1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الصوم
  10. /
  11. فصل في النية
يجب في الصوم القصد إليه (۱)، مع القربة (۲)، و الإخلاص (۳) كسائر العبادات (٤). و لا يجب الإخطار (٥)، بل يكفي الداعي (٦) و يعتبر فيما عدا شهر رمضان- حتّى الواجب المعيّن أيضا- القصد إلى‏ نوعه (۷)، من الكفارة، أو القضاء، أو النذر مطلقا كان أو مقيّدا بزمان معيّن (۸)، من غير فرق بين الصوم الواجب و المندوب (۹). ففي المندوب أيضا يعتبر تعيين نوعه (۱۰)- من كونه صوم أيّام البيض مثلا أو غيرها من الأيّام المخصوصة- فلا يجزئ القصد إلى الصوم مع القربة من دون تعيين النوع (۱۱) من غير فرق بين ما إذا كان ما في ذمته متحدا أو متعددا (۱۲) ففي صورة الاتحاد أيضا يعتبر تعيين النوع. و يكفي التعيين الإجمالي (۱۳)، كأن يكون ما في ذمته واحدا، فيقصد ما في ذمته، و إن لم يعلم أنّه من أيّ نوع (۱٤)، و إن كان يمكنه الاستعلام أيضا، بل فيما إذا كان ما في ذمته متعددا أيضا يكفي التعيين الإجمالي (۱٥) كأن ينوي ما اشتغلت ذمته به أولا، أو ثانيا أو نحو ذلك (۱٦). و أما في شهر رمضان فيكفي قصد الصوم و إن لم ينو كونه من رمضان (۱۷)، بل لو نوى فيه غيره جاهلا أو ناسيا له أجزأ عنه (۱۸) نعم، إذا كان عالما به و قصد غيره لم يجزه (۱۹) كما لا يجزئ لما قصده أيضا (۲۰) بل إذا قصد غيره عالما به مع تخيل صحة الغير فيه، ثمَّ علم بعدم الصحة، و جدد نيته قبل الزوال لم يجزه أيضا (۲۱)، بل الأحوط عدم الإجزاء إذا كان جاهلا بعدم صحة غيره فيه، و إن لم‏ يقصد الغير أيضا بل قصد الصوم في الغد مثلا (۲۲). فيعتبر في مثله تعيين كونه من رمضان. كما أنّ الأحوط في المتوخي- أي المحبوس الذي اشتبه عليه شهر رمضان و عمل بالظنّ- أيضا ذلك، أي اعتبار قصد كونه من رمضان. بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوة (۲۳).

لأنّ كلّ فعل اختياريّ متقوّم بالقصد تكوينا و لا ربط لذلك بالفقه و الفقهاء.

بضرورة الدّين فضلا عن المذهب.

لما تقدم في الثالث عشر من شرائط الوضوء في كتاب الطهارة و فصل النية من كتاب الصّلاة، فراجع، لأنّه لا فرق بين المقام و بينهما موضوعا و حكما و دليلا.

لتقوّم كلّ عبادة بالقربة و الإخلاص بإجماع المسلمين، و وجدان كلّ عابد بالنسبة إلى معبوده.

للأصل بعد عدم دليل عليه من عقل أو نقل. و هذا البحث ساقط في هذه الأعصار، لاتفاق المحققين على كفاية مجرّد الدّاعي و هو الموافق للوجدان بالنسبة إلى جميع الأفعال الاختيارية، و يمكن إرجاع الإخطار إليه أيضا إلا أنّهم (رحمهم اللَّه) عبروا بذلك اهتماما منهم بالعبادات لا أن تكون لنفس الإخطار من حيث هو موضوعية خاصة، بل هو طريق إلى الدّاعي و عدم الغفلة حين صدور العمل فالنزاع لفظيّ لا أن يكون معنويا، لأنّ من عبّر بالإخطار أجلّ من أن يخفى عليه كفاية الدّاعي، فراجع الكلمات تجد ما قلناه صحيحا.

ثمَّ إنّ في المقام بحث آخر منهم (رحمهم اللَّه) بالنسبة إلى النيّة جار في جميع العبادات و هو: أنّ النية فيها جزء أو شرط و هذا البحث أيضا ساقط بناء على ما هو الحق من كفاية الدّاعي فيها، بل ساقط من أصله، لأنّ النية على أيّ تقدير من عمل القلب، فإن عمّمنا أجزاء المكلّف به حتّى بالنسبة إلى عمل القلب، فهو جزء، و إن خصصناها بخصوص الخارجيات فهو شرط، فلها نحو برزخية بين الجزئية المحضة و الشرطية الصّرفة و في مثل هذه الأمور تختلف الأنظار، و يمكن جعل النزاع لفظيا أيضا و قد ذكرنا في نية الوضوء و الصلاة بعض ما ينفع المقام.

لأصالة البراءة عن اعتبار ما زاد عن مجرد الدّاعي، فكما لا يعتبر الإخطار التفصيليّ في جميع ما يصدر عن الناس- في جميع أفعالهم و مقاصدهم- بل يكفي مجرّد الدّاعي النفسيّ، فكذا الصّوم و سائر العبادات إذ ليست هي إلا من الأمور الاختيارية الحاصلة عن المكلّف. نعم، تزيد على سائر الاختياريات باعتبار القربة فيها لتقوّمها بها، و تحصل القربة بأيّ وجه أمكن إضافة صدور العمل إليه تبارك و تعالى على ما تقدم تفصيله في نية الوضوء و الصلاة.

ثمَّ إنّ ظواهر الأدلة، و مرتكزات الصائمين أنّ الصوم أمر وجوديّ و عمل خارجيّ قائم بالصائم سواء عبّر عنه بالإمساك الخاص، أم توطين النفس على تروك خاصة، أو كفّ النفس عنها، أو غير ذلك من التعبيرات، و ليست عمليته و خارجيته كعملية الصلاة- مثلا- و خارجيتها بحيث يكون للجوارح دخل في تحققها خارجا، بل يكون مثل الصّمت و السكوت و الطمأنينة و الاستقرار و نحو ذلك من الأعمال و الأفعال المستندة إلى عمل النفس و فعلها، و لها آثار خارجية أيضا، و يصح أن يقال: إنّها من أفعال الشخص عرفا، فإن كان مراد من يقول: إنّ مثل الصّوم عبادة فاعلية: ما قلناه، فنعم الوفاق، و إن كان غير ذلك فليس له معنى محصل.

و بعبارة أخرى: للفعل الخارجيّ مراتب متفاوتة من حيث البروز و الظهور شدة و ضعفا، صدورا و قياما و حلولا و اعتبارا، و ذلك لا يوجب سلب الفعلية عنه و لا فرق من حيث النية بينه و بين سائر الأفعال، يقال: صمت البارحة و لا أصوم غدا، كما يقال: قرأت القرآن في الأمس و لا أقرأ غدا، فأيّ وجه لأن يقال: إنّ النية في الثانية فعلية و في الأولى فاعلية، مع أنّ أهل المحاورة لا يفرّقون بينهما و لا تترتب عليه ثمرة عملية، بل و لا علمية معتنى بها.

لأنّ التكليف إنّما تعلق بالخصوصية النوعية، فلا بد من قصدها و إلا فلا يتحقق الامتثال، إذ الامتثال قصديّ في العبادات لا أن يكون انطباقيا قهريا. نعم، لو قصد ذات الصّوم طريقا إلى النوع الخاص يجزي، لأصالة عدم اعتبار الأزيد منه، ففي كل مورد ليس المأمور به متعينا ذاتا كما في شهر رمضان و نحوه لا بد من التعيين في القصد و الإرادة لأنّهما لا يتعلقان إلا بالمتعيّن إما ذاتا أو قصدا، و المسألة سيالة في موارد كثيرة، و يأتي في كتاب الزكوات (فصل الزكوات من العبادات) بعض ما يرتبط بالمقام و لا يخفى أنّ موضوع هذه المسألة إنّما هو فيما إذا كان ما في الذمة متعدّدا، و أما مع الوحدة فيجزي التعين عن التعيين كما هو واضح.

البحث في الصوم الواجب بالعرض مطلقا- نذرا كان، أو عهدا، أو يمينا، أو إجارة، أو شرطا، أو أمر أحد الوالدين أو غير ذلك- تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب القاعدة. و ثالثة: بحسب الدليل الخاص.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم الإجزاء، لأنّ الشك يرجع إلى فراغ الذمة بعد العلم باعتبار النية بالنسبة إلى خصوصية النوع المأمور به و عدم كفاية قصد طبيعيّ الصّوم من حيث هو.

و أما الثاني: فمقتضى القاعدة المعروفة من أنّ كلّ ما هو معتبر في المأمور به يعتبر في القصد و النية و لو إجمالا لزوم قصد النوع أيضا، لفرض تعلق الأمر بالنوع الخاص دون الطبيعيّ و الذات.

و أما الأخير: فإن قلنا بأنّه يحصل في الواجبات العرضية نحو حق بالنسبة إلى الغير في الصّوم بحيث يوجب تعينه الذاتي و لا يصح غير ذلك الصوم فيه و لو في صورة الجهل و الغفلة يصير حينئذ كصوم شهر رمضان و إن قلنا: إنّ جميع تلك الموارد من مجرد الحكم التكليفيّ فقط فلا تعين ذاتي في البين أصلا، و مقتضى الأصل عدم حصول هذا الحق إلا أن يدل عليه دليل بالخصوص، و يأتي في كتاب النذر ما ينفع المقام. و على أيّ تقدير هذه التفصيلات ساقطة، لأنّه مع اتحاد ما في الذمة لا يجب التعيين و مع التعدد يجب مطلقا كل ذلك بحسب القاعدة كما سيأتي.

لأنّ اعتبار تعين المنويّ في غير المتعيّن بالذات مطابق للقاعدة، و العرف، و لأصالة عدم تحقق الامتثال كما مرّ، فيجري في جميع الموارد من غير فرق بينها. و هذه كلها من فروع القاعدة المعروفة في العبادات من أنّه كل ما كان متعينا في المأمور به لا بد من تعيينه في القصد أيضا و هي قاعدة صحيحة في الامتثالات العبادية كلّها.

الصوم المندوب على قسمين:

أحدهما: ما تعلق الأمر بذات طبيعة الصوم من حيث هي كما في قوله تعالى في الحديث القدسيّ: (الصّوم لي و أنا أجزي به)۱۷ و نحوه من الإطلاقات. ثانيهما: ما تعلق الأمر به بعنوان مخصوص- كصوم أيام البيض مثلا- و في الأخير لا بد من التعيين في إحراز الخصوصية بخلاف الأول، فيكفي قصد ذات الصوم فقط لمن لم يكن عليه صوم واجب كما يأتي. نعم، لو كان قصد مجرّد الصوم ملازما لقصد أيّام البيض في الجملة يكفي بالنسبة إليها أيضا، لما يأتي من كفاية القصد الإجمالي، و كذا الكلام في جميع الموارد التي تعلق الأمر بالطبيعة و بالخصوصيات الفردية أيضا و هي كثيرة في العباديات.

