1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الاجتهاد و التقلید
مسألة ۱: يجب على كلّ مكلّف (۱) في عباداته و معاملاته (۲) أن يكون مجتهدا أو مقلّدا أو محتاطا (۳).

هذا الوجوب فطري يجده كلّ عاقل من نفسه بعد علمه بأنّه ليس كالبهائم و بعد احتمال العقاب في ترك التعرض له.

كما أنّه طريقيّ محض لا نفسيّة فيه بوجه، فيكون المناط كلّه على الواقع، و عليه فحق التعبير أن يقال: لا يصح كلّ فعل و ترك إلا مع إحراز المطابقة للواقع، و طريق إحراز المطابقة له في غير الضروريات و اليقينيات: إما الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط.

و منه يعلم عدم اختصاص ذلك بالمكلّفين و لا بخصوص التكاليف الإلزامية، بل يجري بالنسبة إلى غير المكلّفين و غير الإلزاميات أيضا، و كذا الكلام فيما يأتي في [مسألتي ٦ و ۲۹].

المراد بالمعاملات هنا كلّ ما لا يتقوّم بقصد القربة- كحيازة المباحات و اللقطة و الأطعمة و الأشربة و الحجر و الصيد و الذباحة و نحوها- لا خصوص العقود و الإيقاعات- كالبيع و الإجارة و النكاح و الطلاق و الإقرار- فكأنّه قال في العبادات و غيرها، فيشمل جميع أبواب الفقه من أول الطهارة إلى آخر الديات و يأتي منه التصريح بالتعميم في [مسألة ٦].

لأن كلا من الثلاثة من الطرق المتعارفة الفطرية لدرك الواقع و يكفي في‏ اعتبار تلك الطريق عدم ثبوت الردع عنها فكيف بورود التقرير بآيات النفر ۱و السؤال‏ ۲ و غيرهما من الأخبار المتواترة في الجملة ۳ و الجميع إرشاد إلى حكم الفطرة كما هو واضح.

ثمَّ إنّ هذه الطرق الثلاثة لا تختص بالوظائف الشرعية العملية فقط، بل تجري في جميع العلوم أيضا، و ليس وجوبها نفسيّا و لا غيريّا بل طريقيّ محض لدرك الواقع، فلو فرض إدراك الواقع بدونها فلا منشأ للعقاب، و لو ترك الواقع فالعقاب عليه فقط كما هو شأن كلّ واجب طريقيّ.

و التخيير بين الثلاثة عقلائيّ لم يثبت الردع عنه شرعا بل ظهور إجماع الفقهاء عليه يكون تقريرا له. و هذه الطرق و إن كانت في عرض واحد بالنسبة إلى الإجزاء عن الواقع فيتخيّر المكلّف فيها لا محالة و لكن فضل الاجتهاد على غيره مما لا يخفى على أحد، و أقربية الاحتياط لدرك الواقع واضح أيضا، و لا ريب في كون الاجتهاد في المقام كسائر العلوم النظامية من الواجبات الكفائية.

نعم، قد يصير واجبا عينيا، لجهات خارجية، فما نسب إلى علماء حلب من كون الاجتهاد واجبا عينيا لعلّ نظرهم إلى ملاحظة الجهات الخارجية لا نفس الاجتهاد من حيث هو.

و الظاهر أنّ الحصر بين الثلاثة عقليّ إنّ كان التقليد عبارة عن: مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه، لأنّ من ترك الاجتهاد و الاحتياط و أتى بعمل بلا تقليد فصادف مطابقته لرأي من يصح الاعتماد عليه يكون داخلا في التقليد حينئذ، و أما إن كان التفاتيا فأتى بعمل صادف الواقع بلا تقليد- و قلنا بصحته- حينئذ، فليس الحصر صحيحا، لأنّ طرق صحة العمل على هذا أربعة:

الاجتهاد، و التقليد، و الاحتياط، و مصادفة الواقع من دون أن يكون اجتهادا أو تقليدا أو احتياطا.

ثمَّ إنّ الاجتهاد هو بذل الوسع في المدارك المعتبرة لدرك الوظائف الشرعية. و الاحتياط هو: إتيان الوظيفة بنحو يعلم بدرك الواقع. و سيأتي معنى التقليد في [مسألة ۸] إن شاء اللّه تعالى.

مسألة ۲: الأقوى جواز العمل بالاحتياط مجتهدا كان أو لا (٤)لكن يجب أن يكون عارفا بكيفية الاحتياط بالاجتهاد أو بالتقليد (٥).

لما تقدم من أنّه لا موضوعية للطرق الثلاثة، و إنّما هي طرق محضة لدرك الواقع، و الاحتياط أوثقها و أقواها. و لكن نسب المشهور عدم جواز العمل بالاحتياط مع التمكن منهما و استدلوا عليه بأمور:

الأول: أنّ ظاهر ما دل من الآيات مثل قوله تعالى‏ وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏.٤ و قوله تعالى‏ وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‏.٥

و الأخبار الدالة على وجوب تعلم الأحكام مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله في معتبرة زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ألا و إنّ اللّه يحبّ بغاة العلم»٦و غيرها من الروايات هو أن يكون ذلك إما بنحو الاجتهاد أو التقليد، فمع التمكن منهما لا يجوز العمل بالاحتياط.

و فيه: أنّ التعليم واجب طريقيّ محض لا أن يكون نفسيّا أو غيريّا، فالمقصود من التعلم العمل بالواقع، و لا ريب في تحقق العمل به في مورد الاحتياط بنحو أوثق لحصول العلم من الاحتياط بإتيان الواقع بخلاف الأخيرين.

الثاني: دعوى الاتفاق من السيد رحمه اللّه على بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد.

و فيه: أنّ المتيقن منه على فرض تحققه إنّما هو في مورد ترك الواقع للجهل‏ بموازين الاحتياط لا في مورد إتيان الواقع بالاحتياط.

الثالث: أنّ الاحتياط مستلزم لفقد قصد التمييز في المكلّف به فلا يجوز العمل به من هذه الجهة.

و فيه: أنّه لا دليل من عقل أو نقل على وجوب قصد التمييز، فلا وجه لاعتباره.

الرابع: قد ثبت بدليل الانسداد بطلان الاحتياط.

و فيه: أنّه إنما يدل على عدم وجوبه في الجملة لا بطلانه من أصله، فالمقتضي لجواز الاحتياط موجود و المانع عنه مفقود فالحكم بالجواز مطلقا متجه إلّا في موارد تأتي الإشارة إليها كما في [مسألة ٦٦] و غيرها و الأحوط مراعاة ما نسب إلى المشهور مطلقا.

ثمَّ إنّ المراد بجواز الاحتياط و عدمه في نظائر المقام إنّما هو الجواز الوضعي فقط دون التكليفي، لأنّه مع صحة العمل و مطابقته للواقع لا وجه للعقاب، و مع عدمها لا عقاب إلا على ترك الواقع فقط، فلا وجه للجواز التكليفي و عدمه بالنسبة إلى نفس الاحتياط من حيث هو.

لأنّه لا يتحقق العمل بالاحتياط إلا بعد إحراز كيفيته و موازين العمل به، فهذا الشرط من مقوّمات تحققه خارجا، و يكفي في الاستدلال عليه تصور معنى الاحتياط.

(مسألة ۳: قد يكون الاحتياط في الفعل (٦) كما إذا احتمل كون الفعل واجبا و كان قاطعا بعدم حرمته، و قد يكون في الترك (۷) كما إذا احتمل حرمة فعل و كان قاطعا بعدم وجوبه، و قد يكون في الجمع بين أمرين مع التكرار كما إذا لم يعلم أنّ وظيفته القصر أو التمام.

كما في موارد الشبهات الوجوبية مطلقا و في جميع موارد الشك في القيدية- جزءا كان القيد أو شرطا- و أمثلة ذلك كثيرة في الفقه خصوصا في العبادات.

كجميع موارد الشبهات التحريمية مطلقا حكمية كانت أو موضوعية و موارد الشك في المانعية.

مسألة ٤: الأقوى جواز الاحتياط و لو كان مستلزما للتكرار و أمكن الاجتهاد أو التقليد (۸).

لما تقدم أنّ الاحتياط من أوثق طرق إحراز الواقع فيصح العمل به إلّا إذا دل دليل على المنع. و ما استدل به على المنع أمور كلّها مخدوشة:

الأول: أنّ الإطاعة و الامتثال متقوّمات بقصد الأمر تفصيلا و لا يمكن هذا مع الاحتياط لكون الامتثال فيه باحتمال الأمر و رجائه.

و فيه: أنّ كيفية الإطاعة و الامتثال من الأمور المتعارفة عند الناس، فكلّ ما حكم العرف بتحقق الامتثال فيه و لم يثبت الردع عنه شرعا يكفي في الامتثال شرعا أيضا، و لا ريب في حكمهم بتحقق الإطاعة و الامتثال في موارد الاحتياط كتحققها في موارد العلم التفصيلي، بل ربما يعد الامتثال الإجمالي الاحتياطي أقرب إلى الطاعة من الامتثال التفصيلي، لأنّ الامتثال الاحتياطي نحو انقياد للمولى في مورد احتمال طلبه و أمره، فيكون الامتثال الإجمالي في عرض التفصيلي في كفاية درك الواقع بكلّ منهما.

الثاني: أنّ التكرار لعب و عبث بأمر المولى، و الاحتياط مستلزم له.

و فيه: أنّهما من الأمور القصدية و لا ريب في عدم قصد المحتاط لهما، و على فرض كونهما من العناوين الانطباقية القهرية فلا يحكم العرف بانطباقهما على التكرار لغرض صحيح، و هو الاهتمام بدرك الواقع.

الثالث: أنّ قصد الوجه معتبر في العبادات و الاحتياط مستلزم لفقده.

و فيه: أنّه لا دليل مطلقا على اعتبار قصد الوجه و على فرض الاعتبار فقصد الوجه بعنوانه الواقعي رجاء يكفي و لا دليل على اعتبار أزيد منه، بل مقتضى الأصل عدمه. هذا كلّه مع أنّ اشتراط إحراز الواقع بخصوص الاجتهاد أو التقليد من القيود المشكوكة، و المرجع فيها أصالة البراءة، فيجوز للمتمكن من الاجتهاد و التقليد تركهما و العمل بالاحتياط في عباداته و معاملاته، كما يجوز له التبعيض بأن يعمل في عباداته بأحدهما و في معاملاته بالاحتياط أو بالعكس، بل يجوز له التبعيض في عمل واحد بأن يعمل في بعض أحكام الصلاة مثلا بأحدهما و في بعضها الآخر بالاحتياط، كما يجوز للمقلّد أن يجتهد و يعمل باجتهاده و يترك التقليد فيما اجتهد.

نعم، لو اجتهد في مسألة واحدة و خالف نظره مع الاحتياط و مع رأي من وجب عليه تقليده يمكن دعوى انصراف الأدلة عنه، فمقتضى الأصل عدم اعتبار رأيه لا لنفسه و لا لغيره. هذا.

ثمَّ إنّه هل يجوز للمجتهد المطلق التقليد عن مجتهد آخر أم لا؟

الحق أن يقال: إنّ المجتهد الآخر إما أن تكون فتواه مطابقة لرأيه، أو تكون مخالفة له و مطابقة للاحتياط، أو تكون مخالفة لهما معا.

أما في الأولين فلا وجه لعدم الجواز لا تكليفا و لا وضعا، لأنّ الاجتهاد و التقليد كالاحتياط طريق محض لصحة العمل و لا موضوعية فيها بوجه أبدا كما مر، و المفروض صحة عمله.

و أما الثالثة: فمقتضى السيرة فيها عدم جواز الرجوع و لعله المتيقن من الإجماع على عدم الجواز بناء على تحققه و سيأتي في [مسألة ۳۱] من أحكام الجماعة ما يناسب المقام إن شاء اللّه تعالى.

(مسألة ٥: في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهدا أو مقلّدا (۹) لأنّ المسألة خلافية (۱۰).

لأنّ الاحتياط طريق لإحراز الواقع، و كلّ طريق لا بد و أن يستند إلى حجة معتبرة- من يقين أو ضرورة أو اجتهاد أو تقليد- و مع انتفاء الأولين كما هو المفروض لا بد و أن يستند إلى أحد الأخيرين. نعم، لو تيقن بصحته أو قامت ضرورة عليها لا يحتاج إلى الاجتهاد و التقليد حينئذ.

أي غير يقينية و لا ضرورية، و إلا فمجرد كون المسألة خلافية لا يكون دليلا للتقليد فيها لأنّ مسألة جواز التقليد أيضا محلّ خلاف مع أنّه لا وجه لجواز التقليد فيها، بل لا بد و أن تكون بالفطرة أو بالضرورة كما لا يخفى.

مسألة ٦: في الضروريات لا حاجة إلى التقليد كوجوب الصلاة و الصوم و نحوهما، و كذا في اليقينيّات إذا حصل له اليقين (۱۱) و في غيرهما يجب التقليد (۱۲) إن لم يكن مجتهدا إذا لم يمكن الاحتياط و إن أمكن تخيّر بينه و بين التقليد (۱۳).

بل و لا حاجة إلى الاجتهاد أيضا لما تقدم من أنّ التقليد و الاجتهاد من الطرق المتعارفة لدرك الواقع و اليقين، و الضرورة من أقوى الطرق و أجلاها فمع وجود أحدهما لا موضوع للاجتهاد و التقليد أصلا و سيأتي في [مسألة ۲۹] ما ينفع المقام.

كتابا كآيتي النفر و السؤال‏۷. و سنّة مستفيضة، بل متواترة۸، و للفطرة المستقيمة و السيرة القطعية المستمرة، و قد فصّل جميعها في علم الأصول من شاء فليراجع كتابنا (تهذيب الأصول) ۹.

لأنّ كلّا منهما طريق لدرك الواقع و إحرازه، و لا ترجيح في البين.

إن قلت: الترجيح مع الاحتياط للعلم بإتيان الواقع فيه بخلاف التقليد.

قلت: نعم، لو لا جهة التسهيل النوعي في التقليد التي بنيت عليها الشريعة الختمية السمحة السهلة.

مسألة ۷: عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل (۱٤).

لقاعدة الاشتغال بعد عدم إحراز فراغ الذمة بوجه معتبر. نعم، لو صادف الواقع يصح عمله طبعا، و سيأتي طريق إحراز مصادفة الواقع في [مسألة ۱٦] إن شاء اللّه تعالى.

و لا فرق في ذلك بين القاصر و المقصّر إلا في الإثم في الثاني دون الأول،بل و لا اختصاص لذلك بعمل العامي بلا اجتهاد و تقليد، بل المجتهد و المقلّد أو المحتاط إن قصّروا فيما يلزم عليهم في موازين الاجتهاد أو ما يعتبر في مرجع التقليد أو الجهات اللازمة في الاحتياط يكون عملهم باطلا إلا إذا أحرزت الموافقة للواقع بوجه معتبر، بل يبطل مع المخالفة للواقع حتّى مع القصور أيضا إلّا أنّهم معذورون ما لم يلتفتوا فلا إثم للقاصر بخلاف المقصّر.

مسألة ۸: التقليد هو الالتزام بالعمل (۱٥).بقول مجتهد معيّن (۱٦) و إن لم يعمل بعد، بل و لو لم يأخذ فتواه، فإذا أخذ رسالته و التزم بالعمل بما فيها كفى في تحقق التقليد (۱۷).

التقليد من القلادة: و هي التي تجعل في العنق، و في حديث الخلافة: «و قلّدها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السلام» و المقلّد يجعل أعماله في عنق من يقلده.

و في رواية أبي بصير قال:

«دخلت أم خالد العبديّة على أبي عبد اللّه عليه السلام فقالت: قد قلّدتك ديني فألقى اللّه عزّ و جلّ حين ألقاه فأخبره أنّ جعفر بن محمّد عليهما السلام أمرني و نهاني. الحديث‏۱۰.

و في رواية عبد الرحمن بن حجاج:

«كان أبو عبد اللّه عليه السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرّأي فجاء أعرابيّ فسأل ربيعة الرّأي عن مسألة فأجابه، فلما سكت قال له الأعرابيّ: أ هو في عنقك؟ فسكت ربيعة و لم يرد عليه شيئا، فأعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك، فقال له الأعرابيّ: أ هو في عنقك؟ فسكت ربيعة فقال أبو عبد اللّه عليه السلام هو في عنقه، قال: أو لم يقل: كلّ مفت ضامن»۱۱.

و في حديث البصري عن الصادق عليه السلام: «و اهرب من الفتيا هربك من الأسد و لا تجعل رقبتك للناس جسرا»۱۲.

و يمكن أن يكون بمعنى جعل العامي فتاوى الفقيه في عنقه، أو كون الجعل من الطرفين، و يشهد له قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «قرأت في كتاب عليّ عليه السلام: إنّ اللّه تعالى لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتّى أخذ من العلماء عهدا ببذل العلم للجهال» ۱٤.

و لا ثمرة علمية و لا عملية في بيان أنّ هذا الجعل من العامي أو من المفتي أو منهما معا، و الظاهر كون التقليد من المبينات العرفية في الجملة، و مقتضى الأصل عدم ثبوته إلا بما دل الدليل عليه، و ثبوته بالعمل معلوم عند الكلّ، و في غيره مشكوك فيه، و الأصل عدمه.

فالقول: بأنّه الالتزام بالعمل، إن أريد كون الالتزام طريقا محضا للعمل بما التزم به بحيث لا موضوعية فيه بوجه فيكون عبارة أخرى عن العمل و لا نزاع منه مع من فسّره بنفس العمل، و إن أراد أنّه نفس الالتزام من حيث هو بلا دخل للعمل فيه، فيرده اللغة و العرف.

نعم، حيث إنّ العمل غالبا يتوقف على العلم به و الالتزام بصدوره عن حجة معتبرة صح التعبير: بأنّ التقليد هو الالتزام من باب الغالب لا من جهة دخل الالتزام في حقيقته و قوامه، و إلا فلا يجب الالتزام نفسا في الأحكام و لا يشترط في صحة العمل للأصل بعد عدم الدليل عليه من العقل أو الشرع كما فصّل ذلك في الأصول.

و ما قيل: من أنّه يعتبر في صحة العمل صدوره عن حجة معتبرة مع أنّه قد يكون عبادة و هي متوقفة على قصد القربة و هو متوقف على الحجة و إلا لكان تشريعا، فلو كان التقليد عبارة عن نفس العمل لم يكن صدوره عن الحجة و لم تحصل القربة إن كان عبادة لعدم ثبوته بالحجة بعد، فلا بد من الالتزام في الرتبة السابقة على العمل لئلا يلزم الإشكال.

مدفوع: بأنّ إحراز كون المفتي جامعا لشرائط الفتوى إجمالا يكفي في صدق أنّ العمل المطابق لرأيه صادر عن حجة معتبرة فيصح قصد القربة فيه أيضا إن كان عبادة.

و أما تفسيره بالأخذ بقول الغير فإن كان المراد الأخذ العملي كما هو المتفاهم من الأخذ في مثل هذه الاستعمالات كقوله تعالى‏ وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا۱٤فلا نزاع في البين.

و إن كان المراد الأخذ القلبي أي الالتزام فقد مرّ ما فيه، و إن أريد الأخذ بالجارحة الخاصة بلا عمل و الالتزام فهو واضح الفساد.

و خلاصة الكلام: أنّ الالتزام في الأحكام الفرعية مطلقا و في التقليد و كذا الأخذ لا موضوعية لهما بوجه بل طريق محض إلى العمل فمع تحققه خارجا تفرغ الذمة و يصح التقليد، تحقق الالتزام و الأخذ أم لا، و مع عدم تحقق العمل تشتغل الذمة و لا يتحقق التقليد أيضا تحقق الالتزام و الأخذ أم لا، و لكن الأولى هو التعبير بالالتزام كما تقدم.

فروع:

الأول: على فرض كون التقليد عبارة عن الالتزام يكفي فيه الالتزام الإجمالي و لا يعتبر التفصيلي منه، للأصل بعد عدم الدليل عليه، و حينئذ فيكون الالتزام بأصل الشريعة بما قرّره الشارع من رجوع العوام إلى من استجمع شرائط الفتوى التزام بالعمل بفتواه في الجملة، فلا ثمرة في نزاع أنّ التقليد التزام بالعمل أو نفس العمل.

الثاني: لا يعتبر السبق الزماني للالتزام على العمل بل يكفي الرتبي فقط إذا لا دليل على الأزيد منه.

الثالث: لو عمل بلا التزام سهوا أو جهلا أو عمدا و لكن استجمع عمله لشرائط الصحة بنظر من يصح الاعتماد على رأيه، فظاهرهم الصحة حتّى عند القائلين بأنّه التزام بالعمل لعدم الدليل على كونه شرطا لصحة العمل كشرطية الإيمان مثلا.

الرابع: قد ذكرنا ۱٥أنّ التقليد هو العمل برأي من يصح الاعتماد على رأيه فهل هو تطبيق العمل و استناده إلى رأي من صح الاعتماد على رأيه حتّى يكون‏ أمرا اختياريا في قوام ذاته، أم يكفي فيه مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه سواء التفت إليها أم لا، و سواء قصد التطبيق و الاستناد أم لا قولان. الحق هو الثاني، لأنّ التطبيق و الاستناد و نحوهما من التعبيرات ليست شرطا لصحة العمل من حيث هو، كشرطية الطهارة للصلاة و الإيمان للعبادات، بل واجب طريقيّ على القول به لمطابقة العمل لرأيه.

نعم: حيث إنّ المطابقة لا تحصل غالبا إلا بالتطبيق و الاستناد يذكر ذلك لا لدخله في قوام التقليد و حقيقته.

فتخلص من جميع ما تقدم: أنّ التقليد: «مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه سواء حصلت المطابقة من التطبيق و الاستناد أم لا».

المجتهد الذي يصح العمل برأيه إما متحد أو متعدد، و على الثاني إما مختلفون في الفتاوى أو لا.

و لا وجه للتعيين بل لا موضوع له في الأول، لأنّ التعيين الخارجي يغني عن التعيين القصدي إذا القصد إليه تعيين لا محالة، سواء قصد التعيين أم لا.

و كذا لا يجب في القسم الثالث لتعيّن الفتوى و عدم اختلافه و تعدد المفتي مع وحدة الفتوى لا يوجب الاختلاف الذي يوجب التعيين فيصح التقليد عن الشخص المعيّن، للسيرة و إطلاقات الأدلة اللفظية و عموماتها كما يصح عن الكلّ و عن الكلّيّ في المعيّن أيضا، و للإطلاق و العموم. نعم، لا يصح عن المردد بما هو كذلك لعدم تحققه خارجا بل لو لا ذهنا لأنّ التحقق مساوق للتشخص و هو ينافي التردد.

و أما على الثاني، فإما أن يكون الاختلاف بنحو يمكن الجمع بين آرائهم و يتحقق بذلك الجمع بين المحتملات، فينطبق هذا قهرا على الاحتياط، أو يكون بنحو لا يمكن ذلك، و على كلّ تقدير يجب التعيين مقدمة للعمل. هذا كلّه مع التساوي في الفضيلة، و أما مع التفاضل و تحقق الأعلمية فيأتي تفصيله في المسائل الآتية إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنه لو عمل بلا تعيين في مورد لزومه، جهلا أو سهوا أو عمدا فإن طابق العمل للواقع يصح و إلا فلا. و طريق إحراز المطابقة أما إحراز كون العمل مطابقا لرأي من يصح الاعتماد على رأيه من المجتهدين أو مطابقته للاحتياط.

ظهر- من جميع ما تقدم- عدم كون أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل تقليدا.

مسألة ۹: الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت و لا يجوز تقليد الميت ابتداء (۱۸).

البحث في تقليد الميت يقع في صور:

فتارة: يكون عن تقليده ابتداء، و أخرى: عن البقاء على تقليده، و كلّ منهما تارة: مع موافقة رأيه لرأي من يصح الاعتماد على رأيه من الأحياء و أخرى: مع المخالفة.

الصورة الأولى: و هي تقليده ابتداء مع موافقة رأيه للأحياء و الأموات أيضا، فيصح العمل حتّى بناء على القول بأنّ التقليد هو الالتزام بالعمل، لما مرّ من بيان المراد منه لأنّه و إن كان التزاما برأي الميت ابتداء لكن بعد مطابقته لرأي الحيّ يكون التزاما بالنسبة إليه أيضا بالعرض، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك، بل الأصل ينفيه. و أما جواز أصل تقليده فيدل عليه ما يدل على الجواز في صورة المخالفة بالأولوية، و ما ادعي من الإجماع على عدم جواز تقليد الميت ابتداء، المتيقن بل الظاهر منه غير هذه الصورة.

الصورة الثانية: و هي تقليده ابتداء مع المخالفة لآراء الأحياء و الأموات في الجملة، فلا ريب في ثبوت السيرة العقلائية في كلّ علم أو صنعة و حرفة في كلّ زمان و مكان أو كلّ مذهب و ملّة على الرجوع إلى آراء الأموات في الجملة و الاستفادة منها و الاعتماد عليها و اتباعها علما و عملا، و يصح التمسك بإطلاقات الأدلة اللفظية من الآيات و الروايات‏۱٦أيضا.

و أشكل عليه أولا: بأنّه لا ريب في اختلاف الأموات في الفتوى فلو شملها دليل الحجية يلزم التكاذب في مفاده.

و يرده: بأنّ العلم بالاختلاف غير منجز لمن يريد أن يقلد الشيخ الطوسي رحمه اللّه تعالى مثلا لخروج جملة كثيرة من الأحكام غير الابتلائية عن مورد ابتلائه، و خروج جمع كثير من الفقهاء المفضولين بالنسبة إلى الشيخ عن مورد ابتلائه، و بعد عدم تنجز هذا العلم الإجمالي لا محذور في التمسك بالإطلاقات و العمومات.

مع أنّ لنا أن نقول: إنّ الشارع رفع اليد عن الواقع في مورد هذه الاختلافات لمصالح شتى كما في موارد التقية و نحوها. أو أنّ الواقع هو الانتهاء إلى الكتاب و السنة بنحو ما قرّره الشارع اتحدت الأنظار في المفاد أو تعددت لأنّه عالم باختلاف الأفهام و الأنظار و تحقق الاختلاف في الأحكام الظاهرية بين الفقهاء و عدم إمكان إجماع الأنظار على شي‏ء واحد في جميع الفروع الاجتهادية عادة، و مع ذلك أكد أشدّ التأكيد على متابعة الفقهاء فكيف يكون الاختلاف حينئذ موجبا للتكاذب بل يصح أن تكون في نفس العمل برأي من صح الاعتماد على رأيه حينئذ مصالح كثيرة يدرك بها فوت الواقع لو تحقق، فتكون آراؤهم الشريفة مما أنزلها اللّه تعالى من هذه الجهة و إن اختلفت و تعددت.

قال صاحب الجواهر: «و بذلك ظهر أنّ دليل التقليد حينئذ هو جميع ما في الكتاب و السنة من الأمر بأخذ ما أنزل اللّه تعالى و القيام بالقسط و العدل و نحو ذلك، و اختلاف المجتهدين بسبب اختلاف الموازين التي قررها صاحب الشرع لمعرفته غير قادح في كون الجميع مما أنزل اللّه تعالى شأنه من الحكم».

و بهذا يجاب عما إذا علم بالاختلاف تفصيلا أو بالعلم الإجمالي المنجز.

هذا مع أنّ الأدلة اللفظية على فرض تمامية دلالتها إرشاد إلى بناء العقلاء و تقدم استقرار بنائهم على العمل برأي الأموات.

إن قلت: يكون مفاد أدلة حجية الفتوى على هذا، الحجية التخييرية مع أنّ المتفاهم منها الحجية التعيينية و يجري هذا الإشكال في العدول من الحيّ إلى الحيّ و غيره أيضا.

قلت: ظهور اللفظيّ منها و المتعيّن من اللّبيّ منها في خصوص التعيينية أول الدعوى فهي تدل على مجرد الحجية تعيينية كانت أو تخييرية، و على فرض استظهار الأولى فهو من جهة الانصراف في الأدلة اللفظية و غلبة الوجود في الأدلة اللّبية لا يضر بأصل الحجية كما هو معلوم، و حينئذ فإن دل الدليل الخارجي على التعيينية تعينت و إلا فهي إما تخييرية شرعية أو عقلائية.

و ثانيا: إنّ ظاهر آية الإنذار ۱۷التي هي من أدلة حجية قول المفتي و وجوب الرجوع إليه هو فعلية الإنذار حين الإفتاء بالنسبة إلى المستفتي و لا يتحقق ذلك لمن مات و كذا قوله عليه السلام: «من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه».۱۸فإنّ المنساق من هذه الصفات فعليتها حين الإفتاء فلا يكفي مجرد تلبسها فيما مضى.

و فيه: أولا: أنّ جميع الأدلة اللفظية لا تشتمل على مثل هذه التعبيرات فيصح الأخذ بإطلاقها و عموماتها.

و ثانيا: المتفاهم عرفا من مثل الآية و الرواية قبول قول من كان متصفا بهذه الصفات و لائقا لقبول قوله سواء كان حيّا أم ميتا، فللصفات دخل في القبول لا في الحياة، فمن كان متصفا بها يقبل قوله و لو كان ميتا، و من لم يكن متصفا بها لا يقبل قوله و لو كان حيّا- كما يقال في المحاورات- يجب قبول قول الناصح المشفق و الحكيم الخبير و العالم الناقد البصير إلى غير ذلك من التعبيرات الظاهرة عرفا في اعتبار الصفة لا الحياة، و كذا الكلام في الإمامة العظمى فإنّ لصفات الإمامة دخلا في الاعتقاد به لا الحياة الظاهرية فيرجع إليه عليه السلام و لو بعد موته الظاهري فالسيرة ثابتة و الردع غير ثابت فيصح التمسك بها كما يصح التمسك بالأصل أيضا في الحكم التكليفي، فيستصحب وجوب تقليده في صورة التعيين و جوازه في غيرها.

و ما قيل تارة: إنّه من الشك في أصل الحدوث لا البقاء.

و فيه: إنّ الحدوث إذا لوحظ بالنسبة إلى المجتهد الميت فهو مقطوع به‏ و يكون الشك ممحضا في البقاء، و كذا إن لوحظ بالنسبة إلى نفس الأحكام المجتهد فيها، و إن لوحظ بالنسبة إلى من يريد تقليد الميت ابتداء فهو أيضا شك في بقاء الحكم حتّى بالنسبة إليه أو اختصاصه بخصوص من قلّده في زمان حياته، و يستصحب بقاء الوجوب لا محالة فيكون الشك في البقاء على أيّ تقدير.

و أخرى: بأنّه معارض بأصالة عدم الجعل بالنسبة إليه.

و فيه: إنّ الشك في الجعل مسبب عن الشك في ثبوت حد أو قيد للحكم المجعول و عدم ثبوته، و بأصالة عدم ثبوت الحد و القيد له يرتفع الشك فيه فلا يبقى موضوع لأصالة عدم الجعل بعد ذلك، و يصح التمسك بالأصل في الحكم الوضعي أيضا بأن يقال: مقتضى الأصل بقاء الحجية و صحة الاعتذار برأيه.

و سيأتي في الجهة الثانية ما ينفع المقام.

فالمقتضي لجواز تقليد الميت ابتداء موجود، و لا مانع في البين سوى دعوى الإجماع و في كونه من الإجماع المعتبر تأمل، و بناء على اعتباره فمورده صورة العلم بمخالفة فتواه لفتوى الحيّ في المسائل الابتلائية التي يعمل بها المقلّد و عدم كون فتوى الميت مطابقة للاحتياط و إحرازهما مشكل بل ممنوع، لأنّ المسائل الابتلائية متفق عليها بين الكلّ غالبا. نعم، نعلم إجمالا بتحقق الاختلاف في الفتوى في الجملة و هو غير منجز لخروج جملة كثيرة من الفروع عن مورد ابتلاء العامي في كلّ عصر كما لا يخفى.

ثمَّ إنّه بناء على عدم جواز تقليد الميت ابتداء لو خالف ذلك و قلّده و طابق عمله الاحتياط أو رأي من يصح الاعتماد على رأيه من الأحياء صح و إلا فلا. و اللّه تعالى هو العالم بالحقائق.

