1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الهبة
و هي تمليك عين مجانا و من غير عوض (۱) و قد يعبر عنها بالعطية و النحلة (۲)، و هي عقد يفتقر إلى إيجاب و قبول (۳). و يكفي في الإيجاب كل لفظ دل على التمليك المذكور (٤) مثل‏ وهبتك أو ملكتك أو هذا لك و نحو ذلك و في القبول كل ما دل على الرضا (٥) بالإيجاب، و لا يعتبر فيه العربية (٦) و الأقوى وقوعها بالمعاطاة (۷) بتسليم العين و تسلمها بعنوان التمليك و التملك (۸).

و هي من الأمور الدائرة بين الناس في جميع الملل و الأديان و في جميع الأمكنة و الأزمان معروفة لديهم و قد تعد من المجاملات المتعارفة لديهم، و بهذا المعنى المعروف عند الناس تعلق بها جملة من الأحكام فالموضوع عرفي و ان كان بعض أحكامه شرعية كسائر موضوعات الأحكام، و لها إطلاق عام يشمل العطية و نحوها و إطلاق خاص، و المحقق في الشرائع لاحظ الإطلاق العام و عبر ب (كتاب الهبات) و جمع من الفقهاء لاحظ الإطلاق الخاص فعبروا ب (كتاب الهبة).

هذا هو الإطلاق الخاص لدى الفقهاء و تستعمل في هذا المعنى عرفا و لغة أيضا، و لكن موارد استعمالاتها أعم فتستعمل في هبة غير العين أيضا كما في قوله تعالى‏ وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً۱، و في الدعاء «و هب لي الأنس‏ بك و بأوليائك»۲، و كذا قوله عليه السّلام فيه أيضا: «و هب لي نورا أمشى به في الناس»۳، كما أنها تستعمل أعم من التمليك كقوله تعالى‏ وَ وَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا4، و قوله تعالى‏ وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ*٥، الى غير ذلك من الاستعمالات الفصيحة، و هذه الاستعمالات بلحاظ المعنى العام لها الشامل لمطلق العطاء.

كما تقدم في مورد الآيات الشريفة.

ثمَّ إن العطية و النحلة أعم من الهبة لصدقها على الوقف و الصدقة و السكنى و العمرى و نحوها، كما أن الهبة أعم من الصدقة و الهدية في الجملة فلها معنى أعم و معنى أخص يطلق في مقابل الصدقة و الهدية و نحوهما فيكون بينهما العموم من وجه.

على المعروف بين الأصحاب خلفا عن سلف حيث عدوها من العقود و كل عقد متقوم بهما.

و لكن لو قيل إن المجانيات مطلقا من سنخ الأسباب و القبض معتبر فيها لا أن تكون من العقود و يكون القبول اللفظي معتبرا في تحققها لكان له وجه موافق للاعتبار. و المرتكزات أيضا.

لما مر غير مرة أن المناط في إنشاء العناوين العقدية ظهور اللفظ فيها و الظهور حجة معتبرة عرفية مطلقا ما لم يحد من الشرع بحد خاص معلوم، و هو مفقود في المقام.

يجري فيه ما تقدم في سابقة من غير فرق.

لإطلاق الأدلة الشامل لغير العربية من غير ما يصلح للتقييد بها من نص أو إجماع معتبر.

لما تقدم في أول البيع من أنها موافقة للقاعدة ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود.

) و ليس هذا إلا المعاطاة في الهبة.

(مسألة ۱): يعتبر في كل من الواهب و الموهوب له البلوغ و العقل و القصد و الاختيار (۹) و في الواهب عدم الحجر عليه بسفه أو فلس (۱۰)، و تصح من المريض بمرض الموت و إن زاد على الثلث بناء على ما هو الأقوى من أن منجزات المريض تنفذ من الأصل كما تقدم في كتاب الحجر (۱۱).

هذه كلها من الشرائط العامة لكل عقد بل لكل إنشاء عقدا كان أو إيقاعا، و قد تعرضنا لأدلتها في كتاب البيع عند بيان شرائط المتعاقدين فراجع، و يصح قبول الولي عن الموهوب له غير الكامل بدليل ولايته الشامل لمثل ذلك.

لأنها تصرف مالي و هما ممنوعان عن التصرفات المالية و تصح بإذن الغرماء أو إجازتهم كما تصح بإذن الولي في السفيه.

راجع ما قدمناه هناك.

(مسألة ۲): يعتبر في الواهب أن يكون مالكا (۱۲) فلا يصح هبة مال‏ الغير إلا بإذنه أو بإجازته (۱۳)، و كذا يعتبر في الموهوب له أن يصح تملكه للموهوب (۱٤) فلا تصح هبة المصحف و العبد المسلم للكافر (۱٥).

لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه.

لما أثبتناه في البيع من صحة الفضولي في كل عقد إلا ما خرج بالدليل.

لأنه مع صحة الانتقال لا يتحقق موضوع عقد الهبة.

لما مر في البيع من عدم صحة نقلهما إلى الكافر من آية نفي السبيل‏٦ و دعوى الإجماع و غيرهما.

(مسألة ۳): يشترط في الموهوب أن يكون عينا فلا تصح هبة المنافع (۱٦)، و أما الدين فإن كانت لمن عليه الحق صحت بلا إشكال (۱۷) و أفادت فائدة الإبراء (۱۸) و يعتبر فيها القبول (۱۹) على الأحوط لو لم يكن الأقوى و إن لم يعتبر في الإبراء على الأقوى (۲۰) و الفرق بين هذه الهبة و الإبراء أن الثاني إسقاط لما في ذمة المديون (۲۱) و هذه تمليك له، و إن كان يترتب عليه السقوط كبيع الدين على من عليه الدين و إن كانت لغير من عليه الحق ففيه إشكال (۲۲).

استدل على عدم صحة هبة المنافع.

تارة: بأنها خلاف ظواهر الأخبار المقتصر فيها على خصوص العين.

و أخرى: بظهور الإجماع على عدم جوازها.

و ثالثة: بأنها ترجع إلى العارية أو الإجارة أو السكنى أو العمرى.

و الكل باطل.

