1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الدين و القرض
  10. /
  11. المقدمة
الدين هو المال الكلي الثابت في ذمة شخص لآخر بسبب من الأسباب (۱)، و يقال لمن اشتغلت ذمته «المديون» و «المدين» و للآخر «الدائن» و «الغريم»، و سببه إما الاقتراض، أو أمور أخر اختيارية- كجعله مبيعا في السلم، أو ثمنا في النسيئة، أو أجرة في الإجارة، أو صداقا في النكاح، أو عوضا في الخلع و غير ذلك (۲)- أو قهرية كما في موارد الضمانات و نفقة الزوجة الدائمة و نحو ذلك و له أحكام مشتركة و أحكام مختصة بالقرض (۳).

كما في اللغة و العرف و الشرع، فهما من المفاهيم المبينة بين الناس قديما و حديثا خلفا عن سلف في كل عصر و زمان و يتحدان في المعنى اللغوي و العرفي و الشرعي، إذ ليس اصطلاح الفقهاء فيهما مخالفا للعرف و اللغة فلا وجه للنقض و الإبرام في شرح الاسم، و لا اختصاص لهما بشريعة الإسلام

و الدين أعم من القرض كما هو واضح.

و أما اعتبار كونه مالا فلأنه المنساق منه في عرف المتشرعة فلا يطلق الدين عندهم على ثبوت مجرد الحق المحض أو الحكم في الذمة، و لكن يمكن أن يكون ذلك من باب الغالب لا التقوم الحقيقي.

و عليه فكلما هو ثابت في ذمة الشخص الآخر فهو دين مالا كان أو حقا بل أو حكما، و يشهد له قوله صلّى اللّه عليه و آله في نيابة الحج عن الميت: «دين اللّه أحق أن يقضى»۲.

و أما اعتبار الكلي فهو مبنى على عدم صحة اعتبار الأعيان الخارجية بشخصيتها في الذمة كما نسب إلى المشهور، و أما بناء على الصحة كما هو الحق فيصح أن يكون ما في الذمة شخصيا أيضا لأن الاعتباريات خفيفة المؤنة جدا.

و أما الذمة و تسمى ب «العهدة» أيضا فهي ليست من الأمور التكوينية الخارجية من الجواهر و الاعراض الأصلية، بل هي أمر اعتباري عقلائي اعتبرها العقلاء لأغراضهم و مقاصدهم الصحيحة الدخيلة في نظام معاشهم و معادهم، و اقرتها الشريعة المقدسة الإسلامية من عباداتها إلى دياتها و أما أسبابه فهي كثيرة متفرقة في أبواب الفقه قد مضى بعضها و تأتي بقيتها إن شاء اللّه تعالى.

كالكفارات إن كانت أسبابها اختيارية و النذر إن لم تتعلق بالأعيان.

تأتي الأحكام المختصة بالقرض في محله.

(مسألة ۱): الدين إما حال، و هو ما كان للدائن مطالبته و اقتضاؤه، و يجب على المديون أداؤه مع التمكن و اليسار في كل وقت (٤)، و إما مؤجل فليس للدائن حق المطالبة، و لا يجب على المديون القضاء إلا بعد انقضاء المدة المضروبة و حلول الأجل (٥) و تعيين الأجل. تارة: بجعل المتداينين كما في السلم و النسيئة. و أخرى: بجعل الشارع (٦) كالنجوم و الأقساط المقررة في الدية كما يأتي في بابه إن شاء اللّه تعالى.

للإجماع في كل ذلك بل الضرورة الفقهية إن لم تكن دينية.

أما وجوب الأداء بعد حلول الأجل فتقدم وجهه في سابقة آنفا، و أما عدم الوجوب قبله فللأصل و الإجماع بل الضرورة، و أنه لا معنى لضرب المدة و تعيين الأجل إلا ذلك فدليل المسألة وجداني لا نحتاج الى دليل من الخارج بعد تقرير الشارع بالعمومات و الأدلة الخاصة كما يأتي.

هذا الحصر استقرائي شرعي و يمكن أن يكون عقليا أيضا إذ لا يعقل تعيين المدة لمن لا يكون مسلطا عليها، و المسلط عليها إما الشارع أو المتداينان و لا ثالث في البين إلا الظالم و لا اعتبار بتعيينه بالضرورة، و تقدم ما يتعلق بالسلف و النسيئة في كتاب البيع‏۳، و يأتي ما يدل على الأخير في الديات إن شاء اللّه تعالى.

(مسألة ۲): إذا كان الدين حالا أو مؤجلا و قد حلّ الأجل فكما يجب‏ على المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن كذلك يجب على الدائن أخذه و تسلمه إذا صار المديون بصدد أدائه و تفريغ ذمته (۷)، و أما الدين المؤجل‏ قبل حلول أجله فلا إشكال في أنه ليس للدائن حق المطالبة (۸) و إنما الإشكال في أنه هل يجب عليه القبول لو تبرع المديون بأدائه أم لا؟ وجهان بل قولان أقواهما الثاني (۹)، إلا إذا علم بالقرائن أن التأجيل لمجرد إرفاق على المديون من دون أن يكون حقا للدائن (۱۰).

أما وجوب أداء الدين عند الحلول و المطالبة و اليسر فتدل عليه الأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى‏ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ‏4.

و ذكرنا في التفسير أن الآية المباركة تكشف عن حقيقة واقعية يضمرها كل إنسان‏٥.

و من السنة نصوص مستفيضة منها قول أبي جعفر عليه السّلام: «كل ذنب يكفّره القتل في سبيل اللّه إلا الدين لا كفارة له إلا أداؤه»٦، و من الإجماع إجماع العقلاء فضلا عن الفقهاء.

و من العقل إن حبس مال الغير مع التمكن من الأداء و عدم المحذور فيه ظلم و هو قبيح.

و أما وجوب القبول على الدائن فيدل عليه ظهور الإجماع و هو العمدة و سقوط حقه في التأخير بالحلول، و إن وجوب الوفاء في مثل هذا القسم من الدين يستلزم وجوب القبول عرفا بعد عدم حكمة أخرى له، بل يمكن أن يجعل وجوب القبول من اللوازم العرفية لوجوب الوفاء عند وجود المقتضي و فقد المانع، و من الأمور البنائية النوعية و أدلة وجوب وفاء الدين و أدائه وردت على هذا البناء الارتكازي العرفي.

إن قيل: بناء على أن وجوب الوفاء و الأداء يستلزم وجوب القبول فيجب‏ القبول على الطرف في كل مورد وجب فيه الأداء على المعطي كما في الصدقات الواجبة و النذور و الكفارات.

يقال: لا بأس بالقول بالوجوب فيها أيضا إلا أن وجوب القبول في المقام عيني و فيها كفائي لتعدد الفقراء و الحاكم الشرع الذي له الولاية في أخذها و دفعها.

نعم، في النذر المخصوص يكون مثل المقام لو لم يكن إجماع على الخلاف، و لم أر المسألة محررة في كلماتهم فيما تفحصت عاجلا، و لا بد من التأمل و التفحص بأكثر من ذلك.

للأصل، و الإجماع، و لأنه لا معنى للتأجيل إلا ذلك عرفا.

للأصل بعد عدم دليل صالح لوجوبه عليه إلا دعوى أن وجوب القبول متفرع على مطلق الوفاء لا على وجوبه مع تمام المقتضي و فقد المانع و كذا يكون البناء العرفي أيضا عليه لكنه من مجرد الدعوى بلا شاهد بل على خلافه الشواهد كما لا يخفى، و أوهن من ذلك التمسك بالسيرة إذ فيه على فرض قبول السيرة فهي انما تكون على مجرد قبول الدائن لا على الوجوب عليه.

فيجب القبول حينئذ لفرض عدم التأجيل للدين، بل هو حال على كل حال و التأخير إرفاق و مساهلة بالنسبة إلى المديون لا أن يكون من ثبوت حق في البين، و حكم الدين الحال انه كلما دفعه المديون وجب قبوله على الدائن، و بذلك يمكن أن يجمع بين القولين.

(مسألة ۳): قد عرفت أنه إذا أدى المديون دينه الحال يجب على الدائن أخذه، فإذا امتنع أجبره الحاكم لو التمس منه المديون (۱۱)، و لو تعذر إجباره أحضره عنده و مكّنه منه بحيث صار تحت يده و سلطانه عرفا، و به تفرغ ذمته (۱۲)، و لو تلف بعد ذلك فلا ضمان عليه و كان من مال الدائن (۱۳)، و لو تعذر عليه ذلك فله أن يسلمه إلى الحاكم (۱٤) و به تفرغ ذمته، و هل يجب على الحاكم القبول؟ فيه تأمل و إشكال (۱٥)، و لو لم يوجد الحاكم له أن يعين الدين في مال مخصوص و يعزله و به تبرأ ذمته. و ليس عليه ضمان لو تلف من غير تفريط منه (۱٦)، هذا إذا كان الدائن حاضرا و امتنع من أخذه.

أما أصل ولاية الحاكم على الإجبار في الجملة فلأن أمثال هذه الأمور من الأمور الحسبية التي له القيام بها.

و أما توقفه على التماس المديون فلأن الحق حقه لا يتحقق موضوع الإجبار من الحاكم إلا بالتماسه لديه و طلبه منه، كما في كل حق يترتب عليه الأثر عند الحاكم الشرعي فإنه لا بد من طلب ذي الحق إحقاق حقه منه.

لأن هذا أداء و وفاء للدين بالنسبة إليه حينئذ عند العرف، فيصدق أنه أدى دينه و وفى به عرفا فيترتب عليه أثره و هو فراغ الذمة قهرا.

لفرض تحقق موضوع الأداء و الوفاء عرفا فيترتب عليه جميع الآثار شرعا، و من الآثار أنه لو تلف المال بعد ذلك يكون من مال الدائن و لا ضمان على المديون حينئذ.

لمكان ولايته على مثل هذه الأمور حسبة و انحصار طريق تفريغ ذمة الدائن فيه، و قد اشتهر «أن السلطان ولي الممتنع»، بل روى: «أن السلطان وليّ من لا ولي له»۷.

من أصالة عدم الوجوب عليه بعد كون المتيقن فيما مر من الأدلة

خصوص الدائن فقط، و عدم دليل يدل على الوجوب عليه في المقام.

و من أنه لا وجه لوجوب الأداء و الوفاء إلا تفريغ ذمة المديون، و لا تفرغ إلا بقبول الدائن أو ممن يكون مأذونا في ذلك شرعا و هو الحاكم فلا وجه للاختصاص بخصوص الدائن فقط فيكون هذا نحو حق للمديون على من له أهلية القبول مالكية كانت أو شرعية، فكأنه بالأداء و الوفاء يطالب بحقه فيلزم أداء حقه.

و منه يظهر أن الأقوى وجوب القبول عليه أيضا، مع أن القبول لمثل هذه الأمور نحو من الأمور الحسبية التي يجب على الحاكم القيام بها كفاية.

أما جواز العزل فلا ريب في أنه من أقرب الطرق حينئذ إلى الاهتمام بالأداء و الوفاء و مرغوب فيه لدى المتشرعة و الذين يهتمون برد أموال الناس إليهم مهما أمكنهم ذلك، مع أنه خير محض و إحسان فتشمله الآية الكريمة:

فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ*۸، و قوله تعالى‏ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏۹، و يصدق عليه عرفا أن الدائن في عون أخيه فيشمله قوله عليه السّلام: «اللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»۱۰، و من جميع ذلك يمكن استظهار الإذن فيه شرعا فيترتب عليه الأثر و هو عدم الضمان لو تلف بلا تفريط لا محالة، بل يمكن دعوى العلم برضاء نوع الدائنين بذلك أيضا لكونه من طرق حفظ أموالهم و لو علموا به لأذنوا فيه مع فرض عدم إمكان وصول المال إليهم.

و أما الدليل الخاص على وجوب العزل في المقام من نص أو إجماع فلم‏ أظفر عليه فيما تفحصت عاجلا.

نعم، ادعي الإجماع على وجوبه حال الوفاة، و لو فرض أن ذكر حال الوفاة في كلامهم من باب المثال لكل مورد تعذر فيه الإيصال إلى المالك يشمل المقام أيضا.

و اما عدم الضمان لو تلف حينئذ بلا تفريط فلفرض استظهار الإذن من الشارع و الرضا من الدائن فيه، و معه لا وجه للضمان مع عدم التفريط.

إن قيل الإبقاء في الذمة أحسن بالنسبة إلى الدائن من العزل لأنه مع الإبقاء فيها يرجع إلى المديون متى شاء و مع العزل و التلف بلا تفريط لا موضوع لرجوعه لفرض عدم ضمانه حينئذ.

يقال: لا وجه لهذا الإشكال مع فعلية وجوب الأداء مع الحلول بأي مرتبة من الأداء أمكن، مع أنه لا وجه لترجيح حق الدائن على حق المديون في تفريغ ما في ذمته الحال فعلا بلا مانع في البين عنه.

