1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب القضاء
  10. /
  11. الفصل الخامس في جواب المدعى عليه
و هو: أما إقرار، أو إنكار، أو ما هو مثله- كالسكوت أو يقول لا أدري- أو يكذّب المدعي (۱)، و نذكر حكمها في ضمن مسائل: أما الأول:

و الحصر في ذلك استقرائي بل عقلي.

(مسألة ۱): لو أقر المدعى عليه بما ادعاه المدعي- عينا كان أو دينا و كان إقراره جامعا للشرائط فحكم الحاكم و ألزمه بدفعه ترتفع الخصومة (۲).

لانتفاء موضوع الخصومة رأسا بالإقرار و الاعتراف بما يدعيه المدعي، فهما متوافقان على شي‏ء واحد، و لا تعقل الخصومة بينهما حينئذ، بل الإقرار حجة عقلائية بالنسبة إلى المقر له، مضافا إلى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»۱، و إن لم يحصل حكم من الحاكم و إنما الاحتياج إليه فيما إذا كان المورد مسبوقا بالخصومة، لأجل التأكيد في مقام الإثبات، لئلا يقع تشكيك فيه بعد ذلك من أحد، لأجل ترتب آثار الحكم عليه اهتماما بالموضوع.

(مسألة ۲): ما حكم به الحاكم في مورد اعتراف المدعى عليه و إقراره حكم صحيح جامع للشرائط يترتب عليه جميع آثاره (۳).

لأنه حكم صحيح، و كل حكم كان كذلك، فهو حجة شرعا، فيترتب‏ عليه الآثار، كحرمة نقضه، و عدم جواز رفعه إلى حاكم آخر، و ما تقدم من حرمة سماع حاكم آخر تلك الدعوى مرة أخرى و غير ذلك.

(مسألة ۳): لو أقر المدعى عليه و لم يصدر حكم من الحاكم يؤخذ بإقراره (٤)، و يلزم بدفعه إلى المقر له (٥)، و كذا لو قامت البينة على أن الحق للمدعي (٦)، و يدخل المقام في مورد الأمر بالمعروف أيضا لو حصل للآمر به العلم بجامعية البينة للشرائط (۷).

لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» كما مر، مع أن الإقرار من الحجج العقلائية المعتبرة. لدى الكل، فيترتب جميع آثاره، من عدم جواز تصرف المقر فيما أقر به إلا بإذن المقر له.

لأنه حينئذ من صغريات الحسبة، فيجب كفاية القيام بها إن تمت موازين الحسبة.

لأنها حجة شرعية بل عقلائية أيضا، لأن في كل مذهب و ملة إذا شهد شاهدان عدلان عندهم على شي‏ء يعتمدون على قولهما.

نعم يختلف معنى العدالة فيما بينهم، و يمكن أن لا يكون العادل في مذهب عادلا في مذهب آخر، و إن شئت قلت: إن البينة توجب حصول الاطمئنان النوعي بمفادها، و هو حجة عقلائية كالعلم، و القول باختصاص حجيتها بما إذا قامت لدى الحاكم الشرعي إنما هو لأجل أن إحراز العدالة المعتبرة فيها، و سائر جهات الشهادة لا تثبت غالبا إلا عنده، لا أنه على فرض إحراز جميع الجهات لا تكون معتبرة إلا لديه، كما أن موضوع القضاوة لا بد و أن يكون لديه أيضا، فلو قامت البينة كذلك تترتب عليها الآثار من عدم جواز تصرف المشهود عليه إلا بإذن المشهود له.

لفرض تحقق العلم بالموضوع، فيترتب عليه الأثر لا محالة.

(مسألة ٤): بعد الإقرار الجامع للشرائط من المدعى عليه و سؤال المدعي الحكم من الحاكم و توقف إحقاق الحق على حكمه وجب عليه الحكم (۸)، بل الأحوط ذلك و لو مع عدم التوقف أيضا (۹)، و أما مع عدم المطالبة و عدم التوقف فلا يجب (۱۰).

للإجماع و ظاهر الأدلة الدالة على وجوب الحكم بالحق عند وجود المقتضي و فقد المانع، كما مر.

لما يدعى من الإجماع في هذه الصورة أيضا.

للأصل بعد عدم دليل عليه، و إن كان الأولى ذلك.