أما الأول: فلأنها من باب الغالب.

و أما الثاني: فلأنه غير حاصل و على فرضه فمدركه معلوم، و أما الأخير فلأنه لا محذور في أن يكون شيئا قابلا لانطباق عقود متعددة عليه و حينئذ فيكون المائز هو القصد فتختلف الآثار بذلك لا محالة.

ثمَّ إن العين يشمل العين الشخصية الخارجية و المشاع و الكلي في المعين بل المردد، و الكل صحيح للتوسع في الهبة بما لم يتوسع في غيرها، و يأتي في كتاب النكاح صحة هبة المدة للمتمتعة بها و صحة هبة إحدى الزوجات ليلتها لضرتها فراجع.

للعموم و الإطلاق و ظهور الاتفاق و لا يحتاج إلى القبض لأن ما في الذمة بمنزلة القبض.

للعموم و الإطلاق و ظهور الاتفاق و لا يحتاج إلى القبض لأن ما في الذمة بمنزلة القبض.

لأن المدلول المطابقي للّفظ وقع بعنوان الهبة عرفا، و هي تحتاج إلى القبول و إن استلزم هذا المدلول المطابقي لازما و هو الإبراء و المدار في العقود على المداليل المطابقية و لوازمها.

نسب إلى المشهور عدم اعتبار القبول في الإبراء و هو الموافق للاعتبارات العرفية أيضا، و عن جمع اعتبار القبول فيه أيضا لأصالة عدم ترتب الأثر إلا به.

و فيه: أن الأصل لا مجال له مع ظهور قول الدائن في الإسقاط و شهادة العرف لعدم حق على المديون له بعد ذلك.

نعم، يمكن التفصيل بينما إذا كان الإبراء في معرض المنة و الاستهانة على الطرف، فيعتبر القبول حينئذ و بين ما إذا لم يكن كذلك فلا يعتبر، و لعله بذلك يجمع بين الكلمات.

يعني أولا و بالذات فبالمدلول المطابقي و يترتب عليه عدم صحة رجوع الدائن بعد ذلك لفرض فراغ الذمة و سقوطها فلا شي‏ء له فيها حتى يصح له الرجوع إليها، و أما في الهبة فقد ملّكه شيئا فيصح له الرجوع إلى ما ملّكه ما لم‏ يكن منع شرعي في البين، و على هذا فلو كان بعنوان الهبة و أفاد فائدة الاسقاط ثمَّ رجع يجوز أن يقال أن الاسقاط كان ما داميا لا دائميا كالإبراء الحاصل بغير الهبة.

نسب إلى المشهور عدم الصحة لأنه كلي لا وجود له في الخارج فلا يتحقق فيه القبض فلا تصح الهبة من هذه الجهة.

و الخدشة فيه ظاهرة لان قبض الكلي يتحقق بقبض الفرد فإذا كان مأذونا في القبض لنفسه فيقبض، فيثبت القبض شرعا مع أن ما في الذمة كالمقبوض فلا إشكال فيه من هذه الجهة.

(مسألة ٤): يشترط في صحة الهبة قبض الموهوب له (۲۳) و لو في غير مجلس العقد و يشترط في صحة القبض كونه بإذن الواهب (۲٤). نعم، لو وهب ما كان في يد الموهوب له صح و لا يحتاج إلى قبض جديد (۲٥)، و لا مضي زمان يمكن فيه القبض، و كذا لو كان الواهب وليا على الموهوب له كالأب و الجد للولد الصغير و قد وهبه ما في يده صح بمجرد العقد، لأن قبض الولي قبض عن المولى عليه و الأحوط أن يقصد القبض عن المولّى عليه بعد الهبة (۲٦) و لو وهب الصغير غير الولي فلا بد من القبض (۲۷) و يتولاه الولي (۲۸).

نصا و إجماعا فعن الصادق عليه السّلام: «الهبة لا تكون أبدا هبة حتى يقبضها»۷، و قريب منه غيره و ظهورها في نفي الصحة مما لا ريب فيه.

و أما قوله عليه السّلام: «الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض، قسمت أو لم تقسم و النحل لا يجوز حتى تقبض»۸، فأسقطه عن الاعتبار بما هو أظهر منه كما مر و مخالفته للمشهور، فالقول بأنه شرط للّزوم لا الصحة مستندا إليه ساقط، بل لا وجه له لأن الهبة جائزة مطلقا قبض أو لم يقبض إلا في موارد خاصة دل فيها دليل خاص على اللزوم كما يأتي.

و من ثمرات كون القبض شرطا للصحة ان النماء المتخلل للواهب لا الموهوب له.

بلا خلاف فيه بين العقلاء فضلا عن الفقهاء.

لأن المناط في القبض الصحيح الشرعي استيلاء القابض على المال و سلطته عليه بوجه شرعي، و هو حاصل في المقام بعد الهبة فلا وجه لقبض جديد و لا مضي زمان و لا لقصد قبض مستأنف للأصل في جميع ذلك بعد صدق القبض عرفا و إن المال مال الموهوب عند الموهوب له بعد إنشاء الهبة.

إن قيل: أن القبض لا بد و أن يكون بإذن من الواهب و لم يصدر منه إذن فيه.

يقال: هبة الواهب ماله إلى من يكون المال لديه مستلزم عرفا لرضا الواهب و اذنه في قبض الموهوب له للمال بقاء و إن يأذن حدوثا هذا مع علمه بأن المال عنده و كذا مع جهله أيضا، لأن الملازمة بين هبة المال و رضا الواهب بكونه تحت استيلاء الموهوب له واقعي لا ربط له بالعلم و الجهل و الدلالات الالتزامية معتبرة في المحاورات ما لم تكن قرينة على الخلاف، هذا مع انصراف ما دل على القبض عن مثل الفرض، و يمكن الاستشهاد بما يأتي في الأخبار الواردة في الولي كما يأتي.

أما صحة أصل هذه الهبة فللإجماع و النص، ففي موثق داود عن الصادق عليه السّلام: «الهبة و النحلة ما لم تقبض حتى يموت صاحبها، قال: هي ميراث فإن كانت لصبي في حجره فأشهد عليه فهو جائز»۹ و قريب منه خبر أبان‏۱۰.

