275- قوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ.
الأكل معروف و المراد به هنا: أخذ الربا و انتزاعه من مالكه و هو المدين.
و مادة (ربو) تأتي بمعنى الزيادة و الارتفاع و لها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم و في الحديث: «من أجبى فقد أربى» و في حديث الصدقة: «إنّها تربو في كفّ الرّحمن حتّى تكون أعظم من الجبل».
و فيه «الفردوس ربوة الجنة» أي: أرفعها، و منه أيضا: «فلا و اللّه ما أخذنا من لقمة إلا ربا من تحتها» يعني الطعام الذي دعا فيه النبي (صلّى اللّه عليه و آله) بالبركة.
و شرعا: زيادة خاصة في القرض أو في بيع أحد المثلين بالآخر مع الزيادة كما فصّلناه في (باب الرّبا) من (مهذب الأحكام).
و مادة خبط تأتي بمعنى المشي على غير استواء، يقال لمن يتصرف و لا يهتدي: يتخبط خبط عشواء، و في الدعاء «اللهم إنّي أعوذ بك أن يتخبّطني الشيطان».
و قال زهير: رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته و من تخطي يعمّر و يهرم
و يتخبطه مثل يتملكه و يتعبده أي: تتابع الخبط عليه بسبب مس الشيطان له، فتتابع سقوطه بحيث فقد رشده لا يميّز بين الخير و الشر و النافع و الضار.
و القيام خلاف القعود و المراد به في المقام: هو النهوض بأمور المعاش قال تعالى: لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد- 25].
و معنى قوله تعالى: كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ أي: لا يقوم في امور المعاش و الحياة بالوجه الصحيح و النّهج القويم و ذلك لأنّ الإنسان بل سائر الحيوان قد أودع اللّه تعالى فيه قوة يميّز بها الخير من الشر و النافع من الضار و بها ينظم شؤون حياته باتساق و انتظام و بها يهتدي الإنسان في أفعاله و اعتقاداته و ينتفع من حياته بالوجه الحسن و ما كتبه اللّه تعالى فيها، فإذا اختلّت هذه القوة الدرّاكة المميّزة اختلت أفعاله و حركاته و أحكامه فلا يرشد إلى الصحيح منها و النافع كالمصروع الذي فقد فيه التمييز. فلا يقوم في معيشته بالوجه الصحيح النافع.
و فعل المرابي في أخذه الربا من الأفعال التي ليس فيها الخير و النفع و هو خلاف ما تدعو إليه الفطرة المستقيمة و العقل في الأفعال فإنّه اختلاس و ابتزاز لأموال الناس من غير عوض فيكون في طرف زيادة و نقصان في الطرف الآخر.
و يمكن أن يكون مس الشيطان موجبا لاختلال نظمه و خبط في أموره في جميع النشآت، ففي هذا العالم يغلب عليه الوهم و الخيال و يبتعد عن الفطرة المستقيمة و القوة العاقلة فيرى كالمصروع، و في موقف الحشر يراه جميع الناس كذلك لأنّه عالم ظهور الحقائق و السرائر للجميع فيحشر المرابي كالمصروع و هذا من خواصهم و علاماتهم، فإنّ لكلّ معصية أثرها الخاص يظهر في هذا العالم عند أهل الحقائق و البصائر و في عالم الآخرة عند كشف السّرائر. فلا يكون ما في هذا العالم الذي نحن فيه الا مادة واحدة تتبادل عليها الصّور و الأعراض، بل لا معنى لدار الكون و الفساد الا ذلك و كلّ ما في الإنسان من الصّفات الحسنة أو القبيحة الذميمة ستبدو و تظهر في الدنيا أو في الآخرة.
و عليه فلا يختص خبط الشيطان بخصوص الربا بل هو عام يشمل جميع المعاصي و الآثام و لعلّ في ذكر كلمة التشبيه في الآية المباركة إشارة إلى ذلك. نعم، للخبط مراتب متفاوتة شدّة و ضعفا حسب مراتب المعاصي و المداومة عليها.
و خواص المعاصي و آثارها لا يعلمها الا اللّه تعالى أو من علّمه عزّ و جل من أوليائه و في الحديث عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «إنّ على كلّ عاص من معصيته علامة تليق به فيعرف بها صاحبها و على كلّ مطيع من طاعته أمارة تليق به فيعرف بها صاحبها و ذلك معنى قوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ [الرحمن- 39].
