لظاهر الكتاب المبين(۱)، والمتواترة من نصوص المعصومين والضرورة من الدّين.
(الأول): غسل الوجه (۱). وحدّه: من قصاص الشعر إلى الذّقن طولا، وما اشتمل عليه الإبهام والوسطى عرضا(۲). و الأنزع والأغمّ، ومن خرج وجهه أو يده عن المتعارف يرجع كلّ منهم إلى المتعارف (۳)، فيلاحظ أنّ اليد المتعارفة في الوجه المتعارف إلى أيّ موضع تصل؟ وأنّ الوجه المتعارف أين قصاصه؟ فيغسل ذلك المقدار (٤). و يجب إجراء الماء، فلا يكفي المسح به. وحدّه: أن يجري من جزء إلى جزء آخر، ولو بإعانة اليد. ويجزي استيلاء الماء عليه وإن لم يجر إذا صدق الغسل (٥). و يجب الابتداء بالأعلى (٦)، والغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا (۷) ولا يجوز النكس (۸). و لا يجب غسل ما تحت الشعر، بل يجب غسل ظاهره (۹)، سواء شعر اللحية، والشارب، والحاجب (۱۰) بشرط صدق إحاطة الشعر على المحلّ (۱۱)، والا لزم غسل البشرة الظاهرة في خلاله (۱۲).
الظاهر أنّ الوجه من المبينات العرفية، لأنّ كل أحد من أفراد الناس في أيّ مذهب وملة يغسل وجهه في كل يوم وليلة مرّة أو مرّات فما هو المراد بالوجه لدى الناس، هو المراد به لدى المسلمين أيضا، وفي الوضوء المعراجي لم يبين حدّ الوجه، بل أطلق كما في الكتاب والسنة المتواترة، والوضوءات البيانية المشتملة على الوجه فقط. ولا بد وأن يتأمل في قول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح الوارد لتحديد الوجه: «ما دارت عليه الإبهام والوسطى من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا»(۲) فهل هو عليه السلام في مقام بيان إيضاح المعنى العرفي، أو يبيّن معنى تعبديا للوجه غير معهود لدى العرف، أو تفسير الوجه بالمعنى الدقي العقلي؟ لا سبيل إلى الأخيرين قطعا، فيتعيّن الأول. ثمَّ لا بد وأن يتأمل في أنّ زرارة الذي هو راوي هذا الحديث، وسائر المسلمين ما كانوا يعملون بغسل وجوههم في الوضوء قبل صدور هذا الحديث. وهل تغير معنى غسل الوجه عندهم في الوضوء عما كان عليه قبل صدور هذا الحديث، أو لم يتغير؟ ولا ريب في عدم التغير وأنّ غسل الوجه منه ومن غيره كان قبل صدور الحديث وبعده على حدّ سواء.
و المراد بقوله عليه السلام: «ما دارت عليه الإبهام والوسطى» ليس الدائرة الحقيقية وكذا قوله عليه السلام: «ما جرت عليه الإصبعان مستديرا»، إذ لا معنى للدائرة الحقيقية، ولا الفرضية في المقام، بل المراد الإحاطة والاستيلاء، والاحتواء والاشتمال، فيكون حدّ الوجه لغة وعرفا وشرعا من قصاص شعر الرأس إلى الذقن بحسب الطول، وبما يشتمل عليه الإصبعان بحسب العرض، وهذا تحديد عرفيّ واضح ليس مبنيا على الدقة، ولا الإشكال الهندسية، لبراءة ساحة الإمام المبيّن للأحكام بما تقتضيه أفهام متعارف الأنام عن ذلك.
نعم، حيث كان ذهن شيخنا البهائي مأنوسا بتلك الاشكال طبّق الحديث على ما في ذهنه الشريف مع عدم كونه مراد المعصوم عليه السلام قطعا.
و قال صاحب الجواهر في كتاب العتق بالمناسبة:- ونعم ما قال-: «و لعل المقام أشبه شيء بما التزمه البهائي رحمه اللَّه في الوجه بالدائرة البركانية في رواية ما دارت عليه الإبهام والوسطى، ومن كان له انس بعلم الهيئة انساق إلى ذهنه ذلك، ولا يفسر دارت بما حوت الذي هو المراد».
مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ الإمام عليه السلام ليس في مقام تحديد الوجه أصلا وإنّما هو عليه السلام في مقام بيان فساد وضوء العامة حيث يدخلون في الوجه ما هو خارج عنه عرفا ولغة من غسل الاذن وغيرها.
ثمَّ إنّ حدود الوجه سبعة:
(الأول): الذقن وهو معروف لكل أحد ويكون مقابلا للقصاص.
(الثاني): قصاص شعر الرأس، وهو منتهى شعر الرأس في أعلى الجبهة المقابل للذقن، ومنتهى استدارة الرأس وابتداء تسطيح الجبهة.
(الثالث): النزعتان، وهما البياضان المكتنفان للناصية في أعلى الجبينين، ويتفق لكثير من الناس ومن لم يكن له النزعة يسمّى الأغم.
(الرابع): العذار، وهو ما حاذى الاذن، ويطلق على شعر ذلك المحل أيضا.
(الخامس): الصدغ، يطلق على ما بين الاذن والعين، وعلى الشعر المتدلّي عليه المسمّى بالفارسية ب (زلف).
(السادس): العارض وهو ما بين العذار والذقن، ويطلق على الشعر النابت عليه أيضا.
(السابع): مواضع التحذيف وهو ما بين النزعة والصدغ.
ثمَّ إنّ للوجه حدّا معلوما عرفا، فلا ريب في وجوب غسله، وحدّا معلوما خروجه، ولا إشكال في عدم وجوب غسله، وما يشك فيه أهل الوسواس دون غيرهم، والحديث ورد لدفع الوسوسة عن القسم الأخير، إذ الأولان لا يحتاجان إلى البيان، ولا يخفيان على أحد، خصوصا لمثل زرارة الذي هو الراوي للحديث، فدفع الإمام عليه السلام عذر أهل الوسواس ببيان هذا الحديث.
و قد أشكل في المقام بوجوه:
منها: أنّه لا دائرة في الوجه حتّى يصدق قوله عليه السلام: «ما دارت عليه الإبهام والوسطى»، مع أنّ قوله عليه السلام: «مستديرا» لا بد وأن يكون بصيغة التثنية، لكونه حالا من الإصبعين.
(و فيه): أنّه ليس الوجه مستديرا حقيقة، ولا عرفا، ولا لغة، والمراد بالدوران في قوله عليه السلام: «ما دارت عليه» الإحاطة والاحتواء والاشتمال.
قال في المجمع: «دوائر الزمان ما تحيط بالإنسان تارة بخير، واخرى بشرّ»، وقوله: «مستديرا» صفة لمحذوف، لا أن يكون حالا، والمعنى ما جرت عليه الإصبعان جريا مستديرا، أي محيطا بالوجه.
و منها: أنّ الناصيتين خارجتان عن الوجه شرعا، ولغة، وعرفا، وظاهر الحديث وجوب غسلهما، لكونهما بعد قصاص الشعر. (و فيه): أنّ المراد بقصاص الشعر ما كان في مقدم الرأس ومقابل الجبهة، كما مر لا مطلق القصاص أينما كان.
و منها: خروج العارض عن الحد مع دعوى الإجماع على وجوب غسله.
(و فيه): أنّ البحث في العارض ومواضع التحذيف ونحوهما صغروي، لا أن يكون كبرويا، لأنّ شمول الإصبعتين لها يدخلها قطعا فيما يجب غسله، ومع عدم الشمول لا يجب بلا إشكال، فمن قال بالوجوب قال بالشمول، ومن لم يقل به استظهر عدم الشمول. وهذا لا ينبغي أن يكون نزاعا بين العلماء. نعم، لا إشكال في وجوب غسل ما زاد على الحد مقدمة.
ثمَّ إنّ ما أفاده شيخنا البهائي من تشكيل الدائرة الحقيقية بأن يوضع منتهى الوسطى على قصاص الناصية ومنتهى الإبهام على الذقن فيدار بالدائرة الحقيقية حتّى يصل أحدهما إلى موضع الآخر (مخدوش) من وجوه:
منها: كونه خلاف المتعارف في هذا الحكم العام البلوى.
و منها: أنّه مستلزم لخروج بعض الجبين مع كونه داخلا في الحد اتفاقا، وإمكان تطبيق النص عليه أيضا، كما فهمه المشهور.
و منها: أنّ مساحة ما بين منتهى الوسطى ومنتهى الإبهام أزيد مما بين قصاص الشعر والذقن، فلا تتحقق الدائرة الحقيقية التي أرادها (قدّس سرّه) إلى غير ذلك مما أشكل عليها فراجع المطولات. مع أنّه لا داعي أصلا إلى هذه التكلفات البعيدة عن مذاق الشرع.
يعني أنّه يجب على كل أحد غسل وجهه في الوضوء، لعموم الأدلة الشامل لكل فرد فرد على اختلاف الوجوه والأيدي على ما هو المتعارف في غسل الوجه. والمتعارف فيه، سواء كان في الوضوء أم في غيره غسل الجبهة والجبينين والعينين والخدين والأنف والفم، فلا بد له من غسل ذلك كله، ولا يغسل في المتعارف النزعتان، والعارضان، والعذار والصدغ، فلا يجب غسلها لأنّها ليست من حدود الوجه في كل أحد، لا أن تكون داخلة في المحدود، بلا فرق فيه بين كبير الوجه واليد، أو صغيرهما، أو بالاختلاف. فمن صغر وجهه وكبرت يده لا يجب عليه غسل عارضيه وصدغيه وعذاره، لأجل كبر يده، ومن كبر وجهه و صغرت يده وجب عليه غسل تمام وجهه بما يسمى وجها، لا أن يكتفي بقدر ما وصلت يده إليه، وهذا معنى الرجوع إلى المتعارف، لا أنّ صغير اليد يدع من غسل وجهه شيئا، أو أنّ صغير الوجه وكبير اليد يغسل حدود الوجه أيضا.
للأغم مراتب يمكن أن يقال: بإجزاء غسل ما ظهر من جبهته وجبينيه في بعض مراتبه.
فرعان- (الأول): ظهر مما مرّ أنّه لا يجب على الأنزع غسل ما زاد على الجبهة والجبين.
(الثاني): لا يجب على الأغم بعد الرجوع إلى المتعارف تخليل الشعر، لما يأتي في شعر الحاجب.
على المشهور، بل ظاهرهم الاتفاق عليه، لأنّ الغسل هو استيلاء الماء على المغسول لغة وعرفا وشرعا. ومقتضى الإطلاقات عدم الفرق بين أن يكون ذلك بلا واسطة أو معها. وإنّما ذكر الجريان في الأدلة(۳) والكلمات لحصول الاستيلاء به، لا من جهة أنّ له موضوعية خاصة، لكفاية الارتماس، للإطلاق والاتفاق ولو لم يكن جريان في البين والمناط كله تحقق الغسل في الوجه واليدين دون المسح، لأنّ المسح عبارة عن إمرار الماسح على الممسوح، سواء تحقق استيلاء الماء أم لا. والغسل عبارة عن استيلاء الماء على المحل، سواء حصل بإمرار اليد أم لا. وهذا هو الظاهر من قول أبي جعفر في صحيح زرارة:
«يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه، واثنتان للذراعين- الحديث-»(٤).
لحصول استيلاء الماء على الوجه بغرفة واحدة بإعانة اليد، وكذا في اليدين ومثله إطلاق صحيح ابن مسلم: «ما جرى عليه الماء فقد طهر»(٥)، وصحيح زرارة: «كل ما أحاط به الشعر، فليس للعباد أن يطلبوه، ولا يبحثوا عنه، ولكن يجري عليه الماء»(٦)، وصحيح حماد دال على ذلك أيضا قال: «كنت قاعدا عند أبي عبد اللَّه عليه السلام فدعا بماء فملأ به كفه، فعم به وجهه، ثمَّ ملأ كفه فعم به يده اليمنى، ثمَّ ملأ كفه فعم به يده اليسرى- الحديث»(۷).
لأنّ المراد بالتعميم: هو إجراء الماء وإسالته على المحل بمعونة اليد، وهو عبارة أخرى عن استيلاء الماء عليه، لأنّ للإجراء والإسالة والاستيلاء مراتب متفاوتة تكفي أولى مراتبها لظهور الإطلاق والاتفاق، ويمكن أن يكون قول أبي جعفر عليه السلام:
«إذا مس جلدك الماء فحسبك»(۸)، وقوله عليه السلام أيضا: «إنّما يكفيه مثل الدهن»(۹)، وقوله عليه السلام: «يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده، والماء أوسع»(۱۰).
إشارة إلى كفاية أولى مراتب الاستيلاء والجريان، لا أن يكون لبيان كفاية مجرد مسح البلة في الوجه واليدين حتّى يكون مخالفا لما دل على اعتبار الغسل من الكتاب والسنة والإجماع.
على المشهور المدعى عليه الإجماع، واستدل عليه تارة: بالوضوءات البيانية مثل الصحيح: «ثمَّ غرف ملأها الماء فوضعها على جبهته»(۱۱)، وقوله عليه السلام: «فأخذ كفا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه»(۱۲). وفي المنتهى والذكرى أنّه عليه السلام قال بعد ما توضأ: «إنّ هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به»(۱۳).
إلى غير ذلك مما هو ظاهر في ذلك. (و فيه): أنّ الفعل مجمل مع اشتمال الوضوءات البيانية على الواجب والمندوب، وقوله عليه السلام: «هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به» في مقابل الوضوءات غير المشروعة، لا أنّ جميع ما فعله عليه السلام من مقوّمات الوضوء وواجباته. ولكن يمكن أن يقال: إنّه عليه السلام في مقام بيان تعليم الواجبات من الوضوء والمستحبات دل عليها الدليل من الخارج، فتأمل. كما يمكن المناقشة: بأنّ وضع الماء على الجبهة ونحوها كان من باب الغالب وجري العادة، إذ الغالب في غسل الوجه وضع الماء على الجبهة، وليس ذلك مختصّا بخصوص الوضوء.
و استدل للمشهور أيضا بخبر الرقاش عن قرب الإسناد: «لا تعمق في الوضوء، ولا تلطم وجهك بالماء لطما، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا، وكذلك فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدميك»(۱٤).
و أشكل عليه أولا: بقصور السند، ودفع بالانجبار بالعمل.
و ثانيا: بالإجماع على استحباب المسح، فيكون الحكم ندبيا. وفيه: أنّ قيام الإجماع على استحباب المسح لا ينافي ظهور اللفظ في الوجوب، فيكون الغسل من الأعلى واجبا، وكونه بالمسح، والدلك مندوبا.
و ثالثا: بأن لفظ (من) و(إلى) في قوله عليه السلام: «من أعلى وجهك إلى أسفله» لبيان حد المغسول، لا لبيان كيفية الغسل. وفيه: أنّه خلاف الظاهر.
و رابعا: بأنّ ذلك من باب جري العادة وما هو الغالب- كما تقدم-، لا الوجوب التعبدي. مع أنّه في مقام بيان كراهة اللطم والتعمق، لا رجحان الابتداء من الأعلى. وفيه: أنّه خلاف الظاهر، بل يكون في مقام بيانهما معا، واستفيد كراهة الأول بالقرينة الخارجية.
و خامسا: بأنّ قوله عليه السلام: «مسحا» مفعول مطلق، لقوله عليه السلام: «اغسله»، وهو خلاف المعروف من أنّ المفعول المطلق لا بد وأن يكون من لفظ الفعل. وفيه: أنّه كذلك غالبا لا أن يكون من مقوّمات المفعول المطلق مطلقا مع صحة كونه حالا من ضمير «اغسله»، وقيام الإجماع على استحبابه لا ينافي أصل وجوب الغسل من الأعلى، فإن تمَّ هذا الحديث فهو الدليل. والا فالخدشة في الإجماع المنقول ظاهرة، كما أنّ الوضوءات البيانية عن إفادة الوجوب قاصرة ولذا اختار السيد وابنا إدريس، وسعيد، وجمع من متأخري المتأخرين جواز النكس أيضا.
فروع- (الأول): صب الماء على الوجه إن كان بعنوان الغسل وجب فيه الابتداء من الأعلى، وإن كان مقدمة له، أو بعنوان آخر، فلا يجب- كما يأتي في [مسألة ٤4]- أيضا.
(الثاني): لا فرق فيما ذكر بين الوضوء الترتيبي والارتماسي.
(الثالث): الظاهر أنّ هذا الشرط واقعيّ، فيبطل الوضوء مع تركه جهلا أو نسيانا.
(الرابع): لو مسح يده من الذقن إلى الجبهة ثمَّ من الجبهة إلى الذقن وقصد الوضوء في الثاني، دون الأول صح وضوؤه، وكذا لو قصد الوضوء بما هو تكليفه الواقعي.
(الخامس): لو شك في الابتداء من الأعلى، فإن كان بعد الفراغ لا يعتنى به. وإن كان في الأثناء يتدارك.
يعني لا تعتبر الدقة العقلية في الابتداء من الأعلى والختم إلى الأسفل، بل يكفي العرفي منه، لتنزل أدلة التكاليف على ما هو المتعارف وأما احتمال أن يكون المراد بالابتداء بالأعلى بنحو صرف الوجود، ثمَّ عدم وجوب مراعاته بعد ذلك، أو أن يكون المراد غسل الأعلى فالأعلى بحسب الخطوط العرضيّة بحيث لا يجوز غسل الأدنى قبل الأعلى، ولو لم يكن مسامتا لما غسل أولا، أو أن يكون المراد غسل الأعلى فالأعلى بحسب الخطوط الطولية الدقية العقلية، فكلّ ذلك احتمالات في مقام الثبوت لا دليل عليها في مقام الإثبات، وظواهر الأدلة الواردة على طبق العرفيات تنفي ذلك كلّه، خصوصا في هذا الأمر العام البلوى لكلّ أحد في كلّ يوم مرّات، وبناء الشرع على التسهيل في مثل ذلك. نعم، لصحة الاحتمال الأول وجه إن ساعده العرف.
لأنّه خلاف المأمور به، بناء على المشهور، فلا يجزي.
إجماعا ونصّا. قال أبو جعفر عليه السلام في الصحيح: «كلّ ما أحاط به من الشعر، فليس للعباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء»(۱٥)، وعنه عليه السلام: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر»(۱٦)، وعن أحدهما عليهما السلام: «عن الرجل يتوضّأ أ يبطن لحيته؟ قال عليه السلام: لا»(۱۷).
لإطلاق الدليل الشامل للتمام، وإطلاق معقد إجماع الأعلام.
لأنّ ذلك هو مورد الأدلة.
لقاعدة الاشتغال، وأصالة بقاء الحدث، بل وإطلاق أدلة غسل الوجه واليدين(۱۸) إن كان الشك في مفهوم الإحاطة، لصحة التمسك بالمطلق حينئذ، إذ القيد المنفصل المجمل لا يسري إجماله إلى المطلق على ما بيّن في محله.
(مسألة ۱): يجب إدخال شيء من أطراف الحدّ من باب المقدّمة وكذا جزء من باطن الأنف ونحوه (۱۳). وما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق من الباطن فلا يجب غسله (۱٤).
لقاعدة الاشتغال إن توقف حصول العلم بالفراغ عليه، والا فلا يجب.
لقول أبي جعفر عليه السلام: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر»(۱۹).
مع أنّه لم يشر إلى غسله في شيء من النصوص مطلقا.
(مسألة ۲): الشعر الخارج عن الحدّ كمسترسل اللحية في الطول، وما هو خارج عن ما بين الإبهام والوسطى في العرض لا يجب غسله (۱٥).
لظهور الإجماع، وخروجه عن حد المغسول الوارد في الأدلة، ومقتضى أصالة البراءة أيضا ذلك بعد كونه خارجا عن المحدود.
(مسألة ۳): إن كانت للمرأة لحية فهي كالرجل (۱٦).
لما تقدم من قاعدة الاشتراك، وإطلاق قول أبي جعفر المتقدم:
«كل ما أحاط به الشعر، فليس على العباد أن يطلبوه».
(مسألة ٤): لا يجب غسل باطن العين والأنف والفم إلا شيء منها من باب المقدّمة (۱۷).
أما الأول، فلقوله عليه السلام: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر».
و أما الثاني، فلما تقدم في [مسألة ۱].
(مسألة ٥): في ما أحاط به الشعر لا يجزئ غسل المحاط عن المحيط (۱۸).
لقاعدة الاشتغال وقوله عليه السلام: «كل ما أحاط به الشعر، فليس على العباد أن يطلبوه ولكن يجري عليه الماء»(۲۰).
(مسألة ٦): الشعور الرّقاق المعدودة من البشرة يجب غسلها معها (۱۹).
لكونها من تبعات المغسول عرفا، فيشملها إطلاق الدليل قهرا.
(مسألة ۷): إذا شك في أنّ الشعر محيط أم لا، يجب الاحتياط بغسله مع البشرة (۲۰).
لأصالة بقاء الحدث، وقاعدة الاشتغال بعد كون الشك في أصل الإتيان بالمأمور به، ويأتي بعض ما يرتبط بالمقام.
(مسألة ۸): إذا بقي مما في الحدّ ما لم يغسلو لو مقدار رأس إبرة لا يصح الوضوء (۲۱)، فيجب أن يلاحظ آماقه [۱] وأطراف عينه لا يكون عليها شيء من القيح أو الكحل المانع، وكذا يلاحظ حاجبه لا يكون عليه شيء من الوسخ، وأن لا يكون على حاجب المرأة وسمة أو خطاط له جرم مانع.
لعدم الإتيان بالمأمور به، وفوات المركب بفوت بعض أجزائه ويأتي حكم بقية المسألة في المسألة التالية.