و أما أنه لا يحتاج إلى قبض جديد فلإطلاق الأخبار و لما ذكره في المتن مضافا إلى انصراف ما دل على اعتبار القبض عن المقام كما لا يخفى.

و أما الاحتياط المذكور فقيل في وجهه إن قبض الولي صالح للهبة و غيرها و صرفه إلى الهبة ترجيح بلا مرجح.

و فيه: أنه مع تصريح الولي بالهبة يختص القبض بها حينئذ فلا وجه للقصد الجديد بعد قصد الهبة و استلزامه لكون القبض لها عرفا.

نعم، يصلح مثل هذه الوجوه للاحتياط.

لما مر من الإطلاق و الاتفاق من غير تقييد في البين.

لما مر غير مرة من عدم الاعتبار بفعل الصغير.

نعم، يصح أن يكون آلة للإيصال إلى الولي و وقع ذلك بإذن الولي أيضا.

(مسألة ٥): إذا وهبه دينا له على غيره و كان الموهوب له مديونا لذلك الغير بقدره صح (۲۹) و تبرأ ذمة المديون بذلك (۳۰).

لشمول الإطلاق لهذه الصورة أيضا، مضافا إلى أصالة الصحة بعد عدم مانع في البين.

و أما تحقق القبض فيصح أن يسلمه الواهب فيدفعه إلى الموهوب له، كما يجوز أن يأذن له في قبضه منه، و يصح القول بالتهاتر أيضا.

لما عرفت آنفا.

(مسألة ٦): لا يشترط في الهبة أن يكون المال الموهوب معلوم المقدار فتصح هبة الصبرة أو بعضها مع عدم العلم بمقدارها، و كذا تصح هبة الدين الذي لم يعلم مقداره (۳۱).

كل ذلك لأصالة الصحة و إطلاق الأدلة و بنائها على المسامحة بما لا يتسامح في غيرها من العقود.نعم، لو كانت الهبة معاوضية و مبتنية على المداقة فلا يجوز حينئذ.

(مسألة ۷): يجوز أن يكون الموهوب كليا في العين كصاع من صبرة معينة أو كليا في ذمة الواهب مثل أن يهبه منا من الحنطة في ذمته أو عشرة دنانير (۳۲) و كذا الفرد المردد (۳۳).

لأصالة الصحة و لإطلاق الأدلة و ظهور الاتفاق.

لشمول الإطلاقات له أيضا، و تسامح الناس في الهبة فلا يشمله ما ورد في البيع من دعوى الإجماع على المنع، فيكون التخيير للواهب.

نعم، لا يجوز ذلك في الهبة المعوضة كما هو واضح.

(مسألة ۸): يجوز للراهن هبة العين المرهونة مع إجازة المرتهن (۳٤)، و كذا تصح للمعير أو المودع هبة العين المعارة و المودعة (۳٥)، و أما هبة المستعير و الودعي فيتوقف على إذن مالكهما (۳٦).

أما أصل جوازها للراهن فلأن المال ملكه فتصح لوجود المقتضى، و أما التوقف على اجازة المرتهن فلفرض أن حقه تعلق بالعين فلا بد من إذنه.

لوجود المقتضى و فقد المانع و يمكن أن يكون هذا رجوعا عن الوديعة و العارية.

لما تقدم من جريان الفضولي في الهبة.

(مسألة ۹): يجوز للمؤجر هبة العين المستأجرة و لكن قبضها يتوقف على إذن المستأجر (۳۷)، كما يجوز للمستأجر هبة العين المستأجرة و لكنها تتوقف على إذن المؤجر (۳۸)، و كذا يجوز للمالك هبة العين‏ المغصوبة منه إن تمكن الموهوب له من قبضها (۳۹).

أما الأول فلفرض كونها ملكا للواهب فيتصرف فيه بما يشاء.

و أما الثاني: فلفرض تعلق حق المستأجر باستيفاء المنفعة من العين المستأجرة.

فالهبة حينئذ تصير من الهبة الفضولية.

لشمول إطلاق الأدلة لهذه الصورة، و كذا يجوز العكس أيضا بأن يهب الغاصب العين المغصوبة متوقفا على إجازة المالك لما مر من جريان الفضولية فيها.

(مسألة ۱۰): القبض في الهبة كالقبض في البيع، و هو في غير المنقول كالدار و البستان التخلية برفع يده عنه و رفع المنافيات و الإذن للموهوب له في التصرف بحيث صار تحت استيلائه، و في المنقول الاستقلال و الاستيلاء عليه باليد أو ما هو بمنزلته كوضعه في حجره أو في جيبه و نحو ذلك (٤۰).

القبض من الأمور المتعارفة بين الناس في عقودهم و معاملاتهم و مجاملاتهم، و يختلف ذلك باختلاف متعلقه فكلما حكم المتعارف بأنه قبض فهو قبض شرعي أيضا و كل ما حكم بعدمه فلا يتحقق فيه القبض الشرعي، لتنزل الأحكام الشرعية على الموضوعات العرفية ما لم تكن قرينة على الخلاف و هي مفقودة في المقام، و في موارد الشك يرجع إلى أصالة عدم تحقق القبض ما لم يكن أصل موضوعي على خلافه، و ما ذكر في المتن هو المشهور بين الأعلام و هو المرتكز أيضا في أذهان الأنام من قديم الأيام، و قد تقدم في كتاب البيع ما يتعلق بالقبض.

(مسألة ۱۱): يجوز هبة المشاع (٤۱) لإمكان قبضه و لو بقبض المجموع بإذن الشريك أو بتوكيل المتهب إياه في قبض الحصة الموهوبة عنه، بل الظاهر تحقق القبض الذي هو شرط للصحة في المشاع باستيلاء المتهب عليه من دون إذن الشريك أيضا (٤۲)، و ترتب الأثر عليه و إن كان تعديا بالنسبة إليه (٤۳).

للإطلاق و الاتفاق و السيرة و صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن دار لم تقسم فتصدق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار؟ قال عليه السّلام: يجوز، قلت: أرأيت إن كانت هبة؟ قال عليه السّلام: يجوز»۱۱.