الصورة الثالثة: و هي جواز البقاء على تقليد الميت مع موافقة رأيه لرأي الأحياء، و لا ريب في صحة العمل الموافق لرأيه سواء قلنا بأنّ التقليد: مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه أم قلنا بأنّه: العمل برأي الغير أم قلنا بأنّه: الالتزام بالعمل بقول الغير، لتحقق صحة استناد العمل إلى الحجة المعتبرة في جميع ذلك و مطابقته لرأي الحيّ كان البقاء على تقليد الميت جائزا أو لا.

و قد تقدم أنّ المراد بالالتزام على فرض اعتباره هو الإجمالي منه دون‏ التفصيلي فمن التزم بالبقاء على رأي الميت و هو مطابق لرأي الحيّ يصدق عليه أنّه ملتزم بالعمل برأي الحيّ بالعرض ما لم تكن على الخلاف بل الظاهر أنّه لا أثر لتقييد الخلاف في المقام ما لم يرجع إلى إخلال شرط أو جزء من العمل.

و أما جواز البقاء في هذه الصورة فيدل عليه جميع ما يأتي في صورة المخالفة بالأولوية.

الصورة الرابعة: و هي جواز البقاء على تقليد الميت مع مخالفة رأيه لرأي الحيّ فالسيرة عليه غير قابلة للإنكار و تشملها الإطلاقات و العمومات بنحو ما تقدم في التقليد الابتدائي و يجري الأصل في الحكم الوضعي و التكليفي و لا يجري ما تقدم في التقليد الابتدائي و يجري الأصل في الحكم الوضعي و التكليفي و لا يجري هنا إشكال الشك في أصل ثبوت الجعل للعلم بثبوته كما لا يخفى، مع أنّه لا تصل النوبة إلى الأصل بعد تحقق السيرة.

و دعوى: أنّ جريان الأصل في هذه الموارد، إما في الحكم الواقعي أو في الظاهري أو في الحكم الوضعي. و الأول مخدوش بعدم اليقين السابق، و الثاني بأنّ الحكم الظاهري ليس متقوّما بمجرد حدوث الرأي فقط بل به و بالبقاء أيضا، و لا بقاء مع معارضة الأخيرين بأصالة العدم.

مدفوعة: أما الأول، فبأنّ عدم اليقين السابق إنّما هو فيما إذا لوحظت كلّ واقعة مستقلة و بحسب ذاتها، و أما إذا لوحظ مجموع الوقائع من حيث المجموع فلا ريب في تحقق الحكم الواقعي فيها مع أنّ غلبة إصابة الأمارات للواقع مستلزمة لثبوته في كلّ واقعة أيضا إلا ما ظهر الخلاف.

و أما الثاني: فبأنّ المناط في صحة التقليد، الرأي- بمعنى اسم المصدر- و هو متقوّم بصاحبه حدوثا فقط لا بقاء. نعم، لو كان المناط فيه الرأي بمعنى المصدر لكان في البقاء أيضا محتاجا إليه و لكنّه باطل.

و أما الثالث: فيما ثبت في محلّه من صحة جريان الأصل فيها بلا شبهة.

و أما الرابع: فبأنّها مبنية على جريان الأصل في الأعدام الأزلية و هو بعيد عن الأذهان العرفية مع أنّها لو جرت في نظائر المقام لسقطت تمام الاستصحابات الوجودية بلا كلام، و هو خلاف ما تسالم عليه الأعلام.

و دعوى: الانعدام بعروض الموت فلا موضوع للاستصحاب حينئذ.

مردودة: لأنّ تعلق الروح بالبدن و استكماله فيما له الرأي موجب لحدوث الرأي خارجا، و أما بقاء الرأي فليس منوطا ببقاء صاحبه بل له أسباب أخرى من الحفظ في الكتب أو القلوب و نحو ذلك، فليست العلة المحدثة هي المبقية بعينها. فالرأي مثل البناء و الأثر و الصنعة فكما يصح التقليد في صنائعهم يصح التقليد في آرائهم.

إن قلت: ظاهرهم التسالم على عدم صحة التقليد عند عروض النسيان أو الجنون، و الموت مثلهما.

قلت: مضافا إلى ظهور الإجماع على المنع فيهما دون المقام: إنّ القياس مع الفارق، لكونهما موجبين للخلل في الفكر و القوة العاقلة فيختل الرأي قهرا، و الموت ليس كذلك، بل هو انقطاع الروح عن البدن و انفصالها عنه بلا خلل في أحدهما أصلا. هذا و سيأتي في [مسألة ۲٤] ما ينفع المقام.

و خلاصة الكلام من المبدإ إلى الختام: أنّ المقتضي لتقليد الميت ابتداء و البقاء عليه مطلقا موجود، و المانع منحصر بدعوى الإجماع على المنع في التقليد الابتدائي دون البقاء، مع أنّ اعتباره في مورده مشكل فكيف بغيره! ثمَّ إنّه لا بد في البقاء من صدقه عرفا بنحو يخرج عن التقليد الابتدائي بأن عمل ببعض المسائل في الجملة و لا يعتبر العمل بجميع المسائل التي يبقى على تقليده فيها لصدق البقاء عرفا فيما إذا عمل بالبعض أيضا.

و لكن هذا كلّه إذا لم يكن المقلّد مترددا في حجية فتوى من يجوّز البقاء على التقليد. و إلا فيشكل تقليده فيه لأنّ المتيقن من السيرة و المنساق من الأدلة غير هذه الصورة خصوصا في مسألة البقاء و تقليد الأعلم التي تكون بمنزلة أصل التقليد في الجملة فلا بد و أن لا تكون محل الشبهة و التردد. و يأتي في [مسألة ٤٦] نظير المقام.

فروع:

الأول: المناط في الموافقة و المخالفة فيما تقدم هو التوافق و التخالف في الفتوى دون الاحتياط، فلو كان قول الميت موافقا للاحتياط يصح الأخذ به و إن خالف فتوى الحيّ حتّى في التقليد الابتدائي.

الثاني: مورد الموافقة و المخالفة لا بد و أن يكون في المسألة الابتلائية دون‏ الخارجة عنها و هي كثيرة جدا في كلّ عصر و زمان و بالنسبة إلى كلّ أحد لعدم الأثر للعلم بالمخالفة حينئذ.

الثالث: من تلحظ الموافقة و المخالفة بالنسبة إلى رأيه لا بد و أن يكون مجتهدا جامعا للشرائط من كلّ جهة بحيث يعتنى بقوله بين أقوال الفقهاء فلا عبرة بموافقة غيره و مخالفته.

الرابع: يعتبر في إحراز المخالفة أن يكون بطريق معتبر علما كان أو علميا.

مسألة ۱۰: إذا عدل عن الميت إلى الحي لا يجوز له العود إلى الميت (۱۹).

استدل عليه تارة: بالإجماع. و فيه: أنّ المتيقن منه على فرض اعتباره التقليد الابتدائي دون مثل الفرض.

و أخرى: بأصالة عدم الحجية. و فيه: أنّها محكومة بما تقدم من السيرة و الأصول و الإطلاقات و العمومات على جواز البقاء بل التقليد الابتدائي، و المقام إن لم يكن من البقاء عرفا يكون من التقليد الابتدائي.

و ثالثة: بأصالة التعيين عند دوران الأمر بينه و بين التخيير. و فيه: أنّها كذلك لو لم يكن إطلاق أو سيرة أو أصل آخر على الخلاف. هذا كلّه مع المخالفة في الفتوى و إلا فلا أثر للنزاع أصلا.

مسألة ۱۱: لا يجوز العدول عن الحيّ إلى الحيّ (۲۰). إلّا إذا كان الثاني اعلم (۲۱).

مورد هذا الفرع في صورة اختلافهما في الفتوى و عدم كون فتوى المعدول إليه موافقة للاحتياط. و استدل عليه تارة: بأصالة عدم الحجية و أخرى:

بأصالة التعيين عند دوران الأمر بينه و بين التخيير.

و فيهما ما تقدم في المسألة السابقة من أنّ وجود الإطلاقات و العمومات يمنع عن التمسك بالأصل.

و أما المناقشة فيها بسقوطها بالمعارضة فقد مر دفعها بإمكان السببية في الجملة في الاستظهارات المنتهية إلى الكتاب و السنة بالطرق الصحيحة الشرعية لمصالح شتّى كما تقدم و لا محذور فيه من عقل أو شرع بل يستفاد منها التخيير العقلائي حدوثا و بقاء، و لا نحتاج معه إلى استصحاب التخيير مع أنّه لا إشكال فيه أيضا إلا دعوى أنّ موضوع التخيير فيما إذا لم تقم عنده الحجة، و مع الأخذ بقول أحدهما قامت لديه الحجة فيسقط هذا الموضوع فلا يجري الأصل.

و فيه: أنّ موضوع التخيير من لم تقم عنده الحجة التعيينية من كلّ حيثية و جهة إثباتا و ثبوتا و لا ريب في تحققه فيجري الأصل بلا محذور.

إن قلت: سلّمنا ذلك و لكنّه معارض باستصحاب الحجة الفعلية لما أخذه.

فهو معاضد لاستصحاب التخيير لا أن يكون معارضا. هذا و يشهد لما ذكرنا ثبوت السيرة على العدول من أهل خبرة شي‏ء إلى مثله في الجملة فإنّا نرى أنّ من رجع إلى خياط مثلا مدة يدعه و يرجع إلى غيره مع تساويهما في فنهما و اختلافهما في النظر في الجملة.

و قد يستدل على عدم الجواز بالإجماع المحكي عن المحقق القمي. و يرد بعدم ثبوت كونه من الإجماع المعتبر.

يأتي ما يتعلق به في المسألة التالية.

مسألة ۱۲: يجب تقليد الأعلم مع الإمكان (۲۲).على الأحوط و يجب الفحص عنه (۲۳).

نسب ذلك إلى المشهور و موضوع البحث فيما إذا أحرزت الأعلمية مع إحراز مخالفة فتواه مع فتوى العالم مع عدم كون فتوى العالم موافقة للاحتياط، فينبغي أن يعنون البحث (يجوز تقليد العالم فيما توافق نظره مع نظر الأعلم و كذا فيما تخالف مع كون نظر العالم مطابقا للاحتياط و يجب تقليد الأعلم في مورد مخالفة رأيه لرأي العالم إذا كان رأيه مخالفا للاحتياط).

و كيف كان لا إشكال في جواز تقليد العالم فيما إذا توافق رأيه مع رأي الأعلم سواء قلنا إنّ التقليد: هو مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه، لتحقق المطابقة حينئذ قطعا أن قلنا بأنّه: العمل بقول الغير، لتحقق العمل بقول الأعلم‏ أيضا و هكذا على القول بأنّه: الالتزام بالعمل بقول الغير، لأنّ الالتزام بالعمل بقول العالم مع مطابقته لرأي الأعلم التزام بالعرض بالعمل بقول الأعلم أيضا و لا دليل على اعتبار أزيد من هذا المقدار من الالتزام.

و أما إذا طابق رأي العالم للاحتياط و خالف قول الأعلم فلا ريب في صحة تقليد العالم، للعلم بدرك الواقع حينئذ.

و أما إذا خالف الاحتياط و خالف رأي الأعلم أيضا ففي هذا القسم استدل على وجوب تقليد الأعلم بأمور:

الأول: السيرة العقلائية الجارية على الأخذ بقول الأعلم عند المخالفة.

و فيه: إنّ المتيقن منها صورة إحراز إصابة الواقع لدى المخالفة أو غلبة الإصابة و كلاهما في المقام ممنوع. مع أنّ المتيقن منه ما إذا أحرزت الأعلمية بالخصوص في مورد المخالفة و المقام أعم منه، لأنّ مورد البحث ما إذا أحرزت الأعلمية في الجملة لا بالتفصيل في كلّ مسألة مضافا إلى أنّ المعلوم من السيرة الرجوع إلى الأعلم عند المخالفة ما إذا قل الاحتلاف و كان مورد المخالفة من الأمور المهمة التي تكون فيها المسؤولية من كلّ جهة لا في مثل الظنون الاجتهادية التي شاع الخلاف فيها حتّى من فقيه واحد و لا مسؤولية فيها عند المخالفة أبدا إلا مع التقصير و معه يسقط اعتبار الاجتهاد رأسا فكيف بالأعلمية.

الثاني: أصالة عدم حجية رأي العالم مع وجود الأعلم، و أصالة التعيين عند دوران الأمر بينه و بين التخيير.

و فيه: إنّهما محكومان بالإطلاقات و العمومات. بل و بالسيرة في الجملة.

الثالث: الإجماع الذي ادعاه السيد و المحقق الثاني (قدس سرّهما).

و فيه: إنّه يمكن المناقشة في مثل هذه الإجماعات كما ثبت في علم الأصول قال صاحب الجواهر في كتاب القضاء: «لم نحقق الإجماع من المحقق الثاني و إجماع المرتضى مبني على مسألة تقليد المفضول في الإمامة العظمى مع وجود الأفضل و هو غير ما نحن فيه».

الرابع: أنّه قد ورد الرجوع إلى الأفقه في القضاء عند اختلاف القضاة۱۹.

و فيه: أولا: عدم دلالته حتّى في مورده كما يأتي في [مسألة ٥٦].

و ثانيا: التعدي من القضاء إلى الفتوى يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

الخامس: أنّ الظن الحاصل من قول الأعلم أقرب إلى الواقع.

و فيه: منع البناء و المبنى كما لا يخفى، و لذلك ذهب جمع من الفقهاء إلى جواز تقليد العالم مع وجود الأعلم حتّى في مورد مخالفة الفتوى، و استدلوا عليه بأمور:

الأول: أنّه مقتضى الإطلاقات و العمومات الدالة على الرجوع إلى العلماء و السؤال عنهم‏۲۰.

و أشكل عليه تارة: بأنّها ليست في مقام البيان من هذه الجهة.

و فيه: أنّ ظاهر الكلام أن يكون في مقام البيان مطلقا إلا إذا دلت قرينة على الخلاف و هي مفقودة.

و أخرى: بأنّها لا تشمل صورة الاختلاف.

و فيه: ما تقدم في تقليد الميت فراجع.

الثاني: إفتاء أصحاب المعصومين مع اختلافهم في الفضيلة و عدم صدور إنكار منهم عليهم السلام و ذلك واضح لمن تدبر أحوالهم و كيفية معاشرة المعصومين عليهم السلام معهم.

و فيه: أنّه لم يعلم منهم الاختلاف في الفتوى أيضا بل الظاهر أنّهم كانوا يفتون بعين النصوص التي كانوا يتلقونها عن المعصومين عليهم السلام.

الثالث: السيرة المستمرة في الإفتاء و الاستفتاء مع اختلاف الفقهاء في الفضيلة.

و فيه: إنّه لم يعلم تحقق السيرة حتّى في صورة إحراز الاختلاف في الفتوى و إحراز الأعلمية و المتيقن منها صورة الموافقة.

الرابع: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يولّي القضاء إلى بعض‏ أصحابه مع حضور أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو أفقههم. و أنّ الأئمة مع وجودهم كانوا يأمرون الناس بالرجوع إلى أصحابهم و ترغيبهم إلى الفتوى بعبارات شتّى‏۲۱.

و فيه: ما أوردناه على الوجه الثاني.

الخامس: أنّ الأحكام مستندة إلى ظواهر الكتاب و الروايات المنزلة على الأذهان العرفية المستقيمة و الإجماعات و الشهرات و الضرورات و المسلّمات و لا ثمرة للأعلمية فيها و إنّما هي تنتج في بعض التحقيقات و التدقيقات التي ربما كانت بمعزل عن مذاق الأئمة عليهم السلام.

و فيه: أولا، أنّ عمدة مدارك الأحكام الروايات التي هي بمنزلة الشرح و البيان للكتاب و لا يمكن استفادة شي‏ء من الآيات الكريمة ما لم يعرض على الروايات الشريفة و هي مختلفة و متعارضة كما هو معلوم. و أنّ كلمات الفقهاء (قدس اللّه أسرارهم) هي بمنزلة الشرح لتلك الروايات المختلفة أيضا فتكون استفادة الأحكام مع هذا الاختلاف الفاحش لغير الأعلم مشكلة كما لا يخفى على الخبير.

و ثانيا: أنّ التحقيقات و التدقيقات الفقهية لها مدخل عظيم في استنباط الأحكام من المدارك المختلفة المتعارضة المبتنية عليها الأحكام.

السادس: قد استقصي بحمد اللّه طرق الاستدلال على المسائل الفقهية، و ما يرد عليها من الإشكالات و ما يجاب عنها و سائر ما هو لازم للفحص الاجتهادي في كتب المتقدمين فكيف بالمتأخرين فضلا عن متأخري المتأخرين و اللازم الإحاطة بها إحاطة فهم و تدبر، فإن كان المراد بالأعلم من أحاط بكلّها و بالعالم من أحاط ببعضها فيرجع إلى بحث المتجزي و المطلق، و إن كان المراد به من يقدر أن يزيد على ما أتوا به (رضوان اللّه تعالى عليهم) فهو من لزوم ما لا يلزم.

و فيه: أنّ الراد بالأعلمية الأجود فهما و الأحسن تعيينا للوظائف الشرعية كما يأتي إن شاء اللّه تعالى. و لا دخل لذلك بما ذكر نعم، كثرة الإحاطة بالأدلة و المسائل لها دخل في حصول مرتبة الأعلمية لا أن تكون عينها كدخل أمور أخرى فيها.

هذا: و قد يتمسك لعدم اعتبارها بأنّ في تشخيصها عسرا و حرجا فينفى بدليل نفي العسر و الحرج. و فيه: ما لا يخفى.

و خلاصة القول: إنّ عمدة الدليل على عدم الاعتبار التمسك بالإطلاق و العموم و السيرة في الجملة.

و يمكن المناقشة في الأوليين بعدم كونهما متكفّلين لبيان هذه الجهات.

و أما السيرة فثبوتها أول الدعوى و على فرض الثبوت ففي كونها من السيرة التي يعتنى بها في الفقه مجال للبحث فأصالة عدم الحجية و أصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير محكمة. هذا. و عن بعض مشايخنا قدست أسرارهم: «إنّ كلّ من يصير أعلم يعترف بكون الأعلمية شرطا فكون هذا الشرط وجدانيّا أقرب إلى أن يكون استدلاليا» فما هو المشهور هو الأحوط لو لم يكن أقوى.

و الظاهر أنّها كما تشترط في صحة التقليد تشترط في صحة الفتوى أيضا.

لأنّ وجوب الفحص عن الحجة عند التردد و الحيرة مما تسالم عليه العقلاء مع ظهور تسالم الفقهاء عليه أيضا و لكن الأقسام المتصورة في المقام سبعة:

الأول: العلم بوجود الأعلم و توافقه في الفتوى مع العالم.

الثاني: هذه الصورة مع الاختلاف فيه و كون فتوى العالم موافقة للاحتياط، و لا وجه لوجوب الفحص فيهما، لما مرّ من عدم تحقق موضوع وجوب تقليد الأعلم حينئذ.

الثالث: الجهل بوجود الأعلم و على فرض وجوده، الجهل باختلاف فتواه مع غيره.

الرابع: الشك في أصل وجوده و الشك في الاختلاف على فرض وجوده و لا وجه لوجوب الفحص فيهما أيضا لما تقدم من تقوّم وجوب تقليد الأعلم بوجوده مع‏ إحراز الاختلاف. و مقتضى السيرة العقلائية و الإطلاقات و العمومات المنزلة عليها صحة الرجوع إلى الكلّ حينئذ.

الخامس: الجهل بالاختلاف و العلم بالتفاضل.

السادس: الجهل بالتفاضل و العلم بالاختلاف.

و الظاهر جريان السيرة على الرجوع إلى الكل فيهما أيضا فتشملهما الإطلاقات و العمومات، لما تقدم من تقوّم الوجوب بأمرين: إحراز التفاضل و الاختلاف معا، مضافا إلى أنّ المتيقّن من السيرة الدالة على لزوم الفحص غير هذين القسمين.

و ما يقال: من عدم شمول أدلة الحجية لصورة الاختلاف فقد تقدمت المناقشة فيه و لكن الأحوط الفحص في كلّ ما شك في ثبوت السيرة في الرجوع إلى الكلّ.

السابع: العلم بالتفاضل و العلم بالاختلاف. و يجب الفحص فيه لما مرّ.

فرع: حيث إنّ الأعلمية صفة حادثة يصح الرجوع عند الشك في وجودها إلى الأصل كما أنّ المخالفة أيضا كذلك و ليس ذلك بمثبت، لأنّ الأثر مترتب على إحراز المخالفة لا إحراز الموافقة كما تقدم.

مسألة ۱۳: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيّر بينهما (۲٤) إلا إذا كان أحدهما أورع فيختار الأورع (۲٥).

للإطلاقات و العمومات و السيرة سواء اتحدا في الفتوى أم اختلفا لشمولها للصورتين.

استدل عليه تارة بأصالة التعيين عند دوران الأمر بينه و بين التخيير.

و فيه: إنّه ليس كلّ احتمال تعيين منشأ للأخذ به و تعينه بل لا بد و أن يكون مما له دخل في الملاك و لا دخل للأورعية في العلم إلا أن يقال: إنّ الأورع يتحفظ على تطبيق فتاواه على الاحتياط مهما أمكنه.

و أخرى: بما ورد في المقبولة۲۲من تقديم الأعدل و الأصدق و الأورع على غيره.

و فيه: إنّ مورده القضاء و التعدي منه إلى الفتوى مشكل.

و ثالثة: بجريان سيرة المتشرعة على الأخذ بقول الأورع.

و فيه: إنّ ثبوتها مشكل، و على فرض الثبوت فاعتبارها أشكل في مقابل الإطلاقات و العمومات. نعم، لا ريب في أنّ ذلك أحوط كما سيأتي منه قدس سره في [مسألة ۳۳].

مسألة ۱٤: إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم (۲٦) و إن أمكن الاحتياط (۲۷).

مع مراعاة الأعلم فالأعلم ما سيأتي في [مسألة ٦۱] و ذلك لأدلة التقليد من العمومات و الإطلاقات و السيرة بلا دليل على التخصيص و التقييد.

لعدم الدليل على تعيينه بل مقتضى الأدلة القطعية الدالة على جواز رجوع الجاهل إلى العالم عدمه و سبق في [مسألة ٤] ما يرتبط بالمقام.

مسألة ۱٥: إذا قلّد مجتهدا كان يجوّز البقاء على تقليد الميت فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة بل يجب الرجوع إلى الحيّ الأعلم في جواز البقاء و عدمه (۲۸).

لأنّ البقاء على تقليده في هذه المسألة لا بد و أن يستند إلى حجة معتبرة من اجتهاد أو ضرورة، أو سيرة عقلائية معتبرة، أو تقليد صحيح.

و الأولان: مفروضا الانتفاء لفرض كون المقلّد عاميا و عدم كون المسألة من الضروريات.

و كذا الثالث لعدم تحقق السيرة على البقاء في خصوص هذه المسألة بل‏ الظاهر تحققها على الخلاف حيث إنّ المتشرعة يرجعون إلى الحي في مسألة جواز البقاء و عدمه.

و الرابع: إن كان بالرجوع إلى نفس الميت فهو دور لأنّه من إثبات حجية رأيه برأيه، فتعيّن أن يكون بالرجوع إلى غيره، و هو المطلوب. و لو نوقش في الدور بإمكان فرض اختلاف الجهة فلا يكون التوقف من جهة واحدة حتى يلزم الدور لا يجوز الرجوع إليه أيضا لعدم شمول أدلة التقليد لهذه المسألة و لا أقل من الشك في الشمول فلا يصح التمسك بالأدلة اللفظية و غيرها كما لا يخفى.

إن قلت: قد تقدم سابقا جواز البقاء على تقليد الميت فكيف يجمع بينه و بين المقام من عدم جوازه.

قلت: ما مر سابقا كان بالنسبة إلى سائر المسائل غير مسألة البقاء على تقليد الميت و البحث في المقام في خصوص مسألة البقاء فقط دون سائر المسائل و سيأتي في [مسألة ٦۱] بعض ما يرتبط بالمقام.

مسألة ۱٦: عمل الجاهل المقصّر الملتفت باطل و إن كان مطابقا للواقع (۲۹)، و أما الجاهل القاصر أو المقصّر الذي كان غافلا حين العمل (۳۰) و حصل منه قصد القربة فإن كان مطابقا لفتوى المجتهد الذي قلّده بعد ذلك كان صحيحا و الأحوط مع ذلك مطابقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل (۳۱).

الجاهل إما قاصر أو مقصّر و كلّ منهما إما ملتفت أو لا، و العمل الصادر منه إما واجد لجميع الشرائط مطلقا أو فاقد لبعضها. و مقتضى ما تقدم من أنّ كلا من الاجتهاد و التقليد و الاحتياط طريق إلى إتيان العمل صحيحا و أنّه لا موضوعية لها بوجه هو صحة عمل الجاهل بجميع أقسامه إن طابق الواقع مستجمعا لجميع الأجزاء و الشرائط و بطلانه مع فقده لبعضها.

و من يقول بالبطلان في الصورة الأولى فلا بد له إما أن يقول بالموضوعية في الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط، و هو باطل، أو يستند إلى بعض الإجماعات المنقولة على البطلان، و اعتباره ممنوع، أو يقول: إن البطلان مستند إلى فقد جزء أو شرط أو وجود مانع، و هو خلف، أو مستند إلى اعتبار الجزم في النية و الجاهل غير جازم بها فيبطل عمله من هذه الجهة، و هو ممنوع صغرى و كبرى، إذ ربّ جاهل يحصل منه الجزم بالنية مع أنّه لا دليل على اعتبار الجزم أصلا بل‏ مقتضى الأصل عدمه، لأنّه من الشك في أصل الشرطية و المرجع فيها البراءة و اكتفاء العقلاء بالامتثالات الاحتمالية فيما بينهم من أقوى الشواهد على الصحة.

ظهر مما تقدم عدم الفرق بينه و بين غيره إن استجمع العمل الأجزاء و الشرائط و فقد الموانع. نعم، ربما لا يتمشى من الملتفت قصد القربة فالعمل يكون باطلا من جهة الإخلال بالشرط لا من جهة أخرى.

المناط كلّه في صحة العمل مطابقته مع الحجة المعتبرة و الاستناد و الالتفات إليه طريق إلى إحراز المطابقة لا أنّ له موضوعية خاصة و مع تحقق المطابقة لا أثر للاستناد و الالتفات إليه إلا بناء على أن تكون لنفس الالتفات إلى التقليد من حيث هو موضوعية خاصة، و لا دليل عليه بل مقتضى الأصل عدم الاعتبار.

فروع:

الأول: يكفي في صحة العمل مطابقته لرأي من يكون رأيه حجة معتبرة سواء اتفقت المطابقة حين صدور العمل أم حصلت حين اختيار التقليد و ذلك لما تقدم من أن تطبيق العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه لا موضوعية فيه بوجه بل هو طريق محض إلى تحقق المطابقة فمع حصول مطابقة العمل لرأي من وجب تقليده حين العمل لا يبقى موضوع لتطبيقه على الأخير و كذا العكس.

الثاني: لو علم بمخالفة العمل للواقع مع مطابقته لرأي أحدهما ظاهرا يكون كمن قلّده عن عمد و التفات ثمَّ علم بالمخالفة فيبطل العمل في جميع الصور بناء على أنّ لرأي المجتهد طريقية محضة و أما بناء على أنّ له موضوعية في الجملة تسهيلا على الأنام كما سبق عن صاحب الجواهر و يستظهر أيضا من بعض الأعلام فيصح في الجميع.

الثالث: لو كان العمل حين صدوره مطابقا لرأي مجتهد جامع للشرائط فمات ذلك المجتهد يصح عمله. و ليس ذلك من تقليد الميت ابتداء كما هو واضح.

الرابع: لو كان أحدهما أعلم يتعيّن لحاظ المطابقة مع رأيه على تفصيل تقدم في [مسألة ۱۲].

مسألة ۱۷: المراد من الأعلم: من يكون أعرف بالقواعد و المدارك للمسألة و أكثر اطلاعا لنظائرها و للأخبار و أجود فهما للأخبار و الحاصل أن يكون أجود استنباطا (۳۲) و المرجع في تعيينه أهل الخبرة و الاستنباط (۳۳).

الأعلمية من الموضوعات العرفية و محتملاتها في المقام أربعة:

الأول: أن يكون أكثر علما من غيره. و هو باطل، إذ لا دخل لجملة كثيرة من العلوم.

الثاني: أن يكون أكثر استحضارا للفروع الفقهية و مسائلها. و هو باطل أيضا، إذ ربّ غير مجتهد يكون أكثر اطلاعا و حفظا للفروع الفقهية من المجتهد.

الثالث: أن يكون أقرب إصابة للواقع و هو باطل أيضا، إذ لا يمكن لأحد الاطلاع على ذلك إلا لعلّام الغيوب.

الرابع: أن يكون أجود فهما و أحسن تعيينا للوظائف الشرعية، و هذا هو المتفاهم منها عرفا في المقام و غيره مما جرت عليه سيرة العقلاء من الرجوع إلى الأعلم فيه.

للسيرة العقلائية على الرجوع إلى أهل الخبرة في كلّ موضوع عند التردد فيه.

مسألة ۱۸: الأحوط عدم تقليد المفضول حتّى في المسألة التي توافق فتواه فتوى الأفضل (۳٤).

لا وجه لهذا الاحتياط مطلقا سواء كان التقليد مطابقة العمل لرأي الحجة أم الالتزام برأي الغير أم مجرد العمل برأيه لصحة تحقق ذلك كلّه بالنسبة إلى المفضول المتطابقة فتواه مع الأفضل فينطبق معنى التقليد بأيّ معنى كان بالنسبة إلى الأفضل أيضا.

نعم، أرسل في بعض الكلمات عدم جواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل إرسال المسلّمات و لكنّه مردود بعدم كونه من الإجماع المعتبر و على فرض ذلك، فالمتيقن منه صورة المخالفة بينهما لا الموافقة. هذا إذا لم يترتب على تقليد المفضول محذور و إلا فقد يحرم.

مسألة ۱۹: لا يجوز تقليد غير المجتهد و إن كان من أهل العلم (۳٥) كما أنّه يجب على غير المجتهد التقليد و إن كان من أهل العلم (۳٦).

لأصالة عدم الحجية، و ظهور إجماع الإمامية، و لكن مع ذلك كلّه لو قلّده و طابق العمل مع رأي المجتهد الجامع للشرائط صح العمل المطابق له و سيأتي في [مسألة ٤۳] ما يرتبط بالمقام.

لما سبق في [مسألة ۱] و لا بد من تقييده بما إذا لم يكن محتاطا.

مسألة ۲۰: يعرف الاجتهاد بالعلم الوجداني (۳۷) كما إذا كان المقلّد من أهل الخبرة و علم باجتهاد شخص، و كذا يعرف بشهادة عدلين من أهل الخبرة (۳۸) إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل‏ الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد (۳۹)، و كذا يعرف بالشياع المفيد للعلم (٤۰) و كذا الأعلمية تعرف بالعلم أو البينة غير المعارضة أو الشياع المفيد للعلم (٤۱).

لأنّ حجية العلم من الفطريات لكلّ أحد.

لاعتبار شهادة العدلين عند المتشرعة قديما و حديثا في كلّ شي‏ء و لم يرد ردع من الشارع، بل قد ورد ما يمكن استفادة تعميم اعتبار شهادتهما مطلقا ۲۳كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى بل يمكن أن يكون اعتبارها في الجملة مورد السيرة العقلائية، لأنّ أهل كلّ مذهب و ملّة يعتمدون على شهادة عدلين من أهل مذهبهم و ملّتهم و يرتبون عليها الأثر.

نعم ليس العدل في كلّ مذهب عدلا في جميع المذاهب و ذلك لا ينافي‏ اعتبار شهادة العدل في الجملة عند جميع الناس.

لسقوطهما بالتعارض بعد عدم الترجيح في البين.