ثمَّ إنّه في مورد اختلاف العناوين الذي تعلق بها الأمر تارة: تكون الآثار الشرعية مختلفة بالنسبة إلى كل واحد من تلك العناوين و حينئذ لا بد من قصد العنوان الخاص.

و أخرى: لا تكون كذلك، و حينئذ يكفي قصد الأمر الفعليّ و إن لم يقصد الخصوصية، و الوجه في كلّ واحد منها واضح.

في إدراك الخصوصية. و أما في امتثال الأمر بذات الصوم، فيحصل بقصد طبيعة الصوم.

إن قيل: لأيام البيض أيضا تعين ذاتيّ، فلا بد و أن يكفي قصد صوم الغد أيضا- كما في شهر رمضان- يقال: المراد بالتعين الذاتي عدم صحة صوم آخر فيه ذاتا مطلقا و ليس مثل أيام البيض هكذا كما هو معلوم.

لأنّ في صورة الاتحاد أيضا تعلق الأمر بالخصوصية النوعية، فلا بد من قصدها لتحقق الامتثال عن قصد ما في الذمة حينئذ كما يأتي.

لأصالة البراءة عن اعتبار الأزيد من ذلك بناء على ما هو التحقيق من صحة الرجوع إلى الأصل في القيود المشكوكة في كلّ من الأمر و المأمور به‏ و قد أثبتنا ذلك في الأصول فراجع.

لعدم دليل على اعتبار الأزيد من ذلك، بل مقتضى الأصل عدمه.

لأصالة عدم وجوب الاستعلام بعد عدم دليل عليه، و كفاية النية الإجمالية.

إذ لا دليل على اعتبار أن يكون التعيين بنحو خاص و كيفية مخصوصة، و مقتضى الأصل كفاية كلّ ما كان مشيرا إلى تعيين متعلق الأمر بأيّ نحو من أنحاء الإشارة و الطريقية.

لأنّ تعينه الذاتيّ بحيث لا يصح غيره فيه ذاتا يغني عن تعينه قصدا، بل هذا نحو تعيّن إجمالي، و قد مرّ كفاية التعيين الإجمالي، فيكون التعيين الذاتي أولى بالكفاية، مضافا إلى الأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و عدم قابلية المورد للترديد حتّى يحتاج إلى التعيين، لأنّ التعيين فرع قابلية المورد للترديد.

و قد نوقش في جميع ذلك: أما التعيين الذاتيّ، فلأنّه كتعيين أيّام البيض للصوم، مع لزوم التعيين فيها.

و أما الإجماع، فلعدم ثبوته. و أما الأصل و الإطلاق، فلعدم مورد لهما، مع قيام الضرورة على أن الصّيام قصديّ عباديّ.

و أما عدم الترديد، فلأنّه بالنسبة إلى الواقع النفس الأمري، و أما بالنسبة إلى نظر المكلّف فهو حاصل.

و كل هذه المناقشات‏ باطلة: أما الأولى: فلأنّ المراد بالتعيين الذاتيّ ما لا يصح صوم غيره فيه و هذه خصيصة شهر رمضان دون غيره من أنواع الصيام. و أما الثاني: فلو نوقش في مثل هذه الإجماعات لا بد و أن يستأنف فقه جديد من أوله إلى آخره.

و أما الثالث: فلتحقق قصد الصوم و العبادية في هذا الصوم بالوجدان و انطباقه على شهر رمضان تكوينيّ قهريّ لا يحتاج إلى القصد، فلا وقع حينئذ للتمسك بأنّ قصد الصوم معتبر بالإجماع و الضرورة.

و أما الأخير: فهو كلام غريب، لأنّه بعد كون الانطباق قهريا تكوينيا، فأيّ أثر للترديد الحاصل في نظر المكلّف مع تحقق قصد أصل الصوم منه و هل هو إلا من قبيل الشبهة في مقابل البديهية. هذا مع ظهور إجماعهم على الأجزاء- كما تقدم.

لانحلال نيته إلى نيتين: نية أصل الصّوم، و نية الخصوصية التي ينويها، و يصح الصوم عن شهر رمضان من جهة النية الأولى، لما مرّ من عدم اعتبار قصد شهر رمضان في صحة صومه و تلغو النية الأخيرة لا محالة. هذا مضافا إلى ظهور الإجماع على الصحة، و في موثق عمار: «و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل اللَّه، و بما قد وسع على عباده، و لو لا ذلك لهلك الناس»۱۸.

و في خبر الزهري: «لو أنّ رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا و هو لا يعلم أنّه من شهر رمضان ثمَّ علم بذلك لأجزأ عنه، لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه»۱۹، و مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام): «أجزأ عنه بتفضل اللَّه» الشمول لجميع موارد العذر جهلا كان أو نسيانا، كما أنّ‏

قوله (عليه السلام): «ينوي أنّه من شعبان» من باب المثال، فلو نوى صوما آخر أيضا كما يأتي في [مسألة ۱۷]، فيستفاد من الموثق أنّ قصد صوم خاص في يوم يكون واقعا من شهر رمضان غير مانع لصحته عن رمضان إن كان ذلك لعذر، و يستفاد ذلك عن التعليل المذكور في خبر الزهري أيضا بعد حمل لفظ التطوّع فيه على المثال، و يدل على الصحة كون هذه الموارد من باب الخطإ في التطبيق، و مقتضى القاعدة فيه الصحة كما مرّ مرارا. ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق الخبرين عدم الفرق بين القصور و التقصير.

للأصل بعد كون شهر رمضان قصديا و المفروض عدم تحقق القصد إليه، و ذهب إلى ذلك جمع منهم الشهيدان. و (فيه): أنّه لا ريب في تحقق القصد إلى الصوم، و الرمضانية ذاتية لا تحتاج إلى القصد- كما تقدم- فيقع قصد الغير لغوا في مقابل الأمر الذاتي، إذ لا وجه لتقديم الأمر العرضيّ على الذاتيّ، مضافا إلى شمول إطلاق ما تقدم من خبري سماعة و الزهري للمقام أيضا، بعد حمل الشك و عدم العلم فيهما على الغالب المتعارف، فلا وجه معهما للتمسك بالأصل. و لذا ذهب جمع- منهم المحقق في المعتبر، و العلامة في التذكرة- إلى الصحة، فالجزم بعدم الإجزاء مشكل، بل ممنوع.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق كلماتهم عدم الفرق فيما إذا علم أنّه من شهر رمضان، و بين ما إذا علم بعدم صحة صوم آخر فيه أو لا، بناء على حصول قصد الصوم منه في الصورة الأولى، و يأتي في [مسألة ٦] التصريح به من الماتن.

أرسل ذلك إرسال المسلمات في الشريعة و قطعياتها، بل و ضرورياتها، و استدل عليه أيضا بما ورد في بطلان صوم شهر رمضان في‏ السفر- كقوله تعالى‏ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ۲۰، و قول النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله): «ليس من البرّ الصيام في السفر»۲۱.

و مرسل ابن بسام عن رجل: «كنت مع أبي عبد اللَّه (عليه السلام) فيما بين مكة و المدينة في شعبان و هو صائم، ثمَّ رأينا هلال شهر رمضان، فأفطر، فقلت: جعلت فداك أمس كان من شعبان و أنت صائم، و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر؟! فقال (عليه السلام): إنّ ذلك تطوّع و لنا أن نفعل ما شئنا، و هذا فرض و ليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا»۲۲، و مثله مرسل ابن سهل‏۲۳ هذا.

و لكن لا ربط لها بالمقام، لأنّ بطلان صوم شهر رمضان في السفر غير بطلان صوم آخر في شهر رمضان حضرا، و لا وجه للاستدلال بما يدل على الأول، لكونهما موضوعان مختلفان.

و نسب إلى الشيخ (رحمه اللَّه) في بعض كتبه صحة الصّوم عمّا قصده في شهر رمضان. و هو غريب، مع أنّه في سائر كتابه وافق المشهور، فعدم الجواز مفروغ عنه عندهم، و يأتي في [مسألة ٦] بعض ما ينفع المقام.

لأصالة عدم الإجزاء، و اختصاص تجديد النية إلى قبل الزوال بمورد خاص كما يأتي في [مسألة ۱۲]، و لكن من قال بالصحة في الفرع السابق مثل المحقق في المعتبر، و العلامة في التذكرة يلزمه القول بالصحة هنا أيضا.

الظاهر الصحة في هذه الصورة، لأنّه عالم بكون الغد من شهر رمضان و المفروض أنّه قصد صوم الغد، فينطبق صومه قهرا على رمضان، و يشمله التعليل في خبر الزهري‏۲4، و ما ذكر من تفضل اللَّه و وسعته على عباده في موثق عمار۲٥، و لعل منشأ الاحتياط عدم الجزم بنية صوم رمضان، و لكن ثبت في محلّه عدم اعتبار الجزم بالنية و كفاية قصد أصل العمل خصوصا في صوم شهر رمضان الذي ورد فيه ما ورد- كما سيأتي- مما يدل على التسهيل و التيسير و التفضل.

مقتضى ما دل على اعتبار الظنّ في حقّه جريان حكم العلم عليه، فيجزي قصد صوم الغد حينئذ بالنسبة إليه أيضا، فلا وجه للتفصيل بين وجود الأمارة و عدمه- كما عن بعض- لفرض اعتبار مطلق الظنّ بالنسبة إليه إلا أن يراد لزوم الظنّ الأقوى مع وجود القويّ، و لكنّه من مجرّد الدّعوى بعد اعتبار أصل ظنه كالعلم. كما لا وجه لاعتبار وجوب التعيين بالنسبة إليه مطلقا، إذ لا دليل عليه بعد فرض اعتبار ظنه.

إلا أن يقال: إنّ اعتبار الظنّ إنّما هو بالنسبة إلى أصل الصوم لا سائر الخصوصيات. و هو مشكل، بل ممنوع، لأنّه إذا كان معتبرا بالنسبة إلى أصله يكون معتبرا بالنسبة إلى خصوصياته بالأولى، و يأتي في [مسألة ۹] من (فصل ثبوت الهلال) بعض ما ينفع المقام.

(مسألة ۱): لا يشترط التعرض للأداء و القضاء، و لا الوجوب و الندب، و لا سائر الأوصاف الشخصية (۲٤)، بل لو نوى شيئا منها في محل الآخر صح (۲٥)، إلا إذا كان منافيا للتعيين (۲٦). مثلا: إذا تعلق به الأمر الأدائي فتخيل كونه قضائيا فإن قصد الأمر الفعلي المتعلق به و اشتبه في التطبيق فقصده قضاء صح (۲۷). و أما إذا لم يقصد الأمر الفعليّ، بل قصد الأمر القضائيّ بطل، لأنّه مناف للتعيين (۲۸) حينئذ. و كذا يبطل إذا كان مغيّرا للنوع، كما إذا قصد الأمر الفعليّ لكن بقيد كونه قضائيا مثلا، أو بقيد كونه وجوبيا مثلا فبان كونه أدائيا أو كونه ندبيا، فإنّه حينئذ مغيّر للنوع، و يرجع إلى عدم قصد الأمر الخاص.

