1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الصلح
و هو التراضي و التسالم على أمر (۱) من تمليك عين أو منفعة أو إسقاط دين أو حق و غير ذلك (۲)، و لا يشترط كونه مسبوقا بالنزاع (۳) و إن كان تشريعه في شرع الإسلام لقطع التجاذب و رفع التنازع بين الأنام (٤)، و يجوز إيقاعه على كل أمر و في كل مقام (٥) إلا إذا كان محرما لحلال أو محللا لحرام (٦).

و هو مشروع بالأدلة الأربعة فمن الكتاب آيات منها قوله تعالى:

وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ‏۱، و قوله تعالى‏ الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏۲، و قوله تعالى‏ وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ۳، التي بإطلاقها تشمل الصلح العقدي المتعارف و غيره، و ذكرنا ما يتعلق بمادة (صلح) في التفسير4.

و من السنة نصوص كثيرة بين الفريقين تأتي الإشارة إلى بعضها منها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا»٥، و منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصلح جائز بين الناس»٦، و مثله غيره.

و من الإجماع إجماع المسلمين.

و من العقل حكمه البتي بحسنه في الجملة ما لم يكن محذور في البين.

مادة (ص ل ح) في أي هيئة وجدت و في أي صورة تحققت تشعر بضد الفساد و تكون حليف الصلاح و السداد و التسالم في الجملة لغة و شرعا و عرفا، و الصلح محبوب في فطرة الإنسان بل كل ذي شعور من الحيوان و هو انفع العقود و يجتمع مع جميعها و أوسعها دائرة لوقوعه على ما في الذمة و من غير عوض و مع الجهالة.

و بالجملة: فكما إن لفظه سهل يسير يكون معناه من جميع جهاته كذلك وفقنا اللّه تعالى للصلاح و الصلح و التصالح بين بني نوعنا إنه ولي ذلك.

لإطلاق الأدلة الشامل لكل ما يصلح أن يكون غرضا للصلح و لم ينه عنه الشرع.

للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق فيصح مع سبق التسالم أو النزاع و الإقرار و الإنكار، فلو ادعى عليه شي‏ء و أنكره، ثمَّ قال المنكر للمدعي:

صالحني، يصح الصلح كما انه لو أقر تصح المصالحة أيضا.

و يكون هذا من بعض حكم التشريع كحكمة ذهاب أرياح الآباط في تشريع غسل الجمعة و استبراء الرحم للعدة و غير ذلك مما هو كثير، و قد أثبتوا ان الحكمة لا تخصص العموم و لا تقيد المطلق لكونها حكمة الجعل لا علة المجعول.

لما تقدم من الأصل و الإطلاق و الاتفاق و يأتي تفصيل ذلك كله في المسائل المستقبلة.

لإجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين و التصريح بذلك في نصوص المعصومين عليهم السّلام كما يأتي.

(مسألة ۱): الحق ان الصلح عقد مستقل بنفسه و عنوان برأسه (۷)، و ليس كما قيل راجعا إلى سائر العقود و إن أفاد فائدتها (۸). فيفيد فائدة البيع إذا كان عن عين بعوض و فائدة الهبة إذا كان عن عين بلا عوض و فائدة الإجارة إذا كان عن منفعة بعوض، و هكذا (۹)، فلم يلحقه أحكام سائر العقود و لم يجر فيه شروطها (۱0) و إن أفاد فائدتها كما أفاد فائدة البيع لا يلحقه أحكامه و شروطه فلا يجري فيه الخيارات المختصة بالبيع كخياري المجلس و الحيوان و لا الشفعة. و لا يشترط فيه قبض العوضين إذا تعلق بمعاوضة النقدين و ما أفاد فائدة الهبة من تمليك عين بلا عوض لا يعتبر فيه قبض العين كما اعتبر في الهبة و هكذا.

لظواهر الأدلة، و إجماع الإمامية و المرتكزات العرفية.

لأن مجرد إفادة عقد فائدة عقد آخر أعم من اتحادهما ذاتا كما هو واضح فما نسب إلى الشيخ رحمه اللّه من أنه بيع مع تعلقه بالعين، و إلى الشافعي انه بيع و إجارة و هبة و عارية و نحوهما إن أفاده فائدتها قول عليل و بلا مدرك و دليل.

إفادته لهذه الفوائد في هذه الموارد وجداني لكل أحد و لكنه أعم من الاتحاد في الحقيقة كما هو معلوم.

للأصل و الإجماع بعد كون الاتحاد في الأثر أعم من الاتحاد في الذات و الحقيقة، مع أن ظواهر أدلة تلك الاحكام و الشروط اختصاصها بخصوص موردها و عدم التعدي عنها.

ثمَّ ان هذه التوسعة و التعميم في الصلح من حيث انه ينطبق على جميع العقود انما هو من اللطائف التي جعلها اللّه تعالى في هذه المادة بجميع هيئاتها و مشتقاتها فجعلها مما يجمع بها الشمل و ينتظم بها الفرق فاذا كانت مادة الصلح في عالم الاعتبار كذلك فما ذا تكون حقيقته في عالم الواقع.

(مسألة ۲): لما كان الصلح عقدا من العقود يحتاج إلى الإيجاب و القبول مطلقا (۱۱) حتى فيما أفاد فائدة الإبراء و إسقاط الحق على الأقوى (۱۲)، فابراء المديون من الدين و إسقاط الحق عمن عليه الحق و ان لم يتوقفا على قبول من عليه الدين أو الحق (۱۳). لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقفا على القبول (۱٤).

أما كونه عقدا فتكفي ضرورة فقه الإمامية بل فقه المسلمين بل مرتكزات الناس أجمعين. و أما احتياج كل عقد إلى الإيجاب و القبول فهو من البديهيات التي يحكم بها ذو و العقول.

لأصالة عدم سراية خصوصية متعلق العقد إلى نفسه و بالعكس فلا ملازمة بينهما من هذه الجهة لا عقلا و لا عرفا و لا شرعا، فيصح أن يكون المتعلق إبراء و إيقاعا و ما تعلق به عقدا و باختلاف الجهة ينتفي محذور التضاد إذا لا منافات بين كون المورد إيقاعا و الوارد عليه عقدا، كما انه يمكن أن يكون المتعلق عباديا و الأمر الوارد عليه توصليا كما في العبادات الاستيجارية التي تقع مورد الأمر الإجاري.