الشياع و الأشياع و الاستفاضة بمعنى واحد و هما من موجبات سكون النفس و اطمينانها. قال صاحب الجواهر: «بل لعلّ ذلك هو المراد بالعلم في الشرع موضوعا و حكما فلا ريب في الاكتفاء به قبل حصول مقتضى الشك». و حيث قيده في المتن بإفادة العلم، فالمناط كله على حصوله، و لكن مع ذلك لا بد من التأمل كثيرا إذ نرى جملة كثيرة من الشايعات مستندة إلى أمور وهمية باطلة.

لعدم اختصاص العلم بمورد دون آخر، كعدم اختصاص البينة أيضا إلا في موارد قيدها الشارع بقيد مخصوص من كونها أربعة أو بقدر القسامة أو غير ذلك.

و دعوى: أنّه يعتبر في قبول الشهادة أن تكون في الأمور الحسية، و الاجتهاد و الأعلمية من الحدسيات دون الحسيات.

مردودة أولا: إنّ المراد بالعلم فيها إنما هو علم الشاهد بالمشهود به، كعلمه بالشمس، كما في الحديث‏ ۲٤ سواء كان منشأ حصول العلم الحس أم الحدس.

و ثانيا: يمكن أن يكون المنشأ هنا حسيّا أيضا، لكثرة معاشرته و مباحثته معه فيسمع آراءه و يرى جهده و آثاره.

فرع: هل يثبت الاجتهاد و الأعلمية بقول مطلق الثقة أو لا؟ قولان:

مستند الأول: سيرة العقلاء من الاعتماد عليه في الموضوعات الخارجية، و ورود أخبار كثيرة في الموارد المتفرقة ۲٥دالة على اعتبار قوله فيها.

و مستند الثاني: ما نسب إلى المشهور من عدم الاعتبار، و احتمال ردع السيرة برواية مسعدة بن صدقة المتقدمة: «و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة»۲٦.

بدعوى: أنّ المراد من الاستبانة هو العلم.

و فيه: أنّ الشهرة غير ثابتة و الاستبانة أعم من العلمية و مطلق الاطمئنان العرفي. فالقول بالثبوت قوي و طريق الاحتياط واضح. هذا إذا حصل منه الاطمئنان النوعي و الا فلا اعتبار به.

و يمكن أن يجمع بذلك بين القولين: فمن قال باعتباره، أراد صورة حصول الاطمئنان نوعا، و من قال بالعدم أراد صورة عدم حصوله.

مسألة ۲۱: إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم بأعلمية أحدهما و لا البينة فإن حصل الظنّ بأعلمية أحدهما تعيّن تقليده، بل لو كان في أحدهما احتمال الأعلمية يقدّم كما إذا علم أنّهما إما متساويان أو هذا المعيّن أعلم، و لا يحتمل أعلمية الآخر، فالأحوط تقديم من يحتمل أعلميته (٤۲).

الأقسام أربعة: فتارة يحتمل التساوي بلا احتمال للأعلمية في البين أصلا لا في أحدهما بالخصوص و لا في كلّ منهما.

و أخرى: يحتمل التساوي مع احتمال أعلمية كلّ منهما من الآخر و الحكم فيهما هو التخيير لبناء العقلاء، و عدم ثبوت الردع عنه و عدم الدليل على الاحتياط.

و ثالثة: يحتمل التساوي مع احتمال أعلمية أحدهما بالخصوص.

و رابعة: يحتمل أعلمية أحدهما بالخصوص مع عدم احتمال التساوي‏ و الحكم فيهما تعيين الأخذ بقول محتمل الأعلمية، لأصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير.

مسألة ۲۲: يشترط في المجتهد أمور (٤۳): البلوغ (٤٤)، و العقل (٤٥)، و الإيمان (٤٦)، و العدالة (٤۷)، و الرجولية (٤۸)، و الحرية على قول (٤۹)، و كونه مجتهدا مطلقا فلا يجوز تقليد المتجزّي (٥۰).و الحياة، فلا يجوز تقليد الميت ابتداء. نعم، يجوز البقاء كما مرّ (٥۱)، و أن يكون أعلم فلا يجوز على الأحوط تقليد المفضول مع‏ التمكن من الأفضل (٥۲)، و أن لا يكون متولّدا من الزنا (٥۳)، و أن لا يكون مقبلا على الدنيا (٥٤) و طالبا لها مكبّا عليها مجدّا في تحصيلها، ففي الخبر: «من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه».

للمجتهد الجامع للشرائط مناصب مختلفة: الفتوى، و القضاء، و الزعامة العامة، و الشرائط المذكورة شرط لجميع تلك المناصب.

للإجماع: و أما التمسك بالسيرة على الإطلاق فهو مشكل، إذ لم يحرز بناء من العقلاء على عدم الرجوع إلى غير البالغ مطلقا و إن أمكن دعواه على نحو الإجمال كما لا يصح التمسك بقول علي عليه السلام في معتبرة إسحاق بن عمّار: «عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة»۲۷لأنّه حكم خاص في مورد مخصوص.

لسيرة العقلاء- فضلا عن المتشرعة- و إجماع الفقهاء في المطبق و أما الأدواري في دور الإفاقة فلا دليل عليه سوى الإجماع.

إجماعا، بل و إمكان دعوى القطع بعدم رضاء المعصومين عليهم السلام بالرجوع إلى غير من اتبعهم.

و أما قول أبي الحسن عليه السلام فيما كتب لعليّ بن سويد-: «لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنّك إن تعديتهم أخذت عن الخائنين الذين خانوا اللّه و رسوله و خانوا أمانتهم» الحديث‏۲۸مضافا إلى قصور سنده، لا ربط له بالمقام، لكونه في مقام بيان مانعية الخيانة، و لا إشكال فيها حتّى لو تحققت في المؤمن الاثني عشري أيضا، و إنّما الكلام في أنّه إذا اجتهد غير الإمامي في فقه الإمامية، مع تحقق الأمانة و العدالة و سائر الشرائط. هل يصح تقليده أم لا؟

كما لا يصح الاستشهاد بقول أبي الحسن عليه السلام لأحمد بن حاتم بن‏ ماهويه و أخيه: «فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا، و كل كثير القدم في أمرنا فإنّهما كافوكما إن شاء اللّه تعالى» ۲۹فإنّه محمول على الندب إجماعا إذا لم يقل أحد باعتبار كثرة السنن في حبهم، و كثرة القدم في أمرهم عليهم السلام في مرجعية الفتوى و القضاء.

إجماعا و لسيرة المتشرعة: و دعوى: أنّ سيرة العقلاء على الأعم منها و من مطلق الوثوق (مردودة) بأنّ الإجماع و سيرة المتشرعة على اعتبار خصوص العدالة يمنع الأخذ بإطلاق سيرة العقلاء. و يشهد لاعتبارها بل بما فوقها رواية الاحتجاج الآتية.

إن قلت: إنّه قد ثبت في محلّه كفاية مطلق الوثوق بالراوي في قبول روايته فليكن المقام أيضا كذلك.

قلت: نعم، لو لا سيرة المتشرعة على اعتبار خصوص العدالة في المقام خلفا عن سلف، و سيأتي في [مسألة ۷۱] ما يرتبط بالمقام إن شاء اللّه تعالى.

لسيرة المتشرعة، و انصراف الأدلة عن المرأة، مع ذكر الرجل في بعضها.

و دعوى: أنّ قيام السيرة على الرجوع إلى الرجال- إنّما هو لعدم وجود امرأة مجتهدة جامعة للشرائط من كلّ جهة، لا أنّه مع وجودها لا يرجع إليها. و أنّ الانصراف بدوي لا اعتبار به كما ثبت في محله، و أنّ ذكر الرجل إنّما هو من باب المثال لا التخصيص كما هو الأغلب.

مردودة بأنّ المستفاد من السيرة قيامها على اعتبار الرجولية حتّى مع وجود امرأة مجتهدة، كما هو المشاهد بين المتشرعة في عدم رجوعهم إلى النساء مع وجود الرجال في أحكام الدين. و الانصراف محاوري معتبر و نعلم أنّ ذكر الرجل من باب التخصيص لا المثال مع أنّه وردت إطلاقات من الروايات‏۳۰على عدم الاعتماد عليهنّ و يشهد له ما ورد من أنّه: «ليس على النساء جمعة و لا جماعة- إلى أن قال عليه السلام: و لا تولّى القضاء و لا تستشار»۳۱.

نسب اعتبارها إلى جمع منهم ثاني الشهيدين، بل إلى المشهور. و لا دليل على اعتبارها سوى الاستحسانات التي لا ينبغي أن تذكر، فمقتضى الإطلاقات و السيرة عدم اعتبارها.

استدل عليه تارة: بدعوى الإجماع. و فيه: إنّه لا اعتبار بهذه الدعوى، ما دام لم ينسب إلى أحد من الأعيان و الأجلاء و أخرى: بقول الصادق عليه السلام، في مقبولة ابن حنظلة: «ينظران من كان منكم، ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» ۳۲بدعوى ظهور الحلال و الحرام و الأحكام في العموم.

و فيه: أنّ المقطوع به عدم إرادة جميع أحاديثهم و أحكامهم و حلالهم و حرامهم عليهم السّلام فإنّ ذلك متعذر عادة، بل الإجماع على عدم اعتباره.

فلا بد و أن يراد من قوله عليه السّلام، الجنس الشامل للقليل و الكثير، و المطلق و المتجزي، بقرينة قوله الآخر في رواية أبي خديجة: «انظروا إلى رجل منكم، يعلم شيئا من (قضائنا) قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه»۳۳. و لا ريب في صدقه على المتجزي- كما أنّ المطلقات المشتملة على العالم و أهل الذكر و الفقيه و نحوها، شاملة له أيضا. و الظاهر تحقق سيرة العقلاء أيضا على الرجوع إلى المتجزي، في كلّ صنعة و حرفة و علم.

فروع:

الأول: للاجتهاد المطلق مراتب متفاوتة جدّا: أدناها حصول قوة الاستنباط في الفقه من بدية إلى ختامه. و أعلاها فعلية الاستنباط أي: من وفق، مع ذلك لإعمال تلك القوة في جميع فروع الفقه مرات عديدة، بحيث‏ اشتدت قوته في كلّ مرة من جهات شتّى، و ظهرت له أمور لم يكن ملتفتا إليها قبل ذلك و هو من فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم. و بينهما مراتب كما لا يخفى.

الثاني: المتجزي، قد يلحظ بالنسبة إلى كمية العلم المجتهد فيه، و قد يلحظ بالنسبة إلى كيفيته.

و الأول: كأن يجتهد في باب خاص من أبواب الفقه، مثلا دون باقي أبوابه و يقابله المطلق أي: من اجتهد في تمام أبوابه.

و الثاني: مثل أن يكون مجتهدا مطلقا و لكن كان هناك مجتهد مطلق آخر أقوى اجتهادا و أشد ملكة منه، و المتعارف من إطلاق التجزي هو الأول بل يكون إطلاقه على الثاني بنحو من المسامحة و يصح تحققهما بالنسبة إلى شخص واحد أيضا فيكون في مدة متجزيا ثمَّ يصير مطلقا أو يكون له في مدة بعض مراتب ملكة الاجتهاد المطلق ثمَّ يشتد بعد ذلك إلى أعلى المراتب و أقواها و جميع هذه الأقسام ممكن ذاتا و واقع خارجا، و وجدان المجتهدين في كلّ علم و اختلاف المدارك وضوحا و خفاء أقوى شاهد على ذلك.

الثالث: لا ريب في نفوذ حكم المجتهد المطلق و صحة تقليده و تصديه للأمور الحسبية، و كذا المتجزي إن كان في جملة معتد بها من أبواب الفقه، للإطلاقات و العمومات و السيرة المتقدمة. بخلاف ما إذا كان في مسائل يسيرة، للشك في شمول الإطلاق و العموم و السيرة لمثله، فالمرجع أصالة عدم الحجية و لكن الظاهر صحة عمله لنفسه فيما اجتهد فيه لعموم أدلة حجية الظواهر. و اعتبار الأصول و القواعد بعد تحقق شرائطها و عدم الشك في شمولها لمثله عرفا.

تقدم ما يتعلق بهما في [مسألة ۹].

على ما تقدم من التفصيل في [مسألة ۱۳].

إن قيل بكفره، فيدل عليه ما تقدم من اشتراط الإيمان. و إلا فدليله منحصر بالإجماع المحكي مؤيدا بتنفر الطباع عنه. و يأتي في شرائط إمام الجماعة ما ينفع المقام.

الإقبال على الدنيا ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة، فيكون حرامه من منافيات العدالة و يغني اشتراطها عن اشتراطه. و الرواية المذكورة في المتن- مضافا إلى قصور سندها- يمكن أن تكون في مقام بيان الوثاقة و العدالة كما اعترف به صاحب الجواهر في كتاب الزكاة عند البحث عن ولاية الفقيه. هذا.

و لكن الحق هو أنّ الإقبال على الدنيا و الإكباب عليها- و لو بنحو الحلال- مانع عن إقبال القلوب عليه و موجب لتنفرها عنه، فكما يرى الناس أنّ ذلك مناف لمقام النبوة و الإمامة، يرونه أيضا مناف لما هو من فروعه و غصونه أيضا.

و الواجب من الإقبال على الدنيا، ما كان منه في إقامة ضروريات معاش النفس و العيال. و المندوب منه، كما في مورد التوسعة على العيال و قضاء حوائج المؤمنين. و المكروه منه، ما إذا انطبق عنوان مكروه عليه و المباح ما إذا لم ينطبق عليه عنوان أصلا.

فائدتان:

الأولى: حيث إنّ مقام الفتوى و القضاء من فروع النبوة و الخلافة العظمى و أجل المواهب الإلهية، يهتم الناس بشروطه و تنزهه عن كلّ ما يدنسه.

فمقتضى مرتكزات المتشرعة أصالة عدم الوصول إليه إلا بعد الاستجماع، حتّى لمحتمل الشرطية و لا يرون هذا المقام مناسبا للتمسك بأصالة الإطلاق و العموم عند الشك في شرطية شي‏ء فيه كما لا يرون ذلك مناسبا لمقام النبوة و الإمامة.

و لعلّ ذهاب جمع من الفقهاء (قدس اللّه أسرارهم) إلى اعتبار جملة من الشروط التي لم يقم عليها دليل واضح، من هذه الجهة.

الثانية: الرئاسة الدينية المساوقة غالبا لمرجعية الفتوى، تنقسم بحسب الحكم التكليفي إلى الأحكام الخمسة. و موضوع الأقسام كأحكامها واضح لمن تأمل.

مسألة ۲۳: العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرّمات (٥٥) و تعرف: بحسن الظاهر (٥٦) الكاشف عنها علما أو ظنّا (٥۷) و تثبت بشهادة العدلين (٥۸) و بالشياع المفيد للعلم (٥۹).

على المشهور بين الفقهاء (قدس اللّه أسرارهم) و البحث فيها من جهات:

الأولى: أنّ العدالة ليست من الحقائق الشرعية و لا من الموضوعات المستنبطة، بل هي من المفاهيم اللغوية العرفية الثابتة في جميع الأعصار و الأزمان، بل و في جميع الملل و الأديان إذ لكلّ ملّة و مذهب عادل و فاسق. و قد رتب الشارع عليها أمورا، كما في سائر المفاهيم العرفية التي تكون موضوعا للأحكام الشرعية، فاللازم هو الرجوع إلى اللغة و المرتكزات و أخذ مفهومها منها ثمَّ الرجوع إلى الأخبار. فإن استفيد منها شي‏ء زائد عليها فهو. و إلا فعليها المعوّل و إذا رجعنا إليها نجد أنّها بمعنى الاستقامة و الاستواء سواء كان متعلقها الجهات الجسمانية فقط أم المعنوية أم هما معا- كما سيجي‏ء بيانهما إن شاء اللّه تعالى.

الثانية: أنّ الاستقامة و الاستواء تارة: تكون راسخة ثابتة، لا تزول إلا بقوة قاهرة أحيانا. و أخرى: حالة سريعة الزوال بأدنى شي‏ء. و العدالة عبارة عن الأولى التي تسمّى بالملكة أيضا، لا الثانية: و إلا فكلّ فاسق مسلم قد تعرض له حالة الاستواء و الاستقامة أحيانا، لاعتقاده العقائد الإسلامية من المبدإ و المعاد، و التوجه إلى النعيم و العذاب و غيرها. مع أنّه لا يسمّى عادلا عند نفس الفساق، فكيف بغيرهم!! فاتحد ما اصطلح عليه المشهور من الفقهاء. من أنّها: «ملكة باعثة على إتيان الواجبات، و اجتناب المحرمات». مع ما ارتكز في أذهان العقلاء، من كونها: «الحالة الراسخة» دون مجرد الحالة فقط. هذا فما نسب إلى الصدوق‏ و المفيد و غيرهما من المتقدمين رحمهم اللّه من أنّها: «اجتناب المعاصي عن ملكة» فالظاهر عدم اختلافهم مع المشهور. في الواقع، لأنّهم لا يقولون بأنّها مجرد الملكة و لو لم تظهر آثارها الخارجية، بل لا يعقل هذا الاحتمال في حد نفسه، لأنّ ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرّمات لا تنفك عن إتيانها و تركها فهما متلازمان عرفا بل حقيقة فلا فرق في التعبير بأنّها اجتناب المعاصي عن ملكة، أو التعبير بأنّها ملكة اجتناب المعاصي- لما عرفت أنّ كلّا منهما ملازم للآخر.

و أما من عبّر بأنّها: مجرد ترك المعاصي أو خصوص الكبائر منها ما نسب ذلك إلى الحلّي و المجلسي و غيرهما، بل قد نسب إلى الأشهر.

فإن أرادوا بذلك كفاية تركها في تحقق العدالة في الجملة، و لو بنحو الحالة و أنّه لا يضر ارتكاب الكبيرة فيها، أحيانا. فهو خلاف الإجماع و النص و سيرة المتشرعة.

و إن أرادوا المواظبة على تركها و الاستمرار، فلا ينفك عن الملكة- لما يأتي- من أنّ للملكة مراتب متفاوتة يكفي أدناها في تحقق العدالة.

و أما من عبّر بأنّها: مجرد حسن الظاهر كما نسب ذلك إلى بعض القدماء.

فإن أرادوا أنّها مجرد حسن الظاهر و أنّ له موضوعية خاصة في العدالة، و إن علم أنّه يرتكب المعاصي في الخلوات، أو جوّزوا ترتيب آثار العدالة على مجهول الحال، فالظاهر تحقق الإجماع على خلافه: و إن أرادوا أنّ من حسن الظاهر تستكشف العدالة ما لم يعلم الخلاف فهو مسلّم كما سيأتي.

الثالثة: الظاهر صحة إضافة العدالة إلى كلّ من الفعل و الفاعل معا لمكان التضائف بينهما. فمن واظب على إتيان الواجبات و ترك المحرّمات يصح أن يقال: إنّه عادل، كما يصح أن يقال: إن ترك المعاصي و فعل الواجبات، عدل. و هكذا الفسق، فيصح استناده إلى كلّ من الفعل و الفاعل فيقال: الغيبة فسق، و المغتاب (الفاعل) فاسق، و لا ثمرة عملية و لا علمية في ذلك.

الرابعة: للملكات النفسانية- مطلقا عدالة كانت أو غيرها- مراتب متفاوتة جدّا، كما هو معلوم لكلّ أحد. و يكفي في ملكة العدالة فيما يترتب عليها من الأحكام أدناها، إن صدق الستر و العفاف و إتيان الواجبات و ترك المحرّمات عند المتشرعة، لإطلاقات الأدلة و سيرة المتشرعة، بل ظهور الإجماع. و ندرة وجود سائر المراتب فيلزم تعطيل الأحكام و اختلال النظام، و هذه المرتبة لا تنافي صدور الذنب أحيانا و نادرا لغلبة القوة الشهوانية (إذ الجواد قد يكبو و الصّارم قد ينبو).

إن قلت: لا أثر للفظ الملكة في النصوص و كلمات القدماء فمن أين دارت العدالة مدارها و تفرعت منها الفروع.

قلت: نعم، و لكنّها تلخيص للمستفاد من جميع النصوص و كلمات الفقهاء بل و مرتكزات المتشرعة بل العقلاء فالملكة أوجز لفظ و أخصره في بيان العدالة فلا ريب فيه من هذه الجهة. و لا وجه لإصرار صاحب الجواهر رحمه اللّه و من تبعه في تضعيف القول بأنّها ملكة و ذلك لأنّها في مقابل الحال الزائل و تساوق الاستقامة و الاستواء و الاهتمام و المواظبة على الوظائف الشرعية. و لا ريب عندهم في عدم كفاية مجرد الحال في العدالة كما تقدم.

و اعتبار المواظبة و الاهتمام بالشريعة و هما عبارة أخرى أن أدنى مراتب الملكة. و قد تقدم عدم الدليل على اعتبار أكثر منه.

و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن قال بأنّها: الملكة أراد المرتبة الأدنى منها، و من نفى ذلك أراد المرتبة العليا منها، كما هو منصرف إطلاق لفظ الملكة.

نعم، لو كان بحيث لا تصدق عليه العناوين الواردة في الأدلة من الستر و العفاف و ترك المعاصي و نحوها لا وجه لثبوت العدالة حينئذ.

الخامسة: أجمع رواية وردت في بيان العدالة، صحيحة ابن أبي يعفور قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام، بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال عليه السلام: «أن تعرفوه بالستر و العفاف، و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان، و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف، و غير ذلك، و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك. و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب‏ عليهن و حفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين و أن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلاهم إلّا من علّة، فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصّلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا: ما رأينا منه إلّا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فإن ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين .. الحديث»۳٤.

و المنساق من هذه الرواية عرفا بقرينة معلومية العدالة في الجملة لدى المسلمين كمعلومية الفسق عندهم خصوصا لمثل ابن أبي يعفور الذي هو من أجلاء أصحاب الصادق عليه السلام و فضلائهم. أنّ السؤال إنّما هو لبيان معرفة العدالة خارجا، لأنّ الصفات النفسانية تعرف بآثارها الخارجية غالبا- كالشجاعة و السخاوة و نحوهما و كذا العدالة.

و كيفية تعرّف العدالة تارة: بحسب الحد المنطقي، و أخرى: بحسب المفهوم العرفي، و ثالثة: بحسب تشخيص المصداق الخارجي. و ما ورد من الشرع في بيانها إنّما هو بالنسبة إلى القسم الأخير لأنّه المبتلى به عند الناس دون الأولين.

ثمَّ إنّ لمعرفة صفات الشخص مراتب ثلاثة بحسب الغالب:

الأولى: أن يعرف صفاته من أصدقائه و خلطائه ممن يكون معاشرا معه و مطّلعا على صفاته.

الثانية: أن يعرف من القرائن و الآثار، و هذا إنّما هو بالنسبة إلى من لا يكون معاشرا مع الشخص و لا مع أصدقائه و لكن يطلع على بعض خصوصياته و آثاره في الجملة.

الثالثة: أن يكون معه في أوقات الصلاة مثلا و يستكشف من ذلك بعض صفاته النفسانية، و إنّما هو بالنسبة إلى من لا يراه إلا في أوقات الصلاة مثلا.

فجعل عليه السلام كلّا من هذه المراتب الثلاثة معرّفا. فالأولى كقوله عليه السلام:

«أن تعرفوه بالسّتر و العفاف و كفّ البطن». و الثانية كقوله عليه السلام:

«و تعرف باجتناب الكبائر». و الثالثة كقوله عليه السلام: «و الدّلالة على ذلك كلّه- إلى قوله- و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس. إلخ». فإنّ المواظبة على الصلاة بالنحو الذي ذكره عليه السلام ملازمة عادة لاجتناب المعاصي لقوله تعالى‏ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ۳٥. و لقوله عليه السلام فيها: «إنّ الصّلاة ستر و كفّارة للذنوب». ثمَّ أضاف عليه السلام طريقا رابعا بالنسبة إلى من لا يراه أوقات الصلاة أيضا بأن يكون غائبا عنه أو في غير بلده فقال عليه السلام: «فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا ما رأينا منه إلّا خيرا».

و هذه هي الطرق المتعارفة لمعرفة المصداق الخارجي للعادل التي قررها الإمام عليه السلام، و هي التي تكون مورد احتياج المكلّفين في أمر العدالة. لا بيان الحد المنطقي لعدم ربطه بما هو مورد الحاجة، و لا بيان مفهومه العرفي لأنّه معلوم في الجملة عند كلّ مسلم.

ثمَّ لا يخفى إمكان استظهار اعتبار الملكة بالمعنى الذي قلناه من قوله عليه السلام: «أن تعرفوه بالسّتر و العفاف». فإنّ قول القائل عرفت زيدا مثلا بالستر و العفاف أو بصلاة الليل مثلا أو بحسن الخلق، ظاهر ظهورا عرفيا في رسوخ تلك الأوصاف فيه. دون أن يكون من مجرد الحالة و كذا قوله عليه السلام: «أن يكون ساترا لجميع عيوبه» لأنّ الستر لجميع العيوب ملازم غالبا لحصول أدنى مرتبة الملكة. و كذا قوله عليه السلام: «واظب عليهن» و قوله: «ما رأينا منه إلّا خيرا مواظبا». إلى غير ذلك مما يكون مشعرا أو ظاهرا في اعتبار الرسوخ و الثبوت و الملكة في الجملة.

ثمَّ إنّه عليه السلام لم يذكر فعل تمام الواجبات و لا ترك المحرمات اكتفاء بما ذكره من باب المثال عنها مع أنّ اجتناب الكبائر يشمل الجميع، لأنّ ترك الواجبات من الكبائر، كما أنّ فعل جملة من المحرّمات منها أيضا. و يمكن أن يستفاد اعتبار الملكة، في الجملة من قول أبي جعفر عليه السلام في الموثق:

«تقبل شهادة المرأة و النسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات، معروفات بالستر و العفاف، مطيعات للأزواج تاركات للبذاء و التبرّج إلى الرّجال في أنديتهم» ۳٦.

و ما ورد في أنّه «تقبل شهادة الرجل لولده أو والده إذا كان خيرا» ۳۷ و ما ورد في قبول شهادة المكاري و الجمال و الملاح «إذا كانوا صلحاء»۳۸ و ما ورد في قبول شهادة الضيف «إذا كان عفيفا صائنا»۳۹ إلى غير ذلك من النصوص المستفادة منها عرفا، اعتبار الاستقامة في جادة الشرع و رسوخ الديانة في الشاهد عرفا.

و يتم في غيره مما تعتبر فيه العدالة بالقول بعدم الفصل. و سيجي‏ء ما يتعلق بالمقام في بحث عدالة إمام الجماعة إن شاء اللّه تعالى.

فروع:

الأول: من كانت له ملكة العدالة و شك في زوالها، فمقتضى الأصل بقاؤها و لو علم بارتكابه الكبيرة و علم بتوبته و ندامته فيترتب عليه آثار العدالة لأنّ «التّائب من الذنب كمن لا ذنب له»٤۰ و لا يترتب آثارها عليه بعد المعصية و قبل التوبة لصدق ارتكاب الحرام و عدم الاجتناب عن الكبيرة عليه. و لو شك في توبته فلا يبعد ترتيب آثار العدالة عليه لظاهر حال المسلم الذي يقتضي ندمه بعد ارتكاب الذنب.

و أما لو كان ارتكابه للمعصية كثيرا، بحيث زالت الملكة رأسا، فلا بد في ترتيب آثار العدالة عليه من مضيّ زمان يصدق عليه الاستقامة في جادة الشرع و الرسوخ فيها، نعم، بناء على القول بأنّها عبارة عن مجرد ترك المعاصي و لو بدون الملكة يصح ترتبها عليه حينئذ و هكذا من كان فاسقا ثمَّ تاب.

الثاني: من كان صغيرا فبلغ و لم يرتكب ذنبا بعد البلوغ بيوم أو أكثر لا يبعد جريان أحكام العدالة عليه في ذلك اليوم حتى بناء على اعتبار الملكة فيها، بدعوى أنّها أعم مما إذا كتب عليه تكليف المحرمات فتركها أو كان تركها لأجل‏ عدم التكليف. و لكنّه مشكل فيما إذا كان مرتكبا للمحرمات و غير مبال بها في زمان صغره.

الثالث: لو كان ترك المعاصي لقصوره و عدم وجود أسبابها، و كان بحيث لو حصلت أسبابها ارتكبها، فالأحوط عدم ترتيب آثار العدالة عليه لإمكان دعوى انصراف الأدلة عن مثله. و كذلك لو ترك بعض المعاصي خوفا من اللّه تبارك و تعالى و بعضها لفقد الأسباب أو رياء.

الرابع: لو كان ناويا للمعصية و هيّأ بعض أسبابها، و لكنّه لم يأت بها لا يضر ذلك بالعدالة إلّا بناء على حرمة التجري مع الإصرار بذلك أو صار ذلك بحيث زالت عنه الاستقامة الدينية. هذا و سيأتي في بحث العدالة من شرائط إمام الجماعة أنّه لا دليل على اعتبار ترك منافيات المروءة في العدالة ما لم ينطبق عليه عنوان آخر.

حسن الظاهر من الطرق العرفية في الجملة لاستكشاف الواقع ما لم يظهر الخلاف. و لذلك نجد الناس، يستكشفون من حسن ظاهر بناء أو متاع أو بدن شخص حسن واقعه إلا مع القرينة على المخالفة.

و بعبارة أخرى: لا فرق عندهم في الاعتبار في الجملة بين ظاهر المقال و ظاهر الحال. و لم أر نفس هذا اللفظ في الأخبار. نعم، فيها ما يقارنه كقوله عليه السلام في الصحيحة المتقدمة: «و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك»٤۱. و نحوه من سائر فقراته التي يمكن استفادة كفاية حسن الظاهر منها في الطريقية. و قوله عليه السلام في صحيحة حريز: «إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا. الحديث» ٤۲ و قوله عليه السلام في مرسلة يونس المعمول بها: «إذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته، و لا يسئل عن باطنه»٤۳. و قوله عليه السلام في صحيحة ابن المغيرة:

«كل من ولد على الفطرة و عرف بالصّلاح في نفسه جازت شهادته»٤٤و غير ذلك‏ من الروايات مما هو كثير لا يخفى على الخبير.

ثمَّ إنّ المستفاد من هذه الروايات اعتبار ما هو المتعارف بين الناس، من الاعتماد على حسن الظاهر ما لم ينكشف الخلاف، بل لا نحتاج في مثل هذه الأمور الابتلائية المتعارفة إلى دليل الإمضاء، و يكفينا عدم ثبوت الردع فيها، كما ثبت في محلّه. و يمكن التأييد بأصالة الاستقامة و السلامة لأنّ ارتكاب المعصية نحو اعوجاج و من قبيل عروض المرض بل هو مرض روحاني، و لعل نظر من قال إنّ العدالة عبارة عن ظهور الإسلام- بناء على ثبوت هذا القول- مستند إلى مثل هذا الأصل فتأمل.

فروع:

الأول: نسب إلى المشهور، كفاية حسن الظاهر و لو لم يحصل الظن بالواقع تمسكا بإطلاقات جملة من الأخبار المتقدمة، و نسب إلى بعض آخر اعتبار حصوله تمسكا برواية الكرخي عن الصادق عليه السلام قال: «من صلّى خمس صلوات في اليوم و الليلة في جماعة فظنّوا به خيرا و أجيزوا شهادته»٤٥ فيتقيد بها جميع المطلقات المتقدمة.

و فيه: أنّ عدّ ذلك من أدلة اعتبار مطلق حسن الظاهر، أولى من جعله مقيّدا للمطلقات لأنّ المتفاهم عرفا ظن الخير بمن صلّى الصلوات في اليوم و الليلة في جماعة سواء حصل الظن من ظاهر حاله أم لا فظن الخير بشخص غير كون ظاهر حاله موجبا للظن. و الفرق بينهما واضح.

و نسب إلى ثالث اعتبار حصول الوثوق لمرسلة يونس المتقدمة بدعوى أنّ قوله عليه السلام: «فإذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا» أي موجبا لحصول الأمن و هو الوثوق.

و فيه: إنّها ليست إلا كصحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة التي ورد فيها:

«و الدلالة على ذلك أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك». و لا فرق بينهما في متفاهم العرف فقوله عليه السلام في مرسلة يونس: «ظاهر الرّجل ظاهرا مأمونا». أي لا يرتكب المعاصي ظاهرا. و لا ريب في كونه أعم من حصول الوثوق و عدمه.