و ذلك كله لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة. نعم، لو كان بعض ذلك طريقا لتعيين المأمور به وجب قصده حينئذ من هذه الجهة.

و يمكن أن يجعل النزاع لفظيا، فمن قال بوجوب قصد الأداء أو القضاء أراد ذلك فيما إذا توقف التعيين عليه. و من قال بعدم وجوبه أراد ما إذا لم يتوقف التعيين عليه مع أنّ القضاء- إذا لم يكن عليه واجب آخر- انطباقيّ قهريّ لا أن يكون قصديا، و كذا الأداء من الأمور الانطباقية لا القصدية، لأنّ فعل الشي‏ء في وقته أداء، قصد أم لا.

لأصالة عدم المانعية بعد تحقق القصد إلى أصل المأمور به، و يصح التمسك بالإطلاقات أيضا.

فيبطل العمل حينئذ من حيث عدم التعيين لا من حيث قصد الخلاف.

لوجود المقتضي و فقد المانع، أما الأول: فلتحقق القصد إلى الأمر الفعلي المتعلق بالمأمور به و تحقق التعيين الإجمالي. و أما الثاني: فلأصالة عدم المانعية، بل و الإطلاقات أيضا.

مراده (قدّس سرّه) بمنافاة التعيين عدم قصد الأمر، لأنّ من لم يقصد الأمر لا يتحقق منه قصد التعيين لا محالة، فالعمل باطل من جهة عدم قصد الأمر و يتبعه عدم قصد التعيين أيضا، فيصح انتساب بطلان العمل إليه أيضا ثانيا و بالعرض، و يشهد لما قلناه قوله (رحمه اللَّه) فيما بعد: «و يرجع إلى عدم الأمر الخاص» و منه يظهر حكم باقي الفروع، فلا يحتاج إلى الإعادة، ففي مورد الخطإ في التطبيق تحقق قصد الأمر الفعلي وجدانا، و في مورد التقييد الحقيقي لم يتحقق قصد التكليف الفعلي كذلك.

(مسألة ۲): إذا قصد صوم اليوم الأول من شهر رمضان فبان أنّه اليوم الثاني مثلا، أو العكس، صح و كذا لو قصد اليوم الأول من صوم الكفارة أو غيرها فبان الثاني- مثلا- أو العكس، و كذا إذا قصد قضاء رمضان السنة الحالية فبان أنّه قضاء رمضان السنة السابقة و بالعكس (۲۹).

كل ذلك لتحقق القصد إلى المأمور به و تعينه القصدي الإجمالي، و أصالة عدم مانعية قصد الخلاف بعد تحقق القصد إلى الأمر الفعلي.

(مسألة ۳): لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل، فلو نوى الإمساك عن أمور يعلم دخول جميع المفطرات فيها كفى (۳۰).

إذ لا موضوعية للعلم بالمفطرات و إنّما هو طريقيّ إلى تحقق قصد الصوم و الإمساك عنها، فلو تحقق قصد الصوم مع الإمساك المعهود يتحقق الصوم المأمور به لا محالة، و كذا الكلام في منافيات سائر العبادات من الصلاة و غيرها، و المناط كله تحقق الترك واقعا و العلم طريق محض، و قد تقدم في [مسألة ۲۷] من مسائل التقليد ما ينفع المقام.

(مسألة ٤): لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات، و لكن تخيل أنّ المفطر الفلاني ليس بمفطر، فإن ارتكبه في ذلك اليوم بطل‏ صومه (۳۱). و كذا إن لم يرتكبه (۳۲) و لكنه لاحظ في نيته الإمساك عما عداه. و أما إن لم يلاحظ ذلك صح صومه في الأقوى (۳۳).

لإتيانه بالمفطر الواقعيّ، فيشمله أدلة مفطريته.

إن كان البطلان لأجل عدم قصد الصوم، فهو خلاف الوجدان، و إن كان لأجل التشريع فهو ممنوع صغرى و كبرى. أما الأول، فلتوقفه على العلم و العمد و المفروض عدمهما، و أما الأخير فلا دليل عليه إذا طابق العمل مع الواقع كما ثبت في الأصول. نعم، لو لم يتحقق القصد إلى الصوم المعهود في الشريعة يتعيّن البطلان من جهة عدم القصد و هو موافق للقاعدة.

لوجود المقتضي- و هو تحقق القصد إلى الصوم الشرعي- و فقد المانع، للإطلاقات، و أصالة عدم مانعية ما تخيله. فرع:- لو لم يكن شي‏ء مفطرا و نوى في صومه الإمساك عنه، فإن كان ذلك بعنوان التقييد بطل صومه، لفقد قصد الصوم الشرعيّ و إلا فلا، و يأتي في بطلان صوم الصمت نظير ذلك.

(مسألة ٥): النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نية النيابة (۳٤) و إن كان متحدا. نعم، لو علم باشتغال ذمته بصوم، و لا يعلم أنّه له أو نيابة عن الغير، يكفيه أن يقصد ما في الذمة (۳٥).

لأنّه لا بد في النيابة من إضافة العمل إلى المنوب عنه و لو إجمالا و لا تتحقق الإضافة إلا بقصد النيابة، أو تنزيل نفسه منزلة نفس المنوب عنه، أو عمله منزلة عمله و كل ذلك مصحح النيابة و لو بنحو الإجمال و الارتكاز.

لتحقق القصد الإجمالي إلى النيابة لو كان عن الغير مع التفاته إلى هذه الجهة إجمالا، و هذا المقدار يكفي، إذ مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار الأزيد منه.

(مسألة ٦): لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره (۳٦) واجبا كان ذلك الغير أو ندبا- سواء كان مكلفا بصومه أم لا كالمسافر و نحوه، فلو نوى صوم غيره لم يقع عن ذلك الغير سواء كان عالما بأنّه رمضان أم جاهلا، و سواء كان عالما بعدم وقوع غيره فيه أم جاهلا. و لا يجزئ عن رمضان أيضا إذا كان مكلفا به مع العلم و العمد. نعم، يجزي عنه مع الجهل أو النسيان- كما مرّ- و لو نوى في شهر رمضان قضاء رمضان الماضي أيضا لم يصح قضاء، و لم يجز عن رمضان أيضا مع العلم و العمد.

هذه المسألة مكرّرة تقدم ما يتعلق بها عند قوله (رحمه اللَّه):

«و أما في شهر رمضان، فيكفي قصد الصّوم. و إن لم ينو كونه من رمضان» فراجع.

(مسألة ۷): إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزيه نية الصوم بدون تعيين أنّه للنذر، و لو إجمالا، كما مرّ (۳۷) و لو نوى غيره، فإن كان مع الغفلة عن النذر صح (۳۸)، و إن كان مع العلم و العمد ففي صحته إشكال (۳۹).

عند قوله (رحمه اللَّه): «و يعتبر فيما عدى شهر رمضان حتى الواجب المعيّن أيضا» و ذلك لأنّ عنوان المأمور به قصديّ لا بد من تحقق القصد إليه، كما أنّ عنوان النذر أيضا كذلك، فلا يتحقق بدون القصد و لو إجمالا، و التعيين العرضيّ بالنذر لا يوجب عدم صلاحية ذات الزمان، لعدم صحة صوم غير المنذور فيه، لأنّ ما يوجب ذلك إنّما هو التعيين الذاتيّ لا العرضيّ.

لصلاحية ذات الزمان لمطلق الصّوم، و الأمر النذريّ إنّما يكون مانعا مع فعليته و لا يكون فعليا مع الغفلة، بل يأتي الإشكال في عدم المانعية مع الفعلية أيضا.

إن كان وجه الإشكال أنّ الأمر بالشي‏ء يقتضي النهي عن ضدّه، فتفسد إن كان عبادة، فقد ثبت في محله عدم الاقتضاء.

و إن كان لأجل أنّه ينطبق على هذا الصوم عنوان تفويت الواجب و هو مبغوض ففيه‏ أولا: أنّ الواجب كان هو الصوم و قد أتى به، و مخالفة النذر إنّما توجب الكفارة. و ثانيا: أنّ تفويت الواجب ليس إلا عبارة أخرى عن مسألة الضد، فلا وجه لجعله دليلا آخر.

و إن كان لأجل تعلق الحق بالمنذور، فيكون تصرفا في حق اللَّه تعالى بغير إذنه، فيوجب البطلان، فقد تقدم دفعه في [مسألة ۱] من أول (فصل الجماعة) فيما إذا نذر الإتيان بالصّلاة جماعة و خالف و أتى بها منفردة، فأفتى (رحمه اللَّه) هناك بصحة الصّلاة و أشكل هنا، مع أنّه لا فارق بين المقامين فراجع و تأمل.

مع أنّ أصل ثبوت الحق محل البحث، و على فرضه فالتصرف في مثل هذا الحق هل يوجب البطلان أو لا؟ محل البحث أيضا.

مسألة ۸): لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها و قضاء رمضان السنة الماضية، لا يجب عليه تعيين أنّه من أيّ منهما (٤۰)، بل يكفيه نية الصوم قضاء. و كذا إذا كان عليه نذران كل واحد يوم أو أزيد. و كذا إذا كان عليه كفارتان غير مختلفتين في الآثار (٤۱).

لأنّ النوع واحد، و لا تمييز بين أفراده من حيث النوعية و إن تميّزت من حيث الخصوصيات الفردية، و الأمر إنّما تعلق بذات النوع لا الخصوصيات الفردية فلا موجب لتعيين الخصوصية، لقاعدة أنّ ما لا يتعيّن في الأمر لا يتعيّن في القصد أيضا، فيكون التعيين النوعيّ خارجا يغني عن تعينه قصدا ما لم يكن اختلاف مؤثر في البين فلا بد من التعيين القصدي حينئذ كما يأتي.

لتحقق التمييز بين مورد الأمرين حينئذ واقعا، و كل ما تحقق التمييز في مورد الأمرين أو الأوامر يستلزم ذلك التمييز القصديّ، لوقوع‏ الخصوصية حينئذ في الخطاب، و كلّ ما كان كذلك لا بد و أن يلحظ في القصد أيضا.

(مسألة ۹): إذا نذر صوم يوم خميس معيّن، و نذر صوم يوم معيّن من شهر معيّن، فاتفق في ذلك الخميس المعيّن يكفيه صومه، و يسقط النذران (٤۲) فإن قصدهما أثيب عليهما (٤۳) و إن قصد أحدهما أثيب عليه، و سقط عنه الآخر (٤٤).