(مسألة ٥): الحكم هو الإلزام بشي‏ء من مال أو عقد أو إيقاع أو إثبات شي‏ء خارجا أو على ذمة (۱۱)، و لا يعتبر فيه لفظ خاص (۱۲)، بل يكفي كل ما هو ظاهر عرفا في المقصود (۱۳)، كقضيت و حكمت و نحوهما (۱٤)، و لا فرق في الظهور بين أن يكون بنفسه أو بقرينة (۱٥)، بل يحصل بالفعل أيضا (۱٦).

لأنه ليس بإخبار لغة و عرفا و شرعا، فيكون من الإنشائيات قهرا، و أما متعلقه فليس فيه حد معين، بل المناط كل ما يصح أن يتعلق به الحكم شرعا، فما عن بعض القدماء في تعريفه من ذكر الإنشاء إنما هو للتوضيح، و إلا فيكفي مجرد الإلزام، كما أنه لا يعتبر في اعتبار الحكم الخصومة، للإطلاقات، و العمومات، نعم هي الغالبة فيه لا أن تكون مقومة لحقيقته.

للإطلاقات، مضافا إلى الأصل، و الإجماع.

لأن المناط إنشاؤه خارجا، و هو يحصل بكل ما يحصل به الإنشاء عرفا، كما لا يحصل بالإخبار، ففي مثل ثبت عندي أو حكمت به، إذا كان في مقام الإخبار لا يكون حكما، و إذا كان في مقام الإنشاء يكون حكما.

مما هو ظاهر في هذا العنوان من كل لغة.

لأن ظواهر الألفاظ حجة معتبرة عند العقلاء، سواء كانت حقيقية أم‏ مجازية، مع القرينة المعتبرة.

إذا كان في مقام إفادة ذلك، كما إذا أخذ المدعي به من المدعى عليه و سلّمه إلى المدعي.

(مسألة ٦): يجب على الحاكم أن يكتب الحكم إذا التمس منه المدعي و توقف استنقاذ الحق عليه (۱۷)، و كذا ما يتبع الحكم من إقرار المقر و نحوه (۱۸)، و الأحوط عدم أخذ الأجرة بالنسبة إلى عمله (۱۹)، و أما ما يصرفه في ذلك من الأعيان فلا إشكال في جواز أخذ عوضها إن لم تكن من مال المدعي (۲۰)، و أما مع عدم التوقف فلا شبهة في عدم الوجوب و جواز أخذ الأجرة (۲۱).

لأنه إحقاق للحق، و هو منصوب لذلك، فتشمله أدلة الحسبة.

لما مر فيما قبله آنفا.

لكونه من متممات الحكم، فكما لا يصح أخذ الأجرة عليه لأنه شرع مجانا، فكذا متمماته أيضا، و من يقول بالجواز يجعل حرمة أخذ الأجرة بالنسبة إلى خصوص الحكم فقط دون متمماته، أو لا يجعله من المتممات أصلا، فالنزاع صغروي.

لأن الواجب مجانا إنما هو العمل أي الكتابة، و أما بذل المال فمقتضى الأصل عدم وجوبه، كما في تجهيزات الميت و نحوها من الواجبات النظامية، فيجوز أخذ عوض تلك الأعيان مطلقا.

للأصل، و الإطلاق بعد عدم دليل على الحرمة فيهما.

(مسألة ۷): إذا وجبت الكتابة لا بد للكاتب من الفحص التام في تشخيص خصوصيات المدعي من اسمه و نسبه بحيث يأمن من الغلط و الإبهام (۲۲)، و لو لم يحتج إلى ذلك اكتفى بكتابة ما يفيده (۲۳).

كل ذلك تأكيدا لبقاء الحق في مقره، و عدم زواله عن مستقره.

إذ المناط وصول الحق إلى أهله، و هو يحصل بذلك.

(مسألة ۸): إذا كان، المقر متمكنا من أداء ما أقر به الزم بالتأدية (۲٤)، و لو امتنع أجبره الحاكم (۲٥)، و إذا ماطل و أصر على المماطلة يعاقب حسب مراتب الأمر بالمعروف (۲٦)، بل يجوز ذلك لغير الحاكم أيضا (۲۷)، و يحبسه الحاكم مع تحقق المماطلة إلى أن يؤدي ما عليه (۲۸).

لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»۲، و وجوب أداء حقوق الناس فورا مع التمكن، بالأدلة الأربعة، كما تقدم في كتاب الغصب.

لأنه ولي الممتنع، و لأنه نصب لإحقاق الحق و إبطال الباطل، مضافا إلى أدلة ولاية الحسبة.

من الرفق أولا، ثمَّ التغليظ بالقول حسب ما تقدم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فإن المقام من صغرياته، فتشمله أدلته، مضافا إلى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ليّ الواجد يحل عقوبته و عرضه»۳.

لإطلاق أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بعد تحقق الشرائط الشاملة للمقام أيضا.

و احتمال تقييده بقوله عليه السلام في خبر مسعدة بن صدقة: «إنما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلا»4.

مخدوش: إذ ليس المراد بالقوي المطاع و العالم، خصوص الحاكم، بل المراد كل من يقدر على ذلك، و علم بتحقق شرائط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لأن للقوة و المطاعية مراتب كثيرة، خصوصا بعد مقابلتها مع‏ الضعفة، كما في ذيل الحديث.

إجماعا، و نصا، ففي الموثق: «أن عليا عليه السلام كان يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثمَّ يأمر به فيقسم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى باعه فقسم بينهم»٥.

(مسألة ۹): للحاكم الشرعي إجبار المقرر الواجد ببيع ماله (۲۹)، و إن امتنع عن بيعه باعه الحاكم بنفسه (۳۰)، و لو كان المقر به عينا خارجية أخذها الحاكم أو المدعي بل و غيره من باب الأمر بالمعروف (۳۱).

كما تقدم في الحديث بعد حمل قوله عليه السلام: «فإن أبى» على مطلق الإباء حتى عن البيع مباشرة مع الإلزام.

لتحقق موضوع ولايته عليه حينئذ بلا إشكال.

أما الحاكم فلولايته، و أما غيره فلأدلة الأمر بالمعروف مع انطباقها عليه، و لكن الأحوط الاستيذان من الحاكم.

(مسألة ۱۰): لو كان المقر به دينا فللحاكم الشرعي أخذ مثله في المثليات و القيمة في القيميات مما زاد على مستثنيات الدين، بلا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة (۳۲).

أما أخذ البدل من المثل أو القيمة، فلضرورة المذهب بل الدين. و أما استثناء مستثنيات الدين فللنص، و الإجماع، كما تقدم في كتاب الدين و الفلس‏٦، فلا وجه للإعادة هنا.

و أما عدم الفرق بين الرجل و المرأة فللإجماع، و قاعدة الاشتراك، ما لم يدل دليل على الخلاف، و هو مفقود.

(مسألة ۱۱): إذا ادعى المقر الإعسار و أنكره المدعي فمع سبقه باليسار فالقول قول منكر العسر و مع سبقه بالعسر فالقول قول مدعيه (۳۳)، فإن جهل الأمران يقدم قول من ينكر العسر (۳٤).

أما في الأول‏: فلأصالة عدم عروض العسر إلا إذا ثبت ذلك بحجة شرعية معتبرة.

و أما الثاني‏: فلأصالة عدم عروض اليسر إلا بحجة معتبرة شرعية، فتترتب آثار اليسر في الأول، و آثار العسر في الثاني.

لوجوب إعمال القدرة في رد حق الغير إليه، إلا إذا ثبت المانع عنه بوجه معتبر، و مع الشك تجري أصالة عدم المانع.

(مسألة ۱۲): إذا ثبت عسره فإن لم يكن عنده اقتدار على دفع عسره- من الصنعة و القوة على العمل- ينظر إلى يساره (۳٥)، و إن اقتدر عليه يرى فيه الحاكم الشرعي رأيه (۳٦)، مما لا يكون حرجا عليه من تسليمه.

لقوله تعالى‏ وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‏ مَيْسَرَةٍ۷، مضافا إلى الإجماع، و النص، فعن علي عليه السلام: «فإذا تبين له حاجة و إفلاس خلى سبيله»۸.

