّم الشهر.

و أشكل على الاستصحاب أولا: بعد جريانه في المتدرجات التي منها الزمان. و أخرى: بأنّ هذا الاستصحاب لا يثبت كون الشهر رمضانا إلا على القول بالأصل المثبت، سواء كانت الرمضانية قيد الموضوع أم كون مقارنة الصوم لرمضان شرطا في الوجوب.

و على الخبرين: بأنّهما متعارضان بخبر الزعفراني قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين و الثلاثة فأي يوم نصوم؟ قال (عليه السلام): انظروا اليوم الذي صمت من السنة الماضية فعدّ منه خمسة أيام و صم يوم الخامس»٦۱، و في خبر الخدري عنه (عليه السلام) أيضا: «صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول»٦۲.

و فيه: أما عدم جريان الاستصحاب في المتدرجات و الزمان و الزمانيات فقد ثبت بطلانه في الأصول، و إنّ لها وحدة اعتبارية يجري فيها الأصل بلحاظ تلك الوحدة. و أما شبهة كونه مثبتا فلا وجه له أصلا لجريان الأثر الشرعيّ على‏

نفس المستصحب بلا وساطة شي‏ء، ففي استصحاب شعبان يترتب عدم وجوب الصوم، و في استصحاب رمضان يترتب وجوبه كما هو واضح و لا يحتاج إلى إطالة المقال.

و أما الخبران فمضافا إلى قصور سندهما مهجوران عند الأصحاب فكيف يصلحان للمعارضة.

أي العلم التفصيلي، و كذا الإجمالي الذي كانت تمام أطرافه موردا للابتلاء فعلا، و أما مع الخروج عنه فلا تنجز له حينئذ، فيشمل دليل العد ثلاثين يوما

(مسألة ۸): الأسير و المحبوس إذا لم يتمكنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظنّ (٤٤) و مع عدم الظنّ تخيّرا في كل سنة بين الشهور (٤٥) فيعيّنان شهرا له و يجب مراعاة المطابقة بين الشهرين (٤٦) في سنتين بأن يكون بينهما أحد عشر شهرا، و لو بان بعد ذلك أنّ ما ظنه أو اختاره لم يكن رمضان، فإن تبيّن سبقه كفاه، لأنّه حينئذ يكون ما أتى به قضاء (٤۷) و إن تبيّن لحوقه و قد مضى قضاه، و إن لم يمض أتى به (٤۸). و يجوز له في صورة عدم حصول الظنّ أن لا يصوم حتى يتيقن أنّه كان سابقا، فيأتي به قضاء (٤۹) و الأحوط إجراء أحكام شهر رمضان على ما ظنّه من الكفارة و المتابعة، و الفطرة، و صلاة العيد، و حرمة صومه ما دام الاشتباه باقيا (٥۰) و إن بان الخلاف عمل بمقتضاه (٥۱).

نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام)- في الأسير الذي لا يدري أنّ شهر رمضان أيّ شهر هو؟ قال: «يصوم شهرا يتوخى و يحسب فإن كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزه، و إن كان بعد شهر رمضان أجزأه»٦۳ و التواخي: هو الأخذ بالراجح بعد الفحص و التأمل، و ذكر الأسير من باب المثال، فيشمل المحبوس و كل من لا يقدر على تحصيل الحجة المعتبرة.

لظهور إجماعهم عليه. و استدل تارة: بما ورد في الأسير.

و فيه: أنّ لا ربط له بالتخيير، لأنّ التواخي هو: الأخذ بالراجح و هو غير التخيير. و اخرى: بأنّ التعيين ساقط، لأجل التعذر فلا بد من التخيير.

و فيه: أنّه إذا كان التعيين شرطا للواجب، فيسقط أصل الوجوب، لعدم التمكن من شرطه فلا موضوع للتخيير حينئذ.

و ثالثة: بلزوم الحرج من الاحتياط.

و فيه: أنّه يلزم حينئذ التنزل إلى تبعيض الاحتياط لا التخيير كما في سائر الموارد.

