لا بد من بيان أمور.
الأول: هل يكون خيار العيب خيارا مستقلا أو يرجع إلى خيار تخلف الشرط أو تبعض الصفقة- بناء على تنزيل فقد وصف الصحة منزلة فقد الجزء- الظاهر هو الأول و ان أمكن تطبيقه ثبوتا على أحد الأخيرين أيضا كما يأتي في الجواب عن الإشكال الوارد في تصوير أصل هذا الخيار.
الثاني: خيار العيب كما هو ظاهر الأخبار إنما هو بيع العين الشخصية مع الجهل بالعيب مركبا كان أو بسيطا، و قد مر أن العلم بخصوصيات العوضين الدخيلة في المالية معتبر في صحة البيع و من أهم تلك الخصوصيات وصف الصحة و مع الجهل بها يفسد أصل البيع و لا تصل النوبة إلى الخيار حتى يبحث عنه. و أجيب عن هذا الإشكال بوجوه.
منها: الاعتماد إلى أصالة السلامة التي هي من الأصول البنائية المعاملية عند الناس و هذا الاعتماد يوجب صحة البيع و مع التخلف يتحقق موضوع الخيار لا محالة، و هذا الأصل من سنخ أصالة الصحة في الأفعال عند الفقهاء، و أصالة الاستدارة في الأجسام عند الحكماء، و أصالة الصحة في بدن الإنسان عند الأطباء.
و منها: أن وصف الصحة من قبيل الداعي و الأغراض المعاملية.
و بعبارة أخرى: من باب تعدد المطلوب.
و فيه: انه خلاف المرتكز في الأذهان.
و منها: انه من الشرط البنائي المركوزي و إن لم يكن من الشرط الذكري بمعنى أن القصد العقلي و البناء المعاملي تعلق بالصحيح، و له وجه لا بأس به، و لذا لو ذكر هذا الشرط في متن العقد يكون تأكيدا عند نوع المتعاملين لا أن يكون شيئا مستقلا في مقام بنائهم المعاملي و إلا فيكون هذا الشرط من تحصيل الحاصل بعد تحقق القصد المعاملي و بنائهم على الصحيح.
نعم، لو كان قصد الصحيح و البناء المعاملي عليه مخالفا للشرط الفعلي الإنشائي لا يكون تأكيدا حينئذ و لا بأس بثبوت الخيارين حينئذ خيار العيب و خيار الشرط. و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات و المرجع في ذلك عرف المحاورة، و أما خبر يونس: «في رجل اشترى جارية على انها عذراء فلم يجدها عذراء قال عليه السّلام: يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق»۷٦، فلا وجه للاستدلال به على أن الخيار خيار العيب فقط، إذ ليس في مقام بيان ذلك.
و منها: أن مقتضى إطلاق العقد عند نوع المتعاملين في بنائهم المعاملي هو الصحة. و هذا الوجه حسن أيضا و يمكن إرجاع بعض هذه الوجوه إلى البعض بل يمكن إرجاع الجميع إلى واحد.
الثالث: لا تعبد في أصل خيار العيب في الجملة لأن العقلاء يلومون من التزم بالعيب مع وصول المعيب إليه و يستنكرون على البائع إذا لم يقبل المبيع المعيب الذي سلمه إلى المشتري إذا رده إليه لأجل العيب و اللازم انما هو بيان الردع لا اقامة الدليل على الإثبات مع انه قد وردت أخبار مستفيضة دالة عليه كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.
الرابع: لو كان المبيع كليا و سلّم البائع فردا معيوبا منه فلا ريب في أن للمشتري حق رد المعيوب، لعدم تحقق الوفاء بالعقد لفرض انه وقع على الصحيح، فهل يكون هذا ردا لأصل المعاوضة الواقعة على الكلي كما أن رد المبيع الشخصي رد لأصل المعاوضة الواقعة عليه.
و بعبارة أخرى: هل يجري خيار العيب في المبيع الكلي أو لا؟ قولان نسب إلى جمع الأول و استدل.
تارة: بإطلاق قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «أيما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ اليه و لم يبين له- إلى أن قال- و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب»۷۷، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا»۷۸.
بدعوى: شموله للكلي أيضا كشموله للشخصي.
و اخرى: بأنه إذا تعين الكلي في الفرد فقد استقر البيع عليه أيضا فيدخل قهرا في موضوع خيار العيب.
و بعبارة أخرى: المبيع الشخصي المعيوب: داخل في موضوع خيار العيب أولا و بالذات و الكلي داخل فيه ثانيا و بالعرض.
و ثالثة: بأن المتعارف لا يفرق بينهما و الأدلة منزلة عليه.
و نوقش في جميع ذلك.
أما الأخبار فبدعوى: ان فيها قرائن ظاهرة في العين الشخصية كقوله عليه السّلام في صحيح زرارة: «و به عيب و عوار»، و قوله «يجد فيه» أو «وجد فيه».
و يرد ذلك بأن المراد من مرجع الضمير (المبيع) و هو يصدق على الكلي و الشخصي عرفا و لغة و شرعا.
و أما الثاني: فلأن تعيين الكلي الذمي في الفرد يوجب خارجية الكلي الذمي و براءة الذمة و أما انقلاب المعاوضة إلى الفرد الخارجي فهو محال لأنه من تحقق المعلول بلا علة ورد الوفاء لا ربط له برد البيع.
و فيه: أن الخارجية معلقة على تحقق الغرض المعاملي الأهم و هو الصحة و مع العيب كيف تتحقق الخارجية من كل جهة. و أما كون انقلاب المعاوضة إلى الفرد الخارجي من تحقق المعلول بلا علة ففيه:
أولا: أنا لا نحتاج إلى الانقلاب بل نقول أن المبيع الكلي مورد الخيار و لو مع عدم الانقلاب.