لأن ذلك كله من فروع ولايته على إحقاق الحق، و يختلف ذلك بحسب الأشخاص و الخصوصيات، مع أن أداء مال الغير واجب يجب تحصيل مقدماته، كوجوب تحصيل نفقة العيال، و ما ورد عن علي عليه السلام من أنه إذا ظهر إفلاسه خلى سبيله، لم تعلم خصوصياته حتى يؤخذ بإطلاقه.

(مسألة ۱۳): لو لم يعلم إعسار المقر و إيساره و التمس المدعي من الحاكم حبسه إلى أن يظهر الحال حبسه الحاكم (۳۷)، فإن تبين إعساره خلّى سبيله بلا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة كما تقدم (۳۸).

لأن الحق للمدعي، و قد طلبه من الحاكم، فلا بد له من إحقاق الحق‏ لكونه منصوبا لذلك.

لإطلاق الأدلة، و قاعدة الاشتراك.

(مسألة ۱٤): لا بد من ملاحظة شأن المعسر في إلزام الكسب عليه بأن لا يكون حرجا عليه أو غير لائق به (۳۹).

كل ذلك لقاعدة نفي الحرج.

(مسألة ۱٥): لو أضر الحبس بالمعسر أو كان أجيرا للغير قبل ذلك فلا يجوز حبسه (٤۰).

لقاعدتي نفي الضرر، و الحرج.

(مسألة ۱٦): لا يجب على الرجل طلاق زوجته لدفع نفقتها في أداء الدين و كذا لا تجب على المرأة الزواج لأخذ المهر و صرفه في دينها (٤۱).

للأصل، و الإجماع، و ظهور أدلة وجوب أداء الدين في غيرهما.

(مسألة ۱۷): إذا وهب المديون واهب مالا لصرفه في دينه و لم يكن في قبوله مهانة وجب عليه القبول (٤۲).

لصدق التمكن عرفا بلا إشكال.

(مسألة ۱۸): لو أقر المدعى عليه بالدين ثمَّ عرض له الجنون يتولى أمره الحاكم الشرعي فينظر في يساره و إعساره و سائر جهاته (٤۳).

لأن له الولاية عليه، و تشمله إطلاقات الأدلة حينئذ، لأنها تشمل نفس المدعى عليه كما تشمل الولي أيضا.

(مسألة ۱۹): إذا أقر المدعى عليه بأن المال للمدعي جاز له التصرف و المقاصة و نحوهما مطلقا (٤٤).

كل ذلك لتمامية المقتضي لتصرفات المدعي، و فقد المانع عنها، مضافا إلى الإجماع، و في خبر مسمع قال: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إني كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه و حلف لي عليه، ثمَّ جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إياه، فقال: هذا مالك فخذه، و هذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك، و اجعلني في حل، فأخذت المال منه و أبيت أن آخذ الربح، و أوقفت المال الذي كنت استودعته و أتيتك حتى أستطلع رأيك، فما ترى؟ فقال عليه السلام: خذ الربح و أعطه النصف، و أحله إن هذا رجل تائب و اللَّه يحب التوابين»۹، و الظاهر أن أخذ نصف الربح إنما هو من باب الإحسان و التفضل، لا الوجوب. و لا فرق فيما تقدم بين من تاب و أقر، أو أقر بدونها.

(مسألة ۲۰): لا يجوز للحاكم إيقاف المقر عن الإقرار في حقوق الناس (٤٥)، و يجوز ذلك في حقوق اللَّه تعالى (٤٦).

لأنه ظالم بالنسبة إلى صاحب الحق.

لكونها مبنية على الاستتار، و يدل عليه خبر ماعز المعروف بين الفريقين‏۱۰، بتكرار الإقرار.

و أما الثاني (٤۷).

و هو جواب المدعى عليه بالإنكار.

و ليعلم أولا: أن فصل الخصومة بين الطرفين إنما يتحقق إما بينة المدعي، أو يمين المنكر، لقول النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا، فإنما قطعت له قطعة من النار»۱۱، و قول أبي عبد اللَّه عليه السلام: «البينة على المدعي و اليمين‏ على المدعى عليه»۱۲.

و قد تجب على المدعي، مضافا إلى إقامة البينة اليمين أيضا، و قد يرد المنكر اليمين على المدعي، و يأتي تفصيل ذلك كله إن شاء اللَّه تعالى.

