في الاعتصام- حتّى من العلامة- رحمه اللّه فإنّ ظاهره أنّه لا يقول باعتبار الكرّيّة في المطر، كما قال في الجاري۱. و أما ما نسب إلى المعالم على ما حكي عنه، من انفعال المطر بورود المتنجس عليه بخلاف الجاري، فقد قال في الجواهر: «بل يمكن دعوى حصول القطع للفقيه بمساواة الغيث الجاري إذا لاحظ مجموع أخبار المقام بعد استقامة الفهم».
ماء المطر حال تقاطره من السماء، كالجاري (۱) فلا ينجس ما لم يتغيّر و إن كان قليلا (۲)، سواء جرى من الميزاب أو على وجه الأرض أم لا (۳). بل و إن كان قطرات بشرط صدق المطر عليه (٤). و إذا اجتمع في مكان و غسل فيه النجس، طهر و إن كان قليلا (٥). لكن ما دام يتقاطر عليه من السماء (٦).
مطهرية المطر ثابتة كتابا و سنة و إجماعا على ما سيأتي و إنّما الخلاف في بعض الخصوصيات التي تأتي الإشارة إليها.
على المشهور، فاكتفوا في اعتصامه بمجرد صدق المطر عرفا من دون اعتبار الجريان على الأرض أو من الميزاب، لإطلاق الأدلة:
منها: صحيح ابن سالم أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام: «عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء فكيف فيصيب الثوب؟ فقال عليه السلام: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه»۲.
و قوله: «أكثر منه» ليس لاعتبار اشتراط الكثرة في مطهرية المطر مطلقا، بل لبيان أنّ للمورد خصوصية لا تقبل الطهارة إلّا بذلك، لأنّ قابلية المحل للطهارة شرط عقليّ في طهارته سواء كانت بالماء أم بغيره، و سواء كان الماء مطرا أم غيره، و ذلك لأنّ السطح الذي يبال عليه و يكون عين البول موجودا فيه، كما هو الظاهر من الحديث، لا يطهر إلا باستهلاك البول في المطر، و ذلك يستلزم أن يكون المطر أكثر قهرا، بل و كذا لو لم تكن العين موجودة و نفذ البول في السطح و يبس، فإنّ و كوف المطر يستلزم أن يكون المطر أكثر قهرا من البول، و إلا لو كف البول أيضا حين يبال عليه.
و يستفاد منه أنّ كلّ متنجس يطهر بمجرد وصول المطر إليه إلا إذا نفذت فيه النجاسة بحيث يتوقف طهره على كثرة المطر، أو كانت عين النجس موجودة فيه على ما يأتي من التفصيل.
و منها: مرسل الكاهلي- المنجبر- عن أبي عبد اللّه عليه السلام:
«يسيل عليّ من ماء المطر أرى فيه التغير و أرى فيه آثار القذر، فتقطر القطرات عليّ، و ينتضح عليّ منه و البيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا قال: ما بذا بأس لا تغسله كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»۳.
و المراد بقوله: أرى فيه آثار القذر- أي آثار الوساخة، و ليس المراد به النجاسة، لأنّه حينئذ نجس نصا و إجماعا، هذا على نسخة الكافي. و أما على ما ضبطه الفيض رحمه اللّه في الوافي٤، فلا يرد الإشكال أصلا، فإنّه ضبطه:
«يسيل على الماء المطر أرى فيه التغير .. إلخ» قال الفيض: «إنّ المطر يسيل على الماء المتغيّر بالقذر، فتثيب من الماء القطرات، فينضح عليّ» و على هذا لا إشكال إلا أنّ الكلام في اعتبار نسخة الوافي مع أنّه رحمه اللّه لم يذكر مدركا لها.
إن قلت: إنّ قوله عليه السلام: «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر».
أعم من الاعتصام، إذ من الممكن أن يكون مثل الماء القليل الذي يستعمل في غسل الأخباث فيطهر المحل مع أنّه متنجس، كما يأتي تفصيله.
