البحث في أصل الوجوب التخييري و عدم تعيين أحدهما.
تارة: بحس الأصل.
و أخرى: بحسب الإجماع.
و ثالثة: بحسب الأدلة.
و رابعة: بحسب الاعتبار.
أما الأول: التعيين تكليف زائد مقتضى الأصل عدمه مطلقا ما لم يدل عليه دليل بالخصوص.
أما الثاني: فلا إجماع على أصل التخيير مطلقا حتى بالنسبة إلى الثلاثة، و لا على التعيين بالنسبة إلى الثلاثة و إن ذهب إليه جمع من القدماء على اختلاف تعبيراتهم. نعم، المشهور هو التخيير حتى بالنسبة إلى الثلاثة و اتفقت الكلمة على التخيير بالنسبة إلى غيرهم.
و أما الأدلة فهي على أقسام:
منها: الآية الكريمة لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ۱۰ بعد الإجماع على عدم وجوب الجمع بينهما، و أرسل في مجمع البيان إرسال المسلمات أنها تدل على التخيير، و أما الحمل على الجمع باعتبار الثلاثة و غيرهم فهو و إن اقتضاه ظاهر كلمة الواو، و لكنه موجب للإجمال في هذا الحكم العام البلوى مع شدة الاحتياج إلى البيان، و لو فرض دلالتها على تعيين الحلق للثلاثة تكون إرشادا محضا بالنسبة إلى الملبد، و المعقوص في الأزمنة القديمة التي كانت تجتمع الوساخة في الشعور خصوصا في الأسفار سيما مع كشف الرأس و تجرده عن الغطاء و نحوه و بالجملة استفادة الوجوب التعييني مع هذه القرائن مشكل جدا.
و منها: صحيح الحلبي: «من لبّد شعره أو عقصه فليس له أن يقصر و عليه الحلق، و من لم يلبد تخير إن شاء قصر و إن شاء حلق، و الحلق أفضل»۱۱، و في صحيح ابن سالم: «إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق»۱۲.
و منها: خبر أبي سعيد: «يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبّد و رجل حج بدء لم يحج قبلها، و رجل عقص رأسه»۱۳، و في خبر أبي بصير: «على الصرورة أن يحلق رأسه و لا يقصر إنما التقصير لمن قد حج حجة الإسلام»۱4 و صحيح معاوية: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك، أو لبدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير، و إن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق في الحج و ليس في المتعة إلا التقصير»۱٥، و في صحيحه الآخر: «ينبغي للصرورة أن يحلق و إن كان قد حج فإن شاء قصر و إن شاء حلق، فإذا لبّد شعره أو عقصه فإن عليه الحلق و ليس له التقصير»۱٦، و في خبر ابن خالد: «ليس للصرورة أن يقصّر و عليه أن يحلق»۱۷ و في خبر عمار: «عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق فقال عليه السّلام إن كان قد حج قبلها، فليجز شعره، و إن كان لم يحج فلا بد له من الحلق»۱۸.
و يرد عليها .. أولا: وهنها بهجر الأصحاب عنها، منهم المحقق، و الشهيدان و غيرهم من الأعاظم.
و ثانيا: خبر عمار: «و إن كان لم يحج فلا بد له من الحلق» مع كونه مخالفا لقاعدة الحرج لأن برأسه قروح كيف يصح الأخذ بإطلاقه.
و ثالثا: إن التعليل في خبر ابن مهران «كيف صار الحلق على الصرورة واجبا دون من قد حج؟ قال عليه السّلام ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين، ألا تسمع قول اللَّه عز و جل لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ۱۹ ظاهر في أنه من الآداب، و كذا صحيح الحلبي: «استغفر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله للمحلقين ثلاث مرات»۲۰، و حسن حريز قال:
«قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يوم الحديبية: اللّهم اغفر للمحلقين مرتين، قيل:
و للمقصرين يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قال: و للمقصرين»۲۱ فإن مثل هذه التعبيرات من أمارات الرجحان لا الوجوب، و ذكر الوجوب و إرادة الندب شائع في الأخبار، و كذا إرادة الندب فيما هو ظاهر في الوجوب و لا ريب في أفضلية الحلق من التقصير، لأنه نحو تذلل للَّه تعالى، و في الدعاء المأثور عن السجاد عليه السّلام في الصلاة على آدم: «و المنيب الذي لم يصر على معصيتك و سائق المتذللين يحلق رأسه في حرمك»، و قوله عليه السّلام أيضا: «و أول مجتبى للنبوة برحمتك و ساحف شعر رأسه تذللا في حرمك» و السحف بمعنى الحلق فالجزم بالوجوب مشكل.