و قد ورد في القرآن الكريم و السنة الشريفة بعض تلك الآثار قال تعالى: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى [طه- 126]، و قال تعالى: وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً [طه- 102]، و عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «يبعث الشهيد يوم القيامة و أوداجه تشخب دما» و عنه (صلّى اللّه عليه و آله) في شهداء بدر: «زملوهم بدمائهم و ثيابهم فإنّهم يبعثون فيها يوم القيامة»
و يمكن إقامة الأدلة العقلية على ذلك و يأتي في الموضع المناسب بيانها إن شاء اللّه تعالى.
و كيف كان فليس المراد من خبط الإنسان من مسّ الشيطان هو المعنى الظاهري الجسماني فقط أي: من مسه الشيطان فأصابه الخبل و الجنون فتكون حركاته على غير انتظام و اتساق بل المراد الأعم من ذلك و ما ذكرناه آنفا من عدم استقامة أفعال الإنسان و أحكامه و عدم تطابقها مع العقل و الفطرة المستقيمة فيشمل جميع وساوس الشيطان و مكائده و حيله و مصائده، فيكون استيلاء غير القوة العاقلة على أعمال الإنسان من أقوى جهات تخبطه بالمس.
و بالجملة: انعزال الإنسان عن العقل و الشرع يكون من مسّ الشيطان و إن كان في ظاهر الأمر صحيحا و في كمال الرخاء و السعة و لكنّه في الواقع قرين الفساد و أليف الشرور و الآلام و هذا ما نراه في عالمنا المعاصر، فإنّ باستيلاء الربا و أكل المرابي له من دون أن يكون رادع يردعه قد جلب الشقاء و الدمار و استولى الفساد على أهل الأرض و يأتي في البحث العلمي تتمة الكلام.
و من ذلك يظهر أنّ الآية الشريفة لا تختص بحال المرابي في يوم القيامة و أنّ آكلي الربا يقومون كالصريع الذي تخبّطه الشيطان من المس و قد نقل في ذلك أحاديث عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله) بل يكون ذلك من مصاديق حال المرابي في يوم القيامة و أنّه أثر من آثار هذه المعصية الكبيرة كما عرفت آنفا فيكون للقيام معنى عاما يشمل القيام في الدنيا و هو النهوض بالأمر و القيام من القبر كما في الحديث.
قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا.
أي: إنّ أكلهم للربا و استحلالهم له أو إنّ الدليل على كونهم خابطين خرجوا عن جادة الصواب أنّهم قالوا في قياس باطل: إنّما البيع مثل الربا و لم يقولوا إنّما الربا مثل البيع الذي هو أقرب إلى الذهن فقد أمكن الخبط في نفوسهم و ظهر الاختلال على أفكارهم و أقوالهم فكان المعروف و المنكر لديهم سيان و قد شبهوا الربا الذي هو خلاف الفطرة المستقيمة بالبيع الذي هو المعروف بين العقلاء و هما نوعان متباينان، و لكن الخبط الذي استقر في نفوسهم جعلوا المأمور به كالمنهيّ عنه و هو قياس مع الفارق و هذا مثال لما ذكرناه سابقا من أنّ المراد من التخبط هو الخروج عن الفطرة و العقل سواء كان قوله تعالى مقول قولهم أو حكاية عن حالهم بالقول، فإنّه يدل على الخبط في كلامهم و عدم استقامة أفكارهم.
و قال بعض المفسرين إنّ المراد بقولهم إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا المبالغة في التشبيه كما في قول الشاعر: و مهمه مغبرة أرجاؤه كأنّ لون أرضه سماؤه
و لكن فساد ما ذكره يظهر مما تقدم فإنّ التشبيه إنّما حصل من التخبط الحاصل لهم من مس الشيطان و الاختلال الناشئ في أفكارهم و قد ظهر بطلان هذا القياس الذي هو خلاف المعروف في باب الأقيسة أيضا.
و مما ذكرنا يظهر الوجه فيما ذكره بعض آخر: من أنّ التشبيه بين البيع و الربا إنّما هو لأجل أنّهما مشتركان في الكسب و الفائدة و لكن في الربا واضح معلوم و في غيره موهوم.
قوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا.
جملة مستأنفة أو حالية تدل على رد مزاعمهم الفاسدة. و البيع معلوم عند العرف و قد أحلّه اللّه لأنّ فيه الحكم و المصالح التي يستفيد منها النوع، و به ينتظم الاجتماع لشدة الحاجة إليه، و فيه تحفظ مالية الأموال و يستفيد المالك ما يقابل ملكه و تتحقق به رغباته فهو قائم بالعدل، فتكون حلية البيع موافقة للفطرة المستقيمة و سنة الاجتماع.
و إنّما حرم الربا لأنّه مبنيّ على الإجحاف و الظلم و الابتزاز و سد باب المعروف و كلّ واحد من ذلك يكفي في اعتبار الربا مخالفا للفطرة و الاستقامة في الحياة، فتكون الأحكام الإلهية مبتنية على الحكم و المصالح التي تجلب السعادة للإنسان في الدارين و يدل على ذلك القرآن الكريم و السنة الشريفة بل العقل أيضا و سيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام فيه.
و الآية الشريفة غير مسوقة لتشريع حكم ابتدائي في البيع أو الربا بل سياقها يدل على الإخبار عن حكم سابق فيها كما عرفت سابقا، و لبيان خبط أفكارهم فإنّ الأمر لو كان كما يقولون لما اختلف حكم البيع و الربا، فيلزم إمّا بطلان حكمة الحكيم و هو محال أو بطلان زعمهم و هو معلوم و توطئة لما يأتي من الأحكام.
قوله تعالى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ.
الآية الشريفة تفتح أعظم أبواب رحمة اللّه جلّ جلاله و أوسعها و هو باب التوبة، و مفادها بيان حكم كلّي في كلّ معصية و هو أنّ الحكم إذا كان مشروعا و خالفه المكلّف بعمده و اختياره يوجب العصيان و استحقاق العقاب، فتجب عليه التوبة. و أما إذا لم يكن الحكم مشروعا فلا موضوع للمخالفة و العصيان و لا مورد للتوبة لفرض عدم الحكم و انطباق مفادها على الربا يكون من انطباق الكلّي على المصاديق.
و الموعظة و الوعظ: الخبر المقرون بالتخويف، و عن الخليل: التذكير بما يرقّ له القلب. و المراد به هنا: بلوغ الحكم الذي شرّعه اللّه تعالى.
و الانتهاء: الانزجار و ترك الفعل المنهيّ عنه، قال تعالى: فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة- 193].
و السلف: المتقدم، و له ما سلف، أوله ما قد سلف. أي: يعفى عمّا صدر عنه سابقا فلا شيء عليه.
و المعنى: فمن بلغه نهي و زجر عن اللّه تعالى في الربا و انزجر و ترك الربا فله ما ارتكب منه في زمن الجاهلية فلا عقاب عليه في الدنيا و الآخرة و لا ضمان، كما ذكرنا في باب الربا من كتابنا (مهذب الأحكام).
و إطلاق قوله تعالى: فَلَهُ ما سَلَفَ يشمل زمان تشريع الحكم و بعده فيعم كلّ جاهل بالحرمة ثم حصل له العلم بها و لو بعد نشر الإسلام و ظهوره.
و لكن الظاهر المنساق منه هو التوبة و سقوط العذاب عنه و أما حلية ما أخذه فيما سلف و جواز التصرف فيه بعد التوبة فلا يمكن استفادته من الآية الشريفة الا باستعانة السنة كما تعرضنا لبعضها في باب الربا، فالمعنى المستفاد من الآية المباركة سقوط أصل المعصية و منها الربا و أما التخلص من التبعات كالقضاء و الضمان و غيرهما فيحتاج إلى دليل خاص و سيأتي في البحث الفقهي تتمة الكلام.
قوله تعالى: وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ.
أي: أنّ شأنه بالنسبة إلى التوبة و العذاب الاخروي و الضمان في الدنيا موكول إلى مشية اللّه تعالى فإن شاء قبل منه التوبة و إن شاء لم يقبلها و إن شاء وضع عليه بعض الأحكام و إن شاء عفا عنه فهو العالم بالحقائق و صدق النيات يحكم بعدله فيه.
إن قيل: لا وجه لمشية العذاب قبل قيام الحجة.