لما مر من أن القبض عبارة عن استيلاء القابض على المال برضا المالك و هو متحقق في المقام قطعا و انما عصى بالتصرف في مال الشريك و هو خارج عن حقيقته، و النهي الخارج عن حقيقة ما يتعلق بالعقود لا يوجب البطلان و إن تحقق العصيان كما ثبت ذلك في محله.

فيحصل القبض و إن عصى بالتعدي كما عرفت.

(مسألة ۱۲): لا يعتبر الفورية في القبض و لا كونه في مجلس العقد (٤٤) فيجوز فيه التراخي عن العقد و لو بزمان كثير و لو تراخى يحصل الانتقال إلى الموهوب له من حينه، فما كان له من النماء سابقا على القبض يكون للواهب (٤٥).

كل منهما للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

لما مر من أن القبض شرط للصحة فالموهوب باق على ملك الواهب إلى حين القبض و يتبعه نماؤه لا محالة.

(مسألة ۱۳): لو مات الواهب بعد العقد و قبل القبض بطل العقد و انفسخ و انتقل الموهوب إلى ورثته و لا يقومون مقامه في الإقباض فيحتاج إلى إيقاع هبة جديدة بينهم و بين الموهوب له كما أنه لو مات الموهوب له لا يقوم ورثته مقامه في القبض بل يحتاج إلى هبة جديدة من الواهب إياهم (٤٦).

لما تقدم من كون القبض شرطا للصحة فمع عدم تحققه كأن لم يقع عقد الهبة أصلا، و منه يعلم أن في التعبير بالانفساخ مسامحة و ذكره مستدرك.

(مسألة ۱٤): لا فرق في القبض المعتبر في الهبة بين القبض الموهوب‏ له بنفسه أو وليه أو وكيله بل الظاهر جريان الفضولية في القبض أيضا (٤۷).

أما الأولان فلأن قبضهما قبض الموهوب له.

و أما الأخير فلأنه يصير بعد الإجازة قبضه أيضا.

(مسألة ۱٥): لا يتحقق القبض بإتلاف الموهوب له العين الموهوبة (٤۸) بل الظاهر ضمانه للواهب (٤۹).

لأن الإتلاف أعم من القبض.

لصدق تلف مال الغير حينئذ.

(مسألة ۱٦): الإقرار بالهبة ليس إقرارا بالقبض (٥۰).

لكونها أعم منه إلا إذا كانت قرينة في البين دالة على أن المراد بها الهبة الجامعة للشرائط فحينئذ يكون الإقرار بها إقرار بالقبض بالملازمة لا بالمطابقة.

(مسألة ۱۷): لو وهب شيئين لشخصين لكل واحد منهما أحدهما أو شيئا واحدا لهما على سبيل الإشاعة فقبلا و قبضا صح، و لو قبض أحدهما دون الآخر صح بالنسبة إلى القابض، و كذا لو كان وكيلا عن الآخر في القبض (٥۱).

الوجه في جميع ذلك واضح كما عرفت في المسائل السابقة.

(مسألة ۱۸): إذا تمت الهبة بالقبض فإن كانت لذي رحم- أبا كان أو أما أو ولدا أو غيرهم (٥۲)- و كذا إن كانت للزوج أو الزوجة على الأقوى‏ لم يكن للواهب الرجوع في هبته (٥۳)، و إن كانت لأجنبي غير الزوج‏ و الزوجة كان له الرجوع فيها ما دامت العين باقية (٥٤) فإن تلفت كلا أو بعضا فلا رجوع (٥٥)، و كذا لا رجوع إن عوّض المتهب عنها (٥٦) و لو كان يسيرا من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراط له في الهبة و بين غيره بأن أطلق في العقد لكن المتهب أثاب الواهب و أعطاه العوض (٥۷) و كذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب في هبته القربة و أراد بها وجه اللّه تعالى (٥۸).

المراد بالأولين مطلقهما و إن علوا، و المراد بالولد مطلقه و إن نزل، و المراد من غيرهم من كان ذي رحم عرفا و إن حل نكاحه لظهور الإطلاق في الجميع.

أما اللزوم و عدم صحة الرجوع بالنسبة إلى ذي رحم فللإجماع و النصوص منها صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «الهبة و النحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز إلا لذي رحم فإنه لا يرجع فيها»۱۲، و منها صحيح عبد الرحمن عن الصادق عليه السّلام: «الرجل يهب الهبة أ يرجع فيها أنشأ أم لا؟

فقال عليه السّلام: تجوز الهبة لذوي القرابة و الذي يثاب عن هبته و يرجع في غير ذلك إنشاء»۱۳، و إطلاق مثلهما يشمل كل من صدق عليه أنه ذو رحم عرفا.

و أما ما يظهر منه جواز الرجوع حتى في الرحم كقول الصادق عليه السّلام في خبر داود: «الهبة و النحلة فإنه يرجع فيها حازها أو لم يحزها و إن كانت لذي قرابة»۱4، فلا بد من حمله أو طرحه لوهنه بالإعراض و معارضته بما هو أقوى منه فلا وجه لما نسب إلى جمع من الجواز حتى فيه.

و أما اللزوم بالنسبة إلى الزوجين فلصحيح زرارة عن الصادق عليه السّلام: «إنما الصدقة محدثة إنما كان الناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينحلون و يهبون، و لا ينبغي لمن أعطى اللّه شيئا أن يرجع فيه و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة حيزت أو لم تحز، و لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته و لا المرأة فيما تهب لزوجها حيز أو لم يحز، لأن اللّه تعالى يقول‏ وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً، و قال‏ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً، و هذا يدخل في الصداق و الهبة»۱٥.

و نسب إلى المشهور الجواز مع الكراهة لصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليه السّلام: «أنه سأل عن رجل كانت له جارية فآذته امرأته فيها فقال: هي عليك صدقة، فقال عليه السّلام: إن كان قال ذلك للّه فليمضها و إن لم يقل فله أن يرجع‏ إن شاء فيها»۱٦، مع اشتمال صحيح زرارة على ما لا يقول به أحد و هو قوله عليه السّلام:

«أو لم يحز» إذ لم يقل أحد بعدم جواز الرجوع فيما لم يقبض.

