لقول اللّه عز و جل رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ۱۳، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في تفسير الآية: «هم التجارة الذين لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه عز و جل إذا دخل مواقيت الصلاة أدوا إلى اللّه عز و جل حقه فيها»۱4، و في خبر أبي بصير قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مؤمن فقير شديد الحاجة من أهل الصفة، و كان لازما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند مواقيت الصلاة كلها لا يفقده في شيء منها، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يرق له، و ينظر إلى حاجته و غربته، فيقول: يا سعد لو قد جاءني شيء لأغنيتك، قال عليه السّلام: فأبطأ ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاشتد غم رسول اللّه بسعد، فعلم اللّه سبحانه ما دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من غمه بسعد، فأهبط عليه جبرائيل عليه السّلام و معه درهمان، فقال له: يا محمد إن اللّه قد علم ما قد دخلك من الغم بسعد، أ فتحب أن تغنيه؟ فقال له: نعم، فقال له: فهاك هذين الدرهمين فأعطهما إياه، و مره أن يتجر بهما، فأخذهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ خرج إلى صلاة الظهر، و سعد قائم على باب حجرات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينتظره، فلما رآه رسول صلّى اللّه عليه و آله قال: يا سعد أ تحسن التجارة؟ فقال له سعد: و اللّه ما أصبحت أملك ما اتجر به، فأعطاه النبي صلّى اللّه عليه و آله الدرهمين، فقال له: اتجر بهما و تصرف لرزق اللّه، فأخذهما سعد، و مضى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى صلى معه الظهر و العصر، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قم فاطلب الرزق، فقد كنت بحالك مغتما يا سعد، فأقبل سعد لا يشتري بالدرهم إلا باعه بدرهمين، و لا يشتري شيئا بدرهمين إلا باعه بأربعة دراهم، و أقبلت الدنيا على سعد فكثر متاعه، و ماله، و عظمت تجارته، فاتخذ على باب المسجد موضعا جلس فيه، و جمع تجارته إليه، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أقام بلال الصلاة يخرج و سعد مشغول بالدنيا لم يتطهر، و لم يتهيأ كما كان يفعل قبل أن يتشاغل بالدنيا، فكان النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول: يا سعد شغلتك الدنيا عن الصلاة، فيقول: ما أصنع؟ أضيع مالي؟ هذا رجل قد بعته فأريد أن استوفى منه، و هذا رجل قد اشتريت منه فأريد أن أوفيه، فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أمر سعد غم أشد من غمه بفقره، فهبط عليه جبرائيل عليه السّلام فقال: يا محمد إن اللّه قد علم بغمك بسعد، فأيما أحب إليك حاله الأولى أو حاله هذه؟
فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله يا جبرائيل بل حاله الأولى، قد أذهبت دنياه بآخرته، فقال له جبرائيل: إن حب الدنيا و الأموال فتنة و مشغلة عن الآخرة. قال: جبرائيل قل لسعد: يرد عليك الدرهمين الذين دفعتهما إليه، فإن أمره سيصير إلى الحالة التي كان عليها أولا. فخرج النبي صلّى اللّه عليه و آله فمر بسعد فقال له: يا سعد أما تريد ان ترد عليّ الدرهمين الذين أعطيتكهما؟ فقال سعد: بلى، و مائتين، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: لست أريد منك يا سعد إلا درهمين، فأعطاه سعد درهمين، و أدبرت الدنيا على سعد حتى ذهب ما كان جمع، و عاد إلى حاله التي كان عليها»۱٥.