يقال: الناس قبل قيام الحجة الظاهرية عليهم بإبلاغ الأحكام على قسمين:
الأول: القاصر غير الملتفت مطلقا حتّى بالنسبة إلى احتمال الضرر الاخروي.
الثاني: من احتمل الضرر الاخروي و هذا الاحتمال منجز في حكم العقل و له منشئية استحقاق العقاب بعد تمامية الحجة الظاهرية مع أنّ الربا مما يوجب اختلال النظام فيصير من القبائح العقلية.
قوله تعالى: وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
أي: و من عاد إلى تعاطي الربا بعد تمام الحجة عليه مستحلّا له يكون من الكافرين بما أنزله اللّه تعالى و هم من أصحاب النار هم فيها خالدون مع عدم التوبة الماحقة للذنب.
و يستفاد ما ذكرناه من المقابلة بين العود و بين الانتهاء الوارد في الجملة السابقة الذي هو بمعنى التسليم و البناء على عدم المخالفة فإنّها تدل على أنّ العود هو الرجوع إلى الذنب الذي لا ينتهي عنه بعد تمامية الحجة عليه، فيكون مصرّا عليه و هو في الواقع مستحل له و إن لم يظهره في كلامه الا إذا محقه بالتوبة هذا إذا كان المراد من العود ما ذكرناه.
و أما إذا كان المراد به مطلق الإتيان ثانيا مع عدم الاستحلال فيكون المراد بالخلود غير التأبيد بل بمعنى الركون كما في حديث عليّ (عليه السلام) يذم الدنيا: «لمن دان لها و آثرها و أخلد إليها» أي: ركن إليها.
276- قوله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ.
مادة (محق) تأتي بمعنى نقصان الشيء حالا بعد حال حتّى يفنى و محاق الشهر نقصانه، و هو مدة ثلاث ليال من آخر الشهر لخفاء نور القمر و نقصانه فيها، و قد يطلق المحق على ذهاب أصل الشيء و فنائه كما في الحديث «الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة» و لم يرد هذا اللفظ في القرآن الكريم الا في موردين أحدهما المقام و الثاني في قوله تعالى: وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ [آل عمران- 141].
و الارباء التنمية و الزيادة، و في الحديث عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «إنّ صدقة أحدكم تقع في يد اللّه فيربيها كما يربي أحدكم فلوه- أي المهر- أو فصيله حتّى يجيء يوم القيامة، و إنّ اللقمة لعلى قدر أحد».
و المعنى: يذهب اللّه تعالى الربا و يفنيه و يمحو البركة فيه و ينمي الصّدقات و يزيدها على خلاف ما يتوهمه الناس فإنّهم يأخذون الربا طلبا لزيادة المال و اللّه يمحقه، و لا يتصدقون خوفا من نقصان المال و اللّه يزيده و ينميه، و لا يختص نقصان الربا و زيادة الصدقات في الدنيا و الآخرة بل هما عامان فيهما.
و الآية الشريفة ترشد إلى بعض المصالح و الحكم التي من أجلها حرّم اللّه تعالى الربا و أحلّ البيع و أباح الصّدقات و رغّب إليها فيكون المحق من الآثار اللازمة للربا كما أنّ الإرباء من الآثار اللازمة للصّدقات، و ذلك لأنّ الصّدقات و الربا أمران اجتماعيان يخصان الطبقة الفقيرة و المحتاجة من المجتمع، و هم الكثرة الكاثرة يؤثر فيها كل ما يزيد في عنائها، و يستفزها كلّ ما يمسّ مشاعرها، فتهب لنيل حقوقها و الدفاع عن حياتها و إن استلزم الفناء و الفساد، و أما إذا أحسن إليها هدأت و قابلتها بالإحسان و أثرت الأثر الجميل فيها و شاع الصلح و الوئام و تبتعد عمّا يثير الفساد و الإفساد و تكون كنفس واحدة تنتشر فيها الرحمة و المحبة و التعاون، و تعيش حياة سعيدة آمنة مطمئنة و يكون كلّ ذلك سببا لزيادة المال و إنمائه أضعافا مضاعفة، كما وعد اللّه تعالى في الدنيا و الأجر الجزيل في العقبى، و لذا حث سبحانه على الإنفاق و الصّدقات و أكد على إشاعتهما و إفشائهما.