(مسألة ۹): إذا تيقّن وجود ما يشك في مانعيته يجب تحصيل اليقين بزواله، أو وصول الماء إلى البشرة (۲۲)، ولو شك في أصل وجوده يجب الفحص أو المبالغة حتّى يحصل الاطمئنان بعدمه، أو زواله، أو وصول الماء إلى البشرة على فرض وجوده (۲۳).
لقاعدة الاشتغال، وأصالة بقاء الحدث، وأصالة عدم الحجب مثبتة بالنسبة إلى إحراز وصول الماء إلى البشرة، ولكن يمكن تقريب عدم الإثبات بأن يراد بما هو مترتب على الأصل عدم وجوب التدقيق، وهذا حكم شرعيّ لا يكون الأصل مثبتا بالنسبة إليه، وفي صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام:
«عن المرأة عليها أسوار والدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا، كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال عليه السلام تحركه حتّى يدخل الماء تحته أو تنزعه، وعن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته أم لا كيف يصنع؟ قال عليه السلام: إن علم أنّ الماء لا يدخله، فليخرجه إذا توضأ»(۲۱).
و توهم: التناقض بين صدر الحديث وذيله، لظهور الصدر في وجوب التحريك أو النزع عند عدم العلم بدخول الماء تحته، فلا يصح الوضوء مع الشك فيه، وظهور الذيل في أنّ المناط العلم بعدم وصول الماء فيصح الوضوء مع الشك.
مدفوع: بأنّ مورد الصدر ما إذا علم أنّ التحريك ينفع في وصول الماء.
و مورد الثاني ما إذا علم أنّه لا ينفع فيه. فتأمل. وعلى فرض الإجمال، فقاعدة الاشتغال، وأصالة بقاء الحدث جارية. ويمكن حمل الصدر على الشك العادي، والذيل على ما إذا كان الاعتناء به موجبا للوسواس، فعلق الحكم عليه السلام على العلم دفعا للوسوسة، كما يمكن حمل الصدر على الندب بقرينة الذيل، فأصالة عدم المانعية بالتقرير الذي ذكرناه لا محذور فيها، وهي مقدمة على أصالتي الاشتغال وبقاء الحدث بعد قصور الصحيح عن إفادة الوجوب على ما مر.
موضوع هذه المسألة فيما إذا كان للاحتمال منشأ صحيح، والا فلا يجب الفحص ولا المبالغة، لكونهما حينئذ من الوسواس المنهي عنه.
و استدل على الفحص أو إيصال الماء بأصالة بقاء الحدث، وقاعدة الاشتغال، وفيه ما يأتي.
و استدل على عدم وجوبهما في هذه الصورة أيضا بالسيرة، والإجماع، ولزوم الحرج، وعدم ذكر له في الوضوءات البيانية مع بيان المندوبات، والتعرض لذلك أولى منها كما لا يخفى. مضافا إلى أصالة عدم وجوب الحاجب، وخبر أبي حمزة عن الباقر عليه السلام:
«أنّه بلغه أنّ نساء كانت إحداهنّ تدعو بالمصباح في جوف الليل تنظر إلى الطهر، وكان عليه السلام يعيب ذلك، وقال عليه السلام: متى كانت النساء يصنعن هذا؟!»(۲۲).
و نوقش في الإجماع بعدم تعرض القدماء له. وفي الأصل بأنّه مثبت وفي الخبر أنّه أجنبيّ عن المقام.
و يرد الأول: بأنّه لو كان واجبا لوجب عليهم التعرض له مع تعرضهم لجميع المندوبات والمكروهات، فيستفاد من ذلك تسالمهم على عدم الوجوب.
و يرد الثاني: بما تقدم من تقرير عدم الإثبات. والثالث: بأنّ المقصود الاستشهاد بالخبر، لا الاستدلال به.
و يمكن الجمع بين الكلمات بأنّ من يقول بوجوب الفحص أي فيما إذا كان للشك منشأ صحيح يوجب التوقف عن الإقدام على الوضوء معه. ومن يقول بالعدم أي فيما إذا لم يكن كذلك.
ثمَّ إنّ كفاية الاطمئنان، لأجل أنّه من العلم العادي الشرعي، فيشمله جميع ما دل على اعتبار العلم، ويأتي في [مسألة ۱٥] وما بعدها ما ينفع المقام.
(مسألة ۱۰): الثقبة في الأنف موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها (۲٤)، بل يكفي ظاهرها، سواء كانت الحلقة فيها أم لا.
لما تقدم من عدم وجوب غسل الباطن.
فروع- (الأول): لا يجب أن يغسل الوجه باليمنى، فيصح الغسل باليدين وباليسرى، للإطلاقات الواردة في مقام البيان، وفي موثق ابن بكير وزرارة:
: ثمَّ «غمس كفه اليمنى في التور، فغسل وجهه بها، واستعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه»(۲۳).
و لكن الغسل باليمنى أولى، لما تقدم من أنّه تعالى: «يحب التيامن في كل شيء»(۲٤).
(الثاني): يصح غسل نصف الوجه ترتيبا ونصفه الآخر ارتماسا.
(الثالث): لو أدار وجهه تحت الماء الجاري من فوق- مثلا- بقصد الوضوء ووصل الماء إلى تمام وجهه يصح ويجزي، ويأتي في [مسألة ۲۲] ما يرتبط بالمقام.
(الرابع): يظهر من صحيح عليّ بن يقطين(۲٥) أنّ تخليل شعر اللحية كان من دأب المخالفين إذا كان كثيف اللحية. وأما الخفيفة فتقدم حكمه.
(الخامس): لو جعل قطنا- مثلا- في الماء وأداره على وجهه بحيث جرى الماء على تمام الوجه بقصد الوضوء يصح ويجزي، للإطلاق.
(السادس): لو رمس وجهه في الماء لا بقصد الوضوء، فأخرجه ثمَّ مسح بالماء الباقي على وجهه بقصد الوضوء يصح أيضا، ولو لم يمسح وقصد الوضوء بمجرد بقاء الماء، ففي الصحة إشكال.
(السابع): إذا توضأ وفرغ من وضوئه وكان الماء باقيا على مواضع وضوئه، لبرودة الهوى أو نحو ذلك، ثمَّ مسح بالماء الباقي على وجهه ويديه بقصد الوضوء التجديدي، ففي الصحة وجه مع تحقق سائر الشرائط.
(الثامن): إذا اغتسل للجمعة- مثلا- وكان الماء باقيا على محال وضوئه، فمسحها به، فالظاهر صحة وضوئه إذا تحقق سائر الشرائط.
(التاسع): اعتبار عدم الحاجب إنّما هو في كل عضو عند غسله فقط، فلو لم يكن في الوجه حاجب عند الاشتغال بغسله وكان في اليدين، ولكن يرفعه عند غسلهما يصح وضوؤه.
(الثاني): غسل اليدين (۲٥) من المرفقين إلى أطراف الأصابع (۲٦) مقدّما لليمنى على اليسرى (۲۷). و يجب الابتداء بالمرفق والغسل منه إلى الأسفل عرفا، فلا يجزي النكس (۲۸). والمرفق مركب من شيء من الذراع وشيء من العضد، ويجب غسله بتمامه وشيء آخر من العضد من باب المقدّمة (۲۹) وكلّ ما هو في الحدّ يجب غسله، وإن كان لحما زائدا، أو إصبعا زائدة (۳۰). و يجب غسل الشعر مع البشرة (۳۱)، ومن قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه غسل العضد (۳۲) وإن كان أولى (۳۳). و كذا إن قطع تمام المرفق (۳٤). وإن قطعت مما دون المرفق يجب عليه غسل ما بقي (۳٥)، فإن قطعت من المرفق- بمعنى إخراج عظم الذراع من العضد- يجب غسل ما كان من العضد جزءا من المرفق (۳٦).
بضرورة من الدّين، والكتاب المبين(۲٦)، والمتواترة من نصوص المعصومين(۲۷).
إجماعا، بل بضرورة من المذهب، وسنة مستفيضة، بل وكتابا أيضا في الجملة.
نصّا وإجماعا، وفي صحيح ابن حازم عن الصادق عليه السلام:
«في الرجل يتوضأ ويبدأ بالشمال قبل اليمين. قال عليه السلام: يغسل اليمين ويعيد اليسار»(۲۸).
و يأتي في الشرط العاشر من شرائط الوضوء ما ينفع المقام. ولو غسلهما معا بأن رمسهما في الماء دفعة، فظاهرهم البطلان. ويمكن المناقشة: بأنّ المتيقن من الإجماع غيره، كما أنّ الظاهر من الأدلة عدم جواز تقديم اليسرى على اليمنى. وأما المقارنة فهي ساكتة عنها.
لاستقرار مذهب الشيعة على الغسل من المرفق بحيث صار ذلك من شعارهم يعرفون بذلك في زمان أئمتهم، واهتمام الأئمة عليهم السلام به كاهتمامهم بواجبات الوضوء. مضافا إلى دعوى الإجماع في التبيان، وخبر التميمي:
«سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ. فقلت: هذا؟ ومسحت من ظهر كفي إلى المرافق.
فقال عليه السلام: ليس هكذا تنزيلها إنّما هي: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق ثمَّ أمرّ يده عليه السلام من مرفقه إلى أصابعه»(۲۹).
و الصحيح الحاكي لوضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: «فوضع الماء على مرفقه اليمنى فأمرّ كفه على ساعده»(۳۰)، وفي صحيح آخر: «فأفرغ على ذراعه اليمنى، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق»(۳۱).
و عن صفوان عن أبي الحسن عليه السلام: «ثمَّ يمسح إلى الكف- إلى أن قال- قلت له: أيرد الشعر؟ قال: إن كان عنده آخر فعل، والا فلا»(۳۲) وما عن أبي الحسن عليه السلام لعليّ بن يقطين بعد رفع التقية عنه: «و اغسل يديك من المرفقين»(۳۳).
و مجموع الأخبار على أقسام أربعة:
(الأول) المطلقات الدالة على وجوب الوضوء.
(الثاني): الوضوءات البيانية بالسنة شتّى.
(الثالث): ما اشتمل على لفظ: من المرفق(۳٤).
(الرابع): ما اشتمل على عدم رد الماء(۳٥) ولا بد من تقييد المطلقات بالأقسام الأخيرة. وأشكل على الوضوءات البيانية بأنّها قاصرة عن إفادة الوجوب، لاشتمالها على المندوبات أيضا، وعلى الثالث باشتماله على أنّ تنزيل الآية من المرافق، مع أنّ التنزيل (إِلَى الْمَرافِقِ. وعلى الأخير بأنّ النهي عن الرد أعم من وجوب الابتداء بالمرافق.
و الكل مردود: لأنّ كثرة اهتمامهم (عليهم السلام) بالابتداء من المرفق قولا وعملا ظاهرة في الوجوب، واشتمالها على المندوبات لأدلة خارجية لا يضر بظهور الوجوب من غير دليل على الندب فيه، والمراد بتنزيل الآية إنّما هو بحسب المراد، لا اللفظ. كما أنّ المقصود بالنهي عن رد الماء هو الغسل من الأصابع إلى المرافق، فلو لم يحصل للفقيه القطع بالوجوب من هذه الأدلة لما حصل له القطع في جملة من الأحكام لإمكان المناقشة في الجميع، وبعد ذلك لا وجه للتمسك بإطلاق الكتاب والسنة، لكون هذه الأدلة مفسرة لها. كما لا وجه لدعوى أنّ كلمة «إلى» غاية للمغسول لا الغسل، فما نسب إلى ابن إدريس من كراهة النكس، وإلى السيد من استحباب الابتداء بالمرفق. مردودان.
لا بد من البحث في جهات:
الأولى: وجوب غسل المرفق، وهو معروف بين العامة فضلا عن الخاصة، وعن المعتبر دعوى الإجماع عليه مما عدا (زفر)، ومن لا عبرة بخلافه. مع أنّ (زفر) مردد بين من هو ملعون، أو مجهول، فلا يضرّ خلافه، وعن الشيخ في الخلاف: «إنّه قد ثبت عن الأئمة (عليهم السلام) أنّ- إلى- بمعنى- مع»، وفي جامع المقاصد نقل: «أنّ- إلى- بمعنى- مع- في المقام عن المرتضى، وجمع ممن يوثق بهم». وقد تقدم خبر التميمي والصحيحين الحاكيين لوضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله فلا إشكال في الحكم من هذه الجهة.
الثانية: ظاهر الأدلة أنّ وجوب غسل المرفق أصليّ، لا أن يكون مقدميّا.
و قال في الجواهر: «إنّ التأمل في كلام القوم يشرف الفقيه على القطع بأنّ مرادهم به الوجوب الأصلي»، وما يظهر من بعض من كونه مقدميا منشأه النزاع في معنى المرفق، لا أن يكون النزاع في أصل وجوب غسله نفسيّا.
الثالثة: المشهور أنّ المرفق مركب من شيء من الذراع، وشيء من العضد. وعن بعض: أنّه خصوص رأس عظم الذراع الداخل في العضد. وعن آخر: عكس ذلك- أي رأس عظم العضد الداخل في الذراع. وعن ثالث:
مجمع العظمين المتداخلين. وعن رابع: أنّه الخطّ الموهوم المفروض على محلّ التداخل. ولا ثمرة عملية في هذا النزاع بعد وجوب غسل المرفق بتمامه نصّا وإجماعا. ويمكن جعل النزاع لفظيّا، فلا ثمرة علمية أيضا، لأنّ من يقول إنّه رأس عظم الذراع، أو رأس عظم العضد يريد به رأس العظم من حيث الدخل في عظم آخر، فيرجع إلى المشهور. كما أنّ القول الرابع هو القول المشهور أيضا لكن مع اختلاف التعبير.
الرابعة: وجوب تحصيل العلم بفراغ الذمة عما اشتغلت به مما يحكم به العقل، فيجب غسل شيء من العضد مقدمة لحصول العلم بالفراغ وقد تقدم في غسل الوجه أيضا.
لقاعدة الاشتغال، وأصالة بقاء الحدث، وإطلاقات الأدلة، وعدم الريب فيه- كما عن المدارك، وظهور الإجماع فيه.
للأصل، والإطلاق، وظهور الاتفاق، والمنساق من قوله عليه السلام: «كلّ ما أحاط به الشعر، فليس للعباد أن يطلبوه، ولا يبحثوا عنه»(۳٦) إنّما هو اللحية والحاجب والشارب، لوروده في الوجه. مع أنّه مقتضى القاعدة أيضا، لأنّ التقييد إذا كان مرددا بين الأقلّ والأكثر يرجع في غير المتيقن منه إلى الإطلاق، كما في المقام. فما عن كاشف الغطاء من كون شعر اليد، كالوجه مع الكثافة، لا وجه له، كما مر. ولأنّ المنساق عرفا من قوله عليه السلام: «ما أحاط به الشعر» هو الشعر الذي يكون إبقاؤه راجحا لا الشعر الذي تكون إزالته راجحة، وعلى هذا لو لطخ شعر يده بما يمنع عن وصول الماء إليه يبطل وضوؤه وإن كان كثير الشعر. نعم، لو لم يكن حاجبا، وكان من مجرد اللون، ولم يتبلل بالماء خارجا، وتوضأ ارتماسا، يمكن القول بالصحة، لصدق إحاطة الماء بالبشرة والشعر عرفا، وصدق الغسل كذلك.
لانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه قهرا، مع ظهور الإجماع على عدم الوجوب. وأما خبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«سألته عن الأقطع اليد والرجل؟ قال: يغسلهما»(۳۷)، وصحيح رفاعة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «سألته عن الأقطع اليد والرجل كيف يتوضأ؟
قال: يغسل ذلك المكان الذي قطع منه»(۳۸).
ففيه: مضافا إلى اشتماله على غسل الرجل الظاهر في الصدور تقية. أنّه يمكن حملها على القطع مما دون المرفق.
لاحتمال البدلية في خبر ابن مسلم، وخروجا عن خلاف المفيد والكاتب حيث نسب إليهما الوجوب. وأما صحيح ابن جعفر: «عن الرجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ما بقي من عضده»(۳۹).
فإن أمكن حمله على ما إذا بقي مقدار من مرفقه وجب غسله، كما يأتي.
و إلا فلا بد من حمله على الندب، لما تقدم من الإجماع على عدم وجوب غسل العضد، وقاعدة انتفاء الحكم بانتفاء الموضوع.
يظهر حكمه مما تقدم في القطع مما فوق المرفق، لانتفاء الموضوع في هذه الصورة أيضا.
للأصل والإجماع، وقاعدة الميسور. وقال في الجواهر: «من تتبع أدلة الباب عرف أنّه لا يسقط الوضوء بتعذر شيء من الأجزاء». مضافا إلى جملة من الأخبار:
منها: ما تقدم من صحيح رفاعة المحمول على ما إذا كان القطع مما دون المرفق إجماعا.
لجميع ما مرّ في سابقة، ولصحيح ابن جعفر عليه السلام المتقدم:
«عن الرجل قطعت يده من المرفق. قال عليه السلام: يغسل ما بقي من عضده» بناء على أنّ المراد به ما بقي من العضد الذي هو جزء من المرفق.
(مسألة ۱۱): إن كانت له يد زائدة دون المرفق وجب غسلها أيضا (۳۷) كاللحم الزائد. وإن كانت فوقه، فإن علم زيادتها لا يجب غسلها (۳۸) ويكفي غسل الأصلية، وإن لم يعلم الزائدة من الأصلية وجب غسلهما (۳۹)، ويجب مسح الرأس والرجل بهما من باب الاحتياط (٤۰)، وإن كانتا أصليتين (٤۱) يجب غسلهما (٤۲) أيضا، ويكفي المسح بأحدهما.
للإجماع، وظهور الأدلة في غسل اليد بما عليها من الزوائد.
لظهور الأدلة في غسل اليد الأصلية، دون الزائدة. وعن جمع وجوب غسلها أيضا، لقاعدة الاشتغال. وفيه: أنّه لا وجه لها في مقابل الأدلة الظاهرة في وجوب غسل الأصلية.
لقاعدة الاشتغال، وأصالة بقاء الحدث، فيجب غسلهما من باب الاحتياط.
للعلم الإجمالي بوجود اليد الأصلية فيهما، فيجب الاحتياط بالمسح بهما.
بأن يعلم كونهما كذلك، لا أن يعلم أنّ إحداهما أصلية، والأخرى زائدة واشتبهتا، كما في الصورة السابقة.
أما وجوب غسلهما، فللإطلاقات(٤۰) بعد صدق الأصلية بالنسبة إلى كل منهما. وأما كفاية المسح بإحداهما، فللإطلاق، والاتفاق بعد كون كل منهما أصلية.
(مسألة ۱۲): الوسخ تحت الظّفر إذا لم يكن زائدا على المتعارف لا تجب إزالته (٤۳) إلا إذا كان ما تحته معدودا من الظاهر، فإنّ الأحوط إزالته (٤٤) وإن كان زائدا على المتعارف وجبت إزالته (٤٥). كما أنّه لو قصّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهرا وجب غسله (٤٦) بعد إزالة الوسخ عنه.
لعدم كونه من الظاهر، وعدم وجوب غسل الباطن.
نسب الى المشهور وجوب الإزالة، لأنّ ما تحته من الظاهر، فتشمله الإطلاقات. وفيه: أنّ إطلاق كون ما تحت الأظافر من الظاهر مخدوش.
و استدل على عدم الوجوب تارة: بأنّه من الباطن. وفيه: أنّ هذا الإطلاق مخدوش.
و اخرى: بعدم ورود بيان من الشارع فيه مع أنّه عام البلوى، فيكون من الباطن. وفيه: أنّ الإطلاقات تكفي في البيان.
و ثالثة: بما ورد في رجحان إطالة النساء أظافيرهنّ(٤۱). وفيه: أنّها أعمّ من اجتماع الوسخ تحتها، مع أنّ ما ورد في النساء عدم استقصائهنّ لقطع الأظفار، وهو أعمّ من الإطالة كما لا يخفى.
و رابعة: بأنّه بعد الستر بالوسخ يلحق بما أحاط به الشعر. وفيه: أنّه قياس. والظاهر أنّ النزاع لفظيّ، فإن عدّ من الظاهر وجب غسله، وإن عدّ من الباطن لا يجب، وإن شك فيه يأتي حكمه في [مسألة ۲۳].
إن كان ما تحته من الظاهر تشمله الإطلاقات، فتجب الإزالة. وإلا فلا.
لشمول إطلاقات الأدلة له حينئذ.
(مسألة ۱۳): ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين إلى الزندين، والاكتفاء عن غسل الكفّين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل (٤۷).
لوجوب غسل تمام اليد مع الشرائط من المرفق إلى الأصابع في الغسل الواجب، والمفروض عدم تحققه، ولقاعدة عدم إجزاء المستحب عن الواجب.
(مسألة ۱٤): إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع، ويجب غسل ذلك اللحم أيضا ما دام لم ينفصل، وإن كان بجلدة رقيقة، ولا يجب قطعه أيضا ليغسل ما تحت تلك الجلدة (٤۸) وإن كان أحوط لو عدّ ذلك اللحم شيئا خارجيا، ولم يحسب جزءا من اليد.
أما وجوب غسل ما ظهر بعد القطع، فلأنّه من الظاهر حينئذ فتشمله إطلاقات الأدلة. وأما وجوب غسل الجلدة أيضا، فلأنّه من توابع المحلّ المغسول عرفا، كاللحم الزائد. وأما عدم وجوب قطعه، فللأصل. نعم، لو عدّ شيئا خارجيا ولم يحسب جزءا من البدن وجب قطعه حينئذ، لكون ما اتصل منه بالمحلّ من الحاجب. الا أن يقال: بانصرافه عن مثله ولعلّه لذلك جعل رحمه اللَّه: «الأحوط الإزالة».