لا كلية في ذلك، فإنه لو كان الإبراء أو الإسقاط مستلزما للمنة على من عليه الحق و هو لا يرضى بذلك، فالظاهر توقفهما على رضاه و ذلك لا ربط له بالمقام، أي: صحة وقوع الإيقاع في الجملة مورد العقد.

لما مر من عدم المنافاة بينهما، فيكون إيقاعا بحسب الذات و عقدا بالعنوان الطارئ عليه و تقدم نظيره في صحة اجتماع الأمر العبادي و التوصلي في واحد من جهتين.

(مسألة ۳): لا يعتبر في الصلح صيغة خاصة، بل يقع بكل لفظ أفاد في متفاهم العرف التسالم أو التراضي على أمر (۱٥) من نقل عين أو منفعة أو إقرار مشروع بين المتصالحين (۱٦). نعم، اللفظ الدائر في الألسن الذي هو كالصريح في إفادة هذا المعنى من طرف الإيجاب (صالحت) و هو يتعدى إلى المفعول الأول بنفسه و إلى المفعول الثاني ب (عن) أو (على) فيقول مثلا «صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا» فيقول المصالح «قبلت المصالحة أو اصطلحتها بكذا» (۱۷).

للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و عدم بناء الفقهاء على التعرض‏ لخصوصيات هذا العقد كما تعرضوا لخصوصيات سائر العقود من الإيجاب و القبول و سائر جهاتها فراجع الشرائع و الجواهر و غيرهما و قد أثبتنا في كلي العقود انه يقع بكل لفظ له ظهور عرفي في عنوان العقد المخصوص و لو بالقرائن و هذا يجري في المقام أيضا.

و ضابطه كل أمر فيه غرض عقلائي غير منهي عنه شرعا.

لظهور كل ذلك في المعنى المعهود، و الظاهر وقوعه بكل لفظ و لو مع التمكن من العربية، بل يقع بالمعاطاة، للعموم، و الإطلاق، و لكثرة توسعهم فيه بما لم يتوسعوا في غيره.

(مسألة ٤): عقد الصلح لازم من الطرفين (۱۸) لا يفسخ إلا بإقالة المتصالحين أو بوجود خيار في اللبن (۱۹) حتى فيما أفاد فائدة الهبة الجائزة (۲0)، و الظاهر جريان جميع الخيارات فيه إلا خيارات ثلاثة خيار المجلس و الحيوان و التأخير، فإنها مختصة بالبيع (۲۱). و في ثبوت الأرش لو ظهر عيب في العين المصالح عنها أو عوضها فالأحوط التصالح و التراضي بالنسبة إلى الأرش (۲۲).

لأصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل كما أثبتناها في البيع بأدلة كثيرة فراجع‏۷.

كما هو شأن كل عقد تجري فيه الإقالة و الفسخ كالبيع و نحوه.

فيكون لازما أيضا و لا منافاة بين كون شي‏ء جائزا بحسب الذات و لازما من حيث عروض عنوان الصلح عليه و باختلاف الجهتين تذهب المنافاة من البين.

أما جريان جميع الخيارات فيه، فلعموم أدلتها الشامل للصلح و لكل عقد لازم أيضا إلا ما خرج بالدليل و لا دليل في المقام على الخروج.

و أما اختصاص الخيارات الثلاثة بالبيع فلاختصاص أدلة ثبوتها به كما مر في كتاب البيع فراجع‏۸.

منشأ التردد ان الأرش مخالف للقاعدة و مختص بمورد خاص دل عليه الدليل المخصوص فلا يجري في غير ذلك المورد أو أنه موافق للقاعدة فيجري في كل مورد و قد مر في خيار العيب أنه يمكن جعله مطابقا للقاعدة فراجع كتاب البيع خيار العيب.

(مسألة ٥): متعلق الصلح إما عين أو منفعة أو دين أو حق، و على التقادير إما أن يكون مع العوض أو بدونه و على الأول إما أن يكون العوض عينا أو منفعة أو دينا أو حقا، فهذه عشرون صورة كلها صحيحة (۲۳) فيصح الصلح عن عين بعين و منفعة و دين و حق و بلا عوض و عن منفعة بمنفعة و عين و دين و حق و بلا عوض و هكذا (۲٤).

للإطلاق و الاتفاق، و وجود المقتضى و فقد المانع فتشملها الأدلة بلا مدافع.

لما تقدم من توسعة الأمر في الصلح بما لم يوسع في غيره من سائر العقود فهو صلح من جميع شؤونه و نواحيه.

(مسألة ٦): الصلح إذا تعلق بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المصالح (۲٥) سواء كان مع العوض أو بدونه (۲٦) و كذا إذا تعلق بدين على غير المصالح له أو حق قابل للانتقال كحقي التحجير و الاختصاص (۲۷)، و إذا تعلق بدين على المتصالح أفاد سقوطه، و كذا إذا تعلق بحق قابل للإسقاط غير قابل للنقل و الانتقال كحقي الشفعة و الخيار (۲۸).

لأنه لا فائدة في هذا القسم من الصلح و لو لم تترتب عليه هذه الفائدة لصار لغوا و باطلا.

أما مع العوض فلأنه معاوضة حينئذ و هي متقومة بانتقال كل واحد من العوضين إلى كل واحد من المتعاوضين. و أما إذا كان بلا عوض فلانحصار فائدته فيه و إلا فيصير لغوا.

لأنه لو لا الانتقال إليه لصار لغوا و باطلا، مضافا إلى اتفاقهم على الحكم في جميع ذلك.

للإجماع، و لزوم اللغوية لو لا هذا الأثر.

(مسألة ۷): يصح الصلح على مجرد الانتفاع بعين أو فضاء، كأن يصالح على ان يسكن داره أو يلبس ثوبا له مدة أو على ان يكون جذوع سقفه على حائطه أو يجري مائة على سطح داره أو يكون ميزابه على عرصة داره أو يكون الممر و المخرج من داره أو بستانه أو على أن يخرج جناحا في فضاء ملكه أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه و غير ذلك فإن هذه كلها صحيحة سواء كانت بعوض أو بغير عوض (۲۹).

