1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب البيع‏
  10. /
  11. فصل في الخيارات
الخيار: سلطنة خاصة على حل العقد لطرفيه أو لأحدهما فقط على ما سيأتي. و هي أقسام (۱). الأول: خيار المجلس (۲)، فإذا وقع البيع فللمتبايعين الخيار ما لم‏ يفترقا، فإذا افترقا سقط الخيار من الطرفين و لزم البيع من الجانبين (۳)، و يكفي في الافتراق مجرد صدقه العرفي و لو تحقق بأقل من مقدار خطوة (٤). و لا يعتبر فيه أن يكون عن الرضا فيسقط به الخيار و لو كان عن‏ الغفلة و النسيان و الاضطرار (٥).

ينبغي تقديم أمور.

الأول‏: الخيار لغة عبارة عن اختيار فعل أو الترك أو إبقاء شي‏ء أو ازالته و بهذا المعنى اللغوي العرفي ورد في الكتاب و السنة قال تعالى‏ وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ۱، و قوله تعالى‏ وَ اخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا۲، و يسمى الخير خيرا لتعلق الاختيار به و للترغيب إلى اختياره في مقابل الشر، فليس للشرع و للفقهاء فيه اصطلاح جديد في مقابل العرف و اللغة.

نعم، يستعمل في العرف و اللغة في جميع الموارد، و في اصطلاح الفقهاء في موارد خاصة فالفرق بينهما بالعموم و الخصوص لا بحسب المفهوم كما هو واضح فتشمل جميع العقود التي تكون لكل واحد من المتعاقدين أو لأحدهما فقط سلطة إبقاء العقد و حله بلا فرق بين المعاوضات و غيرها على ما يأتي من التفصيل في النكاح و غيره.

الثاني‏: مقتضى الوجدان تقوم الاختيار و جميع ما يتفرع منه بنحو من السلطة و الاستيلاء فيكون الخيار لدى العرف و العقلاء نحو حق خاص لصاحبه فليس من مطلق الترخيصات العرفية و لا من الحكم الشرعي حتى لا يكون لصاحبه تسليط عليه فيكون جميع العقود الجائزة الحكمية خارجا عنه تخصصا، إذ ليس فيها حق و سلطنة لأحد على الإبقاء و الحل و إنما الجواز فيها حكم إلهي و لا ربط له بمشية المتعاقدين و إرادتهما و اختيارهما أبدا. كما أنه‏ ليس الخيار ملكا بالمعنى المصطلح عليه و هو الاستيلاء و السلطة المطلقة على الشي‏ء كملكية البائع للثمن و المشترى للمثمن، بل هو حق خاص و هو أيضا من مراتب السلطنة و الاستيلاء و الفرق بينه و بين الملك بالشدة و الضعف و يكفي الشك في تحقق الملكية في عدم حصولها، لأن حصول المرتبة الضعيفة من السلطنة معلوم و الزائد عليها مشكوك و مقتضى الأصل عدم الحصول. و تعبير بعض الفقهاء بملك فسخ العقد و إبقائه لا يدل على انه ملك، إذ المراد بقوله:

«ملك فسخ العقد» هو مطلق الاستيلاء و السلطنة و لا ريب في كونهما أعم من الملك الاصطلاحي الذي هو في مقابل الحق.

الثالث‏: الاختيار و جميع ما يتفرع منه متقوم بطرفين في حد ذاته أي الفعل و الترك و قد أثبتوا ذلك بالأدلة في فن الكلام و الحكمة مضافا إلى الوجدان و هو يحكم بأن أحد طرفيه ثبوتي و الآخر عدمي فهو في الواقع كذلك و إن عبر في الظاهر عن العدمي بالتعبير الوجودي أي: الفسخ و الإبرام أو وجودي و عدمي أي الفسخ و تركه، مع انه لا يترتب على هذا النزاع ثمرة عملية بل و لا علمية معتنى بها بعد وضوح المقصود عند سواد الناس و عامتهم.

الرابع‏: من أهم الأصول النظامية بين الناس اهتمامهم بإبرام عهودهم و عقودهم و القرارات المعاملية الجعلية بينهم، فيستنكرون خلف الوعد فيما بينهم فضلا عن نقض العقد و العهد فيرون بفطرتهم ان بناء العقود و العهود و القرار المعاملي على الثبات و اللزوم إلا ما خرج بالدليل يعني: ان طبعها من حيث العقد و الشد و الربط اللزوم مع قطع النظر عن الجهات الخارجية.

و بعبارة أخرى: ذات العقد- من حيث هو عهد و قرار خاص بين المتعاقدين- اللزوم كما يقال: الأصل في الجسم أن يكون كرويا و كذا بناء العقد من حيث بناء العقلاء فيه على اللزوم و الاستقرار و في مثل هذه الأمور العامة البلوى يكفي عدم ثبوت الردع شرعا و لا نحتاج إلى التقرير و مع ذلك قد ورد التقرير بطرق شتى أشرنا إليها في أول المعاطاة۳، فلو تعرضنا لها في المقام لاستلزم التكرار من دون أن يكون فيه شي‏ء زائد على ما تقدم و الظاهر عدم الاحتياج إلى التفصيل و التكرار، لأن وقوف العقلاء لدى التزاماتهم و ثباتهم عليه أوضح لديهم من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه فيصح أن يستدل به لا أن يستدل عليه.

الخامس‏: أصالة اللزوم الثابتة لدى العقلاء في عهودهم و عقودهم من الأصول الكلية النظامية سواء عدت في الفقه من الأصول اللفظية أو العملية و هي تجري في جميع موارد الشك في اللزوم و عدمه سواء كان منشأ الشك في الشبهة الكلية أو في الشبهة الموضوعية ما لم تكن امارة على الخلاف أو أصل موضوعي كذلك كما هو الشأن في جميع موارد الأصول الكلية فلا يتمسك بها مع الأمارة أو الأصل الموضوعي على الخلاف، فلو انعقد العقد جائزا ثمَّ شك في عروض اللزوم لسبب من أسبابه لا تجري فيه أصالة اللزوم، لوجود استصحاب الجواز و هو أصل موضوعي و كل أصل موضوعي مقدم على الأصل الحكمي هذا في غير مورد التنازع و التخاصم و أما فيه فيأتي تفصيله في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

السادس‏: العقود الدائرة بين الناس على أقسام.

الأول‏: ما هو لازم بنحو العلة التامة فلا معنى لجعل الخيار فيه أبدا لخروجه عن تحت استيلاء المتعاقدين كالنكاح فاللزوم فيه ذاتي حكمي لا خيار فيه إلا في موارد خاصة عينها الشارع تأتي في كتاب النكاح.

الثاني‏: ما هو جائز اقتضائي كالهبة إلى غير ذي الرحم و الزوج و الزوجة مع بقاء العين فإن الجواز فيها اقتضائي حكمي و قالوا: إنه لا وجه لجعل الخيار فيها، لأنه لغو بعد كون الجواز من مقتضيات ذاتها.

و فيه: إنه لا مانع من تعدد السبب بنحو التبدل و التعاقب، مع أن له أثر و هو ثبوت الإرث، لأن الخيار حق يورث بخلاف نفس الجواز الثابت للعقد لأنه حكم و لا يورث.

و أما اشتراط اللزوم في العقود الجائزة في ضمن عقد لازم آخر فلا مانع منه إلا إذا ثبت أن الجواز فيها بنحو العلية التامة المنحصرة بحيث لا تتغير و لا تتبدل و الشك فيها يكفي في عدم ثبوتها.

الثالث‏: اللزوم الحقي كنوع المعاوضات فإن اللزوم فيها إنما هو لأجل الحق الذي حصل من القرار المعاوضي المتحقق بينهم، فيكون اختيار هذا الحق أنهم إن شاؤوا أبقوه على حاله و إن شاؤوا أزالوه بجعل الخيار.

الرابع‏: الجواز الحقي و هو في مورد تحقق شرط الخيار في اللزوم الحقي، و يأتي تفصيل هذا الإجمال في مستقبل المقال إن شاء اللّه تعالى.

السابع‏: الالتزامات المعاملية الدائرة بين الناس و القرارات الجعلية الرائجة بينهم تدور مدار الاحتفاظ بمالية أموالهم و الوصول إلى مقاصدهم و أغراضهم، فالقرار الجعلي الواقع بين المتعاقدين و إن كان واحدا صورة، لكنه منبسط في الواقع على التزامات كثيرة حسب الأغراض النوعية المعاملية، كالالتزام بعدم العيب، و عدم التأخير، و عدم تخلف الشرط، إلى غير ذلك من موارد الخيارات، و مع ثبوت الخلل في أحد تلك الالتزامات يختل الالتزام العقدي إلا مع الدليل على الخلاف، لأن هذه الالتزامات ملحوظة بنحو الواحد الانبساطي، كانبساط وجوب الصلاة مثلا عليها من أول التكبيرة إلى آخر التسليمة، فجميع الخيارات المذكورة في كتب الفقهاء مطابق للقاعدة، لا أن تكون مخالفا حتى نحتاج إلى التماس دليل لكل واحد منها بالخصوص حتى خيار الحيوان لأن الأغراض المعاملية بالنسبة إلى الحيوان مختلفة لا يطلع عليها إلا بعد تملكها و الاستيلاء عليها. و كذا خيار المجلس أيضا، لأن تجدد الرأي من الأمور النوعية في المعاوضات و قد حدد الشارع زمانه بالمجلس، فالزمان فيه و في خيار الحيوان فيه تعبد و تحديد شرعي لا أن يكون أصلهما كذلك، كما ان‏  أصل السفر أمر عرفي و لكن تحديده بحدّ خاص و قيود خاصة شرعي، و للمقام نظائر كثيرة في الفقه.

نعم، الانحلال في الأغراض الشخصية لا يكون موجبا لاختلال الالتزام المعاملي و الا لاختل نظم المعاملات لكثرة الأغراض الشخصية و اختلافها اختلافا كثيرا.

و بالجملة إن الخيارات حقوق اعتبرها العرف و العقلاء عند عروض أسباب خاصة و ليس في أصلها تعبد شرعي و إن كان ذلك في بعض حدودها و قيودها و أحكامها على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

الثامن‏: قد أنهى الشهيد في اللمعة الخيارات إلى أربعة عشر و هي: خيار المجلس، و خيار الحيوان، و الشرط، و التأخير، و ما يفسد ليومه، و الرؤية، و الغبن، و العيب، و التدليس، و الاشتراط، و الشركة، و تعذر التسليم، و تبعض الصفقة، و التفليس. و المعروف التعرض لسبعة منها، و عن المحقق في الشرائع ذكر خمسة منها، و عن بعض ذكر ثمانية، و ليس ذلك خلافا و إنما هو من الاكتفاء بالأهم، كل بحسب نظره.

تعرضنا لها في الأمر الثامن.

للنصوص المستفيضة، مضافا إلى الإجماع، ففي صحيحي زرارة و ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «البيعان بالخيار حتى يفترقا»4، و عنه عليه السّلام في صحيح الفضيل: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما»٥، إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة بل المتواترة بين الفريقين‏٦.

ثمَّ إن لفظ المجلس لم يرد في خبر من الأخبار، و حيث إن هذا الخيار مغيى بالافتراق يعلم منه إنه خيار الاجتماع، و من جهة أنه لا بد و أن يكون في المكان، فالمراد هو الاجتماع في المكان، و حيث أن الغالب في الاجتماع كونه محلا للجلوس عبّر بخيار المجلس، فالمراد إنما هو خيار الاجتماع في حال العقد، سواء كانا قائمين أو جالسين أو ماشيين، فذكر المجلس إنما هو من باب الغالب.

و أما ما ورد في خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام:

«إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب و إن لم يفترقا»۷، فهو محمول على اشتراط السقوط بذلك، فيكون المراد بالصفق الالتزامي لا الصفق الإنشائي.

و يمكن الحمل على التقية لأنه مروي عن الصادق عليه السّلام عن علي عليه السّلام.

للنص و الإجماع، و تقدم قوله عليه السّلام: «فإذا افترقا فلا خيار». و المراد به تغيير الهيئة الاجتماعية التي كانت حين العقد.

للإطلاق الشامل للأقل منها أيضا. و عن بعض التشكيك في الأقل، و عن آخر التشكيك في كفاية الخطوة أيضا، لاستصحاب بقاء الخيار، لما في بعض الأخبار «فلما استوجبتها قمت فمشيت خطأ ثمَّ رجعت فأردت أن يجب‏ البيع»۸. و لكن الاستصحاب لا وجه له في مقابل الإطلاق، و ما ذكر في الحديث إنما هو من باب المثال لا التقييد.

نعم، لو شك العرف في صدق الافتراق لا وجه حينئذ للتمسك بالإطلاق، و كونه من احدى طرق التفرق، و يشهد له قوله عليه السّلام في بعض الاخبار: «قام فمضى»۹.

لصدق الافتراق عرفا على ذلك كله فيشمله الإطلاق. و ما في صحيح الفضيل: «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما»۱۰، إما محمول على الغالب فلا وجه لتقييد المطلقات به أو المراد بالرضا بأصل البيع حين الإنشاء.

(مسألة ۱): يثبت هذا الخيار للوكيل المفوض إليه أمر العقد من كل جهة (٦) دون غيره (۷). و هل يثبت هذا الخيار للموكلين أيضا مع ثبوته‏ للوكيل المفوض، أو لمطلق الوكيل- لو قلنا به- مطلقا، أو لا يثبت مطلقا، أو يفصل بين حضورهما في محل العقد فيثبت و عدم الحضور فلا يثبت؟ أقوال ذهب إلى كل فريق، و يمكن تأييد الأخير (۸). و لو قلنا بعدم الخيار للوكيل و ثبوته للموكل فهل يجوز نقله إلى الوكيل و تفويضه إليه؟ وجهان (۹).

لأن المنساق من الأدلة إنه ثابت لكل من كان مسلطا على جميع شؤون العقد الشرعية إيجابا، و فسخا و تسليما و تسلّما، و المفروض انه كذلك فتشمله الأدلة قهرا.

نعم، لو كان المدار في ثبوته على كل من سمي بائعا و لو بعنوان الوكالة في العقد فقط يثبت للوكيل على العقد له أيضا.

و لكنه ممنوع: و يكفي الشك فيه في عدم شمول الإطلاق له.

لعدم مساعدة الأذهان العرفية عليه، و ما قيل في وجهه من أنه لا سلطة له على الفسخ حتى يشمله الدليل، و الدليل لا يثبت الموضوع و انما تكون سلطته على مجرد إنشاء العقد فقط فهو و الأجنبي بالنسبة إلى الفسخ و الخيار سواء، و كذا لو لم يكن مفوضا من كل جهة و إن كانت دائرة وكالته أوسع من الوكيل في مجرد إنشاء العقد فقط.

مخدوش: على ما يأتي تفصيله. و الشك في الثبوت يكفي في عدمه بعد عدم صحة التمسك بالإطلاق حينئذ، لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، كما مرّ.

و عن بعض مشايخنا قدس سرّه استظهار ثبوت الخيار للوكيل في مجرد العقد أيضا، و خلاصة ما قاله قدس سره في بحثه الشريف بتوضيح منا: إن محل الكلام ثبوت الخيار للوكيل في مقابل الموكل لا من حيث إنه طريق اليه حتى يقسم الوكيل إلى أقسام ثلاثة: المفوض إليه جميع شؤون العقد، و من هو الوكيل في مجرد الإنشاء، و من هو برزخ بينهما، و طريق استظهار ثبوته للوكيل من حيث هو أمور.

الأول‏: تعليق الخيار على صدق عنوان البيع عرفا، و لا ريب في صدقه على الوكيل كذلك، فيستفاد منه الملازمة العرفية بين السلطة الإنشائية البيعية فقط و السلطة الخيارية.

الثاني‏: لا ريب في صحة فعل الخيار للأجنبي مع انه لا سلطة له على شي‏ء من العقد و الرد، و الاسترداد، و طبع الخيار يقتضي كونه في جميع موارده و أقسامه واحد إلا مع دليل على الخلاف و هو مفقود، و حكم الأمثال في ما يجوز و ما لا يجوز واحد.

الثالث‏: إنشاء البيع صحيحا من الأمور التسبيبية القهرية لثبوت الخيار للمنشئ، فيكون ذلك من سنخ الأمور التوليدية على ما هو سياق قوله: «البيعان بالخيار». فالتفصيل بين أقسام الوكلاء كما يظهر عن جمع منهم شيخنا الأنصاري لا وجه له.

أقول: و هو كلام حسن و لا خدشة فيه إلا ما ذكروه لاختصاص الخيار بالمالك و الوكيل الذي يكون مفوضا، و هو أمور.

منها: التبادر، و الانصراف.

و فيه: ان البيّع مطلق من كان بيّعا بالحمل الشائع، و من يصدق ذلك عليه عرفا، و لا ريب في صحة الصدق على الوكيل في إجراء العقد أيضا، و الانصراف- لو فرض صحته- فهو بدوي.

و منها: إن الخيار في مقابل وجوب الوفاء بالعقد، و هو مختص بالمالك فلا بد من اختصاص الخيار به أيضا.

و فيه: إن الخيار ثابت لمن يكون اختيار إيجاد العقد بيده، و هذا يشمل الوكيل أيضا، و للعقد آثار يمكن التفكيك بينها حسب ما يقتضيه الدليل.

و منها: استظهار الاختصاص بالمالك من بعض الأخبار، كقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«إذا التاجران صدقا بورك لهما، فإذا كذبا و خانا لم يبارك لهما، و هما بالخيار ما لم يفترقا»۱۱ و ما ورد في خيار الحيوان المقرون بهذا الخيار، و خيار الحيوان مختص بالمالك فلا بد و أن يكون خيار المجلس أيضا كذلك لوحدة السياق.

و فيه: صدق التاجر على الوكيل أيضا، لأنه بمعنى من يبيع و يشتري.

نعم، لا بأس بدعوى الانصراف إلى المالك للغلبة و هو غير معتبر، كما ثبت في محله. و يصح إطلاق الصدق و الكذب بالنسبة إليه أيضا. مع إن الخبر مثبت، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «البيعان- الحديث-» مثبت أيضا، و لا تنافي بين المثبتين، كما هو معلوم. و أما وحدة السياق فليس هو دليل معتبر بعد ثبوت القرينة على اختصاص خيار الحيوان بالمالك.

و منها: إن حكمة جعل الخيار التروي و الإرفاق للمالك فلا تشمل الوكيل.

و فيه: ما هو المعلوم من إن الحكمة لا اطراد فيها، و ما يعتبر الاطراد فيه إنما هو العلة التامة المنحصرة فقط.

و منها: إن أدلة سائر الخيارات لا يشمل غير المالك فليكن المقام أيضا كذلك.

و فيه: إن عدم شمولها إنما هو لأجل الجهات الخارجية فالتفكيك بينهما من هذه الجهة.

و منها: ما أشرنا إليه من أن الخيار يثبت لمن يكون مسلطا على الرد و الاسترداد، و الوكيل في مجرد العقد بمعزل عن ذلك، و هذا أدق أدلتهم.

و فيه: أن الخيار فسخ العقد و حلّه فقط، و الرد و الاسترداد من اللوازم القهرية المنطبقة على من له أهلية ذلك شرعا، كان الفاسخ أهلا لهما أولا، علم بذلك أو لم يعلم.

و منها: إن ثبوت الخيار للوكيل يضاد سلطنة المالك، لأن بالفسخ يخرج المال عن ملكه بلا اختيار منه.

و فيه. أولا: إنه منقوض بفسخ المشتري بالنسبة إلى البائع و بالعكس.

و ثانيا: إنه بعد صحة الاستظهار من الدليل شمول الخيار للوكيل فلا بأس به لحكومته حينئذ على أصالة اللزوم. هذا و لكن الأذهان العرفية لا تساعد على ثبوت الخيار لغير الوكيل المفوّض، كما قلناه.

لأنهما الأصيل و الوكيل فرع لهما، و يصح نسبة البيع إليهما حقيقة بحسب العرف و الشرع، بل اللغة أيضا. و على هذا فاحتمال دخالة خصوص إنشاء العقد في ثبوت هذا الخيار ساقط فلا تصل النوبة إلى أصالة عدم الخيار بالنسبة إلى الموكلين، لصدق دليل ثبوت الخيار عليهما أيضا لكن بشرط اجتماعهما حال العقد و في محله سواء كان الاجتماع في حال الجلوس أو المشي أو القيام أو أية حالة كانت و على هذا فيمكن ثبوت هذا الخيار لأشخاص متعددة و مقتضى المتفاهم العرفي حينئذ انه لو تفرق أحد الموكلين عن الآخر يسقط خيارهما و بقي خيار الوكيلين و كذا العكس هذا بناء على انحلال حق الخيار بحسب الأشخاص. و أما لو قلنا انه حق واحد للمجموع من حيث المجموع أو انه من ثبوت طبيعي الخيار لطبيعي الأشخاص المغيّى بتحقق طبيعي الافتراق فيسقط الخيار مطلقا بافتراق واحد منهم و المتيقن هو الأخير و غيره يحتاج إلى دليل و هو مفقود و حيث أن هذه الفروع نادرة الابتلاء جدا فالتفصيل بأكثر من ذلك من تضييع الوقت.

مبنيان على انه قابل للنقل و الانتقال أولا أو يتعين الأول لو قلنا بأن كل حق قابل للنقل و الإسقاط إلا ما خرج بالدليل كما هو المرتكز في الأذهان العرفية.

(مسألة ۲): لا يثبت هذا الخيار للفضولي (۱۰).

الانصراف الدليل عنه و إن كان مقتضى الجمود على صدق البيع عليه عرفا هو الثبوت خصوصا بعد القول بثبوته للوكيل في مجرد إجراء الصيغة و القول بالكشف الحقيقي و يثبت للمالكين مع اجتماعهما حال صدور العقد من الفضولي. و احتمال ان الإجازة التزام بالعقد فلا وجه بعدها للخيار ساقط: لأنها ليست إلا كالإذن السابق.

نعم، لو كانت محفوفة بما يدل عليه عرفا لا وجه للخيار حينئذ.

(مسألة ۳): لو كان العاقد واحد لنفسه أو عن اثنين ولاية أو وكالة فلا خيار له (۱۱).و يمكن فرض الخيار في من ينعتق على أحد المتبايعين (۱۲).

لتقومه في ظاهر الدليل بالإثنينية، و إمكان الافتراق.

و الأول و ان أمكن فرضه اعتبارا.

و لكن الأخير لا يمكن ذلك فيه و حمله على الغالب غير ممكن في المقام، لفرض انه ذكر بعنوان القيدية و الحمل عليه يخرجه عن استفادة التعبدية كما لا يخفى.

و لكنه مخدوش: بأنه قيد في ظرف الإمكان لا مع عدمه و حينئذ فيسقط هذا بسائر المسقطات.

بدعوى ان متعلق الخيار إنما هو العقد بما هو طريق إلى استرجاع مالية العوضين لا إلى استرجاعهما من حيث العينية الشخصية فقط حتى لا يتصور مع وجود مانع عقلي أو شرعي عن رد العين.

و ما يقال من أنه لا وجه للخيار في المقام لأنه انما يكون فيما إذا كان البيع مقدمة للملكية لا لسلبها و البيع في المقام سبب لسلب الملكية فلا وجه للخيار.

مدفوع: بما مر من أن متعلق العقد انما هو طريق لاسترجاع المالية لا العينية الشخصية فما هو المسلوب غير ما هو الباقي فلا محذور لثبوت الخيار.

و أما ما يقال: من ان الفسخ يتوقف على رجوع العين إلى المالك الأصلي و لو تقديرا لتكون مضمونة له بالقيمة على من انتقل إليه فلا وجه للخيار من هذه الجهة.

فاسد: لأن الخيار انما هو باعتبار عود المالية و لا محذور فيه، مع أن عود الملكية التقديرية أيضا بلا محذور، فكما تكون الملكية التقديرية مصححا لأصل البيع فلتكن مصححا للخيار أيضا مع الانتقال إلى القيمة بعد ذلك و الضمان بها كما في صورة التلف.

و بما قلناه يمكن تصحيح الخيار في العبد المسلم المشترى من الكافر أيضا، مع ان المنساق من نفى السبيل للكافر على المسلم انما هو السبيل الثابت المستقر الذي يجبر على بيعه ثانيا و على هذا فيصح استرجاع العين حقيقة أيضا مع إجباره على فك الملك، و كذا فيما إذا كان المبيع مما لم يكن له بقاء فإنه يصح أيضا باعتبار رد المالية مع فرض عدم إمكان رد العين.

(مسألة ٤): لا يثبت خيار المجلس في شي‏ء من العقود سوى البيع (۱۳)، بجميع أقسامه حتى بيع الصرف و السلم أيضا (۱٤).

للإجماع، و الأصل، و ظواهر الأدلة.

لعموم الدليل و إطلاقه من غير ما يصلح التقييد و التخصيص، إلا دعوى انه مع كون القبض شرطا للزوم يكون العقد جائزا قبله فلا وجه للخيار حينئذ.

و لكنه مدفوع بأنه مهما كان يفرض الخيار أثر شرعي ثبوتا يشمله الدليل إثباتا و يصح فرض الأثر في المقام كالإسقاط و الصلح و نحو ذلك. و على فرض كونه شرطا للصحة، فيصح الخيار أيضا، لأن هذه الصحة صحة اقتضائية يصح جعل الخيار في موردها، و مع عدم القبض ينتفي أصل موضوع الخيار.

(مسألة ٥): مبدأ هذا الخيار من حين العقد (۱٥).

لأنه المنساق من الأدلة عرفا.

(مسألة ٦): يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في العقد (۱٦).و يسقط أيضا بإسقاطه بعد العقد (۱۷).

للإجماع، و أدلة الوفاء بالشرط، و صحيح مالك بن عطية عن سليمان ابن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل كان له أب مملوك و كانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدت بعض ما عليها فقال لها ابن العبد: هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتى تؤدي ما عليك بشرط أن لا يكون ذلك الخيار على أبي إذا أنت ملكت نفسك؟ قالت: نعم، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون الخيار عليه بعد ذلك. قال عليه السّلام: لا يكون لها الخيار، المسلمون عند شروطهم»۱۲. و إطلاقه شامل لجميع الخيارات و إن كان مورده خيارا خاصا.

و أشكل عليه. أولا: بأن لزوم الشرط متوقف على لزوم العقد، فلو توقف لزوم العقد عليه فهو دور باطل.

و ثانيا: بأن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد فهو فاسد.

و ثالثا: بأنه من إسقاط ما لم يجب، لأن الخيار لا يتحقق إلا بعد تمامية العقد فلا خيار قبلها حتى يسقط بالشرط.

و الكل باطل. أما الأول‏: فلتعدد جهة التوقف، لأن لزوم العقد متوقف على الشرط و لزومه متوقف على أدلة وجوب الوفاء بالشرط، أو أن لزوم البيع فعلا متوقف على لزوم الشرط، و لزوم الشرط متوقف على اللزوم الاقتضائي للبيع فبأي وجه أمكن التفكيك بين الجهتين يرتفع الدور من البين.

و أما الثاني‏: فلأنه مخالف لإطلاقه فلا بأس به لا لمقتضى ذاته حتى يكون باطلا.

نعم، لو شرط عدم خيار المجلس في ذات البيع من حيث هو و كان ذلك بعنوان التشريع كان مخالفا له و المفروض عدمه و يأتي في الشروط بعض الكلام.

و أما الأخير ففيه. أولا: أنه يكفي اقتضاء الوجوب في صحة الإسقاط.

و ثانيا: انه ان كان المراد إسقاطه في أثناء العقد قبل تمامه فالإشكال وارد و أما ان كان المراد إسقاطه بعد تمام العقد و ثبوت الخيار فلا معنى لكونه مما لم يجب لفرض ثبوت الخيار حينئذ.

ثمَّ انه لا فرق بين أن يكون هذا الشرط بنحو شرط النتيجة أو شرط الفعل بأن لا يفسخ العقد أو بأن يسقط.

و الكل صحيح لا بأس به و في الأول يسقط حق الخيار رأسا، و أما في الأخيرين لو فسخ فلا ريب في الإثم و مقتضى المتعارف عدم تأثير الفسخ، لأنهم يرون مقتضى هذا الشرط سقوط أصل الحق أيضا.

للإجماع، و لأن لكل ذي حق إسقاط حقه، و لفحوى التعليل الوارد في الخيار بالتصرف و ذلك: «رضى منه»۱۳ و لا ريب في كشف الاسقاط عن الرضا.

(مسألة ۷): لو قال أحدهما لصاحبه اختر فإن ملّك حق خياره إليه يسقط خياره و ان فوّض إعمال خياره إليه لا يسقط إلا بأعمال المفوض إليه و إن أراد استكشاف رأيه و نظره فالخيار باق ما لم يسقط بمسقط (۱۸).

أما الأول: فلفرض أنه نقل حقه الخياري إلى صاحبه فيسقط خياره لا محالة.

و أما الثاني: فلأنه فوّض حق إعمال خياره إلى صاحبه فما لم يعمل لا يسقط، للأصل.

و أما الأخير: فلأنه من مجرد استظهار نظر صاحبه و رأيه فلا يسقط الخيار إلا بتحقق إحدى المسقطات من افتراق أو نحوه.

ثمَّ ان أصل هذا الفرع وقع منهم تبعا للنبوي: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر»۱4 و حيث انه قاصر سندا و مجمل دلالة فلا بد من تطبيق الحكم على القاعدة و مقتضاها ما ذكر.

(مسألة ۸): لو أسقط أحدهما خياره لا يسقط خيار الآخر (۱۹)، و لو أجاز أحدهما و فسخ الآخر ينفسخ العقد (۲۰).

للأصل بعد عدم التلازم بين سقوطه و سقوط الآخر بوجه من الوجوه.

لبقاء جواز العقد بعد فيصح لمن له حق الفسخ أعمال حقه.

(مسألة ۹): لو شرط سقوط الخيار في بعض المدة دون بعضه- أولا أو آخرا أو وسطا- يصح الشرط (۲۱) فيثبت في غير مورد السقوط مطلقا (۲۲).

لإطلاقات أدلة الشروط.

لعموم دليل الخيار المنحل إلى جميع ما يمكن أن ينطبق عليه.

(مسألة ۱۰): لو اختلفا في تحقق الافتراق و عدمه يقدم قول منكره (۲۳)، و لو افترقا و اختلفا في الفسخ قبله يقدم قول منكره أيضا (۲٤)، و لو اتفقا على الفسخ و اختلفا في أنه قبل الافتراق أو بعده يبقى ملكية كل منهما على ما انتقل إليه (۲٥).

للأصل ما لم تكن امارة على خلافه.

لأصالة عدم تحقق الفسخ.

لأصالة بقاء الملكية بعد سقوط أصالة عدم الفسخ قبل الافتراق مع أصالة عدمه بعده بالمعارضة.

(مسألة ۱۱): لو أكرها على عدم التفرق، فالخيار باق ما بقيا (۲٦).

لفرض بقاء الموضوع، و يسقط بناء على المشهور لحكمهم بشمول أدلة الإكراه للمقام نفيا و إثباتا، و يأتي ما فيه.

(مسألة ۱۲): لو أكرها على التفرق و منعا عن التخاير يسقط الخيار فضلا عما إذا لم يمنعا عنه (۲۷).

لإطلاق قوله عليه السّلام: «حتى يفترقا»۱٥ الشامل لهذا النحو من الافتراق أيضا. و نسب إلى المعروف بين الأصحاب عدم السقوط، و استدل عليه.

تارة: بأن المنساق من قوله عليه السّلام: «حتى يفترقا» انما هو الاختيار فلا يشمل الإكراه و الإجبار.

و أخرى: بظهور الأدلة فيما إذا كان الافتراق كاشفا عن الرضا بالعقد و لا كشف كذلك في الافتراق الإكراهي و الإجباري.

و ثالثة: بحديث الرفع.

و رابعة: بالإجماع المنقول.

و خامسة: بصحيح فضيل: «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما»۱٦.

و الكل مخدوش. أما الأول: فلأنه لا يعتبر في نسبة الفعل إلى الفاعل إلا قيامه به أو صدوره منه و لا يعتبر فيه كونه على وجه القصد و الشعور فضلا عن كونه على وجه الاختيار في مقابل الإكراه فالأفعال.

منها: ما يعتبر فيه القصد، كالصلاة، و الصوم، و الحج، و نحوها.

و منها: ما يتقوم بعدم القصد كالسهو و النسيان و الغفلة.

و منها: ما يتقوم بالاضطرار كالسقوط و العثرة و نحوهما فالاختلاف إنما هو من ناحية المادة، و لا دليل من عقل أو نقل على اعتبار الاختيار فيها لا من ناحية المادة. بنحو الكلية و لا من ناحية الهيئة كذلك.

و أما الثاني: فليس إلا مجرد الادعاء فأي منشأ لهذا الظهور هل الوضع أو الانصراف أو شي‏ء آخر؟ و الكل مفقود كما هو معلوم.

و أما الثالث: ففيه. أولا: انه من التوليديات التي لا معنى لجريان حديث الرفع فيه فهو مثل حدوث الحدث بالنسبة إلى بطلان الطهارة الحدثية و عروض الخبث بالنسبة إلى الطهارة الخبثية.

و ثانيا: ان حديث الرفع بالنسبة إلى الإكراه و النسيان و الاضطرار على حد سواء و لا يقولون ببقاء الخيار في الأخيرين مع جريان الحديث فيهما أيضا و عدم فارق عرفي في البين و إن أمكن تصويره بالدقة العقلية التي ليست مناط الأحكام.

و ثالثا: ان الافتراق غاية الخيار و لا فرق في حصول الغاية بين الإكراه و الاختيار، كما إذا ورد مثلا تجب نفقة الزوجة حتى تموت فماتت بالإكراه أو الاضطرار أو نحوهما فالمناط في بقاء الخيار بقاء الهيئة الاجتماعية فمع زوالها لا خيار تكوينا.

و ما عن بعض مشايخنا من أن كل ما كان وضعه تحت سلطة الشارع يكون رفعه أيضا كذلك صحيح لو لم يكن المورد نظير التوليديات و التكوينيات و إلا فلا معنى لشمول الحديث له و قد استدركه بقوله رحمه اللّه: «ان مقام السبب و الغاية غير مقتض للاختيارية المقابلة للاضطرار كما في التكاليف حتى يرفع بالاضطرار بقوله عليه السّلام: «ما اضطروا إليه» و لا مقتض لاعتبار الطيب و الرضا كالمعاملات حتى يرفع آثارها بعروض الإكراه».