ثمَّ إن الظاهر أن ما ذكر من المراتب مترتبة لا تصل النوبة الى كل لاحقة مع التمكن من سابقتها، فلو تعدى من المرتبة السابقة مع التمكن منها إلى اللاحقة و تلف يضمن لحصول التعدي حينئذ.

(مسألة ٤): لو كان الدائن غائبا و لا يمكن إيصال المال اليه و أراد المديون تفريغ ذمته أوصله إلى الحاكم عند وجوده (۱۷)، و في وجوب القبول عليه الإشكال السابق (۱۸)، و لو لم يوجد الحاكم يبقى في ذمته إلى أن يوصله إلى الدائن أو من يقوم مقامه (۱۹).

لمكان ولايته على القبول شرعا فيكون قبوله كقبول نفس الدائن بعد تعذر الإيصال إليه.

تقدم تقوية الوجوب فراجع.

كالوارث و مع العدم فإلى الحاكم الشرعي لو تجدد له التمكن منه،

و ذلك لأصالة بقاء اشتغال ذمته و عدم الفراغ إلا بذلك بعد عدم دليل على صحة التفريغ بغيره بعد الاعراض عن خبر نصر بن حبيب الدال على التصدق قليلا قليلا، قال: «كتبت إلى العبد الصالح عليه السّلام» لقد وقعت عندي مائتا درهم و أربعة دراهم و أنا صاحب فندق و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة فرأيك في إعلامي حالها و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا؟ فكتب عليه السّلام اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا حق يخرج»۱۱، مع ظهور صدره في موت صاحب المال و اختلافه مع الخبر الآخر الظاهر في جواز الإبقاء أمانة، قال: «كتبت إلى العبد الصالح عليه السّلام:

إني أتقبل الفنادق فينزل عندي الرجل فيموت فجأة و لا أعرفه و لا أعرف بلاده و لا ورثته فيبقى المال عندي كيف أصنع به؟ و لمن ذلك المال؟ قال: أتركه على حاله»۱۲.

ثمَّ إن ظاهر جملة من الأخبار وجوب نية أداء الدين خصوصا إذا كان ذو الحق غائبا، فعن عبد الغفار المجازي، عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن رجل مات و عليه دين؟ قال: إن كان أتى على يديه من غير فساد لم يؤاخذه اللّه إذا علم من نيته إلا من كان لا يريد أن يؤدي عن أمانته فهو بمنزلة السارق- الحديث-»۱۳.

و عن أبي خديجة عن الصادق عليه السّلام قال: «أيما رجل أتى رجلا فاستقرض منه مالا و في نيته أن لا يؤديه فذلك اللص العادي»۱4.

و عن زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه و لا على ولي له و لا يدري بأي أرض هو؟ قال عليه السّلام: لا جناح عليه بعد أن يعلم اللّه منه أن نيته الأداء»۱٥، إلى غير ذلك من الأخبار و قد عمل بها جمع من الأصحاب رحمه اللّه، و هو الموافق لكثرة اهتمام الشارع بأموال الناس‏ و حقوقهم.

(مسألة ٥): لو انقطع خبر الدائن بالمرة وجب على المديون نية القضاء بالدين و الوصية به عند الوفاة (۲۰)، و إن جهل خبره و قطع بموته وجب تسليمه إلى ورثته (۲۱)، و مع عدم معرفتهم أو مع عدم التمكن من الوصول إليهم يتصدق (۲۲).

للضرورة الدينية، و النصوص المتواترة منها قول أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «لا اعتكاف إلا بصوم»۹، و قوله (عليه السلام): «و تصوم ما دمت معتكفا»۱۰ و لا دليل لما نسب إلى الشيخ و ابني إدريس و بابويه من صحة الاعتكاف من المسافر إلا إذا أرادوا المورد الذي صح الصوم منه.

أما وجوب نية القضاء، مضافا إلى ما مر من النصوص فهو من لوازم الإسلام في غير المقام فضلا عنه في المقام.

و أما وجوب الوصية مضافا لما مر في أبواب التجهيزات من وجوبها في حقوق الناس عند ظهور أمارات الموت، و سيأتي في كتاب الوصية أيضا خبر هشام بن سالم قال: «سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم عليه السّلام و أنا جالس فقال: أنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجر ففقدناه و بقي له من أجره شي‏ء و لا نعرف له وارثا؟ قال: فاطلبه، قال: قد طلبناه و لم نجده، فقال: مساكين، و حرك يديه، قال فأعاد عليه قال: اطلب و اجهد- الى أن قال- فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع اليه»۱٦، و مثله غيره.

لانتقال المال بحسب قطعه إلى الورثة فيجب التسليم إليهم.

لقوله عليه السّلام: «إن لم تجد له وارثا و علم اللّه منك الجهد فتصدق من به»۱۷، و تقدم ما يدل على ذلك و سيأتي في أحكام اللقطة ما يتعلق بالمقام.

(مسألة ٦): لو استقرض و لم ينو الأداء من حين الاقتراض فهل يبطل أصل القرض حتى يكون تصرف المديون فيما استدانه حراما أو لا؟ وجهان (۲۳). الظاهر هو الأول (۲٤).

من عدم رضاء الدائن واقعا بتصرفه في المال مع اطلاعه على هذه‏ النية فلا يجوز له التصرف.

و من كون الظاهر هو الاقتراض و الدائن راض به ظاهرا فيجري عليه حكم القرض.

هذا و لكن مقتضى الأصل عدم جواز التصرف في مال الغير إلا مع إحراز رضاه و من ينوي عدم الأداء لم يحرز بوجدانه الرضاء، و للمسألة نظائر كثيرة تقدم بعضها في كتاب الطهارة في (مسألة ۱٦) من الغسل لو نوى عدم إعطاء حق صاحب الحمام حين الغسل فراجع‏۱۸.

ظهر مما مر وجهه.

(مسألة ۷): يجوز التبرع بأداء دين الغير حيا كان أو ميتا (۲٥). و به تبرأ ذمته (۲٦) و إن كان بغير إذنه بل و إن منعه (۲۷)، و يجب على من له الدين القبول كما في أدائه عن نفسه (۲۸).

للأصل و الإجماع و السيرة و نصوص كثيرة منها ما عن الصادق عليه السّلام:

«من أحب الأعمال إلى اللّه عز و جل إدخال السرور على المؤمن إشباع جوعته أو تنفيس كربته أو قضاء دينه»۱۹، و مثله غيره و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الحي و الميت، مع ما ورد في الأخير من الأخبار الكثيرة منها ما عن ابن خنيس قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إن لعبد الرحمن بن سيابة دينا على رجل قد مات و كلمناه أن يحلله فأبى، فقال: ويحه أما يعلم أن له بكل درهم عشرة إذا حلله فاذا لم يحلله فإنما له درهم بدل درهم»۲۰، و قد ورد في أداء دين الوالدين أخبار أيضا منها خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إن العبد ليكون بارا بوالديه في حياتهما، ثمَّ يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما و لا يستغفر لهما فيكتبه اللّه عاقا.

و انه ليكون عاقا لهم في حياتهم غير بار بهما فاذا ماتا قضى عنهما الدين و استغفر لهما فيكتبه اللّه عز و جل بارا، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إن أحببت أن يزيد اللّه في عمرك فسر أبويك و قال: البر يزيد في الرزق»

إذ لا معنى لأداء الدين إلا ذلك عقلا و شرعا.

لأن الوفاء الصحيح الشرعي من الوضعيات التي توجب سقوط الدين قهرا حتى مع منع المديون.

نعم، لو كان المتبرع في مقام المنة و الأذية و الإهانة يمكن دعوى عدم شمول الأدلة له حينئذ فلا يكون وفاء صحيحا شرعيا.

لفرض أنه أداء و وفاء صحيح شرعي فيشمله ما دل على وجوب قبوله مما مر.

(مسألة ۸): لا يتعين الدين فيما عينه المدين، و لا يصير ملكا للدائن ما لم يقبضه (۲۹) إلا إذا سقط اعتبار قبضه بسبب الامتناع كما مر (۳۰)، فلو كان عليه درهم و أخرج من كيسه درهما ليدفعه اليه وفاء عما عليه و قبل وصوله بيده تلف كان من ماله، و بقي ما في ذمته على حاله (۳۱).

للأصل و الإجماع.

و تقدم ما يتعلق به في المسألة الثالثة فراجع.

لأصالة عدم فراغ ذمته بالتعين و العزل إلا مع دليل يدل عليه و هو مفقود في المقام.

(مسألة ۹): يحل الدين المؤجل إذا مات المديون قبل‏ حلول الأجل (۳۲)، و لو مات الدائن يبقى على حاله (۳۳) ينتظر ورثته انقضاء الأجل (۳٤) فلو كان الصداق مؤجلا إلى مدة معينة و مات الزوج قبل حلوله استحقت الزوجة مطالبته بعد موته (۳٥) بخلاف ما إذا ماتت الزوجة، فليس لورثتها المطالبة قبل انقضاء المدة (۳٦) و لا يلحق بموت الزوج طلاقه، فلو طلقها يبقى صداقها المؤجل على حاله (۳۷).

نصا و إجماعا فعن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام انه قال: «إذا كان على الرجل دين إلى أجل و مات الرجل حل الدين»۲۲، و في صحيح حسين بن سعيد: «سألته عن رجل أقرض رجلا دراهم إلى أجل مسمى ثمَّ مات المستقرض أ يحل مال القارض عند موت المستقرض منه، و للورثة من الأجل ما للمستقرض في حياته؟ فقال: إذا مات فقد حل مال القارض»۲۳.

ثمَّ انه إن قلنا بسقوط الذمة و عدم اعتبارها بعد الموت أصلا يكون الحكم موافقا للقاعدة لعدم الموضوع لبقاء الأجل و المدة حينئذ فيدور الأمر بين حلول الدين، أو بقائه إلى الأجل المعلوم في ذمة المديون، أو انتقاله إلى الورثة مع الأجل و الثاني من قبيل ثبوت العرض بلا موضوع و الثالث خلاف الأصل بلا دليل عليه فيتعين الأول.

و أما إن قلنا بصحة اعتبار الذمة بعد الموت أيضا فدليل حلول الدين بموت المديون منحصر بالنص و الإجماع، و يكفينا ذلك رادعا عن سقوط اعتبار الذمة في المقام.

ثمَّ إن ظاهر إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق بين أن يكون على الدين رهن أو لا.

نسب ذلك إلى المشهور لأصالة بقاء الذمة بالنسبة إلى المديون و صحة اعتباره عرفا، فيشمله إطلاق دليل الأجل و المدة و أصالة بقائها فيترتب عليه الحكم قهرا، و يشهد لذلك المرتكزات العرفية أيضا فلا يرون الأجل باطلا بموت الدائن.

نعم، في خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا مات الرجل حلّ ما له‏

و ما عليه من الدين»۲4، و لا ريب في شموله للدائن أيضا و نوقش فيه بضعف السند تارة، و الإعراض أخرى، و بالحمل على مثل السكنى و الرقبى ثالثة.

و لا ريب في أن الأخير خلاف الظاهر، و يشهد لصحة الأولين انه لو كان الحديث مسلما لديهم لاتفقوا على ماله كما اتفقوا على ما عليه، فيكشف عدم اتفاقهم على ماله عن وجود خلل فيه أوجب ذلك سقوط الحديث مع أن ظاهر الحديث في مقام بيان قاعدة كلية و مع ذلك لم يعتمدوا عليه.

لما مر من أصالة بقاء الأجل بعد صحة اعتبار الذمة للمديون.

لفرض موت المديون فيحل دينه لما مر.

لفرض موت الدائن فيبقى الأجل بحاله و الذمة على اعتبارها.

للأصل و الإطلاق و الاتفاق، و توهم انصراف التأجيل إلى بقاء الزوجية. فاسد، لأنه من مجرد الدعوى لا اعتبار به ما لم تكن من القرينة العرفية و معها لا كلام من أحد في عدم الإلحاق.

(مسألة ۱۰): لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس، فلو كان عليه ديون حالة و ديون مؤجلة يقسم ماله بين أرباب: الديون الحالة، و لا يشاركهم أرباب: المؤجلة (۳۸).

لإطلاق دليل التأجيل مضافا إلى الأصل و ظهور الاتفاق.