للإطلاق، و الاتفاق، و السيرة العملية و الفتوائية في كل ذلك، و ما مر من توسع الأمر في الصلح بما لم يوسع في غيره.

(مسألة ۸): إنما يصح الصلح عن الحقوق التي تسقط بالإسقاط كحقي الشفعة و الخيار و نحوهما و ما تكون قابلة للنقل و الانتقال كحقي التحجير و الاختصاص، و من ذلك حق الأولوية لمن بيده الأراضي الخراجية المسمى في العرف الحاضر بحق اللزمة. و أما ما لا تسقط بالإسقاط و لا يقبل النقل و الانتقال فلا يصح الصلح عنها (۳0) و ذلك مثل حق العزل الثابت للموكل في الوكالة، و حق مطالبة الدّين الثابت للدّارين في الدين الحال، و حق الرجوع الثابت للزوج في الطلاق الرجعي، و حق الرجوع في البذل الثابت للزوجة في الخلع و غير ذلك.

بلا إشكال فيه من أحد، بل هو من البديهيات الفقهية، لأن ما لا يقبل النقل و الانتقال و لا الإسقاط لا يوجد العاقد عقد الصلح بالنسبة إليه و لو كان خلاف في البين انما هو صغروي بمعنى ان بعض هذه الموارد من الحق أو من الحكم و على الفرض الأول هو من الحقوق القابلة للنقل و الإسقاط أو لا، و المشهور فيها أنها حق لا يقبل النقل و لا الإسقاط و العرف مساعد عليه أيضا و يأتي تفصيل ذلك كله في محله المختص به ان شاء اللّه.

(مسألة ۹): يشترط في المتصالحين ما يشترط في المتبايعين من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار (۳۱).

بالضرورة الفقهية إن لم تكن دينية و تقدم في البيع ما ينفع المقام فراجع‏۹، و مقتضى كثرة توسع الأمر في الصلح و عدم دليل غير الإجماع على اعتبار البلوغ في المتعاقدين صحة عقد الصلح من غير البالغ إذا كان جامعا للشرائط و كان بإذن الولي و لكنهم لا يقولون به، و كذا يعتبر عدم الحجر لسفه أو غيره إجماعا.

(مسألة ۱۰): الظاهر انه تجري الفضولية في الصلح كما تجري في البيع (۳۲) حتى فيما إذا تعلق بإسقاط دين أو حق و أفاد فائدة الإبراء و الإسقاط الذين لا تجري فيهما الفضولية (۳۳).

لما تقدم في كتاب البيع انها موافقة للقاعدة فتجري في الجميع إلا ما خرج بالدليل.

لما ادعي من الإجماع على عدم جريانها في الإيقاعات، و لكن المقام من العقود، لما تقدم من عدم المنافاة بين كون نفس الصلح عقدا و متعلقه إيقاعا و لا ملازمة بينهما بوجه لا عرفا و لا عقلا و لا شرعا.

(مسألة ۱۱): يجوز الصلح عن الثمار و الخضر و غيرها قبل وجودها و لو في عام واحد و بلا ضميمة و ان لم يجز بيعها كما مر في بيع الثمار (۳٤).

لاغتفار الجهالة في الصلح بما لم يغتفر في غيره و توسع الأمر فيه بما لم يوسع في غيره على ما هو المتسالم عليه بين فقهاء الفريقين و يستفاد من النصوص أيضا كما يأتي.

(مسألة ۱۲): لا إشكال في انه يغتفر الجهالة في الصلح (۳٥)، فيما إذا تعذر للمتصالحين معرفة المصالح عنه مطلقا، كما إذا اختلط مال أحدهما بالآخر و لم يعلما مقدار كل منهما فاصطلحا على أن يشتركا فيه بالتساوي أو الاختلاف أو صالح أحدهما ما له مع الآخر بمال معين، و كذا إذا تعذر عليهما معرفته في الحال لتعذر الميزان و المكيال على الأظهر، و أما مع إمكان معرفتهما بمقداره في الحال ففيه إشكال (۳٦).

للإجماع، و النص و الاعتبار لأن تشريع الصلح لقطع التشاجر و اللجاجة و النزاع و لو كان مبنيا على المداقة و لو في الجملة لما وقعت المصالحة المبنية بذاتها على المسامحة، و يستفاد من المتواتر بين الفريقين: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرّم حلالا»۱0، التوسعة في كل جهة من جهات إلا في جهة واحدة و هي تحريم الحلال و تحليل الحرام، مع انه ليس بنحو الكلية أيضا فقد ورد جواز الكذب في الإصلاح‏۱۱، و في صحيح ابن مسلم‏ عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه و لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي، فقال عليه السّلام: لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت أنفسهما»۱۲، فجعل عليه السّلام المناط على طيبة النفس و التراضي بأي وجه اتفق، و منه يستفاد التعميم من كل حيثية و جهة و في كل شي‏ء و مورد.

مقتضى الإطلاقات المزبورة الواردة مورد البيان من كل جهة صحة الصلح حتى في هذه الصورة أيضا، و لا منشأ للتشكيك إلا دعوى الانصراف، و الظاهر كونه من الانصرافات البدوية التي لا اعتبار بها و أي عموم و إطلاق أعم و أكثر توغلا في الإطلاق من قوله تعالى‏ وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ۱۳، فعلق طبيعة الخير على طبيعة الصلح بأي نحو وجهه تحقق، و أما دعوى ذكر تعذر المعرفة في اغتفار الجهالة في كلمات جمع، أو دعوى أنه من الغرر و هو منفي. لا وجه لكل منهما.

أما الأولى فلأنه لا وجه لذكر تعذر المعرفة و اعتباره في اغتفار الجهالة ما لم يذكر دليله، و لم يذكر له دليلا من إجماع أو غيره.

نعم قد ادعى انسباقه من الأدلة و هو أول الدعوى في مقابل ما مر من الإطلاقات.

و أما الثانية فلا وجه له أيضا بعد فرض ان الصلح متحمل من الجهالة ما لا يتحملها غيره، و الأحوط أن يهب كل منهما ماله مجانا إلى صاحبه أو يتصالحا على إسقاط ما بينهما من الحق ان كان في الواقع.