و لكن يمكن الجمع بين هذه الأقوال، بأنّ المراد بالوثوق هو أدنى مرتبته إذ لا دليل على اعتبار أزيد منها بل الدليل على عدمه لاستلزامه الحرج و إثارة التشكيك و الوسواس. و أدنى مرتبة الوثوق مستلزم للظن بها، و المراد بهما النوعي منهما- دون الشخصي- كما هو كذلك في اعتبار ظواهر الألفاظ أيضا.

فما نسب إلى المشهور من كفاية حسن الظاهر، و لو لم يحصل منه الظن أريد به الظن الشخصي إذا الظن النوعي حاصل منه غالبا، اعتبر التقييد به أولا.

و من اعتبر الظن أراد منه النوعي الذي هو حاصل قهرا، و إنّما اعتبره تنبيها على عدم الاكتفاء بكلّ حسن ظاهر و لو كان للتدليس و نحوه و من قال باعتبار الوثوق أراد النوعي أي أدنى مرتبته المساوق للظن النوعي أيضا.

الثاني: ليس المراد بحسن الظاهر مجرد وجوده و لو بنحو صرف الوجود لأنّ ذلك يكون لغالب الناس، بل ما يحصل بعد التأمل و التثبيت في الجملة بحيث يتميز به المدلس عن غيره فيكون اعتبار ظاهر الحال هنا كاعتبار ظاهر المقال لدى العقلاء الذي لا يعتمد عليه إلا مع عدم الظفر بالقرينة على الخلاف و هو مستلزم للوثوق بالعدالة غالبا.

الثالث: لو كان حسن ظاهره بحيث يحصل الظن منه لنوع الناس و متعارفهم، و لم يحصل الظن لشخص يجوز له أن يرتب عليه آثار العدالة لما تقدم من أنّ المراد النوعي منه دون الشخصي، و أما لو ظن بعدها، فإن كان ذلك من الوسواس فعليه نقض ظنه و ترتيب آثار العدالة، لما سيجي‏ء في محلّه من أنّ الوسواس من الشيطان. و إن كان من منشإ صحيح متعارف يشكل ترتب الأثر حينئذ إذ المتيقن من بناء العقلاء في اعتبار الظنون النوعية ما لم يكن ظن معتبر على خلافها.

الرابع: لو ثبت حسن ظاهره عند شخص دون الآخر. فللأول أن يرتب آثار العدالة دون الأخير. و لو كان ظاهره حسنا و شك في أنّه للتدليس أو لخوف من اللّه تعالى، يمكن القول بترتب آثار العدالة، حملا لفعله على الصحة.

أما العلم فلا اختصاص لاعتباره بمنشإ خاص، فيكون حجة من أيّ منشإ حصل سواء كان من حسن الظاهر أم من غيره.

و أما الظن فقد تقدم الكلام فيه. و الظاهر هو النوعي منه فتارة: يكون حسن الظاهر بحيث يحصل لكل من التفت إليه الظن بالعدالة، و يحصل للشخصي أيضا، فيكفي بغير إشكال: و أخرى: يحصل للنوع و لا يحصل للشخص.

و الظاهر كفايته في ترتيب الأثر- كما تقدم و ثالثا: يحصل للشخص و يكون بحيث لو التفت إليه المتعارف لا يحصل لهم الظن. و يشكل ترتب الأثر حينئذ.

أما بناء على عموم حجية البينة لكلّ شي‏ء، و أنّها من الحجج العقلائية كما تقدم فلا إشكال فيه. و أما بناء على اختصاصها بالموارد المنصوصة. فيمكن الاستدلال على اعتبارها في خصوص المقام بالسيرة، و قوله عليه السلام فيما تقدم في صحيحة ابن أبي يعفور: «فإذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا ما رأينا منه إلّا خيرا» بضميمة الإجماع على عدم اعتبار الأزيد من العدلين. و قول أبي جعفر عليه السلام: «شهادة القابلة جائزة على أنّه استهل أو برز ميتا إذا سئل عنها فعدلت»٤٦و في رواية علقمة: «من لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر. الحديث» ٤۷بضميمة القول بعدم الفصل بين الجرح و التعديل و غيرهما.

فروع:

الأول: لا فرق في الشهادة بين القولية و الفعلية للسيرة.

الثاني: الظاهر اعتبار الوثوق المتعارف بالصدق. فلو كانا بحيث لا يحصل الوثوق بصدقهما عند متعارف الناس يشكل ترتب آثار العدالة على شهادتهما.

الثالث: هل يكفي قول من كان موثوقا به في الإخبار بالعدالة؟ وجهان‏ تقدم ما يتعلق بذلك في ذيل [مسألة ۲۰].

لما مر من اعتبار العلم من أي منشإ حصل.

فرع: هل تثبت العدالة بالاطمينان و مطلق الوثوق الذي يعبر عنه بالعلم العادي؟ يظهر من صاحب الجواهر رحمه اللّه الثبوت. و قد تقدمت عبارته في فرع ذيل [مسألة ۲۰]، و لا يبعد تحقق السيرة عليه أيضا.

و يمكن الاستدلال في المقام برواية عليّ بن راشد: «لا تصلّ إلا خلف من تثق بدينه»٤۸، و غيرها من الروايات، بناء على أنّ المراد بالدين إتيان الواجبات و ترك المحرّمات دون أصل التشيع. و عدم الفرق بين عدالة إمام الجماعة و غيره كما هو الظاهر.

فتلخص مما تقدم: أنّ العدالة تثبت بالاطمينان- أعم من أن يكون علما أو وثوقا أو ظنا اطمينانيا- و تثبت بالبينة أيضا. و لا فرق في الوثوق بين أن يحصل من قول شخص واحد أو جهة أخرى، و الوجه في ذلك كله بناء العقلاء الذي لم يثبت ردعه، بل ثبت الإمضاء في الجملة بما تقدم من الأدلة، و يقتضيه سهولة الشّريعة.

مسألة ۲٤: إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط يجب على المقلّد العدول إلى غيره (٦۰).

على المشهور، و فقد الشرائط إنّما يكون بالنسبة إلى الحياة و الإيمان و العدالة و الاجتهاد.

و الأول: فقد تقدم الكلام فيه. و أما البقية فيجري فيها جميع ما مر- من صحة البقاء على تقليد الميت- لاتحادها معه من حيث المدرك، فتجري أصالة حجية الرأي و صحة الاستناد إليه، و بقاء الأحكام المكشوفة من الأدلة و الأحكام الظاهرية المستنبطة فيهما، بل يصح الاستناد إلى الإطلاقات و السيرة أيضا لعدم قصور و خلل في الرأي حين حدوثه. و إنّما حصل الخلل في البقاء، و لا يضر ذلك‏ في حدوث الرأي مستجمعا للشرائط. فما هو المشهور من وجوب العدول عند فقد بعض هذه الشرائط ليس لعدم المقتضي في اعتبار الرأي، بل لا بد و أن يكون لأجل وجود المانع عنه، و هو أمران:

الأول: ظهور تسالم الأصحاب عليه. و فيه: أنّ كونه من الإجماع المعتبر مشكل، بل ممنوع.

الثاني: القطع بعدم رضاء المعصومين عليهم السلام بالاستناد إلى من خالفهم و لو كان حدوث آرائه حين الإيمان بهم. و استنكار المتشرعة الرجوع إلى الفاسق و المجنون و من فقد علمه لعروض مرض أو نسيان أو نحو ذلك. و إنّ المتشرعة بل العقلاء يرون المنافاة بين مرجعية الفتوى و فقدان مثل هذه الشرائط، و يرونها شرطا حدوثيا من كلّ جهة، خصوصا إذا بلغ المجتهد إلى مقام المرجعية الكبرى و الزعامة العظمى، فإنّ مفاسد فقدان بعض هذه الشرائط أكثر من أن يخفى- كما هو واضح لأولي النّهى.

و بالجملة: حيث إنّ العرف يرى هذه الشرائط شرطا حدوثا و بقاء لا يجري الاستصحاب بنحو ما مر في تقليد الميت لأنّ نظر العرف في المقام من الأمارة على الخلاف.

و إنّما الكلام في أنّه يجب الإعلام بحاله أو لا؟ و الظاهر هو الأول، لما يأتي في [مسألة ٤۸].

مسألة ۲٥: إذا قلّد من لم يكن جامعا و مضى عليه برهة من الزمان كان كمن لم يقلّد أصلا فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصّر (٦۱).

لأنّ تقليد فاقد الشرط كالعدم، و حينئذ فإن كان رأيه مطابقا للاحتياط أو لرأي من يكون جامعا للشرائط يصح عمله، و إلا فلا. و قد مر في [مسألة ۱٦] ما ينفع المقام.

مسألة ۲٦: إذا قلّد من يحرّم البقاء على تقليد الميت فمات‏ و قلّد من يجوّز البقاء، له أن يبقى على تقليد الأول في جميع المسائل إلّا مسألة حرمة البقاء (٦۲).

إذ يلزم من صحة البقاء على تقليده عدم صحته. و قد تقدم في [مسألة ۱٥] ما يرتبط بالمقام.

مسألة ۲۷: يجب على المكلّف العلم بأجزاء العبادات و شرائطها و موانعها و مقدّماتها (٦۳). و لو لم يعلمها و لكن علم إجمالا أنّ عمله واجد لجميع الأجزاء و الشرائط و فاقد للموانع صح و إن لم يعلمها تفصيلا (٦٤).

لتوقف الامتثال عليه، و هذا الوجوب طريقي محض. و ما ورد في الشرع من الأمر بالأجزاء و الشرائط في العبادات- كما سيأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى- إرشاد إليه.

لكفاية العلم الإجمالي بالفراغ عقلا، و لا دليل على اعتبار أزيد منه شرعا إلا بناء على اعتبار التمييز في امتثال العبادات، و مقتضى الأصل عدمه بعد فقدان الدليل عليه، و قد سبق أنّ وجوب التعلم طريقي محض لا أن يكون مقدميا و شرطا لصحة العمل حتّى يفسد العمل بفقده، و لا أن يكون نفسيا حتّى توجب مخالفته العقاب مع مطابقة العمل للواقع، و كلّ ذلك واضح و غير قابل للتشكيك، و يأتي فيما يتعلق بتعلم القراءة و الذكر في الصلاة ما ينفع المقام.

مسألة ۲۸: يجب تعلّم مسائل الشك و السهو بالمقدار الذي هو محلّ الابتلاء غالبا (٦٥) نعم، لو اطمأنّ من نفسه أنّه لا يبتلى بالشك و السهو صح عمله (٦٦) و إن لم يحصل العلم بأحكامها.

الكلام فيه عين ما تقدم في المسألة السابقة.

المناط كلّه على إحراز مطابقة العمل للواقع، اطمأنّ بعدم الابتلاء أو لا. و سواء ابتلي بها أو لا، فلو كانت المسألة محل الابتلاء، و لم يتعلم حكمها، فعمل على أحد طرفي الاحتمال رجاء فطابق الواقع صح عمله مع حصول قصد القربة و تحقق سائر الشرائط المعتبرة. نعم، لا ريب في تحقيق التجري في الجملة حينئذ، و لو لم يطابق الواقع يعاقب على تركه فقط.

فرعان:

الأول: لو اطمأنّ بعدم الابتلاء و صلّى فابتلي اتفاقا، و بنى على أحد الطرفين و كان مخالفا للواقع، لا منشأ لاستحقاق العقاب بالنسبة إليه، لكون اطمئنانه بعدم الابتلاء عذرا له عقلا، فيكون كارتكاب الشبهة بعد الفحص و الوقوع في مخالفة الواقع اتفاقا. و لكن لا يسقط عنه القضاء و الإعادة بعد الالتفات، لإطلاقات الأدلة و عموماتها.

و أما لو لم يطمئن به فاتفق الابتلاء و الوقوع في خلاف الواقع يستحق العقوبة، لعدم مؤمّن له عقلا، فيكون كارتكاب الشبهة قبل الفحص و اتفاق الوقوع في خلاف الواقع. و كذا لو اطمأنّ بالابتلاء، بل فيه أولى.

الثاني: يمكن أن يقال: إنّه من كثرة اهتمام الشارع بالصلاة بطرق شتّى و كثرة التوصية بها بعبارات مختلفة، يستفاد وجوب تعلم مسائلها الابتلائية كوجوب تعلم نفسها، و لذا حكي عن شيخنا الأنصاري (قدّس سره) الحكم بفسق من ترك تعلم المسائل الابتلائية للصلاة من الشك و السهو، لأنّه حينئذ من ترك الواجب، و الإصرار عليه مع القدرة على التعلم، خصوصا مع الملازمة العادية بين ترك التعلم و الوقوع في خلاف الواقع، فيكون ترك تعلمها نحو استخفاف و تضييع للصلاة، فيشمله ما دل على حرمتهما مطلقا٤۹.

مسألة ۲۹: كما يجب التقليد في الواجبات و المحرّمات يجب في المستحبات و المكروهات و المباحات، بل يجب تعلّم حكم كلّ فعل يصدر منه سواء كان من العبادات أم المعاملات أم العاديات (٦۷).

كلّ عمل يصدر من المكلّف أو كلّ ما يعتقده من الأحكام الفرعية لا بد و أن يستند إلى حجة معتبرة، لاحتمال العقاب في ترك الاستناد فيحكم العقل‏ بوجوبه بالفطرة، فالاعتقاد بوجوب شي‏ء أو حرمته أو استحبابه أو كراهته أو إباحته يجب أن يستند إلى الحجة، و هي في حق العامي إما الضرورة أو اليقين أو رأي المجتهد.

و الأولى كوجوب أصل الصلوات اليومية و الحج و نحوهما من الضروريات الواجبة، و كحرمة الظلم و الخيانة و نحوهما من الضروريات المحرمة، و كاستحباب حسن الخلق و حسن المعاشرة في المستحبات الضرورية. و مثل كراهة القذارة و الكثافة في المكروهات الضرورية، و كإباحة شرب الماء من دجلة و الفرات مثلا في المباحات الضرورية في الشريعة.

و لا وجه للتقليد في هذه الأمور لصحة الاحتجاج بكون الشي‏ء ضروريا و هو من أقوى الحجج.

و الثاني مثل ما إذا حصل له اليقين بحكم من الأحكام و هو كثير أيضا.

و يتحقق الثالث فيما إذا انتفت الضرورة و اليقين. فينحصر الاحتجاج بالنسبة إلى العامي حينئذ بالاستناد إلى رأي المجتهد فقط.

هذا كلّه بحسب اعتقاد العامي للأحكام، و أما عمله فكلّ ما كان إلزاميا فعلا أو تركا يجب فيه الاستناد إلى الحجة ضرورية كانت أو يقينية أو لفتوى المجتهد مع مع فقد الأولين يتعيّن الأخير، و كذا إن لم يكن إلزاميا أصلا و لكن أراد بالفعل أو الترك إضافة كلّ منهما إلى الشارع من جهة الندب أو الكراهة أو الإباحة.

و أما لو لم يكن إلزام في البين و لا إضافة إلى الشارع فلا دليل على وجوب التقليد فيه، لعدم احتمال ضرر في تركه حتّى تشمله قاعدة دفع الضرر المحتمل كجملة كثيرة من العاديات التي لا إلزام فيها من الشارع فعلا أو تركا، و ليس ارتكابها لأجل الإضافة إلى الشرع، بل لجريان العرف و العادة عليه.

فروع:

الأول: يعتبر في وجوب التقليد كون ما يقلد فيه من الابتلائيات في الجملة، فما خرج عن مورد الابتلاء كأحكام العبيد و الإماء، أو جملة كثيرة من المسائل المتصورة في الكتب الاستدلالية التي لا تكون مورد ابتلاء العامي أصلا، لا يجب التقليد فيها. نعم، لو اتفق الابتلاء أحيانا وجب تصحيح العمل فيه، أما بالاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط.

الثاني: لو علم العامي أنّ عمله مطابق للاحتياط، فلا وجه لوجوب التقليد عليه فيما طابق الاحتياط، بل يكون لغوا.

الثالث: تختلف المسائل من جهة كونها مورد الابتلاء و عدمه بالنسبة إلى الأشخاص اختلافا فاحشا. فرب مسألة تكون مورد ابتلاء شخص في كلّ شهر و لا يتفق الابتلاء بها لآخر في سنة، فيختلف مورد التقليد سعة و ضيقا من هذه الجهة اختلافا كثيرا.

مسألة ۳۰: إذا علم أنّ الفعل الفلاني ليس حراما و لم يعلم أنّه واجب أو مباح أو مستحب أو مكروه يجوز له أن يأتي به لاحتمال كونه مطلوبا و برجاء الثواب (٦۸)، و إذا علم أنّه ليس بواجب و لم يعلم أنّه حرام أو مكروه أو مباح له أن يتركه لاحتمال كونه مبغوضا (٦۹).

لما استقر عليه آراء المحققين في هذه الأعصار من عدم اعتبار قصد الوجه، و قد جرت السيرة على كفاية الامتثال الإجمالي و لو مع التمكن من الامتثال التفصيلي، بل يمكن أن يكون المقام من الانقياد المطلوب عقلا و شرعا. هذا إذا كان المورد عباديا، و أما إذا كان توصليا، فالأمر فيه أوضح، لعدم اعتبار قصد الوجه فيه أصلا و لم يقل به أحد.

بلا إشكال فيه من أحد، بل ربما يعد حسنا، لكونه نحوا من الانقياد.

مسألة ۳۱: إذا تبدل رأي المجتهد لا يجوز للمقلّد البقاء على رأيه الأول (۷۰).

لجريان السيرة العقلائية على عدم الرجوع إلى أهل الخبرة إذا اعترف بخطإه فيما هو خبير فيه فما لا يكون حجة لنفسه فكيف يكون حجة لغيره، سواء كان ظهور الخطإ من الضد- إلى الضد كتبدل الرأي من الوجوب إلى الحرمة- أو بالعكس من القوي إلى الضعيف- كتبدل الرأي من الوجوب إلى الندب. و سواء كان تبين الخطإ علميا أو بالظنون الاجتهادية المعتبرة.

ثمَّ إنّه لو كان التبدل من الحرمة إلى الوجوب أو الندب أو الكراهة أو الإباحة فلا بد له من العمل بالمتبدل إليه، و أما لو كان بالعكس فلا يصح له ذلك، و أما لو كان من الوجوب إلى الندب يجوز له البقاء على عمله و تركه، و في العكس يجب البقاء. هذا حكم عمله الفعلي، و أما حكم أعماله السابقة فيأتي في [مسألة ٥۳] إن شاء اللّه تعالى.

مسألة ۳۲: إذا عدل المجتهد عن الفتوى إلى التوقف و التردد يجب على المقلّد الاحتياط أو العدول إلى الأعلم بعد ذلك المجتهد (۷۱).

هذه المسألة متحدة مع سابقتها في الدليل، و تلخيصه: أنّ الرجوع إلى الغير مطلقا متوقف على ثبوت الرأي أو الفتوى، و مع التبدل أو التوقف ينتفي ذلك كلّه، فلا يبقى موضوع للتقليد أصلا، فتصل النوبة لا محالة، إمّا إلى الاحتياط أو الرجوع إلى الأعلم بعد ذلك المجتهد.

فرع:- لو كان العامي عالما بصحة رأي المجتهد، و هو معترف بفساده أو متردد فيه، يصح له العمل به، لكن من حيث علمه لا من جهة التقليد.

مسألة ۳۳: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلّد تقليد أيّهما شاء و يجوز التبعيض في المسائل (۷۲). و إذا كان أحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك، فالأولى بل‏ الأحوط اختياره (۷۳).

أما في صورة الاتفاق في الفتوى فللإجماع و الإطلاقات و السيرة فيجوز التقليد عن أحدهما أو عنهما معا، إذ لا دليل على اعتبار الوحدة مع الاتفاق في الرأي، كما يجوز التبعيض.

و أما مع الاختلاف فلا ريب في صحة تقليد أحدهما لوجود المقتضي و فقد المانع، كما لا يجوز تقليدهما معا في مورد الاختلاف للسيرة العقلائية على عدم الرجوع حينئذ.

و أما التبعيض فقيل بعدم الجواز، لعدم شمول الأدلة له، أما الإجماع فلأنّ المتيقن منه صورة الاتفاق دون الاختلاف، و أما الإطلاق فلأنّ المنساق منه الحجية التعيينية دون التخييرية، و أما السيرة فبما نوقش به في الإجماع.

و يرد على الأول: بأنّ الظاهر من كلماتهم هو العموم فراجع، مع أنّه لو لم يشمل مورد الاختلاف لا محذور فيه- لما يأتي من ثبوت السيرة و كفايتها.

و يرد على الثاني: أنّ انسباق التعيينية من الإطلاقات إنّما هو من باب الغالب لا الامتناع الثبوتي أو الإثباتي لأنّ الحجية التخييرية صحيحة في المحاورات العرفية و واقعة لديهم كما يأتي. فيشمل الإطلاق و كلّ ما جرت عليه المحاورة العرفية و السيرة العقلائية.

و يرد على الثالث: أنّ الواقع في الخارج تفكيك العقلاء في رجوعهم إلى الخبراء فيأخذون من بعضهم رأيا و من الآخرين رأيا آخر و لو في عمل واحد ذي أجزاء و شرائط و لم يثبت الردع عنه، و يأتي في [مسألة ٦٥] ما ينفع المقام.

تقدم في [مسألة ۱۳] ما استدل به لتعيين الأورع و المناقشة فيه، و يصلح ذلك لمجرد الأولوية و إن قصر عن إثبات وجوب التعيين، و قد أرسل صاحب الجواهر ترجيح أعلم الورعين و أورع العالمين إرسال المسلّمات، و جعله من صغريات قاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح، و فيه: ما لا يخفى.

مسألة ۳٤: إذا قلّد من يقول بحرمة العدول حتّى إلى الأعلم ثمَّ وجد أعلم من ذلك المجتهد فالأحوط العدول إلى ذلك الأعلم و إن قال الأول بعدم جوازه (۷٤).

لأنّ كلّ ما هو شرط حدوثا شرط بقاء أيضا. فإذا كانت الأعلمية شرطا لصحة التقليد فمع زوالها يزول شرط الصحة و يجب الرجوع إلى الأعلم، بناء على الشرطية، بلا فرق بين أن يكون مورد التقليد خصوص مسألة تقليد الأعلم أو غيرها من سائر المسائل. نعم، في الأولى يصح الاستدلال على لزوم الرجوع عنه، بأنّ البقاء عليه يكون من حجية فتوى شخص بفتوى نفسه، و هو باطل.

ثمَّ إنّه يجري في المقام ما تقدم سابقا من اشتراط ذلك بالمخالفة بين الفتويين، و عدم كون فتوى غير الأعلم موافقا للاحتياط.

و خلاصة ما تقدم: أنّ العامي الذي قلّد مجتهدا ثمَّ صار غيره أعلم، إن كان عالما بصحة البقاء على تقليد غير الأعلم يصح له البقاء لأجل علمه، و إن كان شاكا فيه يلزمه عقله بالرجوع إلى الأعلم بناء على وجوب تقليده و ليس له البقاء على تقليد من كان يقلده، و إن أفتى بصحة تقليد غير الأعلم لأنّه من حجية الفتوى بالفتوى. و أما المجتهد الذي صار غيره أعلم فإن كان مبناه صحة تقليد غير الأعلم مطلقا، فله الفتوى بذلك، و لكنّه لا ينفع للعامي المتردد في صحة البقاء على تقليده، و إن لم يكن مبناه ذلك فهو معلوم و يصح له حينئذ الفتوى بالأخذ بأحوط القولين.

ثمَّ إنّ تعبير الماتن «قدّس سرّه» بالأحوط، إن كان من جهة تردده في أصل اعتبار الأعلمية- كما مر منه- فله وجه، و إن كان بلحاظ خصوص المقام، فهو مشكل لوجود القول بحرمة العدول مطلقا.

مسألة ۳٥: إذا قلّد شخصا بتخيّل أنّه زيد فبان عمرا فإن كانا متساويين في الفضيلة و لم يكن على وجه التقييد صح و إلا فمشكل (۷٥).

خلاصة الكلام: أنّه مع تساويهما في العلم و الفتوى و عدم الاختلاف بينهما، لا ثمرة للتقييد و عدمه، سواء كان التقليد مطابقة العمل لرأي المجتهد أم نفس العمل بقوله أن الالتزام بالعمل، لأنّ التقليد في نظائر المقام بحسب المتعارف ملحوظ من باب تعدد المطلوب، إذ الشخص العامي بان على التقليد بفطرته الإيمانية بل العقلائية، و اختيار زيد إنّما يكون لغرض زائد على أصل التقليد من صداقته أو سيادته أو شهرته أو لجهة أخرى، و مثل ذلك لا يضر بأصل التقليد أبدا، فلا ريب حينئذ في مطابقة العمل لرأي المجتهد و صدق العمل برأيه و صدق الالتزام بالعمل بالرأي أيضا، نعم، لو كان من قصده أن يقلّد شخصا بعنوان أنّه زيد، و كان بحيث لو كان يعلم أنّه عمرو كان بانيا على عدم التقليد أصلا، أو عدم تقليد عمرو كذلك، يشكل الصحة بناء على أنّ التقليد هو الالتزام- لعدم تحققه واقعا، و لكن قد مر عدم الدليل على اعتبار الالتزام في‏ التقليد أصلا، فلا إشكال من جهة التقليد إلا إذا رجع إلى قصد عدم التقليد لو بان عمرا بناء على تقوم التقليد بالقصد و الاختيار. و كذا إذا اختلفا في الفتوى بناء على شمول الأدلة لصورة الاختلاف أيضا كما مر.

مسألة ۳٦: فتوى المجتهد تعلم بأحد الأمور: (الأول) أن يسمع منه شفاها (۷٦)، (الثاني) أن يخبر بها عدلان (۷۷)، (الثالث) إخبار عدل واحد بل يكفي إخبار شخص موثق يوجب قوله الاطمئنان و إن لم يكن عادلا (۷۸)، (الرابع) الوجدان في رسالته و لا بد أن تكون مأمونة من الغلط (۷۹).

لحجية ظواهر الكلام، كما ثبت في محلّه.

على المشهور لثبوت السيرة على الاعتماد عليه، بل على مطلق الثقة، في نظائر المقام.

لأنّ الاطمئنان: عبارة عن القطع العادي، و هو معتبر عند العقلاء و يدور عليه نظام معاشهم و معادهم.

لا بد فيها أيضا من تحقق الاطمئنان.

مسألة ۳۷: إذا قلّد من ليس له أهلية الفتوى ثمَّ التفت وجب عليه العدول (۸۰) و حال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل غير المقلّد و كذا إذا قلّد غير الأعلم وجب على الأحوط العدول إلى الأعلم (۸۱) و إذا قلّد الأعلم ثمَّ صار بعد ذلك غيره أعلم وجب العدول إلى الثاني على الأحوط.

لأنّ التقليد الحاصل منه كالعدم، لفقد الشرط. و التعبير بالعدول لا وجه له بحسب الواقع. نعم، يصح بحسب الزعم و الاعتقاد.

تقدم ما يتعلق بهذه المسألة، و بما بعدها في المسائل السابقة.

مسألة ۳۸: إن كان الأعلم منحصرا في شخصين و لم يمكن‏ التعيين (۸۲) فإن أمكن الاحتياط بين القولين فهو الأحوط (۸۳) و إلا كان مخيّرا بينهما.

و لم يحتمل أعلمية أحدهما، و إلا فهو المتعيّن و قد تقدم ما يتعلق به في [مسألة ۲۱].

ظاهره «قدّس سرّه» وجوب هذا الاحتياط، و ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم وجوبه، و تقتضيه السيرة أيضا.

مسألة ۳۹: إذا شك في موت المجتهد أو في تبدل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده يجوز له البقاء إلى أن يتبيّن له الحال (۸٤).

كلّ ذلك للاستصحاب. و لا يجب الفحص، لوجود الأصل المعتبر.

مسألة ٤۰: إذا علم أنّه كان في عباداته بلا تقليد مدة من الزمان و لم يعلم مقداره فإن علم بكيفيتها و موافقتها للواقع أو لفتوى المجتهد الذي يكون مكلّفا بالرجوع إليه فهو (۸٥) و إلا فيقضي المقدار الذي يعلم معه بالبراءة على الأحوط و إن كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالمقدار المتيقن (۸٦).

لأنّ طريق إحراز الموافقة للواقع، إحراز الموافقة لرأي من يجب اتباعه. و قد تقدم في [مسألة ۱٦]، و يأتي في [مسألة ٥۳] ما ينفع المقام.

المقام من موارد الأقل و الأكثر، و الشك بالنسبة إلى الأكثر شك في أصل التكليف، و المرجع فيه البراءة، سواء كان القضاء بالأمر الأول أم بالأمر الجديد. أما على الأخير فهو واضح، و أما على الأول فلأنّه ليس تابعا لأصل تشريع الأمر الأول مطلقا، بل يتبع مقدار اشتغال الذمة به، و المفروض أنّ نفس الاشتغال مردد بين الأقل و الأكثر، و مع الشك تجري البراءة عن الزائد على المتيقن. و لا يجري استصحاب بقاء التكليف لأنّه بالنسبة إلى الأكثر من الشك في‏ أصل الحدوث، و ليس المقام مثل خروج الرطوبة المرددة بين البول و المني الذي يأتي في [مسألة ۸] من فصل الاستبراء و [مسألة ۳] من فصل مستحبات غسل الجنابة من وجوب الجمع بين الغسل و الوضوء لاستصحاب بقاء أصل الحدث و ذلك لجريان الأصل فيه بالنسبة إلى ذات الحدث من حيث هو بخلاف المقام، الذي تعلق التكليف فيه بخصوص العناوين الخاصة، من الظهرين و العصرية و نحوها، و هي بذاتها مرددة بين الأقل و الأكثر، مع أنّ في جريان استصحاب كليّ الحدث فيما تردد بين الأقل و الأكثر تفصيلا تعرضنا له في كتابنا (تهذيب الأصول) ٥۰.

فروع:

الأول: لا فرق في اليقين بالبطلان، بين كونه حاصلا بالوجدان أو من جهة مخالفة أعماله لرأي المجتهد.

الثاني: لو شك في صحة عمله و بطلانه. فإن كان حين العمل متوجها في الجملة، فمقتضى قاعدة الفراغ في العبادات و أصالة الصحة في غيرها هو الصحة. و أما إذا كان غافلا بالمرة، فالمسألة مبتنية على جريان قاعدة الفراغ و الصحة حتّى في صورة الغفلة أيضا، وجهان، بل قولان: مقتضى إطلاق بعض الأخبار٥۱هو الأول، و تقتضيه سهولة الشريعة مع غلبة الجهل بتلك الخصوصيات على سواد الناس. و لا يبعد دعوى السيرة في الجملة أيضا، و ما يظهر من بعض الأخبار ٥۲من اعتبار الالتفات حين العمل ليس علة للحكم بالصحة حتّى يدور الحكم بالصحة مدارها، بل يمكن أن يكون من باب بيان الحكمة بحسب الغالب. و سيأتي في أحكام الوضوء ما ينفع المقام.

الثالث: إذا شك في أصل الإتيان و عدمه فمقتضى قاعدة الاشتغال و أصالة عدم الإتيان، وجوب القضاء.

و دعوى: أنّ موضوع وجوب القضاء هو الفوت، و إثبات ذلك بعدم الإتيان‏ يكون من الأصل المثبت. مردودة: بأنّ الفوت عبارة أخرى عن عدم الإتيان شرعا و عرفا، بل و لغة أيضا، فلا اثنينية بينهما حتّى يكون من المثبت.

الرابع: إذا شك حين إرادة إتيان العمل في صحته و فساده. فلا طريق لإثبات صحته، لأنّ قاعدة الصحة تختص بالشك الحادث بعد العمل، لا ما كان قبله أو معه.

الخامس: لو تردد القضاء بين الأقل و الأكثر من جهة الشك في بلوغه مقتضى الأصل الموضوعي و الحكمي عدم وجوب الأكثر- كما في سائر الموارد.