(مسألة ۱۱): لا يجوز بيع الدين بالدين (۳۹) فيما إذا كانا مؤجلين بأن‏ كان العوضان كلاهما دينا قبل البيع (٤۰) كما إذا كان لأحدهما على الآخر طعام كوزنة من حنطة و للآخر عليه طعام آخر كوزنة من شعير فباع الشعير بالحنطة، أو كان لأحدهما على شخص طعام و للآخر على ذلك الشخص طعام آخر فباع ماله على ذلك الشخص بما للآخر على ذلك الشخص، أو كان لأحدهما طعام على شخص و للآخر طعام على شخص آخر فبيع أحد الطعامين بالآخر، و أما إذا لم يكن العوضان كلاهما دينا قبل البيع و إن صارا معا أو صار أحدهما دينا بسبب البيع- كما إذا باع ماله في ذمة الآخر بثمن في ذمته نسيئة مثلا- فله شقوق و صور كثيرة (٤۱) لا يسعها هذا المختصر.

إجماعا و نصا في الجملة قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر طلحة ابن زيد:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يباع الدين بالدين»۲٥، و عن طرق العامة عنه صلّى اللّه عليه و آله: «لا يجوز بيع الكالي بالكالي»۲٦، و المراد بالكالي الدين.

لأن هذا هو المتيقن من الإجماع و المنصرف اليه من النص بعد كون الحكم مخالفا للإطلاقات و العمومات و قاعدة السلطنة، و تقدم في بيع السلف بعض ما ينفع المقام.

إجمال بعضها: أن كلا من المبيع و الثمن لا تخلو عن أقسام خمسة:

الأول: أن يكون دينا سابقا مؤجلا فعلا.

الثاني: أن يكون مؤجلا سابقا و لكن حل الأجل.

الثالث: أن يكون دينا سابقا غير مؤجل بل حالا.

الرابع: أن يكون دينا لا حقا حالا.

الخامس: أن يكون دينا لا حقا مؤجلا و ضرب الخمسة في خمسة يصير خمسة و عشرين هذا في ما إذا كان بيع الدين على غير المديون، و أما إن كان بيع الدين على المديون فتصير الأقسام ستة و أربعين لإضافة واحد و عشرين قسما إلى الأقسام المتقدمة و سقوط أربع صور الدين بالدين اللاحق، كما لا يخفى هذا في غير السلم و أما فيه تفصيل لا يسعه المقام.

(مسألة ۱۲): يجوز تعجيل الدين المؤجل بنقصان مع التراضي (٤۲)، و هو الذي يسمى في الوقت الحاضر في لسان التجار ب «النزول» و لا يجوز تأجيل الحال و لا زيادة أجل المؤجل بزيادة (٤۳).نعم، لا بأس بالاحتياط بجعل الزيادة المطلوبة في ثمن مبيع مثلا و يجعل التأجيل و التأخير إلى أجل معين شرطا على البائع، بأن يبيع الدائن من الدين مثلا ما يسوى عشرة دراهم بخمسة عشر درهما على أن لا يطالب المشتري عن الدين الذي عليه إلى وقت كذا، و مثله ما إذا باع المديون من الدائن ما يكون قيمته خمسة عشر درهما بعشرة شارطا عليه تأخير الدين إلى وقت كذا (٤٤).

لوجود المقتضي و فقد المانع فتشمله قاعدة السلطنة بلا مدافع مضافا إلى النص و الإجماع، ففي خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول: انقدني من الذي لي كذا و كذا و أضع لك بقيته، أو يقول: انقد لي بعضا و أمد لك في الأجل فيما بقي عليك، قال عليه السّلام: لا ارى به بأسا ما لم يزد على رأس ماله شيئا»۲۷، و في خبر أبان عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيقول له قبل أن يحل الأجل عجل لي النصف من حقي على أن أضع عنك النصف أ يحل ذلك لواحد منهما؟ قال عليه السّلام: نعم»۲۸.

لما تقدم في خبر الحلبي مضافا إلى الإجماع.

لأن ذلك كله معاملة مستقلة لا ربط لها بأصل الدين فتشملها الإطلاقات و العمومات الدالة على الصحة، و إن ترتب عليها النتيجة التي قصداها قهرا، و يشمله قوله عليه السّلام: «نعم الشي‏ء الفرار من الحرام إلى الحلال»۲۹، هذا مضافا إلى الإجماع على الصحة، و تقدم في السلف بعض ما ينفع المقام.

(مسألة ۱۳): لا يجوز قسمة الدين المشترك (٤٥) فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم متعددة- كما إذا باعا عينا مشتركة بينهما من أشخاص أو كان لمورثهما دين على أشخاص فورثاه فجعلا بعد التعديل ما في ذمة بعضهم لأحدهما و ما في ذمة آخرين لآخر- لم يصح و بقي ما في الذمم على الاشتراك‏ السابق فكل ما استوفى منها يكون بينهما (٤٦) و كل ما توى و تلف يكون منهما. نعم، الظاهر كما مرّ في كتاب الشركة أنه إذا كان لهما دين مشترك على أحد يجوز أن يستوفي أحدهما منه حصته، فيتعين له و تبقى حصة الآخر في ذمته، و هذا ليس من قسمة الدين في شي‏ء (٤۷).

لأصالة بقاء المال المشترك على اشتراكه و عدم تعيّنه بقبض بعض الشركاء إلا مع رضا الجميع به، و أصالة عدم انتقاله عن ملك الدافع إلى غيره إلا بذلك، و لا يعارض ذلك بقاعدة السلطنة و إطلاق دليل القسمة إذ لا موضوع لهما مع بقاء الشركة و عدم رضا الشركاء مع إمكان الاستيذان منهم، و يشهد لذلك مرتكزات المتشرعة أيضا هذا مضافا إلى نصوص خاصة كصحيح ابن خالد قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما و منه متفرق عنهما فاقتسما بالسوية ما كان في أيديهما و ما كان غائبا عنهما، فهلك نصيب أحدهما مما كان غائبا و استوفى الآخر، عليه أن يزد على صاحبه؟ قال عليه السّلام: نعم ما يذهب بما له»۳۰، و موثق ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن رجلين بينهما مال منه دين و منه عين فاقتسما العين و الدين فتوى الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه و خرج الذي للآخر، أ يرد على صاحبه؟ قال: نعم ما يذهب بما له»۳۱، و مرسل ابن حمزة قال: «سئل أبو جعفر عليه السّلام عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما و منه غائب عنهما فاقتسما الذي بأيديهما، و أحال كل واحد منهما من نصيبه الغائب فاقتضى أحدهما و لم يقتض الآخر، قال عليه السّلام: ما اقتضى أحدهما فهو

بينهما ما يذهب بماله»۳۲، و هذا هو المشهور بين الأصحاب بل ادعي عليه الإجماع.

و هناك احتمالان بل قولان آخران أحدهما أنه تصح القسمة و يملك القابض حصته لانحلال الدين و تعدده حسب تعدد الشركاء، فكأنه ديون متعددة حسب تعددهم.

ثانيهما: أنه يملك القابض ما قبضه، و لكن يجب عليه تكليفا دفع حصص الشركاء و حمل أخبار المقام عليه.

و الظاهر كونهما من باب: الاجتهاد في مقابل النص كما لا يخفى على من تأمل و تدبر هذا كله إذا كان بعنوان القسمة.

و أما إذا كان بعنوان المصالحة أو البيع أو نحوهما فلا بأس، لإطلاق أدلة هذه العناوين و عدم شمول أدلة المقام لها.

لأنه لا معنى للشركة إلا ذلك، مع أنه المستفاد مما مر من النصوص.

لفرض حصول التراضي بين الدائن و المديون و الشريك بأن تكون الحصة المأخوذة للقابض فزال موضوع الشركة بذلك راجع (مسألة ۲۲) من القسمة.

(مسألة ۱٤): يجب على المديون عند حلول الدين و مطالبة الدائن السعي في أدائه بكل وسيلة (٤۸) و لو ببيع سلعته و متاعه و عقاره أو مطالبة غريم له أو إجارة أملاكه و غير ذلك (٤۹)، و هل يجب عليه التكسب اللائق بحاله من حيث الشرف و القدرة؟ وجهان بل قولان (٥۰) أحوطهما ذلك‏ خصوصا فيما لا يحتاج إلى تكلف و فيمن شغله التكسب بل وجوبه حينئذ قوي جدا (٥۱). نعم، يستثنى من ذلك بيع دار سكناه (٥۲) و ثيابه المحتاج إليها و لو للتجمل و دابة ركوبه و خادمه إذا كان من أهلهما و احتاج إليهما، بل و ضروريات بيته من فراشه و غطائه و ظروفه و إنائه لأكله و شربه و طبخه و لو لأضيافه (٥۳) مراعيا في ذلك كله مقدار الحاجة بحسب حاله و شرفه، و أنه بحيث لو كلف ببيعها لوقع في عسر و شدة و حزازة و منقصة (٥٤)، و هذه كلها من مستثنيات الدين لا خصوص الدار و المركوب بل لا يبعد أن يعد منها الكتب العلمية لأهلها بمقدار حاجته بحسب حاله و مرتبته (٥٥).

لإطلاق أدلة وجوب وفاء الدين و أدائه عند حلوله و طلب الدائن له‏ و تمكن المديون من أدائه الظاهرة في الفورية العرفية و وجوب السعي فيه مهما أمكن عرفا، مضافا إلى الإجماع بل الضرورة الفقهية إن لم تكن دينية بل عرفية ارتكازية بين الناس أجمعين.

و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الخصوصيات بل الأزمنة و الأمكنة فإن طرق التمكن من أداء الدين موكول إلى المتعارف إلا ما استثناه الشرع.

مقتضى القاعدة هو الوجوب بعد عدم الحرج و المشقة عليه كما هو المفروض، و منشأ الاختلاف اختلاف الأخبار، فمقتضى إطلاق مثل خبر غياث ابن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام: «أن عليا عليه السّلام كان يحبس في الدين فإذا تبين له حاجة و إفلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالا»۳۳، و كذا خبر السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السّلام: «ان امرأة استعدت على زوجها انه لا ينفق عليها، و كان زوجها معسرا فأبى أن يحبسه، و قال: إن مع العسر يسرا»۳4، عدم وجوب الكسب فإنه لو وجب لأشار عليه السّلام إليه، و يشهد له إطلاق قوله تعالى:

وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‏ مَيْسَرَةٍ۳٥، و لكن مقتضى خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «أن عليا عليه السّلام كان يحبس في الدين ثمَّ ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء، و إن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم و أجروه، و إن شئتم استعملوه»۳٦، وجوب التكسب كما هو الظاهر منه.

و يمكن المناقشة في استفادة الوجوب الشرعي لأنه عليه السّلام أو كله إلى اختيارهم و لم يحكم فيه بشي‏ء من رأيه، فكأنه تعريض لهم بأنه إذا ثبت إعساره ينبغي أن يخلى سبيله و لا يكلف بشي‏ء و حينئذ فيؤخذ بإطلاق الآية الكريمة و مثله خبر غياث.

و لكنه مشكل للشك في ثبوت الإعسار مع القدرة الفعلية على الكسب اللائق بحاله عرفا و عدم وقوعه في المشقة و الحرج و معه لا يصح التمسك بالأدلة اللفظية، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك فتصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال.

و يمكن أن يفصل بين من كانت عادته التكسب و العمل قبل الإعسار و يقدر من كسبه لأداء دينه و لو ببعضه، وجب عليه ذلك و عليه يحمل خبر السكوني، و بين من لم يكن معتادا لذلك و أراد إحداث الكسب في عمره بعد الإعسار فلا يجب و عليه يحمل مثل خبر غياث و الآية الكريمة، لأن هذا نحو حرج عليه بين بني نوعه، و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الجهات فلا تنافي على هذا بين الاخبار.

مقتضى القاعدة هو الوجوب بعد عدم الحرج و المشقة عليه كما هو المفروض، و منشأ الاختلاف اختلاف الأخبار، فمقتضى إطلاق مثل خبر غياث ابن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام: «أن عليا عليه السّلام كان يحبس في الدين فإذا تبين له حاجة و إفلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالا»۳۳، و كذا خبر السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السّلام: «ان امرأة استعدت على زوجها انه لا ينفق عليها، و كان زوجها معسرا فأبى أن يحبسه، و قال: إن مع العسر يسرا»۳4، عدم وجوب الكسب فإنه لو وجب لأشار عليه السّلام إليه، و يشهد له إطلاق قوله تعالى:

وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‏ مَيْسَرَةٍ۳٥، و لكن مقتضى خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «أن عليا عليه السّلام كان يحبس في الدين ثمَّ ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء، و إن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم و أجروه، و إن شئتم استعملوه»۳٦، وجوب التكسب كما هو الظاهر منه.

و يمكن المناقشة في استفادة الوجوب الشرعي لأنه عليه السّلام أو كله إلى اختيارهم و لم يحكم فيه بشي‏ء من رأيه، فكأنه تعريض لهم بأنه إذا ثبت إعساره ينبغي أن يخلى سبيله و لا يكلف بشي‏ء و حينئذ فيؤخذ بإطلاق الآية الكريمة و مثله خبر غياث.