و أما إذا أسيء إلى هذه الطبقة بما يزيد في عنائها و مشقتها و عجزها قابلوها بالنكاية و الانتقام غافلين عما يترتب من الآثار المهلكة التي توجب الفساد و الدمار فتشيع العداوة و البغضاء، و يذهب الأمن و الأمان و يستولي على النفوس الانتقام فتزداد الأمراض و الآفات، فيتغيّر خلق اللّه فلا يسلم فرد أو مال من أن تصيبه آفة أو هلاك، و هذا هو معنى قوله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ و قد شهد التاريخ كثيرا من ذلك و تكفي واحدة من تلك العبر للاعتبار، و هو من ملاحم القرآن الكريم الذي صدع به و نبه المسلمين إليه.
و إطلاق الآية الشريفة يشمل المحق و الإرباء بالنسبة إلى الآثار الدنيوية و الآثار الاخروية فلا تختص بعالم دون عالم فإنّ اللّه تعالى محيط بجميع العوالم.
كما أنّه لا يختص بمحق ثواب الأعمال التي يعرض عنها المرابي باشتغاله بالربا أو التي يبطلها التصرف في مال الربا كأنواع العبادات كما يقول به بعض المفسرين بل يعم ذلك و الآثار الدنيوية كما عرفت.
و قال بعض المفسرين: إنّ المراد بقوله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا أنّ ما يطلبه المرابي من الربا بزيادة المال إنّما هو لأجل اللذة و البسطة في الجاه و المكانة و العيش الهنيء و لكن يصل إلى عكس هذه النتيجة من الهموم و الأحزان و الحب الشديد للمال و الوله بجمعه، و مقت الناس له، و المبارزة مع من يريد صرفه عن ذلك فهو حينئذ قد فقد الانتفاع بما يريد من ماله فيكون كمن محق ماله و هلك.
و ما ذكره صحيح، و لكن ذلك أثر خاص فردي، و القرآن إنّما يبحث عن هذه المسألة بما أنّها من موجبات هلاك النوع و ما يفسد صلاح الاجتماع، فهو يبيّن حكما عاما يؤثر في سعادة الإنسان نوعه و فروعه، و هذا هو شأن القرآن الكريم في أحكامه و تكاليفه فيرشد إلى موجبات سعادة الفرد بما أنّه من ضمن الاجتماع كما يسعى إلى سعادة الاجتماع بما أنّه متكوّن من الأفراد فلا هو يتكلّم عن الفرد و لا هو يسكت عنه، و هذا هو دأب هذا الكتاب العزيز.
ثم إنّه يصح نسبة المحق إلى البركة و إلى أصل المال، و كذا إرباء الصّدقات و تنميتها، فإنّ اللّه تعالى قادر على جميع ذلك، و يستفاد ما ذكرناه من مفهوم قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف- 96]، و في السنة المقدّسة من ذلك الشيء الكثير.
و التنمية و البركة و المحق مما يدركه الناس و محسوسة لكلّ فرد فإنّ المسألة اجتماعية أكثر من كونها فردية و عمر الاجتماع يفترق عن عمر الفرد مع أنّ آثار المعاصي و إن كانت خفية على الناس و لكنّها ظاهرة لذوي البصائر و من انكشفت لديهم السرائر، يضاف إلى ذلك أنّ من أمعن النظر في الاجتماع الإنساني المعاصر يرى أنّ الآثار اللازمة للربا التي نبه إليها القرآن الكريم قد ظهرت فقد تجمعت الثروة التي جعلها اللّه تعالى للنوع و تراكمت في جانب و حل الفقر و الحرمان في جانب آخر و شاع الفحشاء و المنكر و ظهر الانفصال و الافتراق بين الطائفتين الموسرين و المعسرين، و هذا ما ينذر بالخطر إن لم يتداركه عقلاء البشر و لكن أنّى يكون مع استيلاء الفساد و هيمنته على النفوس.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ.
الكفّار فعال من الكفر، أي: المقيم عليه المتمادي فيه. و الأثيم المبالغة في الإثم، أي: المنهمك في ارتكاب الآثام.