قلت: لا وجه لهذا الاحتمال، لأنّ مورد السؤال أنّ المطر وصل إلى النجس ثمَّ و كف إلى الثوب، فقال عليه السلام: «لا تغسل الثوب» فلا ريب في ظهورها في عدم انفعال المطر بوصوله إلى النجس ثمَّ وقوعه على الثوب.
و منها: صحيح هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام: «في ميزابين سأل أحدهما بول، و الآخر ماء المطر، فاختلطا فأصاب ثوب رجل، لم يضره ذلك»٥.
و قريب منه خبر محمد بن مروان عنه عليه السلام: «لو أنّ ميزابين سالا أحدهما ميزاب بول، و الآخر ميزاب ماء فاختلطا ثمَّ أصابك، ما كان به بأس»٦.
و المراد بميزاب البول، خصوص البول الذي يصلح لأن يستهلك في ماء المطر، دون غيره.
و منها: خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء فتقطر عليّ القطرة. قال: ليس به بأس»۷.
فتلخص مما تقدم: أنّه متى ما صدق المطر عرفا تترتب عليه أحكامه بخلاف ما إذا لم يصدق، أو شك في الصدق و عدمه.
و نسب إلى ابن حمزة: اعتبار الجريان في اعتصام المطر، و إلى الشيخ و ابن سعيد جريانه من الميزاب. و يمكن أن يكون ذكر الميزاب من باب المثال، فرجع إلى الأول، إذ لا فرق بين الجريان منه و من غيره، قال في الحدائق في الفرع الثاني:
«إذا وقع على أرض متنجسة و نحوها و استوعب موضع النجاسة و أزال العين إن كانت، فعلى المشهور لا ريب في حصول التطهير به، و على اعتبار الجريان، فالظاهر أنّه لا يناط هنا بحصوله، لأنّ الشيخ القائل بذلك صرح، كما نقل عنه، بالاكتفاء في تطهير الأرض بالماء القليل».
و على أي تقدير فإن كان مرادهم من الجريان ما يساوي صدق المطر عرفا، فلم يتحقق خلاف منهم مع المشهور و إن كان مرادهم غير ذلك، فلا دليل لهم عليه، مع أنّ العبارة المحكية عن ابن حمزة لا ظهور لها في الخلاف، فإنّه قال على ما حكي عنه: «و حكم الماء الجاري من المشعب من ماء المطر كذلك أي كالجاري»، و المشعب، كما في مجمع البحرين (الطريق). و ظاهر عبارته أنّ ما يجري من المشعب حال اتصاله بماء المطر، يكون كالجاري، لاعتصامه بالمطر حينئذ، و هو مسلّم عند الجميع، و لا ربط له باعتبار الجريان في أصل اعتصام ماء المطر من حيث هو.
و استدل لهم بأخبار: منها- رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن البيت يبال على ظهره و يغتسل من الجنابة ثمَّ يصيب المطر.
أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس به»۸.
و فيه: أنّ ظاهرها بيان الأمر العرفي- و هو أنّ ماء المطر الذي أصاب محل البول و غسل الجنابة يستقذر طبعا عن أن يؤخذ منه و يتوضأ به- و دفع هذا الاستقذار، إما بأن يكون غزيرا حتّى يجري الماء عن محل اجتمع فيه، أو يكون الأخذ منه حين جريان المطر من السماء. و الصحيحة لا تكون متكفلة لبيان شيء أزيد من ذلك، و لا ربط لها ببيان اشتراط الجريان على الأرض في أصل اعتصام ماء المطر.
و منها أيضا: عن ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أ يصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال: إذا جرى به (فيه) المطر فلا بأس»۹.
و فيه: أنّه لا ربط له بالمقام أيضا لأنّ ظاهره، بل صريح وجود عين النجاسة في محل نزول المطر، و لا ريب في أنّ طهارة ما أصاب منها الثوب تدور مدار فعلية جريان المطر فيها، فالمراد بالجريان أي فعلية نزول المطر من السماء، لا الجريان على الأرض.