السادس: لو علم بكيفية العمل. و شك في انطباق المأتي به عليها تجري قاعدة الفراغ. و الظاهر عدم جريان استصحاب عدم الإتيان بالواجب، لكونه من جريان الأصل في المفهوم المردد بين معلوم الوجود و معلوم الانتفاء، و قد ثبت في محلّه عدم صحته: مع أنّه لو كان صحيحا لكان محكوما بقاعدة الفراغ.

مسألة ٤۱: إذا علم أنّ أعماله السابقة كانت مع التقليد لكن لا يعلم أنّها كانت عن تقليد صحيح أم لا، بنى على الصحة (۸۷).

لا ريب في أنّ أصالة الصحة من الأصول العملية، التي لا تجري إلا مع وجود أثر عملي شرعي، و مع عدمه لا مجرى لها أبدا. كما لا ريب في أنّ التقليد بما هو تقليد لا موضوعية له بوجه و إنّما هو طريق لتصحيح العمل فقط.

فكلّ مورد أحرز صحة العمل بوجوه من الوجوه. و لو بأصالة الصحة، لا أثر لجريانها في التقليد من حيث هو، لأنّه لغو و لا مورد يكون فيه للتقليد موضوعية محضة حتّى يجري فيه الأصل مع قطع النظر عن العمل- فلو قلد زمانا ثمَّ شك في أنّ تقليده كان صحيحا أو لا، فإن كان عمله مطابقا لرأي من قلّده و كان جامعا للشرائط صح عمله سواء جرى في أصل التقليد أصالة الصحة أم لا. و لو لم يكن كذلك بطل، سواء جرى الأصل في نفس التقليد أم لا. و لو قلد شخصا زمانا ثمَّ عدل إلى غيره مع مخالفتهما في الفتوى، و قلنا بصحة الأعمال السابقة حينئذ- لا أثر لجريان الأصل في نفس التقليد. و كذا لو قلنا بفسادها، بل لو فرض في مورد جريان الأصل في نفس التقليد من حيث هو يكون طريقا محضا إلى العمل، فهذه‏ المسألة إما أن ترجع إلى المسألة السابقة، أو إلى ما يأتي في [مسألة ٥۳].

مسألة ٤۲: إذا قلّد مجتهدا ثمَّ شك في أنّه جامع للشرائط أم لا، وجب عليه الفحص (۸۸).

لأنّ الشكّ في الحجية مساوق لعدمها، بلا فرق بين الحدوث و البقاء. و هذا الوجوب فطري كوجوب أصل التقليد، مع أنّ ظاهر الفقهاء التسالم عليه بلا فرق فيه بين الابتداء و الاستدامة. نعم، لو علم بتحقق الشرائط ثمَّ شك، فمقتضى الاستصحاب هو البقاء.

مسألة ٤۳: من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء (۸۹) و كذا من ليس أهلا للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس (۹۰).و حكمه ليس بنافذ (۹۱)، و لا يجوز الترافع إليه (۹۲)، و لا الشهادة عنده (۹۳)، و المال الذي يؤخذ بحكمه حرام و إن كان الآخذ محقا (۹٤) إلا إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع عنده (۹٥).

البحث فيه تارة: من حيث الحكم التكليفي. و أخرى: من حيث الحكم الوضعي.

أما الأول: فاستدلوا على الحرمة تارة بظهور الإجماع. و فيه: أنّ المتيقن منه ما إذا ترتب عليه مفسدة- من إبطال حق أو إحقاق باطل و نحوهما.

و أخرى: بأنّه إغواء و إضلال. و فيه: أنّ المدعى أعم منه إذ الكلام فيما إذا لم تترتب المفسدة أصلا.

و ثالثة: بأنّه من مناصب النبوة و الإمامة، فلا يجوز لغير الأهل. و فيه: أنّ ما هو من المناصب حجية الفتوى، و ليس البحث فيها. إنّما البحث في أنّ من كان مجتهدا و لم يكن عادلا أو كان مملوكا أو امرأة أو ولد زنا مثلا هل يحرم عليه الإفتاء كحرمة الغيبة و الغناء أو لا؟

و رابعة: بأنّه قول على اللّه تعالى بغير علم. و فيه: أنّه يصح فيما إذا كان جاهلا فأفتى، و أما لو كان عالما أو كان أعلم، و لم يكن فيه بعض الشرائط، فلا وجه له و بعد قصور هذه الأدلة عن إثبات المدعى، يكون المرجع هو البراءة عن الحرمة. هذا و لكن ظاهر الفقهاء التسالم على الحرمة مطلقا.

و أما الثاني: فمقتضى الأصل و ما دل على اعتبار ما تقدم من الشروط في المفتي، عدم الحجية.

فروع:

الأول: لو كان رأي من فقد الشرائط مطابقا للاحتياط. و عمل‏ العامي به، يصح عمله و لا شي‏ء عليه. و كذا لو كان مطابقا لرأي من استجمع الشرائط.

الثاني: بناء على حرمة الإفتاء على فاقد الشرائط، إذا أفتى في حال فقد الشرائط ثمَّ صار واجدا لها، فإن كان فقد الشرائط من جهة القصور أو التقصير في أصل الاجتهاد، فلا اعتبار بفتواه. و إن كان لأجل فقد العدالة مثلا ثمَّ صار عادلا، فالظاهر اعتبار الفتوى حينئذ.

الثالث: لو حصّل ملكة الاجتهاد في حال فقد الشرائط، فصار مستجمعا لها حين مرجعية الفتوى صح و كفى.

للشك في اعتبار رأيه و نظره. و مقتضى الأصل عدم الاعتبار إلا مع الدليل عليه و هو مفقود، و لأنّ القضاوة من فروع منصب النبوة بل إنّها من المناصب الخاصة فليس لكلّ أحد التصدي لها إلا بعد أن يستجمع الشرائط المعتبرة فيها.

و يصح دعوى القطع بعدم رضاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و خلفائه المعصومين عليهم السلام بالرجوع إلى حكام الجور، و في موثق إسحاق بن عمار قال أمير المؤمنين عليه السلام لشريح: «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلّا نبي أو وصي نبيّ أو شقيّ»٥۳، و قال أبو عبد اللّه عليه السلام في معتبرة سليمان بن خالد: «اتقوا الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي (كنبي) أو وصيّ نبيّ»٥٤و الأخبار في سياق هذا الأمر كثيرة، و هذا في الجملة مما لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في أنّه إذا استفاد المجتهد الجامع للشرائط جميع ما يتعلق بالقضاء من الأدلة المعتبرة و اجتهد فيها و صار عالما بها و نظر في حلالها و حرامها عن بصيرة و تعمق. هل يعتبر مباشرته في القضاء أو يكفي إضافة ذلك إليه و لو كان بتقليده فيما استنبطه و استظهره من الأدلة؟

و بعبارة أخرى: هل تعتبر في القضاوة الحقة المباشرة للمجتهد من كلّ حيثية و جهة إلى تمام الحكم و فصل الخصومة أو تعتبر المباشرة في خصوص استفادة موازينها و أحكامها عن الأدلة، و التسبب في سائر جهاته إلّا مع الدليل على الخلاف؟ نسب إلى المشهور الأول، و استدل عليه بأمور: الأول: ظواهر الأدلة المشتملة على العلم مثل قول الصادق عليه السلام: «انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا» أو المشتملة على المعرفة. كقوله عليه السلام: «اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا»٥٥. أو النظر كقوله عليه السلام: «ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا»٥٦فإنّ هذه العناوين مختصة بالمجتهد فلا تشمل غيره.

و فيه أولا: إنّ الروايات المذكورة لا تختص بالمجتهد اتفاقا، و إنّ العلم و المعرفة و النظر أعم من العلم و المعرفة و النظر الاجتهادي و غيره لغة و عرفا. فإنّ العامي الذي فهم المسائل من رسالة عملية و تأملها بمقدار إدراكه يقال: إنّه نظر في مسائل الكتاب، و عرفها، و علم بها، لأنّ للعلم و المعرفة و النظر مراتب متفاوتة جدا. و من يجوّز القضاء للمقلّد لا يجوّز لكلّ مقلّد، بل لخصوص من عرف المزايا و الدقائق و الخصوصيات المتعلقة بالوقائع و الجهات الراجعة إلى الحكم و المتحاكمين، و لا ريب في صدق العناوين المذكورة عليه.

و دعوى: أنّ المراد بها خصوص من بلغ مرتبة الاجتهاد بلا شاهد، بل الشاهد على خلافه لكثرة إرجاع الأئمة عليهم السلام شيعتهم‏٥۷إلى جملة من الرواة الذين لم نظفر لهم على رأي و دقة و اجتهاد أصلا، و لم يكن لهم شأن غير نقل الأحاديث- كالمقلّد الذي لا شأن له غير الإحاطة بفتاوى المقلّد و نقلها و ضبطها.

و ثانيا: إنّ جلّ هذه الأحاديث بل كلّها إنّما وردت لسد باب الرجوع إلى‏ حكام الجور و فتح باب الرجوع إلى علوم المعصومين، و الأخذ عنهم عليهم السلام و الانتساب في الفتوى و القضاء إليهم. و لا ريب في تحقق ذلك فيمن فرضناه من المقلّد.

و ثالثا: إنّ ما يصدر من المقلّد في المقام لا موضوعية له بوجه، بل هو من جهة الاستناد إلى نظر المجتهد و علمه و معرفته. فيتحقق جميع ذلك حينئذ- كما إذا أرسل الطيب مثلا خادمه إلى من يحتاج إليه في الطب، و أطلعه على جميع ما يحتاج إليه في الطبابة. و كما إذا نقل رأو موازين القضاء الذي سمعه من الإمام إلى غيره فعمل الغير بها.

الثاني: أنّ القضاوة منصب خاص و ولاية مخصوصة، و مقتضى الأصل عدمها إلا في المتيقن من مورد الأدلة و هو خصوص المجتهد. و قد تقدم قول الصادق عليه السلام: «اتّقوا الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضايا، العادل في المسلمين لنبيّ (كنبي) أو وصيّ نبيّ».

و فيه: أنّ المنصب و الولاية ليس إلا للمجتهد الذي استنبط أحكام القضاء و المقلّد يتصدى للقضاء عنه لا أن يكون له منصب و ولاية في عرضه، فهو بمنزلة الآلة المحضة بلا نفسية له من هذه الجهة فكيف بأن يكون له منصب!! و حينئذ فيكون فعله من مجرد المعروف الذي يشمله قولهم عليهم السلام: «كل معروف صدقة» ٥۸و قوله عليه السلام: «أول من يدخل الجنّة المعروف و أهله»٥۹. و يمكن أن يستشهد للصحة بقولهم عليهم السلام: «الحكم حكمان حكم اللّه و حكم الجاهلية- الحديث»٦۰، و تسمية مثل هذا الحكم بحكم الجاهلية مما لا يرضى به أحد.

الثالث: دعوى الإجماع- كما عن المسالك و غيره.

و فيه: أنّ عهدة إثبات كونه من الإجماعات المعتبرة على مدعيه.

و يمكن أن يجعل النزاع بين الأعلام لفظيا فمن يقول بعدم الجواز يريده بالنسبة إلى العامي الذي لا يطلع على موازين القضاء و خصوصيات فصل الخصومة، و كيفيات الدعوى، و هذا مسلّم بين الكلّ. و من يقول بالجواز أراده بالنسبة إلى الذي يطلع على جميع ما يطلع عليه المجتهد بتقليده.

فروع:

الأول: لا بد و أن يكون أصل جواز تصدي المقلّد للقضاء مستندا إلى علم قطعي أو تقليد صحيح. فليس لكلّ عامي أن يتصدى لذلك و إن عرف أحكام القضاء.

الثاني: هل يعتبر أن يتحقق فيه باقي الشرائط غير الاجتهاد- من الذكورة و الحرية و غيرهما. لأنّه المتيقن من الجواز. أو لا يعتبر، لكون تلك الشرائط معتبرة في المنصب و ليس للعامي منصب، و إنّما هو من مجرد الآلة فقط؟

وجهان: أحوطهما الأول.

الثالث: لو كان المترافعان مقلّدين لمن لا يجوّز قضاء غير المجتهد، لا يصح لهما الرجوع إليه حينئذ و إن كان مقلّدا لمن يجوّزه.

لأصالة عدم النفوذ و الحجية إلا فيما دلت عليه الأدلة.

أما في قضاة الجور، فيدل عليه الكتاب‏٦۱، و الإجماع المحقق و السنة المستفيضة٦۲. و يمكن أن يكون ذلك من الركون إلى الظالمين الذي هو من المعاصي الكبيرة، و في بعض الروايات النهي عن مجالستهم‏٦۳و أما في غيره فلأنّه حينئذ من العمل بالمنكر و ترويج له، و يمكن أن يكون من التحاكم إلى الطاغوت أيضا- إن جعل غير الأهل الحكومة منصبا لنفسه، فيشمله ما دل على حرمة التحاكم إلى الطاغوت.

و قد يستدل على الحرمة بأنّ الترافع إلى غير الأهل من المعاونة على الإثم.

و هو يتوقف على بيان معنى الإعانة على الإثم و لو إجمالا.

«قاعدة حرمة الإعانة على الإثم»

العون: المعاونة و المظاهرة و هو من المفاهيم المبينة العرفية. و مفهوم الإعانة وسيع جدا و بهذا- المفهوم الوسيع جدا تستعمل في الإعانة على البر و التقوى كما يستظهر من الروايات، ففي بعض أخبار الصدقة عن الصادق عليه السلام: «لو جرى المعروف على ثمانين كفا لأجروا كلهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا»٦٤لسبق رحمته تعالى على غضبه و عدم إمكان تحديد رحمته بحدّ خاص و أمّا بالنسبة إلى الإعانة على الإثم و العصيان فلا وجه أن يحدّ بحدّ معيّن، و يقتضي الأصل الحكمي و الموضوعي عدم ثبوتها، إلّا أن يدل دليل بالخصوص على تحققها و لا ريب في تحققها إن صدق الموضوع و انطبق عليه عنوان الإعانة قهرا مع العلم بالحكم و الموضوع، و كذا إذا فعل فعلا بقصد ترتب الحرام عليه و علم به و ترتب ذلك عليه بحيث يكون كالعلة التامّة المنحصرة و أما إن كان فعله من مجرد المقتضي أو عدم المانع مع عدم قصد ترتب الحرام، فمقتضى الأصل عدم الإعانة و عدم الحرمة إلّا مع الدليل.

و كيف كان مقتضى المرتكزات و الفطريات حسن المعاونة على الحسن و قبح الإعانة على القبيح، و يرشد إليه قوله تبارك و تعالى‏ وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ‏٦٥و الأخبار الواردة في الأولى أكثر من أن تحصى، كقول الصادق عليه السلام: «عونك الضعيف من أفضل الصدقة»٦٦و قوله عليه السلام: «اللّه في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه»٦۷و قوله‏ عليه السلام: «و ليعن بعضكم بعضا فإنّ أبانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقول: إنّ معونة المسلم خير و أعظم أجرا من صيام شهر و اعتكافه في المسجد الحرام»٦۸. فأعانه المؤمن من حيث هي من المندوبات الشرعية سواء كان موردها مباحا أو مندوبا، و قد تجب بالعرض.

و كذا الأخبار الواردة في الثانية كثيرة جدا منها: قول الصادق عليه السلام:

«العامل بالظلم، و المعين له، و الرّاضي به شركاء ثلاثتهم»٦۹.

و عنه عليه السلام في الصحيح «من أعان ظالما على مظلوم لم يزل اللّه عليه ساخطا حتى ينزع عن معونته» ۷۰ إلى غير ذلك من الأخبار الواردة. ثمَّ إنّ مورد الكلام في الإعانة الراجحة أو المرجوحة: ما إذا انحصرت جهة الراجحية أو المرجوحية في مجرد الإعانة من حيث هي، لا ما إذا كان المعادن به بذاته راجحا أو مرجوحا، و الإعانة الراجحة- كسقي الماء و إطعام الطعام و نفقة واجب النفقة و غير ذلك مما هو كثير جدّا. و المرجوحة- كقبول الربا و الرشى و نحوهما مما هو كثير أيضا- و لعلّه من ذلك إعانة الظلمة. فإنّها بذاتها من العناوين المحرمة في الشريعة، و قد وردت فيها روايات كثيرة۷۱ لا يحتاج الفقيه في إثبات حرمتها إلى تطبيق عنوان الإعانة المبحوث عنها في المقام عليها.

و يصح أن يكون شي‏ء في جملة من الموارد مجمعا للعنوانين بأن يكون واجبا أو مندوبا ذاتا و انطبق عليه عنوان الإعانة على البر و التقوى أيضا، أو يكون مرجوحا ذاتا و انطبق عليه عنوان الإعانة على الإثم أيضا.

ثمَّ إنّ إعانة الشخص بالنسبة إلى فعل الغير، سواء كان من البر و التقوى أم من الإثم و العدوان يتصور على وجوه:

الأول: مجرد الرضى به، فيرضى بصدور أمر خير من شخص أو يرضى بصدور إثم منه.

الثاني: المحبة و الاشتياق إليه مضافا إلى أصل الرضى به، و لا ريب في أنّ‏ الرضاء و المحبة و الاشتياق بصدور الخير من الناس من الصفات الحسنة، بل من مراتب الإيمان، كما لا ريب في أنّ الرضاء بصدور الشر و العصيان من الغير و المحبة و الاشتياق إليه من الصفات الذميمة، و يظهر من جملة من الأخبار ترتب العقاب عليه‏۷۲:

منها ما تقدم من قول الصادق عليه السلام: «العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم»۷۳.

و منها قوله عليه السلام: «من أحب شيئا حشره اللّه معه»۷٤.

و قوله عليه السلام: «هل الدين الا الحب و البغض؟»۷٥.

إلى غير ذلك من الروايات التي ذكرناها في علم الأصول في حجية القطع و ذكرنا دفع المعارضة حرمة أو كراهة عما ينافيها، و ليس هنا مقام ذكرها و من شاء فليراجع كتابنا (تهذيب الأصول).

الثالث: إيجاد الداعي و مبادي الإرادة في الطرف لفعل الخير أو لفعل المنكر، و الأول حسن، بل مندوب و يترتب عليه الثواب. و الثاني مذموم بلا ارتياب، بل قد يحرم لعناوين خارجية.

إنّما الكلام في أنّه هل يكون من صغريات الإعانة على الإثم مطلقا أو لا كذلك أو يفصّل بين ما، إذا كان إيجاد الداعي علة تامة لصدور الحرام منه، و كان لأجل التوصل به إلى تحقق الحرام بحيث لو احتمل عدم صدور الحرام لا يكون في مقام إيجاد الداعي و صار المعان بعد ذلك مسلوب الاختيار في ارتكاب الحرام، و بين ما إذا لم يكن كذلك؟ وجوه: الأقوى هو الأخير.

الرابع: أن تتحقق إرادة غيره لإتيان الحرام، و تكون الإعانة بمنزلة الجزء الأخير من العلة لتحققه خارجا مع علم المعين بترتب الحرام على فعله، و لا إشكال في كونه من الإعانة على الإثم قصد التوصل به إليه أم لا.

الخامس: الصورة المتقدمة مع جهل المعين به لكن قصد التوصل به إلى الحرام مع تحققه في الخارج أيضا، و الظاهر صدق الإعانة عليه شرعا و عرفا، أما لو قصد التوصل به إلى الحرام مع عدم تحققه فلا ريب في كونه نحوا من التجري، و أما كونه من الإعانة فمتوقف على كونها صفة قائمة بالمعين فقط و لو لم يتحقق المعان عليه أصلا أو يتوقف على تحققه، و الأول مشكل جدا لتقوم حقيقة الإعانة بالمعين و المعان، و المعان عليه و مع انتفاء أحدها لا تتحقق تلك الحقيقة.

و منه يعلم أنّه لو جهل بترتب الحرام و لم يقصد التوصل إليه أيضا ثمَّ تحقق خارجا فليس ذلك من الإعانة في شي‏ء.

السادس: أن يقصد المعين وجود مقدمة الحرام- مع عدم قصد نفس الحرام و عدم قصد التوصل بفعله إلى تحقق الحرام خارجا أيضا و لكن يعلم أنّ المعان قاصد للحرام فعلا و تحقق في الخارج أيضا. و الظاهر صدق الإعانة حينئذ، لأنّه مع العلم بأنّ المعان قاصد للحرام و مع ذلك قصد وجود مقدمته فهو قاصد للحرام في الجملة فتصدق الإعانة على الحرام. إلا أن يقال: إنّ العلم بالشي‏ء أعم من قصده، و لكنّه مشكل في مثل المقام و إن كان مسلّما في مثل تجارة التاجر و أخذ العشور منه و نحو ذلك.

و لكن يأتي في المكاسب المحرمة إن شاء اللّه تعالى أنّه قد نسب إلى المشهور جواز بيع العنب و التمر لمن يعمله خمرا، لوجود روايات كثيرة دالة عليه كما يأتي التعرض لها في محلّه و يأتي التشكيك هناك في صدق الإعانة أيضا.

السابع: هذه الصورة مع عدم تحقق الحرام خارجا، و لا إشكال في عدم كونه من الإعانة على الحرام. إنّما الكلام في أنّه هل يكون من التجري أو لا؟

فإن قلنا بأنّ العلم بشي‏ء ملازم لقصده أيضا فحيث إنّه علم بصدور الحرام من الغير، يكون قاصدا له في الجملة فيصدق التجري قهرا. و إن قلنا بعدم الملازمة فلا موضوع للتجري، لأنّه قصد المقدمة فقط و هي ليست محرمة و لم يقصد نفس‏ الحرام فكيف يصدق التجري؟! نعم، لو كانت المقدمة محرمة من جهة أخرى تتحقق الإعانة حينئذ.

الثامن: ما إذا قصد المعين المقدمة فقط، و لم يقصد الحرام أصلا و لا التوصل بها إليه، و علم بأنّ المعان ليس بقاصد للحرام فعلا و لكن يعلم أنّه يحصل له قصد جديد في صرف المقدمة في الحرام و تحقق ذلك منه خارجا. و الظاهر عدم الفرق بينه و بين القسم السادس.

التاسع: الصورة المتقدمة مع عدم تحقق الحرام خارجا، و حكمه حكم السابع.

العاشر: أن يتردد المعين في أنّ المعان قاصد للحرام أو لا. و ليس ذلك من الإعانة على الحرام في شي‏ء إلا أن يقصد بإعانته التوصل إلى الحرام و تحقق الحرام خارجا أيضا.

و الحاصل: إنّ الإعانة ليست من الموضوعات التعبدية الشرعية حتّى نحتاج في فهمها إلى الرجوع إلى الشارع و لا من الموضوعات المستنبطة حتّى نحتاج فيها إلى إعمال الرواية، بل هي من المفاهيم المتعارفة العرفية الشائعة بينهم في جميع أمورهم الاجتماعية فلا بد من المراجعة إليهم و إذا راجعناهم وجدناهم يعتبرون فيها أمورا:

الأول: العلم بتحقق المعان عليه.

الثاني: تحققه خارجا.

الثالث: القصد في الجملة و لو كان حاصلا من العلم بتحقق المعان عليه هذا إذا لم يقصد التوصل إلى الحرام. و أما معه و تحقق الحرام خارجا فالظاهر صدقها أيضا.

إن قلت: الإعانة من العناوين غير المتوقفة على القصد و العلم، فما الدليل على اعتبارهما.

قلت أولا: لا نسلّم كونها من العناوين الواقعية غير المتوقفة عليهما، بل الظاهر عدم كونها كذلك.

و ثانيا: إنّ البحث في الإعانة الخاصة المتعارفة بين الناس، و لا ريب في كونها كذلك.

ثمَّ إنّه قد يذكر في الفقه قاعدة الإغراء إلى القبيح و الإغراء هو تهييج الشخص على الشي‏ء و ترغيبه إليه، و لا خلاف فيها في الجملة و يمكن تطبيقها على القسم الثالث. كما يمكن انطباقها على قاعدة التسبيب التي يأتي التعرض لها في [مسألة ۳۲] من (فصل يشترط في صحة الصلاة) و على كلّ حال لا ريب في حرمة الإغراء بالمعصية.

فروع:

الأول: لا فرق في الحرام الذي تكون الإعانة عليه حراما بين كونه من الكبائر أو الصغائر، للعموم و الإطلاق.

الثاني: لا فرق في العلم و القصد بين أن يكون بالنسبة إلى شخص واحد تفصيلا أو بمن هو معلوم بالإجمال فلو علم أنّ واحدا من الجماعة أراد ارتكاب حرام، و لكنّه غير معلوم تفصيلا لا يجوز إعانة كلّ فرد من أفراد الجماعة إلى الحرام المعلوم لشمول الأدلة له أيضا.

الثالث: تقدم أنّ حرمة الإعانة متقوّمة بقصد بتحقق الحرام في الجملة فلا حرمة فيما لا قصد فيه، بل يكون من قصد العدم لو أمكن- كما في تجارة التاجر بالنسبة إلى أخذ العشور و مسافرة الناس إلى الحج أو سائر الأسفار الراجحة بالنسبة إلى ما يؤخذ منهم، إذ لا قصد لهم بذلك بل لو أمكنهم الفرار عنه لفعلوا مع أنّه لو تحقق لا أثر لمثل هذا القصد لحصوله ظلما و عدوانا.

الرابع: لو اضطر أو أكره على الإعانة على الإثم ترتفع الحرمة كما في جميع موارد الإكراه و الاضطرار.

الخامس: ظاهر كلمات الفقهاء اختصاص البحث عن الإعانة بما إذا كانت بين شخصين أو أزيد، فلو أوقع شخص نفسه في المهالك و المضرّات ليس ذلك من الإعانة: و إنّما تحرم من جهة أخرى، و إن كان ظاهر قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه» ۷٦ و قول أمير المؤمنين عليه السلام: «إن أكلته و مت فقد أعنت على نفسك» ۷۷ لكون الإعانة أعم من‏ ذلك، لكن الظاهر أنّه من التوسع و المجاز كما لا يخفى و كذا قوله عليه السلام:

«إذا ضاق أحدكم فليعلم أخاه و لا يعن على نفسه»۷۸.

السادس: لو شك في مورد أنّه من الإعانة على الإثم أو لا، من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية مع عدم صدق الإعانة عرفا، فهو من موارد البراءة عقلا و شرعا.

السابع: لا يبعد أن تكون الإعانة على الإثم تابعة للإثم المعان عليه فإن كان كبيرا فهي كبيرة و إلا فصغيرة.

الثامن: هل المدار في الإثم- الذي تحرم الإعانة عليه- على الإثم بحسب تكليف المعان أو المعين أو هما معا؟ فلو كان شي‏ء إثما بحسب تقليد المعين و لم يكن إثما بحسب تكليف المعان أو بالعكس. هل تحرم الإعانة أو لا؟

وجوه لا يبعد أن يكون المدار على نظرهما معا، للأصل في مورد الشك.

التاسع: لو أمكن للمعان دفع المعين عن مساعدته و لم يدفعه و ارتكب الحرام بمساعدته. فهل عليه إثمان، إثم ارتكاب الحرام و إثم لترك النهي عن المنكر مع تمكنه منه، أو ليس عليه إلا أثم ارتكاب الحرام فقط؟ وجهان: لا يبعد الأول، لتحقق الموضوع بالنسبة إلى كلّ منهما.

العاشر: تجب التوبة عن الإعانة على الإثم كسائر المعاصي، و قد تتوقف التوبة منها على أمور أخرى غير الاستغفار كما لا يخفى مثل ما إذا حصل بإعانته سفك دم محترم أو هتك عرض أو فقدان مال تعلق حق الناس به، فلا بد من الاسترضاء مضافا إلى التوبة.

الحادي عشر: لو علم شخص بأنّه لو لم يعن على الحرام لتحقق الحرام بإعانة غيره، و أنّه لا يكون لترك إعانته أثر أصلا، بل يكون لغوا محضا، لتحقق الحرام على كلّ حال. فهل تكون إعانته محرمة حينئذ أم لا؟ وجهان، بل قولان: الظاهر هو الأول، لحرمة الإعانة على الحرام بالنسبة إلى الجميع حرمة نفسية، فما لم يحصل الحرام خارجا لا يسقط التكليف عن الكل.

ثمَّ إنّ موارد تطبيق القاعدة كثيرة في أبواب الفقه نتعرض لها فيما يأتي إن شاء اللّه تعالى. منها المقام فإنّه إذا علم المتخاصمان بعدم كون الشخص أهلا للحكومة و مع ذلك ترافعا لديه بقصد حكمه المحرم يكون ذلك من الإعانة على الإثم و يجري فيه جميع ما تقدم منه الأقسام المذكورة. و قد يستدل في نظائر المقام بأنّ دفع المنكر كرفعه واجب، و ربما يجعل ذلك قاعدة.

«قاعدة وجوب دفع المنكر»

و لا بد من بيان موضوعه، و الأقسام المتصورة فيه، ثمَّ بيان حكمه بحسب ما هو المستفاد من الأدلة. فنقول: دفع المنكر على أقسام:

الأول: دفعه عن من لا يريده فعلا و يحتمل أن يريده فيما بعد احتمالا بعيدا، فيكون تعجيزا له عما يحتمل أن يهتم به من القبيح.

الثاني: الدفع عند بنائه على الارتكاب بحسب المتعارف من دون حصول قصد و إرادة فعلية بالنسبة إلى فعل الحرام، كما إذا بني في الحال على أن يظلم أحدا في الغد مثلا.

الثالث: دفعه عند القصد و الإرادة الفعلية على الارتكاب مع حصول تمام المقدمات، و لكن مع عدم التلبس بشي‏ء من المقدمات القريبة من الحرام.

الرابع: الصورة المتقدمة مع التلبس بها و الإشراف على الارتكاب.

الخامس: الشروع في الارتكاب.

و القسمان الأخيران من رفع المنكر لا دفعه، فهما خارجان عن مسألة دفع المنكر، بل الظاهر كون القسم الثالث أيضا كذلك. و على أيّ تقدير فقد استدل على وجوب الدفع عن المنكر، تارة بإطلاقات أدلة النهي عن المنكر من الآيات و الروايات.

أما الأولى كقوله تعالى‏ وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ۷۹.

و أما الثانية أخبار مستفيضة منها قوله عليه السلام: «إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض»۸۰.

بدعوى: أنّ المناط في وجوبه عدم وجود المنكر خارجا فهو متحقق في الدفع أيضا، فتشمله الإطلاقات.

و فيه: أنّه ليس بقطعي غايته كونه ظنيا. و اعتباره مشكل، بل ممنوع. إلا أن يقال: إنّ المستفاد من ظاهرها ذلك لا أن يكون هذا هو المناط المستنبط منها.

و أخرى: بما ورد من أنّه: «لو لا أنّ بني أميّة وجدوا لهم من يكتب و يجبي لهم الفي‏ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا»۸۱.

فيدل على ثبوت الذّم لكلّ ما لو ترك لم تتحقق المعصية من الغير.

و فيه: أنّه يمكن القول به في خصوص مورده، لكثرة أهميته.

و ثالثة: بالسيرة العقلائية حيث إنّ العقلاء المتحفظين على حفظ نظام الاجتماع يجتنبون الأشرار الذين يخاف من شرهم.

و فيه: أنّه لا كلية فيها و ربما نلتزم به في بعض الموارد. فالحق هو التفصيل بين الموارد المهمة و غيرها و ذلك موكول إلى نظر الحاكم الشرعي، و تشخيصه للموضوع.

لأنّها إما إعانة على الإثم- إن كانت بقصد فصل الخصومة لديه، و إنفاذ حكمه- أو يكون ترويجا عمليا للمنكر إن لم يكن بهذا القصد. و يمكن أن تترتب عليها مفسدة أخرى، فتحرم من تلك الجهة أيضا.

ظاهر إطلاقه عدم الفرق بين العين و الدين. و لكنّه (قدّس سرّه) استشكل في الأول في كتاب القضاء من الملحقات العروة.

ثمَّ إنّ حكم المسألة تارة يبحث عنه بحسب القواعد العامة. و أخرى بحسب الأدلة الخاصة:

أما الأول: فلا يخلو إما أن يكون الآخذ مبطلا أو محقّا. و الأول يحرم ما أخذه بلا فرق بين العين و الدين مطلقا، و لو كان بحكم الحاكم الجامع للشرائط، فكيف بغيره.