لأنّ الموضوع لا يقبل إلا التداخل القهريّ الذي يعترف به كلّ عاقل بعد الالتفات إليه.

لأنّ الأمر النذري طريق إلى ما هو العبادة بالذات، فتنحل العبادية حسب تعدّد الطرق إليها، فلكلّ منهما حصة من الثواب المنبعثة عن الذات العبادي.

أما الإثابة على المقصود، فلتحقق القصد إليه. و أما سقوط الآخر، فلتحقق الوفاء قهرا و يلزمه سقوط الكفارة و القضاء إن كان له قضاء.

و هل يجب قصدهما تحصيلا للوفاء الواجب؟ وجهان: مقتضى الأصل و الإطلاق العدم بعد صدق الوفاء بهذا النحو من الإتيان، بل الظاهر أنّ قصد أحدهما قصد للآخر إجمالا مع الالتفات إليه، و يجزي هذا القصد الإجماليّ، لأصالة البراءة عن اعتبار أزيد منه، فيثاب عليهما معا حينئذ، بل يمكن أن يقال بالإجزاء و لو مع عدم الالتفات، لأنّ قصد أحد المتلازمين قصد للآخر واقعا بنحو الإجمال و إن لم يكن متوجها إليه فعلا- كما في القصد إلى المركب من الأجزاء- فمن قصد صلاة الظهر و غفل عن أنّها أربع ركعات و لم يقصدها يكون قصده لصلاة الظهر قصد لأربع ركعات لا محالة في حاق الواقع، و لا فرق فيه بين وحدة المأمور به و تعدده بعد وحدة المتعلق و التداخل القهري، فيسقط القضاء و الكفارة عن غير المنويّ أيضا مطلقا إلا إذا كان عدم القصد إليه عن تعمد تفصيليّ به. و يجري هذا الكلام بعينه في المسألة الثانية.

و أما ما يقال: من أنّه إن كان العنوان المأخوذ من كل واحد من النذرين‏ مرآة للزمان المعيّن كان النذر الأول صحيحا و الثاني لغوا و باطلا (فمخدوش)، لما يأتي في محلّه من صحة نذر الواجب مطلقا.

ثمَّ إنّه لا ريب في ترتب الكفارة على صدق حنث النذر عرفا و هو إما خارجيّ بأن يترك المنذور رأسا، أو قصديّ بأن يمكنه الامتثال شرعا و لو بقصد النذر الثاني بعنوان التداخل و لم يمتثل. إلا أن يقال: بأنّ المنساق من الكفارة المترتبة على الحنث إنّما هو الحنث الخارجيّ لا القصديّ مع عدم تحقق الحنث خارجا.

(مسألة ۱۰): إذا نذر صوم يوم معيّن، فاتفق ذلك اليوم في أيّام البيض مثلا، فإن قصد وفاء النذر و صوم أيّام البيض أثيب عليهما، و إن قصد النذر فقط أثيب عليه فقط، و سقط الآخر (٤٥).و لا يجوز أن يقصد أيّام البيض دون وفاء النذر (٤٦).

لما تقدم في المسألة السابقة، فلا وجه للإعادة.

لحرمة مخالفة النذر اختيارا و لكن تقدم في المسألة السابقة أنّ قصد الصّوم في اليوم المعيّن مع الالتفات إلى النذر مستلزم لقصد صوم النذر أيضا إجمالا و هو يكفي، بل و يجزي مع الغفلة عنه بحيث لو التفت لكان قاصدا، و ذلك لكفاية مجرد الداعي الارتكازي على ما مرّ في نية الوضوء، و الغسل، و الصلاة. نعم، مع الالتفات التفصيلي إن قصد العدم فلا يجزي.

(مسألة ۱۱): إذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب أو جهات من الاستحباب، أو من الأمرين فقصد الجميع، أثيب على الجميع (٤۷). و إن قصد البعض دون البعض أثيب على المنويّ، و سقط الأمر بالنسبة إلى البقية (٤۸).

لحرمة مخالفة النذر اختيارا و لكن تقدم في المسألة السابقة أنّ قصد الصّوم في اليوم المعيّن مع الالتفات إلى النذر مستلزم لقصد صوم النذر أيضا إجمالا و هو يكفي، بل و يجزي مع الغفلة عنه بحيث لو التفت لكان قاصدا، و ذلك لكفاية مجرد الداعي الارتكازي على ما مرّ في نية الوضوء، و الغسل، و الصلاة. نعم، مع الالتفات التفصيلي إن قصد العدم فلا يجزي.

أما سقوط الأمر بالنسبة إلى البقية، فلعدم بقاء الموضوع لها بعد

كون الصوم مختصا بوقت خاص و عدم كونه موسعا كما هو المفروض فالسقوط قهريّ لا محالة. و أما الإثابة بالنسبة إلى المنويّ فلا ريب فيه لوجود المقتضي و فقد المانع- كما مرّ- و أما عدم الإثابة على غير المنويّ فهو مبنيّ على ما نسب إلى المشهور، من اختصاصها بما إذا قصد الامتثال فقط. و فيه: بحث تعرضنا له في الأصول و أثبتنا أنّ الثواب أعمّ من قصد الامتثال، و كما أنّ تفضله تعالى يقتضي الإثابة على مطلق فعل الحسن قصد التقرب إليه تعالى أم لا، فكيف بما إذا قصد التقرب به إليه تعالى من بعض جهاته و لوازمه كما في المقام، و قد أثبتنا ذلك بالآيات و الروايات، كما تقدم مرارا.

(مسألة ۱۲): آخر وقت النية في الواجب المعيّن- رمضانا كان أو غيره- عند طلوع الفجر الصادق (٤۹) و يجوز التقديم في أيّ جزء من أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه (٥۰)، و مع النسيان أو الجهل‏ بكونه رمضان أو المعيّن الآخر، يجوز متى تذكر إلى ما قبل الزوال (٥۱) إذا لم يأت بمفطر (٥۲)، و أجزأه عن ذلك اليوم (٥۳)، و لا يجزيه إذا تذكر بعد الزوال (٥٤). و أما في الواجب الغير المعيّن فيمتد وقتها اختيارا من أول الليل إلى الزوال (٥٥) دون ما بعده على الأصح (٥٦). و لا فرق في ذلك بين سبق التردد، أو العزم على العدم (٥۷). و أما في المندوب فيمتد إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه على الأقوى (٥۸).

للإجماع، و لاعتبار تحقق المأمور به بتمامه عن داعوية الأمر، و إضافته من بدية إلى ختامه إلى المولى و لا تثبت الداعوية و الإضافة كذلك إلا بسبق النية رتبة على المأمور به. و منه يظهر أنّ في التعبير بالوقت مسامحة واضحة، لأنّ تقدم النية و الدّاعي على المنويّ رتبيّ لا زمانيّ، و لكن هذا إنّما يصح في الأعمال الخارجية المتدرجة الوجود بحسب ذاتها- كالصلاة، و العمرة، و الحج، و نحوها- و أما البسيط الذي لا تركب فيه، و إنّما التركب و التدرج في زمان وقوعه لا في نفسه- كالصوم الذي هو إمساك خاص بسيط في زمان محدود- يصح إضافته إلى المولى و تحقق داعوية أمره من أول زمانه، أو وسطه، أو آخره، إذ البسيط لا أول له و لا آخر و لا وسط له إلا باعتبار متعلقه، فالإمساك المضاف إلى المولى يصح إضافته إليه سواء حصلت الإضافة قبل الفجر، أم أول الظهر، أو قبيل الغروب كما في الصوم المندوب.

و ما يقال: إنّه لا ريب في كون الصّوم متقوّما بالقربة، فلا بد و أن يكون من حين صدوره كذلك و هو أول السحر مدفوع: بأنّ نسبة الزمان إلى الصوم‏

كنسبته إلى سائر الأمور في كونه ظرفا محضا، فله إضافة إلى الصّائم، و إضافة إلى الزمان الواقع فيه، و من جهة الإضافة الأولى يكون تحت اختيار الصائم و استيلائه، فله أن يضيفه إلى المولى بأيّ نحو أمكنه من أول زمانه، أو وسطه، أو آخره، و يكفي في تحقق العنوان الخاص البسيط المعبّر عنه بالصوم.

إن قلت: نعم، و لكن ترك المفطرات لا بد و أن يكون عن النية و أول زمان وجوبه أول الفجر، فلا بد من كون النية أول الفجر لهذه الجهة.

قلت: لا يعتبر القصد و القربة في نفس الترك من حيث هو، و إنّما يعتبران في العنوان الخاص الحاصل منهما، فلو حصلت التروك لعدم القدرة عليها من فقد المقتضي أو وجود المانع و حصلت القربة في العنوان الخاص المعبّر عنه بالصوم صح و كفي، لأنّ صحة التفكيك بين التروك و الصوم قرينة على عدم كون أحدهما عين الآخر، فيكون الصوم العنوان البسيط الخاص الحاصل عن التروك، فتكون النية و القربة معتبرة في عنوان التروك لا نفسها، و هذا العنوان كعنوان البيع و نحوه في صحة كون رضا المالك سابقا عليه، أو مقارنا معه، أو لاحقا له.

و يشهد لما قلناه ما ورد في الصوم المندوب من جواز وقوع نيته قبل الغروب اختيارا۲٦. و دعوى: كون الصوم المندوب غير الصوم الواجب حقيقة. مخالف‏ لظواهر الأدلة، و مرتكزات المتشرعة.

و لذا نسب إلى ابن الجنيد اشتراك الصوم الواجب مع المندوب في صحة وقوع نيته قبل الغروب اختيارا، و نسب إلى السيد جوازه إلى الزوال كذلك، فمقتضى الأصل صحة الصوم بعد صدق صدوره عن داع قربيّ بلا فرق فيه بين كونه في أول زمانه، أو وسطه، أو آخره. هذا بحسب مقام الثبوت، و أصالة البراءة عن زوائد القيود، و لا فرق فيه بين كون الصوم وجوديا أو عدميا، لأنّه على الثاني من عدم الملكة التي أثبتنا في الحكمة أنّ له حظ من الوجود، مع أنّ‏ كونه عدميا خلاف مرتكزات المتشرعة، بل العرف و اللغة. هذا.

و لكن ادعي الإجماع على اعتبار مقارنة النية لأول طلوع الفجر الصادق، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة خلفا عن سلف حيث لا يفرّقون بينه و بين مثل الصلاة و العمرة و الحج، و لا يفرّقون بينهما من هذه الجهة.

و يمكن‏ الخدشة في الإجماع بأنه اجتهاديّ، و في السيرة بأنّها احتياطية و حصلت عن متابعة أقوال الفقهاء.