(مسألة ۲۱): إن كان جواب المدعى عليه الإنكار فأنكر دعوى المدعي فإن كان جاهلا بأن عليه إقامة البينة أو علم بها و لم يعلم أن له إقامتها من قبل نفسه وجب على الحاكم إعلامه بالحال (٤۸)، فيقول له: إن كانت لك بينة فأقمها، و إذا لم يكن له بينة و لم يعلم أن له حق إحلاف المنكر حينئذ وجب على الحاكم أن يعرّفه ذلك أيضا (٤۹).

مقدمة لفصل الخصومة.

لأن أصل الدعوى قائمة بالمدعي، و له التخيير بين إقامة البينة و بين إحلاف المنكر. لإحقاق ما يدعيه و إثباته. كما أن الحاكم الشرعي نصب لفصل الخصومة، أي سماع شهادة البينة و الحلف، فهما مورد حق كل من المدعي و الحاكم، فيجب ذلك عليه مقدمة لتشخيص الموضوع ليحكم بينهما بالموازين الحقة.

(مسألة ۲۲): الإحلاف حق للمدعي فليس للحاكم إحلاف المنكر، كما انه ليس له الحلف قبل التماس المدعي ذلك (٥۰)، فلا اعتبار بيمين المنكر قبل التماس المدعي، و كذا ليس للمدعي إحلاف المنكر قبل إذن الحاكم (٥۱)، فلو حلف كذلك لم يعتد به (٥۲)، و أعاده الحاكم إن التمس المدعي (٥۳).

لأصالة عدم ترتب الأثر، و ظهور الإجماع، و صحيح ابن أبي يعفور «إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه، فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله، ذهبت اليمين بحق المدعي فلا دعوى له، قلت له: و إن كانت عليه بينة عادلة؟ قال: نعم، و إن أقام بعد ما استحلفه باللَّه خمسين قسامة ما كان له، و كانت‏ اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله، مما قد استحلفه عليه»۱۳، حيث يظهر منه أن رضا المدعي بالحلف شرط في صحته.

لأصالة عدم ترتب الأثر بدونه، و للإجماع، و السيرة، و المنصرف إليه من الأخبار منها قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في خبر سليمان بن خالد: «في كتاب علي عليه السلام أن نبيا من الأنبياء شكا إلى ربه فقال: يا رب كيف أقضي فيما لم أر و لم أشهد، فأوحى اللَّه تعالى إليه: احكم بينهم بكتابي، و أضفهم إلى اسمي، فحلّفهم (تحلفهم) به»۱4.

لفقدان الشرط فيه.

للإجماع، و لبقاء حقه كما عرفت لو رضي الحاكم بذلك.

(مسألة ۲۳): إذا لم يكن للمدعي بينة و استحلف المنكر فحلف سقطت دعوى المدعي (٥٤)، فلا يترتب على دعواه آثار بقائها من مطالبة حقه و مقاصته و رفع الدعوى إلى الحاكم كما لا تسمع دعواه (٥٥)، و لكن لا تبرأ ذمة المدعى عليه و لا تصير العين الخارجية بهذا الحلف خارجة عن ملك صاحبها (٥٦)، فيجب عليه ردها و إفراغ ذمته و إن لم يجز للمالك أخذها و لا يجوز للمنكر بيعها و هبتها و سائر التصرفات فيها (٥۷)، و يجوز للمدعي شراء العين المدعى بها من الحالف و استيهابها منه (٥۸)، كما يجوز له إبراء المديون من دينه (٥۹).

إجماعا، و نصوصا، منها ما تقدم من صحيح ابن أبي يعفور، و منها ما عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في خبر النخعي: «في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده، قال: إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئا، و إن تركه و لم يستحلفه فهو على حقه»۱٥، و منها قول أبي الحسن الثاني عليه السلام أيضا: «فإن حلف فلا حق له، و إن رد على المدعي فلم يحلف فلا حق له»۱٦، و منها صحيح ابن خالد قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه و حلف، ثمَّ وقع له عندي مال، آخذه لمكان مالي الذي أخذه و احلف عليه كما صنع؟ قال: إن خانك فلا تخنه، و لا تدخل فيما عتبته عليه»۱۷، و منها خبر عبد اللَّه بن وضاح قال: «كانت بيني و بين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم، فقدمته إلى الوالي فأحلفته فحلف و قد علمت انه حلف يمينا فاجرة، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح و دراهم كثيرة، فأردت أن اقتص الالف درهم التي كانت لي عنده و احلف عليها، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبرته أني قد أحلفته فحلف، و قد وقع له عندي مال، فإن أمرتني أن آخذ منه الالف درهم التي حلف عليها فعلت؟