و منها: ما رواه الحميري- أيضا- عن ابن جعفر عن أخيه عليه السلام:
«سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر، فيكف فيصيب الثياب أ يصلّى فيها قبل أن تغتسل؟ قال: إذا جرى من ماء المطر فلا بأس»۱۰.
و فيه: أنّ العادة تقتضي أن يكون الوكوف من الكنيف مما فيه من النجاسات المخلوطة بماء المطر حين نزوله، فقال عليه السلام: «إذا جرى من ماء المطر و لم يكن مما في الكنيف فلا بأس»، فلا ربط لهذه الأخبار باعتبار الجريان على الأرض في اعتصام ماء المطر مطلقا، مع ضعف الأخيرين سندا.
ثمَّ إنّ اعتبار الجريان من الإحالة على المجهول، لأنّه مختلف اختلافا فاحشا بحسب مراتب الجريان شدة و ضعفا بحسب الأرض التي يجري عليها المطر من حيث الصلابة و غيرها، و بحسب الأزمنة، لأنّ جريانه في الشتاء يكون أسرع منه في الصيف بحسب رطوبة القضاء و يبوسته إلى غير ذلك مما يختلف به الجريان، و لذا التجأ المحقق الأردبيلي رحمه اللّه إلى اعتبار الجريان التقديري، و هو واضح. و الظاهر أنّ أنظارهم الشريفة كانت متوجهة إلى اعتبار صدق المطر يصدق عليها المطر عرفا، و لا يجري عليها حكم المطر عند المشهور أيضا، و لذا نسب إلى المشهور اعتبار الكثرة و القوة لإخراج القطرات اليسيرة. فيكون النزاع حينئذ صغرويا لا وجه للبحث فيه.
مع أنّه لو دلت الأدلة على اعتبار الجريان على الأرض في اعتصام المطر، لا ينفك الجريان على الأراضي الصلبة في الأوقات المعتدلة عن صدق المطر عرفا، فهما متلازمان خارجا. فاعتبار الجريان طريق للصدق العرفي. لا أنّ تكون فيه موضوعية خاصة، و إلا لكان اعتبار الجريان منافيا لما تقدم في صحيح ابن سالم من كفاية الأكثرية، و هي أعم من الجريان قطعا.
و مما يدل على المشهور أيضا صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام- في حديث- سأله: «عن الرجل يمر في ماء المطر و قد صب فيه خمر فأصاب ثوبه.
هل يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ فقال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلّي فيه و لا بأس»۱۱. فإنّه صريح في أنّ ماء المطر المنصب فيه الخمر لا ينفعل حين جريانه و إنّما قيدناه بالجريان، لوروده في صدره الذي تقدم نقله۱۲ و خبر محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه السلام: «في طين المطر أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام، إلا أن يعلم أنّه قد نجسه شيء بعد المطر»۱۳.
فتلخص من جميع ما تقدم: أنّ المطر- الذي هو من المياه المعتصمة- من الموضوعات العرفية كالعين و الجاري و النهر، فالقطرات القليلة التي تنزل من السماء لا تكون من المطر العرفي الذي نزلت عليه الأدلة، فما نسب الشهيد الثاني إلى بعض معاصريه۱٤ من الاكتفاء في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه، و لم يستبعده ظاهر الخدشة لعدم صدق المطر عليه عرفا، إن كان أصل النزول قطرة أو قطرات يسيرة. و أما إن كان النزول بحيث يصدق عليه المطر عرفا و وصلت قطرة أو قطرات منه إلى المتنجس، يكون مطهرا حينئذ، كما يأتي في [مسألة ۱٤] و لا يبعد أن يكون نظر معاصر الشهيد إليه، فلا نزاع في البين حينئذ.