و أما الرابع: فعهدة إثباته على مدعيه كما لا يخفى على من راجع المطولات مع قوة احتمال كونه مدركيا.

و أما الخامس: ففيه. أولا: احتمال أن يكون المراد به الرضا بأصل البيع الذي صدر أولا.

و ثانيا: انه معارض بإطلاق قوله عليه السّلام: «فمشيت خطا ليجب البيع»۱۷، فإن إطلاقه يشمل صورة الإكراه أيضا بعد ما مر من عدم دليل على اعتبار الاختيار في الأفعال إلا ما دلت مادتها عليه بالقرائن المعتبرة.

(مسألة ۱۳): يحصل الافتراق بحركة كل منهما إلى طرف، و بحركة أحدهما و بقاء الآخر في محله (۲۸).

لأن الافتراق من المتضايفين المتقوم بالطرفين و هو عبارة عن زوال هيئة الاجتماع و يحصل الزوال وجدانا بحركة كل منهما أو أحدهما مع بقاء الآخر هذا إذا لوحظ الافتراق بنحو اسم المصدر أي حصول الفرقة كما هو المطلوب في المقام.

و أما إذا لوحظ بنحو المصدر أي: حدوث فعل عرفي فالتفرق حاصل قهرا و لكن فعل التفرقة حصل من المتحرك و ان جعلنا متعلق الحدوث أعم من‏ الفعل العرفي و الدقي العقلي أي إرادة السكون و عدم الحركة، فهو حاصل من الساكن أيضا فقد صدر من كل منهما الفعل و لكن العرف لا يساعد على صدور الفعل بالنسبة إلى الساكن و عليه تنزل الأحكام الشرعية، و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات فراجع المطولات.

(مسألة ۱٤): لو أكره أحدهما على التفرق و منع عن التخاير و بقي الآخر في المجلس و منع من المصاحبة و التخاير يسقط الخيار (۲۹)، و كذا إن لم يمنع من المصاحبة (۳۰)، و مثله ما إذا أكره أحدهما على البقاء ممنوعا عن التخاير و فارق الآخر اختيارا (۳۱).

لتحقق الافتراق الموجب للسقوط، و قد مر ان الافتراق يوجب السقوط بأي وجه تحقق و لكن بناء على المعروف من أنه لا أثر للافتراق عن إكراه يكون حكم هذه الصورة كما مر في المسألة السابقة في عدم السقوط عندهم و تقدم ما فيه فراجع.

لصدق تحقق الافتراق عرفا، و قد ذكرنا مرارا إنه يوجب السقوط بأي وجه تحقق.

و لكن في المسألة أقوال أربعة.

الأول‏: سقوط خيارهما كما نسب إلى جمع منهم المحقق و الشهيد قدس سرّه و الحق معهم، لأن المنساق من الأدلة أن صرف الوجود من الافتراق يسقط الخيار على الإطلاق.

الثاني‏: ثبوت الخيار لهما، لأن الافتراق عن اكراه لا أثر له في الإسقاط و المفروض عدم مسقط آخر في البين فلا بد من الثبوت.

و فيه: ما مرّ مرارا من عدم الفرق بين الإكراهي منه و غيره بعد تعلق الحكم على صرف وجوده بأي نحو تحقق.

الثالث‏: سقوط الخيار بالنسبة إلى المختار خاصة، لصدق أن التفرق حصل منه باختياره و يبقى بالنسبة إلى المكره، لما مر من الأدلة الدالة على انه لا أثر للتفرق عن إكراه.

و فيه. أولا: إنه مبني على انحلال حق الخيار بالنسبة إلى الطرفين حتى في جهة التفرق أيضا.

و ثانيا: يبتني على انه لا أثر للتفرق عن اكراه، و تقدم بطلانه و إذا بطل المبنى و لو من جهة واحدة سقط البناء.

الرابع‏: التفصيل بين بقاء المختار في المجلس فالثبوت لهما.

بدعوى: أن مجموع التفرّقين من حيث المجموع القائم بتفرق المجموع غاية لكل من الخيارين فاللازم بعد التخصيص بالاختياري عدم سقوط واحد من الخيارين.

و فيه. أولا: أن كون مجموع التفرقين غاية لكل من الخيارين من مجرد الاحتمال و الدعوى لأن المحتملات في التفرق أربعة:

منها: كونه ملحوظا بنحو العام الانحلالي فلكل واحد منهما خيار مستقل لا ربط له بالآخر ثبوتا و سقوطا.

و منها: كونه بنحو العام المجموعي.

و منها: كونه بنحو صرف الوجود.

و منها: كونه بنحو المردد من حيث الترديد، و الأخير باطل، لعدم وجود المردّد من حيث الترديد لا ذهنا و لا خارجا و كونه بنحو صرف الوجود معلوم قطعا و إثبات غيره يحتاج إلى دليل و هو مفقود و تطويل المقال بأكثر من ذلك مما لا يسعه المجال و من أراد التفصيل فليراجع حاشية شيخنا الأستاذ المحقق الغروي قدس سرّه فإنه أدى المطلب حقه جزاه اللّه تعالى عن الفقه و الفقهاء خيرا.

لجريان جميع ما تقدم فيه أيضا حرفا بحرف فلا وجه للتكرار و الإعادة.

(مسألة ۱٥): لو افترقا عن اكراه ثمَّ زال الإكراه فالخيار باق ما لم‏ يسقط بإحدى المسقطات (۳۲).

للأصل و الإطلاق بعد عدم الحكم للافتراق الحاصل عن الإكراه على المعروف، و أما بناء على ما قلناه من السقوط بمطلق الافتراق و لو كان عن اكراه فلا موضوع لهذه المسألة.

(مسألة ۱٦): يسقط هذا الخيار بالتصرف الكاشف عن الالتزام بالبيع (۳۳).

لأنه من المسقط الفعلي عرفا فلا وجه بعد ذلك لبقاء الخيار. إذ المسقط على قسمين قولي و فعلي هذا إذا أحرز كشفه عن الالتزام بالبيع. و أما مع عدم الكشف فالأصل بقاء الخيار فضلا عن الكشف عن العدم، فيمكن أن يجعل النزاع في السقوط بالتصرف و عدمه صغرويا فمن قال بالسقوط به أي فيما إذا كشف عن الالتزام بالبيع و من قال بعدمه أي في غير هذه الصورة.

(مسألة ۱۷): لو شرط بقاء خيار المجلس بعد الافتراق أيضا يمكن القول بالصحة (۳٤).

بدعوى ان هذا الشرط مخالف لإطلاق دليل خيار المجلس فلا يكون من الشرط المخالف للسنة حتى يكون باطلا كما مر في اشتراط أصل سقوطه، و مع الشك فالمرجع أصالة عدم المخالفة كما يأتي في محله ان شاء اللّه تعالى.

و مع المخالفة أيضا يمكن أن يقال ببقاء الخيار، لأن الشرط ينحل إلى أمرين شرط الخيار و كونه خيار المجلس و بطلان الثاني لا يستلزم بطلان الأصل.

نعم، لو كان بنحو التقييد الدقي الحقيقي يبطل مع إحراز المخالفة و هو أول الكلام.

ثمَّ انه قد يقال بعدم ثبوت خيار المجلس فيما إذا اشترى الشخص من‏ ينعتق عليه، و فيما إذا اشترى العبد المسلم من الكافر، و فيما إذا اشترى العبد المأذون نفسه من مولاه، و فيما إذا لم يكن المبيع قابلا للبقاء كما إذا كان المبيع جمدا في الصيف في شدة الحر.

أما الأول: فلعدم صحة رجوع الحر عبدا و صيرورته مملوكا لمولاه الأول بعد الحرية و ثبوت الخيار يستلزم ذلك. أي: يصير العبد الذي صار حرا رقا ثانيا و إلا فصيرورة الحر الأصلي رقا لا محذور فيه كما في استرقاق الحر مثلا.

و فيه: ان الخيار انما هو بالنسبة إلى رجوع العين مع الإمكان و رجوع المالية و القيمة مع عدم الإمكان فالخيار ثابت في المقام باعتبار أصل المالية و هي متحققة في القيمة.

و أما الثاني: فهو مبني على كون رجوع العبد المسلم إلى ملك الكافر مع حجره عن الاستيلاء عليه و جبره على البيع مع إسقاط الخيار مثلا سبيلا للكافر على المسلم و هو أول الدعوى و أصل المدعي و حينئذ فعموم دليل خيار المجلس محكم.

و أما الثالث: فوجه عدم الخيار انصراف دليله إلى ما إذا كان البائع و المشتري متعددا وجودا فقالوا انه لا يجري في المقام لهذه الجهة.

و فيه: ان الانصراف انما هو من باب الغالب فلا اعتبار به و يكفي التعدد الاعتباري العنواني كما في سائر الموارد و في المقام يكون الخيار بالنسبة إلى القيمة لو اشترى نفسه و صار حرا.

و أما الأخير: فلا دليل عليه إلا دعوى الانصراف.

و هو مخدوش كما تقدم.

و فيه: انه مع البقاء يكون الخيار في رد العين و مع التلف في رد القيمة فثبوت الخيار في جميع تلك الموارد الأربعة مطابق للعموم و الإطلاق مع عدم محذور في البين، و حيث ان هذه المسائل نادرة الابتلاء فلا وجه للتفصيل بأكثر من ذلك.

الثاني: خيار الحيوان (۳٥) فمن اشترى حيوانا- إنسانا أو غيره- يثبت له الخيار إلى ثلاثة أيام (۳٦).

إجماعا في الجملة، و نصوصا تأتي الإشارة إليها.

على المشهور المدعي عليه الإجماع. و لنصوص مستفيضة منها قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري»۱۸، و صحيح فضيل عن الصادق عليه السّلام: «قلت له ما الشرط في الحيوان؟ قال عليه السّلام: ثلاثة أيام للمشتري»۱۹، و صحيح ابن رئاب‏۲۰، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار، للمشتري أو للبائع أولهما كلاهما؟ فقال: الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء»، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري و هو بالخيار فيها إن شرط أو لم يشترط»۲۱، إلى غير ذلك من الأخبار التي ذكر فيها لفظ «المشتري».

(مسألة ۱): يثبت هذا الخيار في كل حيوان يطلب حياته حتى مثل الزنبور، و السمك، و العلق، و دود القز (۳۷) و أما ما لا يطلب منه الحياة كالسمك المخرج من الماء، و الجراد المحرز في الإناء، و الصيد المشرف على الموت و الفناء فليس فيها خيار الحيوان (۳۸).

لإطلاق النص و الفتوى الشامل الجميع.

لانصراف أدلة خيار الحيوان عن مثلها بل و مع الشك في المشمول لا يصح التمسك بها، لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه فيكون المرجع أصالة اللزوم، و استصحاب خيار المجلس لا يثبت مطلق الخيار كما هو واضح، لأنه يثبت الخيار من جهة خاصة مغيى بالافتراق لا من كل جهة.

(مسألة ۲): يختص هذا الخيار ببيع الحيوان الشخصي فلا يجري في الكلي (۳۹).

لأن المتعارف في بيع الحيوان في جميع الأزمنة و الأمكنة هو الشخصي منه و لم نعهد و لا سمعناه و لا رأينا في مورد بيع الكلي منه و الأدلة منزلة على المتعارف و هذه قرينة على تقييد الإطلاقات و تخصيص العمومات فتجري أصالة اللزوم في مورد الشك.

و أما ما يقال: في وجه الاختصاص بالشخصي من أن الحكمة فيه انما هو النظر و التأمل في خصوصيات الحيوان و هو مختص بالشخصي و لا يشمل الكلي.

أو يقال: في وجه التعميم من أن ذكره في سياق خيار المجلس‏۲۲، يدل عليه لعدم اختصاص خيار المجلس بالعين الشخصي بل يجري في الكلي أيضا فلا بد و ان يكون خيار الحيوان أيضا كذلك.

مخدوش: لأن الحكمة لا اطراد فيها كما هو المعلوم و وحدة السياق شاهد لو لم تكن على الخلاف، و المتعارف المعتاد من القرينة عليه.

(مسألة ۳): يثبت هذا الخيار للبائع إذا كان الثمن هو الحيوان (٤۰).

الأقوال في هذه المسألة ثلاثة.

أحدها: ما نسب إلى المشهور من اختصاص خيار الحيوان بالمشتري سواء كان الثمن أيضا حيوانا أو لا، لما تقدم من الأخبار الظاهرة في ذلك.

ثانيها: ثبوته لكل من البائع و المشتري نسب ذلك إلى السيد المرتضى رحمه اللّه، لصحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا»۲۳.

ثالثها: اختصاص الخيار بمن انتقل اليه الحيوان ثمنا كان أو مثمنا لقول أبي جعفر عليه السّلام: «صاحب الحيوان ثلاث»۲4، بناء على أن المراد الصاحب الفعلي دون الأصلي، إذ لا يمكن أن يكون الخيار للمنتقل عنه دون المنقل إليه إجماعا.

و البحث في المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى‏: بحسب الأدلة الخاصة.

و ثالثة: بحسب الكلمات.

أما الأولى: فالمرجع عند الشك في الخيار مطلقا هو أصالة اللزوم التي أثبتناها بالأصل اللفظي و العملي بل جعلناها من الأصول النظامية العقلائية و لا وجه لاستصحاب بقاء خيار المجلس لاختلاف أنواع الخيار عرفا و شرعا فباستصحاب أحدها لا يثبت الآخر فيكون مثل ما إذا استصحب بقاء الإنسان في‏ الدار لإثبات بقاء الفرس فيها و هو باطل بلا اشكال.

و كذا ليس لنا التمسك بعدم الخيار بعد التفرق بقوله عليه السّلام، «فاذا افترقا وجب البيع»۲٥، لأن هذا الوجوب من جهة واحدة لا من جميع الجهات كما هو معلوم.

نعم، لو أريد إثبات ذات الخيار بلا عنوان أبدا لصح التمسك بالاستصحاب حينئذ و قد فصل ذلك في الأصول.

أما الثانية: فمجموع الأخبار أقسام أربعة.

منها: خمسة أخبار مشتملة على لفظ «للمشتري» كصحيحي الحلبي و صحيح فضيل و صحيحي ابن أسباط۲٦ و ابن رئاب‏۲۷، و عن ابن رئاب في صحيح آخر عبر بلفظ: «الخيار لمن اشترى»۲۸، فيصير المجموع ستة أخبار ظاهرة في الاختصاص بالمشتري، لما ثبت في محله من ظهور كلمة «اللام» في الاختصاص و يظهر ذلك من موارد استعمالاتها في القرآن الكريم و سائر الكلمات الفصيحة فيكون لفظ «للمشتري» ظاهرا ظهورا عرفيا محاوريا في الاختصاص بالمشتري و لا يصرف عنه إلا بدليل أقوى على الخلاف غير قابل للحمل على وجه صحيح.

و منها: صحيح ابن مسلم عن الصادق عليه السّلام: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا»۲۹.

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سمعته يقول: قال‏ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله البيعان بالخيار و صاحب الحيوان ثلاث»۳۰، و مثله صحيح ابن مسلم‏۳۱.

و منها: قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام في خبر ابن فضال: «صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام»۳۲، بناء على قراءة المشترى بالبناء على المفعول و كون المراد الصاحب السابق على البيع.

و أما بناء على قراءته بالبناء على الفاعل فيكون من القسم الأول.

و أشكل على ذلك.

تارة: بأنه من مفهوم اللقب أو الوصف غير المعتمد على الموصوف و لا مفهوم لهما كما ثبت في محله.

و أخرى‏: بأن مجموع الأخبار ليس من التعارض في شي‏ء حتى يقدم بعضها على بعض.

و ثالثة: بأن قوله عليه السّلام: «للمشتري» بمنزلة الغاية يعني أن لأجل المشتري جعل الخيار لكل منهما.

و رابعة: بإجماع الانتصار على التعميم فلا وجه للاختصاص بالمشتري.

و خامسة: بأن ذكر المشتري من الغالب و لا أثر للقيد الغالبي.

و الكل باطل.

أما الأول‏: فلا نتمسك بالمفهوم أبدا لا لقبه و لا وصفه، بل نتمسك بظهور اللفظ على ما قلنا.

و أما الثاني‏: فإنا نقول ان الأخبار المتقدمة مع الأخبار المشتملة على قوله عليه السّلام: «للمشتري» من قبيل النص و الظاهر، أو الأظهر و الظاهر و لا ريب في تقديم النص على الظاهر و الأظهر عليه فقوله عليه السّلام: «للمشتري» اما نص أو أظهر فلا بد من رفع اليد عن ظاهر سائر الأخبار و حملها على ما يصح الحمل‏ و أما الثالث‏: فهو ثبوتا احتمال حسن و لكنه خلاف الظاهر و يحتاج إلى دليل يدل عليه.

و أما الرابع‏: فلا ريب في سقوطه لفتوى أعاظم المتقدمين و المتأخرين على خلافه.

و أما الخامس‏: فهو من مجرد الادعاء بل لا دليل يدل عليه فما هو المشهور هو المتعين.

و أما الثالثة: أي البحث في المسألة من حيث الكلمات فالحق عدم إجماع معتبر في البين لا على الاختصاص بالمشتري و لا على التعميم.

نعم، نسب إلى الشهرة القدمائية الاختصاص، و عن السيد و جمع من المتأخرين منهم الشهيد الثاني التعميم و من تتبع الكلمات في المطولات يجد ان المسألة اجتهادية لا أن تكون قد ظفر قد ماؤنا على ما لم نظفر عليه.

(مسألة ٤): مبدأ هذا الخيار من حين العقد (٤۱) إلى انقضاء ثلاثة عليه.أيام و الليلتان المتوسطتان داخلتان (٤۲).

لأنه المتفاهم من الأدلة عرفا، و نسب إلى ابن زهرة انه من حين التفرق، و إلى الشيخ و الحلي في خيار الشرط المتحد مع هذا الخيار بحسب أدلتهم.

و استدل على ذلك.

تارة: بأن الخيار إنما يثبت فيما إذا لزم العقد و لا لزوم قبل التفرق.

و أخرى‏: بأصالة عدم ارتفاعه بانقضاء الثلاثة من حين العقد، و أصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس.

و ثالثة: بلزوم اجتماع السببين على سبب واحد ان قلنا بأنه من حين العقد.

و رابعة: بأن تلف الحيوان في الثلاثة من البائع لما يأتي من ان التلف في‏ زمن الخيار ممن لا خيار له، مع ان التلف في الخيار المشترك من المشتري و خيار المجلس مشترك بينهما فيلزم أن يكون تلف الحيوان فيه من المشتري و هو خلاف إطلاق قولهم: «ان تلف الحيوان في الثلاثة من البائع» فيجب أن يقيد الثلاثة ببعد التفرق هذه أدلتهم قدس سرّه.

و الكل مخدوش.

أما الأول‏: فيكفي في اللزوم المعتبر في صحة الخيار اللزوم الاقتضائي و الجهتي لا اللزوم من كل حيثية و جهة مطلقا، مع إنا قد أسلفنا صحة الخيار في العقود الجائزة.

و أما الثاني‏: فلا ريب في ان الأصلين لا مورد لهما مع إطلاق الدليل- حكومة أو ورودا.

و أما الثالث‏: فلا بأس به إن كان الاجتماع من جهتين في التكوينيات فضلا عن الاعتباريات.

و أما الأخير: فبأنه محمول على الغالب من كون التلف بعد التفرق عن المجلس، مع أن كون التلف في الخيار المشترك من المشتري قابل التخصيص بما دل على أن التلف في الثلاثة من البائع لانفساخ البيع و رجوع المبيع إلى البائع و التلف في ملكه لقوة أدلة ما دل على أن تلف الحيوان في الثلاثة من البائع.

لأن اليوم و إن كان عبارة عن بياض النهار لغة و عرفا و شرعا و الليل خارج عن مفهومه لكنه قد يلحق باليوم ابتداء أو انتهاء أو في الأثناء لجهات خارجية تقتضي الإلحاق و من تلك الجهات في المقام حيثية الاستمرار المستفاد من الأدلة الظاهرة في ان الخيار مستمر من حين صدور العقد إلى انقضاء هذا المقدار من الزمان.

و منه يظهر صحة التلفيق أيضا من جهة ظهور استفادة الاستمرار الزماني من مثل هذه التعبيرات كما مر في أيام الحيض و الإقامة و يأتي في العدد.

و يمكن أن يجعل هذا النزاع لفظيا فمن استظهر من الأدلة الاستمرار و لو بالقرائن لا بد له من الحكم بدخول الليل و صحة التلفيق. و من جمد على خصوص بياض اليوم لا بد له من القول بالإلحاق الحكمي و لكنه من الجمود بلا وجه كما لا يخفى على الأذواق السليمة فما أفرط في الجواهر من أن الدخول حكمي لا موضوعي جمودا على بياض اليوم و يا ليته تعدي الى الاستمرار الذي هو من سنخ اللوازم العرفية لمثل هذه التعبيرات.

(مسألة ٥): يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في العقد و إسقاطه بعده (٤۳)، و يسقط أيضا بتصرف المشتري في الحيوان تصرفا يكشف عن الالتزام بالبيع (٤٤).

لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشرط و تقدم التفصيل في خيار المجلس فراجع.

للإجماع، و النصوص، و بناء العقلاء حيث لا يفرقون في إسقاط الخيار بين القولي منه و الفعلي، و الفعل الذي يكشف عن الالتزام بالبيع التزام فعلي و هو معتبر كالقولي منه، و في صحيح ابن رئاب: «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه فلا شرط، قيل له: و ما الحدث؟ قال عليه السّلام: ان لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء»۳۳، و في صحيح الصفار: «إذا أحدث فيها حدثا فقد و جب الشراء ان شاء اللّه»۳4 و لفظ التصرف لم يرد في خبر من الأخبار، و ما ورد فيها إنما: «أحدث فيها» و لا بد من تحليل هذا اللفظ بحسب العرف ثمَّ الحكم على طبقه فنقول إحداث الحدث يحتمل فيه وجوه.

الأول‏: احداث مطلق الحدث بالدقة العقلية كمطلق وضع اليد و النظر و نحوه.

و بعبارة أخرى: أي فعل ما كان مسبوقا بالعدم بمطلق معنى الفعلية عمدا كان أو سهوا، أو اختيارا، أو كرها، أو اضطرارا. و هذا المعنى مقطوع بفساده و إلا لكان أصل تشريع الخيار لغوا.

الثاني‏: الأحداث المتعارفة العرفية مع عدم الالتفات إلى مالكيته الجديدة الفعلية أما بناء عليه أو لأجل الغفلة و نحوها، و مقتضى استصحاب بقاء الخيار عدم سقوطه بمثل هذه الأحداث بعد الشك في شمول الدليل له و إباء العرف عن الحكم بكون مثل هذه التصرفات مسقطا مطلقا.

الثالث‏: الأحداث المتعارفة مع البناء على كونه في ملكه الجديد و تصرفا فيه كما في سائر أملاكه فينظر إلى الجارية كنظره إلى سائر جواريه، و يأخذ حافر الدابة لإصلاح ملكه و ماله، و كذا في نعلها و ركوبها و نحو ذلك مما هو شائع بين أرباب الدواب و العرف يحكم بأن هذا التزام بالبيع و هذا هو المتيقن من الأدلة الشرعية أيضا.

الرابع‏: أن يشك انه من القسم الثاني أو الثالث و مقتضى الأصل بقاء الخيار.

الخامس‏: أن يكون مطلق التصرف مسقطا تعبديا سواء كان بعنوان الرضا و الالتزام بالبيع أولا.

و فيه: ان مقتضى الأصل عدمه مع كونه خلاف سياق الأخبار فإن معنى إحداث الحدث إحداث عمل جديد لم يكن له ذلك قبل العقد بل لا بد و ان يكون من تصرف الملاك في أملاكهم و الانتفاع بملكهم كما في قوله عليه السّلام: «أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء»۳٥، و قوله: «ركب ظهرها فراسخ» و كذا النعل و أخذ الحافر أيضا، إذ الناس لا يقدمون عليها إلا بعد الرضا بالبيع‏ و الالتزام به فيكون ذلك نحوا من تنظيم ملكهم الجديد و تنظيفه و الاهتمام و الاعتناء به.

ثمَّ ان الشك في كون مطلق التصرف مسقطا يكفي في عدم السقوط كما مر و قد تعرض شيخنا الأنصاري رحمه اللّه لبيان ان التصرف هل يعتبر من حيث الكشف الشخصي أو النوعي و على كل منهما هل هو من حيث الالتزام بالبيع أو من حيث الرضا به و فصل القول في ذلك، و عن بعض مشايخنا قدس سرّه تفصيل القول في تعليقته الشريفة و الظاهر سقوط ذلك كله، لأنه بعد كون الموضوع عرفيا لا بد من الرجوع إليه في تشخيصه و إذا راجعنا وجداننا و المتعارف بين الناس نرى انه معتبر من حيث الظهور النوعي عن الالتزام بالبيع فيكون معتبرا كسائر الظواهر القولية و الفعلية فلا موضوعية في التصرف بوجه و إنما هو طريق لحصول ما يعتبر في لزوم البيع عند الناس من صدق الالتزام به عرفا.

ثمَّ ان شيخنا الأنصاري رحمه اللّه أحتمل في قوله عليه السّلام: «فذلك رضا منه»۳٦، المذكور في صحيح ابن رئاب وجوها أربعة.

الأول‏: كونه جوابا لقوله عليه السّلام: «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام» فيكون حكما شرعيا تعبديا.

الثاني‏: كونه حكمة للحكم الثابت.

الثالث‏: كونه علة بحسب النوع.

الرابع‏: كونه علة شخصية لا نوعية و لا من الحكمة.

و فيه: أولا: أن الوجوه أكثر من ذلك، إذ يمكن أن يكون قوله عليه السّلام: «فذلك رضا منه» توطئة للجواب لا أن يكون نفسه فيصير المعنى فذلك رضا لا خيار له، كما في قولك إذا جاءك زيد فهو عالم أكرمه، و على فرض كونه توطئة يتصور فيه وجوه أيضا الحكمة و العلية النوعية و الشخصية.

و ثانيا: أن هذه الوجوه لا بأس بها بحسب مقام الثبوت و الدقة العقلية.

و أما بحسب الأذهان العرفية و المتفاهمات المحاورية في العقود و المعاملات الدائرة بين الناس انما هو اعتبار التصرف من حيث الكشف عن الرضا، و الالتزام بالعقد و المعاملة و هذا هو مراد الامام عليه السّلام لأنهم من أهل المحاورة و تكلماتهم تكون بها و لها فتكون دلالة التصرف في المقام بالنسبة إلى الكشف عن الرضا كدلالة الألفاظ بالنسبة إلى الكشف عن المعنى، بمعنى أنه لو خلى التصرف و طبعها لكشف عن الالتزام بالعقد و لا فرق بين الإجازة القولية و الفعلية التي يعبر عنها بالتصرف في هذه الجهة، و يستفيد أهل المحاورة من هذا القسم من التصرف الرضا الالتزام الشخصي بالعقد أيضا كما في سائر الموارد، و لذا لو وقع تخاصم في البين يحتاج إثبات دعوى عدم الرضا إلى إقامة الحجة عليه من بينة أو حلف مما يقطع به الخصومة.

و دعوى شيخنا الأنصاري ان المستفاد من تتبع الفتاوى الإجماع على عدم اناطة الحكم بالرضا الفعلي فيه.

أولا: انه لا اعتبار بمثل هذا الإجماع مع معلومية ان مدركه الاجتهاد فيما بأيدينا من النصوص.

و ثانيا: ان الرضا الفعلي على قسمين.

الأول: الفعلي الالتفاتي التفصيلي من كل جهة.

الثاني: الإجمالي، و الثاني لا ينفك عن الرضا النوعي و ما هو مقتضى طبع التصرف و هو يكفي ذلك بين الأنام و به يقام النظام و عليه المدار في جملة من الأمور في شرع الإسلام.

و بذلك يمكن أن يجعل النزاع لفظيا بين الفقهاء العظام فمن يقول بأنه مسقط تعبدا أي لأجل كشفه الطبيعي عن الرضا كما تعبدنا الشارع بالبينة لأجل ذلك و من يقول بأنه لأجل كشفه النوعي عن الرضا فلا ينافي ذلك أيضا فيصير حكم الشرع تقريرا لبناء العقلاء و من يقول بأنه لأجل الرضا الشخصي عنه فالمراد به الإجمالي الارتكازي و لا ريب في إمكان جمعه مع الأولين.

و أما ما في خبر عبد اللّه بن الحسن عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال:

يستحلف باللّه ما رضيه ثمَّ هو برئ من الضمان»۳۷، فلا ربط له بالمقام، إذ المنساق منه انهما تنازعا في الرضا بالبيع و عدمه فيجري عليه حينئذ موازين القضاء، و كذا صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثمَّ ردها، فقال: ان كان في تلك الثلاثة الأيام يشرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي‏ء»۳۸، فإن ظاهره ان الرد كان بعد ثلاثة أيام فلعله كان لأجل الإقالة أو خيار آخر مع انه مخالف لما يأتي من كون نماء المبيع في زمن الخيار للمشتري فلا بد من التصرف فيه على أي حال.

(مسألة ٦): لو تلف الحيوان في زمن الخيار كان من مال البائع (٤٥) فيبطل البيع و يرجع إليه المشتري بالثمن إذا دفعه إليه (٤٦).

للنص، و الإجماع ففي صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري الدابة أو العبد و يشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد و الدابة أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري شرط البائع أو لم يشترطه»۳۹، و مثله غيره، و يدل عليه أيضا القاعدة المعروفة: «التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له» على ما يأتي تفصيله.

لأن معنى كون التلف من البائع انفساخ البيع و صيرورة المبيع ملكا له فتلف في ملكه إذ لا وجه لكونه ملكا للمشتري مع ذلك كان التلف من البائع.

(مسألة ۷): العيب الحادث في الثلاثة من غير تفريط من المشتري، لا يمنع عن الفسخ و الرد (٤۷)، و إن كان مع التفريط فالضمان عليه (٤۸).

للإجماع، و لما مر من صحيح ابن سنان.

لقاعدة اليد بعد قصور الدليل عن الشمول لصورة التفريط.

(مسألة ۸): لا فرق في التصرف المسقط للخيار بين ما كان بمباشرة المشتري أو بتوكيله (٤۹)، و لو اختلفا في التصرف و عدمه فالخيار باق (٥۰).

لكونه في الصورتين دالا على الرضا بالبيع و الالتزام به.

لأصالة عدم التصرف و بقاء الخيار.

(مسألة ۹): يختص خيار الحيوان بخصوص البيع و لا يثبت في غيره من المعاوضات (٥۱) و يثبت لو كان المبيع بعض الحيوان (٥۲)، و لو كان المبيع حيوانا و غيره يثبت خيار الحيوان بالنسبة إليه دون غيره (٥۳).

لأصالة اللزوم بعد اختصاص الأدلة بخصوص البيع.

للإطلاق و عدم ما يصلح للتخصيص إلا الانصراف و هو بدوي.

لشمول إطلاق الأدلة لهذه الصورة أيضا.

الثالث: خيار الشرط أي: الثابت بالاشتراط في ضمن العقد (٥٤) و يجوز جعله لهما، أو لأحدهما، و لا يتقدر بمدة معينة بل هو بحسب ما اشترطاه قلة أو كثرة (٥٥) و لا بد من كونها مضبوطة من حيث المقدار و من حيث الاتصال و الانفصال (٥٦). نعم، لو ذكرت مدة معينة كشهر مثلا و أطلقت تتصل بالعقد (٥۷).

للحديث المتواتر بين المسلمين: «المؤمنون عند شروطهم»، مضافا إلى إجماع الإمامية بل المسلمين و يستعمل الشرط فيما قلناه و خيار الاشتراط في خيار تخلف الشرط كما يأتي.

و ليس شرط الخيار بالنسبة إلى العقد مخالفا للكتاب و السنة من حيث أصالة اللزوم الثابتة بالكتاب في كل عقد لأن هذا اللزوم لا اقتضائي لا ينافي‏ ثبوت الخيار بالشرط.

نعم، لو كان اللزوم اقتضائيا يخالف الشرط حينئذ و لا يقول أحد بالصحة معه.

كما انه لا وجه للإشكال بأنه قد يلزم اجتماع خيارات في البيع كالمجلس و الحيوان و الشرط و غيرها فإنه لا محذور فيه من عقل أو شرع كما تقدم.

كل ذلك لإطلاق الأدلة، و إجماع فقهاء الملة، و يجوز التعاقب بأن يجعل الخيار يوما دون يوم في شهر أو في سنة مثلا لشمول الإطلاق له.

لأنه مع الجهالة يصير العقد غرريا فيبطل من أصله و ينتفي موضوع الشرط، لبطلان العقود الغررية بالإجماع من الفقهاء، بل العقلاء المواظبين على عهودهم و عقودهم و المعتنين بمعاملاتهم.

نعم، لو فرض كون الغرر قابلا للمسامحة عند نوع الناس بحيث لا ينجر إلى النزاع و اللجاج أبدا يمكن أن يقال باغتفاره حينئذ إن كان بحيث لا يصدق الغرر.

ثمَّ ان احتمال أن جهالة هذا الشرط يوجب بطلان البيع لا وجه له لأن الشرط الذي يوجب بطلانه بطلان العقد ما إذا كان من الالتزام في الالتزام لا من القيد في أصل الملتزم و الأول لا يجب بطلان أصل العقد بخلاف الأخير كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

لأنه المنساق من مثل هذا التعبير في المحاورات العرفية فتشمله الإطلاقات لا محالة.

ثمَّ إنه نسب إلى جمع انه قال: «لو بعتك على أن يكون لي الخيار» تحديده بثلاثة أيام، للإجماع، و لوجود أخبار الفرقة فيكون ذلك تحديدا شرعيا كما في سائر الموارد التي وردت فيها تحديدات شرعية كخيار المجلس و الحيوان و نحوهما.

و لكن الإجماع مخدوش جدا، و لم نظفر من أخبارهم على خبر حتى نرى سنده و دلالته فالجهالة باقية و الغرر ثابت فالبطلان متعين و طريق الاحتياط التراضي على ثلاثة أيام في ذكر المدة المجهولة.