(مسألة ۱٥): الشقوق التي تحدث على ظهر الكفّ من جهة البرد، إن كانت وسيعة يرى جوفها وجب إيصال الماء فيها (٤۹). والا فلا (٥۰)، ومع الشك لا يجب، عملا بالاستصحاب (٥۱)، وإن كان الأحوط الإيصال (٥۲).
لأنّها من الظاهر حينئذ، فيشملها ما دل على وجوب غسل الظاهر.
هذا مع عدم الضرر، والا فيأتي في أحكام الجبائر وفصل التيمم تفصيله.
لكونه من الباطن حينئذ، وتقدم عدم وجوب غسله، بل عدم جوازه مع الضرر.
إن كان المراد استصحاب بقاء كونه باطنا، أو استصحاب عدم وجوب غسله، فلا يجريان لأنّ الشك في أصل الموضوع، لفرض أنّ الشك في أنّه باطن أو ظاهر. نعم، لو كان سابقا باطنا يجري الاستصحاب بلا إشكال، وإن كان المراد استصحاب حصول الطهارة بعدم غسله قبل الانشقاق، فهو مثبت، مع أنّه تعليقيّ، ويأتي منه رحمه اللَّه الاحتياط الوجوبي في [مسألة ۲۳].
و يمكن المناقشة في كون الاستصحاب مثبتا، لأنّه إن أريد به إثبات كونه باطنا أولا، ثمَّ إثبات عدم وجوب غسله يكون من المثبت. ولكن يصح استصحاب عدم وجوب غسل الداخل قبل الانشقاق، فلا إثبات حينئذ. كما أنّه يصح الاستصحاب التعليقي أيضا.
و ما أشكل عليه مردود. بيان ذلك: أنّ البحث فيه تارة: من حيث المقتضي. واخرى: من حيث وجود المانع.
أما الأول: فلا ريب في أنّ المقتضي لاعتبار الاستصحاب التعليقي موجود، وهو عموم الأدلة، وإطلاقها الشامل للتعليقي، وغيره بعد تحقق اليقين السابق والشك اللاحق.
و أما الأخير: فما يتصور من المانع أمور:
الأول: أنّه من الشك في أصل الموضوع، فلا يجري الاستصحاب من هذه الجهة. وفيه: مضافا إلى عدم اختصاصه بالاستصحاب التعليقي. أنّه لا شك فيه، لأنّ الموضوع بحسب العرف داخل الانشقاق، فإنّه قبل الشق لم يجب غسل داخله، فيستصحب ذلك بلا شك في الموضوع.
الثاني: أنّه ليس في الاستصحابات التعليقية اليقين السابق لأجل التعليق، إذ لا وجود للمعلق الا بعد المعلق عليه، فلا يجري الأصل من حيث عدم المقتضي أيضا. وفيه: أنّ المستصحب إنّما هو الحكم التعليقي، وله نحو اعتبار صحيح عرفا وشرعا، ويكفي هذا النحو من الاعتبار في تحقق المستصحب، بلا فرق في القيد بين أن يكون للحكم أو للموضوع، لصحة الاعتبار وكفاية الوجود الاعتباري في المستصحب مطلقا.
الثالث: أنّه معارض بالاستصحاب المطلق، وقاعدة الاشتغال. وفيه: أنّه لا معنى للمعارضة، لأنّ الاستصحاب التعليقي يبين حد الاستصحاب المطلق، ويكون بمنزلة الشارح له، كما لا وجه لجريان قاعدة الاشتغال بعد صحة جريان الاستصحاب.
وتوهم: أنّه لا موضوع للشرح لوحدة منشأ الشك، والشارح والمشروح لا بد لهما من تعدد الوجود.
مردود: لكفاية الاختلاف الاعتباري في ذلك، لأنّ اعتبار الإطلاق والتنجيز في أحدهما والتعليق في الآخر من الاعتبارات الحسنة المتعارفة، ومقتضى الأصل والإطلاق عدم لزوم التغاير بأكثر من ذلك، ومع ذلك كله فالعرف أصدق شاهد على عدم الفرق بين الاستصحابات التنجيزية والتعليقية، فإذا القي على الأذهان السليمة المتعارفة قول: أكرم زيدا وقول: أكرم زيدا إن جاءك ثمَّ حصل الشك في بقاء الحكم فيهما لأجل جهة من الجهات، فهم بفطرتهم يجرون استصحاب بقاء الحكم في كلا القولين، بلا فرق بينهما في البين، فتكون الشبهة من قبيل الشبهة في مقابل البديهة. والظاهر أنّ بسط القول أكثر من ذلك لا وجه له مع وجود مباحث أهم منه.
ثمَّ إنّه يصح التمسك بأصالة الصحة في المقام بناء على جريانها في فعل نفس الحامل أيضا، كما هو مقتضى كونها من الأصول الامتنانية، ويأتي التفصيل في محلّه إن شاء اللَّه تعالى، كما يأتي بعض الكلام في [مسألة ۲۳].
هذا الاحتياط واجب بناء على عدم جريان الأصل. وأما مع جريانه، كما مرّ فهو من مجرد حسن الاحتياط.
(مسألة ۱٦): ما يعلو البشرة مثل الجدري عند الاحتراق- ما دام باقيا يكفي غسل ظاهره وإن انخرق (٥۳)، ولا يجب إيصال الماء تحت الجلدة (٥٤)، بل لو قطع بعض الجلدة وبقي البعض الآخر يكفي غسل ظاهر ذلك البعض (٥٥)، ولا يجب قطعه بتمامه (٥٦). ولو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه، لكن الجلدة متصلة قد تلزق، وقد لا تلزق يجب غسل ما تحتها (٥۷)، وإن كانت لازقة يجب رفعها، أو قطعها (٥۸).
لفرض كونه ظاهرا فتشمله الأدلة.
لأنّه من الباطن، وإنّما يجب غسل الظاهر فقط دون الباطن، ومنه يظهر وجه قوله: «بل لو قطع بعض الجلدة».
لأنّ انقطاع البعض لا يجعل الظاهر باطنا ولا الباطن ظاهرا فيجب غسل الظاهر ما بقي على ظهوره.
لإطلاق ما دل على كفاية غسل الظاهر.
لصيرورة ما تحتها ظاهرا عرفا حينئذ، فتشمله الأدلة.
لكون الجلدة حينئذ، كالحاجب الموجود، فيجب رفعه.
(مسألة ۱۷): ما ينجمد على الجرح عند البرء، ويصير كالجلد لا يجب رفعه، وإن حصل البرء، ويجزي غسل ظاهره، وإن كان رفعه سهلا (٥۹). وأما الدّواء الذي انجمد عليه وصار كالجلد، فما دام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة (٦۰) يكفي غسل ظاهره، وإن أمكن رفعه بسهولة وجب (٦۱).
لأنّه يعدّ جزءا من المحلّ، هذا إذا عدّ جزءا من البشرة، وإلا فحكمه حكم ما يأتي من الدواء، وإن شك في أنّه جزء أو لا، فالأحوط غسل ظاهره وباطنه إن سهل رفعه، والا يأتي حكمه في الجبائر.
على ما يأتي التفصيل في محلّه إن شاء اللَّه تعالى.
لإطلاق ما دل على وجوب غسل البشرة.
(مسألة ۱۸): الوسخ على البشرة إن لم يكن جرما مرئيا لا يجب إزالته، وإن كان عند المسح بالكيس في الحمام أو غيره يجتمع ويكون كثيرا، ما دام يصدق عليه غسل البشرة، وكذا مثل البياض الذي يتبيّن على اليد من الجصّ، أو النّورة إذا كان يصل الماء إلى ما تحته، و يصدق معه غسل البشرة (٦۲). نعم، لو شك في كونه حاجبا أم لا وجبت إزالته (٦۳).
كلّ ذلك، لإطلاقات الأدلة وعموماتها مع تعارف الوسخ في محالّ الوضوء خصوصا في الأزمنة القديمة، وليس المدار على أن لا يكون جرما مرئيا، بل المدار كلّه على صدق غسل البشرة عرفا، كان جرما مرئيا أم لا.
فرع: لا فرق في الوسخ بين ما لو حصل من الأجزاء الدهنية أو غيرها، فمع كونه وسخا يجب إزالته والا فلا. كما أنّ الألوان التي تستعملها النساء لو لم تكن مانعة عن وصول الماء إلى البشرة لا تجب إزالتها وإلا وجبت.
على المشهور، لقاعدة الاشتغال، كما لو علم بوجود حاجب وشك في أنّه يزول بمجرد صبّ الماء أو يحتاج إلى الدلك، وجب الدلك على الأحوط، وقد تقدم في [مسألة ۹] بعض الكلام.
(مسألة ۱۹): الوسواسي الذي لا يحصل له القطع بالغسل يرجع إلى المتعارف (٦٤).
لتنزل الأدلة على المتعارف، مضافا إلى صحيح ابن سنان الدال على أنّ عمل الوسواسي بعلمه من إطاعة الشيطان(٤۲).
(مسألة ۲۰): إذا نفذت شوكة في اليد، أو غيرها من مواضع الوضوء، أو الغسل، لا يجب إخراجها، إلا إذا كان محلّها- على فرض الإخراج- محسوبا من الظاهر (٦٥).
نفوذ الشوكة ونحوها في اليد على أقسام:
(الأول): ما إذا دخل في الباطن فقط ولم يحجب شيئا من الظاهر، فلا يجب إخراجه، لفرض عدم حجبها شيئا من الظاهر.
(الثاني): ما إذا حجب شيئا منه، ولا إشكال في وجوب إخراجه حينئذ مع عدم الحرج، لما دل على وجوب غسل الظاهر(٤۳). وأما مع الحرج فيأتي حكمه في الجبائر.
(الثالث): ما إذا نفذت الشوكة بحيث أدخل بعضا من الظاهر في الباطن، ففي وجوب إخراجه حينئذ إشكال، وإن كان أحوط.
(مسألة ۲۱): يصح الوضوء بالارتماس (٦٦) مع مراعاة الأعلى فالأعلى (٦۷). لكن في اليد اليسرى لا بد أن يقصد الغسل حال الإخراج (٦۸) من الماء حتّى لا يلزم المسح بالماء الجديد، بل وكذا في اليد اليمنى، الا أن يبقي شيئا من اليد اليسرى ليغسله باليد اليمنى، حتّى يكون ما يبقى عليها من الرطوبة من ماء الوضوء.
للإطلاق والاتفاق وتحقق استيلاء الماء على المحلّ الذي هو المناط في الغسل، كما مرّ.
لظهور دليل اعتباره في كونه شرطا في طبيعة الوضوء ارتماسيا كان أم لا. وهل يكتفى فيه بمجرد القصد- كما عن صاحب الجواهر- أو لا بد من تحريك المغسول في الماء بقصد ذلك؟ مقتضى الإطلاقات وسهولة الشريعة في هذا الأمر العام البلوى، وإطلاق ما يأتي من صحيح ابن جعفر هو الأول، وإن كان الاحتياط في الثاني.
مع بقاء قصد الوضوء إلى تحقق الخروج، والا عاد المحذور، فالوضوء الارتماسي يتصوّر على وجوه:
(الأول): ما إذا قصد الوضوء بمجرد الإدخال في الماء.
(الثاني): ما إذا قصده بالإبقاء فيه.
(الثالث): ما إذا قصده بمجرد الإخراج فقط، ويلزم المسح بالماء
الجديد في جميع ذلك.
(الرابع): ما إذا قصده بالإخراج وبقاء الماء على المحلّ.
(الخامس): أن يبقي من يده اليسرى شيئا، فيغسله باليمنى.
(السادس): أن يقصد الوضوء الصحيح الواقعيّ من غير التفات إلى شيء، والثلاثة الأخيرة صحيحة بلا إشكال.
(مسألة ۲۲): يجوز الوضوء بماء المطر، كما إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه مع مراعاة الأعلى فالأعلى، وكذلك بالنسبة إلى يديه، وكذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه (٦۹)، ولو لم ينو من الأول لكن بعد جريانه على جميع محالّ الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله، وكذا على يديه إذا حصل الجريان كفى أيضا، وكذا لو ارتمس في الماء ثمَّ خرج وفعل ما ذكر (۷۰).
لإطلاق الأدلة الدالة على كفاية استيلاء الماء على المغسول، مضافا إلى صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام:
«عن الرجل لا يكون على وضوء، فيصيبه المطر حتّى يبتلّ رأسه، ولحيته، وجسده، ويداه، ورجلاه هل يجزيه ذلك عن الوضوء؟ قال عليه السلام: إن غسله، فإنّ ذلك يجزيه»(٤٤).
و لكن لا بد من تحقق سائر الشرائط، لإطلاق أدلة اعتبارها كما يأتي، والظاهر أنّ ذكر المطر في الرواية من باب المثال، فيشمل الميزاب والأنابيب والدوش ونحوها.
كلّ ذلك لأنّ المناط تحقق الغسل، والمفروض تحققه بما ذكر.
و صب الماء على محلّ المغسول من مقدّمات تحقق الغسل، لا أن يكون من الأجزاء أو الشرائط الواجبة ويشهد له إطلاق ما تقدم من صحيح ابن جعفر بعد حمل المطر على المثال.
(مسألة ۲۳): إذا شك في شيء أنّه من الظاهر حتّى يجب غسله، أو الباطن فلا، فالأحوط غسله (۷۱) الا إذا كان سابقا من الباطن، وشك في أنّه صار ظاهرا أم لا (۷۲)، كما أنّه يتعيّن غسله لو كان سابقا من الظاهر ثمَّ شك في أنّه صار باطنا أم لا (۷۳).
لقاعدة الاشتغال، وأصالة بقاء الحدث، بلا فرق فيه بين كون المأمور به الطهارة الحاصلة من الغسلات والمسحات، أو نفس الغسلات والمسحات، لأنّها من حيث كونها محصّلة للطهارة تعلق الأمر بها، فيرجع الشك إلى تحقق المأمور به لا محالة، ولا يكون من الأقلّ والأكثر.
و فيه: أنّه يمكن المناقشة فيه بأنّ المنساق من قوله عليه السلام: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر»(٤٥) هو اتصاف المغسول بعنوان الظهور عرفا، فما يكون مشكوك الظهور خارج عن مورد الدليل، فيكون الشك في أصل تعلق التكليف به، والمرجع البراءة. وما هو المشهور من أنّ في الشك في المحصّل يتعين فيه الاحتياط إنّما هو في ما إذا كان التكليف واضحا ومبينا بحسب المتفاهم العرفي من الدليل. وأما لو كان المنساق منه خصوص غسل الظاهر المتصف بذلك، فهو خارج عن الدليل.
فيكون المرجع حينئذ استصحاب عدم وجوب غسله.
لأصالة وجوب غسله، فيكون الأصلان متعاكسين.
فروع- (الأول): المنساق من الأدلة عرفا: أنّه يعتبر عند الغسل إمرار اليد الغاسلة على المغسول، فلو عكس بأن أمسك اليد الغاسلة وأمرّ المغسول عليها لا يجزي. فتأمل، فإنّه يمكن حمل المنساق من الأدلة على الغالب.
(الثاني): لو حصل الغسل بإمرارهما معا لا يبعد الإجزاء.
(الثالث): قد تقدم أنّه يعتبر أن يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل، فلو غسل بإمرار اليد من الأعلى إلى الأسفل وبالعكس أيضا وقصد الغسل الصحيح حين مرور اليد من الأعلى إلى الأسفل، فالظاهر الصحة.
(الرابع): لا يضرّ غسل ما زاد عن الحدّ إن لم يكن بقصد التوظيف الشرعيّ مع مراعاة عدم لزوم المسح بالماء الجديد.
(الخامس): يعتبر أن يكون غسل اليدين بعد غسل الوجه، واليسرى بعد اليمنى، لما تقدم. فلو غسلها دفعة، فظاهرهم عدم الإجزاء كما لو ألقى نفسه في الماء بقصد الوضوء، ثمَّ خرج وأتى بالمسحات بعد تجفيف محالّها بما لا ينافي الموالاة وكما إذا أدخل يديه في الماء دفعة وتوضأ ارتماسا.
و يشهد للصحة إطلاق ما تقدم في صحيح ابن جعفر(٤٦)، وقد تقدم بعض القول فيه، ولعلّه يأتي تمامه في اعتبار الترتيب.
(السادس): لو أتى بالوضوء المأمور به مرتبا بتقديم الوجه على اليدين واليمنى منهما على اليسرى صح وضوؤه وإن لم يعرف يمينه عن شماله. وبعبارة أخرى: تحقق الترتيب واقعا يكفي ولا يعتبر العلم، بل لو غسل يمينه بزعم أنّها يسار ثمَّ غسل اليسار يصح وضوؤه مع تحقق سائر الشرائط.
(الثالث): مسح الرأس (۷٤) بما بقي من البلّة في اليد (۷٥) و يجب أن يكون على الربع المقدّم من الرأس (۷٦)، فلا يجزئ غيره، والأولى والأحوط الناصية (۷۷)، وهي: ما بين البياضين من الجانبين فوق الجبهة. و يكفي المسمّى ولو بقدر عرض إصبع واحدة أو أقلّ (۷۸). و الأفضل، بل الأحوط أن يكون بمقدار عرض ثلاث أصابع (۷۹)، بل الأولى أن يكون بالثلاث (۸۰). ومن طرف الطول أيضا يكفي المسمّى (۸۱)، وإن كان الأفضل أن يكون بطول إصبع (۸۲) وعلى هذا فلو أراد إدراك الأفضل ينبغي أن يضع ثلاث أصابع على الناصية ويمسح بمقدار إصبع من الأعلى إلى الأسفل وإن كان لا يجب كونه كذلك، فيجزئ النكس (۸۳)، وإن كان الأحوط خلافه (۸٤). و لا يجب كونه على البشرة، فيجوز أن يمسح على الشعر النابت في المقدّم (۸٥)، بشرط أن لا يتجاوز بمدّه عن حدّ الرأس، فلا يجوز المسح على المقدار المتجاوز وإن كان مجتمعا في الناصية (۸٦)، وكذا لا يجوز على النابت في غير المقدّم وإن كان واقعا على المقدّم (۸۷)، ولا يجوز المسح على الحائل من العمامة أو القناع أو غيرهما (۸۸) وإن كان شيئا رقيقا لم يمنع عن وصول الرطوبة إلى البشرة (۸۹). نعم، في حال الاضطرار لا مانع من المسح على المانع كالبرد، وإذا كان شيئا لا يمكن رفعه (۹۰). و يجب أن يكون المسح بباطن الكف (۹۱)، والأحوط أن يكون باليمنى (۹۲). والأولى أن يكون بالأصابع (۹۳).
كتابا(٤۷) وسنة وإجماعا من المسلمين، بل ضرورة من الدّين.
أي ببلة الوضوء. وأما كونه ببلة خصوص اليد، فيأتي في [مسألة ۲٥]، وكون المسح ببلة الوضوء فهو المشهور المدعى عليه الإجماع عن جمع، ولم ينسب الخلاف الا إلى ابن الجنيد، فيجوز المسح بالماء الجديد.
وامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ
و يدل على المشهور الوضوءات البيانية، وفي بعضها:
«لم يجدّد ماء»(٤۸)، وفي بعضها الآخر: «لم يعدهما في الإناء»(٤۹)، وفي صحيح زرارة: «و تمسح ببلة يمناك ناصيتك»(٥۰)، وفي وضوء المعراج:
«ثمَّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء»(٥۱)، وعن أبي الحسن عليه السلام في خبر ابن يقطين: «و امسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك»(٥۲).
و ظهورها في الوجوب مما لا ينكر.
و نوقش في الوضوءات البيانية: بأنّها أعمّ من الوجوب، وفي صحيح زرارة باحتمال كونه في مقام الإجزاء، وهو أيضا أعمّ من الوجوب، وفي خبر ابن يقطين بقصور السند.
و يرد الأولى: بأنّ التأكيد المذكور فيها بقوله عليه السلام: «لم يجدّد ماء» يجعلها ظاهرة في الوجوب.
و الثانية: بأنّه خلاف الظاهر.
و الأخيرة: بأنّه معتبر، لقرائن خارجية وداخلية، فلا وجه للمناقشة. وأما خبر ابن حماد عن الصادق عليه السلام: «في الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة قال: إن كان في لحيته بلل فليمسح به، قلت: فإن لم يكن له لحية؟
قال: يمسح من حاجبية أو أشفار عينيه»(٥۳). فهو قاصر سندا، مع إمكان حمله على جفاف ما في اليدين من البلّة.
و استدل ابن الجنيد بالإطلاقات كتابا وسنة. ويرد بأنّها مقيدة بما مرّ.
و بخبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «قلت: أمسح بما على يدي من الندى رأسي؟ قال: لا بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح»(٥٤).
و قريب منه خبر أبي عمارة(٥٥) وصحيح ابن خلاد(٥٦). وفيه: أنّ إعراض الأصحاب عنها أسقطها عن الاستناد إليها، مع أنّ فيها قرائن دالة على صدور الحكم تقية.
نصّا وإجماعا. قال أبو عبد اللَّه عليه السلام في صحيح ابن مسلم:
«مسح الرأس على مقدمه»(٥۷)، وعن أحدهما في مرسل حماد: «في الرجل يتوضأ وعليه العمامة. قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه»(٥۸).
إلى غير ذلك من الأخبار المقيدة للإطلاقات.
و أما خبر حسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام: «امسح الرأس على مقدمه ومؤخره»(٥۹) فهو شاذ مخالف للإجماع، مضافا إلى قصور السند، فلا يصلح للاستناد.