فكتب: لا تأخذ منه شيئا، إن كان ظلمك فلا تظلمه، و لو لا أنك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك، و لكنك رضيت بيمينه، و قد ذهبت اليمين بما فيها. فلم آخذ منه شيئا و انتهيت إلى كتاب أبي الحسن عليه السلام»۱۸، إلى غير ذلك من الأخبار.

و مقتضى إطلاقها، بل صريح بعضها عدم الفرق بين أن يكون للمدعي بينة أو لا، و لا بين كون المدعى به عينا أو دينا، و لا بين شرط سقوط الحق و عدمه.

لأن كل ذلك من آثار سقوط الحق و الدعوى، و قد مر في النصوص أيضا.

للأصل، و الإجماع، بل الضرورة، و النصوص منها ما رواه الفريقان‏ عن نبينا الأعظم صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار»۱۹، و لا فرق بين اليمين الكاذبة.

أما الأول، فلبقاء اشتغال الذمة في الواقع، و الحلف إنما أثر في الخصومة الظاهرية فقط. و أما عدم جواز تصرف المالك فيه قصاصا و لا بغيره، فلصيرورة المال للمنكر في ظاهر الشرع، و يجوز اختلاف الأحكام الظاهرية مع الأحكام الواقعية، حفظا للنظام في رفع خصومات الأنام و غيرها.

لفرض صيرورتها ملكه بعد الحلف، فيجري عليه جميع أحكام ملكه.

لفرض أن المنكر مديون له في الواقع، و إنما الحلف أثر في قطع الخصومة الظاهرية.

نعم لو كان مورد الإبراء خصوص الدين الظاهري لا يبقى موضوع له حينئذ.

(مسألة ۲٤): لو أقام المدعي البينة بعد حلف المنكر لم تسمع (٦۰)، حتى لو غفل عن الحكم أو رفعت الدعوى عند حاكم آخر فحكم ببينة المدعي فلا أثر لحكمه (٦۱).

لسقوط أصل الدعوى في ظاهر الشرع بحلف المنكر، فلا يبقى موضوع بعد الحلف للدعوى و إقامة البينة.

و نسب إلى جمع سماع إقامة البينة لبقاء الحق الواقعي باعتقاده، و هو يصلح للإقامة و السماع. و فيه: أن المنساق من الأخبار أن أثر الحق الواقعي إنما يظهر في الآخرة، و أما في الدنيا فانفصلت الخصومة فيها مطلقا.

لبطلان أصل الدعوى، فلا موضوع لصحة الحكم حتى يعتد به.

(مسألة ۲٥): هل تختص وظيفة المنكر بالحلف فقط فيما مر من الأحكام أو تقبل منه البينة أيضا إن أقامها و كانت جامعة للشرائط من كل جهة وجهان (٦۲).

مقتضى الإطلاقات الجواز، و أما قوله عليه السلام: «البينة للمدعي و اليمين على المدعى عليه»۲۰، إنما هو من باب الغالب لا التقييد الحقيقي، و يظهر الجواز عن جمع منهم صاحب العروة في ملحقاته، و يمكن تأييد ذلك بعدة روايات، منها موثق حماد بن عيسى قال: «بينما موسى بن عيسى في داره التي في المسعى يشرف على المسعى، إذ رأى أبا الحسن موسى عليه السلام مقبلا من المروة على بغلة، فأمر ابن هياج- رجلا من همدان منقطعا إليه- أن يتعلق بلجامه و يدعي البغلة، فأتاه فتعلق باللجام و ادعى البغلة فثنى أبو الحسن عليه السلام رجله و نزل عنها، و قال لغلمانه: خذوا سرجها و ادفعوا إليه، فقال: و السرج أيضا لي، فقال عليه السلام: كذبت عندنا البينة بأنه سرج محمد بن علي، و أما البغلة فإنا اشتريناها منذ قريب، و أنت أعلم و ما قلت»۲۱، فإنه عليه السلام ادعى وجود البينة على السرج مع أنه عليه السلام منكر، و كان تكليفه اليمين، و كذا خبر حفص بن غياث عن الصادق عليه السلام قال: «قال له:

إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن اشهد أنه له؟ قال: نعم»۲۲، و غير ذلك من الأخبار.