و لكنه مشكل للشك في ثبوت الإعسار مع القدرة الفعلية على الكسب اللائق بحاله عرفا و عدم وقوعه في المشقة و الحرج و معه لا يصح التمسك بالأدلة اللفظية، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك فتصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال.

و يمكن أن يفصل بين من كانت عادته التكسب و العمل قبل الإعسار و يقدر من كسبه لأداء دينه و لو ببعضه، وجب عليه ذلك و عليه يحمل خبر السكوني، و بين من لم يكن معتادا لذلك و أراد إحداث الكسب في عمره بعد الإعسار فلا يجب و عليه يحمل مثل خبر غياث و الآية الكريمة، لأن هذا نحو حرج عليه بين بني نوعه، و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الجهات فلا تنافي على هذا بين الاخبار.

ظهر وجه القوة مما مر.

حيث ان استثناء المستثنيات مخالف لقاعدة الاشتغال و عمومات أدلة أداء الدين و إطلاقاته لا بد من البحث فيه.

تارة: بحسب القاعدة.

و أخرى‏: بحسب الأدلة الخاصة.

أما الأولى: فمقتضى قاعدة «نفي العسر و الحرج»- التي هي من أهم القواعد النظامية المقررة شرعا- استثناء ما يقع المديون ببيعه في العسر و الحرج غير اللائق بشأنه المتعارف بين صنفه.

إن قيل: أن هذه القاعدة امتنانية و القواعد الامتنانية لا بد و أن يلاحظ فيها النوع، و من الامتناع على المديون في الاستثناء يلزم خلاف الامتنان على الدائن فلا وجه للتمسك بها.

يقال: المنة حكمة الجعل لا علة المجعول و الحرج في مورد جريانه شخصية لا نوعية، فإذا تحقق الحرج بالنسبة إلى المديون يزول موضوع الحرج بالنسبة إلى الدائن لفرض انه مأمور لعدم مطالبة دينه و عدم إيقاع المديون في الحرج، و حينئذ فيصبر إلى الميسرة.

فلا وجه لملاحظة التعارض بينهما، و هذا الاشكال وارد فيما إذا لم يكن للدائن دار بخلاف المديون و كان بيع المديون، داره وافيا بأداء دينه و وافيا بشراء الدائن دارا لنفسه أيضا مع أن الدار من المستثنيات المنصوصة كما يأتي.

و بالجملة: لا ريب في صدق ذي العسرة على من اضطر إلى بيع ضروريات معاشه، فتشمله الآية الكريمة الدالة على نفي الحرج‏۳۷، و قوله تعالى‏ وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‏ مَيْسَرَةٍ۳۸.

و الظاهر مساعدة العرف لذلك أيضا، و حينئذ فلا وجه لتحديد خاص بالنسبة إلى المستثنيات بل المناط الاحتياج و الضرورة.

و أما الثانية: فقد ورد في الروايات استثناء الدار و الضيعة و هي أرض الغلة و الجارية، ففي صحيح بريد العجلي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إن عليّ دينا و أخاف إن بعت ضيعتي بقيت و ما لي شي‏ء، فقال عليه السّلام: لا تبع ضيعتك»۳۹، و في خبر إبراهيم بن عثمان قال: «قلت: رجل لي عليه دراهم و كانت داره رهنا فأردت‏

ظهر وجه ذلك كله مما مر- حيث إن كل ذلك مما لا بد منه فيشملها خبر الحلبي، و الظاهر كون ما حدث في هذه الأعصار من الأثاث و لوازم البيت من المستثنيات مع الاحتياج إليها بحسب المتعارف، كالاحتياج إلى الفراش و الغطاء و نحوهما لفرض صدق انها مما لا بد منها، و لكن الأحوط التراضي في غير المستثنيات الأولية و كذا لوازم صنعه و كسبه بل و رأس ماله ان كان يقع في العسر و الحرج مع صرفها في الدين لصدق ان كل ذلك مما لا بد منه، و لفحوى استثناء الخادم.

لأن هذا هو المنساق في مثل هذا الحكم المخالف لقاعدة الاشتغال، و عمومات وجوب الوفاء بالدين و إطلاقاته مع كون أصل هذا الاستثناء انما هو لأجل قاعدة «نفي العسر و الحرج»، فلا بد في أن يقتصر على ما يدفع به العسرو الحرج و المنقصة، و في غيره يرجع إلى قاعدة الاشتغال و الإطلاقات و العمومات.

تقدم ما يصلح دليلا لهذين الفرعين مع قوة احتمال أن يكون ما ذكر في الأخبار من المسكن و الخادم و الضيعة من باب ذكر المثال لكل ما يحتاج اليه المديون بحسب حاله في كل عصر و زمان و مكان، و يمكن استفادة استثناء رأس المال من استثناء الضيعة أيضا.

(مسألة ۱٥): لو كانت دار سكناه أزيد عما يحتاجه سكن ما احتاجه و باع ما فضل عن حاجته، أو باعها و اشترى ما هو أدون مما يليق بحاله (٥٦)، و إذا كانت له دور متعددة و احتاج إليها سكناها لم يبع شيئا منها، و كذلك الحال في المركوب و الثياب و نحوهما (٥۷).

جمعا بين قاعدة الاشتغال و أدلة وجوب وفاء الدين مهما أمكن و بين عدم وقوعه في الحرج و المشقة مضافا إلى ظهور الإجماع، و خبر مسعدة ابن صدقة قال: «سمعت جعفر بن محمد عليهما السّلام، و سئل عن رجل عليه دين و له نصيب في دار و هي تغل غلة فربما بلغت غلتها قوته، و ربما لم تبلغ حتى يستدين، فإن هو باع الدار و قضى دينه بقي لا دار له؟ فقال: إن كان في داره ما يقضى به دينه و يفضل منها ما يكفيه و عياله فليبع الدار و إلا فلا».

لإطلاق دليل الاستثناء و قاعدة نفي العسر و الحرج، و ظهور الاتفاق.

(مسألة ۱٦): لو كانت عنده دار موقوفة عليه تكفي لسكناه حسب حاله و شرفه و له دار مملوكة فالأحوط لو لم يكن الأقوى أن يبيع المملوكة و يكتفي بالموقوفة (٥۸).

لانصراف أدلة الاستثناء عن مثله، و لا أقل من الشك في شمولها له‏ فيرجع إلى قاعدة الاشتغال.

(مسألة ۱۷): إنما لا تباع دار السكنى في أداء الدين ما دام المديون حيا، فلو مات و لم يترك غير دار سكناه تباع و تصرف في الدين (٥۹).

لأدلة وجوب أداء الدين بعد حلوله مطلقا بعد ان كان المنساق من أدلة الاستثناء خصوص حال حياة المديون، كما هو ظاهر مثل ما يأتي من خبر عثمان بن زياد حيث يستفاد منه أن الحكم أخلاقي لا أن يكون إلزاميا، مضافا إلى تسالم الأصحاب عليه.

(مسألة ۱۸): معنى كون الدار و نحوها من مستثنيات الدين أنه لا يجبر على بيعها لأجل أدائه، و لا يجب عليه ذلك (٦۰) و أما لو رضي به لقضائه جاز للدائن أخذه (٦۱).نعم، ينبغي أن لا يرضى ببيع مسكنه، و لا يصير سببا له و إن رضي هو به و اراده، كما في خبر عثمان ابن أبي زياد (٦۲).

لفرض استثنائها عن الوجوب و الإجبار شرعا.

لفرض أن المديون أدى دينه برضاه و الدائن يستحق أصل الدين منه و إن فعل مرجوحا في قبول مثل هذا الدين الذي باع المديون داره و أداه، و الاستثناء الشرعي ترخيصي لا أن يكون إلزاميا.

عن الصادق عليه السّلام قال: «قلت: رجل لي عليه دراهم و كانت داره رهنا فأردت أن أبيعها، قال: أعيذك باللّه أن تخرجه من ظل رأسه»44، و قريب منه خبر إبراهيم بن هاشم: «أن محمد بن عمير رحمه اللّه كان رجلا بزازا فذهب ماله و افتقر و كان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم و حمل المال الى بابه، فخرج اليه محمد بن أبي عمير فقال: ما هذا؟ فقال: هذا مالك الذي عليّ، قال: ورثته؟ قال: لا، قال وهب لك؟ قال: لا فقال: هو من ثمن ضيعة بعتها؟ فقال: لا فقال: ما هو؟ فقال: بعت داري التي أسكنها لأقضي ديني فقال محمد بن ابي عمير: حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين ارفعها فلا حاجة لي فيها، و اللّه إني لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم واحد، و ما يدخل ملكي درهم واحد».

(مسألة ۱۹): لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائدا على المستثنيات لا تباع إلا بأقل من قيمتها يجب بيعها للدين عند حلوله (٦۳) و مطالبة صاحبه، و لا يجوز له التأخير و انتظار من يشتريها بالقيمة. نعم، لو كان ما يشتري به أقل من قيمته بكثير جدا بحيث يعدّ بيعه به تضييعا للمال و إتلافا له لا يبعد عدم وجوب بيعه (٦٤).

لصدق التمكن من أداء الدين عرفا، و شيوع اختلاف قيم الأشياء و أسعارها قلة و كثرة بين الناس، و الأدلة الشرعية وردت على ما هو الشائع المتعارف.

لانصراف الأدلة عن هذه الصورة، بل الظاهر انه مع صدق إضاعة المال و إفساده أنه يحرم ذلك، و لكن لو فعل الحرام و أدى دينه تبرأ ذمته لتعلق النهي بأمر خارج عن المعاملة.

نعم، لو كان المديون سفيها لا يصح بيعه لمكان الحجر عليه على ما يأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى.

(مسألة ۲۰): كما لا يجب على المعسر الأداء و القضاء يحرم على الدائن إعساره بالمطالبة و الاقتضاء، بل يجب أن ينظر إلى اليسار (٦٥). كما في جملة من الأخبار (٦٦).

للأدلة الثلاثة فمن الكتاب قوله تعالى‏ وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‏ مَيْسَرَةٍ، و من الإجماع إجماع الإمامية، و من النصوص نصوص كثيرة يأتي التعرض لها، و يمكن الاستشهاد لقبحه ببناء العقلاء أيضا، لأنهم يستنكرون مثل ذلك.

ففي موثق ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: قال: «و إياكم و إعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشي‏ء يكون لكم قبله و هو معسر، فإن أبانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقول: ليس لمسلم أن يعسر مسلما، و من أنظر معسرا أظله اللّه يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله»، و في الموثق عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «كما لا يحل لغريمك أن يمطلك و هو مؤسر فكذلك لا يحل لك أن تعسره إذا علمت أنه معسر»، إلى غير ذلك من الأخبار.

(مسألة ۲۱): مماطلة الدائن مع القدرة معصية كبيرة (٦۷)، بل يجب عليه نية القضاء (٦۸) مع عدم القدرة بأن يكون من قصده الأداء عند القدرة.

لما مر في بحث العدالة من الضابط في بيان المعصية الكبيرة من أنها عبارة عما أوعد عليها بالنار، أو ذكر في النص في عداد المعاصي الكبيرة، أو ورد النص بأنه مثل ما أوعد عليه النار، و قد ورد جميع ذلك في المقام.

ففي النبوي المعمول في المقام: «من مطل على ذي حق حقه و هو يقدر على أداء حقه فعليه كل يوم خطيئة عشار»، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «مطل الغنى ظلم»٥۰، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لي الواجد بالدين يحل عرضه و عقوبته»٥۱.

نصا، و إجماعا ففي صحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه و لا على وليّ له و لا يدري بأي أرض هو؟ قال عليه السّلام: لا جناح عليه بعد أن يعلم اللّه منه أن نيته الأداء»٥۲، و تقدم‏ قوله عليه السّلام: «من استدان فلم ينو قضاه كان بمنزلة السارق» و غيره.

(مسألة ۲۲): لو امتنع المدين عن أداء الدين و لم يمكن إجباره يجوز للدائن المقاصة من ماله و أخذ مقدار دينه عنه (٦۹)، و لا يشترط في صحة المقاصة بعد تحقق موضوعها مراجعة الحاكم الشرعي (۷۰).

كتابا، و سنة، و إجماعا قال تعالى‏ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ‏٥۳، و ذكرنا في التفسير أن الآية الشريفة توضع حدا للمجازاة و تمنع التعدي‏٥4، و كذا قوله تعالى‏ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ‏٥٥.

و من السنة خبر ابن دراج قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يكون له على الرجل الدين فيجحد فيظفر من ماله الذي جحده أ يأخذه و إن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال عليه السّلام: نعم»٥٦، و في صحيح أبي بكر الحضرمي: «قلت له:

رجل لي عليه دراهم فيجدني و حلف عليها أ يجوز لي إن وقع له قبلي دراهم ان أخذ منه بقدر حقي؟ فقال عليه السّلام: نعم»٥۷، و في صحيح ابن رزين: «قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام: إني أخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها و الدابة الفارهة يبعثون فيأخذونها ثمَّ يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟

فقال عليه السّلام: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه»٥۸، إلى غير ذلك من الأخبار.