و رابعة: بما ورد في القبلة عند تعذر الصلاة إلى أربع جهات‏٦4. و فيه:

أنّ قياس و منصوص فيها دون المقام.

و خامسة: بأنّه من دوران الأمر بين المحذورين، لأنّ كل يوم بالنسبة إليه يحتمل كونه فطرأ أو أضحى، أو من شهر رمضان و الحكم في دوران الأمر بين المحذورين هو التخيير، كما ثبت في محله و فيه: أنّ موضوعه ما إذا كان احتمال الوجوب و الحرمة متساويا لا أن يكون احتمال الحرام من الضعيف النادر و على فرض كون المقام منه فيكون التخيير بين الفعل و الترك لا التخيير في الفعل بالنسبة إلى الشهور. و لكن يمكن أن يقال: إنّ التبعيض في الاحتياط في الصيام مثل الاحتياط التام في المشقة، فيتعيّن التخيير الذي هو الموافق لسهولة الشريعة و مرتكزات المتشرعة.

تحفظا على التشبه برمضان الأصلي حتّى المقدور، و عملا بقاعدة الميسور و لو من هذه الجهة.

و لا يضرّه قصد الأداء، لأنّه من الخطإ في التطبيق، فيرجع قصده إلى قصد التكليف الواقعي و المفروض أنّ تكليفه الواقعيّ هو القضاء.

أما القضاء، فلمضيّ الوقت المجعول له. و أما الإتيان مع عدم‏ المضيّ، فلإطلاق دليل الوجوب، و قاعدة الاشتغال و إن استمر الاشتباه مع الإتيان بوظيفته فلا شي‏ء عليه، للأصل.

أما أصل جواز التأخير في الجملة فللأصل، لأنّ احتمال وجوبه إما نفسيّ أو غيريّ و كلّ منهما مورد البراءة كما ثبت في محله. و أما التأخير إلى تحقق القضاء فهو خلاف الاحتياط، بل يتأخر بما يعلم منه بعدم التقدم على شهر رمضان، فيصوم حينئذ بقصد ما في الذمة.

بناء على تنزيل ما اختاره من الصوم منزلة شهر رمضان من كل جهة و في تمام الآثار، و لكنه مشكل و لا بد فيه من الاقتصار على المتيقن و هو لزوم المتابعة و حرمة الإفطار و الكفارة و القضاء إن أفطر عمدا. و أما بقية الآثار، فيحتاج إلى إثبات عموم التنزيل من كل جهة، و الشك فيه يكفي في عدم الثبوت.

لقاعدة الاشتغال، و قاعدة عدم الإجزاء مع تبين الخلاف.

(مسألة ۹): إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر مثلا، فالأحوط صوم الجميع (٥۲) و إن كان لا يبعد إجراء حكم الأسير و المحبوس (٥۳). و أما إذا اشتبه الشهر المنذور صومه بين شهرين أو ثلاثة فالظاهر وجوب الاحتياط ما لم يستلزم الحرج (٥٤) و معه يعمل بالظنّ (٥٥) و مع عدمه يتخيّر (٥٦).

لقاعدة الاشتغال، و تنجز العلم الإجمالي.

لوجود المناط الذي هو التردد و الاشتباه فيه أيضا، و النص‏٦٥ ورد في الأسير فحمل المحبوس عليه، لتحقق المناط، فليحمل المقام أيضا عليه، مع أنّ مثل هذا الاحتياط ملازم للحرج في الجملة.

لتنجز العلم الإجمالي الموجب للاحتياط و لا دليل في المقام على التخيير، و القياس على ما تقدم في شهر رمضان باطل لا وجه له إلا أن يقال: إنّ ذكر شهر رمضان من الغالب لا الخصوصية، فيشمل جميع الصيام المعينة.

إن تمت سائر مقدمات الانسداد.

لفقد طريق الامتثال إلا به و ربما يقال: يتعين صوم الشهر الأخير بقصد ما في الذمة أعمّ من الأداء و القضاء و له وجه.