و أما ما في كتب العامة: ان حنان بن منقذ كان يخدع في البيع فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إذا أنت بايعت فقل لا خلابة ثمَّ أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال»، و في خبر آخر: «جعل له الخيار ثلاثا»، و الخلابة: الخديعة.

و لكن السند قاصر كالدلالة فلا وجه للاعتماد عليه.

(مسألة ۱): يجوز جعل الخيار للأجنبي (٥۸) و لا بد فيه أيضا من‏ تعيين المدة و تعيين الطرف (٥۹)، و لو جعل له الخيار يجوز له الفسخ و الإمضاء و إسقاط الخيار (٦۰).

للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق. و أشكل عليه.

تارة: بأن الخيار قائم بمن كانت الملكية له و يكون زمام المال بيده فيترتب عليه كون زمام العقد في اختياره أيضا.

و أخرى‏: بأنه من شؤون السلطة على الالتزام و من فروعه و الأجنبي بمعزل عن كل منهما.

و فيه: ان ذلك حق لا ريب فيه و لكن ان كان إعطاء الحق للأجنبي ممن يقوم به الخيار واقعا و حقيقة فلا بأس به بعد كون الحق قابلا للنقل و الانتقال فيصح في المقام وجوه ثلاثة: كونه من نقل الحق. و كونه توكيلا في إنفاذه، و كونه برزخا بينهما و لا مانع في كل من هذه الوجوه ثبوتا و لا إثباتا كما هو معلوم.

ثمَّ ان الجعل إما لواحد، أو للمتعدد من حيث الطبيعة، أو من حيث المجموع، أو من حيث الاستغراق و حكم الأول من حيث الفسخ أو الإمضاء معلوم، و كذا الثاني لتحقق الطبيعة بصرف الوجود، فكل من بادر منهم إلى العمل بالخيار فسخا أو إمضاء يمضي ما فعله و لا وجه لبقاء الخيار بعد ذلك، و حكم الثالث كالأول، إذ المجموع من حيث المجموع كالواحد فمع الاتفاق يمضي فسخا أو إمضاء و مع الاختلاف يبقى الخيار.

و أما الأخير: فمع الاتفاق فسخا أو إمضاء حكمه معلوم و مع الاختلاف فسخا و إمضاء يكون من مسألة تقديم الفاسخ على المجيز و يأتي تفصيله.

و هناك أقسام أخر لا وجه للتعرض لها إذ ليست إلا من الفروض العقلية التي لا خارجية لها و من شاء العثور عليها فليرجع إلى حواشي شيخنا الأستاذ المحقق الغروي رحمه اللّه على المكاسب.

و الظاهر أن المقام من سنخ الإيقاعات التي لا تحتاج إلى القبول.

نعم، يكون الرد مانعا لا أن يكون القبول شرطا و طريق الاحتياط في قبوله أيضا.

لتحقق الغرر مع عدمه فيصير البيع غرريا فيبطل كما مر.

إذ لا معنى لجعل الخيار عرفا له إلا ذلك.

(مسألة ۲): ليس للجاعل الفسخ، و الإمضاء، و إسقاط الخيار (٦۱) إلا إذا كان الجعل بعنوان التوكيل، أو بمعنى جعل خيار له في عرض خيار نفسه (٦۲)، و لا يلزم على المجعول له مراعاة المصلحة (٦۳).

إذ لا حق له بعد فرض انه فوض حقه إلى الغير.

فله إعمال الخيار حينئذ لفرض عدم سقوط حقه في الصورتين.

للأصل، و إطلاق الجعل إلا إذا كانت في البين قرائن معتبرة دالة على لزوم مراعاتها عرفا.

(مسألة ۳): لو بادر الموكل- في صورة التوكيل في الخيار- فسخا أو إنفاذا يصح و لا يبقى موضوع لخيار الوكيل (٦٤)، و لو بادر الوكيل إلى ذلك ثمَّ خالفه الأصيل يمكن تقديم رأيه (٦٥).

لفرض كونه الأصيل و الوكيل متفرع عليه.

لأن الحق له بالأصالة.

(مسألة ٤): يجوز أن يشترط لأحدهما أولهما الخيار بعد الاستيمار و الاستشارة بأن يشاور مع ثالث في أمر العقد فكل ما رأى من الصلاح إبقاء للعقد أو فسخا يتبعه (٦٦) و لا بد من تعيين المدة فيه أيضا (٦۷) و ليس‏ للمشروط له الفسخ قبل أمر ذلك الثالث (٦۸)، و لا يجب عليه لو أمره بالفسخ بل يجوز له ذلك فان شاء فسخ و إن شاء ترك (٦۹).

للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

لئلا يتدخل الغرر فيبطل أصل البيع كما مر.

ثمَّ انه. تارة: يراد من الاستيمار شرط الخيار للأجنبي مقيدا بأن لا يباشر إعماله بل يأمر العاقد بالإعمال.

و أخرى: يكون الخيار لنفسه مشروطا بأن لا يصدر إلا عن رأي الأجنبي و أمره.

و ثالثة: يراد اشتراط حدوث الخيار لنفسه عند أمر الأجنبي فيكون أصل الخيار معلقا لا إعماله.

و رابعة: يراد من ذلك حدوث حق الفسخ فقط عند أمره به لا شي‏ء آخر.

ثمَّ ان الاستيمار قد يكون من الحق للعاقد على المستأمر (بالفتح) و قد يكون بالعكس و حيث لا دليل بالخصوص في المقام من نص أو إجماع لا بد من تطبيقها على القواعد العامة مع ندرة الابتلاء بجملة من الصور التي ربما تبلغ العشرين.

لعدم استيلاء له عليه على كل تقدير من التصاوير الأربعة المتقدمة، كما يدل عليه المتفاهم العرفي من الاستيمار أيضا و هو الانبعاث عن أمر الغير و رأيه تكليفا و وضعا فلا أثر لإعمال الخيار قبل ذلك اتفاقا و اعتبارا لأنه اقتضائي لا فعلي.

نعم، لو كان الاستيمار من مجرد إعمال التأدب الظاهري من دون اناطة الوضع و التكليف به أبدا يكون له ذلك و إن خالف الأدب و لكنه خلاف المفروض.

لأصالة عدم الوجوب، و لأن المناط وقوع الاستيمار خارجا و قد تحقق.

نعم، لو استفيد من القرائن إثبات حق تنفيذي له في ذلك قيدا أو شرطا وجب حينئذ، لأنه يصير على هذا كالآلة لانفاذ ما أمره به بخلاف ما إذا كان المقصود ثبوت الخيار تعليقا على رأيه و نظره فإنه لا خيار إلا بعد الاستيمار فلو شرط البائع على المشتري مثلا أن يكون له المهلة إلى ثلاثة أيام حتى يستشير من يريد من أهل الخبرة فان رأى الصلاح في البيع التزم به و إلا فلا يكون مرجعه حينئذ إلى تحقق الخيار ان لم ير ذلك الشخص الصلاح في هذا البيع و بعد تحقق الخيار يكون له الاختيار إن شاء فسخ و إن شاء التزم.

إن قيل: فعلى هذا يلزم بطلان الشرط لأجل التعليق.

يقال: ظاهرهم الإجماع على صحة هذا الشرط و لو مع هذا النحو من التعليق فيكون مستثنى مما دل على البطلان بالتعليق.

(مسألة ٥): يجري خيار الشرط في جميع العقود اللازمة (۷۰). إلا النكاح (۷۱)، و لا في الإيقاعات كالطلاق و العتق و الإبراء (۷۲)، و يجري خيار الشرط في القرض و الخلع و المبارأة (۷۳).

لإطلاق دليل الشرط الشامل للجميع، مضافا إلى ظهور الإجماع و الاتفاق.

ثمَّ أن البحث في هذه المسألة من جهات.

الأولى‏: مقتضى أصالتي الإباحة و الصحة جواز شرط الخيار في كل عقد و إيقاع إلا ما دل دليل بالخصوص على عدم جريانه فيه من عقد أو إيقاع، و كذا مقتضى أصالة الإطلاق فتطابق الأصلان على الصحة و الجواز في جميع العقود و العهود و الإيقاعات إلا ما خرج بالدليل، و يشهد له الاعتبار أيضا و هو كون العقود و الإيقاعات تحت اختيار المنشئ من جميع جهاتهما التي يكون له فيها الصلاح بأي جهة شاء و أراد إلا ما نهى عنه الشرع، لأن العرف يرى أن السلطنة الابقائية عين السلطنة الإيجادية إلا مع تحديد الخلاف من شرع أو عقل أو عرف بل شرط الخيار من شؤون السلطنة المطلقة فمقتضى إطلاق سلطنته صحة إيجاده له بأي نحو شاء و أراد.

الثانية: العقود على أقسام بحسب الشقوق العقلية:

الأول: علة تامة منحصرة للزوم بحيث لا يمكن حله إلا بما جعله الشارع سببا لذلك و ان شئت فعبر عنه بالاقتضائي الحكمي و هو منحصر بالنكاح، و دليلهم عليه منحصر بالإجماع، و يشهد له استهجان شرط الخيار في النكاح عند المتشرعة بل مطلق العرف، و قد ذكر له شواهد أخرى ظاهرة الخدشة و من شاء العثور عليها فليرجع إلى المفصلات كحاشية شيخنا الأستاذ المحقق‏ الغروي على المكاسب.

الثاني: كونه مقتضيا له مع كون جعل الخيار فيه منافيا لمفاده، كالرهن فإن جعل الخيار فيه من طرف الراهن مناف للاستيثاق من ناحيته فيكون من الشرط المنافي لمقتضى العقد.

و فيه: انه كذلك إن كان الاقتضاء من العلة التامة المنحصرة. و أما لو كان من مجرد الاقتضاء فأي مانع عن إسقاطه عن الفعلية برضا الطرفين، فلو تمَّ إجماع على العدم نتعبد به و الا فمقتضى الأصل و الإطلاق جواز اشتراطه فيه و الظاهر عدم تحققه لأنهم يعللونه بمثل هذه التعليلات.

و عن جمع ان مثل الرهن في عدم دخول خيار الشرط فيه بيع الصرف، لكونه منافيا لمقتضاه أيضا، لأن مقتضاه ان يتفرقا و لم يبق بينهما علقة و لو أثبتنا الخيار بقيت العلقة.

و المقدمة فاسدة و الملازمة أفسد، إذ المقصود رفع علقة الملكية و ما يثبت بالخيار مجرد الحق في الجملة و لا ربط لأحدهما بالآخر.

و توهم: انه لا موضوع للخيار في عدم الصحة قبل القبض.

مدفوع: بأن متعلق الخيار انما هو العقد المقتضي للصحة لا الصحيح الفعلي من كل حيثية و جهة فحل العقد بالخيار قبل القبض شي‏ء و بطلانه بالتفرق قبل القبض شي‏ء آخر و لا ربط لأحدهما بالآخر.

ثمَّ إنه لو شك في أن شرط الخيار مناف لمقتضى العقد أو للكتاب و السنة فأصالة عدم المنافاة بالعدم الأزلي تجري و يصح الشرط في جميع الموارد المشكوكة، لأنه بجريان هذا الأصل ينقح موضوع العام فلا يكون حينئذ من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك و يأتي بعض الكلام في الشروط.

و أما الصلح فعن جمع دخول الخيار فيه، بل عن المهذب البارع الإجماع عليه، للإطلاق الشامل له، و عن جمع منهم الشيخ الأنصاري عدمه، للشك في‏ شمول الإطلاق له.

و فيه: انه ليس كل شك موجبا لسقوط الإطلاق و إلا لما ينتفع به أصلا و قد يعلل أيضا بأنه شرع لقطع المنازعة و شرط الخيار إبقاء لها.

و فيه: ما لا يخفى فالحق جريانه فيه و إن كان خلاف الاحتياط خروجا عن مخالفة من خالف.

و أما الوقف، فاستدل على عدم جريانه فيه.

تارة: بالإجماع.

و أخرى‏: باعتبار القربة فيه.

و ثالثة: بأنه فك ملك.

و رابعة: بقوله عليه السّلام: «من أوقف أرضا ثمَّ قال ان احتجت إليها فأنا أحق بها ثمَّ مات الرجل فإنها ترجع في الميراث».

بدعوى: أن ظهوره في البطلان إنما هو لأجل الشرط المذكور.

و خامسة: بالمستفيضة الدالة على انه لا يرجع فيما كان للّه‏44.

و الكل قابل للخدشة. أما الإجماع فغير متحقق فقد نسب إلى المشايخ الثلاثة الجواز. و أما اعتبار القربة فممنوع صغرى و كبرى مع انه يرجع إلى الدليل الخامس. و أما انه من فك الملك و لا يجوز الشرط فيه فهو عين الدعوى و أصل المدعى. و أما الموثق فلا ربط له بالمقام و إنما مفاده العود إلى الواقف مع الحاجة إليه و لا مانع فيه من عقل أو نقل و قال في المسالك: «أن العمل به اتفاق من الأصحاب أو من أكثرهم فليس الوقف باطلا بل يخرج عن الوقفية بزوال العنوان و هو عدم الحاجة فيرجع إلى الواقف» و قال في الجواهر و نعم ما قال:

«ليس هذا من إدخال الواقف نفسه في الوقف بل هو تقييد للوقف بما يقتضي‏ انتهاؤه» و أما الأخير فهو مثل سائر الأحكام الاقتضائية القابلة للتغيير بالشرط.

هذا، و لكن إرسال عدم صحة الخيار في الوقف إرسال المسلمات فتوى و عملا يوجب حصول الظن بعدم الصحة فلا يقصر ذلك عن سائر الظنون الاجتهادية.

و منه يظهر حكم الصدقة التي وردت النصوص فيها، و طريق الاحتياط واضح.

و أما الضمان فمقتضى الإطلاق جواز دخول شرط الخيار فيه أيضا و الاشكال بأنه مناف للضمان تقدم الجواب عنه في الرهن.

الثالث: اللزوم الاقتضائي الحقي القابل للإقالة كأقسام البيع و سائر العقود اللازمة و لا ريب في جواز خيار الشرط فيها، لظهور الإطلاق و الاتفاق إن لم يكن مانع خارجي في البين، كما إذا استلزم البيع الانعتاق مثلا.

الرابع: العقود الجائزة سواء كانت عهدية كالهبة أو اذنية محضة كالوكالة، و المعروف إنه لا وجه للخيار فيها، لكونه لغوا، إذ لا معنى للجواز إلا صحة الرجوع.

و فيه: إنه لا مانع من عقل أو نقل من تعدد منشأ الجواز اقتضاء و تبادلا.

و يمكن أن يجتمع في بيع واحد خيارات متعددة كالمجلس، و الحيوان، و الشرط فتكون العقود الجائزة مثله، و كذا لا وجه للإشكال بأنه من اجتماع المثلين، و من تحصيل الحاصل كما لا يخفى ثمَّ ان المعروف بينهم عدم صحة الخيار و شرطه في الإيقاعات.

و استدل عليه بأمور.

الأول‏: ان الشرط لا يكون إلا بين اثنين و الإيقاع قائم بالواحد فقط.

الثاني‏: أن الشرط التزام في ضمن العقد لغة أو عرفا أو انصرافا.

الثالث‏: أن الخيار ملك الفسخ و الحل بين شيئين و ارتباطين و لا موضوع لذلك في الإيقاع.

الرابع‏: أن مضامين الإيقاعات نوعا أمور عدمية كزوال الزوجية في الطلاق و الملكية في العتق و سقوط ما في الذمة في الإبراء و الرجوع فيها يكون من اعادة المعدوم و هو باطل.

الخامس‏: أن تطرق الخيار و شرطه في شي‏ء يدور مدار صحة التقايل فيه و حيث لا يشرع التقايل في الإيقاعات فلا وجه لشرط الخيار فيها.

السادس‏: انه من الشرط المخالف للكتاب هذه ما قيل أو يمكن أن يقال في عدم صحة الشروط و الخيار في الإيقاعات.

و الكل مخدوش. أما الأول‏: فلان الشرط متقوم بالمشروط له و المشروط عليه و هما من المتضايفين الذين لا يمكن الانفكاك بينهما سواء تحققا في ضمن اثنين خارجيين بأن يكون كل منهما غير الآخر حقيقة، أو اثنين اعتباريين بأن يكون كل منهما غير الآخر اعتبارا و صحة اجتماع عنوانين مختلفين في الواحد من البديهيات.

و أما الثاني و الثالث‏: فلان الشرط لا بد و ان يكون في إنفاذ شرعي عقلائي و التزام كذلك أعم من أن يكون بين التزامين أو التزام واحد معتبر شرعا هذا بناء على عدم وجوب الوفاء بالشروط الابتدائية و إلا فالأمر أوضح.

و أما الرابع‏: فلان ما هو المحال على فرض صحته انما هو اعادة شخص المبتدأ من كل حيثية و جهة حتى الزمان و في المقام تكون الإعادة عنوانيا اعتباريا لا حقيقيا واقعيا.

و أما الخامس‏: فلأنه لا موضوعية لخصوص الإقالة، و مرجع ما قالوا إلى عدم تحديد الشارع لاختيار المنشئ عقدا كان الإنشاء أو إيقاعا و مقتضى الأصل‏ عدم التحديد لذلك في الإيقاعات أيضا و ان مقتضاه بقاء اختياره و سلطته التي كانت له حين الحدوث، و أساس جميع الخيارات يرجع إلى ذلك.

نعم، حددها الشارع بحدود و قيود خاصة كما هو دأبه في جميع الأمور العرفية.

و أما الأخير: فمدفوع بأصالة عدم المخالفة بالعدم الأزلي كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

فظهر من جميع ما مر انه لا دليل لهم على عدم صحة الشرط و الخيار في الإيقاعات إلا ظهور إجماعهم عليه، و كونه من الإجماعات المعتبرة مشكل، مع ما ورد في العتق من الروايات من صحيح أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل قال: غلامي حر و عليه عمالة كذا و كذا سنة قال عليه السّلام: هو حر و عليه العمالة»، و في موثق ابن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أعتق جاريته و شرط عليها أن تخدمه خمس سنين فأبقت ثمَّ مات الرجل فوجدها ورثته أ لهم أن يستخدموها؟ قال: لا»، فالظاهر منه صحة الشرط المختص للمولى، و في صحيح عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه: «انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قال لغلامه: أعتقك على أن أزوجك جاريتي هذه فإن نكحت عليها أو تسريت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك فنكح أو تسرى أ عليه مائة دينار و يجوز شرطه؟ قال عليه السّلام: يجوز عليه شرطه»، إلى غير ذلك من الأخبار.

ثمَّ إنه قد يظهر منهم في المقام قاعدتان.

الأولى‏: أن كل ما تجري فيه الإقالة يجري فيه الخيار، و كلما لا تجري فيه‏ الإقالة لا يجري فيه الخيار.

الثانية: أن الساقط عما في الذمة لا يعود.

أما الأولى: فالظاهر كونها من القضايا التي قياساتها معها، لأن الإقالة عبارة عن كون حل العقد و ازالته باختيار المتعاقدين و رضى منهما بعد العقد و لا فرق عرفا بينه و بين شرط الخيار في ابتداء العقد إذ لا فرق بين ابتداء العقد و ما بعده في هذه الجهة عند متعارف المتعاقدين، لأن حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد خصوصا في الاعتباريات.

ثمَّ ان قاعدة أن كلما تدخله الإقالة يدخله خيار الشرط بحسب الفعلية الخارجية، و أما بحسب الفرض و الإمكان فبينهما عموم من وجه فيمكن جريان الإقالة مع عدم جريان خيار الشرط، كما إذا كان شرط الخيار منافيا لمقتضى العقد فيصح فيه الإقالة و لا يجري فيه خيار الشرط، كما يمكن أن يجري خيار الشرط من دون الإقالة كما في بعض الإيقاعات التي يمكن جريان خيار الشرط فيه و لا تجري فيه الإقالة لتقومها بالطرفين، و لكن هذا من مجرد الفرض لا الوقوع الخارجي.

و أما القاعدة الثانية: و هي أن الساقط عما في الذمة لا يعود فاستدل عليها.

بأنه من اعادة المعدوم و هي ممتنعة.

و فيه: أن اعادة المعدوم شخصا ممتنع على فرض الصحة و أما عنوانا فلا اشكال فيه من عقل أو نقل، مع انه يمكن أن يكون اشتغالا جديدا للذمة لا اعادة الاشتغال السابق فلا مانع في ذلك، كما لا مانع من تبديل العين الخارجي إلى الذمة بإتلافه و لا من تبديل الكلي إلى العين الخارجي كما في الكلي المعين بإتلاف الجميع إلا المقدار المعين كالصاع في الصبرة إذا تلف جميع الصبرة إلا الصاع.

لما تقدم من الإجماع المتسالم عليه بينهم، و يأتي جريان خيار التدليس و الاشتراط في النكاح أيضا.

لما مر من الإجماع و هو عمدة الدليل عليه، و في اعتبار إطلاقه كلام يأتي التعرض لكل منها في محله نفسه.

لوجود المقتضى و فقد المانع.

(مسألة ٦): يجري هذا الخيار في الصلح المشتمل للإبراء (۷٤).

لأن المتيقن من إجماعهم على عدم جريانه في الإيقاعات على فرض اعتباره غيره و إن كان الأحوط خلافه.

(مسألة ۷): شرط الخيار في البيع تارة من أحد المتبايعين على الآخر، و أخرى من كل منهما على الآخر و ثالثة للأجنبي و الكل صحيح (۷٥).

للإطلاق، و الظاهر عدم الاحتياج إلى القبول في الأخير، إذ لا دليل على اعتبار رضا المشروط له.

نعم، يكون رده مانعا.

(مسألة ۸): يجوز اشتراط الخيار للبائع إذا رد الثمن عينا أو مثلا أو قيمة إلى مدة معينة فإن مضت المدة و لم يأت كاملا لزم البيع (۷٦). و يسمى‏ هذا بيع الخيار (۷۷)، و يصح اشتراط أن يكون للبائع فسخ الكل برد بعض‏ الثمن أو فسخ البعض برد البعض (۷۸)، و يكفي في رد الثمن فعل البائع ماله دخل في القبض من طرفه و إن أبى المشتري من قبضه (۷۹). فلو احضر الثمن و عرضه عليه و مكّنه من قبضه فأبى من القبول و امتنع تحقق الرد المعتبر في الفسخ فله الفسخ (۸۰).

للإطلاق، و الاتفاق، و نصوص مستفيضة منها موثق عمار قال:

«سمعت من يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال: أبيعك داري هذه، و تكون لك أحب إلى من أن يكون لغيرك على أن تشرط لي أن إذا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد عليّ قال عليه السّلام: لا بأس بهذا ان جاء بثمنها ردها عليه قلت فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة؟

قال عليه السّلام: الغلة للمشتري ألا ترى أنها لو احترقت لكانت من ماله»، و خبر أبي الجارود عنه عليه السّلام أيضا: «عن رجل باع دارا له من رجل، و كان بينه و بين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر فشرط انك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله قال، له شرطه قال أبو الجارود: فإن ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين قال عليه السّلام: هو ماله، أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري»٥۰، و صحيح ابن يسار قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أنا نخالط أناسا من أهل السواد و غيرهم فنبيعهم و نربح عليهم للعشرة اثني عشرة، و العشرة ثلاثة عشر و نؤخر ذلك فيما بيننا و بين السنة و نحوها، و يكتب لنا الرجل على داره أو على أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء قد باع و قبض الثمن منه فنعده إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا و بينه أن نرد عليه الشراء فإن جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو لنا فما ترى في الشراء؟ فقال عليه السّلام: أرى أنه لك ان لم يفعل، و إن جاء بالمال للوقت فرد عليه».

و هو بحسب مقام الثبوت يتصور على وجوه ثمانية.

الأول‏: تعليق ذات الخيار، فلا خيار إلا بعد انقضاء المدة.

الثاني‏: تعليقه على رد الثمن.

الثالث‏: تعليق الفسخ.

الرابع‏: كون نفس الرد فسخا فعليا.

الخامس‏: كون الرد شرطا لوجوب الإقالة.

السادس‏: كونه شرطا لوجوب بيعه من مالكه.

السابع‏: كونه شرطا لتحقق الانفساخ.

الثامن‏: كون الخيار في طول المدة، و يشترط عليه أن لا يفسخ إلا بعد رد الثمن.

و الكل صحيح بحسب الواقع و مقام الثبوت، و لو فرض الجهالة في بعضها فلا تضر لاغتفارها في الشروط.

كما أن الاشكال على السابع من استلزامه تحقق الانفساخ بنفسه من دون سبب باطل، لفرض أن سببه تحقق الشرط في العقد.

نعم، هو من شرط النتيجة و يأتي صحته إن شاء اللّه تعالى.

و أما بحسب المتفاهم العرفي و المنساق من الأدلة عرفا و من عبارات الأصحاب فهو المعنى الثالث فيكون الفسخ مقيدا لأصل الخيار، كما لو قيد الفسخ بزمان أو مكان خاص أو بحالة مخصوصة بالشرط في غير هذا الخيار.

لإطلاق دليل الشرط الشامل لجميع ذلك، و ما يستفاد من ظاهر الأدلة الخاصة انما هو من باب المورد و بعض المصاديق لا التقييد.

لأن المرجع في رد الثمن انما هو العرف و هو يحكم بتحققه مع إيجاد المقتضى و فقد المانع من طرف البائع إلا إذا كان في البين شرط خاص أو قيد مخصوص كاما ورد في الوديعة، و كل مورد يعتبر فيه الرد يكفي فيه إزالة المانع عن الاستيلاء على الشي‏ء و يأتي في كتاب الوديعة إن شاء اللّه تعالى بعض ما يناسب المقام.

لتحقق الرد عرفا فيترتب عليه الحكم قهرا.

(مسألة ۹): نماء المبيع و منافعه للمشتري (۸۱)، كما أن تلفه عليه (۸۲). و الخيار باق مع التلف (۸۳) و ليس للمشتري قبل انقضاء المدة التصرف الناقل و إتلاف العين (۸٤).

لقاعدة تبعية النماء للملك و المفروض حصول الملكية بمجرد العقد كما يأتي في أحكام الخيار، و لما مر في الصحيح و الموثق‏٥۱.

لأنه صار ملكه بمجرد العقد، فيكون تلفه عليه مضافا إلى ما تقدم في النص‏٥۲ فما لم يرجع المبيع إلى البائع و لم ينحل البيع يكون تلفه على المشتري.

متعلق الخيار بحسب الشقوق العقلية يمكن أن يكون أحد أمور أربعة.

الأول‏: ذات العقد من حيث انه إنشاء قائم بالمنشئ فقط.

الثاني‏: العقد من حيث الطريقية إلى نقل العوضين.

الثالث‏: العين الخارجي من حيث الخصوصية العينية.

الرابع‏: العين من حيث المالية العرفية العقلائية.

و مقتضى اهتمام الناس بأموالهم و شدة عنايتهم بالتحفظ عليها مهما أمكنهم ذلك هو الأخير إلا أن تكون قرينة معتبرة في البين تدل على غيره و هي مفقودة، و الاحتمال الأول ساقط في عرف المتعاقدين مطلقا إذ لا أثر للإنشاء من حيث هو و انما هو طريق محض للمنشإ كما في كل لفظ صادر من كل متكلم و كل فعل يقصد به إيجاد عنوان من العناوين التي تترتب عليها آثار خاصة فيتعين الاحتمال الثاني، كما أن الاحتمال الثالث لا وجه له إلا مع وجود قرينة معتبرة عليه فيتعين الاحتمال الأخير، و لا فرق فيه حينئذ بين كون متعلق الخيار نفس مالية العوضين أو العقد الذي يكون طريقا إلى ماليتهما فلا ثمرة بينهما من‏

لأن ظاهر الاشتراط إبقاء العين ليستردها البائع عند الفسخ و قد التزم المشتري بهذا الشرط فليس له أن يعمل على خلاف التزامه فهو و ان كان ملكه من جهة وقوع البيع الجامع للشرائط الموجب لانتقال الملكية، و لكنه ممنوع عن التصرف فيه تصرفا ناقلا و متلفا لمكان التزامه بالرد هذا إذا كان المشروط ردّ العين من حيث هي و أما إذا كان المشروط ردها من حيث المالية لا الشخصية العينية فيصح التصرف الناقل و يأتي في أحكام الخيار بعض ما يتعلق بالمقام.

(مسألة ۱۰): لا يختص بيع الخيار بما إذا كان المدفوع عينا بل يشمل الكلي الذمي أيضا (۸٥) فإذا كان الثمن كليا في ذمة البائع تبرأ ذمته بمجرد جعله ثمنا للمبيع (۸٦) و يتحقق الرد بأداء ما في ذمته و دفع ما كان عليه (۸۷).

لعموم الأدلة و إطلاقها و إن كان مورد بعضها خصوص العين الخارجي لكن المورد لا يخصص الحكم.

لأنه لا معنى لصحة البيع إلا انتقال الثمن إلى ملك البائع و المثمن إلى ملك المشتري، و حيث أن الثمن في ذمة البائع في المقام فتكون النتيجة سقوط الذمة لا محالة، لأن هذا هو معنى مالكية الشخص لما في ذمته لكن هذا نحو من السقوط المادامي لا السقوط الدائمي و من كل جهة.

لأن هذا هو معنى الرد في الكليات الذمية فإذا كان في ذمته ألف دينار لزيد فباع داره منه بما في ذمته و جعل له الخيار مشروطا برد الثمن تصير الدار للمشتري و تفرغ ذمة البائع إلى حين الرد فأما أن تصير الدار ملكا له أو يرد الدار و يسترد الألف دينار.

(مسألة ۱۱): لو لم يقبض البائع الثمن من المشتري حتى انقضت المدة يجوز له الفسخ أيضا سواء كان الثمن عينا موجودا عند المشتري أو كليا في ذمته (۸۸)، و لو قبضه فإن كان الثمن كليا لا يتعين عليه رد عين ذلك الثمن المقبوض بل يجزي كل ما انطبق عليه الكلي (۸۹) إلا إذا اشترط كون المردود عين المقبوض (۹۰)، و كذا لو كان المقبوض عينا شخصيا خصوصيا ان كان انتفاعه المتعارف بصرف عينه (۹۱) إلا إذا اشترط رد العين بالخصوص (۹۲).

لأنه لا موضوعية للرد من حيث هو بل هو طريق لاستيلاء المشتري على ماله و المفروض تحققه في الصورتين.

لفرض أن الثمن هو الكلي المنطبق على جميع الأفراد مضافا إلى السيرة.

لاقتضاء الاشتراط ذلك فيجب الوفاء به و لو رد البدل حينئذ فالخيار باق.

لأن المتعارف في البيع الخياري الاهتمام بحفظ مالية الثمن دون عينه خصوصا في مثل النقود، مع أن البيع الخياري غالبا يكون لرفع الحاجة و الاضطرار فيلازمه صرف العين و التحفظ على المالية.

فيجب الوفاء به حينئذ لمكان الاشتراط و يبقى الخيار ما لم يرد العين و إن رد البدل.

(مسألة ۱۲): كما يتحقق الرد إلى نفس المشتري يتحقق أيضا بإيصاله إلى وكيله في ذلك بالخصوص، أو وكيله المطلق (۹۳) أو وليه كالحاكم في ما إذا صار مجنونا أو غائبا (۹٤). بل و عدول المؤمنين في مورد ولايتهم (۹٥)، هذا إذا أطلق الرد إلى المشتري (۹٦). و أما لو اشترط الرد إلى نفسه بالخصوص فلا يتعدى إلى غيره (۹۷).

لأن الوكالة المخصوصة أو المطلقة تجعله كنفس الموكل في ذلك فيتبع رأيه و فعله لأجل ذلك.

لأن ولايته الشرعية تجعله كنفس المولى عليه نفي ذلك.

لأن هذا أيضا من الولاية الشرعية، لأدلة الحسبة، و قد تقدم ما يدل‏ على ولايتهم في مثل هذه الأمور، فراجع.

لأن الإطلاق يشمل نفسه، و كل من يكون مأذونا منه بالوكالة أو من طرف الشرع بالولاية.

لمكان الاشتراط الذي يجب الوفاء به، و لكن لو تعذر ذلك، فلا بد من مراجعة الحاكم أيضا.

(مسألة ۱۳): لو اشترى الولي شيئا للمولى عليه ببيع الخيار فارتفع حجره قبل انقضاء المدة يجزي الإيصال إلى نفس المولى عليه، فيملك البائع الفسخ بذلك (۹۸). و في كفاية رده إلى الولي إشكال (۹۹). و لو اشترى الأب للصبي شيئا يجوز للبائع رد الثمن إلى الجد مع عدم تمكنه من الرد إلى الأب (۱۰۰)، بل يجوز و لو مع التمكن منه أيضا ما لم تكن خصوصية في البين (۱۰۱). و كذا الكلام في الحاكم الشرعي، فإذا اشترى‏ أحد الحاكمين لمن هو وليه يجوز الرد إلى حاكم شرعي آخر مع عدم التمكن من الرد إلى الأول (۱۰۲)، و يشكل مع التمكن منه (۱۰۳).

الانقطاع ولايته بكمال المولى عليه، لأن ولايته ما دامية لا دائمية.

من كمال المولى عليه فلا موضوع للولاية. و من احتمال أن تكون خصوصيات الرد تابعة لحدوث أصل الخيار، و المفروض إنه حدث بولاية الولي فكأنه شي‏ء واحد نشأ عن ولايته حدوثا و بقاء، و طريق الاحتياط توافقهما عليه. و كذا الكلام في جميع الخيارات إذا اشترى الولي للمولى عليه شيئا فيه الخيار و بلغ المولى عليه قبل انقضائه.

لفرض إنه أيضا ولي شرعي و لا خصوصية للأب من حيث هو و إنما المطلوب منه مقام ولايته فقط و هو موجود في الجد أيضا.

لانطباق عنوان الولاية على كل منهما، و جهة الولاية تعليلية.

نعم، لو كانت ولاية الأب حيثية تقييدية لا يجزي الرد إلى الجد لكنه لا وجه له إلا مع وجود خصوصية خاصة في البين و هو خلاف المفروض.

لصدق الولاية بالنسبة إليه أيضا مع عدم مزاحمة فيه للحاكم الأول لفرض عدم التمكن من الرد إليه.