و الثاني: إما أن يكون حقه عينا أو دينا حالا يمتنع المديون عن الأداء، أو مؤجلا. أما الأول فمقتضى القاعدة عدم كون تصرفه في ماله بعد الأخذ حراما، لفرض كونه ملكا له، و إنّما فعل حراما في كيفية استيلائه عليه لا في أصل الاستيلاء، فيكون مثل ما إذا سرق ماله شخص، و أمكنه أخذه منه فدخل دار السارق بغير إذنه و أخذ ماله المسروق منه، فيكون العصيان في طريق الأخذ و كيفيته، لا في نفس الاستيلاء على المأخوذ. و كذا الثاني- إن دفع نفس المديون دينه، فالعصيان حينئذ وقع في كيفية الوصول إلى الحق، لا في نفس الاستيلاء عليه.

و أما إذا أخذه الحاكم المباشرة، أو أمر الدائن بأخذه، فأخذه فإن كان بعنوان التقاص مع تحقق الشرائط فيكون كذلك أيضا، فأصل الاستيلاء عليه حق، و طريق الاستيلاء عليه يكون باطلا. و مع عدم ثبوت شرائط التقاص لا يصح التصرف فيه، لأصالة بقائه على ملك مالكه، و عدم عروض ما يوجب زواله عنه.

و تشخيص الكلّي الذي إلى العين الخارجي يتوقف على رضى المالك، أو إذن من الشارع و المفروض عدم تحققهما إن لم نقل بسقوط رضاه عند امتناعه عن الأداء. و مثله بعينه حكم القسم الثالث، بل يكون فيه أشد، لعدم حلول الأجل بعد، فيكون الأخذ من دون رضاه ظلما- و لو بحكم العادل فكيف بالجائر. هذا كلّه بحسب القاعدة.

و أما بحسب الأدلة الخاصة فنسب إلى المشهور حرمة الأخذ- و إن كان الآخذ محقا. و استدل عليه تارة: بالإجماع و قد أشكل عليه: بأنّ المتيقن منه ما لم يكن الحق ثابتا.

و فيه: أنّ مورد الإجماع فيما إذا ثبت الحق، فلا وجه للإشكال.

و أخرى: بمقبولة ابن حنظلة عن الصادق عليه السلام: «عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان و إلى القضاة، أ يحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا، و إن كان حقا ثابتا له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت و ما أمر اللّه أن يكفر به- الحديث»۸۲.

بدعوى ظهور قوله عليه السلام «يأخذ سحتا» في المال المأخوذ، لأنّ السحت في الكتاب و السنة يستعمل في الأعيان، فيكون نفس المال محرّما و إن كان الآخذ محقا- نظير الحرمة بالعناوين الثانوية على ما كان حلالا بعنوانه الأوليّ و لا يستلزم ذلك إطلاق السحت على كلّ ما كان حراما بالعرض، كالأكل في شهر رمضان للعالم مثلا، إذا السحت يطلق على عنوان ثانوي خاص- لأكل- محرم بالعنوان الثانوي. هذا إذا أريد إطلاق السحت موضوعا، و إن أريد إطلاقه بلحاظ معنى الهلاك و الاستيصال، فيصح الإطلاق حينئذ على كلّ محرم سواء كان بالعنوان الأولي أو الثانوي، و قد ورد عن الصادق عليه السلام: «إنّ السّحت أنواع كثيرة»۸۳.

و أشكل عليه بأنّ أصل السحت الهلاكة و الاستيصال، و منه قوله تعالى‏ فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ‏۸٤ و إنّما يطلق على الأموال المحرمة و على المعصية، لكونها موجبة للهلاكة و الاستيصال، فيصح أن يطلق على كلّ حرام أنّه سحت، و في المقام يصح أن يكون باعتبار الحرام الذي ارتكبه المتخاصمان من الترافع إلى الطاغوت، فإطلاق السحت على ما يكون حقا للمدعي شرعا ليس إلا لأجل أنّ كيفية أخذه يكون سحتا و لا منشأ له غير ذلك. و احتمال انقلاب الواقع مما لا وجه له لتوهمه في حكومة العدل، فكيف بالباطل للمدعي شرعا بالعرض و المجاز!! فلا وجه لحرمته إن كان عينا خارجيا، أو دينا حالا- بناء على سقوط رضاء المديون عند امتناعه. فيبقى الإجماع الذي نقله صاحب المستند في كتابه عن والده «قدّس‏ سرّهما»، و في الاعتماد عليه مع مخالفته للقاعدة و سكوت المتقدمين عنه إشكال، و لذا أشكل في ملحقات العروة في صورة ثبوت الحق. خصوصا إن كان عينا، و ذكر وجوها في تصوير النهي عن التصرف في العين. و يظهر الإشكال فيه عن الكفاية و الجواهر أيضا، بل يظهر من الأخير الإشكال في الدين أيضا.

و أما رواية ابن فضال عن أبي الحسن الثاني عليه السلام في تفسير قوله تعالى‏ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ‏۸٥ فكتب إليه بخطه: «الحكام القضاة» ثمَّ كتب تحته: «هو أن يعلم الرجل أنّه ظالم فيحكم له القاضي، فهو غير معذور في أخذه ذلك الّذي قد حكم له إذا كان قد علم أنّه ظالم»۸٦.

فلا تعارض المقبولة، لعدم كونه في مقام الحصر، بل يبيّن إحدى مصاديق الحرمة، و لا ينافي ذلك ثبوت موارد أخرى لها كما تعرضنا لذلك في التفسير۸۷.

ثمَّ إنّ ظاهر المقبولة، بل صريح صدرها، عدم الفرق بين العين و الدين حالا كان أو مؤجلا.

فروع:

الأول: ظاهر الإطلاق عدم الفرق بين طواغيت المخالفين و الموافقين، و ظاهره الاختصاص بمن جعل القضاء منصبا لنفسه، فلا يشمل من حكم نادرا و أحيانا من دون أن يكون ذا منصب قضائي بين الناس فيرجع فيه حينئذ إلى القواعد العامة.

الثاني: لو كان المتخاصمان أو أحدهما من العامة، و رجعا إلى قضاتهم، فلا تشمله المقبولة. و هل يجزي حكمهم حينئذ مطلقا أو لا؟ مقتضى روايتي علي بن مهزيار۸۸و ابن السائب‏۸۹ذلك، ففي الأولى: «قال سألته هل نأخذ في‏ أحكام المخالفين ما يأخذون منّا في أحكامهم؟ فكتب عليه السلام «يجوز لكم ذلك إن شاء اللّه إذا كان مذهبكم فيه التقيّة منهم و المداراة لهم» و في الثانية «إذا كنتم في أئمة جور فاقضوا في أحكامهم و لا تشهروا أنفسكم فتقتلوا و إن تعاملتم بأحكامنا كان خيرا لكم».

و لكنه مشكل أولا: لقصور سند الخبرين. و ثانيا: لاحتمال أن يكون المراد بهما المعاملة معهم كمعاملتهم معنا في الشفعة بالجوار و توريث العصبة و نحو ذلك.

الثالث: إذا لم يكن قضاء في البين أصلا، بل كان من مجرد إحقاق الحق، و إبطال الباطل من غير إذن الحاكم الشرعي، كما إذا كان الدائن ممتنعا عن أداء دين المديون. و الظالم مصرّا على ظلم المظلوم فتصدّى مأمور الدولة- سواء كان من المخالفين أو من الموافقين- لرفع ظلم الظالم و أخذ دين المديون عن الدائن، بالتخويف أو بفعل ما لا يوجب الجناية. فهل تبرء ذمة الدائن أو لا؟

و هل يكون المتصدّي آثما أو لا؟ الظاهر كون المقام من موارد النهي عن المنكر، فتبرأ ذمة الدائن و لا إثم، على المتصدّي بل قد يثاب على ما فعل.

الرابع: لو امتنع المالك عن أداء الزكاة أو الخمس بعد الوجوب عليه فتصدّى شخص بلا إذن من الحاكم الشرعي لأخذها، و صرفها في المصارف الواقعية مع تحقق جميع الشرائط، كقصد القربة من المالك و شرائط الصرف و المصرف، يكون من القسم السابق و يجري هنا ما تقدم هناك. هذا.

و لو كان المتخاصمان جاهلين بكون الحاكم فاقدا للشرائط، ففيه تفصيل يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

أما مع الاضطرار فلما ورد: «و ليس شي‏ء مما حرّم اللّه إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه»۹۰.

و أما في غيره فلقاعدة نفي الضرر، التي هي من القواعد الشرعية المسلمة. فما عن جمع من المنع حتّى في هذه الصورة، لإطلاق المقبولة (مردود: لإمكان دعوى الانصراف عنها أولا، و على فرض الإطلاق فهو محكوم بحديث الضرر۹۱و الاضطرار۹۲.

و المراد بالاضطرار: العرفي منه المتحقق في مورد الانحصار.

ثمَّ إنّه لا بد من ثبوت الحق إما بالعلم أو بطريق شرعي معتبر. و مع عدم الثبوت بأحدهما لا تجوز الحكومة لديهم، و على فرضه و حكمهم فلا يجوز أخذه. و لا فرق بين أن يكون منشأ الانحصار فقد الجامع للشرائط، أو قصور يده عن الحكومة، أو تعسر الوصول إليه، أو كون المدعى بحيث لا تقبل الحكومة الشرعية و نحو ذلك من الأعذار المقبولة شرعا.

مسألة ٤٤: يجب في المفتي و القاضي العدالة (۹٦). و تثبت العدالة بشهادة عدلين و بالمعاشرة المفيدة للعلم بالملكة، أو الاطمئنان‏ بها، و بالشياع المفيد للعلم (۹۷).

أما في الأول فلما سبق، و أما في الثاني فللإجماع المستفيض نقله أولا، و لأنّ القضاوة من توابع النبوة و الإمامة و لا يرضى الشارع بتصدّي الفاسق لها ثانيا. و بما ورد من عدم الاعتماد على الفاسق بالسنة شتّى ثالثا- خصوصا الفساق من العلماء- فقد ورد فيهم على ما رواه الصدوق: «اتقوا الفاسق من العلماء»۹۳و قوله عليه السلام: «إياكم و الجهال من المتعبدين، و الفجار من العلماء، فإنّهم فتنة كل مفتون»۹٤.

و المتيقن منه مورد الفتوى و القضاء. مع أنّه إذا لم يكن الفاسق قابلا للولاية على المجنون و الصغير، فأولى بأن لا يكون قابلا لهذا المنصب الخطير.

تقدم في [مسألة ۲۳]، و يأتي في [مسألة ۱۳] من فصل شرائط إمام الجماعة ما ينفع المقام فراجع. و يصح الاعتماد على مطلق الوثوق- و لو حصل من حسن الظاهر، أو قول الثقة، أو اقتداء الثقات به أو غير ذلك من طرق حصول الوثوق و الاطمئنان.

مسألة ٤٥: إذا مضت مدة من بلوغه، و شك بعد ذلك في أنّ أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا؟ يجوز له البناء على الصحة في أعماله السابقة (۹۸)، و في اللاحقة يجب عليه التصحيح (۹۹) فعلا.

لأصالة الصحة و نحوها من القواعد الثانوية الامتنانية، و قد سبق في [مسألة ٤۱] ما ينفع المقام.

و الفرق بينهما أنّ الشك هناك في أصل تحقق التقليد و عدمه، و هنا يكون في صحته بعد العلم بأصل تحققه.

لقاعدة الاشتغال بعد عدم الدليل الحاكم عليها. و مجرد مطابقة الأعمال اللاحقة للأعمال السابقة الملازمة لصحتها لا تصلح أن تكون دليلا على الصحة، لأنّ قاعدة الصحة أو الفراغ- سواء كانت أصلا أو أمارة- لا تكون حجة على إثبات اللوازم، و إثبات اللوازم بالأمارات مطلقا يحتاج إلى دليل بالخصوص، لا أن تكون كل أمارة دليلا لإثبات لوازمها، فيكون المقام مثل ما إذا صلّى و بعد الفراغ شك في أنّه تطهر لها أو لا؟ فتصح صلاته. و لكن لا يصح له الدخول في صلاة أخرى إلا بطهارة مستأنفة.

ثمَّ إنّ طريق تصحيح اللاحقة إما بالاحتياط مع العلم بخصوصياته أو بمراجعة المجتهد الجامع للشرائط.

مسألة ٤٦: يجب على العامي أن يقلّد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم، أو عدم وجوبه (۱۰۰)، و لا يجوز أن يقلّد غير الأعلم إذا أفتى بعدم وجوب تقليد الأعلم (۱۰۱)، بل لو أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم يشكل جواز الاعتماد عليه (۱۰۲) فالقدر المتيقن‏ للعامي تقليد الأعلم في الفرعيات (۱۰۳).

لأنّ مسألة وجوب تقليد الأعلم من المسائل الفرعية. الابتلائية و يجب على كلّ مكلّف أن يكون فيها إما مجتهدا أو محتاطا أو مقلّدا و مع انتفاء الأولين يتعيّن الثالث لا محالة، و يصح الأخذ بوجوبه من جهة الاحتياط، إذا لا ريب في كونه أحوط.

للشك في حجية فتواه فلا تشمله أدلة التقليد. نعم، لو قطع المقلّد بحجية فتواه فهو متعبد بقطعه. و لو كانت فتواه في هذه المسألة موافقة لفتوى الأعلم فيجوز تقليده فيها على ما يأتي من التفصيل قريبا.

إن كان مترددا في حجية رأيه في هذه المسألة، لأنّ أدلة رجوع الجاهل إلى العالم لا تشمل ما إذا كان الجاهل شاكا في اعتبار قول العالم- خصوصا في مثل هذه المسألة التي تكون بمنزلة أصل التقليد في الجملة. نعم، لو كان الجاهل شاكا في أصل الحكم. أم في جهة أخرى مع عدم الشك و التردد في اعتبار قول العالم، يصح له الرجوع إليه، بل لا وجه للتقليد إلا لدفع مثل هذه الشكوك، بخلاف ما إذا كان شاكا في أصل اعتبار قوله- بأن احتمال أن تكون المسألة من الفطريات، لا من التقليديات فلا تشمله أدلة التقليد حينئذ، لأنّ المتيقن من السيرة، و المنساق من الأدلة اللفظية غير هذه الصورة. هذا وجه الاشكال.

و لو لم يكن مترددا في اعتبار قول العالم فلا فرق حينئذ بينها و بين سائر المسائل في صحة التقليد، لإطلاق الأدلة اللفظية، و ثبوت السيرة العقلائية.

فتلخص: أنّ الفرعيات المحضة لا ريب في تحقق التقليد فيها، كما أنّه لا ريب في كون أصل التقليد فطريا لا أن يكون تقليديا.

و أما شرائط التقليد فهي برزخ بينهما، فمع زوال التردد فيها بالتقليد، و حصول الاطمئنان العادي تشملها أدلة التقليد أيضا. و أما مع عدم حصول الاطمئنان فمقتضى الأصل عدم حجية التقليد فيها.

مسألة تقليد الأعلم أيضا من المسائل الفرعية لا الأصولية الواقعة في طريق استفادة الأحكام. و يمكن أن يكون نظره «قدّس سرّه» إلى أنّها أصل و موضوع في الجملة للتقليد في سائر الفروع الفقهية، فيجري عليها حينئذ حكم أصل التقليد في أنّه ليس تقليديا، بل يكون من الفطريات فتأمل.

مسألة ٤۷: إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات فالأحوط تبعيض التقليد و كذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات مثلا و الآخر في البعض الآخر (۱۰٤).

هذه المسألة من صغريات تقليد الأعلم بعد تحقق الموضوع من المخالفة بين فتوى العالم و فتوى الأعلم في مورد التقليد، و عدم كون فتوى العالم موافقا للاحتياط، و إحراز الأعلمية. و حينئذ لا فرق بين جميع المسائل الفرعية و بعضها، لجريان الدليل فيهما. فمن أفتى بوجوب تقليده، لا بد له و أن يفتي به في المقام أيضا. و من احتاط فيه احتياطا وجوبيا، لا بد له هنا ذلك. و من قال بالعدم فكذلك. و حيث إنّ الماتن رحمه اللّه اختار الاحتياط الوجوبي في أصل المسألة كما مرّ في [مسألة ۱۳] اختاره في المقام أيضا.

مسألة ٤۸: إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام من تعلّم منه، و كذا إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليه الإعلام (۱۰٥).

وجوه:

الأوّل: قاعدة دفع الضرر المحتمل في ترك الإعلام الشاملة للمجتهد و الناقل، سواء كان مورد الخطإ الأحكام الإلزامية أم غيرها- بناء على أنّ العوام يسندون ما حكم به مقلّدهم إلى الشارع، فيتحقق التشريع بسبب عدم الإعلام.

فإذا أفتى المجتهد باستحباب شي‏ء مثلا فبان له أنّه مباح، و أنّ العامي بنى على الاستحباب مسندا ذلك إلى الشارع. يكون تشريعا حينئذ بقاءا، لترك الإعلام.

و يحتمل فيه الضرر فيجب الإعلام.

إلا أن يقال: مع تجويزهم الخطأ عليهم لا ينسبون فتواهم إلى الشارع مطلقا، بل في صورة الإصابة فقط، و في غيرها ليس إلا من مجرد العمل بقولهم، لرجاء الإصابة، فيختص الوجه بالإلزاميات حينئذ.

و الظاهر عدم اختصاصه بخصوص الناقل أو المجتهد، بل يشمل كل من علم بذلك و لو كان غيرهما. نعم، يكون بالنسبة إليهما آكد.

الثاني: ما تقدم من الآيات و الروايات الكثيرة الدالة على وجوب إبلاغ الأحكام إلى الأنام‏۹٥ مع احتمال الأثر، بل وجوب إتمام الحجة و لو لم يحتمل الأثر، بل قطع بالعدم. و هذا الوجه أيضا لا يختص بالمجتهد أو الناقل، بل يشمل غيرهما ممن علم بالخطإ. و المنساق منها هو الإلزاميات أيضا.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ مجموع غير الإلزاميّات أيضا بحسب الاهتمام بها كالإلزاميات، فهذان الوجهان و إن لم يشملا آحاد الأحكام غير الإلزامية و لكنّهما يشملان مجموعها، لكثرة اهتمام الشارع بها كاهتمامه بالإلزاميات. إلّا أنّه خارج عن المقام، إذ لا خطأ فيه بالنسبة إلى المجموع، بل هو بالنسبة إلى البعض فقط.

الثالث: إنّ التسبيب إلى المبغوض مبغوض شرعا و عقلا من غير فرق بين الحدوث و البقاء كما سيأتي في [مسألة ۳۲] من فصل (يشترط في صحة الصلاة) بيان قاعدة «حرمة التسبيب إلى الحرام». و هذا الوجه يعم الناقل و المفتي كما لا يخفى.

فروع:

الأول: لا إشكال في وجوب الإعلام مع السؤال، سواء كان بالمقال أم بظاهر الحال، و سواء كان السائل جاهلا قاصرا أم مقصرا، و سواء احتمل ترتب الأثر أم لا. أما الأول فلآية النفر۹٦و غيرها۹۷و أما الثاني فلإتمام الحجة.

الثاني: يجب إبلاغ الأحكام إلى الأنام سألوا عنها أم لا، لآية النفر و غيرها۹۸و هذا الوجوب كفائي و قد يصير عينيا لجهات أخرى، و لا فرق بين كون المبلغ مجتهدا أو مقلّدا أو محتاطا بعد أن عرف الحكم بوجه معتبر شرعا. و قد روى الفريقان عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته»۹۹. بلا فرق بين أن يكون ذلك بالمباشرة أو بالتسبيب، بأيّ سبب حصل.

الثالث: إذا قام شخص بالإبلاغ يسقط الوجوب عن الباقين، كما هو شأن جميع الواجبات الكفائية و لكن يمكن أن يقال إنّ لنفس تأكيد الحجة و تعدد إبلاغها مطلوبية خاصة عند الشارع: «لئلّا يكون للناس على اللّه حجة»۱۰۰، بل له عزّ شأنه الحجة التامة البالغة.

الرابع: لو ترك الإعلام و عصى و عمل الجاهل مع جهله- قصورا أو تقصيرا- فإن دل دليل على صحة عمله مع الجهل- قصورا أو تقصيرا أو هما معا- يصح و لا شي‏ء عليه و إلّا فيتبع مقدار دلالة الدليل في خصوص الإعادة فقط أو القضاء لو ترك الإعادة.

الخامس: لا دليل على وجوب رفع سائر الأعذار عن المكلفين من السهو و النسيان و الشك و الغفلة و نحوها مما يصير موضوعا لتكاليف أخرى، لأصالة البراءة عن الوجوب، و ظهور التسالم، و السيرة. نعم، بالنسبة إلى رفع الاضطرار فيما يحتاج إليه في حياته وجه لوجوب حفظ النفس المحترمة عن الهلاك كفاية مع تحقيق سائر الشرائط. و هناك فروع كثيرة كما في المقام مسائل أخرى تأتي الإشارة إليها في مظانها.

السادس: لو تردد في مورد أنّه من الجهل المعذور فيه- حتى لا يجب رفعه- أو من غيره حتى يجب، فمقتضى الأصل عدم الوجوب بعد قصور الأدلة عن شموله.

مسألة ٤۹: إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني على أحد الطرفين بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة، و أنّه إذا كان ما أتى به على خلاف الواقع يعيد صلاته فلو فعل ذلك- و كان ما فعله مطابقا للواقع- لا تجب عليه الإعادة (۱۰٦).

تقدم أنّ المناط في الصحة و عدمها مطابقة العمل للواقع، فمع المطابقة يصح، سواء قصد السؤال حين العمل أو لا، و سواء بنى على الإعادة مع المخالفة أم لا، فلا دليل إذا على اعتبارهما في الصحة مع المطابقة و لعل نظره (قدّس سرّه) التشريع مع عدمه. و لكنّه مشكل أيضا، لعدم تحقق التشريع في الإتيان بالعمل رجاء، كما هو المفروض.

مسألة ٥۰: يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد أو عن الأعلم أن يحتاط في أعماله (۱۰۷).

هذا إن قلنا بوجوب تقليد الأعلم حتّى حين التفحص عنه. و لكن يمكن أن يقال: إنّ المتيقن من أدلته اللبية، و المنساق من اللفظية منها- صورة إحراز وجوده خارجا و لو بين شخصين، كما تقدم في [مسألة ۳۸] دون مثل المقام الذي يشك في أصل وجوده، و على تقدير الوجود إنّه مردد بين الاثنين أو ثلاثة أو أكثر.

إلا أن يقال: إنّه مع إمكان الاحتياط ليس بناء العقلاء على الرجوع إلى غير الأعلم، و لا تشمله العمومات و الإطلاقات أيضا، و حينئذ يختار من شاء من المجتهدين، أو يتبعض في التقليد، أو يقلّد الجميع مع الاتحاد في الفتوى.

نعم، لا ريب في أنّ العمل بالاحتياط مبرئ للذمة قطعا و هو يحصل في المقام بالعمل بأحوط أقوال الموجودين، لأنّ الحجة للعامي لا تتعدّى عنهم و لو أراد الاحتياط المطلق كان له ذلك، و لكن لا دليل على وجوبه.

مسألة ٥۱: المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف في‏ الأوقاف أو في أموال القصر ينعزل بموت المجتهد (۱۰۸) بخلاف المنصوب من قبله، كما إذا نصبه متولّيا للوقف أو قيّما على القصر فإنّه لا تبطل توليته و قيمومته على الأظهر (۱۰۹).

لتقوّمهما بالإذن، و ينعدم الإذن بالموت عرفا بانعدام الموضوع مضافا إلى ظهور الإجماع على بطلان الوكالة بالموت، و تقتضيه المرتكزات فإنّهم لا يرون للمأذون و الوكيل حق التصرف بعد موت الآذان أو الموكل حتّى على فرض إمكان تصويره بقاء الإذن، فإنّ الإذن في التصرف و الوكالة متقوّم بالحياة بحسب الأنظار العرفية، و لذا يكون الوصي عنوانا مغائرا لهما عندهم.

فرع: هل يبطلان بعروض الإغماء و النسيان مطلقا، أو لا كذلك أو يفصّل بين القليل منهما و غيره، فلا يبطلان في الأول بخلاف الأخير؟ وجوه:

عن صاحب الجواهر دعوى الإجماع على الأول. و يأتي في الوكالة إن شاء اللّه تعالى ما ينفع المقام، و كذا الجنون مطلقا أدواريا كان أو مطبقا كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

لا ريب في أنّه يجوز للحاكم الشرعي الجامع للشرائط جعل التولية و القيمومة للثقة الأمين في موارد الاحتياج إليهما، للسيرة، و لثبوت ولاية الحسبة له، و لأنّه المتيقن من «الحوادث الواقعة» التي أمر عجل اللّه تعالى فرجه الشريف بالرجوع إليه في زمان الغيبة۱۰۱- كما يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى و العمل في موارد ولاية الحسبة يحصل بالمباشرة و بالتسبيب، بل هو الغالب فيها و من التسبيب جعل التولية و القيمومة للأمين.

ثمَّ إنّ جعلهما يتصوّر على وجوه:

الأول: أن يكون من مجرد الإخبار بأهلية الشخص للتصدّي لهما الدال ذلك على الإذن بالملازمة.

الثاني: أن يكون بجعل ولاية خاصة له من طرف الإمام عليه السلام.

الثالث: أن يكون ذلك بجعلها له من طرف نفسه- بأن يكون من الوكالة و الإذن فقط.

و في الكلّ ينعزل المجعول له بموت الجاعل، أما الأخير، فلما تقدم في الوكيل و المأذون، و أما الثاني فلأنّ المتيقن من اعتبار ولاية الحاكم الشرعي على مثل هذه الأمور إنّما هو زمان حياته، و هو المنساق من الأدلة اللفظية الدالة عليها أيضا فيرجع في غيره إلى أصالة عدم الولاية.

و لا يجري الأصل الموضوعي و هو بقاء الولاية لمن جعلت له لتردده بين ما هو معلوم الارتفاع قطعا و ما هو معلوم البقاء كذلك. أما الأول فلأنّه مع وجود الحاكم الشرعي الجامع للشرائط لا تكون ولاية الحسبة لعدول المؤمنين، فإذا مات الجاعل و كان هناك حاكم شرعي آخر تنطبق ولاية الحسبة عليه قهرا بل يكون هذا من القسم الأخير، لرجوعه إلى الإذن، إلا أنّه فيه بالملازمة و في الأخير بالمطابقة. و عن الإيضاح نفي الخلاف عن عدم انعزالهم. و كونه من الإجماع المعتبر مشكل، بل ممنوع. و قال في الجواهر: «فإن تمَّ إجماع فذاك، و إلا كان المتجه ما ذكرناه- أي الانعزال» و الظاهر أنّ الحاكم كذلك لو عرض له ما يوجب سقوطه عن منصبه كالفسق و الجنون و النسيان و نحو ذلك.

مسألة ٥۲: إذا بقي على تقليد الميت من دون أن يقلّد الحيّ في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد (۱۱۰).

لعدم استناد تقليده إلى حجة معتبرة، هذا حكم نفس تقليده و أما أعماله فإن كانت مطابقة للاحتياط تصح قطعا، و كذا إذا جوز المجتهد الحي صحة البقاء على تقليد الميت أو لم يجوز ذلك و لكن كانت أعماله مطابقة لرأي من يصح الاعتماد على رأيه من الأحياء، و لا وجه للصحة في غير ذلك.

مسألة ٥۳: إذا قلّد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفى بها، أو قلّد من يكتفي بالتيمم بضربة واحدة ثمَّ مات ذلك المجتهد فقلّد من يقول بوجوب التعدد لا يجب عليه إعادة الأعمال‏ السابقة (۱۱۱). و كذا لو أوقع عقدا أو إيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحة ثمَّ مات و قلّد من يقول بالبطلان يجوز له البناء على الصحة (۱۱۲) نعم، فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني (۱۱۳)، و أما إذا قلّد من يقول بطهارة شي‏ء كالغسالة- ثمَّ مات و قلّد من يقول بنجاسته، فالصّلوات و الأعمال السابقة محكومة بالصحة و إن كانت مع استعمال ذلك الشي‏ء. و أما نفس ذلك الشي‏ء إذا كان باقيا فلا يحكم بعد ذلك بطهارته، و كذا في الحلية و الحرمة، فإذا أفتى المجتهد الأول بجواز الذبح بغير حديد مثلا فذبح حيوانا كذلك، فمات المجتهد و قلّد من يقول بحرمته فإن باعه أو أكله حكم بصحة البيع و إباحة الأكل و أما إذا كان الحيوان المذبوح موجودا، فلا يجوز بيعه، و لا أكله و هكذا (۱۱٤).

مقتضى القاعدة و إن كان عدم الإجزاء و لكن حيث إنّ تشريع التقليد مبني على التسهيل و التيسر، كما أنّ حجية آراء المجتهدين لمقلّديهم أيضا كذلك. و تشريع التقليد و حجة الرأي مجعول فيما هو معرض للتغير و التبدل و الخطإ غالبا- حتّى أنّ المقلد قد يتبدل له التقليد، و المجتهد قد يحصل له الخطأ و العدول عن فتواه. قال صاحب الجواهر في كتاب القضاء: «كما هو المشاهد من سيرة العلماء و اختلاف فتواهم في الباب الواحد، بل بدون مسافة بعيدة بينها». و ما كان كذلك يكون تشريعه و حجيته لما هو ملازم عرفا للخطإ و التبدل في الجملة فيما هو عام البلوى يستلزم عادة إسقاط الإعادة و القضاء عند ظهور الخلاف، و إلا فينافي التسهيل و الامتنان مع بناء اعتبار التقليد و الحجية عليها، و المسألة كانت ابتلائية في جميع الأعصار، و لم يشر في خبر من الأخبار إلى وجوب الإعادة أو القضاء، بل تسالم القدماء على عدمهما. و مقتضى أصالة حجية الرأي الأول هو الإجزاء أيضا.

و الإشكال عليه: بأنّه لا وجه للتمسك بها مع تبيّن الخلاف. (مردود) بأنّ تبين الخلاف إنّما يؤثر في الأعمال اللاحقة لا السابقة، مع أنّ كون ظهور الخلاف في مثل هذه الحجة الملازمة للخطإ في الجملة موجبا للإعادة و القضاء أو الدعوى.

نعم، لو حصل العلم ببطلان الأعمال السابقة، فلا إشكال في وجوبهما، و لكنّه خلاف المفروض فالمقتضي لحجية الرأي الأول موجود و المانع عنه مفقود، فلا بد من الإجزاء.

و أما ما عن العميدي و العلامة من دعوى الإجماع على عدم الإجزاء، فلا اعتبار به مع تسالم القدماء على الإجزاء. هذا إذا لم يطابق العمل الأول للاحتياط، و إلا فلا كلام في الصحة و الإجزاء، و كذا لو قلنا بشمول القواعد الثانوية الامتنانية- كقاعدتي الصحة و لا تعاد الصلاة إلا من خمس- لمثل هذه الموارد، و نتعرض لهما قريبا إن شاء اللّه تعالى.

لعين ما تقدم في العبادات.

لسقوط فتوى الأول عن الاعتبار بالنسبة إليه بعد عدوله عنه.

لأنّ نتائج العقود و الإيقاعات مترتبة على أسبابها المستجمعة للشرائط ترتب المعلول على العلة، كالملكية على البيع، و الزوجية على النكاح، و البينونة على الطلاق، و الحرية على العتاق و نحو ذلك. و بعد تحقق الأسباب تحققا صحيحا شرعيا في زمان تحققها، لا بد من ترتب الأثر لا محالة، و المفروض أنّها قد ترتبت و تحققت بحكم الشارع من دون تحديد بزمان خاص، و لا تزول إلا بما جعله الشارع مزيلا من فسخ أو إقالة أو نحوها.

و المراد بالصحة الشرعية: الصحة الظاهرية بحسب الموازين الشرعية، لا الواقعية و في علم اللّه تعالى، و تبدل الرأي أو التقليد ممن يقول بالبطلان ليس مما جعله الشارع مزيلا لها، فيكون مقتضى ما تقدم هو الصحة و الإجزاء في السبب و التسبب و المسبب. الذي هو أمر آنيّ الحصول و التحقق، و لا يعقل فيه التقيد بالزمان، فكيف بالتدرج الوجودي في سلسلة الزمان.