(مسألة ۱۳): إذا كان لغيره عليه دين أو كان منه عنده عين هو يعلم مقدارهما و لكن الغير لا يعلم المقدار فأوقعا الصلح بينهما بأقل من حق المستحق لم يحل له الزائد إلا ان يعلمه و يرضى به (۳۷).نعم، لو رضي بالصلح عن حقه الواقعي على كل حال بحيث لو بين له الحال لصالح عنه بذلك المقدار بطيب نفسه حل له الزائد (۳۸).

للنص، و الإجماع، و لأنه مع عدم الإعلام و الإرضاء بقول مطلق نحو خيانة بالنسبة إلى الطرف، و في صحيح علي بن أبي حمزة قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: رجل يهودي أو نصراني كانت له عندي أربعة آلاف درهم فمات ألي أن أصالح ورثته و لا أعلمهم كم كان؟ قال عليه السّلام: لا يجوز حتى تخبرهم»۱4، و في صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كان لرجل على رجل دين فمطله حتى مات ثمَّ صالح ورثته على شي‏ء فالذي أخذ الورثة لهم، و ما بقي فللميت حتى يستوفيه منه في الآخرة، و إن هو لم يصالحهم على شي‏ء حتى مات و لم يقض عنه فهو كله للميت يأخذه به»۱٥.

لفرض حصول الرضاء و طيب النفس بالزيادة بأي نحو تحققت كما و كيفا فيكون المقتضي للصحة موجودا حينئذ و المانع عنها مفقودا.

(مسألة ۱٤): تقدم في أحكام الربا المعاملي انه لا يجري حكم الربا المعاملي في الصلح و حينئذ فلو صلوح عن الربوي بجنسه بالتفاضل صح و إن كان الأحوط تركه (۳۹)، و لا إشكال مع الجهل و ان احتمل‏ التفاضل، كما لو كان لكل واحد من شخصين طعام عند صاحبه لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فأوقعا الصلح على أن يكون لكل منهما ما عنده مع احتمال التفاضل في البين (٤۰).

أما الصحة فلفرض عدم الربا. و أما الاحتياط فللخروج عن خلاف‏ من ذهب إلى جريان الرباء المعاملي فيه أيضا كما مر.

لإطلاق ما تقدم من صحيح ابن مسلم‏۱٦، فإن إطلاقه يشمل حتى بناء على جريان الرباء المعاملي فيه أيضا.

نعم، يخرج منه صورة العلم بالتفاضل، لحكومة أدلة حرمة الربا عليه حينئذ بناء على جريانه فيه و لكن تقدم عدم الجريان.

(مسألة ۱٥): يصح الصلح عن دين بدين حالين أو مؤجلين أو بالاختلاف متجانسين أو مختلفين سواء كان الدينان على شخصين أو على شخص واحد، كما إذا كان له على ذمة زيد وزنة حنطة و لعمرو عليه وزنة شعير فصالح مع عمرو على ماله في ذمة زيد بما لعمرو في ذمته، و الظاهر صحة الجميع (٤۱)، إلا في المتجانسين مما يكال أو يوزن مع التفاضل ففيه إشكال من جهة الربا (٤۲). نعم، لو صالح عن الدين ببعضه- كما إذا كان له عليه دراهم إلى أجل فصالح عنها بنصفها حالا- فلا بأس به (٤۳)، إذا كان المقصود إسقاط الزيادة و الإبراء عنها و الاكتفاء بالناقص كما هو المقصود المتعارف في نحو هذه المصالحة لا المعاوضة بين الزائد و الناقص (٤٤).

لإطلاقات أدلة الصلح الشاملة لجميع هذه الصور من دون دليل على الخلاف.

تقدم عدم جريانه في الصلح فيصح في هذه الصورة أيضا و ان كانت الصحة خلاف الاحتياط.

لعدم كونه من الرباء- لا الرباء القرضي و لا المعاملي.

أما الأول فلفرض ان هذا العمل صلح و إسقاط ما في الذمة و ليس بقرض.

و أما الثاني فلأنه مفروض العدم أيضا.

و سيأتي في كتاب الدين استفادة الحكم من بعض الروايات.

لأنه حينئذ يصير من الربا المعاملي فيحرم من هذه الجهة مع تحقق سائر شرائطه.

(مسألة ۱٦): يجوز ان يصطلح الشريكان على أن يكون الربح و الخسران على أحدهما و للآخر رأس ماله (٤٥).

البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الإطلاقات و العمومات.

و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

و رابعة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فمقتضى أصالة الصحة صحته بعد الشك في أن مثل هذا الصلح مخالف للشرع بدعوى: ان مقتضى الشركة كون الربح و الخسران على الشريكين لا أن يكون الخسران على أحدهما فقط، أو ليس مخالفا له بدعوى:

ان كونهما مشتركين في الربح و الخسران هو مقتضى إطلاق الشركة لا مقتضى ذاتها و حقيقتها فيجوز اشتراط الخلاف، و التصالح كذلك و هذا مقتضى قاعدة السلطنة أيضا.

و أما الثاني: فمقتضى إطلاقات أدلة الصلح و عموماتها الصحة و الجواز أيضا.

و أما الثالث: ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه و كان من المال دين و عليهما دين، فقال أحدهما لصاحبه:

أعطني رأس المال و لك الربح و عليك التوى، فقال عليه السّلام: لا بأس إذا اشترطا، فإذا كان شرط يخالف كتاب اللّه فهو رد إلى كتاب اللّه عز و جلّ»۱۷، و من ذيله يستفاد صحة المسألة على جميع فروضها المفروضة ما لم يكن فيها شي‏ء مخالف لكتاب اللّه تعالى و ان كان مورد ظاهر السؤال هو بعد انتهاء الشركة لكن خصوصية المورد لا يخصص إطلاق الحكم الموافق للأصل و العمومات فيصح هذا الصلح في ابتداء الشركة و في أثنائه و في انتهائه و قد ضبط الحديث بطرق و متون أخرى لا يضر بالمقصود فراجع المطولات.

و أما الأخير: فادعى الإجماع على الصحة في الجملة، و لكن الكلمات مشوشة في اعتبار بعض القيود فراجعها، و لا محصل للتعرض لها بعد صحة المسألة على جميع الفروض ما لم يكن فيه شرط مخالف للشرع.