لإطلاق الأدلة و عدم ما يصلح للتقييد.

(مسألة ۲۳): إذا كان المدين حاضرا و لم يكن ممتنعا و لكن لم يمكن إيصال الدين إلى الدائن لوجود مانع في البين و أمكن للدائن أخذ مقدار دينه من مال المديون يجوز له ذلك (۷۱).

لصحة دعوى أن موضوع المقاصة عدم إمكان وصول صاحب الحق‏

إلى حقه سواء كان ذلك لطغيان من المدين و ظلم منه، أو لأجل عدم إمكان الأداء كما إذا حبسه ظالم و لم يتمكن أحد من العثور على حاله و الاستخبار عنه لا في القريب العاجل و لا في البعيد الآجل، و الاحتياط حينئذ في مراجعة الحاكم الشرعي.

(مسألة ۲٤): لا فرق في مورد المقاصة بينما إذا كان من نوع الدين أو غيره، بل يجوز بيع بعض أموال المدين و أخذ عوضه عن دينه (۷۲).

لإطلاق ما دلّ من الأدلة المتقدمة.

هذا إذا لم يكن عين المال موجودا و أمكن أخذه بلا مشقة و إلا فيأخذ عين ماله.

(مسألة ۲٥): لو علم بتعلق دين بذمته و تردد بين الأقل و الأكثر أو المتباينين يجب عليه الأقل في الأول و الأحوط الأكثر، و يتخير في الثاني و الأحوط التراضي (۷۳).

لأصالة البراءة عن الأكثر في الأول و عدم دليل على وجوب الاحتياط في الماليات في الثاني- و إن وجب في غيرها مما لا يوجب الضرر- و قد ادعي الإجماع على عدم وجوبه كما تقدم مكررا.

(مسألة ۲٦): يجوز المقاصة إلى بعض الحق دون تمامه (۷٤).

لإطلاق ما تقدم من الأخبار.

و قوله تعالى‏ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ‏٥۹، إنما هو في مقام نفي التعدي لا في مقام اعتبار أن يكون مورد الاقتصاص بقدر الحق فقط.

(مسألة ۲۷): إذا علم بأن عليه مقدار معين من الدين و لا يعلم بأنه من حق الناس أو مثل الزكاة و الخمس و لم يدر صاحبه على الأول يدفعه إلى‏ الفقير بقصد ما في الذمة (۷٥).

لأنه لو كان من الدين فحكمه التصدق مع الفرض و لو كان من الحقوق فكذلك، و الأحوط أن يدفعه إلى الحاكم الشرعي مع بيان الحال لأن المقام من صغريات الحسبة و هي مورد ولايته، و تقدم في الزكاة و خمس مجهول المالك نظير هذا الفرع.

(مسألة ۲۸): لو نذر أن لا يستدين أو نهاه والده عن الدين، فخالف و استدان لا ريب في تحقق الإثم، و الكفارة في الأول و لكنه يملك ما استدانه (۷٦).

أما الإثم و ترتب الكفارة فللمخالفة، و أما الصحة فلما مر مكررا من أن النهي التكليفي لا يوجب بطلان العقد.

(مسألة ۲۹): لو باع الذمي ما لا يصح للمسلم تملكه كالخمر و الخنزير- جاز للمسلم أخذ ثمنه عوضا عن دينه (۷۷).

نصا، و إجماعا ففي الصحيح عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمرا و خنازير و هو ينظر إليهم فقضاه فقال عليه السّلام: لا بأس به أما للمقتضي فحلال، و أما للبائع فحرام»٦۰، و مثله غيره هذا إذا عمل الذمي بشرائط الذمة، و مع عدمه فلا يجوز كما لو كان البائع مسلما أو حربيا.

القرض و احكامه القرض هو تمليك مال لآخر بالضمان (۱) بأن يكون على عهدته أداؤه بنفسه أو بمثله أو بقيمته، و يقال للملك «المقرض» و للمتملك «المقترض» و «المستقرض».

‏ القرض: من العقود الدائرة بين الناس في كل عصر و زمان و كل مذهب و مكان حدده الشارع بحدود خاصة كما هو دأبه في جميع العقود المتعارفة بين الناس.

أما اشتماله على التمليك فهو قريب من الواضحات بين كل مقرض و مقترض و من المسلمات بين الناس.

و أما اشتماله على الضمان فهو أيضا كذلك، إذ ليس من المجانيات وجدانا و لا من المعاوضات المحضة كالبيع و نحوه.

و إن اشتمل على التعويض في الجملة فهو برزخ بين المعاوضة المحضة و الضمان المحض، حتى يقال: انه تمليك مال بالعوض.

و في مراجعة الوجدان في كل ذلك غنيّ عن اقامة البرهان، و هذا هو مذهب محققي الفقهاء أيضا فلا وجه للتعرض للتطويلات التي لا طائل تحتها.

(مسألة ۱): يكره الاقتراض مع عدم الحاجة (۲)، و تخف كراهته مع الحاجة، و كلما خفت الحاجة اشتدت الكراهة، و كلما اشتدت خفت إلى أن زالت (۳)، بل ربما وجب لو توقف عليه أمر واجب كحفظ نفسه أو عرضه و نحو ذلك (٤)، و الأحوط لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه و لم يترقب حصوله عدم الاستدانة إلا عند الضرورة (٥).

أما أصل جواز الاقتراض في الجملة فتدل عليه السيرة خلفا عن سلف حتى من الأئمة عليهم السّلام، فعن الصادق عليه السّلام: «مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليه دين، و قتل أمير المؤمنين عليه السّلام و عليه دين، و مات الحسن عليه السّلام و عليه دين، و قتل‏ الحسين عليه السّلام و عليه دين»٦۱.

مضافا إلى الأصل و الإطلاقات و العمومات. و أما الكراهة فلنصوص كثيرة منها خبر عبد اللّه بن ميمون عن جعفر بن محمد قال علي عليهم السّلام: «إياكم و الدين فإنه مذلة بالنهار، و مهمّة بالليل، و قضاء في الدنيا و قضاء في الآخرة»٦۲، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الدين راية اللّه عز و جل في الأرضين فإذا أراد أن يذل عبدا وضعه في عنقه»٦۳، أي: ربقة و قلادة إلى غير ذلك من الروايات.

لجملة من الأخبار منها خبر موسى بن بكر عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: «من طلب الرزق من حله ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه فإن غلب عليه فليستدن على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله ما يقوت به عياله»٦4، إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة فيما ذكر بعد رد بعضها إلى بعض.

و يمكن عروض الأحكام الخمسة التكليفية عليه، فالواجب و المكروه و المباح كما مر، و الحرام كما إذا استدان و كان بانيا على عدم الوفاء و العدوان، و المستحب كما إذا استدان للسعي في قضاء حوائج المؤمنين و نحو ذلك مع تحقق سائر الجهات.

نسب حرمة القرض مع عدم التمكن من الأداء إلى الحلبي و الكراهة إلى الشيخ رحمه اللّه.

و مقتضى إطلاق النصوص و الفتوى الجواز مطلقا.

و استند الأول إلى ظاهر موثق سماعة عن الصادق عليه السّلام: «لا يستقرض على ظهره إلا و عنده وفاء، و لو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة و اللقمتين و التمرة و التمرتين إلا أن يكون له ولي يقضي دينه من بعده، و ليس منّا من ميّت إلا جعل اللّه له وليا يقوم في عدته و دينه فيقضي عدته و دينه»٦٥، و موثقة الآخر قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل منا يكون عنده الشي‏ء يتبلغ به و عليه دين أ يطعمه عياله حتى يأتيه اللّه بميسرة فيقضي دينه أو يستقرض على نفسه في خبث الزمان و شدة المكاسب أو يقبل الصدقة؟ قال: يقضي مما عنده دينه، و لا يأكل أموال الناس إلا و عنده ما يؤدي إليهم حقوقهم»٦٦، و حملهما الشيخ على الكراهة بقرينة ما تقدم من إطلاق قول أبي الحسن موسى عليه السّلام: في رواية موسى بن بكر، و لكن يمكن حمله على ما إذا كان معتمدا على شي‏ء أو شخص في الجملة و إن كان خلاف إطلاق قوله عليه السّلام: «فليستدن على اللّه و على رسوله»٦۷، و لكن حيث يحتمل أن يكون المراد به الاعتماد على أداء دينه من الصدقات يشكل الأخذ بالإطلاق من كل جهة فما احتاط به رحمه اللّه هو الصحيح.

و لكن كون الاحتياط واجبا كما هو الظاهر مشكل لظهور إعراض المشهور عن موثق سماعة.

و أما استثناء الضرورة فلانصراف دليل المنع حرمة أو كراهة عنها كما هو معلوم، لأن الضرورات تبيح المحظورات.

(مسألة ۲): إقراض المؤمن من المستحبات الأكيدة (٦) سيما لذوي‏ الحاجة لما فيه من قضاء حاجته و كشف كربته (۷)

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «القرض الواحد بثمانية عشر و ان‏

مات حسبتها من الزكاة»٦۸، و عنه عليه السّلام أيضا: «مكتوب على باب الجنة الصدقة بعشرة و القرض بثمانية عشر»٦۹.

قال في الحدائق ما خلاصته: «إن الصدقة بعشرة حيث أن نفس الدرهم المتصدق به يحسب في ضمن العشرة لأنه لا يرجع إلى المتصدق فيكون أصل الثواب تسعة و بزيادة نفس درهم الصدقة يصير عشرة، و أصل ثواب القرض أيضا كذلك، و لكن حيث أن درهم القرض يرجع إلى المقترض مع الثواب فيصير تسعة عشر لأن درهم القرض يرجع إلى المقرض مع فضله الثواب الذي اكتسبه من انطباق عنوان القرض عليه فالمقرض يستفيد تسعة من الثواب بالإقراض و تسعة أخرى بثواب القرض.

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة، و كان هو في صلاة من الملائكة»۷۰، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «من أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى و طور سيناء حسنات، و إن رفق به في طلبه جاز على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب و لا عذاب، و من شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرّم اللّه عز و جل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين»۷۱.

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف اللّه عنه كربه يوم القيامة، و اللّه في عون العبد ما كان العبد في حاجة أخيه»۷۲، إلى غير ذلك من الأخبار.

(مسألة ۳): القرض عقد من العقود يحتاج إلى إيجاب كقوله: «أقرضتك» و ما يؤدي معناه، و قبول دال على الرضا بالإيجاب (۸)، و لا يعتبر في عقده العربية بل يقع بكل لغة، و تجري المعاطاة فيه بإقباض العين و قبضها بهذا العنوان من دون احتياج إلى صيغة (۹).

أما كونه عقدا فهو من ضروريات الفقه لو لم يكن من الدين.

و أما توقف كل عقد على الإيجاب و القبول الأعم من القولي و الفعلي فهو أظهر من أن يحتاج إلى بيان و إقامة برهان- كما تقدم في البيع- بلا فرق في ذلك بين حصول الملكية فيه بمجرد القبض أو كانت متوقفة على التصرف، لأن التصرف حينئذ يكون كاشفا عن تحقق العقد المقتضي لحصول الملكية.

ذلك كله للإطلاقات و العمومات الشاملة لكل ذلك، و سيرة المتشرعة بل العقلاء خلفا عن سلف أكبر شاهد على جريان المعاطاة فيه.

(مسألة ٤): يعتبر في المقرض و المقترض ما يعتبر في المتعاقدين في سائر المعاملات من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار (۱۰).

تقدم في شرائط المتعاقدين في البيع، فيجري جميع ما ذكر هناك في المقام من غير فرق و لا وجه للتكرار في كل عقد لكون ما ذكر فيه من الشرائط العامة لكل عقد يجري في جميع أبواب العقود من الفقه فيكفي ذكرها في أم العقود- الذي هو البيع- عن التعرض لها في سائر العقود.

(مسألة ٥): يعتبر في المال أن يكون عينا مملوكا، فلا يصح إقراض الدين و لا المنفعة، و لا ما لا يصح تملكه كالخمر و الخنزير (۱۱).

للإجماع في كل ذلك

و لا يعتبر كونه عينا شخصيا (۱۲) فيصح إقراض الكلي، بأن يوقع العقد على الكلي و إن كان إقباضه لا يكون إلا بدفع عين شخصي (۱۳).

لإطلاق النصوص و الفتاوى، و السيرة المستمرة قديما و حديثا.

أما وقوع العقد على الكلي في المقام فلوجود المقتضي- و هو صحة اعتباره بالذمة- و فقد المانع فتشمله الأدلة كما مر.