لأن ولاية الحاكم على مورد ولايتهم عرضية قبل تصدي أحدهم للموضوع. و أما بعد التصدي فيمكن أن تكون الولاية حينئذ طولية لا عرضية فما لم يرفع المتصدي نظره عن مورد تصديه لا ولاية للآخر عليه، و يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى تفصيل المقال.

(مسألة ۱٤): إذا مات البائع ينتقل هذا الخيار كسائر الخيارات إلى ورثته (۱۰٤)، فيردون الثمن و يفسخون البيع و يرجع إليهم و يقسم بينهم على حسب قواعد الإرث (۱۰٥). و كذا الثمن المردود يوزع عليهم على الحصص (۱۰٦). و إذا مات المشتري يجوز للبائع الفسخ برد الثمن إلى ورثته (۱۰۷). نعم، لو شرط رد الثمن إلى خصوص المشتري فقط يسقط بموته (۱۰۸). و كما يجوز للبائع اشتراط الخيار لنفسه برد الثمن يجوز للمشتري اشتراط الخيار لنفسه برد المثمن، بل يجوز لكل منهما ذلك (۱۰۹).

لإطلاقات أدلة الإرث و عموماتها، مضافا إلى الإجماع، و يأتي في أحكام الخيار بعض ما ينفع المقام.

لأنه لا وجه للتسلط على الخيار إلا استرداد المبيع فيصير المبيع من تركة الميت و ينتقل إلى ورثته على حسب السهام.

لأنه أيضا يصير من تركة الميت و يجري فيه ما مر في سابقة بلا فرق.

لانتقاله إليهم و صيرورتهم كمورثهم من هذه الجهة.

لانتفاء الموضوع حينئذ فلا بد من السقوط، الا أن يقال إن الانتقال‏ حكم شرعي غير منوط باختيار المكلف.

كل ذلك لإطلاق أدلة الشرط، و ظهور الاتفاق، و يجري فيه أيضا ما مر في المسائل السابقة من لزوم رد العين مع التعيين و جواز رد البدل مع عدمه.

ثمَّ إنه يسقط بانقضاء المدة و بما يحصل الرد و الإيجاب من ذي الخيار و التصرف و الاذن فيه، كما في سائر الخيارات على ما مرّ و يأتي، هذا إذا كان المشروط رد العين. و أما إذا كان الأعم منه فلا يسقط بالتصرف في العين، كما هو واضح.

الرابع: خيار الغبن (۱۱۰). فإذا باع بدون ثمن المثل، أو اشترى بأكثر منه يتحقق الغبن و يكون للمغبون الخيار (۱۱۱).

الغبن من المعاني العرفية المعروفة بين الناس، و بهذا المعنى المعروف وقع مورد بحث الفقهاء في المقام لا أن يكون لهم اصطلاح خاص فيه. و المنساق من جميع موارد استعمالاته إنه خلاف الاستقامة و الاستواء عرفا، سواء كان في المعاملة و المقاسمة أو في العقل الا إنه قد اصطلح على الأخير إطلاق الغبن (بفتح الوسط)، و على الأول بسكونه، فمهما خرجت المعاملة أو المقاسمة عن الاستواء يدخل الغبن و النقص فيها و يتحقق موضوع احكام خيار الغبن، فبيع ما لا يساوي بثمن المثل غبني، و العقل الذي لا استقامة فيه غبني (بالفتح)، و ليس كل من الغبن و الخديعة متحدا مفهوما و إن تصادقا موردا أحيانا، لأن الخديعة و التدليس شي‏ء و البيع بغير ثمن المثل شي‏ء آخر عرفا.

نعم، الخديعة و التدليس مما يوجب الغبن.

للأدلة الأربعة الدالة على ثبوت الخيار للمغبون. أما الكتاب فقوله تعالى:

لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ‏٥۳. فأن المنساق منها بحسب مرتكزات المتعاملين إن التراضي الفعلي في الماليات معاملة كانت أو غيرها طريق لعدم تحقق الخسارة المالية لا أن يكون لنفس التراضي من حيث هو موضوعية خاصة بأي وجه تحقق حتى مع الخسارة الواقعية.

نعم، التراضي الظاهري الفعلي يوجب صحة الإنشاء ظاهرا و مع فقد الموانع يلزم، و مع وجود بعضها يمكن حله، و بعد ظهور الخسارة إما أن تلزم مطلقا، أو يتحقق للمغبون الخيار.

و الأول: خلاف الامتنان بل ظلم بالنسبة إلى المغبون.

و الثاني: مخالف للتراضي الفعلي الثابت في البين في الجملة، فيتعين الأخير فثبوت الخيار عند تبين الخسارة من المداليل السياقية المحاورية لمثل هذه الآية. فخيار الغبن و غيره من موارد الخسارات المالية من البناءات العقلائية و لا تعبد شرعي فيه حتى نحتاج إلى إتعاب النفس في الاستدلال عليه.

ثمَّ إنه لا وجه لأن يقال إن الخيار إن كان لأجل الشرط الضمني لتساوي المالية فيكون من خيار الشرط و لا ربط له بالغبن، و إن كان لأجل أن الداعي التساوي فتخلّف الداعي لا يوجب الخيار إجماعا، و إن كان لأجل تقييد الرضا بالتساوي فيلزم البطلان مع التخلف فلا موضوع للخيار على أي حال. و لكن ظهر مما مرّ فساده من أن الخيار لأجل الخسارة المالية التي هي أهم موجبات الخيار، بل يمكن إرجاع جميع الخيارات إلى مراعاة هذه الجهة، فالرضا المعاملي ينحل إلى رضاءين رضا ظاهري تدور صحتها مدار تحققه، و رضا النفس الأمري الواقعي الذي يدور الخيار و عدمه مداره، و قد أطال شيخنا الأنصاري قدس سره الكلام في المقام و تبعه جميع مشايخنا في مباحثهم الشريفة و حواشيهم فراجع و تأمل.

و انى أرى تسلط من وقعت عليه الخسارة بين أخذ حقه و العفو عنه في مورد وقوع الخسارة عليه من الضروريات و يستلزم ذلك الخيار في إمضاء العقد ورده.

و أما السنة ففي الغنية «نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن تلقى الركبان، و قال صلّى اللّه عليه و آله: فإن تلقى متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا دخل السوق»٥4.

و نوقش فيه. أولا: بعدم الانجبار.

و ثانيا: بأن الخيار أعم من خيار الغبن.

و فيه: إن الاعتناء بنقله في كتب فقهائنا المتقدمين و المتأخرين، بل هو مشهور بين الأصحاب و اعتمد عليه الشيخ في الخلاف و غيره نحو اعتماد كسائر النبويات. و المنساق منه بالقرائن الخارجية خيار الغبن، فلا قصور في سنده حينئذ و لا في دلالته.

و استدل أيضا بقول الصادق عليه السّلام: «غبن المسترسل سحت»٥٥، و عنه عليه السّلام أيضا: «غبن المؤمن حرام»٥٦، و في رواية أخرى: «أيما رجل استرسل إلى مسلم فغبنه كان غبنه ذلك ربا»٥۷، و الاسترسال الطمأنينة و الاستيناس، و دلالة هذه الأخبار على الخيار متوقفة على ظهورها في صورة اطلاع المغبون ورده للمعاملة، و هو مشكل لو لم يكن ممنوعا. مع إن سلطة المغبون بين الرد و الإمضاء من البناءات العقلائية، و يذمون الغابن على فعله، و يجعلون للمغبون نحو سلطة على الغابن و ليس الخيار إلا هذا، و في مثل هذا يكفي عدم ثبوت الردع و لا نحتاج إلى التقرير حتى نقع في المناقشة في دلالة الكتاب و سند السنة أو دلالتها.

و استدل أيضا بحديث «لا ضرر»٥۸ المعروف بين الفريقين فإن لزوم المعاملات الغبنية ضرر بلا إشكال فلا بد و أن يرفع بمقتضى الحديث سواء كان بنحو نفي الموضوع أو الحكم، أو كان المنساق منه النهي أو غير ذلك مما قيل في معنى الحديث و يلازم ذلك عرفا قيام بديل اللزوم مقامه و لا بديل للزوم الا سلطة المغبون على الفسخ و الإمضاء، و هذا من العرفيات التي تنزل الأدلة الشرعية عليها ما لم يكن دليل على الخلاف.

إن قلت: إن نفي اللزوم لأجل الضرر أعم من ثبوت الخيار، لأن نفي اللزوم يكون بالخيار إنما هو بأن يجبر الغابن إما بالفسخ أو بالتدارك، كما يكون بتسلطه على أخذ الزيادة فقط فلا وجه لتعيين الخيار بعد هذه الاحتمالات.

قلت: أولا: إن هذه احتمالات دقيقة عقلية التي لا تناط بها الأحكام الظاهرية الشرعية.

و ثانيا: إذا ألقينا قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا ضرر و لا ضرار» على العرف و أبناء المحاورة يحكمون بأن الموجب للضرر في المقام و هو اللزوم مرفوع. و نفي اللزوم الحقي ملازم عند المتعاملين للخيار، و إثبات الاحتمالات الأخر يحتاج إلى عناية خاصة و هي مفقودة.

ان قلت حديث «لا ضرر» نسبته إلى نفي الصحة و نفي اللزوم على حد سواء، فتعيين نفي اللزوم من الترجيح بلا مرجع، مع أن نفي اللزوم بهذا الوجه لا يثبت الخيار المعهود الذي هو من الحقوق و له أحكام خاصة.

قلت: العرف يرى أن الضرر مستند إلى السبب القريب الذي هو اللزوم و هذا هو المرجح بنفسه، مضافا إلى الإجماع على عدم بطلان المعاملة الغبنية فلا وجه بعد ذلك لنفي الصحة و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار شي‏ء آخر في الجواز الحقي و الخيار المعهود سوى السلطة على الفسخ و الإمضاء.

و ما يقال: من أن تدارك ضرر المغبون بإلزام الغابن بفسخه نحو ضرر بالنسبة إلى الغابن لتعلق غرض الناس بما يتعلق بأعواض أموالهم و لا ترجيح لأحد الضررين على الآخر فينجبر ضرر المغبون بإلزام الغابن ببذل التفاوت و يرتفع ضرر المغبون من دون ضرر عليه و على الغابن و بعد إمكان إلزامه بذلك يثبت الخيار للمغبون حينئذ فيكون ثبوته مشروطا بعدم بذل التفاوت.

مدفوع: بأن هذا السنخ من الضرر بالنسبة إلى الغابن من الضرر الشخصي الذي لا يعتني به لدى العقلاء و ضرر المغبون من الضرر النوعي و لا ريب في أهمية الأخير بالنسبة إلى الأول، بل لا يعتني ببعض الشخصيات في مقابل الأمور النوعية و يؤخذ بما هو المعهود المتعارف و هو ثبوت الحق الذي يكون في مقابل اللزوم و لا حق في مقابل اللزوم الحقي إلا الخيار.

نعم، لو كان اللزوم في المقام من اللزوم الحكمي لكان ما في مقابله الجواز الحكمي، و لكنه خلف الفرض، و قد أطنب شيخنا الأنصاري قدس سرّه في المقام و تبعه جمع من مشايخنا الأعلام في حواشيهم الشريفة فراجع و تأمل، فيصح التمسك بالنسبة إلى ثبوت خيار الغبن على ما قلناه.

و أما الإجماع فلا ريب في ثبوته.

نعم، نسب إلى المحقق رحمه اللّه إنكار خيار الغبن في حلقة درسه و إلى الإسكافي أيضا.

و الأول‏: مخالف لتصريحه بثبوته في شرائعه الذي هو أتقن كتبه.

و الثاني‏: لا بأس بخلافه لكثرة مخالفته في المشهورات.

و أما العقل فلا ريب في أن العقل يرى المغبون ذا حق في المعاملة الغبنية و هذا الحق هو حق حل العقد أو إجبار الغابن بالتدارك و مع عدم الترجيح في البين يتخير بينهما، و الإجماع و ما دل من الأدلة على ثبوت الخيار يعين الأول و هذا الدليل ليس من دليل العقل المستقل كما لا يخفى و يرجع إلى ما أشرنا إليه من بناء العقلاء، و لا فرق في ثبوت هذا الحق بين بذل الغابن ما به التفاوت أو لا لما يأتي.

ثمَّ ان المغبون.

تارة: هو المشتري كما إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل.

و أخرى: هو البائع كما إذا باع بأقل منه.

و ثالثة: هما معا و المرجع في ثبوته لهما أهل الحبرة في المعاملات و قد ذكر الفقهاء وجوها لا تخلو عن المناقشة لعل أحسنها ما عن بعض مشايخنا من فرضه فيما إذا كانت قيمة الشي‏ء مجتمعا أزيد من قيمته منفردا كمصراعي الباب مثلا فإذا فرض قيمة المصراعين مجتمعا ستة دنانير و قيمة كل واحد منهما منفردا دينارين فباع أحد المصراعين بثلاثة دنانير فالمشتري مغبون بدينار واحد و البائع أيضا مغبون بدينار واحد، لأن حيثية الانضمام زالت بهذه المعاملة فنقصت قيمة المصراع الباقي على ملك البائع.

ثمَّ انهم تعرضوا في المقام لإشكال بالنسبة إلى التمسك بقاعدة الضرر حاصله: ان المدار في الضرر المنفي في العبادات و المعاملات هل هو الضرر المالي أو الضرر الحالي فإن كان الأول فلما ذا لم يعتبر في الوضوء فإنهم يقولون بوجوب شراء ماء الوضوء و لو بأضعاف قيمته، و إن كان الثاني فلم لم يعتبر ذلك في المعاملات فما وجه الفرق بينهما؟ و الجواب أن الضرر منفي مطلقا ماليا أو حاليا و انما يذكر المالي بالخصوص في المعاملات لقوامها بالماليات لا لأجل الاختصاص و انما خرج الوضوء فقط بوجوب شراء الماء و لو بأكثر من ثمن المثل لدليل مخصوص‏٥۹، فيكون ذلك تخصيصا لقاعدة الضرر بالنسبة إلى المال فقط في خصوص الوضوء كذلك و بقي الضرر الحالي منفيا مطلقا.

(مسألة ۱): يعتبر في ثبوت هذا الخيار أمران. الأول: جهل المغبون بالقيمة فلو علم بها و مع ذلك أقدم على المعاملة فلا خيار له مع ظهور الغبن (۱۱۲)، و كذا مع الشك فضلا عن الظن‏ بالقيمة (۱۱۳). الثاني: أن يكون التفاوت بما لا يتسامح الناس فيه في مثل هذه المعاملة فلو كان مما يتسامح فيه فلا خيار في البين (۱۱٤).

للإجماع، و لأنه هو الذي أقدم على الغبن فلا تشمله أدلة ثبوت‏ الخيار عرفا، و لا أقل من الشك في الشمول فيكون المرجع أصالة اللزوم حينئذ، و حيث ان بناء المتعاملين نوعا في اقداماتهم المعاملي على إحراز عدم الغبن و الاطمئنان بعدم الخسارة و لا يقدمون عليها مع الشك فيه فضلا عن الظن به يكون مورد ثبوت الخيار خصوص صورة الغفلة المحضة و أما في غيرها فلا خيار، لصدق عدم التثبت في المعاملة عرفا فيصدق الإقدام على الضرر في الجملة، لأن بناء نوع الناس على التأكد في أن لا يخسروا في أموالهم و التحذر من ذلك مهما أمكنهم فيصح التوبيخ في صورة الشك فضلا عن الظن من العقلاء بالنسبة إلى المغبون بقولهم لم أقدمت على المعاملة مع احتمال الخسارة.

لما مر من أن البناء المعاملي عند الناس على التثبت مطلقا، و منه يظهر ما في جملة من التطويلات في المقام.

لظهور الإجماع، و لأن بناء نوع المعاملات عند الناس على عدم المداقة فيما يتسامح فيه بل يوبخون من دقق فيه، و المرجع فيما يتسامح فيه المتعارف من أهل الخبرة لتلك المعاملة الخاصة، و ليس تعيين ذلك من شأن الفقيه حتى يبحث فيه بل الفقيه لا بد و ان يرجع في تعيين ذلك إلى أهل الخبرة و متعارف الناس و مقدار ما يتسامح فيه يختلف باختلاف المعاملة كما هو معلوم.

(مسألة ۲): لو شك في ان التفاوت مما يتسامح فيه أو لا فلا خيار في البين (۱۱٥)، و لو اعتقد انه مما يتسامح فيه فبان انه مما لا يتسامح فيه يثبت‏ الخيار (۱۱٦).

لاستصحاب بقاء الملكية، و لأصالة عدم تأثير الفسخ في زوالها فلا تزول إلا برضا الطرفين.

لأن المدار في ثبوت الخيار على تحقق الغبن واقعا و المفروض تحققه كذلك فتشمله الأدلة.

(مسألة ۳): لا فرق في ثبوت الخيار للجاهل بالقيمة بين قدرته على السؤال و عدمه (۱۱۷)، و المدار على جهل المالك دون الوكيل في مجرد اجراء العقد (۱۱۸). نعم، لو كان وكيلا مفوضا إليه من كل حيثية و جهة يكون المدار على جهله (۱۱۹).

لإطلاق الدليل الشامل للصورتين.

لأن الخيار سلطة خاصة لمن له السلطة الملكية و المالكية في الجملة، و الوكيل في مجرد إجراء العقد بمعزل عن ذلك.

لأنه مالك المعاملة عقدا و حلا عند العرف و زمامها بيده من كل جهة فالمدار على علمه و جهله و إن لم يكن مالكا للمال.

(مسألة ٤): يثبت جهل المغبون باعتراف الغابن و بالقرائن المفيدة للاطمئنان (۱۲۰) و لو اختلفا في القيمة حال العقد مع تعذر الاستعلام فلا خيار (۱۲۱).

أما الأول فللإجماع، و لقاعدة ان إقرار العقلاء على أنفسهم جائز التي هي من القواعد العقلائية، و أما الأخير فلاعتبار الاطمئنان النوعي عند الناس من أي منشأ حصل و لم يثبت الردع عنه شرعا، بل عن جمع من الفقهاء أن المراد بالعلم في الكتاب و السنة الاطمينانات العرفية و لا فرق في حصول الاطمئنان بين أن يكون من البينة على فرض إمكان اطلاعها على جهل المغبون أو قرائن معتبرة أخرى يصح الاعتماد عليها بحسب المتعارف.

لاستصحاب بقاء الملكية، و أصالة عدم الفسخ إلا برضا الطرفين.

(مسألة ٥): ليس للمغبون مطالبة الغابن بتفاوت القيمة (۱۲۲) بل له الخيار بين أن يفسخ المبيع من أصله أو يلتزم و يرضى به بالثمن المسمى (۱۲۳)، كما أنه لا يسقط خياره ببذل الطرف المقابل التفاوت (۱۲٤). نعم، يسقط بتراضي الطرفين (۱۲٥).

لأصالة عدم سلطة له عليه بعد حدوث ملكية العوضين بتمامها للطرفين بالبيع، و انما له حق تدارك غبنه و هو يحصل بثبوت الخيار له و هو ثابت كما مر.

و توهم انه كما يحصل التدارك بالخيار يحصل بذلك أيضا بلا مرجح في البين.

مدفوع: بأن ظهور إطلاق الإجماع على ثبوت الخيار للمغبون مرجح بلا اشكال، مع أن تسلط المغبون على فسخ أصل العقد نحو مجازاة لفعل الغابن و دفع لإيجاد المعاملات الغبنية مطلقا.

لما تقدم من الأدلة الدالة عليه.

لأصالة بقائه بعد ثبوته و هو مقتضى إطلاق أدلته أيضا على ما مر من استظهار الخيار منها و تمامية دلالتها عليه.

نعم، من ناقش في دلالتها فلا بد من التكلف في الجواب و قد مر سقوط المناقشات، و قلنا أن نفي اللزوم الحقي ملازم عرفا لثبوت الجواز الحقي و هو عبارة أخرى عن الخيار.

لأن الحق بينهما فلهما التراضي كيف ما شاء و أرادا ما لم يكن محذور شرعي في البين و المفروض عدمه.

(مسألة ٦): الخيار ثابت للمغبون من حين العقد لا أنه يحدث من حين الاطلاع عليه (۱۲٦). فلو فسخ قبل ذلك و صادف أثر الفسخ أثره (۱۲۷).

لأن مناشئ الخيارات مطلقا لا بد و أن يكون بوجوداتها الواقعية منشأ لها بل الآثار في جميع الأشياء مترتبة على وجوداتها الواقعية إلا ما ثبت خلافه بالدليل القطعي و لا دليل على الخلاف في المقام إلا ما يظهر من الكلمات بل عن بعض دعوى الإجماع عليه، و يمكن حملها على أن إعمال خيار الغبن متوقف على العلم به لا أن يكون أصل وجوده كذلك و إجماعهم معارض بدعوى الإجماع على الخلاف أيضا، مع أن المدار على الأدلة لا على الأقوال، إذ كم من قول لا دليل عليه، و كم من رأى بلا دليل فإن كان مدار هذا الخيار على الضرر أو أصالة المساواة في العوضين أو بناء نوع المعاملات على عدم الغابنية أو الشرط الضمني فكلها متحققة حين إيجاد المعاملة و لا دخل للعلم فيها حتى يكون الخيار حادثا بحدوث العلم.

لوجود المقتضى للفسخ و فقد المانع عنه من جهة ثبوت الحق واقعا و كون العلم طريقا محضا لا أن يكون له موضوعية خاصة لإثبات الخيار واقعا فجميع الآثار مترتبة على وجود الحق الواقعي و العلم طريق محض إليه.

نعم، بعض الآثار معلق على موضوع لا يتحقق مع الجهل بالواقع كما في التصرف المسقط للخيار من جهة اعتبار كونه كاشفا عن الرضا بالمعاملة لا بد و ان يكون بعد العلم من هذه الجهة فقط، فيكون خارجا عن الفرض تخصصا لا تخصيصا كما أن التصرفات الناقلة مترتبة على الوجود الواقعي دون العلمي لكونها تصرفا في متعلق حق الغير واقعا فتكون صحتها متوقفة على اذنه و رضائه كتصرف الغابن في الثمن ان قلنا بأن متعلق الخيار خصوص العين لا مجرد المالية المحضة.

نعم، ظاهرهم الاتفاق على عدم جريان قاعدة التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له في المقام، لظهور إجماعهم على أن التلف من المغبون لا من الغابن و يأتي بقية الكلام في أحكام الخيار إن شاء اللّه تعالى فما عن شيخنا الأنصاري قدس سره في المقام من تثليث الأقسام مطلقا لا وجه له.

(مسألة ۷): خيار الغبن فوري لمن أطلع عليه و تمكن من إعمال الخيار (۱۲۸). فإذا أطلع عليه و لم يبادر إلى الفسخ لأجل جهله بحكم‏ الخيار فلا يسقط خياره بذلك (۱۲۹).و كذا بالنسبة إلى الناسي (۱۳۰)، و كذا لو كان عالما و كان بانيا على الفسخ غير راض بهذا البيع إلا أنه أخر إنشاء الفسخ لغرض صحيح معتبر (۱۳۱). نعم، ليس له التواني فيه بحيث يؤدي إلى ضرر الغابن و تعطيل أمر عليه (۱۳۲).

لأن المنساق من الأدلة و المغروس في الأذهان أن الجهل بالقيمة معتبر في ثبوت خيار الغبن حدوثا و بقاء فمن أطلع على الغبن و أمكنه اعمال الخيار و مع ذلك لم يعمل خياره يقولون له قد أسقطت حقك باختيارك و أقدمت على الضرر بفعلك و يتوجه اللوم اليه كما يتوجه لوم الغابن و توبيخه عليه أيضا و هذا معلوم لكل أحد يتأمل في بناء المعاملات الغبنية عند الناس و لا ريب في أن العاجز عن رفع غبنه و القادر عليه عنوانان مختلفان لكل منهما حكم مستقل شرعا و عرفا، مع أن الشك في شمول أدلة الخيار لمثل الفرض يكفي في استصحاب الملكية فلا تزول إلا برضا الطرفين.

ثمَّ أن هذه المسألة مما أطيل فيها الكلام و نحن نلخص المقال بما يقتضيه الحال.

فنقول: ان الزمان ظرف لجميع الموجودات. بجواهرها و أعراضها و الاعتباريات مطلقا ما سوى اللّه تعالى فإنه عز و جل محيط على الزمان و الزمانيات لا أن يكون الزمان ظرفا له و محيطا به بل لا ظرف له مطلقا و ليس مراد الفقيه و الأصولي من الظرفية و القيدية هذا المعنى، إذ لا ربط لها بالفقه و الأصول، بل هو من مباحث فني الحكمة و الكلام، و قد استوفى حق هذا المبحث فيهما بجهاتها الشتى بل مراد الفقيه و الأصولي ما أخذ قيدا بحسب الجعل و التشريع في مقام الثبوت و الإثبات و قالوا أن الزمان في العمومات، كعموم‏ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ مثلا إما قيد للحكم- كان يقول أكرم أبدا العلماء- أو متعلقه، كان يقول أكرم العلماء أبدا و كل منهما إما بنحو الاستمرار كما في لفظ ابدا و نحوه و مثلا أو بنحو التفريد كما في لفظ كل يوم و نحوه.

و بعبارة أخرى: تكون انحلالا من جهتين من جهة أفراده العرضية و أفراده الطولية بخلاف الاستمرارية فإن انحلاليته تكون بحسب أفراده العرضية فقط.

و تظهر الثمرة بينهما في أنه مع ورود التخصيص على الاستمراري ينقطع الاستمرار و يسقط العام عن الاعتبار رأسا، لعروض الانفصال وجدانا فلا يبقى موضوع للاستمرار قهرا فيجب الرجوع إلى شي‏ء آخر من استصحاب أو غيره بخلاف الثاني لاستقرار الظهور و الحجية في جميع الأفراد و خروج بعض الافراد عن العام لا يضر بحجيته في البقية و يجب الرجوع إلى العموم حينئذ و لا يصح الرجوع إلى الاستصحاب لاختلاف الموضوع.

و مع الشك في أن العموم من أيهما يرجع في التعيين إلى القرائن الخارجية و مع عدمها فسياق العموم يدل على الاستمرارية و التفريد عناية زائدة منفية بالأصل، كما أن الإهمال و الاجمال مقطوع بعدمهما، و استفادة صرف الطبيعة من حيث هي مخالف لفرض العموم فيتعين استظهار الاستمرارية هذه خلاصة ما يظهر من كلمات شيخنا الأنصاري قدس سره.

و فيه. أولا: أن العموم الاستمراري يستلزم الأفرادي أيضا غاية الأمر أن التفريد في العموم الأفرادي مدلول مطابقي للعام، و في الاستمراري مدلول التزامي، و لا فرق في اعتبار كل منهما في المحاورات خصوصا في العمومات الواردة لجعل القانون الأبدي الدائمي لا سيما في الوفاء بالعقود و العهود فتسقط الثمرة من هذه الجهة.

و ثانيا: أن ما ذكره من أنه في العموم الاستمراري إذا قطع استمراره لا يجوز التمسك به بعده لتحقق الانفصال مخدوش على إطلاقه.

نعم، إذا أحرز أبدية القطع ينقطع الاستمرار مطلقا و في غيره يصح‏ التمسك بالعموم، لفرض تحقق الاستمرارية فيه، فيؤخذ بالخارج في مقدار دليل الخاص و في غيره يرجع إلى العام.

نعم، لو كان معنى الاستمرار هو ملاحظة مجموع الزمان من حيث المجموع شيئا واحدا بنحو العام المجموعي لكان قوله رحمه اللّه صحيحا و لكنه خارج عن مفروض البحث.

و ثالثا: ما ذكره في وجه عدم جريان الاستصحاب في مورد الشك فيما إذا كان العام مفرّدا و خصص بمخصص من تعدد الموضوع لا وجه له لأن الموضوع في المقام عنوان المغبون و هو ثابت في الحالين إلا أن يكون المراد عنواني العاجز عن رفع غبنه و القادر عليه فيرجع إلى ما قلناه أولا فلا احتياج إلى هذه التكلفات، فالأصل العملي و اللفظي تدل على الفورية.

و لو كان دليل هذا الخيار منحصرا بالإجماع فالمتيقن منه الفورية أيضا.

و أما لو كان المدرك قاعدة الضرر و الأدلة اللفظية فالتمسك بها للتراخي تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك لشك العرف و المحاورة في الشمول للتراخي، و كذا لا يصح التمسك بالاستصحاب لإثبات التراخي، للشك في ان أصل الموضوع المشروع فوري أو بالتراخي و هما متباينان عرفا فيكون الاستصحاب من أسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر.

للإجماع، و لأن الفورية إنما تكون مع عدم العذر المقبول و الجهل عذر مقبول و المراد به الغفلة أو الجهل المركب.

و أما الشاك المتردد في الحكم فيمكن أن يلحق بالجاهل، لعدم تمكنه من الفسخ المنجز الفعلي الذي هو المناط في القدرة على الفسخ و ان تمكن من الفسخ رجاء ثمَّ السؤال عن حكمه لكن ليس المدار في الإنشائيات عقدا أو حلا على هذا النحو من الإنشاء التعليقي.

لأنه أيضا عذر مقبول عرفا و شرعا.

لأنه ليس المراد بالفورية الدقة العقلية بل الفورية المتعارفة عند الناس في أمورهم التي بناؤهم على إتيانها فورا و لا يرون التأخير لأجل الأغراض الصحيحة منافيا لها كما هو واضح.

لأن أصل إيجاب الفورية إنما هو للتحفظ على مراعاة الغابن و عدم ذهاب حقه، فإذا استلزم التواني فيه ذهاب حقه فلا وجه لجوازه.

(مسألة ۸): لو علم بالغبن و لم يبن على الفسخ و لم يكن بصدده، فبدا له بعد ذلك أن يفسخ سقط خياره و لا حق له في ذلك (۱۳۳).

لتحقق التراضي بلا عذر له فيه فيسقط الخيار لا محالة. ثمَّ انه لو ادعى العذر يقبل قوله مع إحراز صدقه و إلا فيكون من موارد المدعي و المنكر لا بد فيه من العمل بموازين القضاء.

(مسألة ۹): المدار في الغبن على القيمة حال العقد (۱۳٤) فلو زادت‏ بعده و لو قبل اطلاع المغبون لا يسقط الخيار (۱۳٥)، كما انه لو نقص بعده أو زاد لم يؤثر في ثبوته (۱۳٦).

لما تقدم في المسألة السادسة من ان وجود الغبن حين إنشاء المعاملة بنفسه موجب لثبوت الخيار و العلم طريق إليه لا أن يكون له موضوعية في ثبوته، فاللزوم في موقع ثبوت الخيار ضرري لا بد و ان يرتفع بالخيار و زيادة القيمة بعد ذلك لا يؤثر في منعه لتمامية علية الخيار فهو ثابت بتمامية علته حدوثا و ليست زيادة القيمة من مسقطات الخيار حتى يرتفع بها فالخيار ثابت حدوثا و بقاء لتمامية المقتضى و فقد المانع.

نعم، لو كان منشأ الخيار الغبن المراعى و المعلق على عدم الزيادة لما كان وجه للخيار حينئذ، و لكنه خلاف ظواهر الأدلة، مع أن أصل حدوث المغبونية في المعاملة مطلقا خلاف أغراض العقلاء الذين يهتمون بحفظ شؤونهم و حيثيّاتهم فلا بد و ان تكون للمغبون حينئذ السلطة على الخيار تداركا لهذه الجهة.

لأصالة بقائه و عدم ما يوجب سقوطه إلا إذا ثبت أن أصل ثبوته كان تعليقيا فلا وجه لجريان الأصل حينئذ لكنه خلاف الظاهر.

لأصالة اللزوم بعد انعقاد العقد بلا خيار و وقوع الزيادة و النقيصة في ملك الطرف.

(مسألة ۱۰): يسقط هذا الخيار بأمور. أحدهما: اشتراط سقوطه في ضمن العقد (۱۳۷). و يقتصر في‏ السقوط على خصوص ما كانت العبارة ظاهرة فيه (۱۳۸).

لعموم: «المؤمنون عند شروطهم»٦۰، مضافا إلى ظهور الإجماع.

و أشكل عليه.

تارة: بأنه تعليق و لا وجه له في العقود.

و أخرى: بأنه مخالف للجزم المعتبر فيها.

و ثالثة: بأنه من إسقاط ما لم يجب.

و رابعة: بأنه مناف لمقتضى العقد.

و خامسة: بأنه مستلزم للدور لتوقف لزوم الشرط على لزوم العقد و لزوم العقد عليه.

و سادسة: بلزوم الغرر.

و الكل باطل: لأن التعلق على الواقع لا مانع فيه في العقود لا عقلا و لا شرعا، كما لا بأس بعدم الجزم مع إنشاء أصل المعاملة على المتحمل، و إسقاط ما لم يجب إذا كان بلا اقتضاء للثبوت من كل حيثية و جهة فلا وجه له و أما أن كان مع وجود المقتضى و لو في الجملة فلا بأس به يكون مثل التحذر عن الوقوع في خلاف الواقع عند احتماله و ليس من مقتضى العقد خيار الغبن حتى يكون شرط عدمه منافيا لمقتضاه بل العقد لا اقتضاء بالنسبة إليه. كما لا وجه للدور، لأن لزوم الوفاء بالشرط استفيد مما دل على أن المؤمنين عند شروطهم خرجت الشروط الابتدائية على فرض صحة الخروج و بقي الباقي، كما لا وجه للغرر، لأن الغرر المنفي انما هو فيما إذا كان في أصل المالية أو فيما يرجع إليها من الصفات، و أما إذا كانت المالية محرزة في الإنشاء المعاملي و كان فيما هو خارج عنها فلا وجه لكونه مانعا حينئذ بل هو واقع في المعاملات كثيرا، مع أن نفي الغرر لم يحصل من ناحية ثبوت الخيار حتى يثبت بسقوطه.

و بالجملة: لا يرى العرف البيع مع هذا الشرط غرريا فلا يصح التمسك بدليل نفي الغرر في المقام لا أقل من الشك في صدقه.

لاختلاف مراتب الغبن اختلافا كثيرا، و يمكن أن يكون نظر المغبون في اشتراط سقوطه إلى خصوص بعض المراتب دون جميعها، و مقتضى إطلاق أدلة الخيار الثبوت إلا فيما هو المعلوم من موارد السقوط.