(مسألة ۲٦): لو تبين كذب الحالف في حلفه بعد حكم الحاكم ينقض الحكم (٦۳)، فيجوز للمدعي ترتيب آثار كونه محقا من المطالبة و المقاصة و نحوهما (٦٤).

بل لا حكم في البين حتى ينقض، لتبين كون المنكر ظالما محضا، فالحكم لغو و إنشاء باطل.

لفرض ظهور بطلان حلف معارضه، فيثبت حقه لا محالة، و الدعوى بلا معارض في البين، فإنها مقبولة شرعا و عرفا بل و عقلا أيضا.

(مسألة ۲۷): يشترط في الحلف الموجب لسقوط حق المدعي مقارنته لحكم الحاكم فلا أثر له بدون حكمة (٦٥).

لأصالة عدم السقوط إلا بعد تمامية السبب، و هو حكم الحاكم، مع أن نصب الحاكم و إرجاع الناس إليه لا معنى له إلا اتباع حكمه و نظره، و معرضية غيره للمناقشة و الخدشة، فتدوم الخصومة و يطول النزاع.

فلا وجه لما يقال: من أن إطلاق أدلة اعتبار اليمين و البينة يقتضي الاكتفاء بهما مطلقا، و لو لم يكونا مقرونتين بحكم الحاكم.

مخدوش: لأن اعتبارهما في مورد الخصومة لدى الحاكم و رفع النزاع إنما هو لأجل التسبب بهما إلى الحكم، الذي هو بمنزلة حكم اللَّه تعالى، فالقاطع البتي للخصومات إنما هو حكم الحاكم فقط شرعا، بل و عرفا أيضا، كما هو المتعارف بين جميع أرباب الملل و الديانات في الأحكام الدائرة بينهم الصادرة عن قضاتهم.

(مسألة ۲۸): للمنكر أن يرد اليمين على المدعي فإذا حلف ثبتت دعواه مع حكم الحاكم و إلا سقطت كذلك (٦٦).

أما ثبوت الدعوى فللإجماع، و النصوص- تقدم بعضها- منها قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «في الرجل يدعي و لا بينة له، قال: يستحلفه، فإن رد اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له»۲۳، و منه يظهر دليل السقوط ان لم يحلف أيضا. و أما الاحتياج إلى حكم الحاكم، فلما تقدم في المسألة السابقة، فلا وجه للإعادة.

(مسألة ۲۹): إذا سقطت دعوى المدعي- برد الحلف إليه و حكم الحاكم كما تقدم- ليس له طرح الدعوى ثانيا و لو في مجلس آخر- كانت له بينة أو لا- (٦۷) و إذا ادعى بعد رد الحلف عليه: أن لي بينة، يسمع منه الحاكم (٦۸)، و كذا لو استمهل في الحلف لتبين الحال لم يسقط حقه (٦۹).

لإطلاق ما مر من قوله عليه السلام: «فلا حق له»، و مثله غيره، مضافا إلى الإجماع.

لأن الحق للمدعي، فهو مخير في إحقاق حقه بإقامة البينة، أو إسقاطه بإحلاف المنكر، و هذا التخيير ثابت له ما لم يسقط الدعوى.

للأصل، و الاتفاق، و الإطلاق، و كذا في الاستمهال للتروي.

(مسألة ۳۰): ليس للمدعي بعد أن رد المنكر الحلف إليه أن يرده إلى المنكر (۷۰)، و إنما عليه إما الحلف أو النكول و للمنكر أن يرجع عن رد الحلف إلى المدعي قبل أن يحلف و كذا للمدعي أن يرجع عنه لو طلبه من المنكر قبل حلفه (۷۱).

لأنه يصدق عليه أنه لم يحلف فيسقط حقه، كما في النصوص الكثيرة التي تقدم بعضها.

كل منهما لاستصحاب بقاء حق ذلك بعد عدم دليل على الخلاف.