و فيه: أن صحيح ابن مسلم في مقام بيان حكم الصدقة و انه إذا قال «للّه» يتحقق موضوع الصدقة و إن لم يقل ذلك فلا يتحقق موضوعها. و لا ربط له بالهبة، و أما اشتمال صحيح زرارة على ما لا يقول به أحد فلا يضر بصحة التفكيك في خبر واحد بالعمل ببعضه و طرح بعضه الآخر.

ثمَّ إن الظاهر أنه لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة إلا مع قصر زمان الانقطاع فيصح دعوى الانصراف عنها.

عن الصادق عليه السّلام قال: «قلت: رجل لي عليه دراهم و كانت داره رهنا فأردت أن أبيعها، قال: أعيذك باللّه أن تخرجه من ظل رأسه»44، و قريب منه خبر إبراهيم بن هاشم: «أن محمد بن عمير رحمه اللّه كان رجلا بزازا فذهب ماله و افتقر و كان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم و حمل المال الى بابه، فخرج اليه محمد بن أبي عمير فقال: ما هذا؟ فقال: هذا مالك الذي عليّ، قال: ورثته؟ قال: لا، قال وهب لك؟ قال: لا فقال: هو من ثمن ضيعة بعتها؟ فقال: لا فقال: ما هو؟ فقال: بعت داري التي أسكنها لأقضي ديني فقال محمد بن ابي عمير: حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين ارفعها فلا حاجة لي فيها، و اللّه إني لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم واحد، و ما يدخل ملكي درهم واحد».

لأن موضوع الرجوع كون الهبة قائمة بعينها و مع تلف البعض لا يصدق ذلك فضلا عن تلف الكل كما في سائر الموارد التي أخذ هذا العنوان في ظاهر الدليل فلا تجري أصالة جواز الرجوع حينئذ.

للإجماع و إمكان انصراف ما دل على جواز الرجوع عن هذه الصورة.

لإطلاق معقد الإجماع الشامل لجميع ذلك و إمكان دعوى انصراف أدلة الجواز عن الجميع.

إجماعا و نصوصا منها قوله عليه السّلام: «ما جعل للّه عز و جل فلا رجعة له فيه»۱۸، و قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى وجه اللّه»۱۹ و عن الصادق عليه السّلام: «لا ينبغي لمن أعطى اللّه شيئا أن يرجع فيه و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة»۲۰، الى غير ذلك من الأخبار.

مع أنها تدخل في الهبة المعوضة و لا رجوع فيها، مضافا إلى إمكان كونها من الصدقة و لا وجه للرجوع فيها أيضا.

(مسألة ۱۹): يلحق بالتلف التصرف الناقل كالبيع و الهبة أو المغير للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها كالحنطة يطحنها و الدقيق يخبزه و الثوب يفصله أو يصبغه و نحو ذلك (٥۹) دون غير المغير كالثوب يلبسه و الفراش يفرشه و الدابة يركبها أو يعلفها أو يسقيها و نحوها فإن أمثال ذلك لا يمنع عن الرجوع (٦۰)، و من الأول على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز و لو بالجنس (٦۱) كما أن من الثاني- على الظاهر- قصارة الثوب (٦۲).

كل ذلك لصدق عدم كون الموهوب قائما بعينه فيسقط الرجوع في جميع ذلك، لتعلق جواز الرجوع على خصوصية العينية المتشخصة بالخصوصيات الخاصة التي منها بقاؤه على ملك المتهب و عدم انتقاله منه الى غيره.

للأصل بعد صدق كون الشي‏ء قائما بعينه عرفا في جميع ذلك و مع الشك يرجع إلى كون الشي‏ء قائما بعينه و عدم تغييره عما كان عليه.

لصدق عدم كون الشي‏ء قائما بعينه عرفا و إن صدق ذلك بالدقة العقلية لكن المدار في الشرعيات على العرفيات دون العقليات.

الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الثياب ففي بعضها يصدق أن الثوب قائم بعينه و في بعضها يصدق العدم و في بعضها يشك في ذلك، و حكم الكل واضح.

(مسألة ۲۰): لو أعار الموهوب له العين الموهوبة أو أودعها لا يسقط جواز الرجوع في الهبة الجائزة (٦۳).

لصدق أن الموهوب قائم بعينه و ليس ذلك من التصرف الموجب للزوم.

(مسألة ۲۱): لو تصرف الأجنبي في العين الموهوبة بلا التفات و تسبيب من الموهوب له يشكل حينئذ جواز الرجوع (٦٤).

لإطلاق قوله عليه السّلام: «إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع و إلا فليس له»۲۱، و المفروض عدم القيام بعينها إلا أن يدعى الانصراف عن ذلك لكنه مشكل كما لا يخفى.

(مسألة ۲۲): لو شك في أن الهبة قائمة بعينها أو لا فالأحوط عدم الرجوع إلا بالتراضي (٦٥).

منشأ جواز الرجوع أصالة الإباحة بعد عدم صحة التمسك بالدليل و الأصل الموضوعي، لكونه من الشك في الموضوع.

و أما منشأ عدم جواز الرجوع فلاحتمال أن يكون الشك داخلا في مفهوم قوله عليه السّلام: «إذا كانت الهبة قائمة بعينها» فتصير الأقسام ثلاثة:

إحراز كون الهبة قائمة بعينها، إحراز عدمها، الشك فيهما فتكون‏

الصورتان الأخيرتان داخلتين في مورد عدم الجواز.

(مسألة ۲۳): فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكل و البعض، فلو وهب شيئين لأجنبي بعقد واحد يجوز له الرجوع بأحدهما، بل لو وهب شيئا واحدا يجوز له الرجوع في بعضه مشاعا أو معينا و مفروزا (٦٦).

كل ذلك للإطلاق و ظهور الاتفاق.

(مسألة ۲٤): الهبة إما معوضة أو غير معوضة و المراد بالأولى ما شرط فيها الثواب و العوض و إن لم يعط العوض أو عوض عنها و إن لم يشترط فيها العوض (٦۷).