يعني: أنّ المتعاطي للربا و التارك للصّدقات قد كفر بما أنعم اللّه عليه من نعمة المال الحلال، و نعمة الأحكام الإلهية التي نزلت لسعادته فإنّ ترك الواجب و فعل الحرام كفران للنعمة و المداومة عليه قد يوجب الكفر، و كفره بالإعراض عن الفطرة المستقيمة في المعاملات، و كفره بإبطال عباداته و معاملاته بأخذه الربا، و كفره بالابتعاد عن مكارم الأخلاق و مزاولة سفاسفها، كالحرص و الطمع، فلأجل كفران هذه النّعم الكثيرة التي أنعمها عليه، فقد استقر في نفسه ارتكاب الآثام فهو كفّار أثيم و اللّه تعالى لا يحبه. و يستفاد من الآية الشريفة التعليل لمحق الربا و تحريمه.
277- قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ.
يعني: إنّ الذين صدّقوا باللّه جلّ شأنه و رسوله و ما انزل عليه و عملوا الأعمال الصالحة التي تهذب نفوسهم و تهديهم إلى سبيل الرشاد و أقاموا الصلاة التي تذكرهم باللّه تعالى و تزيد في مراقبتهم لربهم و آتوا الزكاة التي تطهّر نفوسهم من رذائل الأخلاق و تحلّيها بفضائلها أولئك لهم أجرهم الذي لا يعلم مقداره و خصوصياته الا اللّه تعالى محفوظ عنده يرعاه و يزيده و يضاعفه أضعافا مضاعفة و لا خوف عليهم من المتوقع و لا هم يحزنون على ما وقع فهم آمنون في جميع ما يرد عليهم من العوالم.
و إنّما خص سبحانه و تعالى الصلاة و الزكاة بالذكر مع أنّهما بعض الأعمال الصالحة تعظيما لشأنهما فإنّهما من أعظم العبادات البدنية و المالية و النفسية.
و في الآية المباركة بشارة للمحسنين المتصدّقين، و تعريض بآكلي الربا، و مضمونها حكم عام ينطبق على المورد انطباق الكلّي على الفرد كما أنّه قضية عقلية مقدم الآية علّة لمؤخرها، و بينهما الملازمة العقلية و الشرعية.
و تخلل هذه الآية المباركة بين الآيات الواردة في شأن الربا للإشارة إلى أنّ التكاليف الإلهية كلّها واحدة في استكمال النفس، فالمناط كلّه إقامتها و إتيانها بالشروط المقرّرة، و أنّ ترك المحرمات و منها الربا من أهمّ شرائط القبول.
278- قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
خطاب آخر فيه التأكيد الأكيد على ترك الربا، و وصف المخاطبين بالإيمان، لأنّه الداعي إلى التصديق باللّه و رسوله و الالتزام بتنفيذ التكاليف الإلهية، و أنّ المؤمنين بشرف إيمانهم تشرّفوا بالمخاطبة فكانت لهم قابلية الخطاب و بذلك تتم الحجة على الناس، مع أنّ العقل بعد التأمل و التفكر كاف في الداعوية إلى إتيان الطّاعات و ترك المعاصي، فتكون الخطابات الشرعية الإلهية إرشادا إلى الأحكام العقلية، و منشئا لصحة العقوبة على المخالفة و المثوبة على الطاعة.
ثم أمرهم بالتقوى لأنّ بها تتم حقيقة الإيمان فلا يكفي مجرد الالتزام و التصديق القلبي إن لم يقترن بالعمل، و لعظم المعصية حدوثا و بقاء.
و عقب سبحانه و تعالى ذلك بالأمر بترك ما بقي من الربا. و منه يستفاد أنّه كان في عهد نزول الآية المباركة من يتعاطى الربا و له بقايا عند الناس، و لذا قيد الكلام بأنّ ثبوت الإيمان و تماميته و حقيقته تقتضي ترك الربا حتّى ما بقي منه. ففيه التأكيد على ما تقدم، و إيماء إلى أنّ ترك الربا من لوازم الإيمان.
279- قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ.
الإذن كالعلم و زنا و معنى و لتضمنه معنى اليقين عدّي بالباء، و قرئ آذنوا (بالمد) من الإيذان بمعنى الإعلام أي: ليعلم بعضكم البعض بالمحاربة.