(مسألة ۳۱): إذا نكل المنكر عن الحلف و لم يرده إلى المدعي يرد الحاكم الحلف على المدعي فإن حلف ثبت دعواه و إلا سقطت (۷۲).

لإطلاق المستفيضة الدالة على القضاء بالبينات و الأيمان- كما تقدم- فإذا لم يرد المنكر اليمين على المدعي، يرد الحاكم عليه ولاية، و لأصالة عدم ثبوت الحق إلا بذلك.

و عن جمع الحكم على المنكر بمجرد نكوله، و استدلوا عليه بوجوه كلها مخدوشة. و من شاء فليراجع المطولات.

(مسألة ۳۲): إذا رجع المنكر الذي نكل عن الحلف فإن كان بعد حكم الحاكم عليه لا يلتفت إليه (۷۳)، و يلزم الحق عليه بلا فرق بين علمه بحكم النكول أو لا (۷٤)، و إن كان قبله و لو بعد حلف المدعي اليمين المردودة يلتفت إليه (۷٥).

لثبوت الحق عليه شرعا بحسب تمامية موازين القضاء، فلا يبقى موضوع للرجوع بعد ذلك.

لأن ثبوت الحق عليه بعد تمامية الحجة من الوضعيات التي لا دخل للعلم و الجهل فيها.

لفرض عدم الحكم، و كشف رجوعه عن أن حلف المدعي اليمين المردودة إليه وقع لغوا، مع أن الشك في تمامية موازين القضاء يكفي في عدم التمامية.

(مسألة ۳۳): يجوز إمهال المنكر إذا استمهل (۷٦) في الحلف، أو الرد ليرى صلاحه بما لا يضر بالمدعي إلا مع رضاه بذلك (۷۷)، و كذا إذا لم يوجب تعطيل الحق أو التأخير الفاحش (۷۸).

للأصل، و ظاهر الإطلاق، و الاتفاق.

لأن حق الإحلاف للمدعي، فله أن يعمل في حقه بما شاء و أراد، و منه يظهر أن عدم جواز التأخير بقدر الضرر و نحوه، إنما هو لمراعاة حقه، فيكون محرما غيريا لا نفسيا.

لظهور دليل الجواز في غير الصورتين.

  1. الوسائل: باب ۳ من أبواب الإقرار ح: ۱٦.
  2. الوسائل: باب ۳ من أبواب الإقرار الحديث: ۱٦.
  3. الوسائل: باب ۸ من أبواب القرض الحديث: 4.
  4. الوسائل: باب ۲ من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الحديث: ۱.
  5. الوسائل: باب ٦ من أبواب أحكام الحجر ج: ۱۳.
  6. راجع المجلد الواحد و العشرون صفحة: ۲4.
  7. سورة البقرة: ۲۸۰.
  8. الوسائل: باب ۷ من أبواب الحجر ج: ۳.
  9. الوسائل: باب ۱۰ من أبواب الوديعة.
  10. مستدرك الوسائل: باب ۱4 من أبواب حد الزنا الحديث: 4. و سنن البيهقي ج: ۸ ص: ۲۲٦.
  11. الوسائل: باب ۲ من أبواب كيفية الحكم.
  12. الوسائل: باب ۳ من أبواب كيفية الحكم الحديث: ۲.
  13. الوسائل: باب ۹ من أبواب كيفية الحكم الحديث: ۱.
  14. الوسائل: باب ۱ من أبواب كيفية الحكم الحديث: ۱.
  15. الوسائل: باب ۱۰ من أبواب كيفية الحكم.
  16. الوسائل: باب 4 من أبواب كيفية الحكم الحديث: ۱.
  17. الوسائل: باب ۸۳ من أبواب ما يكتسب به الحديث: ۱.
  18. الوسائل: باب ۱۰ من أبواب كيفية الحكم.
  19. الوسائل: باب ۲ من أبواب كيفية الحكم الحديث: ۱.
  20. الوسائل: باب ۳ من أبواب كيفية الحكم الحديث: ۲.
  21. الوسائل: باب ۲4 من أبواب كيفية الحكم الحديث: ۱.
  22. الوسائل: باب ۲٥ من أبواب كيفية الحكم الحديث: ۲.
  23. الوسائل: باب ۷ من أبواب كيفية الحكم الحديث: ۱.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"