(مسألة ۱۰): إذا فرض كون المكلف في المكان الذي نهاره ستة أشهر و ليلة ستة أشهر أو نهاره ثلاثة و ليلة ستة أو نحو ذلك، فلا يبعد كون المدار في صومه و صلاته على البلدان المتعارفة المتوسطة مخيّرا بين أفراد المتوسط و أما احتمال سقوط تكليفهما عنه فبعيد كاحتمال سقوط الصّوم و كون الواجب صلاة يوم واحد و ليلة واحدة، و يحتمل كون المدار بلده الذي كان متوطنا فيه سابقا إن كان له بلد سابق (٥۷).

و يحتمل إجراء حكم الأقرب بالنسبة إليه، كما يحتمل إيكال الأمر إلى نظر الفقيه المأنوس بمذاق الفقاهة و خصوصيات الشرع، و يشهد لعدم سقوط التكليف ما رواه الترمذي بسند صحيح عندهم في باب ما جاء في فتنة الدجال: «قلنا يا رسول اللّه ما لبثه في الأرض قال: أربعين يوما كشهر، و يوم كجمعة و سائر أيامه كأيامكم، قال: قلنا: يا رسول اللَّه أرأيت اليوم الذي كالسنة أ تكفينا فيه صلاة يوم؟ قال (صلّى اللَّه عليه و آله): لا و لكن اقدروا له».

  1. الوسائل باب: ۳ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۷.
  2. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱4.
  3. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
  4. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۲.
  5. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۱.
  6. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۷.
  7. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۸.
  8. الاستبصار ج: ۲ صفحة: ٦4 ط النجف الأشرف.
  9. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۰.
  10. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۳.
  11. الوسائل باب: ۳ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۲.
  12. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱٥.
  13. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۱.
  14. تقدم في صفحة: ۲٥۷.
  15. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صفات القاضي حديث: ۹.
  16. الوسائل باب: ٦ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱.
  17. الوسائل باب ۱۱ من أبواب صفات القاضي حديث: ۱ و ٦ و غيره.
  18. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱.
  19. تقدم في صفحة: ۲٥۹.
  20. الوسائل باب: ٥۷ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: ٥.
  21. الوسائل باب: ۹ من أبواب الدين و القرض حديث: 4.
  22. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صفات القاضي حديث: ۱.
  23. تقدم في صفحة: ۲٥٦.
  24. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱.
  25. الوسائل باب: ۹ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۳.
  26. الوسائل باب: ۹ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱.
  27. الوسائل باب: ۸ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱.
  28. الوسائل باب ۸ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
  29. الوسائل باب ۸ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۲.
  30. راجع الوسائل باب: ۳ من أبواب أحكام شهر رمضان.
  31. الوسائل باب: ۸ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ٥.
  32. الوسائل باب: ۸ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ٦.
  33. الوسائل باب: ۹ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۲.
  34. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱.
  35. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۲٦.
  36. راجع الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱ و ۲ و غيره.
  37. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
  38. الوسائل باب: ۱4 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱.
  39. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۳.
  40. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۲.
  41. الوسائل باب: ۳ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۸.
  42. الوسائل باب: ۳ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ٦.
  43. الوسائل باب: ۳ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۳.
  44. الوسائل باب: ۳ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۲.
  45. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
  46. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۳.
  47. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۹.
  48. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۲.
  49. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۷.
  50. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۷.
  51. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۰.
  52. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۲٦.
  53. الوسائل باب: ٥ و ۱۰ و غيرهما من أبواب أحكام شهر رمضان.
  54. تقدم في صفحة: ۲۷۰.
  55. الوسائل باب: ۳۳ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱4 و ۱٥ و ۱۹.
  56. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب المواقيت حديث: ۲ كتاب الصلاة.
  57. تقدم في صفحة: ۲۷۱ و ما بعدها.
  58. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱.
  59. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۱.
  60. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۲۷.
  61. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث ۳.
  62. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث ۱.
  63. الوسائل باب: ۷ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱.
  64. الوسائل باب: ۸ من أبواب القبلة.
  65. تقدم في صفحة: ۲۷۹.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"