لذكرها بالخصوص فيما تقدم من صحيح زرارة، وفي خبر حسين بن زيد الوارد في مسح المرأة: «تمسح بناصيتها»(٦۰). وحينئذ فالأمر يدور بين تقييد المطلقات بها أو حملها على الأولوية، والظاهر أنّ غلبة المسح عليها بحسب العادة تمنع عن التقييد، كما في جميع القيود التي وردت كذلك.
للإجماع والإطلاق وقوله عليه السلام: «إذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف أصابعك فقد أجزأك»(٦۱) وفي صحيح زرارة(٦۲) عن أبي جعفر عليه السلام: «قلت له: ألا تخبرني من أين علمت. وقلت: إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك عليه السلام. وقال: يا زرارة قاله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ونزل به الكتاب من اللَّه عزّ وجل قال تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل- إلى أن قال- ثمَّ فصل تعالى بين الكلام فقال وامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ، فعرفنا حين قال «برؤوسكم» أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء».
و هذا الصحيح من المحكمات المشتمل على التفصيل والبيان، وإطلاقه يشمل الأقل من الإصبع أيضا، ويمكن كفاية المسمّى مطلقا من لفظ المسح الوارد في الأدلة أيضا، فإنّ المسح هو المس مع إمرار الماس على الممسوس ولا ريب في تحققه بمجرد صرف الوجود.
ثمَّ إنّ الصحيح ظاهر، بل نص في أنّ الباء بمعنى التبعيض، ونص على ذلك جمع من أئمة اللغة، وعن جمع من أئمة فقهاء العامة ذلك أيضا، فلا وجه بعد ذلك لإنكار سيبويه مجيئها للتبعيض.
لقول أبي جعفر عليه السلام في خبر معمر: «يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل»(٦۳)، وقوله عليه السلام في الصحيح:
«المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع ولا تلقي عنها خمارها»(٦٤).
المحمول على مطلق الرجحان جمعا، فما نسب إلى السيد والشيخ رحمهما اللَّه من وجوب المسح بثلاث أصابع مضمومة لخبر معمر. وإلى أبي عليّ من التفصيل بين الرجل فيجزي إصبع واحدة والمرأة بثلاث أصابع، للصحيح.
وما عن جمع من التحديد بالإصبع مطلقا. مردود بالإطلاقات الواردة في مقام البيان غير القابلة للتقييد.
و أما مثل خبر حماد: «يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه»(٦٥) لا دلالة فيه على تحديد المسح بمقدار الإصبع، لأنّ إدخال الإصبع تحت العمامة أعم من وقوع المسح بتمامها أو ببعضها، كما هو معلوم.
لاحتمال أن يكون هذا هو المراد بقوله عليه السلام في خبر معمر:
«قدر ثلاث أصابع».
لظهور الإطلاق والاتفاق، ويدل عليه ما تقدم من صحيح زرارة.
لما يدعى من أنّ المنساق عرفا من المسح بالإصبع طولها. ولكنه مردود بإطلاق ما تقدم من صحيح زرارة.
على المشهور بين المتأخرين، للإطلاقات الواردة في مقام البيان ولقول الصادق عليه السلام في الصحيح: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا»(٦٦)، وبصحة النكس في الرجلين بلا كلام، والمقطوع به عدم الفرق بين الرأس والرجل في المسح.
و نوقش في الأول بأنّها منزلة على المتعارف وهو من الأعلى إلى الأسفل.
(و فيه): أنّ التعارف لا يوجب التقييد، كما ثبت في الأصول. وفي الثاني بأنّ الشيخ رحمه اللَّه رواه في موضع آخر: «لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا»(٦۷)، وتعدد الرواية مع وحدة الراوي والمروي عنه بعيد (و فيه): أنّه لا بعد فيه، كما هو معلوم على الخبير. مع أنّ في الإطلاقات كفاية. وفي الثالث بأنّه قياس. وفيه: أنّ من يقول به يدعي القطع بعدم الفرق، وليس ذلك من القياس في شيء.
و أشكل على جواز النكس تارة: بأنّه موافق للعامة ولا بد من مخالفتهم.
و فيه: أنّ مخالفتهم من المرجحات في الجملة في مورد التعارض لا أن تكون دينا يدان به مطلقا في الأحكام، فإنّه ربما يكون مبغوضا. وما ورد من أنّ: «الرشد في خلافهم»(٦۸) إنّما هو في موارد ثبوت التعارض.
و اخرى: بدعوى الإجماع من الخلاف والانتصار على عدمه. وفيه: ما ثبت في محله من عدم الاعتبار بمثل هذه الإجماعات، خصوصا مع ظهور الخلاف من الناقل، فالأقوى هو الجواز.
فائدة: الأقسام في مسح الرأس تسعة: لأنّ مقدار ثلاث أصابع بناء على اعتباره ندبا، كما عن المشهور. أو وجوبا، كما عن بعض، أما في عرض الإصبع، أو في طولها، أو فيهما معا. والجميع: إما بالنسبة إلى عرض مقدم الرأس أو طوله أو هما معا. والمنساق إلى الذهن بالنسبة إلى الرأس الطول، وبالنسبة إلى الأصابع العرض خصوصا في خبر معمر الذي ذكر فيه الرأس مع الرجلين، لأنّ مقدار ثلاث أصابع فيه لا بد وأن يحمل على عرضها، لتحديد طول المسح فيهما بما يأتي إن شاء اللَّه. ولكن هذا المنساق خلاف الجمود على الإطلاق.
ظهر وجهه مما تقدم.
للإجماع محققا، ومنقولا مستفيضا، بل الظاهر كونه من الضروريات في الجملة، وتدل عليه الإطلاقات أيضا. ولفظ البشرة والناصية الواردة في بعض الأخبار(٦۹) أعمّ من فاقد الشعر وواجده إجماعا.
فرع: لا فرق بين كون الشّعر قليلا أو كثيرا بعد صدق كونه من شعر مقدم الرأس.
لقاعدة الاشتغال بعد الشك في شمول الأدلة لمثله، بل الظاهر عدم الشمول.
لما مرّ في سابقة، مضافا إلى دعوى الإجماع على عدم الإجزاء عن جمع.
نصّا وإجماعا، ففي صحيح ابن مسلم:
«عن أحدهما عليهما السلام عن المسح على الخفين والعمامة قال عليه السلام: لا تمسح عليهما»(۷۰).
و ما يدل على الخلاف، محمول على التقية، كما يأتي.
لظهور الأدلة في اعتبار عدم الحاجب بين الماسح والممسوح.
يأتي التفصيل في [مسألة ۳۳]، وفي أحكام الجبائر.
أما اعتبار كونه باليد، فللنص(۷۱) والإجماع، بل الضرورة وأما اعتبار كونه بالكفّ، فلظهور الأدلة فيه عرفا. وأما كونه بخصوص الباطن، فاستدل عليه بأنّه المنساق من الأدلة، ولكنّه خلاف الجمود على الإطلاق، ولذا قال الشهيد في الذكرى: «إنّ باطن اليد أولى».
المشهور، بل يظهر منهم الاتفاق على أنّ مسح الرأس باليمنى مندوب، للإطلاقات الواردة في مقام البيان في هذا الحكم العام البلوى وعن الإسكافي الوجوب، لقوله عليه السلام: «و تمسح ببلة يمناك ناصيتك»(۷۲).
و في كفايته لتقييد الإطلاقات الكثيرة، مع الوهن بإعراض المشهور عن ظاهره إشكال مع أنّه لو كان الحكم إلزاميّا لكان الاهتمام به كثيرا، بيانا من المعصوم عليه السلام، وسؤالا من الرواة. ووجه الاحتياط الخروج عن خلاف الإسكافي، وما تقدم من أنّه:
«يعجبه التيامن في طهوره»(۷۳) و: «أنّ اللَّه يحب التيامن في كلّ شيء»(۷٤).
أما عدم وجوب المسح بالأصابع، فللإطلاق، وظهور الاتفاق.
و اعترف في الجواهر: «بعدم مصرّح بالوجوب»، وما ذكر في الأخبار(۷٥) من الإصبع أو الأصابع ليس في مقام بيان اعتبار كون المسح بها، بل في مقام بيان ما يجتزى به وجوبا أو استحبابا، وأما كونه أولى، فللخروج عن خلاف ما نسب في الحدائق إلى جمع من وجوبه بها.
فروع- (الأول): لو خرج شعر الرأس بمده عن حد الرأس، ولكن مسح على خصوص المقدار الذي على الناصية غير الخارج عن الحد يصح ويجزي، ولو مسح في هذه الصورة من منبت الشعر إلى منتهاه الخارج عن الحد، فالظاهر الإجزاء إن لم يقصد التشريع في أصل المسح.
(الثاني): لو مسح زائدا على المقدار المندوب لا إشكال فيه إن لم تمتزج نداوة يده بماء الجبين، والا فيأتي تفصيله في [مسألة ۲٥]. وكذا يشكل لو قصد التشريع في أصل المسح.
(الثالث): لو مسح إلى الجبين مدة جاهلا بالحكم أو الموضوع، فإن علم بعدم اختلاط نداوة يده بماء جبينه يصح وضوؤه. وكذا إن شك فيه، لأصالة عدم الاختلاط، وإن علم به فيأتي حكمه في [مسألة ۲٥].
(الرابع): لا فرق في صحة المسح على الشّعر النابت في الناصية بين أن يكون متدليا إلى الأسفل، أو متعاليا إلى الفوق، أو منحرفا إلى أحد الطرفين، للإطلاق.
(الخامس): الشّعر المجتمع على الناصية إن كان بحيث خرج بمدّه عن حدّه ومع ذلك مسح عليه ووصلت النداوة إلى البشرة ولم يكن الشعر من الحائل يصح ويجزي، لصدق المسح على مقدّم الرأس عرفا.
(السادس): لو كانت ناصيته متلطخة بشيء يكون حائلا، يصح أن يرفع الحائل بقدر إصبع ويمسح ويجزي ذلك، كما لا يلزم رفع مثل العمامة عند المسح، بل يجزي إدخال الإصبع تحتها والمسح على البشرة، لما تقدم.
(السابع): لو شك في المسح، فإن كان في أثناء الوضوء يعيد وإن كان بعد الفراغ يصح وضوؤه.
(الثامن): لو مسح رياء وجب إعادة المسح.
(التاسع): لو نسي مسح رأسه، فمسح رجليه ثمَّ تذكر، فمع بقاء النداوة يمسح رأسه ويعيد مسح رجليه، ومع الجفاف يعيد الوضوء مع عدم بقاء الماء في محال الوضوء. والا فيأخذ منها فيمسح، والأحوط إعادة الوضوء.
(مسألة ۲٤): في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولا أو عرضا، أو منحرفا (۹٤).
كلّ ذلك، لإطلاق الأدلة، وتقدم أنّ الطول هو المنساق إلى الذهن بدوا. ولكنّه خلاف ظاهر الإطلاق.
(الرابع): مسح الرجلين (۹٥) من رؤوس الأصابع إلى الكعبين (۹٦) وهما: قبتا القدمين على المشهور (۹۷)، والمفصل بين الساق والقدم على قول بعضهم، وهو الأحوط (۹۸). و يكفي المسمّى عرضا ولو بعرض إصبع أو أقلّ (۹۹)، والأفضل أن يكون بمقدار عرض ثلاث أصابع (۱۰۰)، وأفضل من ذلك مسح تمام ظهر القدم (۱۰۱). و يجزئ الابتداء بالأصابع وبالكعبين (۱۰۲)، والأحوط الأول (۱۰۳). كما أنّ الأحوط تقديم الرجل اليمنى على اليسرى (۱۰٤)، و إن كان الأقوى جواز مسحهما معا (۱۰٥). نعم، لا يقدّم اليسرى على اليمنى (۱۰٦). والأحوط أن يكون مسح اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى (۱۰۷) وإن كان لا يبعد جواز مسح كليهما بكلّ منهما (۱۰۸). و إن كان شعر على ظاهر القدمين، فالأحوط الجمع بينه وبين البشرة في المسح (۱۰۹)، وتجب إزالة الموانع والحواجب واليقين بوصول الرطوبة إلى البشرة، ولا يكفي الظنّ (۱۱۰). ومن قطع بعض قدمه مسح على الباقي، ويسقط مع قطع تمامه (۱۱۱).
كتابا وسنة متواترة، وضرورة من المذهب. قال تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ(۷٦)، سواء قرئ «الأرجل» بالجر للعطف على ظاهر «برؤوسكم»، أو بالنصب عطفا على محلّه. واحتمال أنّ الجر للمجاورة. والنصب للعطف على الوجوه خلاف المأنوس بين الفصحاء والبلغاء، فكيف بكلام اللَّه تعالى الذي هو القدوة في الفصاحة والبلاغة.
لظاهر الكتاب، ودعوى الإجماع عن جمع من الأصحاب، وظواهر النصوص البيانية، بل القولية، كصحيح البزنطي:
«سألت أبا الحسن عليه السلام: عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم»(۷۷).
الوارد في مقام البيان والإجماع على عدم وجوب كونه بالكف لا يضر بظهوره في وجوب الاستيعاب الطولي من رؤوس الأصابع إلى الكعبين. وفي خبر يونس:
«أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم إلى الكعب، ومن الكعب إلى أعلى القدم، ويقول: الأمر في مسح الرجلين موسّع من شاء مسح مقبلا، ومن شاء مسح مدبرا، فإنّه من الأمر الموسع إن شاء اللَّه تعالى»(۷۸).
فلا وجه للاجتزاء بالمسمّى، للإطلاقات، وبما ورد في عدم وجوب استبطان الشراك، وكفاية مسح الرجل بإدخال اليد في الخفّ المخرق(۷۹)، للزوم تقييد ذلك كلّه بما مرّ. كما أنّ خبر الأخوين لا يدل على كفاية المسمّى:
«قال عليه السلام: وإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع، فقد أجزأك»(۸۰).
لصحة أن يكون قوله عليه السلام: «ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع» بدلا من قوله: «بشيء من قدميك» فلا يخالف مع ما تقدم، فيكون المراد بقوله: «بشيء من قدميك» نفي استيعابهما بالمسح كما يفعله غيرنا، لا عدم التحديد أصلا.
وفي المعتبر: «إنّه مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام، ولا خلاف بين الإمامية أنّهما في ظهر القدم». ويدل عليه أخبارهم المتواترة(۸۱)، ومقتضى الأصل العملي كفاية المسح إليهما أيضا، لأنّ المقام من الدوران بين الأقلّ والأكثر، سواء قلنا بأنّ المأمور به نفس الغسلات والمسحات، أم الطهارة الحاصلة منها. أما على الأول فواضح. وأما على الثاني، فلما تقدم من أنّها من الأسباب التوليدية للطهارة، ولا فرق في التوليديات بين تعلق التكليف بالأسباب أو بالمسببات، فيكون الشك على أيّ تقدير في أصل التكليف المردد بين الأقل والأكثر.
ثمَّ إنّ الأقوال في الكعب أربعة:
(الأول): أنّه العظمان النابتان عن يمين الساق وشماله، نسب ذلك إلى المعروف بين العامة، وأجمع أصحابنا على خلافه.
(الثاني): ما عن العلامة رحمه اللَّه من أنّه المفصل بين الساق والقدم.
و استدل عليه تارة: بالوضوءات البيانية من أنّه عليه السلام: «مسح على ظهر قدميه». وفيه: أنّ ذلك أعمّ من مدعاه، كما هو واضح.
و أخرى: بصحيح الأخوين عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الكعبين، فقال عليه السلام: هاهنا- يعني المفصل- دون عظم الساق، فقلنا: هذا ما هو؟ فقال: هذا من عظم الساق، والكعب أسفل من ذلك»(۸۲).
بدعوى: أنّ كلمة دون بمعنى عند، يعني: أنّ الكعب عند عظم الساق.
و فيه: أنّه مجمل وليس في القدم مفصل واحد، كما هو واضح. ولم يعلم أنّه أراد أيّ مفصل من مفاصله، ولا ريب أنّ معنى دون والأسفل من المعاني الإضافية القابلة الصدق على القريب والأقرب صدقا حقيقيا، فيصدق على قبة القدم أنّها عند عظم الساق أيضا، فلا وجه لتخصيص المفصل بخصوص مفصل الساق.
مع أنّه لا يمكن عادة أن يخفى هذا المعنى على الرواة والفقهاء في هذا الأمر العام البلوى في تلك القرون، والأعوام إلى عصر العلامة.
مضافا إلى أنّ حد مسح الرجل، وإن كان تعبديا، ولكن معنى الكعب ليس من التعبديات حتّى يتبع فيه قول المعصوم تعبدا، بل هو من الأمور اللغوية لا بد وأن يرجع إلى أهل اللغة والتشريح. ويمكن إرجاع قول العلامة إلى قول المشهور أيضا، فإنّ قبة القدم عند عظم الساق، ومتصل به عرفا.
(الثالث): ما عن الشيخ البهائي من: «أنّه عظم مائل إلى الاستدارة في ملتقى الساق والقدم، وله زائدتان في أعلاه وأسفله» وهو الذي يكون في رجل الغنم وربما يلعب به الناس، وقد ورد النهي عن اللعب بالكعب(۸۳)، وادعى رحمه اللَّه إطباق كلمات الفقهاء عليه وفيه: أنّ هذا الأمر المخفيّ الذي لا يعرفه الا الخواص من أهل التشريح كيف يصح أن يكون موضوع الحكم فيما هو عام البلوى للعوام في كلّ يوم وليلة مرّات ثمَّ إنّه كيف يمكن تطبيق كلمات الفقهاء عليه مع عدم الإشارة في كلماتهم الشريفة إليه؟
(الرابع): إنّهما قبتا القدمين، وهو المشهور بين الإمامية، بل وادعي إجماعهم عليه. وعن المدارك: «إنّ اللغويين من الخاصة متفقون على أنّ الكعب هو الناتئ في ظهر القدم- الى أن قال- بل الظاهر أنّه لا خلاف بين أهل اللغة في إطلاق الكعب عليه، وإن ادعى العامة إطلاقه على غيره أيضا».
و يمكن جعل النزاع لفظيا، لأنّ العظم الناتئ في ظهر القدم مستطيل ولطرفه المتصل بالساق حدود ثلاثة المفصل والعظمان الناتئان في يمين الساق وشماله، وما ذهب إليه الشيخ البهائي فذكر كلّ واحد حدّا من حدوده من حيث إنّه حدّه الذي ينتهي إليه، لا أنّ له موضوعية خاصة. هذا ولكنه بعيد عن ظاهر جملة من الكلمات، فراجع المطوّلات. ويمكن استظهار ما ذكرناه من بعض اللغويين أيضا، فجعل الكعب أولا كل مفصل والعظم الناشر فوق القدم، والعظمين الناشرين في جانبيه، فإنّ الظاهر منه أنّ الإطلاق من المشترك المعنوي، لا اللفظي، فما هو المشهور هو الكعب يقينا على هذا، الا إذا أثبت من يدعي وجوب زيادة المسح عليه بدليل، وإثباته مشكل، بل ممنوع، كما مر.
ثمَّ إنّه لا ثمرة مهمة لهذا النزاع بناء على دخول الغاية في المغيّى، لوجوب مسح تمام العظم الناتئ في ظهر القدم حينئذ حتّى يصل إلى المفصل فيتحد مع قول العلامة والشيخ البهائي. الا أن يقول العلامة بدخول الغاية في المغيّى، فيلتزم بمسح الساق أيضا ولا نظنّ التزامه به.
و لكن يمكن أن يقال: إنّ دخول الغاية في المغيّى إنّما هو بعضها في الجملة، لإتمامها. ثمَّ إنّه قد ادعي دخولها فيه في المقام. إما لأنّ كلمة- إلى- بمعنى (مع)، كما في قوله تعالى إِلَى الْمَرافِقِ، أو لدخولها فيه مطلقا، أو لأجل أنّ الغاية من جنس المغيّى، فلا بد من الدخول، أو لأنّ الكعب وقع غاية، فعن يونس:
«أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم إلى الكعب، ومن الكعب إلى أعلى القدم»(۸٤).
و المراد بأعلى القدم رؤوس الأصابع.
و لكن الكلّ مخدوش: إذ الأول لا دليل عليه الا القياس على المرفق، وهو باطل. والثاني والثالث لا كلية فيهما، بل يدوران مدار القرائن المعتبرة. والرابع أيضا أول الدعوى، لأنّ البداية كالنهاية لا وجه لدخولها في الحكم ما لم يدل دليل عليه. ولو شك في دخول الغاية في المغيّى وعدمه، فالمسألة من صغريات الأقل والأكثر، والمشهور فيها البراءة مطلقا.
ثمَّ إنّه قد استدل للمشهور مضافا إلى دعوى الإجماع، واتفاق أهل اللغة، وأنّه مناسب لمعنى الكعب فإنّ فيه معنى الارتفاع بجملة من الأخبار:
منها: صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام:
«سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم»(۸٥).
فإنّ زيادة الجملة الأخيرة سواء كانت بدلا أم بيانا، إنّما تكون لإيضاح معنى الكعبين، وبما ورد في حكاية وضوء أبي جعفر عليه السلام:
«ثمَّ وضع يده على ظهر القدم، ثمَّ قال: هذا هو الكعب. قال: فأومأ بيده إلى أسفل العرقوب. ثمَّ قال: هذا هو الظنبوب»(۸٦).
و الأول عصب غليظ ممتد من الساق إلى القدم، والثاني آخر الساق.
و بما ورد في قطع السارق فعن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إنّما يقطع الرجل من الكعب»(۸۷)، وعنه أيضا: «إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكف، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم»(۸۸).