و الظاهر أنّ المراد بما نسب إلى المشهور من اعتبار الكثرة و القوة ذلك أيضا، و قد تقدم إمكان إرجاع الجريان الذي قال به جمع إليه أيضا.
لإطلاق أدلة اعتصامه، بلا فرق في ذلك بين كونه واردا على النجس أو كان بالعكس، لأنّ من فرّق بينهما بالانفعال في الثاني، دون الأول، إنّما فرق بينهما في القليل دون المعتصم، كما تقدم في [مسألة ۱] من الفصل السابق، و يأتي في الماء المستعمل في رفع الأخباث. نعم، نسب إلى المعالم- على ما حكي عنه- انفعال المطر بورود المتنجس عليه، و لعله لأجل الجمود على بعض الأدلة، مثل قوله عليه السلام: «فتصيبه السماء»۱٥. و يرده: ظهور الإطلاق، و الاتفاق بعدم الفرق بينهما.
على المشهور بين المحققين من الفقهاء، لأنّ ظاهر الأدلة أنّ حيثية نزول المطر من السماء و نبع الماء في الماء الجاري و الكرّيّة في الكر، كلّ ذلك حيثية تعليلية للاعتصام يدور مدارها وجودا و عدما، و قد ثبت في محلّه: أنّ تعليق الحكم على شيء يقتضي فعلية ذلك الشيء و عليته الا مع الدليل على الخلاف، و لا دليل كذلك، بل الظاهر الاتفاق على الفعلية و العلية أيضا، فلا يكفي مجرد صدق أنّ الماء نازل من السماء أو نابع من الأرض، أو كر في اعتصامه، ما لم تنطبق تلك العناوين عليه فعلا.
و يظهر عن صاحب الجواهر: اعتصام الماء المجتمع من المطر في الأرض حين نزوله و إن لم يتقاطر على ذلك الماء بالخصوص، بشرط كونه معرضا لتقاطر المطر عليه، و بشرط نزول المطر فعلا على غيره، تمسكا بظواهر الأدلة الواردة في ماء المطر، فإنّها كما تشمل النازل من السماء حين النزول، كذلك تشمل المجتمع منه في موضع و إن لم يتقاطر عليه المطر بشرط نزوله فعلا فيما عداه.
و فيه: أنّه لا شك في شمول أدلة القليل لذلك. و الشك في شمول أدلة ماء المطر المعتصم له، يكفي في عدم الشمول، لأنّ التمسك بها حينئذ يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كيف و قد استظهرنا عدم الشمول. نعم، يصدق ماء المطر في الجملة عليه و لكن ليس كلّ ماء مطر معتصما، بل ما كان حين النزول من السماء فقط و لا يجري استصحاب الاعتصام، لتغاير الموضوع عرفا، فيجري استصحاب نجاسة المتنجس الذي وقع فيه بلا معارض.
ثمَّ إنّ في مقابل ما استظهره صاحب الجواهر- ما نسب إلى العلامة الطباطبائي رحمه اللّه- من أنّ الماء المجتمع من المطر في موضع يكون من الماء المحقون، و لا يكون ماء المطر و إن نزل عليه المطر فعلا، لاختصاص أدلّته بخصوص ما نزل منه من السماء، لا ما اجتمع منه في الأرض: نعم، يكون معتصما ما دام يجري عليه المطر.
و فيه: أنّ مقتضى ظواهر الأدلة المنزلة على المتفاهمات العرفية، صدق ماء المطر عليه أيضا، خصوصا حين التقاطر، فالحق ما ذكره الماتن (قدّس سرّه).
فروع:
الأول: ما شك في كونه مطرا، لا يجري عليه حكمه.
الثاني: لا فرق في المطر بعد صدقه عليه بين كونه من السحب المتعارفة أو من غير المتعارفة.
