نسبه في الجواهر إلى غير واحد من المتقدمين و المتأخرين، لقول الصادق عليه السّلام في خبر ابن عمار: «إذا انتهيت إلى الردم، و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية»٥۲ و يأتي خبر آخر قريب منه.
أقول: البحث في هذه المسألة تارة: بحسب إطلاقات الأدلة.
و أخرى: بحسب الأخبار الخاصة.
و ثالثة: بحسب الأصل العملي.
أما الأولى: فمقتضاها وجوب الإتيان بالتلبية في الميقات لوجوب عقد الإحرام فيها و تقدم في [مسألة ۱۸] أنّه لو نسي التلبية فيها وجب عليه العود إليها للتلبية، و الظاهر عدم الخلاف من أحد في ذلك و إنّما البحث في الجهات الخارجة عن ذات الواجب.
أما الثانية: فهي طوائف:
منها: ما ورد في مسجد الشجرة كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن وهب: «و قد ترى أناسا يحرمون، فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء- حيث الميل- فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: لبيك اللهم لبيك»٥۳.
و قوله عليه السّلام أيضا في صحيح ابن حازم: «إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتى تأتي البيداء»٥4.
و في صحيح ابن سنان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء»٥٥.
و قوله عليه السّلام في خبر ابن عمار: «صلّ المكتوبة ثمَّ أحرم بالحج أو بالمتعة و أخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض- راكبا كنت أو ماشيا- فلبّ»٥٦.
و في صحيح الفضلاء عنه عليه السّلام أيضا: «ثمَّ قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلبّه»٥۷ و مثلها غيرها و لا بد إما من حملها على التلبيات المندوبة أو حملها على افتراق الشيعة لمصلحة وقتية اقتضت ذلك أو رد علمها إلى أهلها فإنّها مع كثرتها و صحة أسانيدها مخالفة للمجمع عليه بين الإمامية.
و منها: ما ورد في غير مسجد الشجرة كقوله عليه السّلام في صحيح هشام بن الحكم: «إن أحرمت من غمرة و من بريد البعث صلّيت، و قلت كما يقول المحرم في دبر صلاتك و إن شئت لبيت من موضعك و الفضل أن تمشي قليلا ثمَ تلبّي»٥۸ و لا بد من رد علمه إلى أهله أيضا إن استلزم المشي قليلا الخروج من الميقات و إلا فلا بأس بالقول بالاستحباب لأجله، و قوله عليه السّلام أيضا في صحيح الفضلاء: «و إن أهللت من المسجد الحرام للحج، فإن شئت لبّيت خلف المقام.
و أفضل من ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء و تلبّي، قبل أن تصير إلى الأبطح»٥۹ و لا بأس بحمله على الندب.
و عنه عليه السّلام أيضا في صحيح عمر بن يزيد: «إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد و إن كنت راكبا فإذا علمت بك راحلتك البيداء»٦۰ و لا ريب في ظهوره في حكم الجهر بها لا الجهات الأخر.
و قوله عليه السّلام أيضا في الصحيح: «ثمَّ أهل بالحج فإن كنت ماشيا فلبّ عند المقام، و إن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك»٦۱ و يمكن حمل مثل هذه الأخبار على التلبيات المندوبة لا أصل التلبية الواجبة التي يعقد بها الإحرام، أو على الجهر بها بقرينة بعضها الآخر. و يمكن أن يستشهد بها على أنّ حكم محاذي الميقات عرفا حكم نفس الميقات كما مرّ تفصيل ذلك فراجع.
أما الثالثة: فمقتضى الأصل عدم وجوب مقارنة التلبية بنيته و لكن يعتبر وقوعها في الميقات مع الإمكان، كما تقدم.