و أما قبض الكلي بقبض الفرد فهو قريب من الوجدانيات إن لم يكن من البديهيات.

(مسألة ٦): مال القرض إما مثلي أو قيمي، و يعتبر في الأول ضبط أوصافه و خصوصياته التي تختلف باختلافها القيمة و الرغبات (۱٤) كالحبوبات و الأدهان.و أما الثاني فيجزي فيه معرفة القيمة كالأغنام و الجواهر، فلا يجوز إقراض ما لا يمكن ضبط أوصافه إلا بالمشاهدة كاللحم و الجواهر و نحوهما (۱٥).

لإجماع الفقهاء، و بناء العقلاء و السيرة المستمرة، و للنبوي المشتمل على النهي عن الغرر۷۳، مضافا إلى ما مر من أن القرض برزخ بين المعاوضة المحضة و الضمان المحض و ليس ضمانا بحتا و لا معاوضة صرفة كما هو معلوم، لاتفاقهم على أنه عقد، و كل عقد لا بد و أن يصان عن الجهالة ما لم يتسامح فيه كما في الصلح و الجعالة مثلا لأن تشريع العقد لقطع المنازعة، و الجهالة منشأ لها فلا يجتمعان.

بلا اشكال فيه إن استلزم ذلك الجهالة و الغرر و التنازع، و أما مع عدم استلزام ذلك كله مثل ما إذا عيّنت خصوصيات الجواهر و اللحوم أو سائر الأشياء المعدنية بأرقام خاصة و قوالب معينة تصدر من معمل واحد كما في هذه‏

الأعصار، فأقرض شيئا منها مع ضبط الأرقام و القوالب التي شاع جعلها طريقا معتبرا لإحراز المالية فأي مانع عن عدم صحة القرض حينئذ، و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين قول ابن إدريس و غيره فراجع و تأمل.

(مسألة ۷): لا بد أن يقع القرض على معين، فلا يصح إقراض المبهم كأحد هذين، و أن يكون معلوما قدره بالكيل فيما يكال أو الوزن فيما يوزن و العدّ فيما يقدر بالعد، فلا يصح إقراض صبرة من طعام جزافا (۱٦)، و لو قدر بكيلة معينة و ملأ إناء معين غير الكيل المتعارف أو وزن بصخرة معينة غير العيار المتعارف عند العامة لم يبعد الاكتفاء به (۱۷)، لكن الأحوط خلافه (۱۸).

كل ذلك لظهور الإجماع، و حديث نفي الغرر۷4، و سيرة المتشرعة و بناء العقلاء على الاهتمام بتحفظ مقدار ما لهم في مقام الإعطاء و أخذ المثل أو القيمة بحيث يستنكرون من خالف ذلك، و الأدلة الشرعية الواردة في القرض منزلة على هذا ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود.

لتحقق التعيين في الجملة في مقام الأداء و الوفاء فلا غرر و لا جهالة، و المتيقن من الإجماع و بناء العقلاء الدال على منع الجهالة غير هذه الصورة، و ليس القرض معاوضة حقيقة من كل جهة حتى يقال: أن ذلك لا يصح في المعاوضات كما مر في كتاب البيع فلا بد و ان لا يجوز في القرض أيضا، فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود.

لكونه خلاف المتعارف من التعيين المعتبر في الماليات.

إن قلنا: بأن هذا النحو من التعيين حتى في القرض خصوصا بعد ما ورد

من جواز اقتراض الخبز و الجوز۷٥، و الأداء منهما و فيهما الصغير و الكبير الكاشف ذلك عن التسامح في القرض في الجملة و لعل بناء القرض في الأزمنة القديمة في القرى و البوادي كان على هذا

(مسألة ۸): يشترط في صحة القرض القبض و الإقباض فلا يملك‏ المستقرض المال المقترض إلا بعد القبض (۱۹)، و لا يتوقف على التصرف (۲۰).

أما كون القبض شرطا للصحة فهو من المسلمات عندهم، و تقتضيه المرتكزات بين العقلاء حيث انهم قبل القبض لا يحكمون بصحة القرض بل يرونه لغوا و باطلا.

و أما حصول الملكية بالقبض فللإجماع الدال على أنه يملك بالقبض و لا يملك بمجرد القبول من دون القبض، فهو مخالف لسائر العقود المملكة من هذه الجهة فإن فيها تحصل الملكية بمجرد العقد، و يدل عليه مرتكزات المقترضين فإنهم يرون أنفسهم بعد القبض ذوي ملك حادث و سلطان على المال المقروض و يرون التصرف في ملكهم و مورد سلطانهم و لا يرون التصرف مملكا ملكا حادثا مسبوقا بالعدم حتى بعد القبض.

على المشهور لما مر من حكم العرف بأن الإقراض و الاقتراض يتم بالقبض و التصرف شي‏ء خارج عن حقيقته واقع في ملك المقترض فإن دل دليل على اعتباره في حصول الملكية نقول به، و إلا فالعرف هو المحكم و الأدلة الشرعية منزلة عليه.

و تدل عليه أيضا إطلاق النصوص الدالة على أن زكاة مال القرض على المقترض‏۷٦، فإنه لو لم يملكه بمجرد القبض لا وجه لهذا الإطلاق، و لا بد و أن يشير فيها إلى اعتبار التصرف في وجوبها أيضا بعد القبض.

و استدل عليه أيضا بأن التصرف فرع الملكية فلو علل الملك به لزم تقديم الشي‏ء على نفسه.

و نوقش فيه بأنه يكفي في صحة التصرف الإذن فيه و هو حاصل بنفس الإقراض و لا يتوقف على الملك حتى يلزم المحذور.

و فيه: أنه لا يكفي مجرد الإذن في كل تصرف فإن بعض التصرفات يتوقف على الملك كالوطي و العتق، و البيع على المشهور مع أن مفاد الإذن هو القبض تملكا كما أن بناء القابض عليه أيضا فتحصل الملكية بالقبض، و لا تصل النوبة إلى احتمال حصولها بالتصرف، و لذا التجأ جمع إلى جعل التصرف كاشفا عن سبق الملك بالقبض.

و قد يستدل لعدم حصول الملكية إلا بالتصرف بأصالة عدم حصولها إلا به و تنظير القرض على الإباحة بالعوض، فكما أن فيها لا يحصل الملك إلا بالتصرف فكذا في المقام.

و فيه: أنه لا وجه للأول في مقابل ما ارتكز في النفوس من أن المقترضين يرون أنفسهم أصحاب ملك و سلطان بالنسبة إلى المال المقروض بمجرد القبض، و لا يفرقون بينه و بين سائر أملاكهم المستقلة بمحض قبضه.

و يرد الثاني بأنه قياس مع أنه مع الفارق لأن الإباحة بالعوض معاوضة شرعا و عرفا، و القرض كما مر برزخ بين المعاوضة و الضمان، و هو بالثاني أشبه كما لا يخفى.

(مسألة ۹): القرض عقد لازم (۲۱) فليس للمقرض فسخه و الرجوع‏ بالعين المقترضة لو كانت موجودة (۲۲). نعم، للمقرض عدم الإنظار (۲۳) و مطالبة المقترض بالأداء و القضاء و و لو قبل قضاء و طره (۲٤) أو مضي زمان يمكن فيه ذلك.

لأصالة اللزوم في كل عقد مطلقا إلا ما خرج الدليل، و لا دليل على الخروج في القرض و يأتي ما ذكر دليلا للجواز و المناقشة فيه، و قد ذكرنا أدلة أصالة اللزوم في كل عقد في أول كتاب البيع فراجع.

استدل الشيخ لجواز عقد القرض.

تارة بالإجماع على أنه من العقود الجائزة.

و أخرى: بأنه لا يزيد على الهبة.

و ثالثة: بأنه إذا استحق المقرض المطالبة بالمثل أو القيمة فله المطالبة بالعين بالأولى.

و الكل مخدوش أما الإجماع ففيه أولا: انه كيف يصح مع شهرة عدم صحة رجوع المقرض على المقترض بالعين.

و ثانيا: أن المراد بالجواز في كلامهم أن لكل منهما فسخ المقصد المهم من القرض و هو الإنظار الذي هو مبنى القرض عند المتعارف غالبا، و هو مما لا ريب فيه، فالإجماع على فرض صحته على جواز فسخ الإنظار لكل منهما و لا ربط له بلزوم ذات العقد الذي هو محل البحث، فيصير هذا النزاع بينهم لفظيا فمن يقول بالجواز أي: صحة فسخ الإنظار، و من يقول باللزوم أي: ذات العقد من حيث هو، و مع اختلاف الحيثيتين لا ثمرة للنزاع في البين.

و أما الثاني: فإنه من مجرد الدعوى و من القياس الباطل.

و أما الأخير فبمنع الأولوية مع أن الرجوع انما هو فيما إذا فسخ الإنظار و هو صحيح لا إشكال فيه.

فتلخص: أن ذات الملك أينما تحقق يقتضي السلطة و دفع المزاحم و المنافي إلا بالتراضي، و لا معنى لللزوم إلا هذا، و المفروض أن القرض يفيد ملكية المقترض للمقترض كما مر.

لأنه لا معنى للزوم العقد إلا عدم سلطة الطرف على الفسخ إلا مع وجود احدى الموجبات للفسخ و كلها مفقودة في المقام.

لأن الإنظار و التأجيل ليس من مقوّمات حقيقة القرض كنفس تمليك‏

المال بل هو أمر خارج عن حقيقته و داخل تحت سلطة المقرض إن شاء انظر و إن شاء لم ينظر، كما هو ظاهر الروايات المرغبة إلى الإنظار و عدم التعجيل في المطالبة كقول أبي جعفر عليه السّلام: «يبعث يوم القيامة قوم تحت ظل العرش وجوههم من نور- إلى أن قال- فينادي مناد هؤلاء قوم كانوا ييسرون على المؤمنين و ينظرون المعسر حتى ييسر»۷۷، و كذا قوله عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

من أراد أن يظله اللّه في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فلينظر معسرا أو ليدع له من حقه»۷۸، إلى غير ذلك و قد تقدم بعضها أيضا.

نعم، لو شرط التأجيل و الإمهال في ضمن عقد لازم ليس له ذلك إلا برضا المقترض.

لما اتفقت عليه كلمة الأصحاب في مقابل مالك حيث قال: «انه لا يجوز للمقرض مطالبة المقترض قبل قضاء و طره من العين أو مضي مدة يمكن فيه ذلك».

(مسألة ۱۰): لو كان المال المقترض مثليا كالحنطة و الشعير و الذهب و الفضة و نحوها- ثبت في ذمة المقترض مثل ما اقترض (۲٥)، و لو كان قيميا- كالغنم و نحوها- ثبت في ذمته قيمته (۲٦)، و في اعتبار قيمة وقت الاقتراض أو قيمة حال الأداء و القضاء وجهان (۲۷) الأحوط التراضي و التصالح في مقدار التفاوت بين القيمتين لو كان.

ضمان المثل بالمثل و القيمي بالقيمة قاعدة متفقة عليها في الفقه في أبواب الضمانات مطلقا، و هي مطابقة لما هو المتعارف بين العقلاء، و لو كان نزاع في البين فهو صغروي أي: أن الشي‏ء الفلاني مثلي أو قيمي فهذه القاعدة مما ينبغي أن يستدل بها لا عليها، و قد تقدم في كتاب البيع عند البحث في المقبوض بالعقد الفاسد ما ينفع المقام فراجع.

ثمَّ إن المثليات في هذه الأعصار كثيرة مثل ما يخرج من الظروف و الأواني و الصحون و غيرها من أثاث البيت من المعامل الحديثة بقالب واحد و قياس خاص، و لا يبعد إلحاق طاقات الأقمشة بها أيضا.

تقدم وجهه في سابقة.

قد تقدم في بحث المقبوض بالعقد الفاسد أنه يصح اعتبار نفس العين في الذمة بلا محذور فيه من شرع أو عرف أو عقل، فالعين باقية في الذمة و لو تلفت في الخارج و يصح اعتبارها فيها إلى أن تفرغ الذمة منها، و الفراغ انما يتحقق بالأداء كما هو واضح من أن يخفى فراجع هناك فلا وجه للإعادة، و بذلك تسقط جملة من الأقوال لأن مسألة تعيين وقت استقرار الضمان ذات أقوال كثيرة جدا و ليس لغالبها دليل يصح الاعتماد عليه، فراجع المطولات و منه يظهر وجه الاحتياط.

ثمَّ إن في المقام فروعا كثيرة تذكر بالمناسبة تعرضنا لجملة منها في المقبوض بالعقد الفاسد، و يأتي جملة منها في كتاب الغصب.