و عن ابن أبي عقيل اعتبار كون نيّة الصّوم في الليل، فإن كان مراده كفاية الدّاعي مع بقائه إجمالا في النفس إلى الفجر، أو كونه من باب المقدمة، لتعسر المقارنة الحقيقية مع أول الفجر، فلا إشكال و لا خلاف فيه. و أما إن كان ذلك لأجل قوله (صلّى اللَّه عليه و آله): «لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل»۲۷، فهو مضافا إلى قصور سنده قاصر من حيث دلالته أيضا لكثرة استعمال مثله في نفي الكمال دون الصحة، مع احتمال أن يكون المراد منه نفي صحة النية في اليوم لا اعتبار كونها في الليل.

ثمَّ إنّ هذا البحث ساقط من أصله بناء على كفاية الدّاعي كما هو الحق، لأنّ كل مسلم يكون له الدّاعي لأن يصوم شهر رمضان من أول بلوغه، و كذا فيما هو واجب معيّن عليه. فحق القول حينئذ أن يقال: إنّ قصد العدم مانع لا أن تكون المقارنة شرطا.

للإجماع، و أصالة عدم تقييد النية بوقت خاص بعد صدق صدور الصوم عنها، مع أنّ هذا البحث ساقط بناء على أنّها الدّاعي، بل و كذا بناء على الإخطار أيضا لبقاء الإخطار إجمالا في النفس مع البناء على الصوم و هو يكفي إذ لا دليل على الاستحضار التفصيليّ بل الأصل و الإطلاق ينفيه.

لحديث الرفع‏۲۸ بناء على شموله لإسقاط القضاء و تنزيل الناقص منزلة التام كما هو كذلك، لكونه من أهمّ الامتنانيات على الأمة و لا ريب أنّ الامتنان يقتضي التوسعة مطلقا إلا مع الدليل على الخلاف، و لسهولة الشريعة- مضافا إلى الإجماع- مع أنّ عمدة الدليل على اعتبار المقارنة ظهور الإجماع، و المتيقن منه صورة العمد و الالتفات، و تقدم أنّ مقتضى الأصل عدم اعتبار المقارنة، و يدل عليه أيضا الحديث المشهور: «إنّ ليلة الشك أصبح الناس فجاء أعرابي، فشهد برؤية الهلال فأمر (صلّى اللَّه عليه و آله) مناديا ينادي من لم يأكل فليصم و من أكل فليمسك»۲۹ بعد إلقاء خصوصية مورده، فيشمل مطلق العذر.

و الإشكال عليه: بأنّه لا وجه للاعتماد على شهادة رجل واحد في ثبوت الهلال‏ مدفوع‏ بأنّه يمكن حصول القطع الظاهري له (صلّى اللَّه عليه و آله) من سائر الجهات، فحكم بقطعه (صلّى اللَّه عليه و آله) لا بقول الأعرابي.

و يشهد للمقام ما يأتي من إجزاء النية في الواجب غير المعيّن اختيارا إلى الزوال، بل و يشهد له أيضا ما جعلناه مطابقا للقاعدة من كون ذات الصوم بسيطا و تتعلق به النية كيف ما تعلقت به إلا مع الدليل على الخلاف.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق الكلمات عدم الفرق بين النسيان و الجهل بالنسبة إلى الموضوع أو الحكم إن كان الجهل لعذر، و لا في المعيّن بين كونه رمضانا أو نذرا معينا، أو مضيقا أداء كان أو قضاء.

لأنّه لا أثر للنية مع تناول المفطر، و لا دليل على الصحة معه كما ورد في تناوله نسيانا، لأنّ إطلاق مفطرية المفطرات محكمة بعد عدم الدليل على الخلاف.

لأنّه لا معنى لتنزيل الناقص منزلة التمام إلا ذلك، و يشهد له ما يأتي في الواجب غير المعيّن.

أرسل ذلك إرسال المسلّمات، و ظاهرهم الإجماع عليه، و استدل عليه أيضا بأصالة الإجزاء إلا في مورد الدليل. و فيه ما تقدم سابقا من أصالة عدم تقييد النية في الصوم بوقت خاص إلا ما دل الدليل عليه، فإن تمَّ إجماع فهو و إلا فيجزي إلى قبل الغروب، و طريق الاحتياط أن يتمه مع النية رجاء ثمَّ يقضيه.

للنصوص، و الإجماع، ففي صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السلام): «في الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان، و لم يكن نوى ذلك من الليل، قال: نعم، ليصمه و ليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا»۳۰.

و في موثق عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و يريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصّيام؟ قال: هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، و إن كان نوى الإفطار فليفطر»۳۱ إلى غير ذلك من النصوص، و الظاهر أنّ ذكر قضاء شهر رمضان في بعضها من باب الغالب و المثال، فيشمل كلّ صوم غير معيّن، مضافا إلى الإجماع على عدم الفرق بين أقسام غير المعيّن.

للإجماع المدّعى عليه، و يدل عليه ما تقدم من موثق عمار بضميمة عدم الفصل بين قضاء شهر رمضان و غيره من الصّيام الواجب.

و عن ابن الجنيد جواز التأخير إلى ما بعد الزوال أيضا اختيارا، للأصل المتقدم ذكره، و لإطلاق بعض الأخبار، و صحيح ابن الحجاج قال: «سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوما و كان عليه يوم من شهر رمضان إله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامة النّهار؟ فقال: نعم، له أن يصومه و يعتد به من شهر رمضان»۳۲ و صحيح ابن سالم عنه (عليه السلام): أيضا قال: «قلت له: الرجل يصبح و لا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم، فقال: إن هو نوى الصّوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى»۳۳.

و فيه: أنّ الإطلاق مقيّد بما تقدم من موثق ابن عمار، و معه لا مجال للأصل أيضا، و الأخبار موهونة بالإعراض، مع أنّ عامة النّهار يصدق بالزوال، مضافا إلى قصور سنده كما أنّه يراد من النية بعد الزوال- في الصحيح الأخير- الصوم المندوب يعني يصح أن يكون الصوم واجبا إن نوى قبل الزوال، و أن يكون مندوبا إن نواه بعده. هذا و لو لم تكن هذه الأخبار موهونة بالإعراض لحملنا الطائفة الأولى من الأخبار على الأفضلية، لأنّه الجمع الشائع في الفقه في نظائر هذه الأخبار.

للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

لجملة من الأخبار، و إجماع السرائر و الانتصار، ففي خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال علي (عليه السلام):

إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثمَّ ذكر الصّيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا و لم يفطر فهو بالخيار إن شاء صام، و إن شاء أفطر»۳4، و في موثق أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الصّائم المتطوّع تعرض له الحاجة قال: هو بالخيار ما بينه و بين العصر، و إن مكث حتى العصر ثمَّ بدا له أن يصوم و إن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء»۳٥، و عن الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شي‏ء و إلا صمت، فإن كان عندهم شي‏ء أتوه به و إلا صام»۳٦. و إطلاق الجميع يشمل قبيل الغروب أيضا.

و عن جمع، بل نسب إلى الأكثر عدم الإجزاء، للأصل، و خبر ابن بكير قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يجنب ثمَّ ينام حتى يصبح أ يصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال: أ ليس هو بالخيار ما بينه و نصف النهار»۳۷.

و فيه: أنّ الأصل لا أصل له لما مرّ، و الخبر محمول إما على الصّوم الواجب، أو على مطلق الفضيلة جمعا.

فرع: إطلاق ما دل من الأخبار على امتداد النية- في الواجب غير المعيّن أو المندوب- يشمل ما إذا فقد المكلف بعض شرائط وجوب الصوم أو صحته قبل النية، و لكنه يحتاج إلى التأمل، لصحة دعوى عدم كونها واردة مورد البيان من هذه الجهة.

(مسألة ۱۳): لو نوى الصوم ليلا ثمَّ نوى الإفطار ثمَّ بدا له الصوم قبل الزوال فنوى و صام قبل أن يأتي بمفطر صح على‏ الأقوى (٥۹)، إلا أن يفسد صومه برياء و نحوه، فإنه لا يجزئه لو أراد التجديد قبل الزوال على الأحوط (٦۰).

لأنّ الزمان الذي لا يضرّ فيه فقد أصل النية كيف يضرّ فيه نية الإفطار، فإنّ نية الإفطار إنّما تضرّ لملازمتها مع فقدان استمرار النية، فإذا لم يعتبر أصل وجودها إلى الزوال لا موضوع لاعتبار الاستمرار و هذا هو المشهور بين الفقهاء أيضا.

الرياء في الصوم يتصوّر على‏ وجوه: الأول: أن ينوي في ترك بعض المفطرات الرياء مع تحقق القربة في عنوان الصوم الذي هو عنوان بسيط قائم بترك المفطرات و لا يوجب ذلك البطلان، لأنّ ترك المفطرات ليس قصديا التفاتيا عباديا حتّى يضرّه الرياء، فيكون من هذه الجهة نظير تروك الإحرام، فلو نوى الإحرام قربة إلى اللَّه تعالى و ترك بعض تروك الإحرام أو جميعها رياء يصح إحرامه و لا شي‏ء عليه، و إن كان الأحوط خلافه.

الثاني: أن ينوي صوما واجبا معيّنا جامعا للشرائط ثمَّ رأيي فيه بعد الفجر و لا ريب في بطلان هذا الصّوم، لفقد استمرار النية و لو لم نقل بأنّ نفس الرياء من حيث هو مبطل للعبادة، لجملة من الإطلاقات الظاهرة فيه و إلا فالأمر في البطلان أوضح، إذ يكون حينئذ كتناول المفطر عمدا.

الثالث: عين الصورة المتقدّمة مع كون الصّوم واجبا غير معيّن، أو مندوبا، فإن قلنا: بأنّ الرياء، مبطل مطلقا يبطل و لا ينفع تجديد النية إلى قبل الزوال في الواجب غير المعيّن، و إلى قبيل الغروب في المندوب، لأنّ امتداد وقت النية إنّما هو فيما إذا لم يبطل أصل الصوم، و المفروض بطلانه بالرياء.

و إن قلنا: بأنّه غير مبطل بذاته يدخل حينئذ في كبرى فقد استمرار النية، فلا يضرّ في الواجب غير المعيّن إلى الزوال، و في المندوب إلى قبل‏

الغروب، فلو جدّد في الأول إلى ما قبل الزوال، و في الثاني إلى ما قبل الغروب يصح صومه و لا شي‏ء عليه.

و يمكن استظهار هذا الوجه، لأنّ الرياء يوجب البطلان فيما لم يكن للشارع الأقدس توسعة فيه لترك نية العبادة، و مع هذه التوسعة كيف يضيق ذلك مع تحقق أصل النية بتجديدها في وقت أمضاه الشارع.

الرابع: أن يكون أصل النية حين حدوثها ريائيا و هو يوجب البطلان في الواجب المعيّن من حيث فقد النية، و في الواجب غير المعيّن يمكن القول بصحة التجديد إلى الزوال، و في المندوب إلى قبل الغروب.