و وسط القدم عبارة أخرى عن الكعب، وقد فصل الاستدلال للمشهور في المطولات بغير ما نقلناه، من شاء فليراجعها.
خروجا عن خلاف العلامة، والشيخ البهائي، فإنّ المسح الى المفصل مجمع الأقوال الثلاثة. وأما إلى عظمي الساقين، فاتفق الأصحاب على عدم اعتباره.
على المشهور، بل ادعي عليه الإجماع، للأصل وإطلاق الأدلة من الكتاب والسنة، وفي صحيح زرارة: «فقال تعالى وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما»(۸۹).
و احتمال أن يكون المراد بالبعض الظاهر في مقابل الباطن، خلاف ظاهر الإطلاق.
و في صحيح الأخوين عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا مسحت بشيء من رأسك، أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك»(۹۰).
و ظهوره في كفاية المسمى العرضي مما لا ينكر. واحتمال أن تكون كلمة (ما) موصولة وبيانا للشيء، فيدل على التحديد الطولي فقط، خلاف الظاهر.
مع أنّ إطلاقه ولو على هذا الاحتمال يدل على كفاية المسمّى العرضي أيضا، مضافا إلى أنّه لو كان تحديدا في العرضي لاشتهر وبان هذا الحكم العام البلوى، كيف وقد اشتهر الخلاف ويشهد لإجزاء المسمّى إطلاق ما دل على كفاية إدخال اليد في الخف المخرق(۹۱)، وما دل على أخذ البلة من الحاجب وأشفار العينين لمسح الرأس والرجلين(۹۲)، فإنّ بلتهما لا تبلغ المسح الا القليل من ظهر القدمين.
و عن الصدوق والأردبيلي وغيرهما وجوب كونه بتمام الكف للمطلقات وفيه: أنّ دلالتها على وجوب كونه بتمام الكف أو أقل أو أكثر من الترجيح بلا مرجح، فإما أن تدل على الاستيعاب العرضي، وهو خلاف الإجماع. أو على صرف الوجود وهو المشهور.
و لصحيح البزنطي: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على أصابعه فمسحها إلى الكعبين، فقلت جعلت فداك: لو أنّ رجلا قال: بإصبعين من أصابعه هكذا. قال عليه السلام: لا، الا بكفه كلها»(۹۳).
و فيه: مضافا إلى وهنه بهجر الأصحاب، أنّه محمول على الاستحباب جمعا بين أخبار الباب(۹٤). مع أنّ سؤال أبي نصر البزنطي الذي كان من أصحاب الكاظم عليه السلام عن حد الواجب لمسح الرجلين عن الرضا عليه السلام مع كثرة ابتلائه به بعيد، ولكن لا بعد في السؤال عن القدر المندوب.
و لخبر عبد الأعلى مولى آل سام عن الصادق عليه السلام: «عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللَّه عزّ وجل ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه»(۹٥).
فإنّه لو كان الواجب في المسح مجرد المسمّى لقال عليه السلام: امسح على غير هذا الظفر. وفيه مضافا إلى أنّه لو كان ظاهرا في الاستيعاب لوجب حمله على الندب، لكونه خلاف الإجماع حينئذ مع إمكان كون المرارة مستوعبة لتمام الأظفار، مع احتمال حصول الآفة بالنسبة إلى بقية الأظفار أيضا، فوضعت المرارة عليها أيضا، كما أنّه يمكن أن يكون ذكره عليه السلام لقاعدة الحرج لأجل تطبيقها على المندوب أيضا ولا محذور فيه.
و أما التحديد بقدر ثلاث أصابع لخبر معمر: «يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل»(۹٦).
ففيه: أنّ الخبر قاصر سندا، ومهجور لدى الأصحاب، فلا بد من حمله على الاستحباب جمعا بين أخبار الباب. وأما ما عن الغنية من التحديد بإصبعين، للإجماع. فمخدوش باستقرار الشهرة على الخلاف، فكيف يصح دعوى هذا الإجماع.
و أما ما عن المقنعة من التحديد بالإصبع، فليس له وجه ظاهر الا عدم تحقق المسح بدونه، ولا يخفى ظهور الخدشة فيه، بعد عدم الدليل على التحديد. فيجزي المسمّى، للأصل والإطلاق، كما في سائر الموارد التي لا تحديد فيها.
فروع- (الأول): لا يجزي المسح على باطن الرجلين وطرفيهما نصّا وإجماعا، ولا يجب مسح الباطن. وما يظهر منه الخلاف(۹۷)، شاذ مطروح.
(الثاني): يجب إدخال جزء من الكعب، مقدمة لحصول العلم بإتيان المأمور به.
(الثالث): يجب أن يكون مسح الرجلين بخصوص باطن الكف فقط لما مرّ في مسح الرأس، ويجزي بالأصابع فقط أو بهما معا، للإطلاقات وعدم ما يصلح للتقييد. قال في الجواهر: «و الظاهر تساوي جميع أجزاء الكف في المسح بها، لكنّه قال في الحدائق: «إنّهم ذكروا أنّ الواجب كونه بالأصابع» قلت: لم أقف على مصرّح به ولا دليل يقتضيه».
لما تقدم في خبر معمر.
لما مرّ من صحيح البزنطي المحمول على الندب، جمعا بينه وبين غيره، كما تقدم.
على المشهور، للإطلاقات، وقول أبي الحسن عليه السلام:
«الأمر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلا، ومن شاء مسح مدبرا، فإنّه من الأمر الموسع إن شاء اللَّه تعالى»(۹۸)، وعن الصادق عليه السلام: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا»(۹۹)، وفي خبر آخر: «لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا»(۱۰۰).
و احتمال إرادة الجمع بينهما خلاف المتفاهم العرفي. كما أنّ التبعيض بأن يمسح بعض الرجل الواحدة مقبلا وبعضها مدبرا خلاف المنساق منه. نعم، يصح أن يمسح اليمنى- مثلا- مقبلا، واليسرى مدبرا، للإطلاق، وظهور الاتفاق.
نسب الفتوى بتعينه إلى ظاهر جمع من القدماء، منهم: الفقيه والغنية والانتصار، وعن السرائر والبيان والألفية، التصريح به، للوضوءات البيانية وظهور (إلى) في الانتهاء، وقاعدة الاشتغال، وما تقدم من صحيح البزنطي.
و الكل مردود، لأنّ الوضوءات البيانية أعم من الوجوب مع معارضتها بصريح قوله عليه السلام: «الأمر في مسح الرجلين موسع» كما أنّ (إلى) في المقام غاية للممسوح، كما في المرفقين. مع أنّه لا وجه للأخذ بهذا الظهور على فرض كونه غاية للمسح في مقابل النص الدال على جواز العكس في مسح الرجلين وأنّه من الأمر الموسع. ولا وجه لقاعدة الاشتغال في المقام، إذ الشك في أصل التكليف، كما مرّ، لا المكلف به. وصحيح البزنطي محمول على الندب جمعا. فقوله عليه السلام: «من شاء مسح مقبلا، ومن شاء مسح مدبرا» حاكم على الجميع. نعم، لا ريب في حسن الاحتياط.
نسب إلى جمع من القدماء والمتأخرين: وجوب تقديم اليمنى على اليسرى، عن الصادق عليه السلام في خبر مسلم: «امسح على القدمين، وأبدأ بالشق الأيمن»(۱۰۱) وربما روي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله «أنّه كان إذا توضأ بدأ بميامنه»(۱۰۲)، وعن عليّ عليه السلام: «إذا توضأ أحدكم للصلاة، فليبدأ باليمنى قبل الشمال من جسده»(۱۰۳).
و الكل مخدوش، أما الإجماع فلذهاب المشهور إلى الخلاف، بل عن ابن إدريس: «لا أظنّ مخالفا منا فيه». وأما الأخبار فلقصورها سندا، مع هجر الأصحاب عنها. وعدم نهوضها لتقييد المطلقات الواردة في مقام البيان في هذا الأمر العام البلوى. وكذا الوضوءات البيانية المشتملة على الخصوصيات مع عدم التعرض للترتيب بين الرجلين ومن راجعها يطمئنّ بعدم وجوب الترتيب بينهما.
و لو كان لشاع، كما في الترتيب بين اليدين والرأس والرجلين، فلا بد من حملها على الندب. مضافا إلى معارضتها بالتوقيع الرفيع:
«سئل عن المسح على الرجلين بأيّهما يبدأ باليمين، أو يمسح عليهما جميعا معا. فخرج التوقيع: يمسح عليهما جميعا معا، فإن بدأ بأحدهما قبل الأخرى، فلا يبدأ إلا باليمين»(۱۰٤).
نسب إلى المشهور، للإطلاقات والعموميات، والوضوءات البيانية الساكتة عن الترتيب بين الرجلين. وما ذكر دليلا عليه قاصر عن إثباته، كما تقدم. وكيف يحتمل أن يكون الترتيب بينهما واجبا. ومع ذلك خفي على مثل الحميري حتّى يسأل عن الحجة عليه السلام في زمان الغيبة فيما مر من توقيعه، ويشهد لعدم الترتيب الدعاء(۱۰٥) الوارد عند المسح عليهما كما لا يخفى.
كما عن جمع من متأخري المتأخرين، لما تقدم من التوقيع الرفيع والإنصاف أنّ في كفايته لتقييد المطلقات القولية والفعلية الواردة في مقام البيان تأملا وإشكالا. مضافا إلى قصور سند الاحتجاج عن الاعتماد عليه، مع أنّ من عادتهم في نظائر المقام التي تأبى المطلقات عن التقييد جعل مثل هذه الأخبار من السنن والآداب.
ثمَّ إنّه قد يقال: إنّ خبر ابن مسلم يصح الاعتماد عليه، ويكفي في تقييد المطلقات. ولكنه مخدوش أولا: بأنّ في سنده أبا أيوب، وهو مشترك بين جمع يعسر عدّهم وتمييزهم. وثانيا: على فرض اعتباره- فالمطلقات آبية عن التقييد، إذ ليس كل مطلق قابلا له. والشك في القابلية يكفي في عدم التقييد. وثالثا: أنّ مطلق رجحان التيامن عند اللَّه تعالى، وعند النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وأوصيائه عليهم السلام يمنع عن استفادة الوجوب عنه.
جمودا على ما يأتي من صحيح زرارة.
للأصل، والإطلاقات. قال في الجواهر: «هل يجب المسح باليدين، أو يكفي بواحدة، وعلى الأول فهل يجب اليمنى واليسرى، أو يجزي الاختلاف؟ قد يظهر من جملة من الوضوءات البيانية المسح بهما معا، بل في حسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم: «و تمسح ببلة يمناك ناصيتك وما بقي من بلة يمناك ظهر قدمك اليمنى، وتمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى»(۱۰٦).
إلا أنّي لم أعثر على من نص على الوجوب، نعم، قد يظهر من بعض عبارات القدماء، كالحلبي في إشارة السبق. وقد عرفت حمل هذا الأمر بالنسبة إلى الناصية على الاستحباب. ولعله تكون قرينة على ذلك فيما نحن فيه، إذ تقييد النصوص والفتاوى بما يظهر من الوضوءات البيانية لا يخلو من إشكال، فلا يبعد حينئذ الاكتفاء بمسح يد واحدة لهما وبمسح اليمنى باليسرى، وبالعكس.
نعم، قد يقال: باستحباب ذلك، كما نص عليه الشهيد في النفلية، وفي التنقيح: «يجب أن يكون المسح باليد في الموضعين أعني الرأس والرجلين ولو بيد واحدة، وهو مما يؤيد ما ذكرناه».
أقول: يمكن ورود حسنة زرارة مورد المتعارف، لأنّ العادة والتعارف يقضيان بمسح طرف اليمنى باليد اليمنى، واليسرى باليد اليسرى، فلا يستفاد منها حكم شرعي لا وجوبا ولا ندبا.
المشهور وجوب كون مسح الرجل على البشرة، لأنّه المتفاهم من الأدلة في الرجل الذي لم تجر العادة بنبات الشعر عليه مستوعبا، كالرأس. وعن بعض صحة الاكتفاء بمسح الشعر، لصدق مسح الرجل مع مسحه أيضا، ولما مر من الخبر: «أنّ ما أحاط به الشعر، فليس للعباد أن يطلبوه»(۱۰۷). ونسب إلى بعض وجوب ذلك تنزيلا لشعر الرجل منزلة شعر الوجه واليدين، فكما يجب غسله فيهما، وجب مسحه في القدمين.
و الكل مخدوش، إذ الأخير قياس، والخبر ظاهر في شعر الوجه واليدين بقرينة أنّ إحاطة الشعر بظاهر القدم نادرة، مع أنّ في ذيله قرينة ظاهرة في خصوص الغسل، وهو قوله عليه السلام: «و لكن يجري عليه الماء»، فلا يشمل المسح وصدق مسح الرجل على مسح الشعر مبني على المسامحة، فالأقوى كفاية مسح البشرة، وطريق الاحتياط واضح. ولو كان قليلا، فالظاهر صدق المسح على البشرة مع القلة، فتشمله الإطلاقات.
أما وجوب إزالة المانع، فبضرورة المذهب، والنصوص الكثيرة الواردة في المنع عن المسح على الخف والعمامة. وفي خبر الكلبي عن الصادق عليه السلام:
«قلت: وما تقول في المسح على الخفين؟ فتبسم عليه السلام ثمَّ قال:
إذا كان يوم القيامة ورد اللَّه كل شيء إلى شيئه، ورد الجلد إلى الغنم، فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم؟!»(۱۰۸).
و أما وجوب تحصيل اليقين بوصول الرطوبة إلى البشرة، فلقاعدة الاشتغال.
و أما عدم كفاية الظن، فلأصالة عدم الاعتبار.
أما المسح على الباقي، فلقاعدة الميسور التي سنتعرض لها إن شاء اللَّه، وظهور الاتفاق. وأما السقوط مع قطع التمام، فلقاعدة انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه.
(مسألة ۲٥): لا إشكال في أنّه يعتبر أن يكون المسح بنداوة الوضوء (۱۱۲)، فلا يجوز المسح بماء جديد. والأحوط أن يكون بالنداوة الباقية في الكفّ (۱۱۳)، ولا يضع يده بعد تمامية الغسل على سائر أعضاء الوضوء، لئلا يمتزج ما في الكفّ بما فيها، لكن الأقوى جواز ذلك (۱۱٤). و كفاية كونه برطوبة الوضوء، وإن كانت من سائر الأعضاء، فلا يضرّ الامتزاج المزبور. هذا إذا كانت البلّة باقية في اليد وأما لو جفت، فيجوز الأخذ من سائر الأعضاء بلا إشكال (۱۱٥) من غير ترتيب بينها على الأقوى (۱۱٦). وإن كان الأحوط تقديم اللحية والحواجب على غيرهما من سائر الأعضاء (۱۱۷). نعم، الأحوط عدم أخذها مما خرج من اللحية عن حدّ الوجه كالمسترسل منها (۱۱۸). ولو كان في الكفّ ما يكفي الرأس فقط مسح به الرأس ثمَّ يأخذ للرجلين من سائرها، على الأحوط، وإلا فقد عرفت أنّ الأقوى جواز الأخذ مطلقا.
على المشهور، بل استقر المذهب عليه. ويدل عليه جملة من النصوص التي تقدم بعضها في مسح الرأس. وخلاف ابن الجنيد كدليله شاذ مطروح.
نسب ذلك إلى الأكثر. واستدل عليه بالوضوءات البيانية، وبما دل على المسح ببلة اليد(۱۰۹)، وبما دل على أخذ البلة من اللحية إن جف ما في اليد(۱۱۰)، وبقاعدة الاشتغال.
و الكل مخدوش، لأنّ الأول أعم من عدم الجواز. والثاني إنّما هو لأجل أنّ بلة اليد من بلة الوضوء، لا من جهة خصوصية خاصة في بلة اليد، ويشهد لذلك ذكر بلة الوضوء في بعض الأخبار(۱۱۱)، مضافا إلى أنّ ذكر بلة اليد من جهة الغالب، والقيود الغالبية لا تصلح للقيدية. مع أنّ جل هذه الأخبار في مقام النهي عن المسح بالماء الجديد، كما يفعله العامة وليس في مقام بيان اعتبار نداوة اليد فقط. وذكر الجفاف في الثالث من باب الغالب، فلا يدل على الاشتراط. وكذا في كلمات الفقهاء، كما اعترف به صاحب المدارك. والأخير محكوم بالإطلاقات، مع أنّ الشك في أصل تشريع إيجاب خصوصية بلة اليد من حيث هي، والمرجع فيه البراءة مطلقا، فيشكل الجزم بالوجوب، بل بالاحتياط الوجوبي أيضا، ولا ينبغي ترك الاحتياط. الا أن يقال: إنّ الظاهر من جميع قيود الوضوءات البيانية الوجوب الا ما خرج بالدليل. وهو أول الدعوى، كما لا يخفى.
نسب ذلك إلى جمع. قال في مصباح الفقيه: «فالأقوى جواز الأخذ مطلقا وفاقا لغير واحد من الأساطين المصرّحين بذلك، لإطلاقات الأدلة.
و دعوى أنّ العادة كما منعت المقيدات من ظهورها في التقييد، كذلك تمنع المطلقات من ظهورها في الإطلاق، فالمرجع في مثل المقام هو الاحتياط اللازم من قوله صلّى اللَّه عليه وآله: «لا صلاة إلا بطهور».
مدفوعة: بأنّ العادة وإن اقتضت عدم أخذ البلة من سائر المواضع ما دامت باقية في اليد إلا أنّها غير مقتضية للتحرز عن مباشرة سائر المواضع قبل المسح».
أقول: وهو الموافق لسهولة الشريعة في هذا التكليف العام البلوى، وما ذكره رحمه اللَّه من أنّ المرجع هو الاحتياط، مخدوش بما مر. وقال في الجواهر: «إنّ التأمل في كلمات الأصحاب والروايات يقضي بجواز الأخذ مع عدم الجفاف، بل فيها أمارات كثيرة على إرادة ذلك، كما لا يخفى على من لاحظها، ولعله الأوفق بسهولة الملة».
نصّا وإجماعا. وفي مرسل خلف بن حماد: «قلت له: الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة. قال: إن كان في لحيته بلل، فليمسح به.
قلت: فإن لم يكن له لحية. قال: يمسح من حاجبيه. أو أشفار عينيه»(۱۱۲)، وعن الصادق عليه السلام: «إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شيء، فخذ ما بقي منه في لحيتك، وامسح به رأسك، ورجليك وإن لم يكن لك لحية، فخذ من حاجبيك، وأشفار عينيك، وامسح به رأسك، ورجليك. وإن لم يبق من بلة وضوئك شيء أعدت الوضوء»(۱۱۳) وقريب منه غيره.
لصدق بلة الوضوء ونداوته بالنسبة إلى الجميع، وذكر اللحية لواجدها والحاجب والأشفار لفاقدها، إنّما هو من جهة كونها من مظان بقاء النداوة عادة، لا لأجل الخصوصية، فمثل هذه الأخبار إرشاد إلى تحصيل نداوة الوضوء من مظان وجودها. مع أنّه تكفي المطلقات الدالة على المسح بنداوة الوضوء، لصدقها على الأخذ من سائر المحال مطلقا. وانصرافها إلى اليد بدوي، كما أنّ ذكر اليد واليمنى في بعضها من باب الغالب. مضافا إلى ما عن بعض من دعوى الإجماع على عدم الترتيب، وما يأتي نقله عن صاحب الجواهر.
جمودا على النص(۱۱٤). ولكن ظاهرهم التسالم على عدم الترتيب قال في الجواهر: «لم أعثر على من أفتى بالترتيب بين اللحية وبين الحواجب والأشفار، بل جميع من وقفنا على كلامه، أو نقل إلينا لم يرتب ذلك».
لاحتمال صدق نداوة الوضوء بالنسبة إليه. ولكنه احتمال بدوي مخالف للصدق العرفي، لوضوح الفرق بينها وبين ما ينفصل عن محال الوضوء في إناء أو ثوب أو غيرهما، وصرّح في الجواهر في أول كلامه: بجواز الأخذ من المسترسل طولا وعرضا. وكذا في مصباح الفقيه. ولكنه مع ذلك مشكل، لأنّ المفهوم من بلة الوضوء ونداوته ما حصل بها الوضوء، لا ما زاد عنه بعد صب الماء على المحالّ التي وجب غسلها ولذا أفتى جمع منهم صاحب المستند بعدم الجواز، ويظهر من صاحب الجواهر في ذيل كلامه التردد فيه أيضا.
فروع- (الأول): يشكل أخذ النداوة لو حصل الجفاف بالعمد والاختيار، لإمكان دعوى انصراف الأدلة عنه.
(الثاني): الأحوط الأولى حفظ نداوة اليد مقدمة للمسح بها، هذا مع بقاء ماء الوضوء في سائر الأعضاء. والا فيجب مهما أمكن، ويأتي في [مسألة ۳۱] ما ينفع المقام.
(الثالث): بناء على جواز أخذ البلة من محال الوضوء مطلقا يشكل أخذها مما هو خارج عن الحد ووجب غسله مقدمة.
(الرابع): لو تعذر نقل الرطوبة وحفظها، يأتي حكمه في [مسألة ۳۱].
(الخامس): لو وقعت قطرة من ماء وجهه- مثلا- حين إرادة المسح على الممسوح، فالأحوط تجفيفها، إن لم تكن مستهلكة بالنسبة إلى نداوة اليد، وأولى بالإشكال ما إذا وقعت القطرة من لحيته- مثلا- على محل مسح رجليه.
(السادس): لو شك في أنّ النداوة الباقية في يده من نداوة الوضوء أو من غيرها، فمقتضى الأصل بقاء جواز المسح بها.