و أما في مثل الطهارة و النجاسة و الحلية و الحرمة للموضوعات الخارجية، فهي أحكام منحلة حسب انحلال الزمان، و المتدرجة الوجود بتدرج الآنات‏ و تكثرها، فإذا زالت حجية اعتبارها في الزمن الأول- بتبين الخطإ أو الموت و العدول إلى شخص آخر، مع عدم تجويزه البقاء على تقليد الميت- لا وجه لاعتبارها في الزمان اللاحق، و يكون اعتبارها حينئذ بلا دليل، فلا محيص إلا من اتباع رأي اللاحق، هذا إذا كان الموضوع باقيا.

و أما إذا انعدم فلا مورد للبحث عنه حينئذ، و قد أشار إلى ما ذكرنا صاحب الجواهر في كتاب القضاء عند تعرضه لنقض الفتوى بالفتوى. و سيأتي في [مسألة ٦۰] نظير المقام.

و تجري هذه المسألة في المعاملات الربوية، فإذا كانت معاملة غير ربوية بنظر شخص و قد تحققت تلك المعاملة في زمانه ثمَّ مات ذلك الشخص و قلّد العامي من يقول بحرمة تلك المعاملة لا يجب عليه ترتيب الأثر على قوله بالنسبة إلى ما مضى.

فروع:

الأول: لا فرق فيما تقدم بين ما إذا اعترف المجتهد الثاني بخطإ الأول أو لم يعترف به و كان من مجرد الفتوى على الخلاف، لجريان ما ذكرناه فيهما معا.

الثاني: لو كان ظهور الخلاف لأجل تقصير من المجتهد الأول في موازين الفتوى، أو لأجل تقصير من العامي في التفحص عمن هو أهل الفتوى، بطلت الأعمال السابقة مطلقا عبادة كانت أو معاملة، لعدم استنادها إلى حجة معتبرة.

الثالث: لا فرق في صورة تبين الخلاف للمجتهد بين أن يعترف المجتهد بخطإه في السابق أو لا، لأنّ نفس الفتوى بالخلاف اعتراف عملي بالخطإ في السابق، اعترف به قولا أو لم يعترف.

مسألة ٥٤: الوكيل في عمل عن الغير- كإجراء عقد أو إيقاع، أو إعطاء خمس، أو زكاة، أو كفارة أو نحو ذلك- يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكل لا تقليد نفسه إذا كانا، مختلفين و كذلك‏ الوصيّ في مثل ما لو كان وصيّا في استيجار الصلاة عنه يجب أن يكون على وفق فتوى مجتهد الميت (۱۱٥).

الوكيل و الوصي و الأجير و المتبرع إن عين لهم إتيان العمل على طبق تكليف الموكل و الموصي و الموجر و المتبرع عنه تعيّن لهم ذلك، و لا أثر لعملهم مع المخالفة، و كذا لو لم يعيّن ذلك، و كان إطلاق الوكالة و الوصاية و الإجارة ظاهرا في إتيان العمل على حسب تكليف الموكل و الموصي و الموجر، و كان المتعارف من التبرع ذلك أيضا.

و أما لو لم يكن تعين في البين أصلا، و لم يكن المنساق من الإطلاق و لا المتعارف من التبرع هو العمل على طبق تكليفهم، يكفي في فراغ ذمة الموكل و الموصي و الموجر و المتبرع عنه إتيان العمل على الوجه الصحيح الشرعي، و لو كانت الصحة بحسب تكليف الوكيل و الوصي و الأجير و المتبرع، و كان مخالفا لتكليف الموكل و الموصي و المستأجر و المتبرع عنه.

إن قلت: كيف تفرغ ذمتهم مع مخالفة العمل لتكليفهم.

قلت: المناط كلّه في فراغ ذمتهم حكم الشارع بصحة العمل و المفروض تحققه في المقام، و لا يبعد كون ذلك مقتضى السيرة أيضا، فإذا استأجر أحد بنّاء أو خياطا للعمل و كانت له كيفية خاصة في نظره و لكنّه لم يبيّنها للأجير و أتى الأجير العمل على نحو حكم أهل الخبرة بأنّه صحيح، يستحق الأجرة و يصح عمله لدى العقلاء و لو كان مخالفا لنظر الموجر.

ثمَّ إنّ هذه المسألة جارية في مواضع كثيرة، كما سيأتي التعرض لها إن شاء اللّه تعالى.

فروع:

الأول: لو عيّن الموجر كيفية خاصة لعمل الأجير مثلا، فخالف و أتى بالعمل مطابقا لتكليف نفسه ثمَّ أجاز الموجر، يصح العمل و يجزي عن الموجر و يستحق الأجير الأجرة، لأنّ الإجازة اللاحقة كالإذن السابق.

الثاني: لو عيّن للنائب كيفية خاصة و خالفها و أتى بالعمل على حسب‏ تكليفه مع حكم الشارع بصحته، فهل تكون المخالفة موجبة لعدم فراغ ذمة المنوب عنه أصلا أو لعدم استحقاق النائب الأجرة فقط و تفرغ ذمة المنوب عنه كما لو أتى به المتبرع؟ وجهان: أوجههما الثاني، لفرض حكم الشارع بصحة عمله و أنّ ذمة المنوب عنه تفرغ بالعمل الصحيح الشرعي.

الثالث: لو كان العمل صحيحا بحسب تكليف الموكل مثلا و باطلا بحسب تكليف الوكيل و شرط الموكل على الوكيل أن يأتي بالعمل حسب تكليفه يصح و يجزي لو حصل منه قصد القربة، لعموم قوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم»۱۰۲.

نعم، لو كان حراما بحسب تكليف الوكيل يشكل الإتيان حينئذ.

مسألة ٥٥: إذا كان البائع مقلّدا لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا أو العقد الفارسي، و المشتري مقلّدا لمن يقول بالبطلان لا يصح البيع بالنسبة إلى البائع أيضا، لأنّه متقوّم بالطرفين (۱۱٦)، فاللازم أن‏ يكون صحيحا من الطرفين، و كذا في كلّ عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه و مذهب الآخر صحته.

تقوّم العقود بالطرفين مما لا ريب فيه، و تلازم ما تقوّم بالطرفين صحة و فسادا في الحكم الواقعي أيضا مما لا ريب فيه، فلا يمكن أن يكون العقد الواحد بحسب الحكم الواقعي صحيحا و فاسدا معا، لكونه من اجتماع الضدين في موضوع واحد، بل لا بد و أن يكون إما صحيحا أو فاسدا. و أما بحسب الحكم الظاهري القابل للاختلاف بحسب تعدد الأشخاص فلا إشكال في صحة اتصافه بالصحة و الفساد معا، فمقتضى العمومات صحته بالنسبة إلى من يعتقد الصحة، و مقتضى الأصل الفساد و عدم ترتب الأثر بالنسبة إلى من يعتقد الفساد، فكل منهما يرتب أثر ما يعتقده، و مع التنازع يرجع إلى الحاكم الشرعي، و له نظائر كثيرة في الفقه فمن يعتقد عدالة شخص يقتدي به و من لا يعتقد عدالته لا يقتدي به. و هكذا من يعتقد طهارة ماء يتطهر به و من يعتقد نجاسته يترك التطهير به- مع أنّ الشخص في الواقع إما عادل أو لا، و الماء كذلك. و يمكن الصحة بالنسبة إلى الطرفين أيضا، للإطلاقات و العمومات بدعوى أنّه يكفي في تحقق موضوعها صرف وجود الصحة و لو من طرف واحد خرج منها الفاسد من الطرفين و بقي الباقي.

مسألة ٥٦: في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعي (۱۱۷) الا إذا كان مختار المدعى عليه أعلم، بل مع وجود الأعلم و إمكان الترافع إليه، الأحوط الرجوع إليه مطلقا (۱۱۸).

استدل عليه تارة: بالإجماع- الذي ادعاه صاحب المستند (قدّس سرّه).

و يمكن المناقشة فيه بأنّه حصل مما هو الغالب المتعارف بين المتخاصمين حيث إنّ المدعي يقدم خصمه إلى الحاكم أو يعرض دعواه لديه، فيطلب الخصم لعرض الدعوى عليه، و لا يشمل ما إذا تعدد الحاكم و اختار كل منهما واحدا.

و أخرى: بأنّ الحق للمدعي و لاحق لغيره أولا، فمن طلب منه المدعي استنقاذ حقه وجب عليه اتباعه.

و فيه: أنّه إن أريد أنّ الحق الواقعي له فهو غير معلوم، و إن أريد أنّ مجرد حق الدعوى له فهو عين مورد النزاع في المقام، لأنّ البحث في أنّ ثبوت حق الدعوى للمدعي هل يوجب تعيين ما اختاره أو لا مع أنّ المنكر له حق الجواب في الجملة؟

و ثالثة: بما ادعي من الإجماع عليه من أنّ الخصم لو رفع أمره إلى الحاكم فطلب الحاكم إحضار الخصم الآخر وجب عليه الإجابة، و لا يتم ذلك في المنكر، لأنّه لو رفع أمره إلى الحاكم لا يسمع منه إنكاره، لو ادعى تخليصه من المدعي لا يجب على الحاكم إجابته.

و فيه أولا: أنّ هذا الدليل أعمّ من المدعى. إذ لنا أن نقول: إنّ حق تعيين الحاكم للمنكر فله تعيينه للمدعي، ثمَّ إذا ذهب المدعي إلى الحاكم يجب على‏ الحاكم إحضار الخصم، و يجب عليه الإجابة.

و ثانيا: إنّ دعوى أنّ المنكر لو رفع أمره إلى الحاكم لا يسمع منه و لو ادعى تخليصه من المدعي لا يجب على الحاكم إجابته. مجرد دعوى لا دليل عليها، و مقتضى ولاية الحسبة قبول ذلك كلّه، و يمكن الاختلاف باختلاف الموارد. و مع عدم تمامية هذه الأدلة- يكون مقتضى القاعدة القرعة، و للمقام فروع كثيرة يأتي التعرض لها في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

نسب إلى الأشهر- كما في المسالك- اعتبار الأعلمية في القضاوة كالفتوى، و استدلوا تارة: بأنّ الظن الحاصل من قول الأعلم أقوى. و فيه: أنّ كون اعتبار الحكم من جهة الظن الحاصل منه أول الدعوى.

و أخرى: بقبح ترجيح المفضول على الفاضل. و فيه: أنّه في الخلافة العظمى لا القضاء بعد كون المفضول أيضا مجتهدا و مستجمعا لشرائط الفتوى.

و ثالثة: بما ورد في المقبولة «فإن كان كلّ واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما و اختلف فيما حكما و كلاهما اختلفا في حديثكم»، فقال عليه السلام: «الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما»۱۰۳.

و قريب منه رواية موسى ابن أكيل‏۱۰٤و رواية داود بن الحصين‏۱۰٥.

و فيه: أنّ مورد تلك الروايات خصوص ما إذا اختار كل من المترافعين حاكما و اختلاف الحكمين فلا يشمل المقام.

و دعوى: أنّها في مقام بيان لزوم الترجيح مطلقا و لو في غير صورة الاختلاف، لا دليل عليها مع أنّ الترجيح بغيره من المرجحات المذكورة في المقبولة مما لم يلتزم به أحد، فيوجب الوهن من هذه الجهة أيضا.

و رابعة: بأصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير. و فيه: أنّها محكومة بالإطلاقات. نعم، إذا كان مدرك الحكم هو الفتوى و كان الاختلاف فيها، و قلنا بوجوب تقليد الأعلم، و كان المتخاصمان ممن وجب عليهما تقليد الأعلم، بأن لا يكونا مجتهدين، وجب الرجوع إلى الأعلم حينئذ من جهة التقليد، لا من جهة القضاوة و الحكم، فلو كان أصل الحكم معلوما و كان الرجوع لإثبات الحق بالبينة و اليمين و الجرح و التعديل و نحو ذلك من الشبهات الموضوعية فلا دليل على وجوب كون الحاكم أعلم. بل مقتضى الإطلاقات صحة الرجوع إلى مطلق المجتهد.

ثمَّ إنّ المراد بالأعلم على فرض اعتبار الأعلمية إنّما هو أعلم من في البلد لا مطلقا، كما يأتي في ذيل [مسألة ٦۸]. و المتحصّل أنّه لا دليل يصح الاعتماد عليه على وجوب كون الحاكم أعلم، نعم هو الأحوط.

فروع:

الأول: لا إشكال في التخيير عند تساوي الحكام في العلم، سواء كان المتخاصمان من المدعي و المنكر أم من المتداعيين، و مع التشاح في ذلك يتعيّن القرعة- بناء على عدم تعيين مختار المدعي، و إلا فهو المتعين.

الثاني: تقديم مختار المدعي إنّما هو فيما إذا كان المتنازعان من المدعي و المنكر دون ما إذا كانا من المتداعيين. و إلا فالحكم هو التخيير، و مع التشاح فالقرعة.

الثالث: يجوز للمترافعين أن يختارا مجتهدين أو أكثر لفصل الخصومة بينهما، للعمومات و الإطلاقات، و لا ينفذ الحكم حينئذ إلا مع الاتفاق.

الرابع: بناء على اعتبار الأعلمية في الحاكم يكون اعتبارها بنحو ما تقدم، فيعتبر في صورة المخالفة فقط. فلو كان حكم العالم موافقا لفتوى الأعلم لا تعتبر الأعلمية في الحاكم حينئذ.

الخامس: تقدم أنّ الأعلمية إنّما تعتبر في الحاكم في مورد واحد- و هو ما إذا كانت المنازعة في الشبهة الحكمية، و كان المتنازعان ممن وجب عليهما تقليد الحاكم- فعلى هذا لو كانا مجتهدين يصح لهما الرجوع إلى الحاكم المجتهد و لو لم يكن أعلم، للعمومات و الإطلاقات.

السادس: لو كانا مقلّدين لأعلم فترافعا إلى مجتهد غير أعلم فحكم لهما بخلاف فتوى مقلّدهما، يشكل صحة حكمه، لاعتقاد المتخاصمين ببطلان حكمه بحسب فتوى مقلّدهما. و ما يأتي إن شاء اللّه تعالى من صحة نقض الفتوى بالحكم إنّما هو فيما إذا صح الحكم، لا في مثل المقام.

مسألة ٥۷: حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه و لو لمجتهد آخر إلّا إذا تبيّن خطاؤه (۱۱۹).

اعتبار الحكم بين العقلاء و عدم صحة رده و لزوم تنفيذه في الجملة من المسلّمات عندهم، و يدل عليه السيرة المعتبرة عند الجميع، بل لا اختصاص لاعتباره بخصوص ملة الإسلام. و إجماع الفقهاء في المقام إنّما حصل من مرتكزاتهم العقلائية، لا أن يكون تعبديا محضا، و يكفي عدم ثبوت الردع عن الشارع في مثل هذا الأمر العام البلوى للناس في حجية الحكم و اعتباره. مع أنّه قد ورد التقرير الأكيد كقوله عليه السلام: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخف بحكم اللّه و علينا رد. و الراد علينا الراد على اللّه و هو على حد الشرك باللّه»۱۰٦. و مقتضى الإطلاقات و المرتكزات عدم اختصاص الحكم بمورد رفع الخصومة الفعلية الشخصية كما في المتخاصمين عند الحاكم، بل يعم كل ما يكون فيه معرضية التنازع و التشاجر مطلقا، كالهلال و نحوه، لظهور الإطلاق و السيرة، كما لا فرق في عدم جواز الرد بين كون الراد مجتهدا أو لا، للإطلاقات و السيرة و العمومات و يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى تمام الكلام.

ثمَّ إنّ حكم الحاكم تارة: يكون معلوم المطابقة للواقع. و لا ريب في أنّه هو المتيقن من حرمة رده، و وجوب قبوله و إنفاذه.

و أخرى: يكون معلوم المخالفة للواقع، لتقصير في موازينه. و لا ريب في سقوطه و عدم اعتباره، بل قد يجب رده و تفسيق الحاكم به. و لا وجه لتوهم شمول إطلاق الدليل له، لأنّه باطل قطعا.

و ثالثة: لا يعلم موافقته له، و لا مخالفته و يحتمل كلّ منهما مع تمامية موازينه، و مقتضى الإطلاق و السيرة اعتباره، و عدم جواز رده، لأنّ الحكم كالفتوى مستند إلى الظواهر غالبا و هي محتملة للإصابة و الخطإ و جل الأحكام- لو لا كلّها- تكون مستندة إليها، و لو جاز رد مثل هذه الأحكام لاختل النظام.

و رابعة: يعلم بمخالفة الحكم للواقع مع قصور الحاكم لخطأ أو سهو أو نسيان أو نحو ذلك من الأعذار المقبولة، و مقتضى الأصل عدم حرمة الرد و النقض، و عدم وجوب الإنفاذ في هذا القسم، لأنّ المتيقن من الأدلة اللبية، و المنساق عرفا من الإطلاقات غيره. نعم، يحرم الرد و النقض- بناء على الموضوعية الخاصة للحكم، و هو مما لا وجه له بعد قوله صلّى اللّه عليه و آله في الصحيح: «إنّما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجيته من بعض فإنّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا، فإنّما قطعت له به قطعة من النار»۱۰۷.

و الظاهر عدم مساعدة العرف أيضا بوجوب الإنفاذ و حرمة الرد في مثله.

و دعوى: صحة إضافة هذا الحكم إليهم عليهم السلام صورة فيعتبر من هذه الجهة. ممنوعة: لأنّ تلك الإضافة عند الحاكم فقط، لا عند من يعلم بالخلاف: و لا دليل على أنّ مجرد الإضافة الاعتقادية لدى الحاكم معتبرة شرعا، مع أنّه أنّ توجه إلى خطإه و غفلته لا تعتبر هذه الإضافة عنده أيضا.

و خامسة: لا يعلم بالمخالفة، بل قامت الحجة المعتبرة عليها- من إجماع أو نحوه- مع احتمال الموافقة أيضا. و يظهر من صاحب الجواهر رحمه اللّه و الماتن في الملحقات عدم جواز النقض في هذا القسم، قال في الجواهر:

«و أما القطعي النظري كإجماع استنباطي أو خبر محفوف بقرائن و تكثّر أمارات و نحو ذلك مما يمكن وجود عكسها عند الأول كما نراه بالعيان بين العلماء و خصوصا في دعوى الإجماع، فلا يبعد عدم جواز القضاء به في غير ما فرضناه، ضرورة اندراج حكم الأول في الأدلة المقتضية لنصبه فإنّ المدار في صحته‏ على معرفة حكمهم بالاجتهاد الصحيح الذي هو أعم من القطع النظري و الظن».

و يمكن أن يوجه أيضا بأنّ هذه الاختلافات شائعة في أنظار الفقهاء، و الحكم ورد في هذا الموضوع الشائع فلا يمكن إخراج هذا القسم منه، فإنّه من تخصيص المورد. و يشهد له مورد المقبولة أيضا، فإنّه في صورة المنازعة في الحكم الكلي الظاهر في حصول الجزم به لكلّ منهما مع تخطئة كلّ منهما صاحبه قهرا، و مع ذلك لم يحكم عليه السلام بالرد، بل حكم بإعمال المرجحات.

و الظاهر منها ما إذا حكم الأول بحكم ثمَّ حكم الثاني بغيره كما هو المفروض في المقام.

إن قلت: قد أطلق جماعة من الفقهاء جواز النقض عند ظهور الخطإ، بل جعلوا من آداب الحاكم الثاني وجوب النظر في حكم الحاكم الأول، فإن كان موافقا للحق لزم و إلا أبطله. و يظهر منهم المفروغية عن ذلك كما عن صاحب الجواهر في المسألة الثانية من القضاء بعد بيان الآداب المكروهة للقضاء.

قلت أولا: ليس هذا إجماعا حتّى يعتمد عليه.

و ثانيا: يحمل ذلك منهم: إما على علم الثاني بتقصير الأول، في موازين الحكم، أو على ما إذا استأنف الخصمان الدعوى لدى الثاني.

و لكن الحمل الأول حمل على الفرد النادر، و الثاني مشكل، لأنّه بعد وجوب التنفيذ يشكل صحة استيناف الدعوى عند الثاني و سماعه من المتخاصمين بعد تمامية الحكم لدى الأول. و لكن اختار في الجواهر جوازه مع تراضي الطرفين خصوصا مع دعواهما خطأ الأول في بعض المقدمات. و المسألة مع ذلك مشكلة، و طريق الاحتياط أنّه إن كان حاكم الأول حيا و أراد الثاني نقض حكمه مع قيام الحجة عنده على خطإه أن يعلمه بخطإه لعله يرجع عن حكمه، إذ لا إشكال في صحة رجوعه عن حكمه. و إن كان ميتا و لم يرجع إليه الخصمان فلا موضوع للرد و التنفيذ حينئذ، و إن رجعا إليه و رضيا بتجديد الدعوى عنده و كان بناؤه على جواز ذلك فهو، و إلا فيرغبهما على التراضي بحكم الميت و التصالح فيما بينهما.

ثمَّ إنّه إن كان المراد بقوله رحمه اللّه إلا إذا تبيّن خطؤه، التبين العلمي كما في القسم الثاني و الرابع فهو. و إن كان المراد الأعم منها و من القسم الخامس‏ فيكون مخالفا لما ذكره في كتاب القضاء من الملحقات [مسألة ۳۲].

فروع:

الأول: الظاهر أنّ الرد في مورد عدم جوازه يكون من المعاصي الكبيرة لكونه استخفافا بحكم اللّه، و هو بمنزلة الرد على الإمام عليه السلام، و الرد كما يحصل بالقول يحصل بالفعل أيضا كما لا يخفى.

الثاني: الظاهر أنّ حرمة الرد حكم تكليفي، لا أن يكون حقا للحاكم حتّى يسقط بإسقاطه، فلو رضي برده لا ترتفع الحرمة.

الثالث: أرسل في الجواهر وجوب التنفيذ إرسال المسلّمات، و هو أخص من الرد. و يمكن أن يستدل عليه بقوله عليه السلام: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخف بحكم اللّه و علينا رد»۱۰۸فإنّ التنفيذ عبارة أخرى عرفا عن القبول.

الرابع: الفرق بين الفتوى و الحكم: أنّ الأول إخبار عن اللّه تعالى بحكم كلّي تكليفيا كان أو وضعيا. و الحكم إنشاء إنفاذ حكم اللّه من الحاكم وضعيا كان أو تكليفيا، أو موضوع أحدهما، فهو من الإنشائيات، بخلاف الفتوى فإنّه من الإخباريات و سيأتي في كتاب القضاء فروق أخرى إن شاء اللّه تعالى.

الخامس: لا ريب في صحة نقض الفتوى بالفتوى، بل هو عادة الفقيه الواحد فكيف بالفقهاء!! فكثيرا ما يعرض رأي يخالف رأيه السابق فينقض الفتوى الأولى. و لا ريب في نقض الفتوى بالحكم أيضا- أي بطلان حكم الكلّي في خصوص الجزئي الذي كان مورد الحكم- بلا فرق بين الأحكام التكليفية و الوضعية مطلقا، فلو ترافع شخصان في المعاملة على شي‏ء من المعاملات الذي لاقى عرق الجنب من الحرام مثلا عند من يرى طهارته، فحكم بالطهارة كان طاهرا، و تكون المعاملة صحيحة للمحكوم عليه. و إن كان مجتهدا يرى نجاسته أو مقلّدا لمجتهد كذلك. لإطلاق ما دل على وجوب قبول الحكم، و أنّ الرد عليه رد على الإمام عليه السلام.

كما لا ريب في عدم نقض الحكم بالفتوى حتّى من ذلك الحاكم لو تغيّر رأيه عن فتواه بعد حكمه، و لا عدم نقض الحكم بالحكم أيضا على تفصيل تقدم. و قال صاحب الجواهر رحمه اللّه:

«و قد بان لك من جميع ما ذكرنا أنّ الحكم ينقض و لو بالظن إذا تراضى الخصمان على تجديد الدعوى و قبول حكم الحاكم الثاني، و ينقض إذا خالف دليلا علميا لا مجال للاجتهاد فيه، أو دليلا اجتهاديا لا مجال للاجتهاد بخلافه إلا غفلة و نحوها. و لا ينقض في غير ذلك».

أقول: و قد تقدم ما يتعلق بالثاني.

السادس: المرجع في الحكم الذي يحرم نقضه و يجب تنفيذه هو العرف، فكلّ لفظ دل عرفا على إنشاء الحكم يترتب عليه ذلك. و لو شك في أنّه من إنشاء الحكم- حتّى يترتب عليه ذلك، أو من مجرد الإخبار بالثبوت- لا يحرم نقضه، و لا يجب تنفيذه. و لا بد في ثبوت صدور الحكم من الحاكم من قيام حجة معتبرة عليه و لا يكفي مجرد الظن به.

السابع: لو كان الحكم خطأ عند الحاكم و صدر عنه غفلة. و كان صوابا عند حاكم آخر، فمقتضى الأصل عدم حرمة رده، و عدم وجوب تنفيذه بعد ظهور دليل حرمة النقض و وجوب التنفيذ في غيره. و أما لو صدر الحكم تقية فالظاهر حرمة رده و وجوب تنفيذه، و سيأتي تفصيل هذا الفرع في محلّ آخر.

الثامن: لو كان الحكم صوابا أو مطابقا للموازين الشرعية و لكن لم يكن الحاكم أهلا للحكومة، لا يشمله دليل حرمة النقض و وجوب التنفيذ بل يحرم تنفيذه.

التاسع: لا فرق في الحكم الذي يحرم رده بين كون مستنده الاستفاضة أو البينة أو الإقرار أو علم الحاكم- بناء على جواز حكمه بعلمه- لإطلاقات الأدلة و عموماتها.

مسألة ٥۸: إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره ثمَّ تبدل رأي المجتهد في تلك المسألة لا يجب على الناقل إعلام من سمع منه‏ الفتوى الأولى، و إن كان أحوط، بخلاف ما إذا تبيّن له خطأه في النقل فإنّه يجب عليه الإعلام (۱۲۰).

تقدم ما يتعلق بهذه المسألة بفرعيها في [مسألة ٤۸].

مسألة ٥۹: إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا (۱۲۱) و كذا البينتان، و إذا تعارض النقل مع السماع عن المجتهد شفاها قدم السماع (۱۲۲)، و كذا إذا تعارض ما في الرسالة مع السماع، و في‏ تعارض النقل مع ما في الرسالة قدم ما في الرسالة مع الأمن من الغلط.

لأصالة التساقط عند التعارض، و لكنّه فيما إذا لم يحتمل العدول و إلا يتعيّن العمل بالمتأخر مطلقا، و في غيره من صور التعارض يمكن الترجيح بالمرجحات المنصوصة۱۰۹، بل و بغيرها مما يحصل الوثوق العرفي منها بدعوى:

أنّ الترجيح بين الطريقين المتعارضين عرفي شائع في المتعارف كشف عنه الشارع، و ليس تعبدا كالتعبديات الشرعية حتّى يختص بمورد ورود الدليل.

و كذا التخيير عند فقد المرجح متعارف كشف عنه الشارع لا أن يكون تعبديا محضا حتّى يدور مدار الدليل وجودا و عدما. و في الطريقة العقلائية في الأمور الابتلائية يكون الردع مانعا، لا أن يكون التقرير شرطا فكيف بورود التقرير أيضا كما لا يخفى على من راجع أخبار الترجيح و التخيير.

بدعوى تقديم العرف السماع على النقل و على ما في الرسالة.

و تقديم ما في الرسالة مع الأمن من الغلط على النقل أيضا، و لكن الظاهر أنّه لا كلية فيما ذكر، إذ ربما يكون البيان للأسماع مجملا- لضيق الوقت أو لجهات اخرى، و يكون ما في الرسالة مفصّلا. و ربما يكون بالعكس فاللازم مراعاة حصول الاطمئنان المتعارف في التقديم مطلقا خصوصا في جملة من المسائل التي لا بد للفقيه من الإجمال فيها كتبا و قولا أو في أحدهما فقط. و بالجملة حكم فروع هذه المسألة وجداني لكلّ مجتهد صار مرجعا عاما للأنام، لا أن يكون استدلاليا حتّى يدور مدار دليل كلّي ينطبق عليه.

مسألة ٦۰: إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا، فإن أمكن تأخير الواقعة إلى السؤال يجب ذلك (۱۲۳). و إلا فإن أمكن الاحتياط تعيّن (۱۲٤)، و إن لم يمكن يجوز الرجوع إلى مجتهد آخر الأعلم فالأعلم (۱۲٥)، و إن لم يكن هناك مجتهد آخر و لا رسالته يجوز العمل بقول المشهور بين العلماء إذا كان هناك من يقدر على تعيين قول المشهور (۱۲٦)، و إذا عمل بقول المشهور ثمَّ تبيّن له بعد ذلك مخالفته لفتوى مجتهده فعليه الإعادة أو القضاء (۱۲۷). و إن لم يقدر على تعيين قول المشهور يرجع إلى أوثق الأموات، و إن لم يمكن ذلك أيضا يعمل بظنّه، و إن لم يكن له ظنّ بأحد الطرفين يبني على أحدهما (۱۲۸)، و على التقادير بعد الاطلاع على فتوى المجتهد، إن كان عمله مخالفا لفتواه فعليه الإعادة أو القضاء (۱۲۹).

إن تعذر الاحتياط، و إلا فله العمل به كما تقدم في [مسألة ۲].

بشرط العلم بوجود الأعلم بين العلماء في الجملة، و العلم باختلافهم في الفتوى إجمالا، و إحراز عدم موافقة فتوى غير الأعلم للاحتياط فيصير المقام من صغريات ما تقدم في [مسألة ۲۱] و [مسألة ۳۸]. و أما مع انتفاء واحد من الشروط الثلاثة فلا وجه لتعيين الاحتياط، بل يقلّد من شاء من المجتهدين.

لانحصار طريق إحراز صحة العمل بذلك حينئذ. فيتعيّن لا محالة و لكن مراعاة الأعلم فالأعلم إنّما هو فيما إذا أحرز الاختلاف في الفتوى في الجملة، و إلا فلا وجه لاعتباره.

لتمامية مقدمات الانسداد بالنسبة إليه حينئذ، فيعمل بأقوى الظنون مع الإمكان.

لقاعدة الاشتغال من غير دليل حاكم عليها حتّى مقدمات الانسداد- بناء على الحكومة- لعدم حكم العقل إلا بالاكتفاء بالامتثال الظنّي ما دام الظن باقيا. و أما بناء على الكشف فالمقام من صغريات ما مر في [مسألة ٥۳].

كلّ ذلك لجريان دليل الانسداد بالنسبة إليه، فيعمل بالظن الأقوى فالأقوى، و هكذا.

لقاعدة الاشتغال، بناء على اعتبار الظن بالنسبة إليه بنحو الحكومة، و إلا فالمسألة من صغريات ما تقدم في [مسألة ٥۳].

مسألة ٦۱: إذا قلّد مجتهدا ثمَّ مات فقلّد غيره ثمَّ مات فقلّد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت أو جوازه فهل يبقى على تقليد المجتهد الأول أو الثاني؟ الأظهر الثاني (۱۳۰) و الأحوط مراعاة الاحتياط.

قيل بلزوم البقاء على تقليد الأول مطلقا. و استدل عليه: تارة:

بأنّه إن بقي على تقليد الثاني يلزم في مسألة جواز البقاء بالنسبة إليه اجتماع المثلين أو الضدين، لأنّ المفروض أنّه قلده في هذه المسألة، فإن كان نظره متحدا مع الثالث فهو من اجتماع المثلين، و إلا فمن الضدين.

و فيه: أنّه يمكن فرض الاختلاف- و لو زمانا- بما يرتفع به محذور الاجتماع.

و أخرى: بأنّ الرجوع إلى الثاني قد أبطل الأول.

و فيه أولا: أنّه لا بد من فرضه في صورة الاختلاف في الفتوى في المسائل التي عمل بها. و ثانيا: تقدم في [مسألة ٥۳] عدم الدليل على البطلان.