لصدق الهبة المعوضة عرفا على كل منهما فيتعلق بها حكم المعوضة قهرا.

(مسألة ۲٥): إذا وهب و أطلق لم يلزم على المتهب إعطاء الثواب و العوض سواء كانت من الأدنى للأعلى أو العكس، أو من المساوي للمساوي (٦۸)، و إن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الأولى إعطاء العوض (٦۹) و كيف كان لو اعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله (۷۰)، و إن قبل و أخذه لزمت الهبة و لم يكن له الرجوع فيما وهبه و لم يكن للمتهب أيضا الرجوع في ثوابه (۷۱).

كل ذلك للأصل و ظهور الإجماع.

خروجا عما نسب إلى أبي الصلاح من لزوم إعطاء العوض حينئذ و لا دليل له على قوله إلا إذا كان مراده رحمه اللّه ما إذا علم من القرائن التي منها هدية الأدنى للأعلى أنها بعنوان العوض و البناء عليه، و كذا لا دليل لما نسب إلى الشيخ من وجوب التعويض مطلقا.

للأصل و الإطلاق و الاتفاق بناء على عدم الاعتناء بمخالفة أبي الصلاح في بعض صغريات المسألة.

كل ذلك لصيرورتها هبة معوضة حينئذ، و هي لازمة كما مر و يتفرع عليه جميع هذه الفروع.

(مسألة ۲٦): إذا شرط الواهب في هبته على المتهب إعطاء العوض بأن يهبه شيئا مكافاة و ثوابا لهبته و وقع منه القبول على ما اشترط، و كذا القبض للموهوب يلزم عليه دفع العوض (۷۲) فإن دفع لزمت الهبة الأولى على الواهب (۷۳) و إلا فله الرجوع في هبته (۷٤).

لكونها من الهبة المعوضة عرفا و هي لازمة.

و ما يقال: من أن المراد بها ما إذا كان العوض فيها بالعنوان الأولي لا بعنوان الشرط لأنه حينئذ من الشرط في العقود الجائزة و لا يلزم الوفاء به.

مخدوش: أولا أنه أول الدعوى، لأن مقتضى عموم «المؤمنون عند شروطهم»۲۲، وجوب الوفاء بها أيضا ما دام العقد باقيا و قد خرج الشرط الابتدائي فقط لدعوى الإجماع و بقي الباقي.

و ثانيا: ان هذا النحو من الهبة يصدق عليها عرفا أنها معوضة فيشملها دليل اللزوم لا محالة و طريق الاحتياط في التراضي.

لصيرورتها معوضة بذلك أيضا فيلزم الوفاء بها.

لعدم التعويض فلا موجب لوجوب الوفاء بها.

(مسألة ۲۷): لو وهب شيئا و كانت في البين قرائن دالة على أنها بعنوان العوض و لم يكن في اللفظ شي‏ء يدل عليه فالظاهر وجوب دفع العوض (۷٥).

لفرض اعتبار تلك القرائن عند المتعارف فتكون كالقرينة اللفظية المذكورة في الكلام، و لكن الاحتياط في التراضي، لذهاب بعض إلى عدم الاعتبار بالقرائن الحالية في العقود و الإيقاعات و إن كان لا دليل له على ذلك فيما إذا كانت القرينة معتبرة و اعتمد عليها أهل المحاورات.

(مسألة ۲۸): لو عين العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعين و يلزم على المتهب بذل ما عين (۷٦)، و لو أطلق بأن شرط عليه أن يثيب و يعوض و لم يعين العوض فإن اتفقا على قدر فذاك (۷۷)، و إلا وجب عليه أن يثيب بمقدار الموهوب مثلا أو قيمة (۷۸).

كل منهما لعموم وجوب الوفاء بالشرط بعد كون العقد من العقود اللازمة.

لأن الحق بينهما فلهما أن يتراضيا بما شاءا و أرادا.

لأصالة البراءة عن الزائد، مع أن المنساق من التعويضات مطلقا عند العرف هو التساوي بين العوضين.

(مسألة ۲۹): الظاهر أنه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة بأن يشترط على المتهب أن يهبه شيئا، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شي‏ء بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حق فإذا صالحه عنه و تحقق منه القبول فقد عوضه و لم يكن له الرجوع في هبته، و كذا يجوز أن يكون إبراء عن حق أو إيقاع عمل له (۷۹) كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه و نحو ذلك فإذا أبرأه عن ذلك الحق أو عمل له ذلك العمل فقد أثابه و عوضه.

كل ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق، فيعتبر في العوض أن يكون جامعا للشرائط الصحة.

(مسألة ۳۰): إذا اشترط المتهب على الواهب عدم رجوعه في ضمن عقد لازم لزم، و كذا إذا اشترط في ضمن عقد الهبة (۸۰).

أما الأول فلعموم أدلة وجوب الوفاء بالشرط.

و أما الثاني فهو مبني على أن الشروط المذكورة في ضمن العقود الجائزة لازم الوفاء أو لا؟ و قد مر ما يتعلق به في البيع في أحكام الشرط فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(مسألة ۳۱): إذا اشترط الواهب على المتهب أن يكون له الخيار في فسخ العقد إلى مدة معينة جاز له، و حينئذ له الفسخ و الرجوع حتى في هبة ذي الرحم أو بعد التلف (۸۱).

أما أصل جواز اشتراط الخيار فلعموم أدلة الشرط.

و أما صحته في مثل الهبة الجائزة فلأنه يمكن أن يتعلق الجواز بعقد واحد من جهتين جهة الذات و جهة الشرط، و لا محذور فيه من عقل أو نقل كما تقدم في أحكام الشروط.

و أما صحته في الهبات اللازمة فلإطلاق أدلة الشروط، و ليس ذلك منافيا لمقتضى العقد لأن المراد بالمنافي ما كان منافيا بالعنوان الأولي أو ما قام الدليل على أنه مناف لا مثل المقام الذي هو مناف للإطلاق.