(السابع): لو وقعت قطرة من الماء الخارج على كفه حين إرادة المسح فمع استهلاكه في ماء الوضوء يصح المسح، ومع العكس لا يصح. وكذا مع الشك، لقاعدة الاشتغال.
(الثامن): لو علم إجمالا بوقوع ماء عليه إما على يده التي يريد أن يمسح بها، أو على سائر أعضائه يصح المسح بنداوة اليد، لعدم الأثر لهذا العلم الإجمالي.
(التاسع): لو أخذ بلة من وجهه- مثلا- لمسح رأسه يجوز له الأخذ ثانيا لمسح رجليه، للإطلاق الشامل لهذه الصورة أيضا.
(العاشر): لو شك في أنّ البلة المأخوذة يتأثر الممسوح بها أو لا يجب عليه تحصيل العلم به، ومع عدم الإمكان يجدد الوضوء.
(مسألة ۲٦): يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح (۱۱۹)، وأن يكون ذلك بواسطة الماسح لا بأمر آخر (۱۲۰). و إن كان على الممسوح رطوبة خارجة، فإن كانت قليلة غير مانعة من تأثير رطوبة الماسح فلا بأس (۱۲۱). وإلا فلا بد من تجفيفها (۱۲۲)، والشك في التأثير كالظنّ لا يكفي، بل لا بد من اليقين (۱۲۳).
لأنّه المنساق من الأدلة عرفا، كما في سائر موارد استعمالات المسح، كمسح الرأس- مثلا- بالدهن أو الطيب ونحوهما.
لتبادر ذلك من المسح في المتعارف، مع ظهور الاتفاق عليه.
لصدق تأثر الممسوح بنداوة الماسح حينئذ، فتشمله الإطلاقات لا محالة.
لما تقدم من وجوب تأثر الممسوح بنداوة الماسح، وظاهر الأدلة أن يكون ذلك التأثر بها مستقلا لا منضما مع شيء آخر.
أما عدم كفاية الشك والظن، فلأصالة عدم الاعتبار. وأما تحصيل اليقين، فلقاعدة الاشتغال.
(مسألة ۲۷): إذا كان على الماسح حاجب ولو وصلة رقيقة لا بد من رفعه، ولو لم يكن مانعا من تأثير رطوبته في الممسوح (۱۲٤).
لظهور الأدلة في اعتبار مباشرة الماسح مع الممسوح، وكذا يجب رفع الحاجب عن الممسوح أيضا، ولو لم يكن مانعا عن تأثير الرطوبة إلا في موارد الضرورة، ويأتي في الجبائر ما ينفع المقام.
(مسألة ۲۸): إذا لم يمكن المسح بباطن الكفّ يجزي المسح بظاهرها (۱۲٥)، وإن لم يكن عليه رطوبة نقلها من سائر المواضع إليه (۱۲٦) ثمَّ يمسح به، وإن تعذّر بالظاهر أيضا مسح بذراعه (۱۲۷)، ومع عدم رطوبته يأخذ من سائر المواضع (۱۲۸). و إن كان عدم التمكن من المسح بالباطن من جهة عدم الرطوبة وعدم إمكان الأخذ من سائر المواضع أعاد الوضوء، وكذا بالنسبة إلى ظاهر الكفّ فإنّه إذا كان عدم التمكن من المسح به عدم الرطوبة وعدم إمكان أخذها من سائر المواضع لا ينتقل إلى الذراع، بل عليه أن يعيد (۱۲۹).
للإطلاقات وقاعدة الميسور، وظهور الإجماع حينئذ، ومع إمكان المسح بظاهر الكف لا ينسبق إلى الأذهان الا تعينه، فلا وجه لاحتمال جواز المسح بباقي اليد، إذ الانسباق الذهني كالقرينة المحفوفة بالمقام.
لأنّ ظاهر اليد حينئذ كباطنها فيجري عليه حكم الباطن في نقل الرطوبة إليه وغير ذلك من سائر الأحكام.
لما تقدم في المسح بالظاهر من قاعدة الميسور، وظهور الإجماع.
لأنّ الذراع الماسح بها حينئذ كنفس الكف يجري عليه حكمها.
كل ذلك لقاعدة انتفاء المركب بتعذر بعض أجزائه، مضافا إلى ظهور الإجماع، وقاعدة الاشتغال مع إمكان تحصيل المسح الواجب، كما هو المفروض، وقوله عليه السلام في ما رواه الفقيه مرسلا: «و إن لم يبق من بلة وضوئك شيء أعدت الوضوء»(۱۱٥).
و حيث جرى ذكر قاعدة الميسور فلا بأس بالإشارة إليها إجمالا. فنقول:
هي تارة يعبّر عنها بقاعدة الميسور الكبرى، وهي تجري من أول الفقه إلى آخره.
و اخرى بالصغرى وموردها الوضوء، والصلاة، والحج لكثرة ما ورد فيها من الأدلة الخاصة الدالة على الإجزاء عند فقد بعض الأجزاء(۱۱٦)، وتقدم بعض أخبار المقام في الأقطع(۱۱۷)، ويأتي بعضها الآخر في الجبائر، فلا نحتاج فيها إلى عموم مثل قوله عليه السلام: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»(۱۱۸)، وقوله عليه السلام: «لا يسقط الميسور بالمعسور»(۱۱۹)، وقوله عليه السلام: «ما لا يدرك كله لا يترك كله»(۱۲۰).
و قال في الجواهر في مباحث الوضوء- ونعم ما قال-: «قد ثبت، من تتبع، كثير من أدلة هذا الباب: أنّه لا يسقط الوضوء بتعذر شيء من الأجزاء، كما عرفته في الأقطع وغيره، بل ربما يظهر أنّ ذلك قاعدة في كل ما يستفاد وجوبه من الأمر ونحوه، لتقييده بالقدرة قطعا، فتخص بذلك قاعدة سقوط الكل بتعذر الجزء».
وأما الصلاة فقد وردت فيها من الأدلة الثانوية الامتنانية ما لا تعد ولا تحصى، ويكفي ما أرسل إرسال المسلمات: «أنّها لا تسقط بحال»، وقاعدة (لا تعاد) الصغرى والكبرى وغير ذلك مما تعرضنا لها في كتاب الصلاة. وأما الحج فالأمر فيه أوسع لكثرة ما ورد فيه من اهتمام الشارع بأن لا يضيع سعي أمته في الحج والعمرة مهما أمكنه ذلك، حتّى حكم بالإجزاء في من مات بعد الإحرام ودخول الحرم، وقد تعرضنا لجميع ذلك في كتاب الحج من شاء فليرجع إليه.
و أما قاعدة الميسور الكبرى، فاستدل عليها أولا: بما تقدم من الأخبار.
و ثانيا: بالإجماع. وثالثا: بالمرتكزات، فالقاعدة من الفطريات في الجملة ويكفي في اعتبارها عدم ثبوت الردع، وقد ورد التقرير بالأخبار والإجماع.
و نوقش في الأخبار تارة: بقصور السند. واخرى: بأنّ المراد بالشيء في الحديث الأول الكلي لا الكل. وثالثة: بأنّ كلمة- من- بيانية ولفظ- ما- وقتية، فيكون المعنى وقت استطاعتكم وقدرتكم، وهو عبارة أخرى عن اعتبار القدرة فلا ربط له بالمقام. ورابعة بأنّ المراد بالميسور وبلفظ- ما- في ما لا يدرك كله- الكلي لا الكل، فلا ربط لها بالمقام.
و لكن المناقشات مردودة، لأنّ السند منجبر بالعمل والاعتماد في جميع الطبقات. والشيء من الألفاظ العامة الشاملة للكل والكلي. ولفظ- من- ظاهر في التبعيض، ولفظ: «ما» ظاهر في الموصول الا مع القرينة على الخلاف كظهور الميسور فيه، ولفظ: «ما» في: «ما لا يدرك كله لا يترك كله» في الأعم من الكل والكلي. ولكن بعد ذلك كله لا يعمل بالقاعدة إلا في مورد تشخيص الميسور بنظر الأصحاب أو العرف مع تقرير الفقهاء له، فالقاعدة جزء الدليل لإتمامه. هذا بعض ما يتعلق بها ونتعرض لبقية الكلام في مواضع أخرى إن شاء اللَّه تعالى.
(مسألة ۲۹): إذا كانت رطوبة على الماسح زائدة بحيث توجب جريان الماء على الممسوح لا يجب تقليلها (۱۳۰)، بل يقصد المسح بإمرار اليد وإن حصل به الغسل، والأولى تقليلها (۱۳۱).
لصدق المسح، فتشملها العمومات والإطلاقات، لأنّ النسبة بين المسح والغسل عموم من وجه، فمادة الاجتماع يجزي عن كل منهما مع تحقق قصد المسح الفارق بينهما، فمع قصده يكون مسحا وإن جرى الماء، ومع قصد الغسل يكون غسلا وإن لم يجر إذا صدق الغسل عرفا. فتحقق الجريان لا ينافيه مع عدم كون الغسل مقصودا. ويدل عليه صحيح أيوب بن نوح:
«عن المسح على القدمين؟ فقال عليه السلام: الوضوء بالمسح ولا يجب فيه الا ذاك، ومن غسل فلا بأس»(۱۲۱).
يعني أنّ من قصد المسح وحصل الغسل فلا بأس، ويشهد له مفهوم صحيح زرارة: «لو أنّك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثمَّ أضمرت أنّ ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء»(۱۲۲).
و خلاصة القول: أنّ الغسل والمسح من العناوين المتقوّمة بالقصد، فلا يضر تصادقهما خارجا مع قصد أحدهما، وقصد عدم الآخر، أو عدم قصده. مع أنّه لم يشر في حديث من الأحاديث- لا ابتداء من الإمام ولا سؤالا من الأنام- إلى تجفيف النداوة حتّى لا يحصل به الغسل في هذا الأمر العام البلوى، مع كثرة البلة خصوصا في الشتاء، وحصول بعض مراتب الغسل قهرا. وعلى ذلك ينزل خبر ابن مروان:
«يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل اللَّه منه صلاة. قلت: وكيف ذاك؟ قال عليه السلام: لأنّه يغسل ما أمر اللَّه بمسحه»(۱۲۳).
خروجا عن خلاف من قال بعدم الاجتزاء. ولم يأت بدليل يصح الاعتماد عليه.
(مسألة ۳۰): يشترط في المسح إمرار الماسح على الممسوح (۱۳۲) فلو عكس بطل. نعم، الحركة اليسيرة في الممسوح لا تضرّ بصدق المسح (۱۳۳).
لتقوّم المسح باليد بذلك في الاستعمالات المتعارفة، إذ المنساق منها إمرار الماسح على الممسوح الثابت في الجملة. ولو أمسك يده وأمرّ عليها رأسه يقال: مسح رأسه على يده، ولا يقال: مسح يده على رأسه. والمسح وإن كان من الأمور الإضافية، إلّا أنّ المسح باليد ظاهر فيما قلنا.
المدار على الصدق العرفي. فالحركة اليسيرة إن كانت بحيث لا تضرّ بالصدق العرفيّ، لا تمنع ومع عدم الصدق تمنع. وكذا مع الشك أيضا لقاعدة الاشتغال وإن أمكن الرجوع إلى أصالة عدم الحركة المانعة عن صحة المسح.
(مسألة ۳۱): لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح، من جهة الحرّ في الهواء أو حرارة البدن أو نحو ذلك، ولو باستعمال ماء كثير بحيث كلّما أعاد الوضوء لم ينفع، فالأقوى جواز المسح بالماء الجديد (۱۳٤). والأحوط المسح باليد اليابسة ثمَّ بالماء الجديد، ثمَ التيمم أيضا (۱۳٥).
كما عن جمع، منهم الشهيد، والمحقق في المعتبر، والمحقق الثاني في جامع المقاصد، لاختصاص اعتبار كون المسح ببلة الوضوء بصورة الإمكان فمقتضى قاعدة الميسور المعمول بها في الوضوء عند الفقهاء عدم سقوط المسح، ويدور الأمر حينئذ بين كونه باليد اليابسة أو بالماء الجديد.
و مقتضى المأنوس عند المتشرعة كون الثاني أقرب إلى ميسور المسح من الأول، فيتعيّن. هذا أحد الأقوال في المسألة.
و الثاني: تعين المسح باليد اليابسة، لقاعدة الميسور. وفيه: أنّ الميسور المسح باليد المبتلة بالماء الجديد عرفا، دون اليابسة.
الثالث: تعين التيمم. وفيه: أنّ الناظر في الأدلة ربما يقطع بأنّ الانتقال إليه إنّما يكون بعد عدم التمكن من أصل الوضوء، لا بعض خصوصياته. مع أنّه قال في الجواهر: «لم أعثر على مفت بالتيمم».
الرابع: سقوط المسح أصلا. وفيه: أنّه لا دليل عليه بعد أن كان الرجوع إلى الأخبار يقضي بعدم سقوط الطهارة المائية بمثل هذه الحوادث الخارجية، أو الحاصلة في محالّ الوضوء من قطع أو جرح أو كسر أو نحوها.
الخامس: الجمع بين جميع المحتملات للعلم الإجماليّ بوجوب أحدها.
و فيه: أنّه صحيح إن لم ينحل العلم بما يستظهر من الأدلة، وتقدم ما هو المستظهر.
ثمَّ إنّه لو لم نقل بوجوب أخذ الماء الجديد لا يكون أخذه مانعا عن صحة المسح، فيمسح بيده المبلّلة بالماء الجديد بقصد ما عليه في الواقع.
جمعا بين الأقوال الثلاثة. وفيه: أنّ دليل وجوب المسح باليد اليابسة- وهو القول الثاني- إنما هو قاعدة الميسور فقط، ولم يستدل على حرمة أخذ الماء الجديد بشيء، فيصح المسح باليد المبتلة بالماء الجديد بقصد التكليف الواقعي، ثمَّ التيمم أيضا، فيكفي في الاحتياط الإتيان بأمرين بنحو ما قلنا.
(مسألة ۳۲): لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده على الأصابع ويمسح إلى الكعبين بالتدريج، فيجوز أن يضع تمام كفّه على تمام ظهر القدم من طرف الطول إلى المفصل ويجرّها قليلا بمقدار صدق المسح (۱۳٦).
لإطلاق الأدلة الشامل للقسمين، مضافا إلى ظهور الاتفاق، وعدم ورود شيء في مثل هذا الأمر العام البلوى على تعيين أحد القسمين. إلا ما ورد في كيفية المسح وجوازه مقبلا ومدبرا(۱۲٤)، وصحيح البزنطي الوارد في بيان مقدار عرض المسح(۱۲٥) المحمول على الندب إجماعا، بل يمكن أن يستشهد بذيل خبر يونس من قوله عليه السلام: «الأمر في مسح الرجلين موسع»(۱۲٦) للمقام أيضا.
(مسألة ۳۳): يجوز المسح على الحائل كالقناع والخف والجورب ونحوها- في حال الضرورة من تقية أو برد يخاف منه على رجله، أو لا يمكن معه نزع الخف- مثلا- وكذا لو خاف من سبع، أو عدوّ، أو نحو ذلك مما يصدق عليه الاضطرار (۱۳۷) من غير فرق بين مسح الرأس والرجلين (۱۳۸). ولو كان الحائل متعدّدا لا يجب نزع ما يمكن (۱۳۹) وإن كان أحوط. و في المسح على الحائل أيضا لا بد من الرطوبة المؤثرة في الماسح، وكذا سائر ما يعتبر في مسح البشرة (۱٤۰).
كتابا وسنة وإجماعا. قال تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ(۱۲۷) وفي موثق أبي الورد عن أبي جعفر عليه السلام: «هل فيهما- أي المسح على الخفين- رخصة؟ قال عليه السلام: لا، إلا من عدوّ تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك»(۱۲۸).
و ذكر الثلج من باب المثال، فيشمل جميع مناشئ حصول الخوف، ولا فرق بين الخف وغيره إجماعا.
و قال الصادق عليه السلام: «ما من شيء حرّمه اللَّه تعالى إلا وقد أحله لمن اضطر إليه»(۱۲۹).
و الحرمة والحلية فيه أعم من النفسية والغيرية، وقد ارتكز في النفوس أنّ الضرورات تبيح المحذورات ولم يردع عنه الشارع، بل قرره بالكتاب والسنة(۱۳۰)، وتقتضيه قاعدة الميسور المعمول بها في الوضوء نصّا وإجماعا، كما تقدم.
إن قلت: نعم، ولكنه مخالف لقاعدة أنّ المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، مع أنّه قد ورد أنّه «لا تقية في ثلاث: شرب المسكر، والمسح على الخفين، ومتعة الحج»(۱۳۱).
قلت: أما الأول فلا يعارض الدليل الخاص الوارد في المقام، لأنّ القواعد العامة بمنزلة العمومات القابلة للتخصيص. وأما الثاني: فلا بد من حمله على ما إذا لم يكن ضرر وحرج في البين. وإلا فهو خلاف الكتاب والسنة والإجماع، فلا بد من حمله على ما ذكر في المطولات أو طرحه لمخالفته لظاهر الآيات والروايات.
لإطلاق الدليل الشامل لهما.
لظهور الإطلاق والاتفاق بعد عدم إمكان المسح على البشرة، ووجوب كونه على الحائل. هذا إذا كان بنحو المتعارف، وأما مع خروجه عنه فالدليل قاصر عن شموله، والمرجع حينئذ قاعدة الاشتغال. ويأتي نظير المقام في [مسألة ۲٤] من فصل أحكام الجبائر.
لإطلاق أدلة اعتبار تلك الأمور الشامل للمسح على الحائل أيضا، وما يستفاد من الأدلة(۱۳۲) من كون الحائل بمنزلة البشرة فيجري عليه حكمها، ويأتي في الجبائر بعض الكلام.
(مسألة ۳٤): ضيق الوقت عن رفع الحائل أيضا مسوّغ للمسح عليه (۱٤۱)، لكن لا يترك الاحتياط بضمّ التيمم أيضا (۱٤۲).
لأنّه من الضرورة أيضا، فيشمله إطلاق ما دل على جواز المسح على الحائل عند الضرورة. والجزم بالانصراف عنه مشكل، كما أنّ شمول أدلة التيمم لمثل المقام مشكل أيضا، وما يأتي في فصل التيمم من أنّ ضيق الوقت عن الطهارة المائية من مسوغاته إنّما هو الضيق عن تمام الطهارة، لا عن مثل الفرض.
لقاعدة الاشتغال بعد احتمال انصراف أدلة المسح على الحائل عن مثل الفرض.
(مسألة ۳٥): إنّما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ما عدا التقية إذا لم يمكن رفعها، ولم يكن بدّ من المسح على الحائل ولو بالتأخير إلى آخر الوقت (۱٤۳). و أما في التقية فالأمر أوسع (۱٤٤) فلا يجب الذهاب إلى مكان لا تقية فيه، وإن أمكن بلا مشقة، نعم، لو أمكنه- وهو في ذلك المكان- ترك التقية وإراءتهم المسح على الخفّ- مثلا- فالأحوط، بل الأقوى ذلك (۱٤٥) ولا يجب بذل المال لرفع التقية (۱٤٦) بخلاف سائر الضرورات (۱٤۷)، والأحوط في التقية أيضا الحيلة في رفعها مطلقا (۱٤۸).
لأنّ المتفاهم العرفي من التكاليف العذرية في الموقتات المسوغة إنّما هو العذر المستوعب في الوقت. إلا أن يدل دليل على الخلاف، ويأتي في الجبائر والتيمم ما ينفع المقام.
في التقية جهات من البحث نشير إلى بعضها إجمالا:
الأولى: في أصل تشريعها. ويدل عليه الأدلة الأربعة:
فمن الكتاب قوله تعالى إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً(۱۳۳).
و من السنة، المتواترة التي جمعها صاحب الوسائل في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(۱۳٤). ويكفي قوله عليه السلام: «لا دين لمن لا تقية له) (۱۳٥)، و«تسعة أعشار الدين التقية، ولا إيمان لمن لا تقية له»(۱۳٦) إلى غير ذلك من التعبيرات.
و من الإجماع محصّله ومنقوله، بل هي من ضروريات فقهنا.
و من العقل استقرار آراء العقلاء على تقديم الأهم عند الدوران بينه وبين المهم. والتقية من مصاديقه، كما هو معلوم، فهي من الأمور التي تحكم بها الفطرة السليمة، فلا اختصاص لها بمذهب وملة، بل جارية في جميع المذاهب والأديان والأعصار، كما ورد في تقية خليل الرحمن وغيره من الأنبياء عليهم السلام.
الثانية: موردها ما إذا تحقق فيه خوف نفسي أو عرضي، أو مالي، حاليا كان أو استقباليا، أو تودّد، وتجبّب، وألفه، ولو لم يكن خوف في البين، والدليل على هذه التوسعة إطلاق الأدلة المرغبة فيها، ففي رسالة أبي عبد اللَّه عليه السلام إلى أصحابه: «و عليكم بمجاملة أهل الباطل»(۱۳۷) وقوله عليه السلام: «عليكم بالتقية فإنّه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجية مع من يحذره»(۱۳۸)، وقوله عليه السلام: «صلّوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم»(۱۳۹)، وقوله عليه السلام: «إن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فإنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية رحم اللَّه جعفرا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا:
هؤلاء الجعفرية فعل اللَّه بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه»(۱٤۰)، وقوله عليه السلام: «من صلّى معهم وهو على وضوء إلا كتب اللَّه له خمسا وعشرين درجة»(۱٤۱)، وقوله عليه السلام: «من صلّى معهم في الصف الأول كان كمن صلّى خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله»(۱٤۲).