الثالث: لو دخلت غمامة في بيت من البيوت المبنية على رؤوس الجبال العالية، و مطرت، فالظاهر عدم صدق المطر المعهود عليه، و لا أقل من الشك، فلا يجري عليه حكمه، كما أنّه لو استحيلت الغمامة إلى الماء ببعض الأسباب الحديثة، فإن كان ذلك بحيث يصدق عليه المطر المعهود عرفا يجري عليه حكمه. و إلا فلا، و كذا مع الشك.
مسألة ۱: الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر و نفذ في جميعه، طهر و لا يحتاج إلى العصر أو التعدد (۷)، و إذا وصل إلى بعض دون بعض طهر ما وصل إليه (۸). هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة، و إلا فلا يطهر. إلّا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها (۹).
لما يأتي في [مسألة ۱٦] من فصل المطهرات عدم اعتبار العصر و التعدد في الغسل بالماء المعتصم مطلقا. و عمدة الدليل: إطلاق أدلة مطهرية الماء المعتصم و اعتصامه ما لم يتغير، و سياق تلك الأدلة آبية عن التخصيص و التقييد بالعصر، و التعدد، و كيف يصلح للتقييد قوله عليه السلام في مرسل الكاهلي المنجبر: «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»۱٦.
و قوله عليه السلام: «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء»۱۷.
و قوله عليه السلام: «كلّ ما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب، فإذا تغيّر الماء، و تغيّر الطعم، فلا توضأ منه و لا تشرب»۱۸.
و قوله عليه السلام: «لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري»۱۹ إلى غير ذلك. و المرتكز في الأذهان أنّ العصر و التعدد لانفصال الماء المنفعل، و لا انفصال للماء المعتصم الا بالتغير، فلا يشمل إطلاق دليل العصر و التعدد الماء المعتصم أصلا، و على فرض الشمول، فلا وجه للمعارضة بالعموم من وجه و التساقط في مورد الاجتماع ثمَّ الرجوع إلى استصحاب النجاسة، إذ ليس حكم كلّ متعارضين بالعموم من وجه هو التساقط مطلقا، بل قد يتعيّن تقديم أحدهما على الآخر لخصوصية يقتضيها المقام، فإنّه إن قيد دليل مطهرية المطر بالعصر و التعدد لم تبق خصوصية للمطر، لاشتراكه مع الماء القليل حينئذ، مع أنّ ظاهر الأدلة ثبوت الخصوصية له في مقابل القليل، بخلاف ما إذا قيد بما دل على العصر و التعدد بخصوص القليل، فإنّه ليس في ذلك ارتكاب خلاف ظاهر في البين، كما لا يخفى مع أنّ مورد بعض أخبار المطر هو البول۲۰و هي ظاهرة، بل صريحة في عدم اعتبار التعدد فيه: و ما اشتمل منها على الوكوف، ظاهر في عبور المطر على النجس، و مع ذلك حكم عليه السلام بأنّه: «لا بأس به»۲۱.
لوجود المقتضى و فقد المانع، بخلاف ما لم يصل إليه، إذا لا مقتضى لطهارته أصلا.
لأنّ زوال عين النجاسة شرط عقلي لحصول الطهارة، فلا تعقل الطهارة مع بقاء عين النجاسة، و لا ريب في حصولها فيما إذا تقاطر بعد زوال العين أيضا، إنّما الكلام فيما إذا زالت العين بالتقاطر، و لم يتقاطر بعد الزوال. و يمكن أن يقال: إنّ مقتضى الإطلاقات حصول الطهارة في هذه الصورة أيضا، خصوصا مرسل الكاهلي، و صحيح ابن سالم المتقدمين، و كذا الكلام فيما إذا زالت العين بملاقاة الكر للجاري، و انقطعت الملاقاة بعد الزوال فورا.
مسألة ۲: الإناء المملوء بماء نجس كالحب و الشربة و نحوهما- إذا تقاطر عليه، طهر ماؤه و إناؤه (۱۰) بالمقدار الذي فيه ماء، و كذا ظهره و أطرافه إن وصل إليه المطر حال التقاطر، و لا يعتبر فيه الامتزاج (۱۱)، بل و لا وصوله إلى تمام سطحه الظاهر (۱۲) و إن كان الأحوط ذلك.