(مسألة ۱۱): لو كان المشروط سقوط مرتبة خاصة من الغبن، كالعشر فتبين كونه الخمس لم يسقط الخيار (۱۳۹)، بل لو اشترط سقوطه و لو كان فاحشا أو أفحش لا يسقط إلا ما كان كذلك بالنسبة إلى ما يحتمل في مثل‏ هذه المعاملة فقط لا أزيد (۱٤۰) فلو فرض ان ما اشترى بمائة لا يحتمل فيه أن لا يسوى عشرة أو عشرين و ان المحتمل فيه من الفاحش إلى خمسين و من الأفحش إلى ثلاثين و شرط سقوط الغبن فاحشا كان أو أفحش لم يسقط الخيار إذا كان يسوى عشرا أو عشرين (۱٤۱). الثاني: إسقاطه بعد العقد و لو قبل ظهور الغبن إذا أسقطه على فرض ثبوته (۱٤۲). و هذا أيضا كسابقه يقتصر فيه على مرتبة من الغبن كانت‏ مقصودة عند الاسقاط، فلو أسقط مرتبة خاصة منه كالعشر فبان كونه أزيد لم يسقط الخيار بعد العقد (۱٤۳).

لثبوت الغبن و عدم شمول دليل السقوط له فيكون له الخيار لا محالة.

لأن للفاحشية و الأفحشية أيضا مراتب متفاوتة بالنسبة إلى مورد المعاملة و لا بد من أن يكون اللفظ الدال على السقوط ظاهرا عرفا إما في التعميم بالنسبة إلى جميع المراتب مطلقا أو في التخصيص ببعضها و إلا يكون مجملا لا اعتبار به.

لإطلاق أدلة الخيار بعد ثبوت الغبن الواقعي و عدم ما يصلح للسقوط لعدم طيب نفسه بهذه المرتبة من الغبن.

و ما يقال: من أن الخيار أمر واحد مسبب عن مطلق التفاوت الذي لا يتسامح فيه و لا تعدد فيه فيسقط بمجرد الاسقاط و ليس كحق العرض مختلفا بالنوع فإذا أسقط حق عرض بزعم أنه شتم لا يبلغ القذف فبان كونه قذفا فإنه لا يسقط حينئذ لأجل الاختلاف النوعي بينهما.

مدفوع: بأنه لا فرق بين الاختلاف النوعي و الفردي من هذه الجهة. فكما أن الاختلاف النوعي في العرض موجب للتقييد يكون الاختلاف الفردي هنا أيضا كذلك.

نعم، لو كان أصل الإسقاط بعنوان الداعي لا التقييد المحض يسقط في الموردين و لا فرق بينهما على هذا أيضا. و لو شك في انه من الداعي أو التقييد فالمرجع استصحاب بقاء الملكية في المقام و عدم تأثر الفسخ إلا برضا الطرفين.

لأن لكل ذي حق إسقاط حقه إلا ما خرج بالدليل، و ما مر من‏ المناقشات في المسقط الأول يجري هنا أيضا مع جوابها فراجع و تأمل، و يصح الصلح عن هذا الاسقاط بعوض أيضا لوقوع العوض في مقابل دفع معرضية البيع عن ثبوت الخيار و هذا غرض صحيح عقلائي يجوز بذل المال بعوضه و لا يحتاج إلى ضم ضميمة كما عن شيخنا الأنصاري.

لما تقدم في المسقط الأول بلا فرق في ذلك بينهما.

(مسألة ۱۲): كما يجوز إسقاط هذا الخيار بعد العقد مجانا يجوز المصالحة عنه بالعوض (۱٤٤) و لا فرق فيه بين العلم بمرتبة الغبن و الجهل بها إذا صرح بالتعميم، بأن يصالح عن خيار الغبن الموجود في هذه المعاملة بأي مرتبة كان (۱٤٥)، و لو أطلق و كان للإطلاق منصرف عرفي فبان الخلاف يبطل الصلح (۱٤٦)، و كذا لو يكن له منصرف (۱٤۷) و كذا لو عين مرتبة خاصة و صالح عن خياره فبان كونه أزيد (۱٤۸). الثالث: تصرف المغبون بعد العلم بالغبن فيما انتقل إليه بما يكشف‏ عن رضاه بالبيع (۱٤۹). بأن يتصرف البائع المغبون في الثمن و المشتري المغبون في المثمن فيسقط خياره به خصوصا إذا كان تصرفه بالإتلاف أو بما يمنع الرد كالاستيلاد أو بإخراجه عن ملكه كالعتق أو بنقل لازم كالبيع (۱٥۰). و أما تصرفه قبل العلم بالغبن فلا يسقط به الخيار (۱٥۱). كتصرف الغابن فيما انتقل إليه مطلقا (۱٥۲).

لإطلاق أدلة جواز الصلح الشامل للمقام أيضا، و تقدم انه يصح الصلح على كل ما فيه غرض عقلائي و يأتي تفصيله في محله.

لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها لأن التعميم نوع من التعيين.

لأن الانصراف المعتبر العرفي كالتعيين، فكما انه لو أوقع الصلح على مرتبة معينة فبان الخلاف لا وجه لصحة الصلح فكذا المقام.

لأن إسقاط المهمل من كل جهة لا وجه له.

لأن ما وقع الصلح عليه غير واقع و ما هو الواقع لم يرد عليه الصلح فيكون الخيار باقيا في جميع هذه الأقسام.

للأدلة الأربعة فمن الكتاب آية التراضي‏٦۱، الكاشفة عن كون اللزوم يدور مدار إحراز الرضا بالعقد على كل تقدير سواء أحرز ذلك من القول أو الفعل، و من السنة ما ورد في خيار الحيوان بعد العلم بعدم الخصوصية٦۲، و أن المناط كله الرضا بالبيع و عدم وجه للتعبدية، و من الإجماع إجماع الفقهاء بل العقلاء على أن العقد المرضي به على كل تقدير، بلا فرق بين كون الكاشف عن الرضا هو القول أو الفعل، و من العقل ان فرض الرضا بالعقد و الالتزام به على كل تقدير مع فرض الخيار للغبن خلف و هو باطل.

لأن هذه التصرفات أظهر في الالتزام بالبيع الغبني عن غيرها عرفا، مع انه نسب إلى المشهور سقوط الخيار بمثل هذه التصرفات قبل العلم بالغبن فيكون سقوطه بها بعد العلم به بالأولى.

للأصل بعد عدم دليل عليه، و لكن نسب إلى المشهور سقوطه بالتصرف المخرج عن الملك على وجه اللزوم كالبيع و العتق للإجماع و لعدم إمكان الرد، و لأن المتيقن من مورد الرد و هو رد العين فقط، و لأن التصرف إقدام على الضرر.

و الكل باطل: إذ الإجماع غير متحقق و الرد بالمثل أو القيمة ممكن.

و دعوى: ان المتيقن هو رد العين أول الدعوى و عين المدعي، و كون التصرف اقداما على الضرر مع الجهل بالظن فساده مما لا يخفى على أحد.

للأصل بعد عدم دليل عليه من عقل أو نقل و يأتي تفصيله في المسائل الآتية.

(مسألة ۱۳): لو اطلع البائع المغبون على الغبن و فسخ البيع فإن كان المبيع موجودا عند المشتري باقيا على حاله استرده منه (۱٥۳). و ان تلف أو أتلفه رجع إليه بالمثل أو القيمة (۱٥٤)، و ان حدث فيه عيب عنده سواء بفعله أو بآفة سماوية استرده مع أرشه (۱٥٥)، و إذا أخرجه عن ملكه بالعتق أو الوقف أو نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع فهو بحكم التلف (۱٥٦).فيرجع إليه بالمثل أو القيمة (۱٥۷)، و لو رجعت العين إلى المشتري بإقالة أو عقد جديد فإن كان البائع قد أخذ منه البدل فلا يرجع إليه بالعين (۱٥۸)، بل و كذا لو كان قبل أخذ البدل (۱٥۹)، و لو كان النقل بما هو غير لازم كالهبة و البيع بالخيار فليس له إلزام المشتري بالفسخ و الرجوع و تسليم العين ان أمكن (۱٦۰).

لانحلال العقد بالفسخ و رجوع كل من العوضين إلى مالكه الأول، فيصير المبيع حينئذ ملكا للبائع في يد المشتري و يجب عليه رده إلى مالكه.

ثمَّ إن المغبون إما البائع أو المشتري، أو هما و العين المغبون فيه إما باق على حاله أو تصرف فيه، و التصرف إما في المغبون فيه أو في عوضه أو فيهما و أما أن يكون بما يخرج به عن الملك أو بما يمنع عن الرد كالاستيلاد أو يكون التصرف في المنفعة خاصة أو يوجب تغير العين بالزيادة العينية كغرس الأشجار أو حكمية كقصارة الثوب أو المشوبة كالصبغ، أو يكون بالنقصان كعيب و نحوه أو بالامتزاج بالمثل مساويا كان أو أجود أو أردى، أو يكون بالامتزاج بغير المثل على نحو التمييز أو على نحو الاضمحلال.

ثمَّ انه أما أن يمكن ازالة المانع قبل اعمال الخيار أولا و هذه صور كثيرة ربما تزيد على مأتي صورة نتعرض لعمدة صورها إن شاء اللّه تعالى و منها يعلم حكم البقية إذ ليس في جميع هذه المسائل نص خاص و لا دليل مخصوص بل لا بد من إتمامها بحسب القواعد العامة و لا بد و ان يذكر ذلك كله في أحكام الخيار لا في المقام و لكن الفقهاء رحمه اللّه لم يستوفوا تلك المسائل لا في المقام و لا هناك.

لأصالة بقاء الخيار و عدم تقومه ببقاء العين بل يتحقق بإمكان كان‏ استرداد المالية أيضا الثابتة في أخذ المثل أو القيمة مع عدم إمكان رد العين و المناط قيمة يوم الدفع و الأحوط التصالح و التراضي.

أما رد العين فلرجوعه إلى مالكه بعد الفسخ. و أما لزوم الأرش فلان الفائت مضمون بجزء من العوض فإذا رد تمام العوض وجب عليه تدارك الفائت ببدله و هو الأرش.

لوقوع ذلك كله صحيحا مع وجود المقتضى و فقد المانع فمقتضى الأصل صحته و عدم نقضه بإعمال الخيار.

و دعوى: أن الخيار حل للعقد من حين حدوثه فيكشف عن وقوع ذلك كله في غير محله.

فاسد: لأن معنى كون الخيار حلا للعقد أن الالتزام الحاصل بالعقد الذي هو باق بوجوده الاعتباري ينحل بالخيار لا أن صدور العقد يصير كأن لم يكن بالنسبة إلى تمام الآثار إذ لا دليل عليه من عقل أو نقل كيف و المشهور حصول الملكية بمجرد العقد و لو قبل انقضاء زمان الخيار و جواز ترتيب تمام آثار الملكية على الملك الحاصل بالعقد على ما يأتي في أحكام الخيار.

نعم، لو تمَّ ما نسب إلى الشيخ من توقفها على انقضائه لم تقع هذه التصرفات في الملك حتى تصح ملكه.

مخدوش في الخيارات الزمانية فضلا عن مثل الغبن على ما يأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى في أحكام الخيار.

ان قيل حق الخيار أسبق فلا بد و أن يكون أولى بالمراعاة فتبطل تلك التصرفات من هذه الجهة.

يقال. أولا: حق الخيار و الملكية يحصلان بمجرد العقد و لا وجه للسبق‏ و اللحوق بينهما.

و ثانيا: العرف يرى هذه التصرفات واقعة عن أهلها و في محلها فتشملها إطلاقات أدلة صحتها.

لما مر من أن ذلك متعين في مورد التلف فكذا في المقام.

لانقطاع العلقة بينه و بين المشتري بعد أخذ البدل فمقتضى الأصل عدم تسلطه على المشتري بدفع العين.

لسقوط حقه عن العين بتحقق النقل اللازم و عوده بعد ذلك يحتاج إلى دليل و هو مفقود إلا إذا ثبت ان السقوط كان ما داميا لا دائميا و هو عين الدعوى و أصل المدعي، و لنا أن نستصحب طبيعي السقوط كما في الكلي المردد بين الطويل و القصير.

لأصالة عدم حق له على هذا الإلزام بعد ان كان المنساق من أدلة رد العين خصوص ما إذا كان العين باقيا على ملك الطرف، و أما بعد خروجه عنه بالنحو الصحيح الشرعي فيستصحب بقاء ملكيته، و أصالة عدم حق الإلزام لأحد و اعمال الخيار و ان كان حق المغبون لكنه أعم من رد العين أو البدل إن كان خروج العين عن ملك الغابن بوجه شرعي و لكن الأحوط التراضي.

(مسألة ۱٤): لو نقل منفعة العين إلى الغير بعقد لازم كالإجارة لم يمنع ذلك عن الفسخ (۱٦۱) كما أنه بعد الفسخ تبقى الإجارة على‏ حالها (۱٦۲) و ترجع العين إلى الفاسخ مسلوب المنفعة (۱٦۳) و له سائر المنافع غير ما ملكه المستأجر لو كانت (۱٦٤)، و الأحوط التراضي بينهما بالنسبة إلى بقية المدة بعد الفسخ إما بأجرة المثل أو بتدارك النقص و لا تفاوت بينهما غالبا (۱٦٥).

لأنه لا مانع من تعدد المالك بالنسبة إلى العين و المنفعة فيرجع العين‏ بالفسخ إلى المغبون و تبقى المنفعة على ملك المستأجر في مدة الإجارة.

لأنه إذا ملك شخص العين آنا ما فقد ملك جميع المنافع المتصورة لها مطلقا فيجوز له إجارتها و عقد الإجارة لازم بالأدلة العامة و الخاصة. فما نسب إلى المحقق القمي من انفساخ الإجارة بفسخ البيع، مخالف لما دل على لزومها من الأدلة و إن من ملك العين في زمان ملك المنفعة المطلقة و يجوز له التصرف فيها بما شاء.

لأن مالكها استوفاها و المنافع المستوفاة قبل الفسخ غير مضمونة قطعا و المستوفاة بالإجارة قبل الفسخ كالمستوفاة الحقيقية قبله فلا وجه للضمان فيها.

إن قلت: نعم لا ضمان للمنافع المستوفاة و لكن رجوع العين إلى الفاسخ مسلوبة المنفعة نقص لا بد من تداركه مع اقتضاء قاعدة الضرر ذلك أيضا.

قلت: مقتضى الفسخ رجوع العين إلى الفاسخ على ما هي عليه حين الفسخ لا حين العقد، و لذا تسالموا على أن المنافع المستوفاة و النماءات المنفصلة لا ترجع إلى الفاسخ و حينئذ فإن لوحظت الإجارة بالنسبة إلى العين بما هو عليه حال العقد يكون ذلك نقصا و ان لوحظت بالنسبة إلى حال الفسخ فلا نقص في البين و المفروض ان الإجارة وقعت عن حق واقعي شرعي فلا نقص في البين حتى يلزم تداركه.

و أما قاعدة نفي الضرر فلا وجه لجريانها في المقام لأن الضرر لم يحصل من ناحية تشريع الخيار حتى يرتفع الخيار بالقاعدة و قد حصل استيفاء المنافع في ظرف ملكية المستوفى لها فلا مقتضى للضمان حتى يكون عدم جعل الضمان ضررا من قبل الشارع و يرتفع بالقاعدة.

ان قيل: نعم أن هذا كله مبني على أن ملكية المنافع في ظرف ملكية العين‏ ملكية أبدية دائمية و لا نسلم ذلك بل هي ملكية ما دامية أي: ما دامت العين في ملك المالك فتفسخ الإجارة بانفساخ ملكية العين لا محالة.

يقال: ملكية المنفعة في ظرف ملكية العين ما دامية مما لا يدل عليه دليل عقلي و لا نقلي بل يظهر منهم الإجماع على الخلاف، و لذا تسالموا على عدم بطلان إجارة الأعيان بموت الموجر، فما هو المشهور في المقام من رجوع العين إلى الفاسخ مسلوب المنفعة في مدة الإجارة هو المنصور.

لأنها تابعة للعين فلا بد من رجوعها إليه بالفسخ لوجود المقتضى و فقد المانع.

لأن المسألة خلافية و الاحتياط حسن في الاتفاقيات فضلا عن غيرها.

(مسألة ۱٥): بعد ما فسخ البائع المغبون لو كان المبيع موجودا عند المشتري و لكن تغير بتصرفه فاما أن يكون بالنقيصة، أو بالزيادة، أو بالامتزاج، فإن كان بالنقيصة أخذه مع الأرش (۱٦٦)، و إن كان بالزيادة فاما أن تكون صفة محضة كطحن الحنطة و قصارة الثوب و صياغة الفضة، أو صفة مشوبة بالعين كالصبغ، أو عينا محضا كالغرس و الزرع و البناء. أما الأول: فإن لم يكن للزيادة دخل في زيادة القيمة يرجع إلى العين‏ و لا شي‏ء عليه (۱٦۷) كما أنه لا شي‏ء على المشتري (۱٦۸). و أما لو كان لها دخل في زيادة القيمة يرجع إلى العين (۱٦۹) و تكون زيادة القيمة للمشتري (۱۷۰) فيأخذ البائع العين و يدفع إليه زيادة القيمة (۱۷۱) و الأحوط التراضي (۱۷۲) و قد يكون بعض مراتب السمن و النمو في الشجر و الزرع داخلا في ما نحن فيه (۱۷۳)، و لو حصلت الزيادة في ملك الغابن ثمَّ زالت ففسخ المغبون بعد زوالها لا شي‏ء عليه (۱۷٤). كما أنها لو زالت بعد دخولها في ملك الغبن بالفسخ وجب التدارك عليه (۱۷٥). و كذا الثاني: و هو ما لو كانت الزيادة صفة مشوبة بالعين كالصبغ فيأخذ البائع العين و يدفع إليه زيادة القيمة (۱۷٦). و أما الثالث: و هو ما إذا كانت الزيادة عينا محضا فيرجع البائع إلى المبيع (۱۷۷) و يكون الغرس و الزرع و البناء للمشتري (۱۷۸).و ليس للبائع إلزامه بالقلع أو الهدم و لو بالأرش (۱۷۹) و لا إلزامه بالإبقاء و لو مجانا (۱۸۰)، كما إنه ليس للمشتري حق الإبقاء مجانا و بلا اجرة (۱۸۱) فعلى المشتري إما إبقاؤها بالأجرة و إما قلعها مع طم الحفر و تدارك النقص الوارد على الأرض (۱۸۲) و للبائع إلزامه بأحد الأمرين (۱۸۳) لا خصوص أحدهما (۱۸٤)، و كلما اختاره المشتري من الأمرين ليس للبائع الفاسخ منعه (۱۸٥). نعم، لو أمكن غرس المقلوع بدون أن يحدث فيه شي‏ء إلا تبدل المكان فقط فللبائع إلزامه به (۱۸٦)، و الزرع مثل الغرس فيما مر (۱۸۷). و أما الامتزاج فإن كان بالجنس تتحقق الشركة بحسب الكمية (۱۸۸) و إن كان بالأردى أو الأجود لكن مع أخذ الأرش في الأول و إعطاء زيادة القيمة في الثاني (۱۸۹) و الأحوط التراضي (۱۹۰)، و إن كان الامتزاج بغير الجنس فإن حكم أهل الخبرة بأنه مثل التلف فيرجع إلى المثل أو القيمة (۱۹۱) و إلا فتثبت الشركة في القيمة أو في العين بنسبة القيمة (۱۹۲).

لأن أخذ تمام العوض ملازم لرد تمام المعوض إن كان موجودا بالتمام و لا يتحقق ذلك إلا بتدارك الفائت ببدله و هو الأرش هذا إذا أوجبت النقيصة نقصا ماليا عرفا و إلا أخذ نفس العين بلا أرش لفرض عدم النقيصة المالية حتى يتدارك بالأرش.

لفرض أن الزيادة غير موجبة لزيادة القيمة، مع أن ما عمله المشتري إنما عمله في ملكه و ماله و لنفسه و ما كان كذلك غير مضمون على غيره فلا وجه للرجوع على البائع.

لفرض عدم حصول نقص في العين حتى يجب عليه التدارك.

لصيرورته ملكا له بالفسخ فيرجع إلى ملكه.

لأن المالية الزائدة في العين تختص بمن أحدثها فيه.

لأن اشتراكه في العين لا وجه له، لاختصاص العين بمالكها بعد الفسخ و الشركة في المالية تابعة للشركة في العين فإذا كانت الثانية باطلة لا موضوع للأولى أيضا.

نعم، هذه الزيادة نحو صفة توجب زيادة القيمة فلا بد للفاسخ من تداركها إما بدفع زيادة القيمة أو بأن يتراضيا على بيع العين مع كون الغابن شريكا في القيمة بالنسبة مع المغبون.

لأنه حسن في كل حال خصوصا مع اختلاف الوجوه.

لكونه من الوصف الموجب لزيادة القيمة. ثمَّ انه لا فرق في حصول الوصف الموجب لزيادة القيمة بين أن يكون بفعل الغابن أو بفعل اللّه تعالى أو بفعل الأجنبي.

لأصالة البراءة عن وجوب شي‏ء عليه.

لاستصحاب بقاء الزيادة في ملكه.

لجريان جميع ما قلناه في الوصف الموجب لزيادة القيمة هنا من غير فرق. بل قيل: ان هنا أولى لشوب العينية.

و لكنه مخدوش: لأن مثل هذه العينية في حكم التلف عرفا فيكون من مجرد الوصف الموجب لزيادة القيمة كما في القسم السابق و الاحتياط السابق يجري في هذا القسم أيضا.

لصيرورته ملكا له بعد الفسخ.

لفرض ان كل ذلك إما عين ماله أو نماء ماله فمقتضى قاعدة السلطنة التي هي من القواعد النظامية العقلائية تسلطه على ماله و المفروض أن إحداث هذه الزيادة وقع من أهله و في محله فلا عدو ان لا في نفس العين و لا في نمائها و ليس له سلطنة الإبقاء، لأنه سلطنة على مال الغير، مع انه يوجب تضرر المغبون و قاعدة الضرر حاكمة على قاعدة السلطنة، كما انه ليس للغابن سلطنة القلع لأنه أيضا سلطنة على مال الغير و يوجب تضرر المغبون فلا بد من الجمع بين السلطنتين بحسب القواعد المعتبرة فكل من المالكين يملك ذات ماله من دون حصول ضرر على الآخر فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه مع ملاحظة عدم تضرر الآخر، فإن أراد مالك الغرس ذلك فعليه طم الحفر و إن أراد مالك الأرض ذلك فعليه أرش الغرس أي: تفاوت ما بين كون منصوبا دائما و كونه مقطوعا للجميع بين قاعدة السلطنة و قاعدة الضرر التي هي من أهم القواعد المعتبرة و هذا هو الذي يقتضيه العدل و الإنصاف المبني عليه الشريعة في عباداته و معاملاته.

إن قلت: إذا كانت خصوصية النصب إلى ما تقتضيه العادة مستحقة للغابن فلا وجه لاستحقاق المغبون للقلع أصلا لأنه مناف لاستحقاق الغابن لتلك الخصوصية و يكون القلع حينئذ ضررا فيندفع بقاعدة نفي الضرر.

قلت: لا وجه لهذا الإشكال أصلا لفرض أن مالك الغرس يملك هذه الخصوصية بشرط عدم تضرر الآخر و مع فرض تضرره لا بد له من جبرانه، و كذا مالك الأرض يملك خصوصية تفريغ أرضه بشرط عدم تضرر لا بد له من تداركه و هذا الشرط حصل من نتيجة الجمع بين الحقين.

إن قلت: إن الغرس في الملك المتزلزل بالخيار إسقاط لاحترام المال بالاختيار فلا يكون القطع حينئذ ضرريا حتى يدفع بقاعدة نفي الضرر و الضرار.

قلت: الإقدام على هتك المال إما قصدي أو انطباقي و الأول مفروض العدم و الثاني كذلك أيضا، إذ العرف لا يحكم بهتك المال مع كثرة اهتمام الشارع و العقلاء بعدم الضرر و الإضرار بالغير مع كون أصل التصرف بالحق شرعا و عرفا فالمقام مثل من يأكل شيئا و يمرض ثمَّ يعالج فليس هذا اقداما على الضرر حتى مع العلم بأنه يمرض و يعالج.

إن قلت: ان للغابن استيفاء المنفعة الأبدية عن ملكه في ظرف كونه مالكا للعين و بالغرس استوفى تلك المنفعة فليس للمغبون قلعه كما مر في الإجارة من انه لو استوفى المنفعة بالإجارة تصح الإجارة و لو بعد الفسخ فكذا المقام.

قلت: استيفاء المنفعة الأبدية إما حقيقي أو اعتباري دفعي و الثاني مفروض العدم في المقام لفرض عدم الإجارة و كذا الأول، لأن نمو الغرس تدريجي لا يمكن أن يكون دفعيا فحدوث الغرس كان من أهله و في محله لكن منافعه التدريجية و ما وقع منها بعد الفسخ لا وجه لأن يستحقها المفسوخ عليه لأنها ملك الفاسخ و قد تجددت في ملكه فله حق مطالبة عوضها فلا وجه لقياس‏ أحدهما مع الآخر.

نعم، لو آجر المشتري الأرض مدة معلومة لغيره للغرس فغرس المستأجر يكون من المقام حينئذ.

إن قلت: إذا كان مقتضى القاعدة جواز إبقاء المشتري بالأجرة و جواز قلع البائع مع تدارك الضرر فليكن في التفليس أيضا كذلك فإذا أوجد المفلس عينا من غرس أو بناء فيما اشتراه ثمَّ حجر عليه و رجع مالك العين فيجوز للبائع الفاسخ قلع الغرس مع الأرش مع انه نسب إلى الأكثر عدم الجواز حينئذ.

قلت: ذهاب الأكثر أو المشهور ليس دليلا يعتمد عليه.

نعم، لو تحقق إجماع على خلاف القاعدة يعتمد عليه، مع انه يمكن الفرق بين المفلس و بين المقام بأن الأول طرء الفسخ على العقد اللازم و في المقام يكون العقد خياريا من أول حدوثه.

ثمَّ ان دخول ملك في ملك آخر إما أن يكون بالباطل حدوثا و بقاء كما إذا غرس شخص أو بنى في ملك الغير بغير إذنه و لم يرض صاحب الأرض بالبقاء فلا حرمة لمثل هذا الغرس و يخرب البناء أبدا إذ «لا حرمة لعرق ظالم» و يجوز لصاحب الأرض أن يقلع الغرس و يخرب البناء بلا شي‏ء عليه. و أما أن يكون بالحق حدوثا و بقاء كما إذا غرس أو بنى الولد في ملك والده مثلا بإذنه فمات الوالد و انتقل الملك إلى الولد و قد وقع الغرس و البناء من أهله و في محله حدوثا و بقاء، و أما أن يكون الحدوث بالباطل و البقاء بالحق كما إذا غرس في ملك الغير بغير إذنه ثمَّ تراضيا بالبقاء بعوض أو بدونه، و أما أن يكون الحدوث بحق و البقاء بالباطل كما في المقام و قد مر حكمه و لا نص و لا إجماع معتبر في جملة هذه الصور و لا بد من إتمامها بالقواعد و يأتي ما يتعلق بها في الأبواب المختلفة و يأتي تفصيل ذلك كله في المواضع المناسبة إن شاء اللّه تعالى.

لقاعدة نفي الضرر بعد أن كان أصل الحدوث و الاحداث بالحق، و لأصالة عدم ثبوت هذا الحق له.

لأصالة عدم سلطنته و ولايته له على ذلك بل هو المسلط على ماله إن شاء أخذه مع طم الحفر و إن شاء تركه بالاسترضاء.

لما مر من أن الحدوث و إن وقع بحق و لكنه لا حق له في الإبقاء و البقاء لا حقيقة و لا اعتبارا.

لأنه من الجمع بين الحقين و إعمال العدل و الانصاف في البين.

لأن هذا من فروع الولاية على ماله و المفروض ثبوت أحد الأمرين للمشتري شرعا فهو إلزام بالحق على الحق.

لأنه إلزام بغير حق بعد كون المشتري مخيرا بين الأمرين شرعا و عدم لزوم ضرر على البائع، لأنه يتدارك الضرر الوارد عليه مطلقا.

لفرض تخير المشتري بين الأمرين و انه يتدارك الضرر الوارد على البائع على كل من التقديرين.

لجريان قاعدة السلطنة بالنسبة إلى البائع حينئذ بلا معارضة لقاعدة الضرر لفرض عدم تضرر المشتري بالقلع و الغرس في مكان آخر.

لاشتراكهما في أن إبقاءه ضرر على مالك الأرض و قلعه ضرر على مالك الزرع فلا بد من الجمع بين الحقين بما يرتفع به الضرر من البين و مجرد كون مدة اشتغال الأرض بالزرع أقل من اشتغالها بالغرس لا يوجب الفرق بينهما من حيث أصل التضرر فإن قليله و كثيره مرفوع.

نعم، عند المعارضة يجب تقديم الأقل ضررا كما ثبت في محله.

لأنهما مالان و من جنس واحد اختلطا فلا محالة تثبت الشركة.

أما أصل الشركة فلفرض كون المالين من جنس واحد و أما أخذ الأرش و إعطاء زيادة القيمة فلقاعدة نفي الضرر.

خروجا عن خلاف من قال بالشركة في القيمة لا في العين و ان كان لا دليل له عليه.

لفرض صدق التلف عليه عند أهل الخبرة.

لعدم صدق التلف و اختلاط المالين فلا بد من الشركة في المالية أو في العين و الأحوط التراضي كما في صورة تردد أهل الخبرة في أنه من التلف أو من الاختلاط فلا بد حينئذ من التصالح.

(مسألة ۱٦): لو كان المغبون هو المشتري فيجري فيه جميع ما تقدم‏ فيما إذا كان المغبون هو البائع من غير فرق (۱۹۳).

لأنه لا نص بالخصوص في المقام بل لا بد من تطبيق هذه الفروع على القواعد و مقتضاها عدم الفرق بين كون المغبون هو البائع أو كونه هو المشتري.

(مسألة ۱۷): إذا كان العوض شيئين- ثمنا أو مثمنا- صفقة واحدة له التبعيض في الفسخ (۱۹٤). و للطرف أيضا خيار تبعّض الصفقة (۱۹٥).

لعموم أدلة خيار الغبن و إطلاقها الشامل لهذه الصورة أيضا.

لقاعدة نفي الضرر، و لأنه من الجمع بين الحقين.

(مسألة ۱۸): يجري خيار الغبن في جميع المعاوضات المالية إلا ما أحرز أن بناءها على المسامحة (۱۹٦).

لقاعدة نفي الضرر، و الظاهر أن ذكر البيع في معاقد الإجماعات من باب أنه أهم المعاوضات لا من باب الخصوصية. هذا مع ان بناء الناس على عدم التغابن في الأموال عام بالنسبة إلى جميع المعاوضات المالية.

نعم، ما بنى على التسامح لا موضوع لخيار الغبن فيه بالمقدار المتسامح فيه و لعل منه بعض أقسام الصلح.

الخامس: خيار التأخير: و هو فيما إذا باع شيئا و لم يقبض المبيع و لا تمام الثمن فإنه يلزم البيع ثلاثة أيام فإن أتى المشتري بالثمن فهو أحق بالسلعة و إلا فللبائع فسخ المعاملة (۱۹۷). و قبض بعض المبيع أو الثمن كلا قبض (۱۹۸).

لنصوص مستفيضة، مضافا إلى ظهور الاتفاق و الإجماع، و قاعدة نفي الضرر في الجملة، مع ان عرف الناس يرون لزوم مثل هذه المعاملة مطلقا مستنكرا و ضررا فأصل الخيار عقلائي و التحديد بكونه بعد ثلاثة أيام شرعي فلا موضوع لجملة من الأبحاث و الإشكالات في المقام مضافا إلى أن فعلية التسليم للعوضين في المعاملات الحالية من قبيل الشروط الضمنية المرتكزة في أذهان الناس، قال علي بن يقطين: «سألت أبا الحسن عليه السّلام: عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن قال ع: فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما»٦۳، و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قلت له:

الرجل يشتري من الرجل المتاع ثمَّ يدعه عنده فيقول: حتى آتيك بثمنه قال عليه السّلام: إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيام و إلا فلا بيع له»٦4، و في موثق ابن الحجاج قال: «اشريت محملا فأعطيت بعض ثمنه و تركته عند صاحبه ثمَّ احتبست أياما جئت إلى بائع المحمل لآخذه فقال: قد بعته فضحكت ثمَّ قلت:

لا و اللّه لا أدعك أو أقاضيك فقال لي: ترضى بأبي بكر بن عياش؟ قلت: نعم فأتيته فقصصنا عليه قصتنا فقال أبو بكر بقول من تريد أن أقضي بينكما؟ بقول صاحبك أو غيره؟ قلت: بقول صاحبي قال سمعته من أشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام و إلا فلا بيع له»٦٥، و في موثق ابن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام: «من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام و لم تجي‏ء فلا بيع»٦٦.

و أما موثق ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل اشترى جارية و قال: أجيئك بالثمن فقال عليه السّلام: «إن جاء فيما بينه و بين شهر و إلا فلا بيع له»٦۷، شاذ يردّ علمه إلى أهله.

و المنساق من الأخبار المتقدمة نفي البيع المتعارف المعهود بين الناس و هو البيع اللازم، و أما نفي أصل الصحة كما نسب إلى الشيخ رحمه اللّه و غيره فهو خلاف السياق و إن كانت كلمة «لا» ظاهرة في نفي الحقيقة و لكنه مسلم فيما إذا لم يكن عرف خاص على الخلاف بل يمكن أن يقال: أن كثرة استعمال كلمة «لا» في نفي الأثر أظهر من استعمالها في نفي الحقيقة فيكون المقام من تقديم الأظهر على الظاهر، مع أن الشيخ الذي هو الأصل لهذا القول رجع إلى قول المشهور.

و أما احتمال انفساخ العقد شرعا كانفساخه بتلف المبيع قبل القبض أو بطلان البيع رأسا بعد الثلاثة فلا وجه لهما بعد استظهار عدم اللزوم من هذه الأخبار كما مر.

و يشترط في هذا الخيار أمور.