و الحرب مع اللّه و رسوله: هي الخروج عن طاعتهما و مخالفتهما، و يشتد عظم المحاربة حسب عظم المعصية، و لعل التنكير في الحرب لأجل ذلك.
و المعنى: و إن لم تتركوا الربا و تصرّوا على فعله فاعلموا أنّكم محاربون للّه و رسوله. و الحرب من اللّه تعالى غضبه و انتقامه و إذلال المحارب له، و تهييج ناموس الفطرة العامة عليه. كما أنّ الحرب من الرسول هي الإيذان بقتال الكافرين و إعلان العداوة مع المحاربين للّه و إرغامهم إلى الطاعة.
و إنّما ذكر سبحانه و تعالى الرسول تعظيما لشأنه، و لإثبات رسالته و سفارته الكبرى، و لبيان وحدة أصل الدعوة و أنّه لا فرق فيها بين كونها من اللّه أو من الرسول و التفرقة اعتبارية لأنّه الأصل في تبليغ الأحكام الإلهية، و لأنّ كون الحرب مع الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) أقرب إلى حصول الخوف في أنفسهم لترك الربا لأنّهم رأوا منه (صلّى اللّه عليه و آله) القتل و الإهلاك و الإفناء فربما يكون سفير الملك أهيب عند بعض القاصرين من الملك نفسه.
قوله تعالى: وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ.
أي: و إن تبتم عن أخذ الربا و رجعتم عن الإصرار على فعله، فلكم رؤوس الأموال التي دفعتموها إلى الغرماء كاملة بلا زيادة عليها و لا نقيصة فلا تظلمون بأخذ الزيادة و لا تظلمون بالنقص من رؤوس الأموال، و هذا هو قانون العدل و الإنصاف، فلا يبقى موضوع للحرب و الاعتساف، و في الآية المباركة التأكيد على ترك الربا الذي لم يقبض.
و يستفاد من الآية الشريفة: ثبوت المطالبة لصاحب الدّين على الغريم و أنّ الأخير لا يجوز له تأخير الدّين و إن امتنع كان ظالما.
280- قوله تعالى: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ.
العسر خلاف اليسر، و هما من الأمور الإضافية المختلفة باختلاف الأفراد و الجهات و الخصوصيات.
و النّظرة: التأخير و الإمهال و الآية تدل على الوجوب.
و الميسرة: مصدر بمعنى اليسر. أي: و إن كان الغريم ذا عسرة و لم يجد ما يفي به دينه فيؤخر من له الحق مطالبة حقه و يمهل الغريم إلى زمان اليسار ليتمكن من أداء الدّين و لا إثم على الغريم في التأخير مع تحقق العسر.
و الآية الشريفة لا تحدّد العسر و اليسار، و لكن السنة الشريفة فسّرت العسرة بما إذا لم يجد ما يوفي به دينه غير ما استثني له في الشريعة كالخادم و البيت و الدابة و نحوهما مما هو مفصّل في كتب الفقه.
كما فسرت الميسرة فيها بما: إذا وجد ما يوفي دينه، و منه وصول خبره إلى الإمام فيفي عنه من سهم الغارمين. كما فصّلناه في كتابنا (مهذب الأحكام).
و من سياق الآية الشريفة يستفاد: أنّه كانت عادة جاهلية في إعسار المديون فنزلت الآية الكريمة تحدّد ذلك و تبيّن الحكم الشرعي فيه، و مضمونها من القواعد الشرعية الامتنانية في كثير من أبواب المعاملات و الديون.
قوله تعالى: وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ.
أي: و إن تصدق من له الحق و أبرأ المديون عن الدّين كلّا أو بعضا فهو خير له لتضاعف الثواب و الأجر، و فيه الحث على الصدقة.
و الآية مطلقة لا يختص حكمها بمن ذكر في الجملة السابقة.
و عن بعض: أنّ المراد بالتصدق الإمهال و الإنظار لما عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره الا كان له بكل يوم صدقة».
و لكنّه بعيد، لأنّ الإنظار واجب، كما تقدم في الآية السابقة، و سياق هذه الآية يدل على التصدق بالإبراء، و الحديث أجنبي عن المقام.
قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
أي: إن كنتم تعلمون ما هو الخير لكم و ما في الصّدقة من الخير العظيم و الفوائد الجليلة فإنّ فيها التعاطف و التراحم و الصلة بين الأفراد، و فيه من الترغيب و التأكيد على الصدقة ما لا يخفى. و فيه إيماء إلى أنّ ما ذكر في الآية هو العلم الذي يهدي الإنسان إلى الخير و الرشد و السعادة.
281- قوله تعالى: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ.
أعظم آية لمن التفت إليها من أفراد الإنسان تأخذ بمجامع القلوب و تحرّض الناس نحو الغرض المطلوب، تهيج القلوب بزواجر المعنى، و تقرع الأسماع بجواهر اللفظ، تتضمّن من العظة البالغة ما تكفي في الزجر إلى العمل بما جاء به سيد المرسلين، و تهوّن على المكلّف جميع الصعاب رجاء أن يلقى اللّه تعالى بأفضل حال.
و هي آخر آية نزلت من القرآن الكريم و لم … بعدها ثم مسرورا حتّى وصل إلى رحمة ربه و صار فيها مغمورا، و مضمونها عام.
و لعل تذييل آيات الرّبا بها لأجل إعداد النفوس لتقوى اللّه، و تحريضها على الورع عن محارمه، و الانتهاء عن انتهاك حرماته و التحرّج عن التعرض إلى حقوق الناس.
و لا بد أن تفعل هذه الآية بالامة نظير ما فعلت بالرسول الكريم، بل بالأولى لأنّه (صلّى اللّه عليه و آله) عصم عن الخطإ و العصيان و هم مبتلون بهما.
و مادة (رجع) تأتي بمعنى العود إلى ما كان منه، و هي متضمنة لقوله.
إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة- 156]، كما في قوله تعالى: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ [هود- 4]. و الرجوع هنا هو المعاد.
أي: اتقوا ذلك اليوم و أهواله الذي ترجعون فيه إلى اللّه، و فيه تمثيل الغائب المفقود بمثل الحاضر المشهود. يعني: لا بد أن يكون ذلك اليوم حاضرا في البال و ظاهرا في الحال فلا يشغل الإنسان شيء من الشواغل الدنيوية حتّى يصير ذلك من الملكات الراسخة في النفس فيسعد كلّ شخص بأعماله و ينتظم النظام.
قوله تعالى: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ.
الوفاء و التوفية و الإيفاء: بمعنى الإتمام، و توفية الأعمال باعتبار توفية الجزاء.
و الكسب: العمل، و هو عام يشمل ما ورد فيه ثواب و جزاء خاص في الشرع أولا، لأنّ ما يصدر عن العبد إما أن يكون له ثواب أو فيه عقاب أو لا شيء فيه، و في الأول سروره، و في الثاني مساءته، و في الأخير حسرته.
و المعنى: ثم تجازى كلّ نفس ما عملت من خير أو شر جزاء وافيا و يصح أن يكون (ثم) لمطلق الترتب، كما في ترتب النتيجة على المقدمات، لأنّ يوم الرجوع إلى اللّه يوم أخذ نتائج مقدمات حصلت في الدنيا، و هي حاضرة لديه تعالى و ذلك اليوم هو يوم ظهور عمل العاملين و شهودهم له.
قوله تعالى: وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ.
الضمير يرجع إلى الناس المدلول عليه جملة «كلّ نفس» أي: و هم لا ينقصون من جزائهم شيئا و فيه تأكيد على وفاء الجزاء كما تدل عليه آيات كثيرة، قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة- 8]، و قال تعالى: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ [الأنبياء- 47].
و يستفاد من هذه الآية المباركة أمور:
الأول: الإشارة إلى قاعدة دفع الضرر المحتمل إذا كان الضرر أخرويا فيستقل العقل بوجوب دفعه بالأدلة الأربعة و هو يتحقق بطاعة اللّه تعالى و الانزجار عن معاصيه.
الثاني: أنّها تدل على قاعدة احترام العمل التي هي من القواعد النظامية فلا بد من الجزاء و العوض على كلّ عمل و أنّ تركه قبيح و هو محال بالنسبة إليه جلّ جلاله.
الثالث: أنّ هذه الآية الشريفة أصل الآيات الواردة في إيجاد الداعي إلى الطاعة و الانتهاء عن المعصية و تذكر الإنسان بفعل المعروف و ترك المنكر و هما مما يقوم به النظام الأحسن في هذا العالم.