(مسألة ۱۱): يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤديه من غير جنسه (۲۸) بأن يؤدي عوض الدراهم مثلا دنانير و بالعكس، و يلزم عليه ذلك (۲۹) بشرط أن يكونا متساويين في القيمة (۳۰)، أو كان ما شرط عليه أقل قيمة مما اقترض (۳۱).

لقاعدة السلطنة، و عموم أدلة الشروط بعد كون الأداء بالجنس من باب الترخيص و الاقتضاء لا الحكم التعبدي الشرعي، أو الأمر الذاتي غير القابل للتغيير و التبدل.

للأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالشرط كقوله صلّى اللّه عليه و آله: «المؤمنون عند شروطهم»۷۹، و غيره الشاملة للمقام أيضا.

للحذر عن الربا على ما سيأتي.

لما سيأتي من جواز كون الزيادة للمقترض و إن شرط ذلك ليس من الرباء.

(مسألة ۱۲): لو كان المال المقترض مثليا، كالدراهم و الدنانير و الحنطة و الشعير (۳۲) كان وفاؤه و أداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من‏ جنسه (۳۳)، سواء بقي على سعره الذي كان له وقت الاقتراض أو ترقى أو تنزل (۳٤) و هذا هو الوفاء الذي لا يتوقف على التراضي، فللمقرض أن يطالب المقترض به و ليس له الامتناع و لو ترقى سعره عما أخذه بكثير، كما أن المقترض لو أعطاه للمقرض ليس له الامتناع و لو تنزل بكثير (۳٥). و يمكن أن يؤدي بالقيمة أو بغير جنسه، بأن يعطي بدل الدراهم دنانير مثلا أو بالعكس (۳٦). لكن هذا النحو من الأداء و الوفاء يتوقف على التراضي (۳۷) فلو أعطى‏ بدل الدراهم دنانير فللمقرض الامتناع من أخذها (۳۸) و لو تساويا في القيمة، بل و لو كانت الدنانير أغلى كما أنه لو أراده المقرض كان للمقترض الامتناع (۳۹) و إن تساويا في القيمة أو كانت الدنانير أرخص.

المرجع في المثلية و القيمة متعارف أهل الخبرة بذلك الشي‏ء فإن حكموا بالمثلية فهو مثلي و إن حكموا بالقيمة يكون قيميا، و إن ترددوا فالأحوط التصالح و التراضي فيما به التفاوت، و تقدم ما ينفع المقام في أحكام المقبوض بالعقد الفاسد.

و أما اعتبار رد المثل في المثلي فمعهوديته بين الناس و جريان السيرة عليه قديما و حديثا يغنينا عن إقامة الدليل عليه، و يشهد له في المقام ما ورد في قرض الخبز و الجوز۸۰، و ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في ضمان القصعة بمثلها ففي الخبر: «قالت عائشة ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية، صنعت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طعاما و بعثت به أخذني أفكل‏۸۱، فكسرت الإناء فقلت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما كفارة ما صنعت؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: إناء مثل إناء و طعام مثل طعام»۸۲، و قد مر في كتاب البيع في ضمان المثلي و القيمي التمسك بالآية الشريفة فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏۸۳، و غيرها من الآيات فراجع.

لأنه حينئذ أحد أفراد الكلي الثابت في الذمة، و ينطبق الكلي عليه حقيقيا انطباق الطبيعي على أفراده.

لأن تنزل القيمة و ترقيها لا دخل له بكون الشي‏ء فردا حقيقيا لما هو ثابت في الذمة و كونه مثلا للعين المقترضة فيحصل الوفاء حقيقة مضافا إلى ظهور الإجماع في المقام

لما مر من كونه الفرد الحقيقي لما في الذمة و ينطبق ما في الذمة عليه انطباق الكلي على أفراده فلا يبقى موضوع حينئذ لاعتبار الرضاء زائدا على أصل الأداء الذي تحقق بصدق ما في الذمة على ما أداه صدقا واقعيا حقيقيا.

نصا و إجماعا ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يكون له الدين دراهم معلومة إلى أجل فجاء الأجل و ليس عند الذي حل عليه دراهم، فقال له: خذ مني دنانير بصرف اليوم قال: لا بأس به»۸4، و في رواية علي بن جعفر قال: «سألته عن رجل له على رجل دنانير فيأخذ بسعرها ورقا؟ فقال:

لا بأس به»۸٥، إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

لأصالة بقاء اشتغال الذمة بالمثل إلا إذا تراضيا بغيره، و الحق‏

لا يعدوهما فلهما أن يتراضيا بكل ما شاءا قليلا كان أو كثيرا.

ثمَّ إن المراد بالمثلية المثلية العرفية لا الدقية العقلية لما ورد في جواز اقتراض الخبز و الجوز مع اختلاف كل منهما في الصغر و الكبر و سائر الجهات، ففي خبر ابن سيابة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إن عبد اللّه بن أبي يعفور أمرني أن أسألك: إنا نستقرض الخبز من الجيران فنرد أصغر منه أو أكبر؟ فقال عليه السّلام:

نحن نستقرض الجوز الستين و السبعين فيكون فيه الكبيرة و الصغيرة فلا بأس»۸٦، و في خبر ابن عمار۸۷، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: استقرض الرغيف من الجيران و نأخذ كبيرا و نعطي صغيرا و نأخذ صغيرا و نعطي كبيرا، قال عليه السّلام: لا بأس».

لأن الحق له فله الامتناع عن أخذ ما يكون غير حقه.

لأنه غير ما ثبت في ذمته فله الامتناع عن أداء غير ما ثبت في ذمته و الاقتصار على أداء خصوص ما في الذمة.

(مسألة ۱۳): إذا كان المال المقترض قيميا فقد مر أنه تشتغل ذمة المقترض بالقيمة (٤۰). و إنما تكون بالنقود الرائجة (٤۱)، فأداؤه الذي لا يتوقف على التراضي بإعطائها (٤۲)، و يمكن أن يؤدي بجنس آخر من غير النقود بالقيمة لكنه يتوقف على التراضي (٤۳).

لأنها الكلي الذي يكون ثابتا في الذمة، و ينطبق عليها ما أداه انطباق الكلي على الأفراد و اشتغال الذمة بالقيمة في القيميات، و يدل عليه- مضافا إلى دعوى الإجماع- السيرة بين الناس أيضا فينزل إطلاق أدلة وجوب أداء الدين على ما هو المعهود المتسالم عليه عند العرف و لا فرق في ذلك كله بينما إذا قلنا باشتغال ذمة المقترض بالمثل أو القيمة بمجرد القرض أو أن العين باقية إلى‏ حين تفريغها و حينئذ تتبدل بأحدهما.

لأن ظاهر القيمة في المتعارف إنما هو النقود الرائجة إلا أن تكون قرينة على الخلاف و الفرض عدمها.

لفرض شيوعها ثمَّ أن الأداء على قسمين:

الأول‏: ما لا يتوقف على التراضي بل لا بد للدائن من أخذه، و هو المثل في المثليات الشائعة فيها إعطاء المثل و النقود الرائجة في القيميات الشائعة إعطاؤها.

الثاني‏: ما يتوقف على التراضي و هو ما إذا كان في المثل بغير المثلي و في القيمي بغير النقود الرائجة و هذا هو مراد العبارة.

و هذا هو القسم الثاني الذي تعرضنا له.

(مسألة ۱٤): لو شك في أن المال المقترض مثلي أو قيمي، فالأحوط دفع المثل لو أمكن، و مع التعذر فالقيمة (٤٤).

أما الأول فلما نسب إلى المشهور من أنه الأصل في الوفاء و التعويض، و يقتضيه إطلاق ما تقدم من الأدلة المشتملة على المثل.

و لكن يحتمل أن يكون المراد بالمثل فيها و فيما نسب إلى المشهور المثلية في المالية فيشمل القيمية كما تقتضيه المرتكزات.

و أما الثاني فلانحصار الأداء و الوفاء فيها حينئذ، و تقدم في البيع الفاسد ما ينفع المقام.

(مسألة ۱٥): لو كانت العين المقترضة موجودة فأراد المقرض أداء الدين بإعطائها أو أراد المقترض ذلك ففي جواز امتناع الآخر تأمل‏ و إشكال (٤٥) فلا يترك الاحتياط بالاسترضاء (٤٦).

من أن العين المقترضة صارت ملكا للمقترض فله حق الامتناع عن أدائها، و المفروض أن المتعارف في القرض الضمان في المثلي بالمثل، و في القيمي بالقيمة فللمقرض حق الامتناع عن القبول.

و من أنه إذا لم يكن لهما حق الامتناع عن القبول في المثل و القيمة ففي دفع العين لا يكون لهما هذا الحق بالأولى، و لعل العرف يساعد على هذا.

ظهور وجهه مما مر.

(مسألة ۱٦): لو شرط التأجيل في القرض صح و لزم العمل به، و كان كسائر الديون المؤجلة ليس للمقرض مطالبته قبل حلول الأجل (٤۷).

لوجود المقتضي- بناء على لزوم عقد القرض- و فقد المانع فتشمله إطلاقات أدلة الشروط و عموماتها بلا مدافع، بل و كذا بناء على جوازه أيضا ما دام العقد باقيا، لما تقدم في أحكام الشروط فراجع إلا أن يكون إجماع معتبر على خلافه و عهدة إثباته على مدعيه.

و نوقش في لزوم هذا الشرط في المقام أولا: بأنه خلاف المشهور حيث نسب إلى المشهور عدم اللزوم حتى مع الشرط.

و ثانيا: أن التأجيل حكمي لا أن يكون حقيا فلا يتغير بالشرط كما هو كذلك في كل حكم.

و فيه: أما الشهرة فهي مبنية على ذهابهم إلى أن القرض من العقود الجائزة، و كل عقد جائز لا يقبل الشرط و هو ممنوع صغرى و كبرى. و أما أن التأجيل حكم لا يقبل التغيير بالشرط، فلا دليل عليه من عقل أو نقل.

نعم، نفس التأجيل و الإنظار مستحب، و هو لا يدل على أن يكون التأجيل بذاته حكما شرعيا كما لا يخفى.

(مسألة ۱۷): لو شرط على المقترض أداء القرض و تسليمه في بلد معين صح و لزم (٤۸). و إن كان في حمله مئونة (٤۹)، فإن طالبه في غير ذلك البلد لم يلزم عليه الأداء (٥۰)، كما أنه لو أداه في غيره لم يلزم على المقرض القبول (٥۱)، و إن أطلق القرض و لم يعين بلد التسليم، فالذي يجب على المقترض أداؤه فيه- لو طالبه المقرض و يجب على المقرض القبول لو أداه المقترض فيه- هو بلد القرض (٥۲)، و أما غيره فيحتاج إلى التراضي (٥۳) و إن كان الأحوط للمقترض مع عدم الضرر و عدم الاحتياج إلى مئونة الحمل الأداء لو طالبه الغريم فيه (٥٤).

أما الصحة فللنص و الإجماع، ففي موثق ابن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إياه بأرض أخرى، و يشترط عليه ذلك، قال: لا بأس»۸۸، و في موثق أبي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يبعث بمال إلى أرض، فقال للذي يريد أن يبعث به أقرضنيه و أنا أوفيك إذا قدمت الأرض، قال عليه السّلام: لا بأس»۸۹، و عن علي عليه السّلام: «لا بأس أن يأخذ الرجل الدراهم بمكة و يكتب لهم سفاتج أن يعطوها بالكوفة»۹۰.

و أما اللزوم فلعموم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»۹۱.

لأن المقترض بقبوله للشرط قبل المئونة أيضا مع التفاته الى ذلك، و يجوز لهما جعل المؤنة على المقرض.

للأصل بعد كونه خلاف ما شرط.

لما تقدم في سابقة من غير فرق بينهما.

لأنه المتعارف بين الناس و المنسبق إلى الأذهان في المحاورات و الاحتجاجات و المخاصمات.

لأصالة عدم ثبوت حق لكل منهما على الآخر في ذلك، فلا بد من‏ التصالح و التراضي حينئذ.

نسب وجوب الأداء على المقترض فيما طالبه الغريم إلى القواعد، و لعله لأن المقرض صاحب الحق فله السلطنة على التعيين.

و فيه: أنه لا ملازمة بين كونه صاحب الحق و كون سلطنة تعيين محل الطلب اليه لا شرعا و لا عقلا و لا عرفا، و لا بد و ان يقيد ذلك بما إذا لم يكن شرط في البين و إلا يمكن أن يدخل في الربا المحرم إن عممناه لكل ما فيه غرض عقلائي إلا ما خرج بالدليل و لا ريب في حسن الاحتياط.

(مسألة ۱۸): يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن أو الضامن أو الكفيل (٥٥)، و كل شرط سائغ لا يكون فيه النفع للمقرض و لو كان مصلحة له (٥٦).

للسيرة المستمرة في كل ذلك قديما و حديثا، و يمكن استفادة الجواز من إطلاق النصوص الواردة في الرهن أيضا كما سيأتي.