(مسألة ۱۷): يجوز للمتداعيين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشي‏ء من المدعى به أو بشي‏ء آخر حتى مع إنكار المدعى عليه، و يسقط بهذا الصلح حق الدعوى، و كذا حق اليمين الذي كان للمدعي على المنكر، و ليس للمدعي بعد ذلك تجديد المرافعة (٤٦). لكن هذا فصل ظاهري تنقطع به الدعوى في ظاهر الشرع و لا يحل به ما أخذه من كان غير محق منهما (٤۷). فإذا ادعى شخص على شخص بدين فأنكره ثمَّ تصالحا على النصف فهذا الصلح و ان أثر في سقوط الدعوى لكن ان كان المدعى محقا بحسب الواقع فقد وصل إليه نصف حقه و بقي الباقي على ذمة المنكر يطالب به في الآخرة إذا لم يكن إنكاره بحق بحسب اعتقاده إلا إذا فرض رضا المدعى باطنا بالصلح عن جميع ماله في الواقع (٤۸)، و ان كان مبطلا واقعا يحرم عليه ما أخذه من المنكر (٤۹)، إلا مع فرض طيب نفسه‏ واقعا (٥0). بأن يكون للمدعي ما صالح به لا أنه رضي به تخلصا من دعواه الكاذبة (٥۱).

أما أصل جواز هذا الصلح و صحته، فتدل عليه إطلاقات أدلة الصلح و عموماته، و ظهور الإجماع عليه.

و أما سقوط حق الدعوى به فلأن تشريع هذا النحو من الصلح لا يكون إلا لذلك، فلو لم يكن له هذه الفائدة لصار لغوا.

للأصل، و النص و الإجماع فعن ابن حمزة قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: رجل يهودي أو نصراني كانت له عندي أربعة آلاف درهم مات‏ أ لي أن أصالح ورثته و لا أعلمهم كم كان؟ قال: لا يجوز حتى تخبرهم»۱۸، و في صحيح عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا كان لرجل على رجل دين فمطله حتى مات، ثمَّ صالح ورثته على شي‏ء فالذي أخذ الورثة لهم، و ما بقي فللميت حتى يستوفيه منه في الآخرة، و ان لم يصالحهم على شي‏ء حتى مات و لم يقض عنه فهو كله للميت يأخذه به»۱۹، و في صحيح هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام قال: «رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان و بعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار»۲0، و الحكم مطابق للأصل و قاعدة السلطنة أيضا إذ ليست لما شرع من طرق فصل الخصومة موضوعية خاصة بل طريق محض لإحقاق الحق فيدور ما وصل من الحق إلى صاحبه يسقط فبقدر ما لم يصل يبقى.

لوقوع الصلح على الجميع حينئذ بتمامه و كماله فلا يبقى شي‏ء بعد ذلك حتى يؤخذ به يوم القيامة.

(٤۹) لأصالة بقاء الحق، و عدم موجب لانتقال شي‏ء منه إلى المدعى كما هو معلوم.

فيحل حينئذ بالأدلة الأربعة فمن الكتاب آية التراضي‏۲۱، و من السنة قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه»۲۲، و المفروض تحققه، و من الإجماع إجماع المسلمين مع تحقق طيب النفس على أي تقدير، و من العقل إنه صلح مطلق واقعي و هو حسن عقلا.

لأصالة بقاء الحق و عدم ما يوجب انتقاله من طيب النفس على كل تقدير.

(مسألة ۱۸): إذا قال المدعى عليه للمدعي: (صالحني) لم يكن هذا إقرارا بالحق، لما عرفت أن الصلح يصح مع الإنكار كما يصح مع الإقرار أما لو قال: «بعني أو ملكني» كان إقرارا (٥۲).

لأن لفظ «ملكني» يدل بالدلالة العرفية على أن المال ملكك و أطلب منك أن تملكني مالك و كذا لفظ «بعني» يدل عرفا على ان المال منك و أنا أريده منك بيعا.

(مسألة ۱۹): إذا كان لواحد ثوب بعشرين درهما مثلا و لآخر ثوب بثلاثين و اشتبها و لم يميز كل منهما ماله عن مال صاحبه، فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه، فكل ما اختاره يحل له و يحل الآخر لصاحبه (٥۳)، و إن تضايقا فإن كان المنظور و المقصود لكل منهما المالية- كما إذا اشترياهما للمساومة و المعاملة- بيعا و قسم الثمن بينهما بنسبة مالهما، فيعطي صاحب‏ العشرين في المثال سهمين من خمسة و الآخر ثلاثة أسهم منها (٥٤)، و إن كان المقصود و المنظور نفس المالين- كما إذا اشترى كل منهما عباء ليلبسه و ليس لهما نظر إلى القيمة و المالية- فلا بد من القرعة (٥٥).

لوجود المقتضي للحلية و فقد المانع عنها، لفرض حصول الرضاء و طيب النفس لكل منهما بالتملك و التصرف كذلك.

لوصول حق كل منهما إلى صاحبه بهذا الطريق و المفروض تسالمهما على إحراز المالية فقط من دون قصد الخصوصية العينية، و يأتي النص الدال عليه أيضا.

لانحصار فصل الخصومة فيها حينئذ، و لأنها لكل أمر مشتبه بعد عدم طريق آخر شرعي أو متعارف لرفع الاشتباه، و في خبر ابن عمار عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما في ثوب و آخر عشرين درهما في ثوب، فبعث الثوبين و لم يعرف هذا ثوبه و لا هذا ثوبه، قال عليه السّلام: يباع الثوبان فيعطي صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، و الآخر خمسي الثمن، قلت: فإن صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين: اختر أيهما شئت، قال: قد أنصفه»۲۳، و لعل عدم ذكر القرعة، لعدم تعرض السائل لفرض موضوعها.

(مسألة ۲۰): لو أتلف على شخص ثوبا- و نحوه- قيمته درهم مثلا فصالحه على درهمين أو أقل أو أكثر يجوز ذلك (٥٦).

لأن نفس العين المتلف في عهدة من أتلفها إلى حين تفريغ ذمته و قد وقع التفريغ بدرهمين أو أقل أو أكثر فلا يكون هذا العمل تبديلا للدرهم الذي هو قيمة الثوب بالزائد عليه حتى يحتمل فيه الرباء المعاملي بل هو إفراغ للذمة بعين ما اشغلت به.