إلى غير ذلك مما ظاهره الترغيب فيها الدالة على أنّ تحقق التحبب والتودد و زوال المنافرة أيضا من موجباتها، فكيف بمورد الخوف. ولا ريب في أنّ زوال المنافرة وتحقق المودة بين أفراد المسلمين أهم من ترك قيد أو جزء في عمل فرعي، لكثرة اهتمام النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وأوصيائه المعصومين بذلك، كما لا يخفى على من راجع حالاتهم، فهي واجبة إما مع الضرر والخوف للأدلة العامة وإما مع عدمهما وتحقق المودة وزوال المنافرة، فلما تقدم من الأدلة الظاهرة في الوجوب. وقصور بعضها من حيث السند لا يضر بالاستدلال بعد كون المجموع من المستفيض، ولكن مع ذلك كله ففي سقوط الواقع في التقية المجاملية إشكال، إذ لا يستفاد من أدلتها أزيد من الإرشاد إلى المجاملة معهم.
ثمَّ إنّ التقية تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة التكليفية: وجوبا، وحرمة وندبا، وكراهة، وإباحة. فالواجب: ما كان فيه خوف الضرر. والحرام: ما لم يتحقق فيها شرائطها. والمندوب: ما إذا أتى بالعمل الواقعي ثمَّ أعاد العمل معهم مع عدم ترتب ضرر على عدم الإعادة. والمكروه: ترك ذلك بناء على أنّ ترك المندوب مكروه. والمباح: كالتقية معهم في العبادات غير الشرعية مع عدم ترتب عنوان آخر عليه.
الثالثة: مقتضى إطلاقاتها وعموماتها المرغبة إليها أنّه لا يعتبر عدم المندوحة في التقية لورودها في مقام البيان ولم يشر إليه فيها، وهو الموافق لسهولة الشريعة في هذا الأمر العام البلوى بين المسلمين، بل اعتبارها يوجب إلقاء المنافرة خصوصا بالنسبة إلى العوام الذين لا يلتفتون إلى جملة من الأمور، وقد شرّعت التقية لزوال المنافرة.
نعم، في مكاتبة إبراهيم بن شيبة:
«كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: «أسأله عن الصلاة خلف من يتولّى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يرى المسح على الخفين، أو خلف من يحرم المسح وهو يمسح؟ فكتب عليه السلام: إن جامعك وإياهم موضع لا تجد بدّا من الصلاة معهم، فأذن لنفسك وأقم، فإن سبقك إلى القراءة فسبّح»(۱٤۳).
و فيه: مضافا إلى قصور السند، قصور الدلالة أيضا، لأنّ إمام الجماعة غير مبال بدينه، ولا يصح وضوؤه لا عند الشيعة ولا عند العامة، فالحديث أجنبيّ عن المقام. مع أنّه يمكن حمله على ما إذا لم يتحقق فيه موضوع التقية، ولا الموادة، والمجاملة، وتقييد المطلقات الكثيرة بمثله مشكل جدّا. وعلى فرض صحة سنده ودلالته، لا بد من حمله على الاستحباب كسائر ما جمعه في الوسائل في باب الجماعة(۱٤٤)، ومثله خبر الدعائم: «فصلّوا في بيوتكم ثمَّ صلّوا معهم، واجعلوا صلاتكم معهم تطوعا»(۱٤٥).
فإنّه مضافا إلى قصور سنده، محمول على الندب، كما حملنا عليه المكاتبة.
الرابعة: لم يرد تحديد من الشرع في الضرورة والخوف الموجبان للتقية، بل هما موكلان إلى المتعارف. قال أبو جعفر عليه السلام: «التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به»(۱٤٦).
و يدل عليه إطلاق قوله عليه السلام أيضا: «التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله اللَّه له»(۱٤۷).
و قيد الاضطرار والضرورة في مثل هذه الأخبار لا ينافي ثبوتها في غير مورد الاضطرار من مورد المجاملة وغيرها، كما مر، لإطلاق تلك الأدلة الواردة مورد الألفة والموادة التي تأبى سياقها عن التقييد بالاضطرار، لأنّ الائتلاف والموادة شيء، والاضطرار شيء آخر. وكذا لا تحديد للمجاملة والموادة الموجبة لها، وهي أيضا عرفية وتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والعادات.
الخامسة: مقتضى الإطلاقات والعمومات عدم الفرق في صحة التقية بين ما ورد فيه نص بالخصوص كالصلاة والمسح على الخفين ونحوهما وما لم يرد، لكفاية العموم والإطلاق في صحتها مطلقا، إلا إذا ورد دليل على المنع. كما أنّ مقتضاها عدم الفرق بين ما إذا علم ببطلان عملهم أم لا. كما لا فرق بين الأمور الوجودية والعدمية، كل ذلك للإطلاق والعموم، فلا وجه للتفكيك بين مفادهما من هذه الجهات، مع أنّ مقتضى جملة كثيرة من الأخبار(۱٤۸) بطلان عباداتهم مطلقا، لفقد الولاية، وهي أيضا دالة على عدم الفرق من هذه الجهة، بل مقتضى قوله عليه السلام: «ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر، ومسح الخفين، ومتعة الحج»(۱٤۹). صحة التقية فيما سواها مطلقا حتّى في الوقوف بعرفات ونحوه.
و كذا مقتضى قوله عليه السلام: «إنّما جعل التقية لتحقن بها الدم. فإذا بلغ الدم، فليس تقية»(۱٥۰).
فإنّه يدل على تعميمها لكل شيء إلّا في الدم. نعم، لا بد من التفصيل بين موارد الإضرار بالغير، وليس هنا محل تفصيل ذلك، ويأتي في الجهة التاسعة بعض ما يرتبط بالمقام.
السادسة: مورد التقية التي تكون أوسع من سائر الضروريات ما كان له ربط بالدين، سواء كان بلا واسطة أم معها، لإطلاق قولهم عليهم السلام: «التقية دين اللَّه عزّ وجل»(۱٥۱) فكل ما صح انتسابه إلى الشارع تأسيسا أو إمضاء تجري فيه التقية، سواء كان حكما، أم موضوعا، أم ما له دخل فيهما فتشمله العمومات والإطلاقات الواردة في الباب، كما لا يخفى، فتجري في القضاء، والوقوف بعرفة، وأول الشهر، والعيد، وغير ذلك مما له دخل في الدّين.
السابعة: تشريع التقية إنّما هو لرفع الاختلاف وتحقق الوحدة والائتلاف والتسهيل والامتنان على الناس. وذلك كله يقتضي الصحة والإجزاء في مورد التقية مطلقا بلا إعادة ولا قضاء، لأنّ إيجابها في موردها من موجبات المنافرة والبغضاء، فهذا ينافي حكمة تشريعها. ويدل على ذلك أيضا إطلاقات أدلة التقية و عموماتها، والأخبار الكثيرة المرغبة إليها بالسنة شتّى، وما دل على أنّها دين اللَّه. ولا وجه للإعادة أو القضاء بالنسبة إلى ما هو دين اللَّه تعالى، فهي مثل سائر الأدلة الامتنانية التسهيلية المستفادة منها الصحة والإجزاء، فلا وجه للتمسك بوجوب الإعادة أو القضاء بقاعدة الاشتغال، لكونها محكومة بإطلاقات أدلة التقية وعموماتها.
نعم، قد يتمسك لعدم الإجزاء بما ورد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في الصوم حين ورد عليه السلام على أبي العباس في الحيرة في يوم كان عنده عيدا ولم يكن عند الإمام عليه السلام عيدا من قوله: «فأكلت معه وأنا أعلم واللَّه إنّه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي ولا يعبد اللَّه تعالى»(۱٥۲).
و فيه مضافا إلى قصور السند، معارضته بغيره مما لم يذكر فيه القضاء مع وقوع الاعتراض عليه في ذلك، ففي خبر داود بن الحصين(۱٥۳) عن رجل عنه عليه السلام: «فدنوت فأكلت قال: وقلت: الصوم معك والفطر معك، فقال الرجل لأبي عبد اللَّه عليه السلام: تفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال عليه السلام: إي واللَّه أفطر يوما من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي» فإنّه في مقام البيان والتفصيل والسؤال، وقد جرت عادة الفقهاء على حمل مثل هذه الأخبار على الندب، فليحمل ما فيه القضاء على الندب أيضا جريا على العادة. مع أنّ في الحمل عليه إشكالا، لقوة احتمال أنّه عليه السلام اتقى في قوله عليه السلام: «و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي» بعض جهلة الشيعة. فإنّ اتقاءهم عليهم السلام من جهال شيعتهم كان كاتقائهم من العامة، بل أشد، كما لا يخفى على الخبير.
و قد يتمسك لعدم الإجزاء أيضا بما ورد في صلاة الجماعة من قوله عليه السلام: «ما منكم أحد يصلّي صلاة فريضة في وقتها، ثمَّ يصلّي معهم صلاة تقية، وهو متوضئ الا كتب اللَّه له بها خمسا وعشرين درجة، فارغبوا في ذلك»(۱٥٤) ونحوه غيره.
و فيه: أنّ هذه الأخبار في مقام الترغيب إلى هذا العمل تحريضا على المعاشرة معهم والحضور في جماعتهم لئلا يندرس المذهب الجعفري بالكلية، ولا منافاة بين كون العمل مطلوبا وبين الإجزاء مع عدم الإتيان به، لأنّ مثل هذه الأخبار في مقام ترتّب الثواب على هذا العمل، ولا تدل بنحو من الدلالات المعتبرة على عدم الصحة في غير مورده. فيكون هذا نحو عمل مندوب في حد نفسه، لا أن يكون لأجل بطلان العمل الذي يؤتى به تقية، فيكون مثل ما إذا صلّى شخص منفردا. ثمَّ وجد من يصلّي تلك الصلاة جماعة، فيستحب له إعادتها جماعة، لا أن تكون صلاته الأولى باطلة على ما يأتي في [مسألة ۱۹] من آخر صلاة الجماعة.
الثامنة: مقتضى الإطلاقات والعمومات الواردة في التقية أنّه لا يعتبر فيها عدم القدرة على الحيلة في دفعها. وأما خبر ناصح المؤذن: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: «إنّي أصلّي في البيت وأخرج إليهم. قال عليه السلام: اجعلها نافلة، ولا تكبّر معهم فتدخل معهم في الصلاة، فإنّ مفتاح الصلاة التكبير»(۱٥٥).
ففيه: مضافا إلى قصور السند، ظهور التنافي بين قوله عليه السلام:
«اجعلها نافلة»، و«لا تكبّر معهم»، إذ لا صلاة إلا بالتكبير. الا أن يكون المراد كبّر في نفسك ولا تكبر معهم، أو لا تكبر معهم بعنوان الفريضة، لسقوط أمرها بالإتيان بها. ويشهد له خبر عبيد بن زرارة عنه عليه السلام أيضا قال:
«قلت: إنّي أدخل المسجد، وقد صلّيت، فأصلّي معهم فلا أحتسب بتلك الصلاة قال: لا بأس. وأما أنا فأصلّي معهم وأريهم، أنّي أسجد وما أسجد»(۱٥٦).
و يستفاد من ذيله رجحان إراءة الدخول في صلاتهم حتّى لمن صلّى أيضا.
هذا إذا كانت التورية موجبة للتحير في الجملة، وتزلزل العامل بها بحيث يعرف أنّه يعمل بالتورية. وأما إن لم يكن كذلك بل أمكن العمل بمذهب الحق بلا محذور فيه أبدا وإراءتهم أنّه يعمل بمذهبهم، ففي سقوط التكليف الواقعي حينئذ إشكال، بل منع، لأنّ التمسك بعمومات التقية تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، ومقتضى قاعدة الاشتغال بقاء التكليف الواقعي ويمكن حمل خبر عبيد بن زرارة على ذلك. ويشهد له ما ورد في الإحرام من العقيق(۱٥۷).
التاسعة: لو شك في صحة عملهم عندهم وعدمها، فمقتضى قاعدة الصحة في فعل المسلم الحمل على الصحة، فيتحقق موضوع التقية وأما لو علم ببطلان عملهم حتّى عندهم، فالظاهر عدم شمول أدلة التقية له حينئذ، لأنّه ليس من دين اللَّه تعالى في شيء حتّى عند الفاعل، وتقدم أنّ مورد التقية لا بد وأن يكون له تماس بدين اللَّه في الجملة، فلا يجزي ولا تسقط الإعادة أو القضاء.
نعم، يصح الارتكاب للمجاملة، بل يجب مع الخوف ولكن كيف يحصل العلم ببطلان عملهم عندهم.
العاشرة: مقتضى إطلاقات التقية وعموماتها شمولها، لجميع الأقسام الممكنة ثبوتا، فقد ينزل الشارع في موردها فاقد الجزء والوصف منزلة الواجد، وواجد المانع منزلة الفاقد، بل يصح أن ينزّل المعدوم منزلة الموجود تشريعا، لاستيلاء الشارع وتسلطه على ذلك كله، والقول بالاختصاص بأحد الأقسام مخالف للإطلاق بلا دليل عليه. وما ذكر في جملة من الأخبار(۱٥۸) من الأفعال الوجودية كالصلاة وحضور جنائزهم ومساجدهم إنّما هو من باب الغالب، فلا يصلح لتقييد الإطلاقات والعمومات(۱٥۹).
و يشهد له موثق أبي بصير قال: «قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: التقية من دين اللَّه. قلت: من دين اللَّه؟ قال: إي واللَّه من دين اللَّه لقد قال يوسف:
(أيتها العير إنّكم لسارقون) واللَّه ما كانوا سرقوا شيئا ولقد قال إبراهيم: (إني سقيم) واللَّه ما كان سقيما»(۱٦۰).
فنزّل عليه السلام عدم السرقة منزلة السرقة في تطبيق التقية عليه، ومثله موثقه الآخر(۱٦۱).
الحادية عشرة: الغرض من التقية إخفاء عمل ما يختص بالمذهب الجعفري والتظاهر بالعمل بمذهب العامة. فإذا انطبق هذا العنوان تشمله عمومات التقية وإطلاقاتها، سواء كان المتقى به موافقا لمذهب من يتقي عنه أم كان مخالفا له وموافقا لسائر مذاهب العامة، مثلا: التكتف في الصلاة لا يجب في بعض المذاهب ويجب في بعضها، فلو كان الشخص عند من لا يوجبه في الصلاة ولكن تحصل التقية بأن يتكتف يجب ذلك وتصح صلاته معه ولا شيء عليه، للإطلاقات والعمومات إذا انطبقت عليه التقية. ويأتي في [مسألة ٤۲] التعرض له، ولكنه خلاف الاحتياط.
الثانية عشرة: مقتضى الإطلاقات المرغبة إلى التقية، والأخبار الكثيرة التي تثبت الثواب فيها استحبابها نفسيا، ووجوبها غيريا. ولكن لا بد من اختصاص الاستحباب بما إذا ترتب عليها غرض صحيح شرعي، كالموادة والتألف ونحوهما، ولا وجه للاستحباب مع عدمه. كما أنّه لا وجه لجوازها أصلا فيما إذا لم تكن لمن يتقي عنه شوكة واقتدار أصلا، لظهور الأخبار في غيره. نعم، قد تجب حينئذ مع الخوف أو الضرر لا من جهة التقية، بل من جهة الضرورة.
الثالثة عشرة: لا فرق في مورد العمل بالتقية بين أن يكون في أرضهم أو في أرضنا إذا تحقق الخوف أو ترتب التآلف والتحبب، لإطلاق الأدلة الشامل للجميع.
الرابعة عشرة: ليست التقية من غير المخالفين كالتقية منهم في كونها أوسع من سائر الضرورات، لانصراف أدلة التقية إلى خصوص التقية من المخالفين وفي غيرهم تكون مثل سائر الضرورات، ولا تكون أوسع منها. ولكن ذكر في بعض الأخبار «أهل الباطل»(۱٦۲) وهو عام شامل لغير المخالفين أيضا. كما لا فرق أيضا فيها بين المذاهب الأربعة المشهورة أو غيرها من سائر مذاهب العامة، للإطلاقات والعمومات الشاملة للجميع وسواء كان مورد التقية ما ثبت في مذهبهم من زمان الخلفاء أم حصل لعلمائهم من الآراء الحاصلة من العمل بالقياس أو الاستحسان مما هو صحيح عندهم وباطل لدينا، للإطلاق والسيرة الشاملين للجميع.
الخامسة عشرة: لو علم أنّه لا يتحقق التودد والائتلاف والأمن من الضرر، لا موضوع للتقية حينئذ مطلقا، كما لا يبعد ذلك بالنسبة إلى بعض بلاد الإسلام في هذه الأزمنة.
لإطلاق أدلة التكاليف الأولية، وقاعدة الاشتغال، وعدم تحقق موضوع التقية- كما هو المفروض- هذا ولكن لو توقف ذلك على إعمال حيلة ونحوها تقدم حكمه في الجهة الثامنة.
لإطلاقات الأدلة الواردة في مقام البيان والتسهيل والامتنان المرغبة إلى التقية والمثبتة للثواب لها، وتنزيلها على صورة القدرة على دفع المال. بعيد جدا وخلاف ظاهرها.
لأنّ ذلك هو المتيقن من أدلتها اللبية والمنصرفة إليه عرفا من أدلتها اللفظية. ولكن في إطلاق وجوب بذل المال في سائر الضرورات إشكال، بل منع. نعم، ورد النص في شراء ماء الوضوء(۱٦۳) ولو بأضعاف قيمته. وفيه أيضا تفصيل يأتي في [مسألة ۱٦] من فصل التيمم. بل وجوب بذل أصل المال لدفع سائر الضرورات أول الدعوى، لأنّه مخالف لإطلاق أدلتها الواردة في المقام الامتنان. ودعوى الانصراف والأخذ بالمتيقن مشكلة جدا. نعم، لو كان بحيث لا تصدق الضرورة بالنسبة إليه يجب البذل حينئذ.
لحسن الاحتياط على كل حال ما لم يزاحم باحتياط أولى منه.
(مسألة ۳٦): لو ترك التقية في مقام وجوبها ومسح على البشرة ففي صحة الوضوء إشكال (۱٤۹).
قد جزم بعدم الصحة جمع منهم صاحب الجواهر، والفقيه الهمداني لأنّ التقية وعدمها موضوعان مختلفان للحكم الواقعيّ الأولي والثانوي.
و تبدل الحكم بتبدل الموضوع مما لا ريب فيه، كالمسافر والحاضر، والصحيح والمريض ونحوهما. مع أنّ العمل المأتيّ به موافقا لمذهبنا ومخالفا للتقية ينطبق عليه عنوان ترك التقية قهرا وهو منهيّ عنه، والنهي في العبادة يوجب الفساد.
و أشكل عليه بأنّ التغير والتبدل إن كان خطابا وملاكا، فلا ريب حينئذ في تبدل الحكم الواقعيّ، كالمسافر والحاضر. وأما إن كان خطابا فقط لمصلحة في ذلك، فيبقى الملاك باقيا بحاله. ولو شك في أنّه بالنسبة إلى الخطاب والملاك معا، أو بالنسبة إلى الأول فقط، فلا ريب في ارتفاع الخطاب حينئذ لا محالة، إذ لا يمكن بقاء الخطاب وسقوط الملاك بخلاف العكس، فيستصحب بقاء الملاك حينئذ. وكذا النهي المتعلق بالعبادة يمكن أن يكون باعتبار فعلية الخطاب فقط، لا باعتبار أصل الملاك، فيصح الإتيان بداعي الملاك وإن عصى من جهة أخرى.
و مورد الشك ملحق بالأول، كما مر.
و يرد عليه أولا: أنّه لا طريق لنا لإحراز الملاكات الا الخطابات غالبا فمع سقوطها وعدم وجود طريق آخر لا طريق لإحرازها، كما في جميع التكاليف الثانوية الاضطرارية بالنسبة إلى إحراز ملاك الواقع. والاستصحاب من الشك في أصل الموضوع فلا يجري.
و ثانيا: التأمل في أدلة التقية يشهد بانقلاب التكليف الواقعيّ في موردها، فيسقط الحكم الواقعي، ملاكا وخطابا، كما يظهر من قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في صحيح ابن سالم: «وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ. قال عليه السلام:
الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة»(۱٦٤).
و عنه عليه السلام: «لا دين لمن لا تقية له»(۱٦٥).
فطبق عليه السلام السيئة وعدم الدّين على ترك التقية، ومثلهما قوله عليه السلام: «لا إيمان لمن لا تقيّة له»(۱٦٦)، وقول أبي جعفر عليه السلام: «لا خير فيمن لا تقية له»(۱٦۷).
إلى غير ذلك من التعبيرات المقتضية لسقوط الواقع، بل مبغوضية الإتيان به في مورد التقية.
و الشقوق المتصورة في المقام أربعة: بقاء الواقع ملاكا وخطابا، ولا موضوع للتقية، كما تقدم. وسقوطه كذلك. والبقاء ملاكا فقط. والبقاء خطابا كذلك، ومقتضى ظواهر أدلة التقية هو الثاني، والأخير باطل قطعا، والثالث لا دليل عليه، بل هو خلاف ظواهر أدلة التقية.
(مسألة ۳۷): إذا علم بعد دخول الوقت أنّه لو أخر الوضوء والصلاة يضطر إلى المسح على الحائل، فالظاهر وجوب المبادرة إليه في غير ضرورة التقية، وإن كان متوضئا وعلم أنّه لو أبطله يضطر إلى المسح على الحائل لا يجوز له الإبطال (۱٥۰) وإن كان قبل دخول الوقت. فوجوب المبادرة أو حرمة الإبطال غير معلوم (۱٥۱). و أما إذا كان الاضطرار بسبب التقية، فالظاهر عدم وجوب المبادرة، وكذا يجوز الإبطال وإن كان بعد دخول الوقت، لما مرّ من الوسعة في أمر التقية. لكن الأولى والأحوط فيها أيضا المبادرة أو عدم الإبطال.