الأول‏: عدم قبض المبيع، و يدل عليه مضافا إلى دعوى الإجماع الملازمة الغالبية بين عدم قبض الثمن المنصوص به فيما تقدم من النصوص و عدم قبض المبيع، و قوله عليه السّلام في خبر ابن يقطين «فإن قبض بيعه» فإن استعمال المصدر بمعنى اسم المفعول شائع خصوصا مع وجود قرينة عليه في المقام و هو لفظ «القبض» فلا وجه لما يظهر من صاحب الجواهر من عدم اعتبار عدم قبض المبيع، و يشهد له اشتمال السؤال فيه على عدم قبض المبيع فإنه و إن لم يصح الاستدلال بالسؤال و لكنه لا يخلو عن شهادة لما قلناه.

و احتمال التشديد فيه فيكون بمعنى قبض البائع الثمن خلاف الظاهر يحتاج إلى قرينة و هي مفقودة فإن استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر جدا.

الثاني‏: عدم قبض تمام الثمن، و يدل عليه النصوص التي تقدم التعرض لها.

الثالث‏: عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين، للإجماع على اعتبار هذا الشرط، مع أنه المنساق عرفا من النصوص في هذا الحكم المخالف للأصل فلا وجه لخيار التأخير في السلف و النسية، مع أنه لا وجه لخيار التأخير فيهما من جهة أخرى و هي قبض الثمن في الأول و قبض المثمن في الثاني.

لأن ظاهر قوله عليه السّلام في موثق ابن يقطين المتقدم: «فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما» هو قبض تمام المبيع، و كذا قوله عليه السّلام: «من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام و إلا فلا بيع له» فإنه ظاهر في تمام ما وقع عليه البيع من الثمن، و كذا غيره من سائر الأخبار، و يشهد له خبر ابن الحجاج المصرح فيه‏ بأنه أعطى بعض الثمن فإنه و إن وقع في كلام السائل لكن لا يخلو عن شهادة كما تقدم، على أن المتعارف كان قبض تمام المبيع إلا أن يكون شرط على الخلاف في البين و الخيار إنما تثبت عند تخلف هذا المتعارف.

إن قيل: يمكن دعوى الانصراف إلى صورة عدم قبض شي‏ء من العوضين.

يقال: لا وجه له، مع ان المعاوضات الواقعة بين الناس إنما تقع مع قبض تمام العوضين حالا إلا مع التراضي على الخلاف.

و دعوى: أن المرجع في صورة الشك أصالة اللزوم، لا ينفع مع ظهور الأخبار في الخلاف. و أما احتمال تبعيض الخيار فلا خيار بالنسبة إلى ما قبض و يثبت بالنسبة إلى ما لم يقبض فهو خلاف الأغراض المعاملية و خلاف المنساق من الأدلة لا يصار إليه إلا مع وجود القرينة عليه و هي مفقودة.

(مسألة ۱): يثبت هذا الخيار فيما إذا كان المبيع عينا شخصيا (۱۹۹)، بل و في الكلي الذمي أيضا (۲۰۰) و الأحوط أن يكون الفسخ برضا الطرفين (۲۰۱)، و لا فرق في الثمن بين أن يكون معينا أو كليا (۲۰۲).

نصا و إجماعا بلا خلاف من أحد، و كذا في الصاع من صبرة لأن الكلي في المعين كالعين الخارجي في جملة من الجهات.

البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و اخرى‏: بحسب المرتكزات.

و ثالثة: بحسب الروايات.

و رابعة: بحسب الكلمات.

أما الأول‏: فمقتضى الأصل اللزوم عند الشك في ثبوت الخيار كما أثبتنا ذلك في أول الخيارات فراجع.

و أما الثاني‏: فتسليم العوضين من البيوع الحالة بعد وقوعها من أهم الأغراض العقلائية المعاملية النوعية التي يعتنون به نحو اعتنائهم بأصل مالهم بلا فرق في ذلك بين الشخصيات و الكليات فتكون هذه الجهة كسائر الجهات الموجبة للخيار لديهم و من أخر ذلك فقد ضيق سلطنة المالك على ماله و هو في نفسه نحو ضرر فلا بد من تداركه بالخيار فلا وجه للتمسك بالأصل مع هذا المرتكز.

و أما الثالث‏: فقد ذكر فيها البيع أي المبيع، و الشي‏ء و المتاع و شمول كل ذلك للكلي مما لا ينكر.

نعم، رواية ابن الحجاج المتقدمة ظاهرة في العين الشخصي بقرينة قوله:

«و تركته عند صاحبه» و لكنه في سؤال السائل فليس مخصصا للحكم.

و أما الأخير: فقد نقل الشيخ في مكاسبه جملة من أقوالهم مستظهرا منها الاختصاص لكن الشهيد لم ينسبه إلا إلى الشيخ مع أن المدار على الدليل لا على كلمات الأصحاب ما لم يصل إلى الإجماع المعتبر و هو ممنوع.

للخروج عن خلاف من ذهب إلى اختصاص خيار التأخير بما إذا كان المبيع شخصيا دون ما إذا كان كليا ذميا.

لما مر في المبيع و ادعى القطع في الجواهر بعدم الفرق بينهما في الثمن.

أقول: و لم أر مخالفا في ذلك و هذا يشهد لعدم الفرق بينهما في المبيع أيضا.

(مسألة ۲): لا فرق في ثبوت الخيار بينما إذا كان عدم القبض لعذر أولا (۲۰۳) و لو قبض أحد العوضين دون الآخر فلا خيار (۲۰٤)، و كذا لو بذل المشتري الثمن و لم يأخذه البائع أو بالعكس (۲۰٥).

لإطلاق الأدلة الشامل لكل منهما.

لأصالة اللزوم بعد خروجه عن مورد الأدلة.

لأن الخيار نحو إرفاق بالنسبة إلى من عطل حقه و لا وجه للإرفاق في المقام، مضافا إلى أصالة اللزوم بعد خروجه عن منصرف الأدلة أو الشك في شمولها له.

(مسألة ۳): يعتبر في القبض المسقط للخيار أن يكون جامعا للشرائط، فلو كان فاقدا لبعضها لا يسقط به الخيار (۲۰٦).

لأن ذلك هو المنساق من القبض في كل مورد اعتبر فيه و القبض الفاقد لبعض الشرائط كالعدم فيشمله إطلاق الأخبار الدالة على الخيار مع عدم القبض و يأتي التفصيل في أحكام القبض.

(مسألة ٤): ليس هذا الخيار على الفور (۲۰۷). فلو أخر الفسخ لم يسقط الخيار إلا بإحدى المسقطات.

لظهور قوله عليه السّلام في صحيح زرارة «فلا بيع له»٦۸ في الإطلاق مضافا إلى استصحاب بقاء الخيار.

(مسألة ٥): يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد (۲۰۸)، و بإسقاطه بعد الثلاثة (۲۰۹)، بل و كذا يسقط بإسقاطه قبلها أيضا (۲۱۰)، و يسقط أيضا بأخذ الثمن بعد الثلاثة بعنوان الاستيفاء (۲۱۱) لا بعنوان آخر كالعارية و غيرها (۲۱۲)، و لا يسقط بمطالبة الثمن إلا إذا كانت قرينة معتبرة في البين دالة على إنها كاشفة عن الرضا (۲۱۳). و لا يسقط ببذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل فسخ البائع (۲۱٤).

لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشرط، و قد تقدم ما يتعلق به من البحث في الخيارات السابقة فراجع. لأن الدليل و الإشكال و الجواب واحد في الجميع و المتعارف بين الناس انه يكفي في الإسقاط معرضية الثبوت عرفا و لا يحتاج إلى التحقق الخارجي.

لوجود المقتضى و فقد المانع حينئذ من كل جهة فتشمله قاعدة ان لكل ذي حق إسقاط حقه ما لم يدل دليل على الخلاف.

لما مر مكررا من كفاية المعرضية للثبوت في الإسقاط و السقوط عرفا فلا يكون من إسقاط ما لم يجب.

لأنه إمضاء فعلى للمعاملة و إسقاط فعلى للخيار فلا وجه لبقاء الخيار بعد ذلك.

لأصالة بقاء الخيار بعد كون هذا النحو من الأخذ أعم من الإمضاء.

لأن مجرد المطالبة أعم من الرضا إذ يمكن أن يكون لأجل اختبار حال المشتري أو غيره من الأغراض الصحيحة.

للأصل بعد عدم دليل على السقوط بذلك.

(مسألة ٦): لا يشترط في ثبوت خيار التأخير عدم خيار آخر في البين سواء كان مشتركا بين المتعاقدين أو مختصا بأحدهما شرطا كان أو غيره و سواء كان قبل الثلاثة أو حينه أو بعده أو استمر من أول العقد إلى بعد الثلاثة (۲۱٥).

لأن الخيارات المتعددة حصص خاصة من أقسام الخيار و لا تنافي بين تلك الحصص في حد ذاتها و لا بين الأغراض المعاملية المتعلقة بها، و يمكن أن يتعلق بكل واحد منها غرض خاص حتى مع إمكان تحصيل ذلك لغرض من خيار آخر، لأن تعدد أنحاء السلطنة و مناشئها مرغوب فيه عند العقلاء كما يمكن أن يتعلق بكل واحد منها غرض خاص حتى مع إمكان تحصيل ذلك لغرض من خيار آخر، لأن تعدد أنحاء السلطنة و مناشئها مرغوب فيه عند العقلاء كما يمكن أن يتعلق بكل واحد منها أغراض متعددة و هذا واضح لمن راجع وجدانه فما هو المعروف من أن خيار التأخير ثابت حتى مع وجود خيار آخر مطلقا صحيح لا اشكال فيه.

إن قيل: مع إمكان تدارك البائع ضرره بخيار الشرط مثلا يكون جعل خيار التأخير له لغوا و باطلا.

يقال: لا اختصاص لهذا الإشكال بالمقام بل يجري في كل مورد جمع فيه‏  خياران أو أكثر و الجواب عنه ما أشرنا إليه من أن نفس تعدد منشأ السلطة على حل العقد مرغوب اليه خصوصا في بعض المعاملات و مع بعض الأشخاص هذا مع إطلاق أدلة الخيارات مطلقا و أصالة عدم مانعية بعضها عن بعض، و صحة اجتماع حقوق متعددة و لو من حيثيات مختلفة. هذه خلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام، و من أراد التفصيل بأزيد من ذلك فعليه بمراجعة ما كتبه شيخنا الأنصاري في المقام ثمَّ حواشي مشايخنا العظام لعله يظفر بفائدة أخرى من إفادات هؤلاء الأعلام قدس سره.

(مسألة ۷): المراد بالثلاثة أيام هو بياض اليوم (۲۱٦) و لا يشمل الليالي (۲۱۷)، و لكن الليلتين المتوسطتين داخلتان (۲۱۸) فلو أوقع البيع في أول النهار يكون آخر الثلاثة غروب النهار (۲۱۹). نعم، لو وقع في الليل تدخل الليلة الأولى أو بعضها في المدة (۲۲۰)، و يكفي التلفيق (۲۲۱). فلو وقع البيع في أول الزوال يكون مبدأ الخيار بعد زوال اليوم الرابع و هكذا.

لأنه المنساق من اليوم عند الإطلاق في المحاورات، مع ظهور الاتفاق شرعا و لغة.

لخروجها عن إطلاق اليوم عرفا، و شرعا، و لغة.

للاستمرار المتفاهم اعتباره من الأدلة و لا يتحقق ذلك إلا بدخولهما كما في ثلاثة الحيض، و خيار الحيوان و نحوهما مما يعتبر فيه الاستمرار.

لخروج الليلة الأولى و الأخيرة عن الأيام الثلاثة و دخول المتوسطين و لا يكون ذلك إلا بما ذكرناه.

لأنه لا معنى للاستمرار المعتبر فيه إلا ذلك.

لأنه لا يتصور وجه معتبر لاعتبار الموضوعية الخاصة في اليوم التام و إنما ذكرت الأيام في نظائر المقام من باب كونها طريقا لكمية خاصة من الزمان و هي متحققة في التلفيق كتحققها في اليوم التام.

نعم، لو كانت قرينة خاصة في البين دالة على تعين اليوم التام بالخصوص يتعين و لكنها مفقودة مع اختلاف وقوع العقود في الخارج بحسب الزمان و غلبة عدم وقوعها مقارنا لطلوع الشمس، و قد مر في مباحث الحيض و خيار الحيوان بعض ما يناسب المقام فراجع.

(مسألة ۸): لا يثبت هذا الخيار في غير البيع من سائر المعاملات (۲۲۲).

لأصالة اللزوم بعد اختصاص الأخبار بالبيع.

نعم، لو كان في البين غبن يثبت الخيار من تلك الجهة فيها.

(مسألة ۹): لو رضي البائع بالتأخير- أو ضمن الثمن ضامن عن المشتري- فلا خيار (۲۲۳).

لعدم الموضوع له في الصورتين.

(مسألة ۱۰): لو اختلفا في مضي الثلاثة فالقول قول المشتري (۲۲٤)، و لو اختلفا في كون العقد حالا أو مؤجلا أو تحقق القبض و عدمه فالقول قول البائع (۲۲٥).

لاستصحاب البقاء، سواء كان ذلك من جهة الاختلاف في مبدأ العقد أو من جهة أخرى.

للأصل ما لم تكن قرينة على خلافه.

(مسألة ۱۱): لو تلف المبيع كان من مال البائع (۲۲٦) في الثلاثة و بعدها (۲۲۷).

للنص، و الإجماع، ففي النبوي المعمول به: «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه»٦۹ و رواية ابن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل اشترى‏ متاعا من رجل و أوجبه غير إنه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال: آتيك غدا إن شاء اللّه فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله»۷۰.

لإطلاق ما مر من الحديثين، و إطلاق معقد الإجماع، و المشهور عدم الفرق في كونه على البائع بين ما إذا كان التلف في الثلاثة أو بعدها، و عن الخلاف دعوى الإجماع عليه.

و نسب إلى جمع من القدماء أن التلف في الثلاثة من المشتري، و استدلوا عليه.

تارة: بالإجماع.

و اخرى: بقاعدة التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له.

و ثالثة: بقاعدة الخراج بالضمان يعني: من يكون المال ملكه و منافعه له يكون التلف عليه أيضا و لا ريب في ان المبيع ملكه و منافعه للمشتري فلا بد و إن يكون تلفه عليه.

و الكل مخدوش: أما الإجماع فموهون.

بدعوى: الإجماع على الخلاف و فتوى المشهور بعدم الفرق بين كون التلف في الثلاثة أو بعدها.

و أما قاعدة التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له فلا مجرى لها في‏ المقام تخصصا لأن القاعدة فيما إذا تحقق القبض و المفروض في المقام عدمه، مع أن موردها أن تزلزل الملك المنتقل إلى ذي الخيار هو الموجب لكون تلفه من مال غير ذي الخيار كما في الحيوان المشترى، فإن ملك المشتري له متزلزل فتلفه يكون من البائع و أما إذا لم يكن ملك المنتقل إليه متزلزلا فتلفه كما هو مقتضى طبع الملك من مالكه و لا ريب في أن المبيع ليس منتقلا إلى البائع ملكا متزلزلا حتى يكون تلفه من المشتري لمكان خيار البائع بل هو منتقل إلى المشتري انتقالا لازما من طرفه فتلفه بمقتضى طبع الملك عليه و لكن حيث انه قبل القبض يكون من البائع فلا تجري قاعدة التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له تخصصا من جهتين كما مر. هذا مضافا إلى ما سيأتي في محله إن شاء اللّه تعالى من اختصاص هذه القاعدة بخيار المجلس و الشرط و الحيوان و لا تجري في جميع أقسام الخيار. و أما قاعدة الخراج بالضمان، و من له الغنم فعليه الغرم فلا ريب في اعتبارها في الجملة لكنها مخصصة بقاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه و لا اشكال فيه فما هو المشهور من عدم الفرق بين التلف في الثلاثة و بعدها متين كما مر.

(مسألة ۱۲): إذا باع ما يسرع إليه الفساد بحيث يفسد لو صار بائتا- كالبقول، و بعض الفواكه و اللحم في بعض الأمكنة و الأوقات و نحوها- و بقي عنده و تأخر المشتري من أن يأتي بالثمن و يأخذ المبيع فللبائع‏ الخيار قبل أن يطرأ عليه الفساد فيفسخ البيع و يتصرف في المبيع كيف يشاء (۲۲۸).

و قد جعله في الروضة خيارا مستقلا و سماه بخيار ما يفسده ليومه، و الأصل فيه مرسل محمد بن أبي حمزة عن الصادق عليه السّلام أو الكاظم عليه السّلام: «في الرجل يشتري الشي‏ء الذي يفسد من يومه و يتركه حتى يأتيه بالثمن قال: ان جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و إلا فلا بيع له»۷۱، و في صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم إلى الليل»۷۲، و المراد به تعهد الالتزام بالبيع، و الظاهر عدم كون هذا الخيار تعبديا محضا بل المناط فيه عدم تضرر البائع بالتأخير فمتى حصلت المعرضية لتحقق الضرر يحصل الخيار قبل حدوثه و على هذا يصح التعدي إلى ما يفسد في أقل من اليوم أيضا. بل يتعدى إلى تنزل قيمة السوق أيضا إذا عدّ ذلك ضررا في عرف المتعاملين و المرجع في الضرر متعارف أهل الخبرة من كل معاملة و ليس تشخيص ذلك من شأن الفقيه و في الشك في تحققه يرجع إلى أصالة اللزوم.

السادس: خيار الرؤية (۲۲۹) و هو فيما إذا اشترى أو باع شيئا موصوفا غير مشاهد ثمَّ وجد على خلاف ذلك الوصف يثبت الخيار، و كذا إذا وجد على خلاف الرؤية السابقة (۲۳۰).

للإجماع، و لقاعدة نفي الضرر، و صحيح جميل قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها، فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلبها ثمَّ رجع فاستقال صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: انه لو قلب منها و نظر إلى تسعة و تسعين قطعة ثمَّ بقي منها قطعة و لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية»۷۳، و لا بد من حمله على صورة تخلف الوصف، و على ما إذا صح بيع الضيعة إما بوصف القطعة غير المرئية أو بكشف ما رآه منها عن ما لم يره و ظاهر هذا الصحيح و إن كان مختصا بالمشتري إلا أن ظاهرهم الاتفاق على عدم الفرق بينه و بين البائع.

ثمَّ ان دعوى انه لا وجه لأن يعد هذا خيارا مستقلا، لأنه اما يرجع إلى خيار الغبن أو خيار العيب أو خيار الشرط.

مخدوش: إذ ليس المناط في أقسام الخيارات على الدقة العقلية و إلا لأمكن إرجاع جملة منها إلى خيار واحد بل المناط الانظار المعاملية العرفية المتعارفة بين الناس.

كما انه لا وجه لدعوى بطلان أصل البيع لأن المقصود هو المقيد بوصف خاص و البيع وقع على غيره، فما وقع عليه العقد لم يقصد و ما قصد لم يقع عليه العقد. لأن الوصف ليس من المقومات بل هو طريق إلى الذات فلا موضوعية له.

المدار في هذا الخيار تخلف الوصف الذي وقع عليه العقد سواء كان بالتوصيف اللفظي أو بالتواطي عليه أو بالاعتماد على سبق الرؤية أو باختبار جزء من أحد العوضين و قياس البقية عليه، و ذكر الرؤية في الحديث و كلمات الفقهاء من باب ذكري احدى المصادق و أهمها لا لخصوصية فيها بالخصوص.

(مسألة ۱): الخيار هنا بين الرد و الإمساك مجانا (۲۳۱) و ليس لذي الخيار حق أخذ الأرش (۲۳۲).

لأنه المنساق من إطلاق الخيار، و أخذ الأرش يحتاج إلى دليل مخصوص و هو مفقود و هذا هو المشهور بين الأصحاب و المتفاهم من صحيح جميل و معقد الإجماع عرفا فلا وجه لاحتمال التخيير بين الرد و الإمساك و الأرش.

بدعوى: ان الضرر يدفع بذلك أيضا، لأن أخذ الأرش خلاف المتعارف في المعاملات إلا بدليل يدل عليه كما في خيار العيب أو بالتراضي و هو خارج عن محل الكلام، كما لا وجه لتعين أخذ الأرش لذلك أيضا.

لأصالة عدم ثبوت هذا الحق له.

نعم، يصح ذلك بالتراضي لأن الحق بينهما فيجوز لهما بكل ما تراضيا عليه.

(مسألة ۲): لا يسقط هذا الخيار ببذل الأرش و لا بإبدال العين بعين أخرى (۲۳۳).نعم، لو كان للوصف المفقود دخل في الصحة توجه أخذ الأرش (۲۳٤).

لأصالة بقاء الخيار و عدم سقوطه بعد ثبوته، مع أن التملك الجديد يحتاج إلى معاوضة جديدة و المفروض عدمها.

نعم، يصح التصالح و التراضي على إسقاطه بكل منهما فيكون عوضا عن إسقاط الحق و لا بأس به.

لدخوله حينئذ في خيار العيب فيجري عليه حكمه و يخرج من خيار الرؤية موضوعا.

(مسألة ۳): مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة حين المعاملة (۲۳٥)، و يشترط في صحته إما الرؤية السابقة مع عدم اليقين بزوال تلك الصفات، أو توصيفه بما يرفع به الجهالة الموجبة للغرر بذكر جنسها و نوعها و صفاتها التي تختلف باختلافها الأثمان و يتفاوت لأجلها رغبات الناس (۲۳٦).

لظهور الإجماع على عدم جريانه في الكلي الذمي، مع انه لا يعقل تخلف الوصف فيه حتى يثبت فيه الخيار، لأنه مع تخلف الوصف لا يتحقق الوفاء أصلا فيجب الدفع ثانيا مع الوصف.

نعم، يجري في الكلي الخارجي كالصاع من الصبرة و الحصة المشاعة.

لأنه بدون ذلك يكون أصل البيع باطلا من جهة الجهالة و الغرر فلا يبقى حينئذ موضوع للخيار مع أن هذا الشرط مجمع عليه عندهم كما لا يخفى على من تأمل كلماتهم و ان اختلفت تعبيراتهم لكن مئال الكل إلى واحد بعد التأمل و لا ينبغي إطالة الكلام فيما يكون المرجع فيه أهل الخبرة لأنهم أعرف بمثل هذه الأمور من الفقيه.

(مسألة ٤): هذا الخيار فوري (۲۳۷)، و لكن الأحوط التراضي مع التأخير (۲۳۸).

لأصالة اللزوم بعد عدم دليل على التراضي، لأن دليل هذا الخيار إما الإجماع، فالمتيقن منه إنما هو الفور مع ذهاب المشهور إلى الفورية بل نسب إلى إجماع المسلمين إلا أحمد و الظاهر أنه غير مخالف أيضا، لإمكان استظهار الفورية العرفية من قوله و المشهور أيضا يقولون بذاك فلا مخالف، و إما إطلاق‏ صحيح جميل المتقدم فلا وجه للتمسك به، لاحتمال أن يكون المراد بقوله «خيار الرؤية» أي: الخيار عند الرؤية بحيث تكون الرؤية ظرفا لحدوثه و إعماله لا منشأ لحدوثه فقط، مع أن الإجماع مقيد له على فرض ثبوت الإطلاق و لا يجوز التمسك باستصحاب بقاء الخيار أيضا، لوجود الإجماع على الخلاف، مع أن الموضوع غير محرز، لما مر من احتمال كون الرؤية ظرفا لإعمال الخيار لا لحدوثه فقط.

لاحتمال أن يكون الإجماع مدركيا مع إمكان المناقشة في المدرك إلا إذا ثبت أنه تعبدي محض.

(مسألة ٥): يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد، و بإسقاطه بعد الرؤية (۲۳۹)، و بالتصرف في العين بعد الرؤية تصرفا كاشفا عن الرضاء بالبيع (۲٤۰)، و المبادرة على الفسخ بعد الرؤية (۲٤۱).

أما الأول‏: فلعموم دليل الوفاء بالشرط و قد تقدم التعرض للإشكال الوارد على هذا الشرط في اشتراط سقوط سائر الخيارات في ضمن العقد و أجبنا عنه و لا وجه للتكرار فراجع، إذ الإشكال عين الإشكال و الجواب عين الجواب.

و أما الثاني‏: فلقاعدة ان لكل ذي حق إسقاط حقه إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود و قد مر ما يتعلق بهذا في الخيارات السابقة أيضا.

نعم، في المقام إشكال آخر و هو أن إسقاط الخيار هنا يوجب بطلان أصل البيع، لصيرورته غرريا حينئذ فلا يبقى موضوع لأصل الخيار حتى يحكم بسقوطه.

و فيه: ان الغرر إما عرفي، أو شرعي.

أما الأول‏: فالعرف لا يرى هذه المعاملة مع شرط سقوط الخيار حين العقد أو إسقاطه بعده غرريا.

و أما الثاني‏: فلا بد من وجود دليل يدل على أن مثل هذه المعاملة غررية و هو مفقود.

ثمَّ انه لا فرق في ذلك كله بين كون الرؤية سبا لحدوث الخيار حين الرؤية، أو كاشفا عن ثبوته حين العقد.

و الإشكال بأنه على الأول يلزم من اشتراط سقوطه حين العقد أن يكون من إسقاط ما لم يجب. و قد مر دفعه مكررا بأنه يكفي مجرد المعرضية العرفية للإسقاط و لا يعتبر الثبوت الفعلي فيه.

لأنه حينئذ إسقاط فعلي و لا فرق في الإسقاط بين القولي منه و الفعلي، و كذا التصرف قبل الرد إن كان كاشفا عن الرضا بالبيع على كل تقدير.

لما مر من أن الخيار فوري و لكن الأحوط التراضي لو فسخ مع عدم المبادرة إليه.

(مسألة ٦): يجري خيار الرؤية في غير البيع أيضا، كالإجارة و الصلح (۲٤۲).

لظهور الإجماع و تسالمهم على ثبوت الخيار عند تخلف الوصف، و تقتضيه المرتكزات العرفية أيضا، فإنهم لا يلتزمون بالالتزام بالعقد عند التخلف بل يرون إيجاب الوفاء به و لم يردعهم الشارع.

ان قيل: أصالة اللزوم رادعة عنهم.

يقال: مع الاستهجان العرفي للزوم و بناء الشرع و العقلاء في المعاوضات على عدم التضرر إلا مع الاقدام عليه عن علم و عمد كيف تجزي أصالة اللزوم، و هل تكون قاعدة نفي الضرر حاكمة على أصالة اللزوم؟!! أو يكون بالعكس، مع إمكان حمل الاشتراء في صحيح جميل‏۷4، على المثال و الغالب لا الخصوصية، لاتفاقهم على التعدي عن المشتري إلى البائع.

مع أن النص مختص بالأول.

و بالجملة: أصالة اللزوم سواء كان لفظيا أو عمليا مأخوذة من بناء العقلاء على اللزوم في عقودهم فتجري في غير مورد بنائهم على عدم اللزوم.

(مسألة ۷): لو شرط في متن العقد الابدال مع تخلف الوصف أو بذل التفاوت صح الشرط (۲٤۳).و وجب الوفاء به (۲٤٤) و مع التخلف يثبت خيار الشرط (۲٤٥)، و يسقط خيار الرؤية (۲٤٦).

لعدم كونه مخالفا للكتاب و السنة حتى يبطل فلا بد من الصحة.

ان قلت: يبطل الشرط من حيث التعليق، بل البيع أيضا باطل من جهة الغرر سواء كان الشرط الفاسد مفسدا أو لا.

قلنا: التعليق في الشرط لا دليل على بطلانه، لأن عمدة الدليل على بطلان التعليق إنما هو الإجماع و مورده العقد دون الشرط و مطلق الإيقاعات و لا وجه لسراية التعليق من الشرط إلى العقد، لأنهما عنوانان مختلفان عرفا و شرعا.

و أما كون البيع غرريا فلا وجه له من عقل أو شرع إذ العرف يقدم عليه و لا يراه غرريا و لم يرد دليل من الشرع على كونه غرريا بالخصوص، و شمول نهى النبي عن الغرر۷٥، له ممنوع بعد اقدام العرف عليه من غير استنكار. لأن الغرر في قوله صلّى اللّه عليه و آله لا بد و ان ينزل على ما لا يقدم عليه المتعارف لا أن يكون تعبديا محضا و لا فرق في ذلك بين كون الشرط بنحو شرط الفعل أو شرط النتيجة بعد اتفاق المحققين على صحة شرط النتيجة، و لا دليل على من يدعى البطلان إلا أن النتائج و المسببات لها أسباب خاصة في الشريعة و ليس الشرط منها. و هو مردود بأن مقتضى عموم وجوب الوفاء بالشرط وجوبه لكل شرط بالخصوص إلا ما خرج بالدليل و ما خرج به إنما هو ما خالف الكتاب و السنة و لو كان ذلك باطلا لأشير إليه في الشريعة مع عموم الابتلاء به.

نعم، لو حكم العرف بعدم الحصول بالشرط أو شك فيه لا يشمله العموم.

لعموم أدلة وجوب الوفاء بالشرط.

لوجود المقتضى له و فقد المانع فيشمله الدليل بلا مدافع.

لعدم الموضوع له بعد هذا الشرط و عدم تضرر في البين.

(مسألة ۸): لو اختلفا فقال البائع: لم يقع البيع على التوصيف و قال المشتري بل وقع عليه و ليس كما وصف يقدم قول البائع (۲٤۷).

لأصالة عدم الخيار، لأن الخيار معلق على عنوان وجودي و هو العقد على الموصوف بوصف مفقود فمقتضى الأصل عدم وقوع العقد عليه، و كذا يجري الأصل الموضوعي و هو أصالة عدم التقييد بقيد يوجب الخيار بالعدم الأزلي فينتفي به موضوع أصل الخيار رأسا و لا يعارض ذلك بأصالة عدم وقوع العقد على هذا الموجود، إذ لا أثر له إلا نفي الصحة و هي معلومة مقطوع بها فلا وجه لجريان هذا الأصل بلا اشكال. هذا مع استصحاب بقاء أثر العقد عند الشك في تأثير الفسخ.

و أما ما يقال: في تقدم قول المشتري.

تارة: بأن يده على الثمن أمارة الملكية فليس للبائع انتزاعه منه كما عن الشهيد رحمة اللّه.

و اخرى‏: بأن الأصل عدم الرضا بهذا الموجود كما عن العلامة في التذكرة.

و ثلاثة: بأن الأصل عدم وصول حقه اليه كما عن المحقق‏ و رابعة: بأن الأصل براءة ذمته عن الثمن كما عن العلامة رحمه اللّه بعد تصحيحه‏ بمعنى عدم وجوب تسليمه عليه.

و خامسة: بأن اللزوم معلق على ورود العقد على هذا الموجود و الأصل عدمه و هذا الأصل مقدم على أصالة اللزوم لأن الأول موضوعي و الثاني حكمي مع أن الخيار معلق على عدم وصول حق المشتري إليه و هو مطابق للأصل كما عن شيخنا الأنصاري بعد تلخيص كلامه.

و الكل مخدوش. أما الأول‏: فلان المشتري بعد اعترافه بصحة العقد يكون يده على الثمن يد أمانة لا يد ملكية، مع انه لا كلية في هذا الوجه كما لا يخفى.

و أما الثاني‏: فلأن أصل الرضا معلوم و إلا لكان العقد باطلا فلا يبقى موضوع للخيار.

و أما الثالث‏: فلان المشتري يعترف بوصول أصل المبيع إليه و لكنه يدعي شيئا آخر لا بد له من إثباته.

و أما الرابع‏: فلان أصالة عدم اشتراط التوصيف أصل موضوعي و هو مقدم على هذا الأصل، لأنه حكمي مع انه معارض بأصالة بقاء ملك المالك على الثمن.

و أما الأخير: فلأن حق الخيار شي‏ء حادث و كل حادث يحتاج إلى سبب و مع الشك في تحقق سببه فمقتضى الأصل عدمه إلا أن يثبت تحققه بدليل معتبر يدل عليه و كل ما لم يثبت منشأ الخيار فيه بوجه معتبر يكون موضوع اللزوم بلا إشكال.

(مسألة ۹): لو اختلفا في تعيين الوصف بعد اتفاقهما على ذكر وصف فقال أحدهما: أن المذكور هو الوصف المفقود و قال الآخر: بل هو الموجود يقدم قول البائع (۲٤۸) و كذا لو اتفقا على ذكره و اتفقا في زواله‏ أيضا و لكن قال أحدهما بزواله قبل العقد و قال الآخر بزواله بعده (۲٤۹).

لأصالة بقاء ملكية كل منهما لما انتقل إليه، و أصالة اللزوم و عدم فسخ‏ العقد إلا برضائهما.

لجريان أصالة بقاء ملكية كل واحد منهما على ما انتقل إليه فلا أثر للفسخ إلا برضا الطرفين.

السابع: خيار العيب (۲٥۰). و هو فيما إذا وجد المشتري في المبيع تخير بين الفسخ و الإمضاء بالأرش (۲٥۱).

لا بد من بيان أمور.

الأول‏: هل يكون خيار العيب خيارا مستقلا أو يرجع إلى خيار تخلف الشرط أو تبعض الصفقة- بناء على تنزيل فقد وصف الصحة منزلة فقد الجزء- الظاهر هو الأول و ان أمكن تطبيقه ثبوتا على أحد الأخيرين أيضا كما يأتي في الجواب عن الإشكال الوارد في تصوير أصل هذا الخيار.

الثاني‏: خيار العيب كما هو ظاهر الأخبار إنما هو بيع العين الشخصية مع الجهل بالعيب مركبا كان أو بسيطا، و قد مر أن العلم بخصوصيات العوضين الدخيلة في المالية معتبر في صحة البيع و من أهم تلك الخصوصيات وصف الصحة و مع الجهل بها يفسد أصل البيع و لا تصل النوبة إلى الخيار حتى يبحث عنه. و أجيب عن هذا الإشكال بوجوه.

منها: الاعتماد إلى أصالة السلامة التي هي من الأصول البنائية المعاملية عند الناس و هذا الاعتماد يوجب صحة البيع و مع التخلف يتحقق موضوع الخيار لا محالة، و هذا الأصل من سنخ أصالة الصحة في الأفعال عند الفقهاء، و أصالة الاستدارة في الأجسام عند الحكماء، و أصالة الصحة في بدن الإنسان عند الأطباء.

و منها: أن وصف الصحة من قبيل الداعي و الأغراض المعاملية.