(مسألة ۲۱): لو كان معهما درهمان و ادعاهما أحدهما و ادعى الآخر أحدهما كان لمدعيهما درهم و نصف و للآخر ما بقي (٥۷).

البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب القاعدة العرفية.

و ثالثة: بحسب الدليل الخاص.

أما الأول: فمقتضى الأصل بقاء حق الاختصاص بالنسبة إلى أحد الدرهمين إجمالا الذي يدعيهما أحدهما و يعترف به الآخر و انما النزاع في الآخر الذي يدعيه كل واحد منهما لنفسه، و أما أصالة عدم اختصاص الآخر لكل واحد منهما إما لا تجري أو تجري و تسقط بالمعارضة على ما فصل ذلك في الأصول.

أما الثاني: فحيث ان كل واحد منهما مسلط على ماله و لا ترجيح لكل واحد منهما على الآخر بوجه من الوجوه فالعقل و العرف يحكم بتنصيفه بينهما جمعا بين حقهما بقدر الإمكان و أن لا يكون نصيب أحدهما الحرمان و هذا الانسباق الذهني عند العرف يمنع عن احتمال القرعة، مع أن جريانها يحتاج إلى جبر دليلها بعمل الأصحاب و لا عمل منهم عليها في المقام بل الارتكاز على خلافها، بحيث لو امتنع أحدهما عن التنصيف يستنكر ذلك منه و يلام عليه عند العرف و لا يرون بحسب مرتكزاتهم يمينا و حلفا لأحدهما على الآخر، فهذا الأمر الارتكازي يقتضي التنصيف و هو قاعدة سارية في جميع الموارد ما لم ينه عنه الشارع.

و بعبارة أو جز: كل مال حصل النزاع فيه.

تارة: يكون تحت يد كل واحد من المتنازعين بحيث لا يكون تفاوت ليدهما أبدا في البين.

و أخرى: لا يد لأحدهما عليه أصلا و هو خارج تحت استيلائهما بالمرة.

و ثالثة: يكون تحت يد أحدهما فقط و يدعيه الآخر.

و رابعة: يكون في يدهما معا و تحت استيلائهما مع اختلاف احدى اليدين على الأخرى بجهة من الجهات.

و المنساق إلى الأذهان في الأول هو التنصيف، لما مر بلا لزوم حلف و يمين، للأصل بعد عدم دليل على الخلاف و يصح أن يسمى هذا بالصلح القهري و لا بأس به، لحكم المتعارف بصحته، و إقدامهم عليه و النص ورد على طبق هذا المرتكز العرفي.

و الثاني مورد التداعي الذي يحتاج الى حلف كل واحد منهما.

كما إن الثالث يحتاج إلى حلف المنكر بعد عدم البينة للمدعي، و الأخير يحتاج إلى الترجيح و قد فصل ذلك كله في كتاب القضاء.

و أما الدليل الخاص ففي صحيح ابن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، و قال الآخر: هما بيني و بينك، فقال عليه السّلام: أما الذي قال هما بينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له و أنه لصاحبه و يقسم الدرهم الثاني بينهما نصفين»۲4، و مثله ما عن السكوني عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام: «في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا، فضاع دينار منها، قال: يعطي صاحب الدينارين دينارا و يقسم الآخر بينهما نصفين»۲٥.

و ظهر مما تقدم انهما موافقان لما هو المرتكز في الأذهان و لقاعدة العدل و الإنصاف التي صرح باعتبارها جمع من الأعيان، و يصح أن يكون هذا صلحا قهريا لا اختياريا- كما تقدم- و يستدل على صحته بالنص- كما تقدم- و الإجماع.

(مسألة ۲۲): لو كان لأحد مقدار من الدراهم و لآخر مقدار منها عند ودعي أو غيره فتلف مقدار لا يدري انه من أي منهما، فإن تساوي مقدار الدراهم منهما- بأن كان لكل منهما درهمان أو ثلاثة مثلا- يحسب التالف عليهما و يقسم الباقي بينهما نصفين (٥۸). و إن تفاوتا فأما أن يكون التالف بمقدار ما لأحدهما و أقل مما للآخر أو يكون أقل من كل منهما، فعلى الأول يعطي للآخر ما زاد على التالف و يقسّم الباقي بينهما نصفين (٥۹) كما إذا كان لأحدهما درهمان و للآخر درهم و كان التالف درهما يعطي صاحب الدرهمين درهما و يقسم الدرهم الباقي بينهما نصفين، أو كان لأحدهما خمسة دراهم و للآخر درهمان و كان‏ التالف درهمين يعطي لصاحب الخمسة ثلاثة و يقسم الباقي (٦0)،- و هو الدرهمان- بينهما نصفين. و على الثاني يعطي لكل منهما ما زاد على التالف (٦۱)، و يقسم الباقي بينهما نصفين، فإذا كان لأحدهما خمسة و للآخر أربعة و كان التالف ثلاثة يعطي لصاحب الخمسة اثنان و لصاحب الأربعة واحدا و يقسم الباقي- و هو الثلاثة- بينهما نصفين، فلصاحب الخمسة ثلاثة و نصف و لصاحب الأربعة اثنان و نصف (٦۲)، هذا كله إذا كان المالان مثليين كالدراهم و الدنانير (٦۳)، و أما إذا كانا قيميين كالثياب و الحيوان فلا بد من المصالحة أو تعيين التالف بالقرعة (٦٤).

لظهور الإجماع، و لما تقدم من القاعدة الارتكازية، و إمكان الاستفادة من قوله عليه السّلام في الصحيح المتقدم: «و يقسم الدرهم الثاني بينهما نصفين»، لكونه مورد النزاع لكل منهما بالسوية، لأن كل منهما يدعى تمام الدرهم فحكم عليه السّلام بالتنصيف ففي كل مورد يكون المدعى به لأحدهما ما يدعيه الآخر يكون الحكم هو التنصيف فتأمل.

و قول علي عليه السّلام في المال المشترك: «ما اقتضى أحدهما فهو بينهما و ما يذهب بينهما»۲٦، و تقدم في خبر السكوني ما يشهد له أيضا.