للإجماعات المستفيضة المعتضدة بالمرتكزات: من أنّ المطر كالجاري، و قد تقدم أنّ مجرد الاتصال به يكفي في التطهير، و عن الشهيد الثاني في الروضة دعوى الإجماع عليه في المقام بالخصوص، و يصح التمسك بالإطلاقات۲۲ أيضا.
و دعوى: عدم صدق رؤية المطر إلا بالنسبة إلى السطح الظاهر الملاقي للمطر، دون باقي السطوح.
مدفوعة: بالصدق عرفا- الذي هو المناط في تقاطر المطر، و ملاقاة الكر أو النجاسة- فيصح عند المتعارف أن يقال: إنّ الإناء و الحب- مثلا- تقاطر عليه المطر، و لاقى الكر أو النجاسة، مع الوحدة العرفية للماء و اتصال أجزائه بعضها ببعض. هذا مع أنّ مرسل الكاهلي على نسخة الوافي۲۳ مورده تقاطر المطر على الماء القذر، كما تقدم.
إن قلت: فعلى هذا يطهر المضاف المتنجس بتقاطر المطر عليه أيضا، لإطلاق قوله عليه السلام: «كلّ شيء يراه المطر فقد طهر»۲٤.
و نحوه من سائر الإطلاقات.
قلت: نعم، لو لا ظهور تسالم الأصحاب على انحصار تطهير المضاف بالاستحالة، أو الاستهلاك و قد تقدم قول العلامة و الإشكال فيه، فراجع. هذا حكم طهارة الماء.
و أما الإناء المشتمل على الماء المتصل بتقاطر المطر عليه، فيكون طهره، لاتصاله بما يتقاطر عليه المطر، فكأنّه متصل بالجاري. و أما طهارة ظهره و أطرافه مما يصيبه المطر، فلعموم قوله عليه السلام: «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»۲٥.
تقدم وجهه في [مسألة ۱۳] من فصل المياه، فإنّ المقام من إحدى صغرياته.
و دعوى: أنّ انفصال القطرات بعضها عن بعض يوجب انفعال كلّ قطرة بعد وصولها إلى المتنجس، و قبل وصول القطرة الأخرى و هكذا فلا يطهر الا بالامتزاج.
مدفوعة أولا: بأنّه إن صحت الدعوى، لا يطهر حتّى مع الامتزاج، فكيف بعدمه، بل لا يمكن التطهير بالمطر على هذا مطلقا حتّى في غير الماء المتنجس.
و ثانيا: أنّ مقتضى الأدلة أنّ المطر مطهّر بهذا النحو- الذي ينزل من السماء بحسب المتعارف، و هو انفصال قطراته بعضها عن بعض- و قد نزّل الشارع ذلك منزلة الجاري، و ليس مطر آخر تكون قطراته متصلة عمودا إلى السماء حتّى يكون مورد الأدلة.
لصدق رؤية المطر مع الوصول إلى بعض سطحه أيضا، فيشمله إطلاق الأدلة، لأنّ المطر بمنزلة الجاري و الكر. و منشأ الاحتياط، احتمال اعتبار وصوله إلى تمام السطح. و لكنّه منفي بظهور الإطلاق.
مسألة ۳: الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها (۱۳) بشرط أن يكون من السماء، و لو بإعانة الريح (۱٤). و أما لو وصل إليها بعد الوقوع على محلّ آخر، كما إذا ترشح بعد الوقوع على مكان فوصل مكانا آخر، لا يطهر (۱٥). نعم، لو جرى على وجه الأرض، فوصل إلى مكان مسقف بالجريان إليه، طهر (۱٦).
لإطلاقات أدلة اعتصام المطر، و الظاهر عدم الخلاف فيه أيضا، و يدل عليه مرسل محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه السلام في طين المطر: «أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام. الا أن يعلم أنّه قد نجسه شيء بعد المطر»۲٦.
