يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥۱) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥۲) وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥۳)
الآيات الشريفة الثلاثة تبيّن أهمّ الأمور الاجتماعيّة التي فيها حياة الإسلام و استقلال المسلمين و ثبات عقيدتهم، فقد حذّر سبحانه و تعالى المؤمنين اتخاذ اليهود و النصارى أولياء، و اعتبر توليتهم ظلما يسلب الهداية التي يحتاج إليها المسلم في حياته الظاهريّة و المعنويّة، و هدّدهم بأنّه من فعل ذلك يكون منهم، لا علاقة له بهذا الدين، ثمّ ذكر عزّ و جلّ بعض صفات المنافقين الذين لم يبرح الإسلام و المسلمون يعانون منهم الأمرين، يثبّطون العزائم و يبثّون الأكاذيب لزلزلة العقائد و إزالة الثبات و الطمأنينة عن النفوس. ثمّ يبيّن حال اليهود و النصارى و الذين اتّخذوهم أولياء ينتصرون بهم على الإسلام و دين الحقّ، أنّهم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين.
و الآيات الشريفة تبيّن حاجة المؤمنين إلى وليّ يعصمهم من أعدائهم، يطبق فيهم ما أنزله اللّه تعالى، فينهى عن موالاة الكافرين و يثبت موالاة المؤمنين و إطاعة من جعله اللّه وليّا يرعى شؤونهم و يدبّر أمورهم، فكانت هذه الآيات و ما بعدها حلقة وصل بين التشريع و التنفيذ و الضمان على تنفيذ أحكام اللّه تعالى و تشريعاته.
فقد أمر عزّ و جلّ في الآيات السابقة تنفيذ أحكام اللّه و ما أنزله على رسوله و الإعراض عن غيره. و يأتي في الآيات اللاحقة أنّه عزّ و جلّ أمر المؤمنين باتّباع الرسول و من جعله اللّه وليّا عليهم، ينفذ فيهم أحكامه و يسعى في تطبيق تشريعاته و أوامره، فكان لا بدّ من الضمان على ذلك من الذين يعتبرون تهديدا على الإسلام و المسلمين، فنهى عن مولاة الكافرين و المنافقين الذين يتربّصون بدين اللّه الدوائر.
و من ذلك كلّه تعتبر هذه الآيات مع سابقتها و لاحقتها على ارتباط تامّ وصلة وثيقة، و كلّ آية منها في حدّ نفسها حلقة لا يمكن الاستغناء عنها في تثبيت ما ورد فيها من الأحكام، و تأويلها إلى غير ظاهرها يكون إبطالا لمعانيها السامية و أحكامها القويمة، و ممّا ذكرنا يظهر فساد ما ذكره جمع في توجيه هذه الآيات و صرفها عن معانيها على ما ستعرف.