أما البدنة فللإجماع، و النصوص. منها قول أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في صحيح حريز: «في قول اللَّه عزّ و جل:
فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ قال: في النعامة بدنة، و في حمار وحش بقرة، و في الظبي شاة، و في البقرة بقرة»٥. و ما في خبر أبي الصباح عنه (عليه السلام) أيضا: «و في النعامة جزور»٦ ففيه: أولا أنه قاصر سندا، لأنّ في طريقه محمد بن الفضل. و ثانيا: أنه لا تعارض بينه و بين غيره، إذ لا فرق بين الجزور و البدنة للهدي و الجزور أعم منه، و كل منهما من الإبل ما تمَّ له خمس سنين و دخل في السادسة.
ثمَّ إن المشهور انه مع العجز عن البدنة تقوم ثمنها على البر و يتصدق به لكل مسكين مدان، و لا يلزم ما زاد على ستين إن زاد البر و لا الإتمام إن نقص، و النصوص الواردة في المقام أقسام:
الأول: خبر الزهري عن علي بن الحسين (عليه السلام)- في حديث- «ثمَّ يفض تلك القيمة على البر، ثمَّ يكال ذلك البر أصواعا، فيصوم لكل نصف صاع يوما»۷، و نحوه الفقه الرضوي (عليه السلام)۸ الثاني: جملة من الأخبار المشتملة على لفظ الطعام كصحيح زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «في محرم قتل نعامة قال (عليه السلام): عليه بدنة فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد عن إطعام ستين مسكينا»۹ إلى غير ذلك من المطلقات المشتملة على إطعام ستين مسكينا، و المنساق منها هو
المد، كما في سائر المقامات الثالث: ما اشتمل على لفظ المد، كخبر ابي بصير قال: «سألته عن محرم أصاب نعامة، و حمار وحش. قال (عليه السلام): عليه بدنة. قلت:
فإن لم يقدر على بدنة؟ قال (عليه السلام): فليطعم ستين مسكينا. قلت:
فان لم يقدر على ان يتصدق؟ قال (عليه السلام): فليصم ثمانية عشر يوما، و الصدقة مد على كل مسكين»۱۰ إلى غير ذلك مما اشتمل على لفظ «المد».
و مقتضى إطلاقها كفاية ما يسمى طعاما و لو لم يكن من البر، إذ لم يذكر البر إلا في خبر الزهري، و هو مضافا إلى قصور سنده، يمكن حمله على المثال و الغالب في تلك الأزمنة. و دعوى: انجباره بالشهرة ممنوع، لما في الجواهر من قلة القائل بالبر. كما أن دعوى: انصراف المطلقات إلى البر ممنوع أيضا.
كما أن المدّين لم يذكرا إلا في خبر الزهري، و صحيح أبي عبيدة، لأن المذكور فيهما نصف الصاع، و الصاع أربعة أمداد، فيكون نصفه مدّين.
و حمله على الندب من أوضح طرق الجمع.
و دعوى: الفرق بين المقام و سائر الموارد بأن المقام من تفريق حق الفقراء الذي تعلق به حقهم فوجب الأكثر بخلاف سائر الموارد، لأنها دفع عمن عليه الكفارة فيجب الأقل، للأصل. (مخدوش): لأن المقام أيضا من الدوران بين الأقل و الأكثر، لأنه يشك في أن حقهم تعلق بالأقل أو الأكثر.
هذا بالنسبة إلى البدنة و الإطعام.
و أما صوم ثمانية عشر يوما مع العجز عنهما، فالمشهور إنه مترتب على العجز عن صوم ستين يوما بدل كل مدّ يوما، و يدل عليه النص، و الإجماع، ففي صحيح ابن مسلم: «فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما»۱۱، و في صحيح أبي عبيدة: «فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما۱۲ بناء على إعطاء نصف صاع. و هو مدان لكل
مسكين، و في جملة من النصوص التعبير بصوم ثمانية عشر بعد العجز عن الصدقة۱۳، و عن جمع من الفقهاء التعبير بما في هذه النصوص أيضا، و لكن لا بد من تقييد هذه النصوص بما مر من: صحيح ابن مسلم، و أبي عبيدة، و يأتي في كتاب الحج إن شاء اللَّه تعالى بعض ما ينفع المقام، و لا يناسب التفصيل بأكثر من ذلك، لعدم ابتلاء المحرمين فيما يقرب من هذه الأعصار بأصل الصيد- فضلا عن صيد النعامة- حتى صارت هذه المسألة من المسائل الفريضة.