(مسألة ۳۲): لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له الرجوع و كان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد و القبض كالثمرة و الحمل و الولد و اللبن في الضرع كان من مال المتهب (۸۲) و لا يرجع إلى الواهب بخلاف المتصل كالسمن فإنه يرجع اليه (۸۳)، و يحتمل أن يكون ذلك مانعا عن الرجوع لعدم كون الموهوب معه قائما بعينه و لا يخلو من قوة (۸٤).

لقاعدة تبعية النماء للأصل، و الأصل له فيكون النماء له أيضا.

نسب ذلك إلى المشهور و ادعى الإجماع عليه لأن السمن يعد من حالات نفس العين عرفا لا من نماءآتها.

لأن المرجع في عدم كون الشي‏ء قائما بعينه هو العرف، و الظاهر حكمهم بذلك خصوصا في بعض أفراد السمن، و الحاصل أن النماء أقسام‏

ثلاثة:

الأول‏: المنفصل خارجا كالثمرات المقطوفة.

الثاني‏: المنفصل اعتبارا كالثمرات غير المقطوفة الكائنة على الشجر بل الأكمام، و الظاهر أن هذا القسم من القسم الأول أيضا.

الثالث‏: مثل السمن و عدّه من تبدل العين و تغيرها أقرب من أن يعد من النماء، و مع الشك فاستصحاب كونه من مراتب العين و مظاهرة جارية فيكون للواهب كنفس العين.

(مسألة ۳۳): لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة و إن كانت لأجنبي و لم تكن معوضة و ليس لورثته الرجوع (۸٥)، و كذلك لو مات الموهوب له فينتقل الموهوب إلى ورثته انتقالا لازما (۸٦).

كل ذلك لأصالة اللزوم، مع أن جواز الرجوع للواهب حكم شرعي له، و ليس حقا حتى يورث فلا موضوع للإرث إلا إذا أحرز أنه حق قابل للإرث، و مع الشك في أنه حكم أو حق أو أنه على فرض كونه حقا قابلا للإرث أو لا، لا يجوز الرجوع إلى عموم «ما تركه الميت فهو لوارثه»۲۳، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك و ذلك لا يصح كما ثبت في محله.

أما الانتقال فلعموم «ما تركه الميت فلوارثه»۲4، و أما اللزوم فلصدق عدم كون العين قائمة بعينها فلا وجه للرجوع و لا بد من اللزوم قهرا.

(مسألة ۳٤): لو باع الواهب العين الموهوبة فإن كانت الهبة لازمة بأن كانت لذي رحم أو معوضة أو قصد بها القربة يقع البيع فضوليا فإن أجاز المتهب صح و إلا بطل (۸۷)، و إن كانت غير لازمة فالظاهر صحة البيع‏ و وقوعه من الواهب و كان رجوعا في الهبة (۸۸) هذا إذا كان ملتفتا إلى هبته و أما لو كان ناسيا أو غافلا و ذاهلا ففي كونه رجوعا قهريا تأمل و إشكال (۸۹) فلا يترك الاحتياط (۹۰).

لصيرورة الموهوب ملك الغير بالهبة اللازمة فالواهب تصرف في مال الغير بدون إذنه فيصير البيع فضوليا قهرا و تتوقف صحته على إجازة من له حق الإجازة.

لصدق الرجوع في الهبة عليه عرفا إذا كان مع العمد و الالتفات كما هو المفروض.

و دعوى: أن صحة البيع متوقفة على الرجوع إذ «لا بيع إلا في ملك»۲٥، فإذا توقف الرجوع على البيع يكون ذلك دورا باطلا.

مدفوعة. أولا: أنه ليس المراد بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا بيع إلا في ما يملك»۲٦، ملكية المبيع بل المراد به مالكية البيع و صحة صدوره منه سواء كان مالكا للمبيع أم لا، و لا ريب في أن للواهب حق بيع الموهوب و سلطنته عليه.

و ثانيا: أنه لا اثنينية في المقام حتى يتحقق الدور الذي هو متقوم بذلك بل لا يصدر من الواهب إلا البيع فقط، و حيث إنه مناف لبقاء الهبة فينتزع عنه الرجوع عند المتعارف فلا وجه للدور حينئذ.

من الإطلاقات و العمومات المنطبقة على موضوعاتها قهرا و من أن الانطباق القهري في الإنشائيات المتوقفة على التوجه و الالتفات من كل جهة خلاف المتعارف فيها إلا ما دل عليه دليل بالخصوص.

لإمكان المناقشة في كل واحد من الجوابين، و لكن ليس كل مناقشة مما يعتني بها فالاحتياط حسن لا أن يكون واجبا.

(مسألة ۳٥): الرجوع إما بالقول كأن يقول رجعت و ما يفيد معناه و إما بالفعل كاسترداد العين و أخذها من يد المتهب، و من ذلك بيعها بل و إجارتها و رهنها إذا كان ذلك بقصد الرجوع (۹۱).

لا تحتاج هذه المسألة إلى التطويل لأن كل ما فيها موافق للوجدان‏ و الإطلاق و الاتفاق و تقدم في أحكام الخيار ما ينفع المقام.

(مسألة ۳٦): لا يشترط في الرجوع إطلاق المتهب فلو أنشأ الرجوع من غير اطلاعه صح (۹۲).

للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(مسألة ۳۷): يستحب العطية للأرحام (۹۳) الذين أمر اللّه تعالى أكيدا بصلتهم و نهى شديدا عن قطيعتهم فعن مولانا الباقر عليه السّلام قال في كتاب علي عليه السّلام «ثلاثة لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن البغي و قطيعة الرحم و اليمين الكاذبة يبارز اللّه بها و إن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم و إن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمي أموالهم و يثرون و ان اليمين الكاذبة و قطعية الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها»، و خصوصا الوالدين الذين أمر اللّه تعالى ببرهما فعن مولانا الصادق عليه السّلام أن رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال أوصني قال: «لا تشرك باللّه شيئا و إن أحرقت بالنار و عذبت إلا و قلبك مطمئن بالإيمان و والديك فأطعهما و برهما حيين كانا أو ميتين و إن أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فأفعل فإن ذلك من الإيمان»، إلى غير ذلك من الأخبار و لا سيما الأم التي يتأكد برها و صلتها أزيد من الأب كما وردت في روايات كثيرة (۹٤).