فإنّ إطلاقه يشمل ما إذا كانت الأرض متنجسة قبل نزول المطر، و خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنيف يكون خارجا، فتمطر السماء فيقطر عليّ قطرة. قال: ليس به بأس»۲۷.
و قريب منهما غيرهما.
لشمول الإطلاقات له أيضا، مع غلبه وجود الرياح مع الأمطار عادة.
هذا إذا كانت الريح متعارفة. و أما إذا كانت خلاف المتعارف و وصل بها المطر إلى المحل، يشكل الحكم بطهارته، و كذا لو وصل المطر إلى المحل بواسطة المراوح و نحوها.
لأنّ تحقق عنوان المطهرية للمطر متقوّم بنزوله من السماء، و بعد وقوعه على مكان يسقط عنه هذا العنوان، و يصير من الماء القليل الذي ينفعل بملاقاة النجس إذا وصل إلى مكان آخر متنجس، نعم، لو كان المطر غزيرا جدا بحيث يكون الوصول إلى مكان آخر من جريان ماء المطر عليه عرفا، يطهر حينئذ.
لأنّ الماء الجاري و إن كان قليلا، لكنّه متصل بالمعتصم الذي هو المطر، فيكون كالقليل الذي يتصل بالجاري، أو الكر. و لكن لا بد من تقييد ذلك بحين جريان المطر إن لم يكن المجتمع منه كرّا بنفسه.
مسألة ٤: الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر و كذا إذا كان تحت السقف و كانت هناك ثقبة ينزل منها على الحوض بل و كذا لو أطارته الريح حالة تقاطره فوقع في الحوض و كذا إذا جرى من ميزاب فوقع فيه (۱۷).
كلّ ذلك لإطلاق أدلة اعتصام المطر حين جريانه، و لا بد من تقييد الريح بما سبق من كونها متعارفة.
مسألة ٥: إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهّرا، بل و كذا إذا وقع على ورق الشجر ثمَّ وقع على الأرض (۱۸). نعم، لو لاقى في الهواء شيئا، كورق الشجر أو نحوه حال نزوله، لا يضر إذا لم يقع عليه ثمَّ منه على الأرض، فمجرد المرور على الشيء لا يضر (۱۹).
لما تقدم من ظهور الأدلة: في أنّ المطرية للمطر إنّما تكون إذا نزل على المتنجس بلا واسطة شيء. و الا فهو قليل ينفعل بالملاقاة.
للإطلاق، و ظهور الاتفاق.
مسألة ٦: إذا تقاطر على عين النجس فترشح منها على شيء آخر، لم ينجس إذا لم يكن معه عين النجاسة، و لم يكن متغيّرا (۲۰).
لأنّه معتصم، كالكر و الجاري حين النزول من السماء.
مسألة ۷: إذا كان السطح نجسا فوقع عليه المطر و نفذ و تقاطر من السقف، لا تكون تلك القطرات نجسة و إن كانت عين النجاسة موجودة على السطح و وقع عليها، لكن بشرط أن يكون ذلك حال تقاطره من السماء (۲۱)، و أما إذا انقطع ثمَّ تقاطر من السقف مع فرض مروره على عين النجس، فيكون نجسا (۲۲)، و كذا الحال إذا جرى من الميزاب بعد وقوعه على السطح النجس.
لأنّه حينئذ كالماء الجاري أو الكر الذي لاقى النجس و لم يتغيّر.
لأنّه حينئذ ماء قليل لاقى النجس فينجس، و يظهر منه حكم الماء الجاري من الميزاب، فإنّه- حين الجريان- كالكر و الجاري، لا ينفعل بالملاقاة، و بعد الانقطاع قليل ينفعل بها.
مسألة ۸: إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا، إذا كان التقاطر حال نزوله من السماء، سواء كان السطح أيضا نجسا أم طاهرا (۲۳).