و قيل: بلزوم الرجوع إلى الثاني، لأنّ الرجوع إلى الأول من التقليد الابتدائي للميت، فلا يجوز إجماعا.

و فيه: أنّ المتيقن منه التقليد الابتدائي من كلّ جهة، لا مثل المقام.

و قيل: بالتخيير بينهما، و هو حسن مع التساوي في العلم، و عدم اختلاف في الفتوى. نعم، قد ذكرنا سابقا ثبوته في صورة الاختلاف في الفتوى، و التساوي في العلم أيضا.

و عن جمع التفصيل: بأنّه إن كان رأي الثالث وجوب البقاء، تعيّن البقاء على تقليد الثاني، لأنّ الرجوع إلى تقليد الأول يكون من التقليد الابتدائي للميت، و لا يجوز إجماعا، و قد تقدم الإشكال عليه. نعم، يمكن أن يقال: إنّ مقتضى أصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير هو البقاء على تقليد الثاني، و إن كان رأيه جواز البقاء، و جواز العدول أيضا، يصح له البقاء على تقليد الثاني، و تقليد الثالث. هذا بناء على أنّ التقليد الصحيح عن المجتهد اللاحق لا ينقض ما وقع التقليد على السابق.

و أما بناء على الانتقاض، فإن قال الثالث بوجوب البقاء و عدم جواز الانتقاض يتعيّن الرجوع إلى الأول، لعدم موضوع للبقاء بالنسبة إلى الثاني، لوقوعه لغوا، و عدم كونه من التقليد الصحيح. و إن قال بالجواز يجوز البقاء على تقليد الأول، و يجوز التقليد عن الثالث أيضا.

مسألة ٦۲: يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها (۱۳۱)، و إن لم يعلم ما فيها و لم يعمل، فلو مات مجتهده يجوز له البقاء، و إن كان الأحوط مع عدم العلم، بل مع عدم العمل (۱۳۲) و لو كان بعد العلم عدم البقاء و العدول إلى الحيّ، بل‏ الأحوط استحبابا على وجه عدم البقاء مطلقا و لو كان بعد العلم و العمل (۱۳۳).

قد تقدم في [مسألة ۸] ما يتعلق بهذه المسألة، و أنّه لا ربط بالتزام و أخذ الرسالة و نحوها بالتقليد، لكونه عبارة عن مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه، و كلّ ما صدق عليه البقاء عرفا، بحيث لم يكن من تقليد الميت ابتداء، يصح البقاء فيه، لشمول ما تقدم من الأدلة له.

لاحتمال كونه من تقليد الميت ابتداء، فيشمله الإجماع على المنع. و لكن يمكن أن يقال: إنّ المتيقن من الإجماع الدال على المنع عن تقليد الميت ابتداء ما إذا كان إحداث أصل التقليد مطلقا عن الميت في مقابل الحي،فلا يشمل مثل المقام. و مقتضى السيرة و الاستصحاب هو البقاء مطلقا، إلا مع الدليل على الخلاف.

هذا موافق للاحتياط- من جهة احتمال شمول الإجماع الدال على المنع عن تقليد الميت لهذه الصورة أيضا، و مخالف له من جهة أخرى، لاحتمال وجوب البقاء إن كان الميت أعلم، و لكن الاحتمال الأول ضعيف لا وجه له، إذ الظاهر من الكلمات غير هذه الصورة.

مسألة ٦۳: في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخيّر المقلّد بين العمل بها و بين الرجوع إلى غيره الأعلم فالأعلم (۱۳٤).

أما جواز العمل بالاحتياط مع التمكن من أخذ فتوى الغير، فلما ثبت في محلّه من صحة الامتثال الإجمالي و لو مع التمكن من الامتثال التفصيلي.

و أما الرجوع إلى غير الأعلم، فلأنّ المفروض أنّه لا فتوى للأعلم فيصح تقليد العالم حينئذ، و هذا التخيير عقلائي لما تقدم في [مسألة ۱]، و أما مراعاة الأعلم فالأعلم فمبني على وجوب تقليد الأعلم، مع تحقق ما تقدم من الشروط المذكورة في [مسألة ۱۲].

مسألة ٦٤: الاحتياط المذكور في الرسالة، إما استحبابي- و هو ما إذا كان مسبوقا أو ملحوقا بالفتوى- و إما وجوبي- و هو ما لم يكن معه فتوى (۱۳٥)- و يسمى بالاحتياط المطلق، و فيه يتخيّر المقلّد بين العمل به و الرجوع إلى مجتهد آخر (۱۳٦). و أما القسم الأول فلا يجب‏ العمل به (۱۳۷). و لا يجوز الرجوع إلى الغير (۱۳۸). بل يتخيّر بين العمل بمقتضى الفتوى و بين العمل به (۱۳۹).

يمكن أن تكون القرينة على الاستحباب أو الوجوب غير ما ذكر كما لا يخفى.

لعين ما تقدم في [مسألة ٦۳].

لأنّ المفروض أنّه مستحب. و كلّ مستحب يجوز تركه.

إن كان أعلم من الغير، و أما مع التساوي فيجوز، للعمومات و الإطلاقات.

هذا التخيير عقلائي كما سبق في [مسألة ۱].

مسألة ٦٥: في صورة تساوي المجتهدين يتخيّر بين تقليد أيّهما شاء (۱٤۰). كما يجوز له التبعيض حتّى في أحكام العمل الواحد، حتّى إنّه لو كان- مثلا- فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة، و استحباب التثليث في التسبيحات الأربع، و فتوى الآخر بالعكس، يجوز أن يقلّد الأول في استحباب التثليث، و الثاني في استحباب الجلسة.

مع اتحادهما في الفتوى يصح تقليدهما معا، و تقليد أحدهما المعيّن و تقليد أحدهما لا بعينه، كما يصح التبعيض في التقليد، كلّ ذلك لتحقق الاستناد إلى الحجة المعتبرة، فتشمله الأدلة.

و أما في صورة الاختلاف في الفتوى، فلا ريب في جواز تقليد أحدهما المعيّن، و يجوز التخيير و التبعيض أيضا حتّى في العمل الواحد.

و لكن أشكل عليه تارة: بعدم الدليل عليه، لسقوط الإطلاقات لأجل الاختلاف، و المتيقن عن الأدلة اللبية صورة الاتحاد لا الاختلاف.

و فيه: أنّ الإطلاقات تسقط عن الحجية التعيينية، لا أصل الحجية في الجملة التي يصح معها التبعيض و التخيير فلا وجه للسقوط كما مر و مقتضى السيرة، و إطلاق معاقد الإجماعات ذلك أيضا. إلا أن يدعى الإجماع على المنع عن التخيير، و التبعيض و هو ممنوع لعدم أثر له في الكلمات.

و أخرى: بأنّ التبعيض إن كان في العمل الواحد يوجب بطلانه، لأنّه إن ترك جلسة الاستراحة، و التثليث في التسبيحات- مثلا- تبطل الصلاة بنظر كل واحد منهما.

و فيه: أنّه لم يقلّد كلّ واحد منهما في الفتوى بالبطلان، بل قلّدهما في الفتوى بالصحة، فلو لم تتحقق الصحة و تحقق البطلان يلزم الخلف، لتحقق ما لم يكن مورد التقليد أصلا، و عدم تحقق ما كان موردا له.

إن قلت: وحدة العمل مع انطباق البطلان عليه بنظرهما يقتضي بطلانه لا محالة.

قلت أولا: تعدد الأجزاء وجودا يوجب تعدد مورد التقليد قهرا، فيكون العمل الواحد كالعملين حينئذ.

و ثانيا: لا وجه لانطباق البطلان عليه، لأنّه نظير المعلول بلا علة، لفرض أنّه لم يقلّد أحدا في مورد البطلان، بل إنّما تحقق التقليد في مورد الصحة فقط فلا مقتضى للحكم بالبطلان أصلا، لأنّ القصد تعلق بالتقليد في مورد الصحة فقط، و البطلان لم يتعلق به القصد أصلا، فالمقام نظير ما إذا قلّد في صلاته- مثلا- مجتهدا يحكم بصحتها، و كان هناك مجتهد آخر يحكم ببطلانها، و لا نظن بأحد يحتمل البطلان.

مسألة ٦٦: لا يخفى أنّ تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي، إذ لا بد فيه من الاطلاع التام، و مع ذلك قد تتعارض الاحتياط، فلا بد من الترجيح، و قد لا يلتفت إلى إشكال المسألة حتّى يحتاط، و قد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط- مثلا- الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، لكن إذا فرض انحصار الماء فيه الأحوط التوضّي به، بل يجب ذلك بناء على كون احتياط الترك استحبابا و الأحوط الجمع بين التوضّي به و التيمم، و أيضا الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع، لكن إذا كان في ضيق الوقت، و يلزم من التثليث وقوع بعض الصلاة خارج الوقت، فالأحوط ترك هذا الاحتياط أو يلزم تركه، و كذا التيمم بالجص خلاف الاحتياط لكن إذا لم يكن معه إلا هذا فالأحوط التيمم به، و إن كان عنده الطّين- مثلا- فالأحوط الجمع، و هكذا (۱٤۱).

تقدم ما يتعلق بهذه المسألة، و أما تفصيل موارد هذه الاحتياطات المعارضة بغيرها، يأتي في كتاب الطهارة و الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

مسألة ٦۷: محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية (۱٤۲) فلا يجري في أصول الدّين، و في مسائل أصول الفقه، و لا في‏ مبادي الاستنباط- من النحو و الصرف و نحوهما- و لا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية، و لا في الموضوعات الصّرفة، فلو شك المقلّد في مائع أنّه خمر أو خل- مثلا- و قال المجتهد: إنّه خمر، لا يجوز له تقليده نعم، من حيث إنّه مخبر عادل يقبل قوله، كما في إخبار العامي العادل و هكذا، و أما الموضوعات المستنبطة الشرعية كالصلاة و الصوم و نحوهما فيجري التقليد فيها كالأحكام العملية.

كل ما كان له أثر شرعي، و لم يكن المكلّف مجتهدا و لا محتاطا، يصح التقليد فيه، سواء كان من الأحكام الفرعية أو من الموضوعات أو غيرهما خصوصا إذا انحصر احتجاج العامي بالتقليد فقط فلا بد في خروج ما خرج من دليل يدل عليه.

و قد ادعي الإجماع على عدم جوازه في أصول الدين و المتيقن منه ما إذا لم يحصل منه اليقين، فإذا حصل اليقين في أصول الدين و لو من قول الوالدين يكفي فكيف بما إذا حصل من قول العالم. و قد ذكرنا بعض ما يتعلق بالمقام في مباحث الأصول في خاتمة حجية الظن فراجع‏۱۱۰.

و أما الموضوعات العرفية كإطلاق الماء و إضافته- مثلا- فلعدم الأثر الشرعي للتقليد فيها، لأنّها بعد إحرازها يترتب عليها آثارها الشرعية و غيرها قهرا. و طريق إحرازها أما العلم أو البينة، أو خبر الموثوق به أو نحوها مما تثبت بها الموضوعات الخارجية، و ليس متوقفا على البحث و النظر في الأدلة حتّى يحتاج إلى تقليد المجتهد فيها، فقول المجتهد و الثقة العامي فيها على حد سواء- في كونه من طرق إحراز الموضوع و العلم به. و لو فرض لها أثر شرعي، و عجز العامي عن‏ دركه، يصح له تقليد فيها حينئذ.

و أما المسائل الأصولية، فلخروجها عن محلّ ابتلاء العامي، و لو فرض كونها موردا لابتلائه و كان لها أثر شرعي بالنسبة إليه، فلا ريب في صحة التقليد فيها أيضا.

و كذا الموضوعات المستنبطة و كذا النحو و الصرف و غير ذلك. مما تكون لها آثار شرعية ابتلائية عجز العامي عن الاحتجاج بها و ذلك كلّه، للإطلاقات و العمومات و السيرة، و قد ذكرنا ما يتعلق بالمقام في مباحث القراءة و الأذكار في الصلاة فراجع.

و حاصل الكلام: أنّ كلّ ما كان إدراكه لأجل استفادة الأحكام الكلية فلا وجه للتقليد فيه، و لاحظ للعامي بالنسبة إليه أصلا. و كلّ ما كان له أثر شرعي خارجي يصح التقليد فيه، بل قد يجب مع الانحصار سواء كان من الموضوعات الخارجية أو المستنبطة أو المسائل الأصولية أو غيرها، فالبحث عن صحة التقليد و عدمها في الموارد المذكورة صغروي.

ثمَّ إنّه يجب أن يكون المجتهد مجتهدا في المسائل الأصولية أيضا، و لا يكفي اجتهاده في خصوص المسائل الفرعية فقط، للسيرة و ظهور التسالم، و لأنّ النتيجة تابعة لأخس المقدمات، فمن لم يكن مجتهدا في المسائل الأصولية فهو مقلّد لا يترتب عليه آثار الاجتهاد نعم، مجرد مطابقة الرأي لرأي مجتهد آخر لا يعد من التقليد قطعا- كما يكون في الأحكام الفرعية أيضا كذلك.

مسألة ٦۸: لا يعتبر الأعلمية فيما أمره راجع إلى المجتهد إلا في التقليد، و أما الولاية على الأيتام و المجانين و الأوقاف التي لا متولّي لها، و الوصايا التي لا وصيّ لها و نحو ذلك، فلا يعتبر فيها الأعلمية (۱٤۳). نعم، الأحوط في القاضي أن يكون أعلم من في ذلك البلد، أو في غيره مما لا حرج في الترافع إليه.

لظهور الإجماع، و السيرة العملية بين المجتهدين من تصديهم لتلك الأمور في جميع الأعصار و الأمصار مع وجود أعلم منهم، و لسيرة المتشرعة بالرجوع إلى المجتهدين فيها مع ذلك أيضا.

ثمَّ إنّ ولاية الفقيه الجامع للشرائط في مثل هذه الأمور الدينية من مرتكزات المتشرعة، بل من فطريات أهل كلّ مذهب و ملّة الرجوع فيها إلى علماء مذهبهم، و أنّ للعلماء نحو ولاية في مثل هذه الأمور، فلا يرجعون إليهم لمجرد السؤال عن حكمها فقط، بل يرونهم أولى بالتصرف فيها، و في مثل هذا الأمر الارتكازي للمتشرعة، لا يحتاج إلى ورود التعبد من الشارع، بل يكفي مجرد عدم الردع في هذه الأمور العامة الابتلاء في جميع الأعصار و الأزمان، فلا وجه بعد ذلك للتمسك بأصالة عدم الولاية، لأنّها ثابتة بنظر العرف. و ما ورد من الترغيب في الرجوع إلى الفقهاء ۱۱۱ورد في مورد هذا النظر العرفي، فيؤكده و يثبّته، فأصل ولاية الفقيه في الجملة مما لا ينبغي أن يبحث عنه.

و الذي ينبغي البحث عنه إنّما هو في سعة الولاية- و عدم اختصاصها بمورد- إلا ما خرج بالدليل، أو أنّها تختص بموارد خاصة.

و الحق أنّ هذا البحث يدور مدار سعة بسط اليد و عدمها، فالمتشرعة يرون للفقيه المبسوط اليد من الولاية ما لا يرونه لغيره. فكلّ ما زيد في بسط اليد تزداد سعة الولاية و مقتضى فطرة الأنام أنّ الفقيه الجامع للشرائط بمنزلة الإمام عليه السلام إلا ما اختص المعصوم به و ذلك يقتضي سعة الولاية إلا ما خرج بالدليل- كما يقتضيها إطلاق قوله عليه السلام: «فإنّهم حجتي عليكم» ۱۱۲و إطلاق قوله عليه السلام في محمد بن عثمان: «كتابه كتابي»، و إطلاق قول الصادق عليه السلام لجملة من أصحابه: «أمناء أبي على حلال اللّه و حرامه» ۱۱۳و غيرها من الأخبار فإنّها في مقام تقرير عمله فيما يحتاج إليه الناس لا في مقام تقرير مجرد قوله فقط، و تقرير العمل فيما يحتاج إليه الناس ليس إلا الولاية فيما يحتاجون إليه من الولاية و غيرها، هذا مع أنّه بعد سد الرجوع إلى أبواب حكام الجور و قضاتهم و الأخذ منهم و عدم الميل إليهم بنحو شديد أكيد مع عموم الابتلاء للاحتياج إلى ولاية الفقيه الجامع للشرائط فهل يتصور أن يهمل الشارع هذه الجهة بالنسبة إلى أمته و يذرهم حيارى؟!! فالتشكيك في ولاية الفقيه فيما تبسط يده بالنسبة إليها.

مما لا ينبغي. لقد أجاد صاحب الجواهر (قدّس سرّه) حيث قال في كتاب الزكاة:

«قلت: إطلاق أدلة حكومته خصوصا رواية النصب التي وردت عن صاحب الأمر- عجل اللّه تعالى فرجه الشريف و روحي له الفداء- يصيّره من أولي الأمر الذين أوجب اللّه علينا طاعتهم. نعم، من المعلوم اختصاصه في كلّ ماله في الشرع مدخلية حكما أو موضوعا. و دعوى: اختصاص ولايته بالأحكام الشرعية.

(يدفعها) معلومية توليته لكثير من الأمور التي لا ترجع إلى الأحكام، كحفظه لمال الأطفال، و المجانين و الغائبين و غير ذلك مما هو محرر في محلّه. و يمكن تحصيل الإجماع عليه من الفقهاء، فإنّهم لا يزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة لا دليل عليها سوى الإطلاق الذي ذكرناه المؤيد بمسيس الحاجة إلى ذلك أشد من مسيسها في الأحكام الشرعية».

هذا، و لكن الجزم بإطلاق الولاية مع ذلك مشكل. نعم، لا ريب فيما دل عليه الدليل بالخصوص، و يأتي بقية البحث في محلّه إن شاء اللّه تعالى و كل مورد تمَّ الدليل على ولايته فيه بالخصوص في نظره تثبت ولايته فيه. و تقدم في [مسألة ٥٦] بعض ما ينفع المقام.

مسألة ٦۹: إذا تبدل رأي المجتهد. هل يجب عليه إعلام المقلّدين أم لا؟ فيه تفصيل، فإن كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط، فالظاهر عدم الوجوب، و إن كانت مخالفة فالأحوط الأعلام، بل لا يخلو عن قوة (۱٤٤).

تقدم التعرض لهذه المسألة في ذيل [مسألة ٤۸] فراجع.

مسألة ۷۰: لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية (۱٤٥). و أما في الشبهات‏ الموضوعية فيجوز بعد أن قلد مجتهده في حجيتها- مثلا- إذا شك في أنّ عرق الجنب من الحرام نجس أم لا؟ ليس له إجراء أصل الطهارة. لكن في أنّ هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا يجوز له إجراؤها بعد أن قلد المجتهد في جواز الإجراء.

لما هو المعروف في وجه الفرق بين الشبهات الحكمية و الموضوعية أنّ في الأولى لا بد من الفحص في الأدلة ثمَّ إجراء الأصل فيها، بخلاف الثانية فإنّ الأصل يجري فيها بلا فحص، و العامي عاجز عن الفحص في الأدلة، فليس له إجراء الأصل في الشبهات الحكمية.

و أما الشبهات الموضوعية فحيث لا يعتبر الفحص فيها يصح له ذلك بلا محذور.

و فيه أولا: إنّه ليس جميع الشبهات الموضوعية كذلك، بل منها ما يعتبر فيه الفحص و الاحتياط، كما عليه الماتن (قدس سره) في جملة كثيرة من المسائل التي نشير إليها في محالها إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا: أنّ الفحص في الأدلة مما يقبل النيابة، فينوب المجتهد عن العامي في الفحص في الأدلة و يفتي لمقلديه بإجراء الأصل الحكمي فيما تفحص فيه، فلا فرق فيهما من هذه الجهة بعد تجوز المجتهد له ذلك. نعم، قبل الفحص لا موضوع لجريان الأصل لا بالنسبة إلى المجتهد و لا بالنسبة إلى العامي، لاشتراط صحة جريانه بالفحص في الأدلة.

فرع: لو أجرى العامي الأصل في الشبهات الحكمية فصادق عدم الدليل على الخلاف، لا شي‏ء عليه إلا التجري، و لو كان هناك دليل على الخلاف وجب عليه العمل بمفاده، و يجب عليه المراجعة إلى المجتهد في ذلك.

مسألة ۷۱: المجتهد غير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده (۱٤٦). و إن كان موثوقا به في فتواه، و لكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه (۱٤۷). و كذا لا ينفذ حكمه و لا تصرفاته في الأمور العامة، و لا ولاية له في الأوقاف و الوصايا و أموال القصر و الغيب (۱٤۸).

لما تقدم في [مسألة ۲۲] من اعتبار العدالة في مرجع التقليد و لا بد من إحراز الشرط، فلا يجوز تقليد المجهول الحال.

لعموم ما دل على حجية الظواهر و سائر الحجج، و عدم تقييدها بكون من قامت لديه عدلا.

كلّ ذلك لاعتبار العدالة في من يتصدّى لهذه الأمور و الظاهر من تسالمهم على أنّ العدالة في المجتهد المتصدّي لها معتبرة من باب الصفة الخاصة، لا من باب الطريقية، لحصول الوثوق و الاطمئنان للعمل بالوظيفة المعتبرة شرعا. و لكن قال صاحب الجواهر (قدّس سرّه) في كتاب الصلاة عند البحث عن عدالة إمام الجماعة.

«فإطلاقهم العدالة فيه- أي في المفتي- يراد منه بالنسبة للمستفتي باعتبار عدم وثوقه بما يخبره به من ظنه الجامع للشرائط، و إلا فلو فرض اطلاعه عليه جاز له الأخذ به و إن كان فاسقا».

فيظهر منه (قدّس سرّه) أنّ العدالة معتبرة في المفتي من جهة الطريقية لا الموضوعية، و لكنّه رحمه اللّه صرّح بعد ذلك بأنّها معتبرة في إمام الجماعة، و في منصب الحكومة بنحو الموضوعية فراجع.

فرع: لو كان عادلا عند الناس و فاسقا عند نفسه: هل يجوز له التصدّي لهذه الأمور، مع كون تصديه لها مطابقا للموازين الشرعية أو لا يجوز؟ وجهان، بل قولان: قال في الجواهر في البحث المزبور:

«الظاهر عدم اعتبار عدالته فيما بينه و بين ربه في صحة نية إمامته إذا كان موثوقا به عند من ائتم به- إلى أن قال- بل لعلّ الأمر كذلك في المفتي أيضا، فيصح له الإفتاء الجامع للشرائط مع علمه بفسق نفسه».

هذا في غير الحكومة. و أما فيها فظاهرهم اعتبار العدالة فيها بنحو الموضوعية و الصفة الخاصة، و يأتي بقية الكلام في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

مسألة ۷۲: الظنّ بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل (۱٤۹). إلا إذا كان حاصلا من ظاهر لفظه شفاها أو لفظ الناقل أو من ألفاظه في رسالته، و الحاصل إنّ الظن ليس حجة إلا إذا كان حاصلا من ظواهر الألفاظ منه أو من الناقل.

لأصالة عدم الحجية إلا مع الدليل عليها، و ما ذكره (قدّس سرّه) من موارد الدليل و اللّه العالم بحقائق الأحكام.

و الحمد للّه أولا و آخرا و هو حسبنا و نعم الوكيل.

  1. سورة التوبة( ۹) الآية: ۱۲۲.
  2. سورة النحل( ۱٦) الآية: ٤۳.
  3. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب صفات القاضي.
  4. سورة التوبة( ۹) الآية: ۱۲۲.
  5. سورة النحل( ۱٦) الآية: ٤۳.
  6. الوسائل باب: ٤ حديث: ۲۳ و راجع باب ۸: من أبواب صفات القاضي. و في أصول الكافي: باب ۱ من كتاب فضل العلم.
  7. سورة التوبة( ۹) الآية: ۱۲۲، و سورة النحل( ۱٦) الآية:( ٤۳).
  8. الوسائل باب: ٤ و ۸ من أبواب صفات القاضي، ج( ۱۸).
  9. تهذيب الأصول (ج ۲) صفحة: ۹۹ و ۱۱۲، الطبعة الثانية- بيروت.
  10. الوسائل باب: ۲۰ من الأشربة المحرمة حديث ۲.
  11. الوسائل باب: ۷ من آداب القاضي حديث ۲.
  12. البحار ج ۱ باب آداب طلب العلم حديث ۷.
  13. باب بذل العلم حديث ۱ من أصول الكافي ج ۱.
  14. سورة الحشر الآية: ۷.
  15. تقدم في صفحة: ۸.
  16. تقدم ذكرهما في صفحة: ۹.
  17. سورة التوبة( ۹) الآية: ۱۲۲.
  18. الوسائل باب: ۱۰ من صفات القاضي حديث: ۲۰.
  19. الوسائل باب: ۹ من أبواب صفات القاضي حديث: ۱، ۲۰، ٤٥.
  20. تقدم في صفحة ۹.
  21. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صفات القاضي.
  22. الوسائل باب ۹: من أبواب صفات القاضي حديث: ۱.
  23. الوسائل باب ٤: من أبواب ما يكتسب به حديث: ٤.
  24. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الشهادات حديث: ۳.
  25. الوسائل باب: ۲ من أبواب مقدمة العبادة حديث: ۱۹ و باب ۲: من الوكالة حديث: ۱ و باب ۹۷: من أحكام الوصايا و راجع باب ۳: من الأذان و الإقامة و باب ٥۹: من المواقيت.
  26. الوسائل باب: ٤ من أبواب ما يكتسب به، حديث ٤۰.
  27. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب العاقلة حديث: ۳: ۱۹.
  28. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صفات القاضي حديث ٤۲ و ٥.
  29. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صفات القاضي حديث ٤۲ و ٥.
  30. الوسائل باب: ۹٤ من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.
  31. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب العشرة في السفر و الحضر.
  32. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صفات القاضي حديث: ۱.
  33. الوسائل باب: ۱ من أبواب صفات القاضي حديث: ٥.
  34. الوسائل باب: ٤۱ من أبواب الشهادات حديث: ۱.
  35. سورة العنكبوت( ۲۹) الآية: ٤٥.
  36. الوسائل باب: ٤۱ من أبواب الشهادة حديث: ۲۰.
  37. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الشهادة حديث: ٦.
  38. الوسائل باب: ۳٤ من أبواب الشهادة حديث: ۱.
  39. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب الشهادة حديث: ۳.
  40. الوسائل باب: ۸٦ من أبواب جهاد النفس حديث: ۸.
  41. تقدم في صفحة: ٤٥.
  42. الوسائل باب: ٤۱ من أبواب الشهادة حديث: ۱۸.
  43. الوسائل باب: ٤۱ من أبواب الشهادة حديث: ۳.
  44. الوسائل باب: ٤۱ من أبواب الشهادة حديث: ٥.
  45. الوسائل باب: ٤۱ من أبواب الشهادات حديث: ۱۲.
  46. الوسائل باب: ۲٤ من أبواب الشهادات حديث: ۳٥.
  47. الوسائل باب: ٤۱ من أبواب الشهادات حديث: ۱۳.
  48. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۳.
  49. الوسائل باب: ٦ من أعداد الفرائض و نوافلها.
  50. راجع المجلد الثاني صفحة: ۲٤۲- ۲٤٦ ط: بيروت.
  51. الوسائل باب: ٤۱ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
  52. الوسائل باب: ٤۲ من أبواب الوضوء حديث: ۷.
  53. الوسائل باب: ۳ من أبواب صفات القاضي حديث: ۲.
  54. الوسائل باب: ۳ من أبواب صفات القاضي حديث: ۳.
  55. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صفات القاضي حديث: ٦.
  56. تقدم في صفحة ٤۰.
  57. تقدم في صفحة ۲۷.
  58. الوسائل باب: ۱ من أبواب فعل المعروف حديث: ۲.
  59. الوسائل باب: ٦ من أبواب فعل المعروف حديث: ۲.
  60. الوسائل باب: ٤ من أبواب صفات القاضي حديث: ۸.
  61. سورة البقرة( ۳) الآية: ۱۸۸ و سورة هود( ۱۱) الآية: ۱۱۳ و سورة ص( ۳۸) الآية: ۳٦.
  62. الوسائل باب: ۱ من أبواب صفات القاضي.
  63. الوسائل باب: ۱ من أبواب صفات القاضي.
  64. الوسائل باب: ۳٤ من أبواب الصدقة حديث: ۱ ج: ٦.
  65. سورة المائدة( ٥) الآية: ۲.
  66. الوافي المجلد التاسع صفحة: ۳۲.
  67. الوسائل باب ۲۹: من أبواب فعل المعروف حديث: ۲.
  68. الوسائل باب: ۸۰ من أبواب جهاد النفس.
  69. الوسائل باب: ۸۰ من أبواب جهاد النفس.
  70. الوسائل باب: ۸۰ من أبواب جهاد النفس.
  71. الوسائل باب: ٤۲ من أبواب ما يكتسب به.
  72. الوسائل باب: ٤٤ و باب: ٤٥ من أبواب ما يكتسب به.
  73. الوسائل باب: ۸۰ من أبواب جهاد النفس.
  74. ورد مضمونه في الوسائل باب ۱۸ من أبواب الأمر و النهي حديث ۱.
  75. مستدرك الوسائل باب: ۱٤ من أبواب الأمر و النهي حديث: ۲۸ ج: ۲ و في الوسائل باب:
  76. ۱٥ من أبواب الأمر و النهي حديث ۱٦« هل الإيمان إلا الحب و البغض».
  77. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: ٦.
  78. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: ۷.
  79. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب الصدقة حديث: ٥.
  80. آل عمران: ۱۰٤.
  81. الوسائل باب: ۱ من أبواب الأمر و النهي، حديث: ٦.
  82. الوسائل باب: ٤۷ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۱ ج: ۱۲.
  83. الوسائل باب: ۹ من أبواب صفات القاضي حديث: ۱.
  84. الوسائل باب: ٥ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۱.
  85. سورة طه:( ۲۰) الآية: ٦۱.
  86. سورة البقرة( ۲) الآية: ۱۸۸.
  87. الوسائل باب: ۱ من أبواب صفات القاضي حديث: ۹ ج ۱۸.
  88. راجع الجزء الثالث من مواهب الرحمن في تفسير القرآن صفحة ۱۰٥- ۱۰۷ ط النجف الأشرف.
  89. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب آداب القاضي حديث: ۱.
  90. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب آداب القاضي حديث: ۲.
  91. الوسائل باب: ۱ من أبواب القيام حديث: ۷.
  92. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب إحياء الموات ج: ۱۷.
  93. الوسائل باب: ۱ من أبواب القيام حديث: ۷.
  94. البحار ج: ۲ باب ۱٥ حديث: ۱.
  95. البحار ج: ۲ باب ۱٥ حديث: ۳.
  96. تقدم في صفحة: ۹.
  97. سورة التوبة( ۹) الآية: ۱۲۲.
  98. و هي قوله تعالى‏\i وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‏\E النحل( ۱٦) الآية: ٤۳.
  99. سورة الأنبياء( ۲۱) الآية: ۷.
  100. صحيح البخاري ج: ۹ كتاب الأحكام حديث: ۲ و في البحار.
  101. سورة النساء( ٤) الآية: ۱٦٥.
  102. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صفات القاضي حديث: ۹.
  103. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب المهور كتاب النكاح حديث: ٤.
  104. الوسائل باب: ۹ من أبواب صفات القاضي. حديث: ۹.
  105. الوسائل باب: ۹ من أبواب صفات القاضي. حديث: ٤٥.
  106. الوسائل باب: ۹ من أبواب صفات القاضي. حديث: ۲۰.
  107. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب القاضي حديث: ۱.
  108. الوسائل باب: ۲ من أبواب كيفية الحكم. حديث ۱.
  109. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صفات القاضي حديث: ۱.
  110. الوسائل باب: ۹ من أبواب صفات القاضي.
  111. المجلد الثاني من تهذيب الأصول صفحة: ۱۳۲ الطبعة الثانية- بيروت.
  112. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب صفات القاضي.
  113. الوسائل باب: ۳ من أبواب صفات القاضي حديث: ۲.
  114. الوسائل باب: ۳ من أبواب صفات القاضي حديث: ۲.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"