بالأدلة الأربعة و رجحانها ثابت بفطرة العقول و إجماع الفقهاء بل العقلاء، و أما الكتاب ففي آيات متكررة رغب فيها إلى صلة الأرحام التي تشمل الهبة كقوله تعالى‏ وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ‏۲۷، و أما السنة ففي نصوص متواترة من الفريقين الدالة إلى الترغيب بصلتهم‏۲۸، التي منها الهبة.

و الأخبار في ذلك كثيرة ففي رواية ابن أبي عمير عن أبي‏ عبد اللّه عليه السّلام: «جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أبرّ؟ قال: أمك، قال: ثمَّ من؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: أمك، قال: ثمَّ من؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: أمك، قال: ثمَّ من؟ قال صلّى اللّه عليه و آله:

أباك»۲۹، و قريب منه رواية معلى بن خنيس‏۳۰، إلى غير ذلك من الأخبار.

(مسألة ۳۸): يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية على كراهية (۹٥)، و ربما يحرم إذا كان سببا لإثارة الفتنة و الشحناء و البغضاء المؤدية إلى الفساد، كما أنه ربما يفضّل التفضيل فيما إذا يؤمن من الفساد و يكون لبعضهم خصوصية موجبة لأولوية رعايته.

أما الجواز فللأصل و الإطلاق و الاتفاق مضافا إلى نصوص خاصة منها رواية محمد بن قيس قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض؟ فقال عليه السّلام: نعم و نساءه»۳۱، و في رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام: «الرجل يكون له الولد من غير أم يفضل بعضهم على بعض؟ قال:

لا بأس» إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما الكراهة فلما رواه السكوني: «نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما و ترك الآخر، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: فهلا واسيت بينهما»۳۲، و في النبوي صلّى اللّه عليه و آله: «ساووا بين أولادكم في العطية»۳۳، و في آخر «اتقوا اللّه و اعدلوا بين أولادكم»۳4، إلى غير ذلك من الأخبار.

(مسألة ۳۹): الصلح في مقام الهبة لا يجري عليه حكم الهبة (۹٦).

للأصل و ظهور الإجماع فلا يعتبر في تحققه القبض.

(مسألة ٤۰): لو تبين أن الموهوب بعد قبضه مستحقا للغير بطلت الهبة (۹۷).

لعدم تحقق القبض الشرعي فلا وجه للصحة، و تصح بإجازة المالك كما تقدم.

(مسألة ٤۱): إذا تبين فساد الهبة بعد القبض و تلف العين الموهوبة فإن كانت مجانية فلا ضمان و إن كانت معوضة يضمن (۹۸).

أما في الصورة الأولى فللأصل و قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»، و أما في الصورة الثانية فلقاعدة الإقدام و ما «يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

ثمَّ إن الضمان بأقل الأمرين من القيمة و العوض معلوم و ضمان الزائد عليه يحتاج إلى دليل و هو مفقود و الأحوط التراضي بالنسبة إلى الزائد.

(مسألة ٤۲): إذا اختلفا في أنه كان هبة أو رشوة قدم قول مدعي الهبة (۹۹)، و لو أعطاه شيئا و لم يعلم أنه أراد الصلح أو الهبة لم يجر عليه الأحكام الخاصة لكل منهما (۱۰۰).

لأصالة الصحة الجارية في فعل المسلم.

للأصل ما لم تكن قرينة على الخلاف. نعم، يستفاد الإذن في التصرف في الجملة.

(مسألة ٤۳): لو علم أنه قصد التمليك من غير أن يقصد عنوانا معينا من صلح أو هبة أو غيرهما فالظاهر جريان أحكام الهبة عليه (۱۰۱).

لأن كونه من العطية معلوم و انها بمنزلة الهبة.

  1. سورة آل عمران: ۸.
  2. الدعاء الخامس و العشرون في الصحيفة السجادية.
  3. الدعاء السادس و العشرون في الصحيفة السجادية.
  4. سورة مريم: ٥۳.
  5. سورة الأنبياء: ۷۲.
  6. سورة النساء: ۱4۱.
  7. الوسائل باب: 4 من أبواب الهبات حديث: 4.
  8. الوسائل باب: 4 من أبواب الهبات حديث: 4.
  9. الوسائل باب: ٥ من أبواب الهبات حديث: ۲.
  10. الوسائل باب: 4 من أبواب الهبات حديث: ۱.
  11. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب الهبات حديث: ۱.
  12. الوسائل باب: ٦ من أبواب الهبات حديث: ۲.
  13. الوسائل باب: ٦ من أبواب الهبات حديث: ۱.
  14. الوسائل باب: ٦ من أبواب الهبات حديث: ۳.
  15. الوسائل باب: ۳ و ۷ من أبواب الهبات حديث: ۱.
  16. الوسائل باب: ۷ من أبواب الهبات حديث: ۲.
  17. الوسائل باب: ۸ من أبواب الهبات.
  18. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الوقوف و الصدقات حديث: ۱.
  19. الوسائل باب: ۳ من أبواب أحكام الهبات حديث: ۱.
  20. الوسائل باب: ۳ من أبواب أحكام الهبات حديث: ۲.
  21. تقدم في صفحة: ۲٦۸.
  22. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب المهور حديث: 4.
  23. راجع ج: ۱۸ صفحة: ۱٥۳.
  24. راجع ج: ۱۸ صفحة: ۱٥۳.
  25. راجع: ج: ۱۷ صفحة: ۲٦.
  26. راجع: ج: ۱۷ صفحة: ۲٦.
  27. سورة النساء: ۱.
  28. الوسائل باب: ۷۱ و ۱۸ و ۱۹ من أبواب النفقات.
  29. الوسائل باب: ۹4 من أبواب أحكام الأولاد.
  30. الوسائل باب: ۹4 من أبواب أحكام الأولاد.
  31. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الهبات حديث: ۱.
  32. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الهبات حديث: ۱.
  33. الوسائل باب: ۹۱ من أبواب أحكام الأولاد حديث: ۳.
  34. كنز العمال ج: ۲۲ النكاح حديث: ۳4۷، ۳٥4.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"