و بعبارة أخرى: من باب تعدد المطلوب.

و فيه: انه خلاف المرتكز في الأذهان.

و منها: انه من الشرط البنائي المركوزي و إن لم يكن من الشرط الذكري بمعنى أن القصد العقلي و البناء المعاملي تعلق بالصحيح، و له وجه لا بأس به، و لذا لو ذكر هذا الشرط في متن العقد يكون تأكيدا عند نوع المتعاملين لا أن يكون شيئا مستقلا في مقام بنائهم المعاملي و إلا فيكون هذا الشرط من تحصيل الحاصل بعد تحقق القصد المعاملي و بنائهم على الصحيح.

نعم، لو كان قصد الصحيح و البناء المعاملي عليه مخالفا للشرط الفعلي الإنشائي لا يكون تأكيدا حينئذ و لا بأس بثبوت الخيارين حينئذ خيار العيب و خيار الشرط. و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات و المرجع في ذلك عرف المحاورة، و أما خبر يونس: «في رجل اشترى جارية على انها عذراء فلم يجدها عذراء قال عليه السّلام: يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق»۷٦، فلا وجه للاستدلال به على أن الخيار خيار العيب فقط، إذ ليس في مقام بيان ذلك.

و منها: أن مقتضى إطلاق العقد عند نوع المتعاملين في بنائهم المعاملي هو الصحة. و هذا الوجه حسن أيضا و يمكن إرجاع بعض هذه الوجوه إلى البعض بل يمكن إرجاع الجميع إلى واحد.

الثالث‏: لا تعبد في أصل خيار العيب في الجملة لأن العقلاء يلومون من التزم بالعيب مع وصول المعيب إليه و يستنكرون على البائع إذا لم يقبل المبيع المعيب الذي سلمه إلى المشتري إذا رده إليه لأجل العيب و اللازم انما هو بيان الردع لا اقامة الدليل على الإثبات مع انه قد وردت أخبار مستفيضة دالة عليه كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

الرابع‏: لو كان المبيع كليا و سلّم البائع فردا معيوبا منه فلا ريب في أن للمشتري حق رد المعيوب، لعدم تحقق الوفاء بالعقد لفرض انه وقع على الصحيح، فهل يكون هذا ردا لأصل المعاوضة الواقعة على الكلي كما أن رد المبيع الشخصي رد لأصل المعاوضة الواقعة عليه.

و بعبارة أخرى: هل يجري خيار العيب في المبيع الكلي أو لا؟ قولان نسب إلى جمع الأول و استدل.

تارة: بإطلاق قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «أيما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ اليه و لم يبين له- إلى أن قال- و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب»۷۷، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا»۷۸.

بدعوى: شموله للكلي أيضا كشموله للشخصي.

و اخرى‏: بأنه إذا تعين الكلي في الفرد فقد استقر البيع عليه أيضا فيدخل قهرا في موضوع خيار العيب.

و بعبارة أخرى: المبيع الشخصي المعيوب: داخل في موضوع خيار العيب أولا و بالذات و الكلي داخل فيه ثانيا و بالعرض.

و ثالثة: بأن المتعارف لا يفرق بينهما و الأدلة منزلة عليه.

و نوقش في جميع ذلك.

أما الأخبار فبدعوى: ان فيها قرائن ظاهرة في العين الشخصية كقوله عليه السّلام في صحيح زرارة: «و به عيب و عوار»، و قوله «يجد فيه» أو «وجد فيه».

و يرد ذلك بأن المراد من مرجع الضمير (المبيع) و هو يصدق على الكلي و الشخصي عرفا و لغة و شرعا.

و أما الثاني: فلأن تعيين الكلي الذمي في الفرد يوجب خارجية الكلي الذمي و براءة الذمة و أما انقلاب المعاوضة إلى الفرد الخارجي فهو محال لأنه من تحقق المعلول بلا علة ورد الوفاء لا ربط له برد البيع.

و فيه: أن الخارجية معلقة على تحقق الغرض المعاملي الأهم و هو الصحة و مع العيب كيف تتحقق الخارجية من كل جهة. و أما كون انقلاب المعاوضة إلى الفرد الخارجي من تحقق المعلول بلا علة ففيه:

أولا: أنا لا نحتاج إلى الانقلاب بل نقول أن المبيع الكلي مورد الخيار و لو مع عدم الانقلاب.

و ثانيا: بعد كون الفرد عين الكلي فلا وجه للانقلاب كما هو واضح فيجري خيار العيب في الكلي أيضا و لكنه مع ذلك مشكل في مقابل أصالة اللزوم هذا إذا كان البائع بانيا على التبديل و أما مع بنائه على العدم فالظاهر جريان الخيار هذا في الكلي الذمي.

و أما الكلي في المعين فلا إشكال في جريان خيار العيب فيه إذا كان جميع أطراف الكلي معيبا و أما ان كان بعض أطرافه كذلك و بقية الأطراف صحيحا فيكون مثل الكلي الذمي.

الخامس‏: جواز الرد في مورد خيار العيب ثابت بالأخبار المستفيضة التي تأتي الإشارة إلى بعضها و بالإجماع و بناء العقلاء على ما قلناه، و أما التخيير بينه و بين أخذ الأرش فلم يشر إليه في خبر من الأخبار إلا في الفقه الرضوي: «فإن خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء رده و إن شاء أخذه أو رد عليه بالقيمة أرش العيب»۷۹ و هو مع قصور سنده ظاهر في التخيير بين أمور ثلاثة: الرد، و الأخذ بتمام الثمن، و أخذ الأرش. إلا أن يقال: بزيادة الهمزة في قوله «أورد»، و يمكن استفادة الأرش و التخيير بينه و بين الرد من قول أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح: «أيما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ إليه و لم يبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمَّ علم بذلك العوار و بذلك الداء انه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»۸۰.

بدعوى: ظهوره في التخيير بين الرد و الأرش و حيث انه يسقط الرد بعد التصرف يتعين الفرد الآخر و لا ينافيه ظهوره في اعتبار كون الأرش من الثمن‏ فإنه من باب المثال قطعا، و كذا يمكن استفادة التخيير بين الرد و أخذ الأرش من خبر جميل عن أحدهما عليه السّلام: «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا. فقال: ان كان الشي‏ء قائما بعينه رده على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب»، بالتقريب الذي قلناه، مع أن مجموع النصوص بعد رد بعضها إلى بعض و التأمل في القرائن الخارجية و الداخلية يكفي في إثبات الخيار كما لا يخفى، بل يمكن جعله مطابقا للقاعدة.

بدعوى: أن لوصف الصحة أهمية خاصة عند المتعاملين يرون فقدها قابلة للتدارك بالمال أعم من الثمن و غيره، و حيث أن وصف الصحة خارج عن حقيقة العوضين و انه من أهم مقاصد المعاملة لا بد و ان يتدارك بالمال لو شاء الطرف ذلك و لم يرد البيع، و طريق هذا الدليل بالشكل الأول هكذا: وصف الصحة من الأغراض المعاملية المهمة و الأغراض المعاملية المهمة فوتها يتدارك بالمال ففوت وصف الصحة يتدارك بالمال و حينئذ، فلو تراضيا الطرفان بالأرش فلا اشكال فيه سواء كان أخذ الأرش مطابقا للقاعدة أو مخالفا لها و إن لم يرض البائع بذلك يرد المشتري أصل البيع لئلا يقع الضرر و في مورد سقوط الرد يتعين على البائع تدارك ضرر المشتري بالأرش لقاعدة ضمان اليد لا ضمان المعاوضة.

و بالجملة: بناء المعاملة عند العقلاء على إحراز أصل المالية في العوضين فأخذ مال من الطرف بعنوان المعاوضة يقتضي دفع هذا المقدار من المال إليه، لقاعدة اليد المرتكزة في نفوس المتعاملين و المتعاوضين.

و ثمرة كون الأرش موافقا للقاعدة انه يجري في جميع المعاوضات مع فقد وصف الصحة كما يظهر من المحقق في عوض الخلع، و عن العلامة في الهبة المعوضة و مال الكتابة، و عن المسالك في المهر و لعل سكوت النصوص عن التعرض له انما هو لأجل كونه مرتكزا في النفوس لا لأجل أنه تعبد خاص في مورد مخصوص لكونه بعيدا جدا، فهو مطابق لهذا البناء فيكون عيبا  مطابقا للقاعدة.

ان قلت: فعلى هذا فلا بد من الأرش عند فقد كل وصف مع انهم لا يقولون به.

يقال: ان لوصف الصحة و فقدها أهمية خاصة ليست لغيره من سائر الأوصاف، مع أن وصف الصحة أعم ابتلاء من سائر الأوصاف فلا بد و ان يوسع في الخيار لأجلها بما لا يوسع في غيرها، مضافا إلى الإجماع على الاختصاص بخصوص فقد وصف الصحة و لأجل ذلك لا يتعدى إلى فقد سائر الأوصاف.

نعم، فقد وصف الصحة في سائر المعاوضات يوجب الأرش لما أثبتناه من كونه مطابقا للقاعدة، و لذا قال به الأصحاب في الإجارة و الصداق و نحوهما.

السادس‏: يجري خيار العيب في جميع أقسام البيع ما لم يكن محذور في البين، و أما سائر المعاوضات فمقتضى ظواهر أدلته اختصاصه بالبيع و عدم الجريان فيها إلا أن يدعى ان ذكر البيع فيها من باب المثال لكل معاوضة أو يدعي القطع بعدم الفرق أو القطع بالمناط. و الكل مخدوش.

نعم، أرش العيب ثابت في جميع المعاوضات لكونه مطابقا للقاعدة.

للإجماع على التخيير بينهما، و الأخبار المستفيضة بالنسبة إلى الرد منها خبر جميل المتقدم، و لما تقدم في الأمر الخامس بالنسبة إلى الأرش، و لحديث نفي الضرر.

(مسألة ۱): كما يثبت هذا الخيار للمشتري إذا وجد في المبيع عيبا يثبت للبائع أيضا إذا وجد في الثمن عيبا (۲٥۲).

لأنه بعد كون الخيار مطابقا لتخلف الشرط الضمني المعاملي و قاعدة نفي الضرر يكون مطابقا للقاعدة فلا فرق حينئذ بين كون العيب في المبيع أو في الثمن أو في كلاهما و إن كان ظواهر الأخبار و الكلمات في خصوص المبيع و يمكن حمله على المثال و الغالب لا الخصوصية.

(مسألة ۲): المراد بالعيب كل ما كان خلاف المتعارف و خلاف أغلب أفراد ذلك النوع (۲٥۳).

للنص، و الإجماع، و العرف، و الاعتبار، و عن أبي جعفر عن أبيه عن آبائه عليه السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب»۸۱، و هذه الكلمة المباركة تأسيس قاعدة كلية في العيب، و يدل عليه العرف أيضا، و النقص عن الخلقة معلوم لكل أحد و المراد بالزيادة: الزيادة في غير جهة الكمالات، فزيادة إصبع واحدة مثلا في العبد أو الأمة نقص بخلاف زيادة حسنها و جمالها بلغت ما بلغت، و المرجع في النقيصة و الزيادة العينية هو ثقات أهل الخبرة من كل متاع و مع الشك فالمرجع أصالة اللزوم.

و المراد بالنقص و الزيادة ما كان موجبا لنقص المالية و الأغراض النوعية المعاملية، إذ رب شي‏ء يكون عيبا في نفسه و لا يوجب النقص في المالية و الغرض المعاملي و رب شي‏ء يوجب النقص في المالية و الغرض المعاملي و لا يكون عيبا في نفسه، كما انه يمكن أن يكون شي‏ء عيبا بالنسبة إلى بعض الأشخاص دون بعض أو بعض البلدان دون بعض فيختلف المعيب و الصحيح اختلافا كثيرا بحسب الأزمنة و الأمكنة و الأشخاص و في كل مورد يرجع إلى أهل خبرته، و الحبل عيب في الإماء سواء كان من البائع أو من غيره للعرف، و النص‏۸۲، و الإجماع و أما في سائر الحيوانات فلا دليل على كونه عيبا فيكون المرجع أصالة اللزوم و عدم تأثير الرد.

(مسألة ۳): يثبت الخيار بوجود العيب واقعا حين العقد و إن لم يظهر بعد (۲٥٤). و ظهوره كاشف عن ثبوته من أول الأمر لا أنه سبب حدوثه (۲٥٥).

لأن المنساق من كون شي‏ء موجبا لشي‏ء آخر بنحو العلية أو بنحو الاقتضاء أن يكون كذلك بوجوده الواقعي فقط إلا مع قرينة على الخلاف و هي مفقودة في المقام.

لأن كل علم كاشف عن المعلوم إذا دل دليل معتبر على انه محدث للموضوع أو الحكم و لا دليل كذلك في البين، بل ظاهر الأدلة خلافه كما في جميع الأحكام العقلية و الشرعية و العرفية و الاعتبارية حيث أن العلم طريق فيها إلى الواقع إلا في موارد نادرة حيث أن للعلم فيها موضوعية خاصة لأدلة مخصوصة.

(مسألة ٤): يسقط الرد بأمور. الأول: إسقاط الرد بخصوصه بعد العقد (۲٥٦) و لا فرق بين أن يكون‏ ذلك قبل ظهور العيب أو بعده (۲٥۷). الثاني: اشتراط سقوطه كذلك في ضمن العقد (۲٥۸)، و يجوز له إسقاط الأرش أيضا في الصورتين، كما يجوز له إسقاط الأرش فقط (۲٥۹). الثالث: التصرف في المعيب تصرفا مغيرا للعين (۲٦۰) و كذا التصرف الكاشف عن الالتزام بالبيع عرفا (۲٦۱). الرابع: تغير المبيع عما كان عليه و لو بحدوث عيب فيه عند المشتري (۲٦۲)، و كذا لو تصرف فيه بنقل لازم أو جائز من بيع، أو إجارة، أو هبة، أو رهن (۲٦۳). و لا فرق في كون التصرف المغير للعين و الدال على الرضا بالبيع مسقطا بين وقوعه قبل العلم بالعيب أو بعده (۲٦٤). الخامس: التبري من العيوب بأن يقول مثلا: بعته بكل عيب (۲٦٥).و يسقط به مطالبة الأرش أيضا (۲٦٦)، و كذا يسقطان معا فيما إذا علم بالعيب و مع ذلك أقدم على الشراء (۲٦۷).

لما مر من ثبوته بالعقد، فيؤثر إسقاطه في سقوطه لا محالة، و كذا لو التزم بالعقد فإنه يسقط الرد و لا يسقط الأرش في الصورتين أما في الصورة الأولى فواضح، و أما الثانية فلأن الالتزام بالعقد أعم من الالتزام بالضرر.

نعم، إن كانت في البين قرينة مخصوصة على إسقاط الأرش أيضا تتبع.

لما مر من أن العيب بوجوده الواقعي منشأ للخيار لا بظهوره.

لعموم أدلة الوفاء بالشرط الشامل لذلك أيضا بعد وجود المقتضى و فقد المانع.

لأن الحق مطلقا بطرفيه له، و لصاحب الحق إعماله بما شاء و إسقاطه كيف ما شاء.

للنص، و الإجماع ففي الصحيح عن أبي جعفر عليه السّلام: «أيما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ اليه و لم يبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمَّ علم بذلك العوار و بذلك الداء انه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»۸۳، و المنساق من إحداث الحدث ما كان مغيرا للعين بقرينة خبر جميل عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا قال عليه السّلام: إن كان الشي‏ء قائما بعينه رده على صاحبه و أخذ الثمن و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب»۸4، و هو المتيقن من الإجماع أيضا.

لأنه لا فرق في الالتزام بالبيع بين اللفظ الظاهر فيه أو الفعل الكاشف عنه عرفا، لأن كلا منهما حجة معتبرة في المحاورات و الاحتجاجات.

لأن المنساق من أدلة هذا الخيار أن موضوعه إنما هو رد العين كما كان عليه حين العقد و مع عدم إمكانه عقلا أو شرعا فلا موضوع للخيار و إذا تغير العين بأي تغير كان فلا موضوع له كما هو واضح.

و خلاصة المقال: ان المسقط إما قولي أو فعلي، أو يكون من شرط السقوط في ضمن العقد، و إما حدوث حدث في المبيع بتلف أو نحوه سواء كان بالتصرف أو بغيره بحيث يصدق عدم كون الشي‏ء قائما بعينه و يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى ان وطي الجارية من المسقطات و جميع هذه المسقطات انما هو نحو إرفاق بالبائع فلو رضى بالرد مع ذلك فلا بأس به.

لإطلاق قوله عليه السّلام فيما مر من الصحيح: «فأحدث فيه بعد ما قبضه» الشامل لجميع ذلك.

لإطلاق الصحيح و خبر جميل الشامل لكل منهما، مع أن الرضا بالبيع التزام به مطلقا فيكون كإسقاط الرد في عرف الناس و لا يبعد اختلاف ذلك باختلاف الموارد و الأشخاص فيدور حينئذ مدار القرائن الخارجية.

للنص، و الإجماع، و بناء المعاملات بين الناس عليه فكون هذا الشرط ارتكازيا أقرب من كونه شرعيا و قد مر في صحيح زرارة: «أيما رجل‏ اشترى شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ إليه و لم يبين له- الحديث-»۸٥.

لعدم موضوع له بعد التبري من العيب، و المرجع في التبري انما هو عرف المتعاملين فكل ما صدق عليه ذلك يترتب عليه سقوط الخيار سواء كان قوليا أو فعليا أو كتبيا أو لبناء المتعاملين عليه.

إن قيل: مع التبري يبطل أصل البيع من جهة الغرر فلا يبقى موضوع للخيار حتى يسقط به.

يقال: المرجع في الغرر الموجب للبطلان إما العرف أو الشرع و كل منهما لا يحكمون ببطلان هذا النحو من البيع.

أما الأول‏: فلشيوع إقدامهم على هذا النحو من المعاملات.

و أما الثاني‏: فلظهور ما مر من الصحيح و غيره في صحة البيع.

للإجماع، و لأنه هو الذي أقدم على تضرره فلا وجه لجعل الخيار له بعد ذلك، مع ان المنساق من الأخبار إنما هو صورة الجهل بالعيب و العرف و بناء الناس في معاملاتهم يشهد بذلك، فلو أقدم المشتري العالم بالعيب على اشتراء المعيوب من البائع مع علمه به ثمَّ رده و الزم البائع بالقبول لا يرى العرف له حق الرد و يستنكرون منه إلزامه البائع بالقبول هذا مع ثبوت علمه به و أما مع اختلافهما فيه فيأتي حكمه.

(مسألة ٥): يسقط الأرش فقط فيما إذا اشترط سقوطه كذلك كما مر، و كذا فيما إذا لم يكن العيب موجبا للأرش (۲٦۸).

أما الأول‏: فلما دل على الوفاء بالشرط بعد وجود المقتضى و فقد المانع.

و أما الثاني‏: فلعدم موضوع له حينئذ فكيف يثبت ما لا موضوع له، و قد مر أن موضوع الأرش العيب بحسب الأغراض المعاملية، فما كان عيبا بحسب الأغراض المعاملية النوعية ففيه الأرش و إن لم يكن عيبا في نفسه، و ما كان عيبا في نفسه و لم يعد عند نوع المتعاملين فلا أرش فيه و يختلف ذلك بحسب اختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأشخاص و بذلك يمكن أن يرتفع النزاع بين الفقهاء.

(مسألة ٦): لو كان المبيع ربويا و ظهر فيه عيب يثبت فيه خيار العيب، و يجوز للمشتري أخذ الأرش أيضا (۲٦۹).و كذا في بيع الصرف (۲۷۰)، و لكن الأحوط في اختيار الأرش أن يكون بعنوان مصالحة جديدة لا بعنوان الأرشية (۲۷۱).

لا ريب في أن الصحيح و المعيب جنس واحد في البيع الربوي كما يأتي، و لا ريب أيضا في تحقق الربا بالزيادة العينية بل الحكمية في الجملة فبيع الربوي بجنسه إذا كان أحدهما صحيحا و الآخر معيبا صحيح بلا تفاضل إجماعا و باطل معه كذلك انما الكلام في أن أخذ الأرش من الزيادة الموجبة للبطلان أولا، و ما قيل للأول وجوه:

الأول‏: عدم الفرق في الربا الحرام بين كون العقد سببا له حدوثا أو بقاء.

الثاني‏: عدم الفرق بين كون الزيادة بجعل المتعاقدين أو بحكم الشارع.

الثالث‏: عدم الفرق بين كون الزيادة من نفس أحد العوضين أو بما يساوية من سائر الأموال.

و الكل باطل: لأنه ليس إلا من مجرد الدعوى و لا بد و إن ينقح أولا ان الربا المحرم قصدي أو انطباقي قهري، و على الأول هل يتقوم بقصد كل منهما أو يكفي قصد أحدهما فقط، و على فرض كونه قصديا هل يعتبر أن يكون ذلك بجعل منهما حين إنشاء العقد أو يكفي ذلك و لو في الأثناء، و كذا بناء على كونه تعبديا صرفا، إذ يحتمل فيه جميع هذه الاحتمالات و المتيقن كونه جعليا التفاتيا حين إنشاء العقد بإقدام من الطرفين و إثبات غيره يحتاج إلى دليل و هو مفقود، بل مقتضى الأصل و إطلاقات الأدلة عدم تحقق الربا مطلقا إلا في المتيقن من مورد الدليل، مع أن كون الأرش من الربا المعهود خلاف مرتكزات المتعاملين من الناس و يكفينا الأصل بعد عدم الدليل عليه.

و بالجملة: الأرش و الربا مخالفان مفهوما و مصداقا و عرفا و شرعا و يأتي في بيع الصرف ما ينفع المقام.

لأن الأرش إن كان جزء من الثمن يلزم قبض بعض الثمن بعد انقضاء المجلس و هو يوجب بطلان بيع الصرف بالنسبة إلى ما لم يقبض في المجلس فلا يبقى موضوع للأرش حينئذ و إن لم يكن جزء منه فلا فرق فيه بين أن يقبض في المجلس أولا و قد مر أنه ليس بجزء منه بل غرامة خارجية لا ربط له بالعوضين.

خروجا عن خلاف من جعل الأرش من العوضين و أجرى عليه أحكامهما و إن لم يكن له دليل في البين.

(مسألة ۷): لو كان المبيع صحيحا حين العقد و حدث فيه عيب قبل القبض كان ذلك كالعيب الحادث قبل العقد فيكون المشتري مخيرا أيضا بين الرد و أخذ الأرش، و كذا العيب الحادث في زمان أحد الخيارات الثلاثة من المجلس و الشرط و الحيوان، و لو حدث بعد القبض قبل انقضاء زمان الخيار (۲۷۲).

للإجماع، و لأن المستفاد من مجموع الأخبار ان حدث التلف أو النقص قبل القبض و قبل انقضاء زمان الخيار كحدوثهما قبل العقد حكما و إن اختلفا موضوعا و حينئذ فإن كان مورد الخيار الرد فقط يلحقه حكمه و إن كان مورده الرد أو أخذ الأرش يلحقه حكمه أيضا و هذا تنزيل شرعي يستفاد من‏  الأخبار كقوله عليه السّلام: «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه»۸٦، يعني أن ضمانه المعاوضي عليه و ذكر التلف من باب المثال لكل ما يصلح أن يكون دركه على البائع فيشمل المقام، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «و ان كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع»۸۷. إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في أنه ما لم تتم المعاملة بالقبض و مضي زمان الخيار يكون ضمان البائع للتعهد المعاملي باقيا و يأتي في أحكام الخيار بعض الكلام فالعيب الحادث في ظرف كون المبيع في زمان البائع كالعيب الموجود حين العقد سواء كان المبيع صحيحا حين وقوع العقد عليه أو معيبا و في الثاني يثبت الخيار من جهتين و لا محذور فيه، بل يمكن أن يثبت الخيار من جهات شتى كما لا يخفى.

(مسألة ۸): كل عيب حدث في المبيع و كان في عهدة البائع كالحادث قبل القبض أو في زمان الخيارات الثلاث لا يسقط به الرد (۲۷۳)، و أما العيب الحادث بعد القبض و بعد انقضاء زمان الخيار فيسقط به الرد (۲۷٤).

لفرض أن حدوثه بنفسه سبب مستقل لحدوث الخيار للمشتري فكيف يسقط به الخيار الذي كان ثابتا للمشتري، كما إذا وقع البيع على المعيب و حدث فيه عيب آخر أيضا في ظرف بقاء ضمان البائع هذا مع ظهور إجماعهم على عدم السقوط.

لما مر في خبر جميل‏۸۸، من أنه يعتبر في الرد كون المبيع قائما بعينه، مع أن مفهوم الرد متقوم برد العين كما كان عليه حين البيع فيصح أن يقال انه مع التعيب عند المشتري و التغير لا موضوع للرد حينئذ تخصصا.

(مسألة ۹): لو كان التغير أو التعيب بفعل البائع بلا اذن من المشتري‏ لا يمنع عن الرد (۲۷٥).

لانصراف الأدلة عنه.

(مسألة ۱۰): إذا رضي البائع برده مع التغير أو العيب مجانا أو مع الأرش يبقى التخيير (۲۷٦)، و لو زال التغير أو العيب الحادث قبل الرد يجوز الرد حينئذ (۲۷۷).

لأن سقوط الرد مع التغير إنما هو لمراعاة حقه و مع إسقاطه لحقه فلا وجه لسقوط التخيير.

لصدق قيام الشي‏ء بعينه فالمقتضي للرد موجود و المانع عنه مفقود.

(مسألة ۱۱): لو رد بالعيب السابق قبل ظهور العيب الجديد عنده ثمَّ بان الخلاف يصير رده باطلا (۲۷۸)، فلو أسقط المشتري الأرش بانيا على اختيار الرد فحدث ما يمنع عنه من عيب أو نحوه فهل يصح الرد حينئذ أو يسقط الخيار بالمرة؟ وجهان (۲۷۹) و الأحوط التصالح و التراضي.

لصدق عدم كون المبيع حين الفسخ قائما بعينه.

نعم، لو رضى البائع بذلك فلا شي‏ء عليه.

من جهة بنائه على الرد فكأن الذي حدث لا أثر له في إسقاط الرد، لعدم الموضوع له حينئذ، و من حيث أن مجرد البناء على الرد من حيث هو بناء قلبي لا أثر له ما لم يكن مبرز لفظي في البين فيؤثر مسقط الرد أثره.

(مسألة ۱۲): هذا الخيار موضوعه رد العين فلو تلف العين و رضي البائع برد البدل أيضا فهل يصح أن يكون ذلك بعنوان خيار العيب أو لا؟ وجهان (۲۸۰).

الظاهر عدم كونه من خيار العيب المعهود و لا بأس به ان كان بعنوان‏ التراضي.

(مسألة ۱۳): لو كان سبب العيب سابقا على العقد و لكن حدوثه كان بعد القبض و بعد انقضاء زمان الخيار فهل يثبت به الخيار أ و لا (۲۸۱).

يختلف ذلك بحسب الموارد فان عد نفس السبب عيبا عرفا فالخيار ثابت و إلا فلا.

(مسألة ۱٤): لو كان معيوبا حين العقد و زال العيب قبل ظهوره يسقط الخيار بطرفيه من الرد و الأرش (۲۸۲) و إن كان الأحوط التصالح بالنسبة إلى الأرش (۲۸۳).

لأن المنساق من الأدلة الدالة على الرد و الأرش انما هو العيب المستقر الذي يوجب تضرر الطرف لا الحادث الزائل فإنه كأن لم يكن عند متعارف الناس و يستنكرون من رد المعاملة أو طلب الأرش لذلك و لا وجه للرجوع إلى الاستصحاب مع انسباق الاستقرار من أخبار الباب، مضافا إلى تبدل الموضوع فلا مجرى للاستصحاب الموضوعي و لا الحكمي.

نعم، لو كان ذلك منافيا لبعض الأغراض النوعية المعاملية يثبت الخيار حينئذ لشمول الأدلة له.

خروجا عن خلاف من أثبته في المقام مع حكمه بسقوط الرد.

(مسألة ۱٥): لا يحرم عدم ذكر العيب جليا كان أو خفيا (۲۸٤) إلا إذا انطبق عليه عنوان الغش فيحرم حينئذ (۲۸٥).

للأصل بعد عدم دليل على الحرمة.

نعم، يستحب ذكر العيب مطلقا كما تقدم في آداب البيع و الشراء.

للأدلة الأربعة كما تقدم في المكاسب المحرمة فراجع‏۸۹.

(مسألة ۱٦): كيفية أخذ الأرش بأن يقوّم الشي‏ء صحيحا ثمَّ يقوّم معيبا و يلاحظ النسبة بينهما ثمَّ ينقص من الثمن المسمى بتلك النسبة (۲۸٦). فإذا قوّم صحيحا بتسعة و معيبا بستة و كان الثمن عشرة ينقص‏ من الستة اثنان و هكذا (۲۸۷)، و لا بد فيه من مراجعة أهل الخبرة (۲۸۸)، و يكفي قول واحد منهم مع حصول الوثوق و الاطمئنان (۲۸۹)، و لا يعتبر التعدد و العدالة (۲۹۰) و الأحوط اعتبارهما (۲۹۱).

البحث في الأرش من جهات.

الأولى‏: ليس الأرش من الأمور التعبدية حتى نحتاج في بيانها إلى بيان الشارع، و لا من الموضوعات المستنبطة حتى يحتاج الفقيه إلى إعمال الفكر و الاجتهاد في الأدلة بل هو من الأمور العرفية الدائرة بين التجار و المتعاملين و أهل السوق، فاللازم الرجوع إلى أهل الخبرة منهم و إذا رجعنا إلى سواد الناس و أهل السوق يقولون: ان الأرش تتميم المعيب بمال ليصير مقابلا للثمن في المالية، و هو غرامة خارجة عن ذات العوضين بحسب شخصيتهما و يمكن إرجاع ما في اللغة و كلمات الفقهاء إلى ما قلناه أيضا.

الثانية: إذا تأملنا في المعاملات الدائرة بين الناس نرى أن لوصف الصحة أهمية خاصة ليست في سائر الأوصاف فيرونه من مقومات مالية المال و إن لم يقع الثمن في المعاملة بإزائه في ظاهر المعاملة لكنه هو الغرض الوحيد الملحوظ في مالية العوضين فالإنشاء العقدي و إن وقع في الظاهر على شخص العوضين بما هما متشخصان في الخارج و لكن لب المعاملة و واقعها يدور مدار التحفظ على المالية بأي وجه أمكن فتنحل المعاملة في الواقع هكذا: «أشترى منك هذا الشي‏ء بكذا و ان نقص من ماليته شي‏ء لا بد من تداركه» فالتباني المعاملي يقع على هذا النحو من التعهد من الطرفين فيكون أرش العيب و تداركه من الضمان المعاملي في مرتكزات الناس و مراداتهم الواقعية. فهو برزخ بين المعاوضية المحضة و الغرامة الصرفة.

فما عن جمع منهم الشيخ الأنصاري، و بعض مشايخنا من أن الأرش ليس من ضمان اليد لوقوع العقد على التالف لا أنه من تلف مال المشتري في يد البائع حتى يكون من ضمان اليد و لا ضمان المعاوضة لأن المدار فيه ورود التلف على المعقود عليه قبل القبض أو زمان احدى الخيارات الثلاثة و المفروض عدمه فهو ضمان ثالث خارج عنهما.

مخدوش: فإن الضمان المعاملي عبارة عن التعهد بشي‏ء في المعاملة و لو بحسب اللب و الواقع و عدم الخروج عن عهدته يتحقق الضمان المعاملي حينئذ و يجب التدارك فالبائع التزم بالوصف للمشتري و أخذ لأجله زائدا عما يستحقه على العين فإذا تبين عدم الوصف وجب عليه أن يخرج عن عهدته بدفع عوضه فيكون مطابقا للقاعدة بحسب البناء المعاملي و مرتكزات الناس.

الثالثة: الأرش الذي يضمنه البائع مع كون المبيع معيبا انما هو ما به يتفاوت الصحيح و المعيب بالنسبة إلى الثمن المدفوع كما هو المشهور لا بحسب القيمة الواقعية، لأن القيمة الواقعية انما تلحظ مع عدم الإقدام المعاملي الصحيح في البين و المفروض تحققه عرفا و شرعا لأن ثبوت الخيار يكشف عن صحة البيع و إلا فلا وجه للخيار.

و ما عن بعض مشايخنا من أن المعاوضة لم تتسبب إلى وصف الصحة أصلا بل تستحيل أن تتسبب إليه حيث ان الوصف لا مال و لا مملوك فلا حكم له شرعا فلا معنى للمعاوضة و لا يمكن أن يؤثر في التغريم و لا في الانفساخ.

ففيه. أولا: ان التسبب إلى وصف الصحة انما هو بالإنشاء إلى نفس المعاملة فيكون التسبب إلى نفس المعاملة تسببا عرفا و شرعا إلى كل ما يتعلق كذلك.

و ثانيا: مالية الوصف و ملكيته تتبع لمالية الموصوف و ملكيته عرفا و يصح اعتبار المالية و الملكية التبعية فيه عند العقلاء و هذا المقدار يكفي في ترتب الأثر و مقتضى الأصل عدم اعتبار الأزيد من ذلك.

الرابعة: ليس في أخبار الباب منافاة لما نسب إلى الأصحاب من أن الأرش نسبة تفاوت القيمتين إلى الثمن لا القيمة الواقعية، فإن تعبيراتها هكذا: «ورد البائع عليه قيمة العيب» كما في خبر عبد الرحمن‏۹۰، و قوله عليه السّلام: «لكن يرجع بقيمة العيب» كما في خبر ابن ميسر۹۱، و قوله عليه السّلام: «و لكن يرد عليه بقيمته أو بقدر ما نقصها العيب» كما في خبر ابن حازم۹۲، و قوله عليه السّلام: «ثمَّ يرد البائع على المبتاع فصل ما بين الصحة و الداء» كما في خبر طلحة بن زيد۹۳، و قوله عليه السّلام: «و لكن تقوّم ما بين الصحة و العيب فيرد على المبتاع» كما في خبر ابن مسلم‏۹4، و قوله عليه السّلام: «و له أرش العيب»: كما في خبر حماد بن عيسى‏۹٥، و قوله عليه السّلام: «و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها»۹٦، و قريب منه صحيح زرارة۹۷، و لا بد و ان يحمل على رد ما به التفاوت بعد رد بعضها إلى بعض كقوله عليه السّلام: «ثمَّ يرد البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة و الداء»، و هذه الأخبار إما في مقام بيان أصل الضمان ساكتة عن بيان كيفيته فلا بد من الرجوع إلى القاعدة أو قابلة الانطباق على المشهور، مع انه لا وجه للتعبد في كيفية أخذ الأرش، و كذا في تعين أسعار الأشياء لأن أهل الخبرة من الناس يعرفون ذلك.