و لكن الأحوط في جميع موارد تدخل الرياء بأيّ نحو أمكن هو الاستيناف، لكثرة ما ورد في التحرز۳۸ عن الرياء المستفاد منها: أنّ نسبتها إلى العبادات نسبة الحدث إلى الصلاة، و نسبة الشرك إلى الإيمان، أعاذنا اللَّه تعالى و جميع المسلمين منها.

(مسألة ۱٤): إذا نوى الصوم ليلا لا يضرّه الإتيان بالمفطر بعده قبل الفجر، مع بقاء العزم على الصوم (٦۱).

لتحقق النية إلى الصوم من أول الفجر الذي هو زمان الصوم، فلا وجه لبطلانه من هذه الجهة، لأنّ الليل خارج عن مورد النية موضوعا و حكما. و نسب إلى البيان البطلان، و يمكن حمله على ما إذا كان ذلك مخلا بالنية المقارنة للفجر و إلا فبطلانه واضح.

(مسألة ۱٥): يجوز في شهر رمضان أن ينوي لكل يوم نية على حدة (٦۲). و الأولى: أن ينوي صوم الشهر جملة و يجدّد النية لكل يوم (٦۳). و يقوى الاجتزاء بنية واحدة للشهر كله (٦٤). لكن لا يترك الاحتياط بتجديدها لكل يوم (٦٥). و أما في غير شهر رمضان من الصوم المعيّن فلا بد من نيته لكل يوم إذا كان عليه أيام، كشهر أو أقل أو أكثر (٦٦).

للأصل، و السيرة، و ظهور الإجماع، و ظهور الأدلة في أنّ كلّ‏ يوم من الأيام عبادة مستقلة و ليست كأجزاء عبادة واحدة حتّى يحتاج تمام الشهر إلى نية مستقلة.

جمعا بين احتمال كونه عبادة واحدة و كونه عبادات مستقلة و إن كان لا دليل على الأول من عقل أو نقل.

لأنّ النية إن كانت عبارة عن مجرّد الدّاعي، فلا ريب في صدور صوم كلّ يوم عنه وجدانا، و مقتضى الأصل عدم اعتبار الأزيد منه مضافا إلى دعوى الإجماع من السيدين و الشيخ (رحمهم اللَّه) على الاجتزاء.

و إن كانت عبارة عن الإخطار، فالظاهر وجوده بنحو الإجمال و الارتكاز في نفوس الصائمين و الصائمات، و لا دليل على اعتبار الأزيد منه، بل أصالة البراءة تنفيه. نعم، لو كانت عبارة عن الإخطار الالتفاتيّ التفصيليّ عند فجر كلّ يوم لما صح الاجتزاء بنية واحدة للشهر كلّه إن كان منافيا للإخطار الالتفاتيّ التفصيليّ، و لكنّه لا دليل عليه، بل مقتضى الأصل عدم اعتباره، و كذا مقتضى سهولة الشريعة المقدسة في هذا الأمر العام البلوى.

لما نسب ذلك إلى المشهور بناء على ما ذهبوا إليه من أنّ النية هو الإخطار التفصيليّ و لا دليل لهم على ذلك كما ثبت في محلّه و لكن الاحتياط حسن في كلّ حال.

مقتضى القاعدة عدم الفرق بين صوم شهر رمضان و سائر الصّيام- سواء كانت النية مجرّد الدّاعي أم مجرّد الإخطار الإجماليّ الارتكازيّ، أو الإخطار الالتفاتيّ. نعم، الفرق بينهما من جهتين:

الأولى: احتمال كون شهر رمضان عبادة واحدة، و كون الأيام أجزاء حقيقية لها كجزئية الركعات للصّلاة، و لكنّه لا دليل عليه من عقل أو نقل، بل الأصل و العرف، و ظواهر الأدلة تنفيه.

الثانية: دعوى الإجماع من الدّروس، و عدم وجدان الخلاف من الجواهر على اعتبار نية خاصة لكلّ يوم في صوم غير شهر رمضان، و في اعتبار مثل هذه الإجماعات كلام، بل منع، مع أنّ أصل البحث ساقط بناء على كفاية الدّاعي على ما هو الحق، إذ الدّاعي بنفسه منبسط على الأيّام انبساط الوجوب على الأجزاء.

(مسألة ۱٦): يوم الشك في أنّه من شعبان أو رمضان يبني على أنّه من شعبان، فلا يجب صومه (٦۷) و إن صام ينويه ندبا، أو قضاء، أو غيرهما (٦۸). و لو بان بعد ذلك أنّه من رمضان أجزأ عنه (٦۹)، و وجب عليه تجديد النية إن بان في أثناء النهار، و لو كان بعد الزوال (۱۰). و لو صامه بنية أنّه من رمضان لم يصح و إن صادف‏ الواقع (۷۱).

للأصل- موضوعا و حكما- و الإجماع، و نصوصا كثيرة- و في بعضها النّهي عن صومه- ففي صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):

«في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان، فقال: عليه قضاؤه و إن كان كذلك»۳۹، و في خبر الأعشى: «قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): نهى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) عن صوم ستة أيام: العيدين، و أيام التشريق، و اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان» و هو محمول على أن يصومه على أنّه من شهر رمضان بقرينة غيره‏.

للنص، و الإجماع، ففي خبر بشير النبال عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «سألته عن صوم يوم الشك فقال: صمه، فإن يك من شعبان كان تطوعا، و إن يك من شهر رمضان فيوم وفقت له»،

و نحوه غيره و ظاهره مسلّمية أصل مشروعية صومه بغير قصد شهر رمضان كما أنّ الظاهر منه أنّ ذكر شعبان من باب المثال، فيصح صومه بعنوان القضاء أو غيره، و يقتضيه الأصل أيضا.

للإجماع، و النصّ، ففي خبر ابن سنان أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام): «عن رجل صام شعبان فما كان شهر رمضان أضمر يوما من شهر رمضان، فبان أنّه من شعبان، لأنّه وقع فيه الشك، فقال: يعيد ذلك اليوم، و إن أضمر من شعبان فبان أنّه من رمضان فلا شي‏ء عليه».

و يمكن جعله مطابقا للقاعدة: بأن يقال: إنّ نية الغير من باب الخطإ في التطبيق، فهو قاصد لصوم شهر رمضان تعليقا، و لصوم شعبان على فرض عدم كونه من رمضان بأن يلاحظ الترديد في المنويّ لا في أصل النية.

أما أصل الإجزاء في الجملة، فللإجماع، و النصوص المستفيضة تقدم بعضها. و أما لزوم تجديد النية مع إحراز الخلاف، فلأصالة عدم إجزاء المنويّ عن غيره إلا في المتيقن من مورد الدليل، و هو ما إذا بان الخلاف بعد الغروب و عدم إمكان تجديد النية، و أما مع إمكانه، فلا بد من التجديد.

إن قلت: نعم، و لكن مقتضى الإطلاق عدم الاحتياج إلى تجديد النية و لو بان الخلاف في أثناء النهار (قلت): كون الإطلاق واردا مورد البيان من هذه الجهة ممنوع، فلا بد فيه من العمل بالأصول، مع أنّ الظاهر أنّ تجديد النية فيما إذا بان الخلاف في أثناء النهار قهريّ لحصول داعي الصوم من شهر رمضان حينئذ في نفس الصائمين من المسلمين قهرا، و لعله لذلك لم تتعرّض النصوص له. هذا إن قلنا بالإجزاء من جهة النصوص، و أما إن جعلنا الإجزاء مطابقا للقاعدة كما قلناه، فلا يحتاج إلى التجديد، لظهور أنّ قصده التعليقيّ وقع في محله و صادف الواقع.

على المشهور نصّا، و فتوى، ففي صحيح ابن مسلم- المتقدم- عن أبي جعفر (عليه السلام): «في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان فقال (عليه السلام): عليه قضاؤه و إن كان كذلك»44.

الظاهر في أنّ المراد صومه بقصد كونه من شهر رمضان، و في صحيح هشام عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال في يوم الشك: «من صامه قضاه و إن كان كذلك، يعني: من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه، و إن كان يوما من شهر رمضان، لأنّ السنة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان و من خالفها كان عليه القضاء»، فإنّ التفسير سواء كان من الإمام (عليه السلام)، أم من هشام ظاهر في أنّ ذلك كان معهودا في عصره (عليه السلام) بين أصحابه، و كان ذلك بمرأى منه و مسمع منه (عليه السلام) و قريب منهما غيرهما.

و نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) الصحة و الإجزاء لما ادعاه من الإجماع.

و فيه: أنّه لا اعتبار به مع ذهاب المعظم، بل المشهور إلى الخلاف، و لموثق سماعه قال: «سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لا يدري أ هو من شعبان أو من شهر رمضان فصامه من شهر رمضان قال (عليه السلام): هو يوم وفق له لا قضاء عليه»، و صحيح ابن وهب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، فيكون كذلك، فقال: هو شي‏ء وفق له».

و فيه: أنّهما موهونان بالإعراض، مع أنّ الأول ضبط في الكافي:

«فصامه فكان من شهر رمضان» فيكون موافقا لأدلة المشهور، بل الثاني يمكن أن يكون من أدلتهم أيضا بجعل «من شهر رمضان» متعلقا بقوله: «يشك» لا بقوله: «يصوم».

و يمكن الجمع بين النصوص بحمل ما دل على الإجزاء و الصحة على ما إذا كان في ذهنه أنّه يصوم من رمضان على فرض كونه منه، فيكون نحو ترديد في المنويّ لا في أصل نية الصوم بحسب التكليف الواقعيّ، و لعل هذا أيضا مراد الشيخ و المجمعين على فرض صحة الإجماع.

و بالجملة: الجزم بأنّه من شهر رمضان شي‏ء، و قصد رمضان رجاء و تعليقا شي‏ء آخر، و الصحيح هو الثاني دون الأول، و يدل على ما قلناه ظاهر الأخبار، كقوله (عليه السلام): «أزيده في شهر رمضان»، و قوله (عليه السلام): «ليس منا من صام قبل الرؤية للرؤية» إلى غير ذلك من القرائن و الشواهد الدالة على أنّ الجزم و التجزم به في النية مانع عن الصحة و هو مطابق للقاعدة حينئذ، لعدم دليل على صحة مثل هذه النية من عقل أو نقل، بل هو نحو تعبد بالرأي لا بالشرع.

فرع: لو نوى في يوم الشك صوم شهر رمضان ثمَّ بان أنّه منه فجدّد النية، فلا يبعد الإجزاء حتّى بناء على المشهور، لصحة دعوى انصراف أدلة المنع عن شموله، و عدم كون التشريع موجبا للبطلان.

