مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (۱۷) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (۱۸) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَ اللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (۱۹) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (۲۰)
المثل كالشبه وزنا و معنى. و المثل هو وصف الشيء و بيان نعوته التي توضّحه.
و كانت الأمثال دائرة بين الأمم خاصة عند العرب بل كان استعمالها يعد من شؤون الفصاحة و البلاغة، و قد نهج القرآن الكريم في استعمال الأمثال لغرض تفهيم المخاطبين و التكلم معهم بلسانهم المتعارف بينهم و جلب قلوبهم إلى غير ذلك من الحكم و الفوائد. و قد اهتم القرآن الكريم بها اهتماما كبيرا، فقال تعالى: وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [سورة الروم، الآية: ٥۸]، و قال تعالى: وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [سورة ابراهيم، الآية: ۲٥] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة و الوجه في ذلك معلوم لأن ذكر المثل يجلي المعاني المعقولة الخفية و يؤثر في النفوس المأنوسة بالمحسوسات، و النّاس إلى ما ارتكز في غرائزهم أميل و إلى ما يكون دائرا في ما بينهم أرغب.
و عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم» و على هذا ضرب اللّه تعالى مثلا للمنافقين أولا بمن استوقد نارا.
و ثانيا: بمثل آخر لحال المنافقين فشبه تعالى الإسلام بالمطر لأنه يحيي الأرض بعد موتها و الإسلام يحيي القلوب، و جعل تعالى شبهات المنافقين و أباطيلهم كالظلمات، و شبه ما في الدين من الوعد و الوعيد بالرعد و البرق و ما يصيبهم من أهل الإسلام بالصواعق، و هم في غلو و اضطراب و خوف من النّاس: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [سورة المنافقون، الآية: ٤]، فهذا المثل يشرح حال المنافقين و يبين سوء أعمالهم و فساد أسرارهم فقد أتتهم الحكمة من السماء و فتح اللّه عليهم أبواب علومه فاعترضوا ذلك بالشبه و الآراء الفاسدة فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ [سورة الجاثية، الآية: 17] فحصل بعد هذا العلم الإلهي ظلمات و حيرة في أنفسهم باتباع الشهوات فصاروا في حيرة من أمرهم مترددين هالكين.