لما مر من الأدلة في سابقة بلا فرق بينه و بين المقام، و في خبر السكوني عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام: «في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها، قال عليه السّلام: يعطي صاحب الدينارين دينارا و يقسمان الدينار الباقي بينهما نصفين»۲۷، و قد مر أنه موافق للمرتكزات، و لقاعدة العدل و الإنصاف.

لعين ما مر في سابقيه بلا فرق بينها.

بأن يلحظ مقدار التالف أولا إلى حصة كل منهما ليحسب من المجموع و يرد نقص مقدار التلف عليهما ثمَّ يعطي كل واحد منهما ما يخصهما و لا نزاع لأحدهما فيه، ثمَّ يقسم الباقي الذي هو مورد النزاع بينهما بنصفين لما تقدم من الأدلة فيكون مجموع المال في المقام تسعة و تلف ثلثها منها و ثلث آخر ليس مورد النزاع لأحد و هو اثنان من خمسة لصاحب الخمسة و واحد من الأربعة لصاحب الأربعة و بقي ثلث آخر يدعيه كل منهما فيقسم بينهما نصفين لما مر من الأدلة فيصير لكل واحد منهما واحد و نصف.

قد ظهر وجهه ما قلناه.

بحيث لا يكون تفاوت بين أفراده، و يصح لحاظ الإشاعة الفردية و إلا فالدرهم و الدنانير قد تكون متفاوتة بحسب الأزمنة و الأمكنة، كما أن جملة القيميات التي كانت قيمية في الأزمنة القديمة صارت مثلية في هذه الأعصار.

لتحقق التفاوت بين الأفراد، فلا موضوع حينئذ للتنصيف لأن مورده‏ ما إذا كان نصيب كل واحد مثل نصيب الآخر بلا تفاوت بينهما من هذه الجهة و ينحصر الأمر حينئذ بالمصالحة أو القرعة.

(مسألة ۲۳): يجوز إحداث الروشن المسمى في العرف الحاضر بالشناشيل على الطرق النافذة و الشوارع العامة إذا كانت عالية بحيث لم‏ تضرّ بالمارة (٦٥)، و ليس لأحد منعه حتى صاحب الدار المقابل و ان استوعب عرض الطريق بحيث كان مانعا عن إحداث روشن في مقابله (٦٦). ما لم يضع منه شيئا على جداره (٦۷). نعم إذا استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه إشكال بل‏ منع (٦۸) و إن جوّزنا مثل ذلك في تعلية البناء في ملكه (٦۹)، فلا يترك الاحتياط (۷0).

للإجماع، و السيرة المستمرة خلفا عن سلف المنتهية إلى زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله.

كل ذلك لأصالة ثبوت ذلك الحق و لا حق لأحد عليه بعد فرض عدم تحقق ضرر في البين كما هو المفروض.

إن قيل: إن للطرف الآخر حق في الهواء فله ان يمنعه عن ذلك.

يقال: الهواء تابع للمحل.

فتارة: يكون موردا لحق خاص ليس لأحد التصرف فيه كالهواء (العمودي) فوق ملك خاص لمالك مخصوص بقدر ما يعتبره العرف.

و أخرى‏: يكون من المشتركات يستحقه كل من سبق إليه كما في المقام و نحوه.

و ثالثة: مورد حق اثنين أو أزيد كالهواء في الطرق غير النافذة.

فإنه لا يجوز ذلك حينئذ إلا بإذنه بالأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى‏ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ*۲۸، و من السنة قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه»۲۹، و من العقل انه ظلم قبيح، و من الإجماع إجماع المسلمين.

للشك في تحقق السيرة حينئذ، بل الظاهر استنكار المتشرعة لذلك، مع أنه نحو من الإضرار و أصل الصحة و الجواز كانتا مقيدة بعدمه، و يشهد له مورد حديث نفي الضرر و الضرار في قضية سمرة۳0، كما سيأتي.

لقاعدة السلطنة، فإن الظاهر أن الهواء (العمودي) الذي يكون ملك شخص بالملكية الخاصة ملك له أيضا فله أن يتصرف بما شاء و يمنع الغير عن التصرف فيه و يصح فيه النقل و الانتقال أيضا، و كذا موارد الحريم المختص ان بنيت الدار في أرض الموات فإن الظاهر اختصاص هواء الحريم بصاحب الدار كاختصاص نفس الحريم به هذا وجه عدم جواز إحداث مثل هذه الرواشن (الشبابيك).

و أما وجه الجواز فلاحتمال شمول قاعدة السلطنة لمثل هذه الرواشن أيضا، و احتمال كون استنكار المتشرعة لذلك على فرض ثبوته تنزيهيا مجامليا لا مثل استنكارهم للمحرمات الحقيقية. هذا إذا لم يرجح حق أحدهما على الآخر بالمرجحات المتعارفة المعتبرة و إلا فلا بد من اتباعها.

ظهر وجهه مما مر فلا وجه للتكرار.

(مسألة ۲٤): لو بنى روشنا على الجادة ثمَّ انهدم أو هدم، فإن لم يكن من قصده تجديد بنائه لا مانع لأن يبنى الطرف المقابل ما يشغل ذلك الفضاء و لم يحتج إلى الاستيذان من الباني الأول (۷۱). و إلا ففيه إشكال، بل‏ عدم الجواز لا يخلو من قوة فيما إذا هدمه ليبنيه جديدا (۷۲).

لرجوع الفضاء إلى الإباحة الأوّلية، فيكون المقتضي للحيازة لكل من‏ أرادها موجودا و المانع عنه مفقودا فتصح حيازته لكل من سبق إليها و يترتب عليها الأثر.

و احتمال استصحاب بقاء حق الأول لا وجه له، لأن أصل حدوث أصل هذا الحق مردد بين أن يكون تابعا للروشن حدوثا و بقاء، أو كان إحداث الروشن موجبا لحدوثه مطلقا حتى لو انهدم الروشن، و القسم الأخير مشكوك في أصل حدوثه فليس في البين متيقن سابق حتى يستصحب فالمقام مثل ما إذا قعد أحد في محل مشترك ثمَّ قام و راح.

لأصالة بقاء الحق حينئذ عرفا و كون وجود الروشن الأول من الحالات لا المقومات و يكون المقام نظير الرحل الموضوع في المحال المشتركة و الأماكن المتبركة.