(مسألة ۱۷): صوم يوم الشك يتصوّر على وجوه: الأول: أن يصوم على أنّه من شعبان و هذا لا إشكال فيه (۷۲) سواء نواه ندبا، أو بنية ما عليه من القضاء، أو النّذر، أو نحو ذلك (۷۳) و لو انكشف بعد ذلك أنّه كان من رمضان. أجزأ عنه، و حسب كذلك (۷٤). الثاني: أن يصومه بنية أنّه من رمضان، و الأقوى بطلانه و إن صادف الواقع (۷٥). الثالث: أن يصومه على أنّه إن كان من شعبان كان ندبا أو قضاء مثلا، و إن كان من رمضان كان واجبا و الأقوى بطلانه أيضا (۷٦). الرابع: أن يصومه بنية القربة المطلقة، بقصد ما في الذمة، و كان في ذهنه أنّه إما من رمضان أو غيره، بأن يكون الترديد في المنويّ لا في نيته فالأقوى صحته (۷۷) و إن كان الأحوط خلافه (۷۸).

للأصل، و الإجماع، و النصوص التي تقدم بعضها.

لإطلاق مثل خبر سعيد الأعرج قال: «قلت لأبي‏ عبد اللّه (عليه السلام): إنّي صمت اليوم الذي يشك فيه فكان من شهر رمضان أ فأقضيه؟ قال (عليه السلام): «لا، هو يوم وفقت له»٥۰، و ما ذكر فيه أنّه يصوم من شعبان أي يبني على أنّه من شعبان ثمَّ يصام فيه سواء كان الصوم ندبا بعنوان شعبان، أو بعنوان غيره، فلا تنافي بين الأخبار هذا مضافا إلى أصالة الجواز في ذلك كله.

لجملة من‏ الأخبار منها: قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر محمد بن حكيم: «إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له، و إن كان من غيره، فهو بمنزلة ما مضى من الأيّام»٥۱، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أن يقطع بكونه من شعبان ثمَّ بان الخلاف أو لم يقطع، بل كان من مجرّد الشك و الظنّ، كما لا فرق بين كون تبين الخلاف في ذلك اليوم أو بعده بأيّام.

تقدم ذلك في المسألة السابقة و قلنا: إنّه لا دليل على البطلان حتى مع كون القصد رجائيا و كون الترديد في المنوي، و لو نوى الصوم من شهر رمضان جهلا ثمَّ بان أنّه شهر رمضان، فجدّد النية قبل الزوال، فالظاهر الصحة مطلقا و لو كانت النية بنحو الجزم.

كما نسب إلى أكثر المتأخرين، و استدل عليه تارة: بالإجماع المنقول في التذكرة.

و أخرى: بأنّ الأدلة ظاهرة في حصر صوم يوم الشك بأن يصام من غير شهر رمضان تعيينا و هو ينافي الترديد.

و ثالثة: بأنّه لا بد من التعيين لاختلاف الأنواع في الآثار، فيجب من هذه الجهة و الكل باطل.

أما الأول: فلعدم اعتباره.

و أما الثاني: فلعدم الظهور، و المنساق منها عرفا بعد رد بعضها إلى بعض عدم جواز صومه من شهر رمضان استقلالا كسائر أيّامه- بأن يزيد في شهر رمضان يوما- كما في بعض الأخبار المتقدمة، أو يصوم للرؤية قبل الرؤية كما في بعضها الآخر، فتصح سائر الصور سواء صام معينا من غيره أم مرددا بينه و بين الغير، بل يمكن أن تستظهر الصحة من خبر بشير قال (عليه السلام): «صمه، فإن يك من شعبان كان تطوعا، و إن يك من شهر رمضان، فيوم وفقت له»٥۲ فإنّ إطلاقه يشمل صورة الترديد في النية أيضا.

و أما الثالثة: فبأنّ ذات الصوم من حيث هو راجح و المفروض كفاية قصد ذات الصوم في اليوم المشكوك و هو متحقق بلا أثر للتعيين، فيكون متعلق النية و القصد، و الترديد يقع في المنويّ لا محالة إذ لا يتصوّر الترديد في ذات النية و القصد لا حدوثا و لا بقاء، لكونها كالعلم، فكما لا يتصوّر الإجمال و الترديد في ذات العلم من حيث هو علم، بل و لا في المعلوم بالذات و إنّما هو في المعلوم بالعرض، فكذا القصد و النية، فالحق عدم الفرق بين هذه الصورة و الصورة الرابعة الآتية كما عن جمع منهم الشيخ و العلامة و الشهيد، مع أنّه لو فرض الترديد في النية و لو بهذا النحو من الترديد الإجماليّ الكائن في حاق الذهن غير المنافي لقصد أصل الصوم فعلا، و لو لم نستفد شيئا من الأدلة و وصلت النوبة إلى الأصول العملية، فمقتضى الأصل عدم المانعية في هذا النحو من الترديد و البراءة عن وجوب التعيين، كما ثبت في محلّه من صحة الرجوع إلى الأصل العمليّ في الشك في شرائط الأمر و المأمور به و القصد و غيرها.

و لباب الكلام في المقام: أنّ الترديد إما في أصل النية حدوثا و لا ريب في عدم تحقق النية، لمنافاة التردد مع القصد و النية وجدانا، و كذا بالنسبة إلى البقاء، لأنّ التردد مناف للقصد، و العزم، و الجزم الذي تكون النية عبارة أخرى عن ذلك كلّه، و كذا لو كان الترديد في متعلق النية أي: متعلقها الأوليّ الذاتيّ، لما ثبت في محله من أنّ تعلق العلم و القصد و الجزم بالمردد من حيث هو باطل و غير واقع. نعم، لو كان الترديد في متعلق النية أي: متعلقها الثانوي و بالعرض، فلا إشكال في وقوعه كما في العلم الإجماليّ، حيث إنّ الإجمال و التردد فيه في متعلقه بالعرض لا ما كان بالذات.

لوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها كما تبيّن في الصورة الثالثة فراجع و هذا إذا لم يكن في ذمته واجب آخر واضح لا ريب فيه. و أما لو كان في ذمته واجب آخر، فقد يتوهم أنّه لا يجزي، لأنّ إجزاءه عن شهر رمضان دون غيره ترجيح بلا مرجح و هو باطل، و لا ريب في بطلان هذا التوهم، لأنّ تخصيص الزمان بخصوص شهر رمضان تخصيص ذاتيّ، فلا وجه لتوهم الترجيح بلا مرجح كما هو معلوم.

خروجا عن مخالفة من حكم بالبطلان، و لكنّه لا دليل عليه و لا ريب في حسن الاحتياط و إن لم يكن دليل على وجوبه.

(مسألة ۱۸): لو أصبح يوم الشك بنية الإفطار، ثمَّ بان له أنّه من الشهر. فإن تناول المفطر وجب عليه القضاء، و أمسك بقية النهار وجوبا (۷۹) تأدبا و كذا لو لم يتناوله و لكن كان بعد الزوال (۸۰) و إن كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر، جدّد النية و أجزأ عنه (۸۱).

أما وجوب القضاء، فلعموم ما دل على وجوبه بتناول المفطر في شهر رمضان. و أما وجوب الإمساك تأدبا فللإجماع، و النصوص‏

كقوله (صلّى اللّه عليه و آله) في يوم الشك: «من لم يأكل فليصم و من أكل فليمسك»٥۳ و يأتي ما يدل عليه في [مسألة ٤۳] من الفصل التالي.

بناء على انقضاء وقت تجديد النية حينئذ- كما نسب إلى المشهور- فيجب القضاء، و إمساك بقية النهار تأدبا، و لكنه مخالف لإطلاق قوله (عليه السلام): «هو يوم وفق له»٥4 الشامل لما بعد الزوال أيضا و هو الأسهل و الأيسر في هذا الحكم العام البلوى، و طريق الاحتياط الإتمام رجاء ثمَّ القضاء.

لما تقدم في [مسألة ۱۲] فراجع و لا وجه للتكرار.

(مسألة ۱۹): لو صام يوم الشك بنية أنّه من شعبان ندبا أو قضاء أو نحوهما- ثمَّ تناول المفطر نسيانا، و تبيّن بعده أنّه من رمضان، أجزأ عنه أيضا، و لا يضرّه تناول المفطر نسيانا، كما لو لم يتبيّن، و كما لو تناول المفطر نسيانا بعد التبين (۸۲).

كل ذلك لاعتبار العمد و الاختيار في مفطرية المفطرات و لا حكم لها مع السهو و النسيان على ما يأتي تفصيله في (فصل) المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة.

(مسألة ۲۰): لو صام بنية شعبان، ثمَّ أفسد صومه- برياء و نحوه لم يجزه عن رمضان (۸۳) و إن تبيّن له كونه منه قبل الزوال.

لأنّه لا وجه لإجزاء الباطل و سقوط الأمر به بالضرورة.

(مسألة ۲۱): إذا صام يوم الشك بنية شعبان، ثمَّ نوى‏ الإفطار، و تبيّن كونه من رمضان قبل الزوال (۸٤) قبل أن يفطر، فنوى، صح صومه (۸٥). و أما إن نوى الإفطار في يوم من شهر رمضان عصيانا، ثمَّ تاب فجدّد النية قبل الزوال لم ينعقد صومه (۸٦). و كذا لو صام يوم الشك بقصد واجب معيّن (۸۷)، ثمَّ نوى الإفطار عصيانا. ثمَّ تاب فجدّد النية، بعد تبين كونه من رمضان، قبل‏ الزوال (۸۸).

لأنّ تجديد النية قبل الزوال إنّما ينفع فيما إذا كان أصل الإمساك صحيحا، و أما إذا كان مختلا لجهة من الجهات، فلا وجه للنية لانتفاء الموضوع.

لأنّ مانعية الإفطار إنّما هي لأجل منافاتها لاستمرار النية، فإذا كان اليوم لم يصح فيه قصد صوم شهر رمضان حدوثا، فلا يضرّ نية الإفطار من هذه الجهة، فما قطع استمرار النية فيه لم يكن مأمورا به، و ما كان مأمورا به لم يحدث فيه نية أولا حتى يصدق قطع الاستمرار.

إن قلت: هذا صحيح فيما إذا قصد الإفطار عن خصوص صوم شعبان، و لكن لو قصد الإفطار عن ذات الصوم و لو كان من شهر رمضان، فيشكل الصحة حينئذ.

قلت: ظاهر حال الصائم المسلم أنّه لا ينوي الإفطار هكذا و مع الشك نستصحب الصحة، فيجوز التجديد فيها.

لبطلان الصوم بفقد استمرار النية و لا أثر لتجديد النية فيما صار باطلا.

لعين ما تقدم في سابقة، و لكنّه إذا قصد الإفطار عن خصوص صوم الواجب المعيّن و كان قاصدا للصوم على فرض كونه من رمضان لا وجه للبطلان. نعم، لو قصد الإفطار عن ذات الصوم مطلقا و لو كان من شهر رمضان يتعيّن البطلان حينئذ، لكنّه خلاف ظاهر حال الصّائم المسلم، و مع الشك نستصحب الصحة حتّى لو كان الصّوم من شهر رمضان كما مرّ.