أما على الثاني فواضح، و أما على الأول فلما تقدم من أنّه كالكر الذي لاقى النجس و لم يتغيّر.
مسألة ۹: التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه إذا وصل إلى أعماقه حتّى صار طينا (۲٤).
لإطلاق الأدلة، و قول أبي الحسن عليه السلام في طين المطر: «إنّه لا بأس أن يصيب الثوب ثلاثة أيام. الا أن يعلم أنّه قد نجسه شيء بعد المطر، فإن أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله، و إن كان الطريق نظيفا لم تغسله»۲۸ و التقييد بالثلاثة، مبني على تقديم القرائن الظاهرية الدالة على النجاسة على الأصل، و ليس فيه تعبد خاص. و الا فلو دلت القرائن على بقاء الطهارة إلى عشرة أيام أو أكثر، يعمل بها، مضافا إلى الأصل.
مسألة ۱۰: الحصير النجس يطهر بالمطر، و كذا الفراش المفروش على الأرض (۲٥)، و إذا كانت الأرض التي تحتها أيضا نجسة، تطهر إذا وصل إليها. نعم، إذا كان الحصير منفصلا عن الأرض، يشكل طهارتها (۲٦) بنزول المطر عليه إذا تقاطر منه عليها، نظير ما مر من الإشكال فيما وقع على ورق الشجر و تقاطر منه على الأرض.
لظهور الاتفاق، و إطلاق مرسل الكاهلي۲۹ و غيره، و كذا طهارة الأرض التي تحتها إذا جرى عليها المطر و لو من الحصير أو الفراش فيطهر بالجريان المتصل بماء المطر المعتصم.
هذه المسألة متحدة مع ما تقدم منه رحمه اللّه في المسألة الخامسة، و قد جزم فيها بالعدم، و ما جزم به من عدم الطهارة فيما إذا وقع على ورق الشجر ثمَّ تقاطر منه على الأرض، صحيح.
و أما في المقام فيمكن الإشكال إن كان الحصير أو الفراش ملتصقا و لو ببعض أطرافهما على الأرض، بل الظاهر صدق جريان ماء المطر على الأرض حينئذ. نعم، لو كانا منفصلين عنها بالمرة يكون كورق الشجر حينئذ، و من ذلك، يظهر الحكم في بعض النباتات التي تكون ملتصقة بالأرض، فتكون كالحصير و الفراش.
مسألة ۱۱: الإناء النجس يطهر إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه (۲۷). نعم، إذا كان نجسا بولوغ الكلب يشكل طهارته بدون التعفير (۲۸) لكن بعده إذا نزل عليه يطهر من غير حاجة إلى التعدد.
لإطلاق الأدلة، و ظهور الاتفاق.
و قد قوى رحمه اللّه عدمها في [مسألة ۱۲] من فصل المطهرات، و يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى.
- تقدم في صفحة: ۱٦۰.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٥.
- الوافي جزء: ٤ صفحة: ۹.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٤.
- الوسائل باب: ٥ من أبواب الماء المطلق حديث: ٦.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ۸.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ۲.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ۹.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ۳.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ۲.
- تقدم في صفحة ۲۰٤.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٦.
- هو السيد حسن بن السيد جعفر كما في حاشية الحدائق.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱.
- تقدم في صفحة ۲۰۲.
- تقدم في صفحة ۱٦۹.
- الوسائل باب: ۳ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱.
- الوسائل باب: ٥ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱.
- كما في الوسائل حديث ۱ و ۳ و ٤ و ۷ باب ٦ من أبواب الماء المطلق.
- كما في الوسائل حديث ۱ و ۳ و ٤ و ۷ باب ٦ من أبواب الماء المطلق.
- تقدم في صفحة: ۲۰۱.
- مر في صفحة: ۲۰۲.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٦.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٦.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٦.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ۸.
- الوسائل باب: ۷٥ من أبواب النجاسات.
- تقدم في صفحة: ۲۰۲.