نعم، لو كان إجحاف في البين فللحاكم الشرعي إن يتدخل حينئذ ان رأى المصلحة في ذلك.

الخامسة: ظهر ما مر أن الأرش تدارك المالية الفائتة بما يوازي المسمى لوقوع الإقدام عليه لا بحسب القيمة الواقعية، لسقوطها بعد الاقدام المعاملي على قدر خاص من المسمى فالضمان المعاملي بالنسبة إلى تدارك أصل المالية متحقق قطعا و وجدانا و الثمن انما وقع بإزاء شخص المبيع و بقية المالية الفائتة غير متداركة فلا بد للمالك من تداركها على المشتري.

السادسة: يمكن تصوير الأرش المستغرق للقيمة و هو فيما إذا لم يكن العيب موجبا لخروج الشي‏ء عن المالية رأسا و لكن يحتاج إلى صرف مقدار قيمته أو أكثر لإزالة عيبه فالبيع صحيح و الخيار ثابت و الأرش متحقق لشمول‏ الأدلة لهذه الصورة أيضا. و أما إذا كان العيب موجبا لسلب المالية رأسا فلا موضوع للخيار حينئذ لبطلان البيع و أمثلة القسمين كثيرة كما لا يخفى.

السابعة: يجوز لهما التراضي عن الأرش بكل ما يتراضيان عليه كما يجوز إسقاط أصله و ذلك كله لأن الحق بينهما حدوثا و بقاء.

بقي الكلام في أمرين.

أحدهما: انه هل يتعين أن يكون الأرش من عين الثمن أو يجزي من غيره؟

ثانيهما: انه على فرض الإجزاء من الغير هل يعتبر أن يكون من النقدين أو يكفي من غيرهما أيضا؟

أما الأول: فلا ريب في ان الأرش ليس من التكليف المحض بل هو نحو حق قابل للإسقاط و الانتقال و هذا الحق في مرتبة ثبوته مردد بين كونه من المالية المحضة أو مقيدة بخصوص الثمينة فقط، و الأول معلوم قطعا و الثاني مشكوك ثبوتا فيجري فيه الأصل إثباتا فلا دليل على تعين كونه من الثمن بعد الشك في أصل اشتغال الذمة بهذه الخصوصية.

و أما الأخبار فما اشتمل منها على لفظ «قيمة العيب» أو لفظ «الأرش» فلا ريب في كونهما أعم من خصوص الثمن و ما اشتمل منها على لفظ «الثمن» كصحيحي زرارة و ابن سنان فإن استفيد منه أن ذكره من باب الخصوصية لإخراج الأرش منه تعينه في ذلك وجب ذلك، و أما ان احتمل فيه أن ذكره من حيث كونه طرفا لنسبة الأرش إليه من حيث لحاظ التفاوت بين قيمتي الصحيح و المعيب و طرف تعيين مقدار مالية الأرش فلا تدل على تعين كونه منه. و هذا الاحتمال يكفي في سقوط الاستدلال كما هو واضح.

و أما الثاني: و هو انه هل يتعين أن يكون الأرش من النقدين، أو يكفي كونه من غيرهما من كل ماله مالية في الجملة أي شي‏ء كان فمقتضى الأصل عدم اعتبار خصوصية النقدية أيضا، لأن اعتبار أصل المالية معلوم و خصوصية النقدية مشكوكة ثبوتا، فإن كان عرف معتبر على الخلاف يتبع لا محالة و إلا فيبقى الأصل بحاله.

و عن جمع منهم الشيخ الأنصاري رحمه اللّه أن الأصل في ضمان المضمونات النقد و هو صحيح في الجملة في هذه الأعصار و في غالب الأمكنة و أما ما قلّت النقود فيها و كانت المعاوضات فيها على تبادل الأجناس بعضها مع بعض كما أدركنا بعض تلك الأزمنة فأي دليل على تعيين النقدين فيها، و يشهد لذلك ما جعله الشارع في دية النفس من النقدين و غيرهما فراجع و طريق الاحتياط التراضي عند دفع غير النقدين خصوصا مع جريان العادة على النقد و لو في الجملة.

لأن النسبة بين التسعة التي تكون قيمة الصحيح و الستة التي تكون قيمة المعيب بالثلث فينقص من الثمن الثلث و هكذا.

لأنهم أعرف بهذه الأمور من الفقيه، بل لا بد للفقيه أن يرجع إليهم أيضا في تشخيص هذه الأمور و طريق الاحتياط التراضي مع ذلك.

لحجية الوثوق و الاطمئنان عند العقلاء مطلقا سواء كان ذلك في الأحكام أو في الموضوعات و لم يرد دليل على الردع إلا ما يقال من الآيات و الروايات الناهية عن العمل بغير العلم.

و هو مخدوش: لأن المراد بغير العلم ما لا يعتمد عليه العقلاء و المفروض اعتمادهم على ما يوثق به و يحصل الاطمئنان به و المراد بالعلم أعم من العلم الوجداني و كل ما يوجب الوثوق و الاطمئنان و لولاه لاختل النظام، و جميع ما ورد في الاعتماد على ما يوثق به تقرير لبناء العقلاء و مرتكزاتهم.

للأصل بعد حصول الوثوق و الاطمئنان و عدم ما يصح الاعتماد عليه، لاعتبار التعدد و العدالة إلا ذيل خبر ابن صدقة في الشبهات الموضوعية:

«و الأشياء كلها على ذلك حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة»۹۸، و قوله عليه السّلام: «حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه الميتة»۹۹، و قوله عليه السّلام في الهلال: «لا أجيز إلا شهادة رجلين عدلين»۱۰۰.

بدعوى: استفادة القاعدة الكلية منها لجميع الشبهات الموضوعية.

و فيه. أولا: أن استفادة القاعدة الكلية مما ورد في هذه الموارد القليلة ممنوعة في مقابل بناء العقلاء على الاعتماد بمطلق الوثوق في الموضوعات و يقوم بذلك نظام معاشهم و معادهم.

و ثانيا: أن مورد الأخبار المتقدمة إنما هو الشهادة في الحسيات دون الاخبار من الحدسيات و المقام من الثاني دون الأول، و لو فرض الشك في أنه من أيهما لا يصح التمسك بهذه الأخبار فيه أيضا، لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

لإطلاق الأدلة الشامل للكل، و البعض، و المعتاد و غيره. و تقدم في ستر الرأس و خلاف صاحب المدارك جار في المقام أيضا و الجواب عين ما تقدم في ستر رأس الرجل، لمساواة وجه المرأة مع رأس الرجل في المقام حكما و إشكالا و جوابا.

(مسألة ۱۷): لو اختلف أهل الخبرة في تقويم الصحيح أو المعيب أو هما معا، فقوّم الصحيح بعضهم بقدر معين و المعيب بقدر آخر منهم فان اتفقت النسبة- كما إذا قوّم بعضهم الصحيح بثمانية و المعيب بأربعة و بعضهم الصحيح بستة و المعيب بثلاثة فالتفاوت على كل منهما بالنصف‏ فيكون الأرش نصف الثمن (۲۹۲)، و ان اختلفت النسبة كما إذا قوّم بعضهم. الصحيح بثمانية و المعيب بأربعة، و بعضهم الصحيح بثمانية و المعيب بستة، فتكون النسبة على الأول بالنصف و على الأخير بالربع فيبنى على الأقل (۲۹۳) و الأحوط التصالح (۲۹٤).

لأنه لا تعارض بالنسبة إلى طبيعي النصف المستفاد من كلامهما فهما متفقان عليه من هذه الجهة فلا تعارض حينئذ في البين فيعمل بمقتضى البينتين لوجود المقتضى و فقد المانع.

لأن الثبوت الواقعي للحق بأكثر منه مشكوك فيرجع فيه إلى البراءة بعد عدم تمامية الحجية على ثبوت الأكثر.

لأن في المسألة وجوها فينبغي فيها مراعاة الاحتياط و هي:

الأول‏: الأخذ بقول الأكثر لأنه مثبت.

الثاني‏: القرعة لأنها لكل أمر مشتبه.

الثالث‏: الأخذ بأرجح القولين.

الرابع‏: الرجوع إلى القرعة في تعيين أحد القولين.

الخامس‏: تخيير الحاكم بعد عدم إمكان الجمع و فقد المرجح.

و الكل مخدوش. إذ الأول‏: مخالف للأصل مع إمكان أن يكون الأقل أيضا مثبتا.

و الثاني‏: بأنه لا تصل النوبة إلى القرعة إلا بعد فقد كل أصل موضوعي و حكمي، و قد مر أن مقتضى الأصل هو الأقل، مع أن القرعة لا يعمل بها إلا بعد تعاضدها بإجماع الأصحاب أو نص معتبر يدل عليه بالخصوص و هما مفقودان في المقام، و الثالث مفروض العدم و إلا فمع وجود الترجيح المعتبر في البين لا بد من العمل به، مع أن تخيير الحاكم في حقوق الناس لا وجه له، لأنه يرجع إلى التخيير بين أداء الحق إلى مستحقه و تركه.

ثمَّ انهم استدلوا على الجمع بين القولين و أخذ النسبة بينهما بوجهين.

أحدهما: قاعدة ان الجمع بين المتعارضين أولى من الطرح مهما أمكن.

ثانيهما: انه من الجمع بين الحقين أي البائع و المشتري و ملاحظة الطرفين.

و فيه: أن قاعدة أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ليست من القواعد المعتبرة مطلقا و موردها على فرض اعتبارها إنما هو قول الشخص الواحد أو من كان بمنزلته كالأخبار الصادرة عن الأئمة عليه السّلام حيث انهم بأجمعهم لسان واحد، و أما في الحدسيات و الاجتهادات المختلفة فلا دليل عليه من عقل أو نقل، و ليس المقام من الجمع بين الحقين، لعدم الموضوع له بل من دوران الأمر بين الاستحقاق و عدمه لاستحقاق المشتري و استحقاق البائع فلا وجه للجمع بين الحقين من هذه الجهة و قد اضطربت الكلمات في المقام كما لا يخفى على من راجع المطولات فلا بد من التصالح.

ثمَّ إن المشهور ملاحظة قيمتي الصحيح و قيمتي المعيب و تنصيف كل من القيمتين فتصير على هذا قيمة الصحيح نصف مجموع قيمتي الصحيح و قيمة المعيب نصف مجموع قيمتي المعيب و هذا هو المراد بالقيمة المنتزعة في كلما تهم ثمَّ ملاحظة نسبة القيمة المنتزعة للصحيح إلى القيمة المنتزعة للمعيب فإن كان التفاوت بينهما بالربع مثلا أخذ من ثمن المسمى ربعه و إن كان بالثمن فثمنه و هكذا.

و أسهل منه ملاحظة مجموع قيمة الصحيح و مجموع قيمتي المعيب و ملاحظة نسبة المجموع إلى المجموع و الأخذ من الثمن بتلك النسبة، فإن النسبة بين المجموعين هي عين النسبة بين نصفيها.

و نسب إلى الشهيد رحمه اللّه طريق آخر لأخذ النسبة و هو ملاحظة قيمة المعيب إلى صحيحه في كل من التقويمين و أخذ الكسر الحاصل من نسبة كل معيب إلى صحيحة ثمَّ تنصيف الكسرين مثلا فالمشهور على ملاحظة النسبة بين القيمتين المنتزعتين و الشهيد على ملاحظتها بين الكسرين، و الطريقان قد يتحدان و قد يختلفان و الظاهر ان مراد المشهور أيضا ما نسب إلى الشهيد، لأنه ليس لتقويم الصحيح و المعيب من حيث هما موضوعية خاصة بل هو طريقي و مقدمي لملاحظة النسبة و الكسر المتحقق في البين فالمشهور نظروا إلى المقدمة و الطريق من حيث هو طريق و أوكلوا مورد التفاوت إلى المتعاملين بأن يتراضيا بينهما بما شاء، لأنه قد جرت السيرة بين الناس في هذه الأمور بالتسامح و التراضي. و منه يظهر أن تطويل الكلام في المقام مما لا ينبغي لندرة الابتلاء و بناء الناس على المسامحة غالبا لا على الدقة، و الشهيد نظر إلى نفس النتيجة أولا و بالذات.

(مسألة ۱۸): لو باع شيئين صفقة واحدة فظهر العيب في أحدهما فإن للمشتري أخذ الأرش أو رد الجميع (۲۹٥)، و يجوز له التبعيض برد المعيب‏ وحده، و كذا لو اشترك اثنان في شراء شي‏ء فوجداه معيبا يجوز لأحدهما رد حصته خاصة و إن لم يوافقه شريكه في ذلك، و هكذا لو اشترك اثنان في بيع شي‏ء فوجد الثمن معيبا يجوز لأحدهما رد حصته خاصة و إن لم يوافقه شريكه (۲۹٦). و لكن الأحوط عدم الخيار مطلقا إلا برضا الطرفين‏ خصوصا في القسم الأول (۲۹۷).

لوجود المقتضى لخيار العيب و فقد المانع عنه فتشمله الأدلة لا محالة.

التعدد الموجب للتبعيض إما في الثمن أو في المثمن أو في البائع أو في المشترى و البحث في ذلك.

تارة: بحسب القاعدة.

و اخرى‏: بحسب الأدلة الخاصة.

أما الأولى: فلا محذور من عقل أو شرع أو عرف في تعدد حق الخيار بالنسبة إلى أبعاض العوضين و أفراد المتعاملين فالانحلال العرفي انما يتحقق بحسب الأغراض المعاملية و ليست هذه الانحلالات بيد الشارع حتى نتعبد بها بل هي من الاعتباريات العرفية و سوادهم فما دام رأوا إنها غير ممتنعة و لم يردع عنها الشرع يصح الأخذ بها، لأن أساس المعاملات و ما يتعلق بها للعرف و منهم إلا مع تحديد شرعي فيها بنص صحيح أو إجماع صريح، و إذا راجعنا العرف لا يرون في انحلال حق الخيار في المقام بأسا، فلزوم العقد في المعيب ضرر على المشتري، كما ان لزوم العقد بالنسبة إلى الصحيح في فرض خيار المشتري في المعيب ضرر على البائع و نتيجة ارتفاع كلا اللزومين خيار العيب للمشتري و خيار تبعض البيع للبائع، و كذا الكلام فيما إذا تعدّد البائع و اتحد المشتري أو بالعكس فالمقتضي للخيار موجود و المانع عنه مفقود لأن ما يتوهم فيه المانعية أمور.

الأول‏: متعلق الخيار مجموع ما وقع عليه العقد.

الثاني‏: التبعيض مستلزم للضرر على البائع.

الثالث‏: مع التبعيض لا يصدق قيام الشي‏ء بعينه فلا وجه للخيار كما في‏ مرسل جميل‏۱۰۱.

الرابع‏: انصراف الأدلة إلى صورة وحدة العقد و وحدة الخيار.

و الكل مخدوش. أما الأول: فهو خلاف ظاهر الأدلة، و خلاف وجدان المتعاملين في أغراضهم النوعية المعاملية و بعد صحة انحلال حق الخيار لا وجه لهذا الاحتمال.

و أما الثاني: فلا وجه للضرر بالنسبة إليه بعد ثبوت خيار التبعيض له.

و أما الثالث: فلان متعلق الخيار إذا كان البعض المعيب فلا ريب في صدق كونه قائما بعينه.

و أما الأخير: فهو ممنوع و على فرضه يكون بدويا فمقتضى القاعدة جواز التبعيض مطلقا.

و أما بحسب الأدلة الخاصة فليس في البين إلا دعوى عدم الخلاف بالنسبة إلى القسم الأول فقط و في كونه من الإجماع المعتبر اشكال إن لم يكن فيه منع.

خروجا عن خلاف من خالف خصوصا في الصورة الأولى التي ادعي عدم الخلاف في عدم الخيار فيها.

(مسألة ۱۹): لو اختلفا في العيب و عدمه، أو اختلفا في كون الموجود عيبا مع عدم إمكان تبين الحال، أو اختلفا في أن حدوث العيب كان في عهدة البائع- كما إذا كان قبل القبض أو في زمان الخيار- أو انه بعد ذلك فالقول قول منكر الخيار في جميع ذلك مع يمينه (۲۹۸).

لأصالة اللزوم في جميع تلك الأقسام بعد عدم أصل موضوعي في البين و لا قرينة معتبرة على الخلاف و أما اليمين فلقطع الخصومة و اللجاج.

(مسألة ۲۰): لو رد المشتري على البائع متاعا و قال أن هذا متاعك و هو معيب و أنكر البائع ذلك يقدم قول البائع (۲۹۹)، و إذا اتفقا على الخيار و اختلفا في المتاع فقال المشتري هو لك و أنكره البائع فللمشتري إعمال الخيار (۳۰۰) و يقدم قول البائع في إنكاره للمبيع المردود (۳۰۱).

لأصالة اللزوم و عدم موجب للخيار، و أصالة عدم وقوع بيع البائع على ما رده المشتري إليه، و نتيجة هذا النزاع ترجع إلى ثبوت موجب الخيار و عدمه و مقتضي الأصل اللزوم إلا أن يثبت المشتري الخيار.

لاتفاقهما عليه بلا نزاع لهما فيه.

لأصالة عدم وقوع بيعه على هذا المتاع بالخصوص إلا إذا أثبت المشتري وقوع البيع عليه بالخصوص. و ما نسب إلى الإيضاح من تقديم قول المشتري لأصالة عدم خيانته.

باطل: لأنه تغيير لصورة النزاع بلا وجه، لأن المناط في الدعاوي مفادها الظاهري في المحاورات العرفية لا كلما أمكن للحاكم الشرعي إرجاع الدعوى إليه و تطبيقه مع أي أصل من الأصول مهما أمكن.

(مسألة ۲۱): لو اتفقا على أصل ثبوت الخيار و اختلفا في سقوطه و عدمه قدم قول من يدعى عدم السقوط (۳۰۲).

لاستصحاب بقائه بلا فرق فيه بين أنحاء المسقطات.

(مسألة ۲۲): العيب الموجب للخيار ما كان قبل العقد، أو بعده و قبل القبض، أو بعدهما و قبل انقضاء الخيارات الثلاثة (۳۰۳) و إن كان بعد ذلك فلا يوجب الخيار مطلقا (۳۰٤) إلا في موارد أربعة: الجنون، و البرص، و الجذام، و القرن فإنها لو حدثت إلى سنة من يوم العقد يثبت لأجلها الخيار (۳۰٥) و لأجل ذلك سميت بأحداث السنة.

لما مر في المسائل السابقة.

للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

لقول مولانا الرضا عليه السّلام في خبر علي بن أسباط: «الخيار في الحيوان‏ ثلاثة أيام للمشتري و في غير الحيوان أن يفترقا. و أحداث السنة ترد بعد السنة قلت: و ما أحداث السنة؟ قال عليه السّلام: الجنون و الجذام و البرص و القرن فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرد على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراه»۱۰۲، و قريب منه غيره و لا بد من حمل ما اشتمل على ذكر بعضها۱۰۳، دون تمامها على أنه من باب الاكتفاء بذكر البعض عن الكل، و على أي تقدير لا بد و ان تحمل الروايات المخالفة للمشهور۱۰4، أو ردها إلى أهلها، لعدم مقاومتها لما هو المشهور.

ثمَّ أن القرن شي‏ء يحدث في الفرج يمنع من الوطي فما في ذيل حديث ابن فضال عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «تردّ الجارية من أربع خصال: من الجنون و الجذام، و البرص، و القرن. القرن: الحدبة إلا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر و تخرج الصدر»۱۰٥، لا وجه له سواء كان التفسير من الامام عليه السّلام أو من صاحب الكافي قدس سره.

و حيث أن المسألة غير ابتلائية في هذه الأعصار و ما قاربها فلا وجه للتفصيل مع وجود الأهم في البين، و في الرجوع إلى المفصلات غنى و كفاية فإنهم رحمهم اللّه بذلوا الجهد فيما يتعلق بهذه المسائل.

(مسألة ۲۳): خيار العيب على الفور (۳۰٦).

لما عن الغنية من دعوى الإجماع عليه و لولاه أمكن أن يقال: أن مقتضى إطلاق الأدلة و استصحاب بقاء الخيار هو التراخي بناء على ما هو الحق من عدم الفرق في جريان الاستصحاب بين الشك في المقتضي و الشك في الرافع إلا إذا رجع إلى الشك في أصل موضوع المستصحب هذا و قد ناقش شيخنا الأنصاري في الإجماع فراجع.

و أما الإشكال في الإجماع و مخالفة بعض فلا يضر بعد أن كان منشأ المخالفة لأجل الاستظهارات الاجتهادية.

كما أن اقتضاء الفورية على كون مدرك خيار العيب قاعدة الضرر لأن من له الخيار لو التفت و لم يعمل الخيار فيتحمل الضرر باختياره فلا وجه للخيار.

مردود: لأن تحمل الضرر شي‏ء و المساهلة في إعمال الخيار شي‏ء غيره لا ربط لأحدهما بالآخر كما هو واضح.

(مسألة ۲٤): لو اختلفا في علم المشتري بالعيب قبل العقد و عدمه قدم قول منكر العلم به فيثبت الخيار (۳۰۷)، و لو تسالما على العيب و اتفقا على حدوث عيب فيه أيضا و اتفقا على زوال عيب في الجملة أيضا و اختلفا في أن الزائل كان ما وقع عليه العقد و زال قبل القبض فلا خيار في البين أو ان الزائل العيب الحادث، فالخيار باق (۳۰۸).

لأصالة عدم العلم بالعيب فيقدم قول المشتري.

لأصالة عدم سقوط الخيار.

(مسألة ۲٥): لو اختلفا في جهل المشتري بأصل الخيار، أو فوريته بناء عليها- يقدم قول المنكر (۳۰۹)، و لو اختلفا في البراءة من العيوب أو اتفقا عليها و اختلفا في السماع و عدمه يقدم قول المنكر (۳۱۰).

للأصل مع عدم قرينة على الخلاف.

للأصل، و ظهور الإجماع. و أما خبر جعفر بن عيسى قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي، فإذا نادى عليه برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق إلا نقد الثمن فربما زهد، فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوبا و إنه لم يعلم بها فيقول المنادي:

قد برئت منها فيقول المشتري: لم أسمع البراءة منها أ يصدق فلا يجب عليه الثمن أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب عليه السّلام: عليه الثمن»۱۰٦ فلا بد من رد علمه إلى أهله لوهنه باعراض المشهور.

(مسألة ۲٦): المرجع في موضوع العيب في كل شي‏ء أهل الخبرة بذلك الشي‏ء بلا فرق بين العيب الظاهر و الخفي (۳۱۱)، و مع الاختلاف فمع سبق السلامة يرجع إليها و كذا في العيب (۳۱۲)، و مع الجهل بالحالة السابقة فلا خيار (۳۱۳).

بعد صدق العيب على الخفي أيضا، و قد مر قول أبي جعفر عن أبيه عن آبائه عليه السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب»۱۰۷، و التشخيص في جميع ذلك موكول إلى ثقات أهل الخبرة.

للاستصحاب في كل منهما.

لأصالة اللزوم التي تقدم مكررا اعتبارها.

(مسألة ۲۷): الثفل الخارج عن المتعارف في الأدهان و نحوها عيب يثبت به الخيار (۳۱٤).

نصا، و إجماعا ففي خبر ابن عبد العزيز عن الصادق عليه السّلام: «قلت له:

رجل اشترى زق زيت فوجد فيه درديا قال عليه السّلام: «إن كان يعلم أن ذلك يكون في الزيت لم يرده و إن لم يكن يعلم أن ذلك يكون في الزيت رده على صاحبه»۱۰۸.

و لكن الصور أربعة: أن يكون الدردي موجبا لنقص المالية في المبيع عرفا فلا ريب في كونه موجبا لخيار العيب.

الثانية: ما إذا لم يوجب ذلك و باع الظرف و المظروف المعين بكذا فبان دردي يوجب نقص كمية المظروف عما زعمه المشتري و البيع صحيح لمعلومية المبيع عرفا و هذا المقدار يكفي في الصحة، و نقص كمية المظروف يكون من قبيل تخلف الداعي الذي لا يضر بالصحة.

الثالثة: ما إذا باع ما في المظروف على انه مقدار خاص معين فبان كونه ناقصا عما عينه، الظاهر أن البيع صحيح و له حق مطالبة المقدار الناقص و عليه يحمل خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليه السّلام: «أن عليا عليه السّلام قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربّا فخاصمه إلى علي عليه السّلام فقال له علي عليه السّلام لك بكيل الرب سمنا، فقال له الرجل: إنما بعته منك حكرة فقال له علي عليه السّلام إنما اشترى منك سمنا و لم يشتر منك ربّا»۱۰۹.

الرابعة: لو باع سمنا مثلا مشاهدا مع امتزاجه بما لا يتمول كما إذا باعه سمنا مشاهدا فيه صخرة مجهولة المقدار، الظاهر بطلان البيع للجهل بمقداره.

فائدة: ذكر الشهيد قدس سره في المقام خيار التدلس، و خيار تعذر التسليم، و خيار الاشتراط أي: عدم تسليم الشرط لمن اشترط له (۳۱٥)، و خيار الشركة (۳۱٦) و خيار التفليس (۳۱۷) و يمكن إدخال جميع ذلك فيما تقدم من أقسام الخيارات.

و يصح أن يستدل لها بقاعدة الضرر، و يمكن جعلها من صغريات خيار تخلف الشرط بتعميم الشرط بالشرط البنائي المعاملي العقلائي كما هو كذلك في الواقع.

كما لو ظهر بعض المبيع أو الثمن الشخصي مستحقا للغير و يسمى خيار تبعض الصفقة أيضا، و يمكن إدخالهما في العيب بتعميم العيب بكل ما فيه نقص في الغرض المعاملي و إن لم يكن نقصا في أحد العوضين.

و هو فيما إذا وجد غريم المفلس متاعه فإنه يتخير بين أخذه مقدما على الغرماء و بين الصرف بالثمن معهم و هو ثابت بدليل خاص كما يأتي في محله.

و بالجملة: يمكن إدخال بعض أقسام الخيارات في بعضها الآخر و ليس ذلك من النزاع المعنوي في شي‏ء و قد تقدم في الثامن من الأمور التي ذكرناها في أول مباحث الخيار ما يتعلق بالمقام و اللّه تعالى هو العالم.

  1. سورة القصص: ٦۸.
  2. سورة الأعراف: ۱٥٥.
  3. راجع المجلد السادس عشر صفحة: ۲۲٦- ۲4۸.
  4. الوسائل باب: ۱ من أبواب الخيار حديث: ۱.
  5. الوسائل باب: ۱ من أبواب الخيار حديث: ۲ و ۳.
  6. راجع الوسائل باب: ۱ من أبواب الخيار و راجع البخاري ج: ۳ ص: ۸۳- ۸4 ط: مطابع الشعب.
  7. الوسائل باب: ۱ من أبواب الخيار حديث: ۷.
  8. الوسائل باب: ۲ من أبواب الخيار حديث: ۲.
  9. الوسائل باب: ۲ من أبواب الخيار حديث: ۱.
  10. الوسائل باب: ۱ من أبواب الخيار حديث: ۳.
  11. الوسائل باب: ۱ من أبواب الخيار حديث: ٦.
  12. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب المكاتبة- كتاب العتق- حديث: ۱ ج: ۱٦.
  13. الوسائل باب: 4 من أبواب الخيار حديث: ۱.
  14. سنن أبي داود باب: ٥۱ من أبواب البيوع حديث: ۳4٥٥.
  15. الوسائل باب: ۱ من أبواب الخيار حديث: ۱.
  16. الوسائل باب: ۱ من أبواب الخيار حديث: ۳.
  17. الوسائل باب: ۲ من أبواب الخيار حديث: ۳.
  18. الوسائل باب: ۱ من أبواب الخيار حديث: ٥.
  19. الوسائل باب: ۳ من أبواب الخيار حديث: ٥.
  20. الوسائل باب: ۳ من أبواب الخيار حديث: ۹.
  21. الوسائل باب: ۳ من أبواب الخيار حديث: ۱.
  22. راجع الوسائل باب: ۳، ۱ من أبواب الخيار حديث: ۱، ۳، ٦، ۳.
  23. الوسائل باب: ۳ من أبواب الخيار حديث: ۳.
  24. الوسائل باب: ۳ من أبواب الخيار حديث: ٦.
  25. الوسائل باب: ۱ من أبواب الخيار حديث: 4.
  26. الوسائل باب: ۳ من أبواب الخيار حديث: ۱، 4، ٥، ۸.
  27. الوسائل باب: 4 من أبواب الخيار حديث: ۱، ۳.
  28. الوسائل باب: ۳ من أبواب الخيار حديث: ۹.
  29. الوسائل باب: ۳ من أبواب الخيار حديث: ۳، ٦، ۲.
  30. الوسائل باب: ۳ من أبواب الخيار حديث: ۲.
  31. الوسائل باب: ۱ من أبواب الخيار حديث: ۱.
  32. الوسائل باب: ۳ من أبواب الخيار حديث: ۲.
  33. الوسائل باب: 4 من أبواب الخيار حديث: ۱، ۲.
  34. الوسائل باب: 4 من أبواب الخيار حديث: ۱، ۲.
  35. الوسائل باب: 4 من أبواب الخيار حديث: ۱.
  36. تقدم في صفحة: ۱۰٦.
  37. الوسائل باب: ٥ من أبواب الخيار حديث: 4.
  38. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الخيار حديث: ۱.
  39. الوسائل باب: ٥ من أبواب الخيار حديث: ۲، ۳.
  40. الوافي ج: ۱۲ صفحة: ۸۰ حديث: ۱۷ باب: ۸٦.
  41. شرح المغني لابن قدامة ج: 4 صفحة: ۷۰ ط: بيروت.
  42. شرح المغني لابن قدامة ج: 4 صفحة: ۷۰ ط: بيروت.
  43. مستدرك الوسائل باب: ۲ من أبواب الوقوف و الصدقات.
  44. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الوقوف و الصدقات.
  45. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الوقوف و الصدقات.
  46. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب العتق حديث: ۲.
  47. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب العتق.
  48. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب العتق حديث: ۱.
  49. الوسائل باب: ۸ من أبواب الخيار حديث: ۱.
  50. الوسائل باب: ۸ من أبواب الخيار حديث: ۳.
  51. تقدما في صفحة: ۱۲٤- ۱۲٥.
  52. تقدما في صفحة: ۱۲٤- ۱۲٥.
  53. سورة النساء: ۲۹. و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: ۸ من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
  54. مستدرك الوسائل باب: ۲۸ من أبواب آداب التجارة.
  55. الوسائل باب: ۹ من أبواب آداب التجارة.
  56. الوسائل باب: ۹ من أبواب آداب التجارة.
  57. كنز العمال ج: 4 حديث: ۳۹۷ ط: الهند.
  58. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب الخيار حديث: 4.
  59. راجع ج: 4 صفحة: ۳4۱.
  60. سبق في صفحة: 4٦.
  61. سورة النساء: ۲۹ و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: ۸ من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
  62. تقدم في صفحة: ۱۰٦.
  63. الوسائل باب: ۹ من أبواب الخيار حديث: ۳.
  64. الوسائل باب: ۹ من أبواب الخيار حديث: ۱.
  65. الوسائل باب: ۹ من أبواب الخيار حديث: ۲.
  66. الوسائل باب: ۹ من أبواب الخيار حديث: 4.
  67. الوسائل باب: ۹ من أبواب الخيار حديث: ٦.
  68. الوسائل باب: ۹ من أبواب الخيار حديث: ۱.
  69. مستدرك الوسائل باب: ۹ من أبواب الخيار.
  70. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الخيار.
  71. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الخيار.
  72. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الخيار.
  73. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الخيار حديث: ۱.
  74. تقدم في صفحة: ۱۷4.
  75. راجع صفحة: ۸.
  76. الوسائل باب: ٦ من أبواب أحكام العيوب.
  77. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخيار حديث: ۲.
  78. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخيار حديث: ۳.
  79. مستدرك الوسائل باب: ۱۲ من أبواب الخيار حديث: ۳.
  80. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخيار.
  81. الوسائل باب: ۱ من أبواب أحكام العيوب.
  82. الوسائل باب: ٥ من أبواب أحكام العيوب.
  83. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخيار.
  84. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخيار.
  85. تقدم في صفحة: ۱۹۱.
  86. مستدرك الوسائل باب: ۹ من أبواب الخيار.
  87. الوسائل باب: ۸ من أبواب الخيار.
  88. تقدم في صفحة: ۱۹۱.
  89. تقدم في مجلد السادس عشر صفحة: ۱۰٥- ۱۰۸.
  90. الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام العيوب حديث: ٦.
  91. الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام العيوب حديث: ۸.
  92. الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام العيوب حديث: ۳.
  93. الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام العيوب حديث: ۲.
  94. الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام العيوب حديث: 4.
  95. الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام العيوب حديث: ۷.
  96. الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام العيوب حديث: ۱.
  97. الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام العيوب حديث: ٥.
  98. الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به.
  99. الوسائل باب: ٦۱ من أبواب الأطعمة المباحة.
  100. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب أحكام شهر رمضان.
  101. تقدم في صفحة: ۱۹۱.
  102. الوسائل باب: ۲ من أبواب أحكام العيوب حديث: 4.
  103. الوسائل باب: ۲ من أبواب أحكام العيوب حديث: ۲.
  104. الوسائل باب: ۲ من أبواب أحكام العيوب حديث: ۳.
  105. الوسائل باب: ۲ من أبواب أحكام العيوب حديث: ۱.
  106. الوسائل باب: ۸ من أبواب أحكام العيوب.
  107. تقدم في صفحة: ۱۸۹.
  108. الوسائل باب: ۷ من أبواب أحكام العيوب حديث: ۱.
  109. الوسائل باب: ۷ من أبواب أحكام العيوب حديث: ۳.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"