لما تقدم من أنّ التجديد لا ينفع في الصوم الباطل و لا بد من تقييده بما إذا نوى الإفطار.

(مسألة ۲۲): لو نوى القطع أو القاطع في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه (۸۹)، سواء نواهما من حينه، أو فيما يأتي (۹۰). و كذا لو تردد (۹۱). نعم، لو كان تردده من جهة الشك في‏ بطلان صومه و عدمه لعروض عارض، لم يبطل و إن استمر ذلك إلى أن يسأل (۹۲) و لا فرق في البطلان بنية القطع أو القاطع أو التردد بين أن يرجع إلى نية الصوم قبل الزوال أم لا (۹۳). و أما في غير الواجب المعيّن فيصح لو رجع قبل الزوال (۹٤).

لانقطاع استمرار النية بذلك، فيحصل البطلان لا محالة من جهة فقد النية، و نية القطع عبارة عن رفع اليد عن أصل النية، و نية القاطع عبارة عن قصد ارتكاب إحدى المفطرات، و كلاهما ينافي البقاء و الاستمرار كما هو واضح، و لا فرق في ذلك بين كون الصوم أمرا بسيطا، لأنّه على فرض البساطة يكون جميع الآنات من المقدّمات الوجودية لتحقيق ذلك الأمر البسيط، فلا بد فيها من عدم قصد الخلاف.

الاستمرار على النية يتصوّر على قسمين:

الأول: أن يكون في كل آن ناويا و بانيا على الصوم إلى الغروب: بأن ينوي إتمام الصوم إلى المغرب في كل آن.

الثاني: أن ينوي في كل آن صوم ذلك الآن و لم يقصد خلافه و هكذا في تمام الآنات. و مقتضى الأصل هو الأخير، و ظاهر الكلمات، و مقضي المرتكزات، و أنّ الكل عمل واحد له وحدة اعتبارية يتعلق بها القصد و الإرادة هو الأول، و عليه يكون قصد القطع أو القاطع فيما يأتي منافيا للاستمرار بخلاف الثاني. و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات، فمن قال: بأنّ نية القطع أو القاطع فيما يأتي تفسد الصوم أراد المعنى الأول. و من قال: بعدم الإفساد أراد الثاني، و يمكن تأييده بأنّ الوحدة الاعتبارية لا تنافي انحلال النية لنسبة إلى الآنات، مع أنّه أسهل و الشريعة مبنية عليه.

لمنافاة التردد للنية، لأنّها عبارة عن القصد و الإرادة و هما متقوّمان‏ بالجزم و العزم و لا ريب في منافاتهما للتردد.

لتحقق القصد و الإرادة بالنسبة إلى أصل الصّوم حينئذ كما في جميع موارد العبادات الاحتياطية التي يؤتى بها بقصد القربة، و جميع الأعمال التي يؤتى بها بقصد القربة مع الشك و التردد في بعض خصوصياتها.

لما مرّ مكرّرا من أنّ تجديد النية لا ينفع فيما صار باطلا، و لا يجعل الباطل صحيحا.

لجواز ترك نيته اختيارا إلى الزوال، فلا موضوع لقطع استمرار النية حينئذ، لأنّ موضوعه إنّما هو فيما إذا اعتبرت النية في زمان ثمَّ قطعت، لا فيما لا يعتبر فيه أصلا. و منه يعلم أنّه لا يضرّ نية القطع أو القاطع في الصوم المندوب إلى قبيل الغروب، و يشهد له قول عليّ (عليه السلام) لأهله: «إن كان عندكم شي‏ء و إلا صمت»٥٥ على ما روي في الصحيح عن الصادق (عليه السلام).

(مسألة ۲۳): لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك المفطرات مع النية، أو كف النفس عنها معها (۹٥).

لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة بعد تحقق القصد الإجمالي إلى الصوم المعهود في الشريعة، و لا موضوعية للعلم بالأجزاء و الشرائط و الموانع و سائر الخصوصيات في العبادات مطلقا، و إنّما هو طريق لإتيان الوظيفة مطابقة للواقع، فمع المطابقة يصح و إن لم يعلم بشي‏ء منها، و مع المخالفة لا تصح و إن علم جميعها و لا دليل من عقل أو نقل على اعتبار الموافقة التفصيلية من‏ كل حيثية و جهة في النية، و لذا اتفق المحققون على صحة عبادة تارك طريق الاجتهاد و التقليد إذا طابق الواقع، و على ذلك بنيت الشريعة السهلة السمحاء.

ثمَّ ان الكف أمر وجودي من عمل النفس، و الترك أمر عدمي، و لكنه ملازم للكف إذا لو خط بالنسبة إلى النفس و لا ثمرة عملية بين كون الصوم هو الكف أو الترك بعد الإجماع على صحة صوم النائم و الغافل إن تحققت منهما النية إجمالا، بل و لا ثمرة علمية معتنى بها في ذلك بعد كونهما متلازمين.

(مسألة ۲٤): لا يجوز العدول من صوم إلى صوم واجبين كانا أو مستحبين، أو مختلفين (۹٦)، و تجديد نية رمضان إذا صام يوم الشك بنية شعبان ليس من باب العدول، بل من جهة أنّ وقتها موسع لغير العالم به إلى الزوال (۹۷).

للإجماع، و الأصل، و قاعدة (إنّ الشي‏ء لا يتغيّر عما وقع عليه). و يرد الأخير: بأنّها في التكوينات دون الاعتبارات التي منها التكاليف.

و يرد ما قبله: بأنّه يصح في الأعمال الوجودية التدريجية الخارجية دون الصوم الذي هو بسيط قائم بالصائم و يصح تجدد إضافته إلى المولى في أيّ جزء من أجزاء زمانه، فالعمدة هو الإجماع لو تمَّ.

لا ثمرة عملية بين أن يكون ذلك كلّه من باب العدول، أو رفع اليد عن النية الأولى و تجديد نية أخرى.

ثمَّ إنّ هذا منه (رحمه اللّه) إجمال ما فصّله في المسائل السابقة.

و خلاصة الكلام في الأقسام أنّها سبعة:

الأول: أن يكون كلّا من المعدول عنه و المعدول إليه مندوبا، فيجوز فيه العدول إلى قبيل الغروب.

الثاني: أن يكون كلا منهما واجبا موسعا يجوز فيه العدول إلى الزوال.

الثالث: أن يكونا معيّنين لا يجوز العدول إلا فيما إذا كان المعدول إليه من شهر رمضان و في غيره يتداخلان على تفصيل تقدم في [مسألة ۱۱].

الرابع: كون المعدول عنه مندوبا و المعدل إليه واجبا موسعا يجوز فيه العدول إلى الزوال.

الخامس: عكس الرابع، و حكمه مثل سابقة في قضاء شهر رمضان و في غيره يأتي التفصيل في [مسألة ۲۷] من (فصل أحكام القضاء).

السادس: كون المعدول عنه مندوبا، و المعدول إليه واجبا معينا تقدم حكمه في [مسألة ۱۲ و ۱٦].

السابع: كون المعدول عنه واجبا معينا، و المعدول إليه واجبا موسعا لا يجوز العدول، و يظهر منه عدم العدول عن المعيّن إلى المندوب بالأولى.

ثمَّ إنّ المراد بالعدول تجديد النية و عبّرنا به تسهيلا في التعبير.

  1. سورة البقرة: ۱۸۲.
  2. الوسائل باب ۱۲ من أبواب الصوم المندوب حديث: ۱.
  3. الوسائل باب: ۱ من أبواب الصوم المندوب حديث: ۱.
  4. الوسائل باب: ۱ من أبواب الصوم المندوب حديث: ٥.
  5. الوسائل باب: ۱ من أبواب الصوم المندوب حديث: ۲.
  6. الوسائل باب: ۱ من أبواب الصوم المندوب حديث: ۲4.
  7. الوسائل باب: ۱ من أبواب الصوم المندوب حديث: ۳٦.
  8. الوسائل باب: ۲ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱.
  9. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: ۱.
  10. الوسائل باب: ۲ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۲ و ملحقة.
  11. الوسائل باب: ۲ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۲ و ملحقة.
  12. ورد مضمونه في الوسائل باب: ۱۱ من أبواب حد المسكر حديث: ۷.
  13. راجع الوسائل باب: ۲4 من أبواب مقدمات الحدود و أحكامها حديث: 4.
  14. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب حد الزنا حديث: ۱.
  15. الوسائل باب: ٥ من أبواب مقدمات الحدود حديث: ٥.
  16. الوسائل باب: ۲۷ من أبواب حد الزاني حديث ۱۱.
  17. الوسائل باب: ۱ من أبواب الصوم المندوب حديث: ۱٥.
  18. الوسائل باب: ٥ من أبواب وجوب الصّوم و نيته حديث 4.
  19. الوسائل باب: ٥ من أبواب وجوب الصّوم و نيته حديث ۸.
  20. سورة البقرة: ۱۸4.
  21. مستدرك الوسائل باب: ۹ من أبواب من يصح الصوم منه حديث: ۲.
  22. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب من يصح الصوم منه حديث: ٥.
  23. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب من يصح الصوم منه حديث: 4.
  24. الوسائل باب: ٥ من أبواب نية الصوم حديث 4.
  25. الوسائل باب: ٥ من أبواب نية الصوم حديث ۸.
  26. راجع الوسائل باب: ۲ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۷ و باب: ۳ منه.
  27. مستدرك الوسائل باب: ۲ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۱ و ملحقة.
  28. الوسائل باب: ٥٦ من أبواب جهاد النفس.
  29. لاحظ المبسوط للسرخسي ج: ۳ صفحة: ٦۲ و في المعتبر: مسألة وقت النية في الصوم.
  30. الوسائل باب: ۲ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۲.
  31. الوسائل باب: ۲ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۱۰.
  32. الوسائل باب: ۲ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ٦.
  33. الوسائل باب: ۲ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۸.
  34. الوسائل باب: ۲ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ٥.
  35. الوسائل باب: ۳ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۱.
  36. الوسائل باب: ۲ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۷.
  37. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: ۲.
  38. الوسائل باب: ۱۱ و ۱۲ من أبواب مقدمة العبادات.
  39. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۱.
  40. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۲.
  41. الوسائل باب: ٥ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4.
  42. الوسائل باب: ٥ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۳.
  43. الوسائل باب: ٥ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۱۰.
  44. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۱.
  45. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ٥.
  46. الوسائل باب: ٥ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ٦.
  47. الوسائل باب: ٥ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ٥.
  48. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۸.
  49. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۹.
  50. الوسائل باب: ٥ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۲.
  51. الوسائل باب: ٥ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۷.
  52. الوسائل باب: ٥ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۳.
  53. راجع المعتبر للمحقق‏[ مسألة وقت النية] كتاب الصوم.
  54. الوسائل باب: ٥ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ٦.
  55. الوسائل باب: ۲ من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: ۷.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"