و ثانيا: بعد كون الفرد عين الكلي فلا وجه للانقلاب كما هو واضح فيجري خيار العيب في الكلي أيضا و لكنه مع ذلك مشكل في مقابل أصالة اللزوم هذا إذا كان البائع بانيا على التبديل و أما مع بنائه على العدم فالظاهر جريان الخيار هذا في الكلي الذمي.
و أما الكلي في المعين فلا إشكال في جريان خيار العيب فيه إذا كان جميع أطراف الكلي معيبا و أما ان كان بعض أطرافه كذلك و بقية الأطراف صحيحا فيكون مثل الكلي الذمي.
الخامس: جواز الرد في مورد خيار العيب ثابت بالأخبار المستفيضة التي تأتي الإشارة إلى بعضها و بالإجماع و بناء العقلاء على ما قلناه، و أما التخيير بينه و بين أخذ الأرش فلم يشر إليه في خبر من الأخبار إلا في الفقه الرضوي: «فإن خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء رده و إن شاء أخذه أو رد عليه بالقيمة أرش العيب»۷۹ و هو مع قصور سنده ظاهر في التخيير بين أمور ثلاثة: الرد، و الأخذ بتمام الثمن، و أخذ الأرش. إلا أن يقال: بزيادة الهمزة في قوله «أورد»، و يمكن استفادة الأرش و التخيير بينه و بين الرد من قول أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح: «أيما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ إليه و لم يبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمَّ علم بذلك العوار و بذلك الداء انه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»۸۰.
بدعوى: ظهوره في التخيير بين الرد و الأرش و حيث انه يسقط الرد بعد التصرف يتعين الفرد الآخر و لا ينافيه ظهوره في اعتبار كون الأرش من الثمن فإنه من باب المثال قطعا، و كذا يمكن استفادة التخيير بين الرد و أخذ الأرش من خبر جميل عن أحدهما عليه السّلام: «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا. فقال: ان كان الشيء قائما بعينه رده على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب»، بالتقريب الذي قلناه، مع أن مجموع النصوص بعد رد بعضها إلى بعض و التأمل في القرائن الخارجية و الداخلية يكفي في إثبات الخيار كما لا يخفى، بل يمكن جعله مطابقا للقاعدة.
بدعوى: أن لوصف الصحة أهمية خاصة عند المتعاملين يرون فقدها قابلة للتدارك بالمال أعم من الثمن و غيره، و حيث أن وصف الصحة خارج عن حقيقة العوضين و انه من أهم مقاصد المعاملة لا بد و ان يتدارك بالمال لو شاء الطرف ذلك و لم يرد البيع، و طريق هذا الدليل بالشكل الأول هكذا: وصف الصحة من الأغراض المعاملية المهمة و الأغراض المعاملية المهمة فوتها يتدارك بالمال ففوت وصف الصحة يتدارك بالمال و حينئذ، فلو تراضيا الطرفان بالأرش فلا اشكال فيه سواء كان أخذ الأرش مطابقا للقاعدة أو مخالفا لها و إن لم يرض البائع بذلك يرد المشتري أصل البيع لئلا يقع الضرر و في مورد سقوط الرد يتعين على البائع تدارك ضرر المشتري بالأرش لقاعدة ضمان اليد لا ضمان المعاوضة.
و بالجملة: بناء المعاملة عند العقلاء على إحراز أصل المالية في العوضين فأخذ مال من الطرف بعنوان المعاوضة يقتضي دفع هذا المقدار من المال إليه، لقاعدة اليد المرتكزة في نفوس المتعاملين و المتعاوضين.
و ثمرة كون الأرش موافقا للقاعدة انه يجري في جميع المعاوضات مع فقد وصف الصحة كما يظهر من المحقق في عوض الخلع، و عن العلامة في الهبة المعوضة و مال الكتابة، و عن المسالك في المهر و لعل سكوت النصوص عن التعرض له انما هو لأجل كونه مرتكزا في النفوس لا لأجل أنه تعبد خاص في مورد مخصوص لكونه بعيدا جدا، فهو مطابق لهذا البناء فيكون عيبا مطابقا للقاعدة.
ان قلت: فعلى هذا فلا بد من الأرش عند فقد كل وصف مع انهم لا يقولون به.
يقال: ان لوصف الصحة و فقدها أهمية خاصة ليست لغيره من سائر الأوصاف، مع أن وصف الصحة أعم ابتلاء من سائر الأوصاف فلا بد و ان يوسع في الخيار لأجلها بما لا يوسع في غيرها، مضافا إلى الإجماع على الاختصاص بخصوص فقد وصف الصحة و لأجل ذلك لا يتعدى إلى فقد سائر الأوصاف.
نعم، فقد وصف الصحة في سائر المعاوضات يوجب الأرش لما أثبتناه من كونه مطابقا للقاعدة، و لذا قال به الأصحاب في الإجارة و الصداق و نحوهما.
السادس: يجري خيار العيب في جميع أقسام البيع ما لم يكن محذور في البين، و أما سائر المعاوضات فمقتضى ظواهر أدلته اختصاصه بالبيع و عدم الجريان فيها إلا أن يدعى ان ذكر البيع فيها من باب المثال لكل معاوضة أو يدعي القطع بعدم الفرق أو القطع بالمناط. و الكل مخدوش.
نعم، أرش العيب ثابت في جميع المعاوضات لكونه مطابقا للقاعدة.