بناء على عدم تعميم الربا لكل ما فيه غرض عقلائي، و إلا فيشكل في غير ما جرت السيرة على الجواز فيه كالرهن و نحوه.

(مسألة ۱۹): لو اقترض دراهم ثمَّ أسقطها السلطان و جاء بدراهم غيرها لم يكن عليه إلا الدراهم الأولى (٥۷). نعم، في مثل الصكوك المتعارفة (٥۸) في هذه الأزمنة المسماة ب (النوط) و (الاسكناس) و غيرهما إذا سقطت عن الاعتبار الظاهر اشتغال الذمة بالدراهم و الدنانير التي تتناول هذه الصكوك بدلا عنها، لأن الاقتراض في الحقيقة يقع على الدراهم أو الدنانير التي هي من النقدين و من الفضة و الذهب المسكوكين، و ان كان في مقام التسليم و الإيصال يكتفي بتسليم تلك الصكوك و إيصالها. نعم، لو فرض وقوع القرض على الصك الخاص بنفسه- بأن قال مثلا أقرضتك هذا الكاغذ الكذائي المسمى بالنوط الكذائي (٥۹)- كان حالها حال الدراهم في أنه إذا أسقط اعتبارها لم يكن على المقترض إلا أداء الصك، و هكذا الحال في المعاملات و المهور الواقعة على الصكوك.

إسقاط الدراهم و الدنانير على أقسام:

الأول‏: إسقاط الرواج الفعلي مع بقاء أصل المالية من كل جهة بلا فرق من هذه الجهة بين السابقة و اللاحقة.

الثاني‏: إسقاط أصل المالية رأسا فليست للسابقة مالية رأسا.

و سائر الجهات، و مقتضى قاعدة ضمان المثلي بالمثل هو اشتغال الذمة بالمثل في القسم الأول و الأخير، كما أن مقتضى بناء القرض و سائر الضمانات على تحفظ المالية مهما أمكن ذلك هو اشتغال الذمة بالقيمة في الوسط هذا ما هو بناء متعارف الناس في هذا الموضوع، فإن ورد تعبد شرعي معتبر على الخلاف نتعبد به و الا فنحمل النص عليه، فيصير مفاد النص و ما هو المتعارف واحدا، و الأخبار الواردة في المقام على قسمين:

أحدهما: ما عن محمد بن عيسى عن يونس قال: «كتبت إلى الرضا عليه السّلام إن لي على رجل ثلاثة آلاف درهم، و كانت تلك الدراهم تنفق بين الناس تلك الأيام، و ليست تنفق اليوم، فلي عليه تلك الدراهم بأعيانها أو ما ينفق اليوم بين الناس؟ فكتب عليه السّلام إليّ: لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما أعطيته ما ينفق بين الناس»۹۲، و لا بد من حمله على ما مر من القسم الثاني جمعا بينه و بين ما يأتي.

ثانيهما: ما عنه أيضا قال: «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام أنه كان لي على رجل عشرة دراهم، و إن السلطان أسقط تلك الدراهم و جائت دراهم أعلى من تلك الدراهم الأولى، و لها اليوم وضيعة، فأي شي‏ء لي عليه، الأولى التي أسقطها السلطان أو الدراهم التي أجازها السلطان؟ فكتب عليه السّلام: لك الدراهم الأولى»۹۳، و قريب منه خبر عباس بن صفوان قال: «سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم عن رجل، و سقطت تلك الدراهم أو تغيرت، و لا يباع بها شي‏ء الصاحب الدراهم الدراهم الأولى أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟

فقال عليه السّلام: لصاحب الدراهم الدراهم الأولى»۹4، و لا بد من حملهما على سقوط الرواج الفعلي لا سقوط أصل المالية المحفوظة جمعا بينهما و بين ما مر.

هذا داخل في القسم الثاني مما تقدم من الأقسام الثلاثة و يمكن‏ استفادة حكمه في الجملة مما مر في القسم الأول من الأخبار، و تقدم في كتاب الصرف (مسألة ۱۳) حكم زيادة السعر و نقيصته فراجع.

بأن يكون لنفس الورق من حيث هو موضوعية خاصة كما في الطوابع الرائجة في البريد في جميع الدول.

(مسألة ۲۰): لو أدى المديون دينه من المال غير المخمس أو غير المزكى لا تبرأ ذمته إن كان تمام الدين منه، و بمقداره إن كان بعضه منه (٦۰)، و لا فرق فيه بين علم الدائن بالحال و جهله (٦۱)، و يجوز للحاكم الشرعي إمضاء ذلك إن رأى فيه المصلحة فتبرأ ذمة المديون حينئذ (٦۲).

الأقسام المتصورة في المسألة ثلاثة:

الأول‏: أن يكون ما أداه بتمامه من الحق.

الثاني‏: أن يكون ما أداه من بعض الحق و بعضه الآخر من مال نفسه.

الثالث‏: أن يكون مقدار الحق باقيا في بقية ماله و أدى الدين من بعضه.

أما الأول فلا ريب في عدم سقوط الدين و بقائه لفرض أن المؤدى مال الغير بناء على الشركة الحقيقية، و متعلق حقه بناء على أنه من مجرد تعلق الحق، و منه يظهر حكم القسم الثاني بالنسبة إلى البعض، و أما الثالث فإن قلنا بأن الحق من الكلي في المعين صح الأداء و إن قلنا بأنه من المشاع في الجميع لا يصح.

لأن ذلك تكليف متعلق بالمديون و لا ربط له بالدائن.

نعم، لو علم الدائن بالحال يحرم عليه الأخذ.

لمكان ولايته على ذلك، و تقدم في كتاب الزكاة ما يتعلق بالمقام فراجع فلا وجه للإعادة.

(مسألة ۲۱): لو شك في أصل الدين، أو علم به و شك في الوفاء لا يجب عليه شي‏ء في الأول و يجب عليه الوفاء في الثاني (٦۳).

للأصل في الموردين كما هو واضح.

(مسألة ۲۲): لو ادعى الدافع إن ما أعطاه دين و ادعى الآخذ أنه هبة يقدم قول الدافع مع عدم البينة على الخلاف (٦٤).

لأن الدافع أعرف بنيته ما لم تكن حجة على الخلاف كما في نظائر المقام.

(مسألة ۲۳): لو ادعى المديون الوفاء و أنكره الدائن يقدم قول الدائن ما لم يكن حجة على الخلاف (٦٥).

لأصالة عدم الدفع إلا مع البينة على الخلاف.

  1. سورة المزمل: ۲۰.
  2. مستدرك الوسائل باب: ۱۸ من أبواب وجوب الحج و في الشرح الكبير للمغني ج: ٦ كتاب الوصية صفحة: 4٦۳، و في كنز العمال ج: ٥ حديث: ٥4۹ كتاب الحج ط- حيدر آباد.
  3. راجع ج: ۱۸ صفحة: ۲٦.
  4. سورة النساء: ۲۹.
  5. راجع المجلد الثامن من مواهب الرحمن في تفسير القرآن صفحة: ۱۱٦ ط- النجف الأشرف.
  6. الوسائل باب: 4 من أبواب الدين و القرض.
  7. كنز العمال ج: ۲۱ حديث: ۹٦٦ النكاح ط-: حيدر آباد.
  8. سورة البقرة: ۱4۸.
  9. سورة التوبة: ۹۱.
  10. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب فعل المعروف.
  11. الوسائل باب: ٦ من أبواب ميراث الخنثى حديث: ۳.
  12. الوسائل باب: ٦ من أبواب ميراث الخنثى حديث: 4.
  13. الوسائل باب: ٥ من أبواب الدين و القرض حديث: ۱.
  14. الوسائل باب: ٥ من أبواب الدين و القرض حديث: ٥.
  15. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب الدين و القرض.
  16. الوسائل باب: ٦ من أبواب ميراث الخنثى.
  17. الفقيه: ج: 4 حديث: ۷۷۰.
  18. راجع ج: ۳ صفحة: ۸۷.
  19. الوسائل باب: ۲4 من أبواب فعل المعروف: حديث: ٦ و ۲۰.
  20. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الدين و القرض.
  21. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب الدين و القرض.
  22. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب الدين و القرض.
  23. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب الدين و القرض.
  24. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب الدين و القرض حديث: ۱.
  25. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الدين و القرض.
  26. كنز العمال ج: 4 حديث: 4۱۳ ط: حيدر آباد.
  27. الوسائل باب: ۷ من أبواب الصلح.
  28. الوسائل باب: ۷ من أبواب الصلح.
  29. الوسائل باب: ٦ من أبواب الصرف حديث: ۱.
  30. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب الدين و القرض حديث: ۱.
  31. الوسائل باب: ٦ من أبواب الشركة.
  32. الوسائل باب: ٦ من أبواب الشركة.
  33. الوسائل باب: ۷ من أبواب الحجر.
  34. الوسائل باب: ۷ من أبواب الحجر.
  35. سورة البقرة: ۲۸۰.
  36. الوسائل باب: ۷ من أبواب الحجر حديث: ۳.
  37. سورة الحج: ۷۸.
  38. سورة البقرة: ۲۸۰.
  39. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الدين.
  40. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الدين حديث: 4.
  41. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الدين حديث: ۳.
  42. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الدين و القرض حديث: ۱.
  43. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الدين و القرض حديث: ۷.
  44. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الدين و القرض حديث: ۳.
  45. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الدين و القرض حديث: ٥.
  46. سورة البقرة: ۲۸۰.
  47. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الدين و القرض حديث: ۱.
  48. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الدين و القرض حديث: ۲.
  49. الوسائل باب: ۸ من أبواب الدين و القرض حديث: ۲۱.
  50. الوسائل باب: ۸ من أبواب الدين و القرض حديث: ۳.
  51. الوسائل باب: ۸ من أبواب الدين و القرض حديث: 4.
  52. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب الدين و القرض.
  53. سورة البقرة: ۱۹4.
  54. راجع المجلد الثالث من مواهب الرحمن ما يتعلق بالآية الكريمة.
  55. سورة النحل: ۱۲٦.
  56. الوسائل باب: ۸۳ من أبواب ما يكتسب به.
  57. الوسائل باب: ۸۳ من أبواب ما يكتسب به.
  58. الوسائل باب: ۸۳ من أبواب ما يكتسب به.
  59. سورة البقرة: ۱۹4.
  60. الوسائل باب: ٦۰ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۲.
  61. الوسائل باب: ۲ من أبواب الدين و القرض حديث: ۱.
  62. الوسائل باب: ۱ من أبواب الدين و القرض حديث: 4.
  63. الوسائل باب: ۱ من أبواب الدين و القرض حديث:۱۰.
  64. الوسائل باب: ۲ من أبواب الدين و القرض حديث: ۲.
  65. الوسائل باب: ۲ من أبواب الدين و القرض حديث: ٥.
  66. الوسائل باب: 4 من أبواب الدين و القرض حديث: ۳.
  67. تقدم في صفحة: ۳٥.
  68. الوسائل باب: ٦ من أبواب الدين و القرض حديث: 4.
  69. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب فعل المعروف حديث: ۳.
  70. الوسائل باب: ٦ من أبواب الدين و القرض حديث: ۳.
  71. الوسائل باب: ٦ من أبواب الدين و القرض حديث: ٥.
  72. راجع الوسائل باب: ۲۹ من أبواب المعروف.
  73. الوسائل باب: ۱۰ و ۱۲ من أبواب التجارة.
  74. الوسائل باب: ۱۰ و ۱۲ من أبواب التجارة. و قد تقدم في ج: ۱۷ ص: ۸.
  75. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الدين و القرض.
  76. الوسائل باب: ۷ من أبواب من تجب عليه الزكاة.
  77. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الدين و القرض.
  78. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الدين و القرض.
  79. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب المهور.
  80. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الدين و القرض.
  81. أفكل: بفتح الهمزة و الكاف. وفاء ساكنة و هي الرعدة من برد أو خوف و المراد أن عائشة لما رأت حسن الطعام الذي صنعته صفية أخذتها الرعدة.
  82. سنن أبي داود باب: ۸۹ من البيوع حديث: ۳٥٦۸.
  83. سورة البقرة الآية: ۱۹4.
  84. الوسائل باب: ۳ من أبواب الصرف حديث: ۲.
  85. الوسائل باب: ۳ من أبواب الصرف حديث: ۷.
  86. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الدين و القرض.
  87. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الدين و القرض.
  88. الوسائل باب: ۱4 بيع الصرف حديث: ۱.
  89. الوسائل باب: ۱4 بيع الصرف حديث: ۲.
  90. الوسائل باب: ۱4 بيع الصرف.
  91. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب المهور.
  92. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الصرف حديث: ۱.
  93. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الصرف حديث: ۲.
  94. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الصرف حديث: 4.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"