لأنّ تأخير الوضوء في الصورة الأولى، والإبطال في الثانية تفويت للمصلحة الفعلية الممكنة التحصيل وهو حرام. ولكن لو فعل الحرام ومسح على الحائل يصح وضوؤه، لظهور تسالمهم على صحة التكاليف الاضطرارية ولو حصل الاضطرار بسوء الاختيار، ويأتي في الجبائر ما ينفع المقام.
من احتمال اختصاص حرمة تفويت المصلحة بالمصلحة الفعلية من كل حيثية وجهة، فلا قبح ولا حرمة في البين. ومن أنّ تفويت المصلحة التي يعلم عادة بتعلق التكليف المنجز بها، كالمصلحة الفعلية لدى العقلاء، فيقبح عقلا ويحرم لقاعدة الملازمة. ويأتي منه رحمه اللَّه في فصل التيمم [مسألة ۱۳] الاحتياط الوجوبي في نظير المقام، وتقدم ما يعلم منه الوجه في بقية المسألة.
(مسألة ۳۸): لا فرق في جواز المسح على الحائل في حال الضرورة بين الوضوء الواجب والمندوب (۱٥۲).
لقاعدة إلحاق المندوب من كل شيء بواجبه في جميع الجهات الا ما خرج بالدليل. ومنشأ اعتبار هذه القاعدة ظهور الإطلاق والاتفاق، ورواية:
«كل سنة إنّما تؤدى على جهة الفرض»(۱٦۸). وهذه قاعدة نافعة نتعرض لتفصيلها إن شاء اللَّه تعالى.
(مسألة ۳۹): إذا اعتقد التقية، أو تحقق أحد الضرورات الأخر فمسح على الحائل، ثمَّ بان أنّه لم يكن موضع تقية أو ضرورة، ففي صحة وضوئه إشكال (۱٥۳).
وجه الإشكال أنّ الاعتقاد مطلقا له طريقية إلى الواقع، ولا موضوعية له بوجه، فليس موضوع الحكم الا الواقع فقط، ومع التخلف لا موضوع له أصلا، فيبطل قهرا. ولعل وجه الصحة احتمال أن يكون الاعتقاد له موضوعية في مثل هذه الأحكام المبنية على التسهيل، فتشمله الإطلاقات والعمومات(۱٦۹). ولكن الشك في شمول الإطلاق والعموم يكفي في عدم الشمول، لأنّه من التمسك بالدليل في الشك في الموضوع نعم، إن كان موضوع الحكم هو الخوف، فلا فرق فيه بين الواقع والاعتقاد لحصوله بالاعتقاد أيضا، ويأتي في [مسألة ۱۹] من فصل التيمم ما ينفع المقام.
(مسألة ٤۰): إذا أمكنت التقية بغسل الرجل، فالأحوط تعينه (۱٥٤) وإن كان الأقوى جواز المسح على الحائل أيضا (۱٥٥).
على المعروف بين الأصحاب، لتحقق مباشرة الماسح بالممسوح مع أنّ الغسل أقرب إلى المسح عرفا من المسح على الخفين. فيكون المقام من موارد الدوران بين التعيين والتخيير، والمعروف فيه التعيين.
لإطلاق أدلة التقية، ولا موجب لاختصاصها بالغسل إلا الأقربية العرفية والانصراف البدوي، وشيء منهما لا ينافي الظهور الإطلاقي والقول بالتعيين عند الدوران بينه وبين التخيير إنّما هو فيما إذا لم يكن إطلاق في البين، مع أنّ في أصله بحثا محررا في محله(۱۷۰).
(مسألة ٤۱): إذا زال السبب المسوّغ للمسح على الحائل من تقية أو ضرورة، فإن كان بعد الوضوء فالأقوى عدم وجوب إعادته (۱٥٦) و إن كان قبل الصلاة، إلا إذا كانت بلّة اليد باقية فيجب إعادة المسح (۱٥۷). وإن كان في أثناء الوضوء، فالأقوى الإعادة إذا لم تبق البلة (۱٥۸).
إن كانت أدلة التكاليف الاضطرارية في مقام البيان ومطلقة من كل جهة، سواء كانت أدلة التكاليف الأولية مهملة أم مطلقة، فلا بد من الإجزاء مطلقا وعدم لزوم الإعادة بعد رفع العذر، لأنّه يستفاد منها حينئذ صحة البدار، وأنّ التكليف الاضطراري واجد لمصلحة التكليف الاختياري بمجرد حدوث صرف وجود العذر. وأما إذا كانتا مهملتين من هذه الجهات، أو كانت أدلة التكاليف الأولية مطلقة، وأدلة الاضطراريات مهملة، فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم الإجزاء بعد رفع العذر، بل هو مقتضى إطلاق دليل التكليف الأولي أيضا، إن كان له إطلاق.
هذا بحسب مقام الثبوت. وأما مقام الإثبات، فيمكن الإشكال في كون أدلة التكاليف الاضطرارية مطلقا في مقام البيان من هذه الجهات، لأنّها وردت لأصل تشريع التكليف الاضطراري فلا نظر لها إلى العوارض والطوارئ، كما في نفس أدلة التكاليف الأولية.
و لكن الإشكال مدفوع بوجوه:
(الأول): أنّ التكاليف الاضطرارية تسهيل وامتنان، والتقييد يضادهما وينافيهما بخلاف الإطلاق فإنّه يناسبهما.
(الثاني): أصالة الإطلاق من كل جهة معتبرة في المحاورات ما لم تكن قرينة معتبرة على الخلاف، والمفروض عدمها.
(الثالث): أنّ نواقض الطهارة الحدثية محدودة شرعا، وليس رفع الاضطرار منها. ودعوى: أنّ أصل الطهارة ما دامية. يحتاج إلى دليل وهو مفقود. هذا في غير التقية. وأما فيها فأوسعيتها من سائر الاضطراريات مما لا يخفى على أحد، كما أنّ هذا كله إنّما هو بعد تنجز التكليف الاضطراري بأن أحرز عدم زوال العذر. وأما مع احتمال الزوال فقد تقدم بعض ما يتعلق به في [مسألتي ۳٥ و۳۹]، وهذه المسائل من صغريات قاعدة الإجزاء وقد تعرضنا له في الأصول، وسيأتي في الموارد المناسبة بعض الكلام فيها.
لقاعدة الاشتغال. وفيه: أنّها محكومة بإطلاق أدلة التكاليف الثانوية.
لانقلاب موضوع الاضطرار إلى الاختيار، فينقلب الحكم قهرا وفيه أنّه يمكن أن يكون صرف وجود الاضطرار حين الشروع في العمل موجبا لانقلاب التكليف ولو زال في أثنائه، فلا يتم الاستدلال ما لم يدفع هذا الاحتمال، ويأتي في التيمم بعض الكلام.
(مسألة ٤۲): إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه، ففي صحة وضوئه إشكال وإن كانت التقية ترتفع به كما إذا كان مذهبه وجوب المسح على الحائل دون غسل الرجلين فغسلهما أو بالعكس (۱٥۹)، كما أنّه لو ترك المسح والغسل بالمرّة يبطل وضوؤه (۱٦۰) وإن ارتفعت التقية به أيضا.
تقدم ما يتعلق بهذا الفرع في الجهة الحادية عشرة، وقلنا إنّه إذا صح انطباق عنوان التقية على العمل المأتي به يصح، لإطلاقات أدلتها الشاملة لهذه الصورة أيضا، لما يستظهر من مجموع أدلة التقية تحققها بما إذا توهم المتقى منه أنّ المتقي (بالكسر) ليس بجعفري، بل هو من إحدى فرق العامة، فيأمن حينئذ عن ضررهم. وإن لم ينطبق أو شك في ذلك فلا يجزي، للأصل.
لعدم الإتيان لا بالمأمور به الواقعي ولا بالاضطراري، فلا وجه للصحة.
و ما يتوهم فيه: بأنّه لا أمر بالمأمور به الواقعي، فتركه لا يضر قطعا، والاضطراري إنّما أمر به لأجل التقية فقط، والا فهو باطل واقعا، فالمأمور به في الواقع هو العمل الناقص الذي يتحفظ به عن ضرر التقية وهو حاصل فيجزي.
(مردود): بأنّه يعتبر في الإجزاء من حيث التقية كون ما يتقى به مشروعا عند من يتقى عنه ولو عند إحدى فرقهم. وإلا فلا موضوع لها أصلا.
(مسألة ٤۳): يجوز في كلّ من الغسلات أن يصبّ على العضو عشر غرفات بقصد غسلة واحدة، فالمناط في تعدد الغسل- المستحب ثانية، الحرام ثالثة- ليس تعدد الصبّ، بل تعدد الغسل مع القصد (۱٦۱).
أما جواز صب عشر غرفات بقصد غسلة واحدة، فلأصالة عدم تحديد الصب بحد خاص. وأما كون المناط تعدد الغسل مع القصد، فلتقوم الغسل في الطهارة الحدثية مطلقا بالقصد والقربة إجماعا، فلا يكفي مجرد الغسل كيفما تحقق كما يكفي في الطهارة الخبثية. وأما حرمة الثالثة فتقدم بعض ما يتعلق بها في فصل بعض مستحبات الوضوء(۱۷۱).
فرع: لو حصلت الغسلة الثانية غفلة، أو رياء، أو لأجل إزالة الوسخ، أو زيادة التنظيف ونحو ذلك من الأغراض لا يعد ذلك من الغسلة الثانية المندوبة، لما مر من اعتبار قصد الوضوء ونية القربة فيها.
(مسألة ٤٤): يجب الابتداء في الغسل بالأعلى (۱٦۲)، لكن لا يجب الصبّ على الأعلى، فلو صبّ على الأسفل، وغسل من الأعلى بإعانة اليد صح (۱٦۳).
تقدم وجهه في غسل الوجه واليدين(۱۷۲).
لإطلاق الأدلة وأصالة البراءة بعد عدم دليل على الوجوب. نعم، في بعض الوضوءات البيانية أنّه عليه السلام: «غرف ملأها ماء فوضعها على جبهته، أو على مرفقه اليمنى»(۱۷۳). ولكن الفعل أعم من الوجوب مع أنّ الظاهر عدم الإشكال عن أحد في عدم الوجوب بعد صدق تحقق الغسل من الأعلى عرفا، وقد تقدم في الحادي عشر من مستحبات الوضوء ما ينفع المقام.
(مسألة ٤٥): الإسراف في ماء الوضوء مكروه (۱٦٤) لكن الإسباغ مستحب، وقد مرّ أنّه يستحب أن يكون ماء الوضوء بمقدار مدّ. والظاهر أنّ ذلك لتمام ما يصرف فيه من أفعال ومقدّماته من المضمضة، والاستنشاق، وغسل اليدين (۱٦٥).
على المشهور، لقول أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إنّ للّه تعالى ملكا يكتب سرف الوضوء، كما يكتب عداوته»(۱۷٤).
الظاهر في مجرد الآداب لا الحرمة. هذا إذا لم يكن للماء قيمة، والا فالظاهر أنّ الإسراف فيه حرام كما في غيره، لعموم ما دل على حرمة الإسراف، وأنّه من الكبائر.
و في الجوامع عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله: «أنّه مرّ بسعد وهو يتوضأ.
فقال: ما هذا؟ أسرف يا سعد؟! قال: أفي الوضوء سرف؟ قال صلّى اللَّه عليه وآله: نعم، ولو كنت على عين جار. ويمكن أن تكون الحكمة في ذلك تسهيل الأمر مهما أمكن، ودفع الوسواس بأي طريق ممكن».
راجع أول فصل مندوبات الوضوء، وتقدم أنّه يظهر من بعض الأخبار(۱۷٥) أنّ مقدار المد للاستنجاء أيضا. مضافا إلى ما يصرف في الوضوء بواجباته ومندوباته، ونسب ذلك إلى الشهيد رحمه اللَّه وتبعه غيره. والمد يبلغ أربعة عشر كفا تقريبا.
و أما استحباب الإسباغ، فيدل عليه مضافا إلى الإجماع أخبار كثيرة:
منها: قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في الصحيح: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله، وكف غضبه، وسجن لسانه، واستغفر لذنبه، وأدى النصيحة لأهل بيت نبيه، فقد استكمل حقيقة الإيمان، وأبواب الجنان مفتحة له»(۱۷٦).
(مسألة ٤٦): يجوز الوضوء برمس الأعضاء، كما مرّ. ويجوز برمس أحدها وإتيان البقية على المتعارف، بل يجوز التبعيض في غسل عضو واحد مع مراعاة الشروط المتقدمة من البدأة بالأعلى، وعدم كون المسح بماء جديد، وغيرهما (۱٦٦).
أما جواز الوضوء ارتماسا، فقد تقدم في [مسألة ۲۱]. وأما التفكيك بين الأعضاء، بل أجزاء عضو واحد، فللإطلاق، وظهور الاتفاق. وأما لزوم مراعاة الشرائط، فلعموم أدلتها الشاملة لجميع أقسام الوضوء من الارتماسي والترتيبي والمركب منهما.
(مسألة ٤۷): يشكل صحة وضوء الوسواسي إذا زاد في غسل اليسرى من اليدين في الماء من لزوم المسح بالماء الجديد في بعض الأوقات، بل إن قلنا بلزوم كون المسح ببلّة الكفّ دون رطوبة سائر الأعضاء يجيء الإشكال في مبالغته في إمرار اليد، لأنّه يوجب مزج رطوبة الكفّ برطوبة الذراع (۱٦۷).
بل يشكل أصل صحة عبادة الوسواسي من جهة أخرى: وهي أنّها من إطاعة الشيطان وهي مبغوضة لدى اللَّه تعالى.
(مسألة ٤۸): غير الوسواسي إذا بالغ في إمرار يده على اليد اليسرى لزيادة اليقين لا بأس به ما دام يصدق عليه أنّه غسل واحد (۱٦۸). نعم، بعد اليقين إذا صبّ عليها ماء خارجيا يشكل وإن كان الغرض منه زيادة اليقين، لعدّه في العرف غسلة اخرى، وإذا كان غسله لليسرى بإجراء الماء من الإبريق- مثلا- وزاد على مقدار الحاجة مع الاتصال لا يضرّ (۱٦۹) ما دام يعدّ غسلة واحدة.
المناط صدق ماء الوضوء وبلته على ما يمسح به بعد الفراغ عن الغسل الواجب. ومع الشك في الصدق وعدمه يستصحب كونه من ماء الوضوء، فيجوز المسح به، وكذا في الوسواسي، ولكن حيث إنّه خارج عن المتعارف يمكن التشكيك في جريان الاستصحاب بالنسبة إليه من جهة الشك في أصل الموضوع، مضافا إلى ما تقدم.
الإشكال المذكور في الوسواسي جار هنا أيضا، لفرض كون غسل كلّ منهما زائدا عن مقدار الحاجة فهما متحدان في جهة الإشكال في المسح.
نعم، يختلفان في الحكم التكليفي، لاحتمال حرمة عمل الوسواسي، لكونه من عمل الشيطان، كما في الرواية(۱۷۷). دون الصب من الإبريق زائدا على مقدار الحاجة، إذ ليس فيه حرمة تكليفية ما لم يكن من الإسراف المحرّم.
(مسألة ٤۹): يكفي في مسح الرجلين بواحدة من الأصابع الخمس إلى الكعبين أيّها كانت حتّى الخنصر منها (۱۷۰).
لظهور الإطلاق والاتفاق، كما تقدم(۱۷۸). واللَّه العالم والحمد للّه ربّ العالمين.
- المائدة ٥: الآية ٦.
- الوسائل باب: ۱۷ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- راجع الوسائل باب: 4٦ من أبواب الوضوء حديث: ۳ و باب ۲٦ و ۳۱ من أبواب الجنابة حديث: ۱ و ۳.
- الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۱.
- الوسائل باب: 4٦ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الوضوء حديث: ۸.
- الوسائل باب: ٥۲ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ٥۲ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۷.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۱۰.
- الذكرى صفحة: ۸۲ الطبعة القديمة و رواه في الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الوضوء حديث: ۱۱.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۲۲.
- الوسائل باب: 4٦ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲۹ من أبواب الوضوء حديث: ٦.
- الوسائل باب: 4٦ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- راجع الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء.
- الوسائل باب: ۲۹ من أبواب الوضوء حديث: ٦.
- الوسائل باب: 4٦ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: 4۱ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱۹ من أبواب الحيض حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۱۱.
- تقدم في صفحة: ۲۹٥.
- الوسائل باب: ۳۲ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- المائدة: ٥ الآية: ٦.
- راجع الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء.
- راجع الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء.
- الوسائل باب: ۱۹ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- مستدرك الوسائل باب: ۱۸ من أبواب أحكام الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۳۲ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۱۱.
- الوسائل باب: 4٦ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: 4۹ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: 4۹ من أبواب الوضوء حديث: 4.
- الوسائل باب: 4۹ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- راجع الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء.
- الوسائل باب: ۸۱ من أبواب آداب الحمام.
- الوسائل باب: ۱۰ من أبواب مقدمة العبادات.
- راجع الوسائل: باب ۲۹ من أبواب الوضوء حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۳٦ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۹ من أبواب الوضوء حديث: ٦.
- تقدم في صفحة: ۳4۷.
- و هو قوله تعالى\i وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ\E المائدة الآية ٦.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۱۱.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۱؟؟؟ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الوضوء حديث: ۱ و 4.
- الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الوضوء حديث: ٦ و ٥.
- الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الوضوء حديث: ٦ و ٥.
- الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الوضوء حديث: ٦ و ٥.
- الوسائل باب: ۲۲ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۲ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲۲ من أبواب الوضوء حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الوضوء حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الوضوء حديث: 4.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الوضوء حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- تقدم في الصفحة: ۲٥4.
- الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الوضوء حديث: ۲ و باب ۲۳ حديث: ٥ و باب: ۳۷ حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۳۸ من أبواب الوضوء حديث: ۸.
- راجع الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ٥.
- تقدم في صفحة: ۳٥۰.
- تقدمتا في صفحة: ۲۹٥.
- تقدمتا في صفحة: ۲۹٥.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الوضوء.
- المائدة: ٥ الآية: ٦.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الوضوء حديث: 4.
- الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الوضوء حديث: 4.
- الوسائل باب: ۱٥ و ۲۳ و ۲4 من أبواب الوضوء.
- الوسائل: باب ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۳٥ من أبواب ما يكتسب به.
- الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الوضوء حديث: 4.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۹.
- الوسائل باب: ٥ من أبواب حد السرقة حديث 4.
- الوسائل باب: ٥ من أبواب حد السرقة حديث ۸.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الوضوء حديث: 4.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الوضوء.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الوضوء حديث: 4.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الوضوء حديث: 4.
- الوسائل باب: ۳۹ من أبواب الوضوء حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الوضوء حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الوضوء حديث: ٦ و ۷.
- الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۳4 من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۳4 من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۳4 من أبواب الوضوء حديث: 4.
- الوسائل باب: ۳4 من أبواب الوضوء حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الوضوء.
- الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- تقدم في صفحة: ۳۲4.
- الوسائل باب: ۳۸ من أبواب الوضوء حديث: 4.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۲ و غيره.
- راجع الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الوضوء.
- الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الوضوء حديث: ۸.
- الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الوضوء حديث: ۸.
- الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الوضوء حديث: ۱ و ۸.
- الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الوضوء حديث: ۸.
- الوسائل باب: 4۹ من أبواب الوضوء و تقدم في صفحة ۳۳۷.
- الوسائل باب: 4۹ من أبواب الوضوء و تقدم في صفحة ۳۳۷.
- غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
- غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
- غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
- الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الوضوء حديث: ۱۳.
- الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الوضوء حديث: ۱۲.
- الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الوضوء.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الوضوء حديث: 4.
- الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
- الحج ۲۲: الآية ۷۸.
- الوسائل باب: ۳۸ من أبواب الوضوء حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۱ من أبواب القيام حديث: ۷.
- راجع الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۳۸ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۳۷ من أبواب الوضوء حديث: ٥.
- آل عمران ۳: الآية ۲۸.
- راجع باب: ۲4 إلى باب: ۳٦.
- الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۱۳.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۲۸.
- الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۷٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۳۳ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ٥4 من أبواب صلاة الجماعة.
- مستدرك الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۱ و ۲.
- الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۱ و ۲.
- الوسائل باب: ۲۹ من أبواب مقدمة العبادات.
- الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۱۸.
- الوسائل باب: ٥۷ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: ٥.
- الوسائل باب: ٥۷ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۷.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۸.
- الوسائل باب: ۲ من أبواب المواقيت حديث: ۲.
- تقدم في صفحة: ۳۸4.
- الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الأمر بالمعروف حديث: ۳ و 4.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: ۱۷.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: ۱۸.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: ۱۳.
- الوسائل باب: ۲٦ من أبواب التيمم.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: ۱۷.
- الوسائل باب: ۱۹ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: ۱۱.
- أي عمومات الأدلة الثانوية، كأدلة الاضطرار و غيره.
- راجع تهذيب الأصول ج: ۳ صفحة: ۱۷4 الطبعة الثانية بيروت.
- تقدم في صفحة: ۳۰4.
- راجع صفحة: ۳۲٥ و ۳۳۳.
- الوسائل: باب ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ٥۲ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۸ و تقدم في صفحة: ۲۹۳.
- الوسائل باب: ٥4 من أبواب الوضوء حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱۰ من أبواب مقدمة العبادات.
- تقدم في صفحة: ۳٦۳.