(مسألة ۲٥): لو أحدث شخص روشنا على الجادة لا يجوز للطرف المقابل له أحداث روشن بدون إذن الأول إن تضرر الأول به (۷۳)، و لو لم يكن ضرر في البين فلا بأس به (۷٤)، و المرجع في الضرر ثقات أهل الخبرة بهذه الأمور (۷٥).

لقاعدة نفي الضرر و الضرار، مضافا إلى الإجماع.

للأصل، و عموم ما دل على جواز حيازة كل أحد للمباحات و المشتركات.

لاعتبار قول ثقات أهل الخبرة عند العرف و العقلاء و لم يرد عن‏ ذلك ردع شرعي بل ورد التقرير بآية التبيين‏۳۱، و نحوها.

(مسألة ۲٦): كما يجوز إحداث الروشن على الجادة يجوز فتح الأبواب المستجدة فيها، سواء كانت له باب أخرى أم لا، و كذا فتح الشباك و الروازن عليها و نصب الميزاب فيها، و كذا بناء ساباط عليها إذا لم يكن‏ معتمدا على حائط غيره (۷٦)، مع عدم إذنه (۷۷) و لم يكن مضرا بالمارة و لو من جهة الظلمة (۷۸)، و لو فرض انه كما يضرهم من جهة ينفعهم من جهات أخرى كالوقاية عن الحر و البرد و التحفظ عن الطين و غير ذلك لا يبعد الموازنة بين الجهتين فيراعى ما هو الأصلح (۷۹) و الأولى المراجعة في ذلك الى حاكم الشرع فيتبع نظره (۸0)، و كذا يجوز إحداث البالوعة للأمطار فيها مع التحفظ عن كونها مضرة بالمارة و كذا يجوز نقب سرداب‏ تحت الجادة مع إحكام أساسه و بنيانه و سقفه بحيث يؤمن من الثقب و الخسف و الانهدام (۸۱).

كل ذلك للأصل، و قاعدة السلطنة، و السيرة المستمرة، و ظهور الإجماع.

أما عدم الجواز مع عدم الإذن، فللأدلة الأربعة كما مر مرارا.

و أما الجواز معه فكذلك و لا بد في نصب الميزاب ملاحظة ما هو المتعارف فلو خرج عن المتعارف بحيث يضر بالمارة لا يجوز، لقاعدة نفي الضرر و الضرار.

لقاعدة نفي الضرر و الضرار، مضافا إلى الإجماع و استنكار الناس لذلك.

لأن هذه كلها من حقوق الناس بعضهم على بعض، و قد جرت سيرتهم على تقديم الراجح فيها على المرجوح و الأرجح على الراجح.

لأن أمثال هذه الموارد من مظان التشاجر و التخاصم فلا بد من وجود من يقطع التشاجر و هو الحاكم الشرعي، و يجوز اتفاقهما على نظر الثقة الخبير بهذه الأمور لأن به يقطع التخاصم أيضا، بل الحاكم الشرعي لو لم يكن بنفسه من أهل الخبرة يرجع إليه في تشخيص الموضوع ثمَّ يحكم بما ظهر له من نظره.

كل ذلك للأصل و السيرة، و ظهور الإجماع، و إطلاق ما دل على جواز حيازة المباحات مع عدم وجود ضرر على الغير في الحال و المآل، و أما مع وجوده فلا يجوز لقاعدة نفي الضرر و الضرار الحاكمة على ذلك كله.

(مسألة ۲۷): لا يجوز لأحد إحداث شي‏ء من روشن أو جناح أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو فتح باب أو نقب سرداب و غير ذلك على الطرق غير النافذة المسماة بالمرفوعة و الرافعة و في العرف الحاضر بالدريبة إلا بإذن أربابها (۸۲)، سواء كان مضرا أو لم يكن (۸۳)، و كما لا يجوز إحداث شي‏ء من ذلك لغير أربابها إلا بإذنهم كذلك لا يجوز لبعضهم إلا بإذن شركائه فيها (۸٤)، و لو صالح غيرهم معهم أو بعضهم مع الباقين على إحداث شي‏ء من ذلك صح و لزم (۸٥). سواء كان مع العوض أو بلا عوض (۸٦) و يأتي في كتاب احياء الموات بعض المسائل المتعلقة بالطريق ان شاء اللّه تعالى.

لأن الطرق غير النافذة مشتركة بين أربابها و لهم حق الاختصاص بها و لا يجوز التصرف في متعلق حق الغير المختص به إلا بإذن صاحبه الثابت، ذلك بالأدلة الأربعة من الكتاب و السنة و الإجماع و العقل و قد مر ذلك مكررا في هذا الكتاب و يأتي في كتاب الاحياء ما يتعلق بأحكام الطرق إن شاء اللّه تعالى.

لأن التصرف في ملك الغير و حقه حرام مطلقا و لا يدور مدار تحقق الإضرار و عدمه، بالضرورة الدينية فلا يجوز ذلك مع عدم الإذن مطلقا و يجوز معه و يدور مقدار التصرف حينئذ مدار كمية الإذن و كيفيته كما هو واضح.

لعدم جواز تصرف أحد الشريكين في مورد الشركة- ملكا كان أو حقا- إلا بإذن البقية بالضرورة المذهبية بل الدينية، و يأتي في كتاب الشركة بعض ما يدل عليه إن شاء اللّه تعالى.

أما الصحة فلإطلاق أدلة الصلح و عمومها الشامل للمقام أيضا. و أما  اللزوم فلما مر من أن عقد الصلح لازم.

لما مر في أول الكتاب من أن الصلح يصح مع العوض و بدونه، للعمومات و الإطلاقات الشاملة لهما.

(مسألة ۲۸): لا يجوز لأحد ان يبني بناء أو يضع جذوع سقفه على حائط جاره إلا بإذنه و رضاه (۸۷)، و إذا التمس ذلك من الجار لم يجب عليه اجابته (۸۸)، و إن استحب له استحبابا مؤكدا من جهة ما ورد من التأكيد في قضاء حوائج الأخوان و لا سيما الجيران و لو بنى أو وضع الجذوع بإذنه و رضاه فإن كان ذلك بعنوان ملزم كالشرط في ضمن عقد لازم أو بالإجارة أو بالصلح عليه لم يجز له الرجوع (۸۹)، و أما إذا كان مجرد الإذن و الرخصة جاز له الرجوع قبل البناء و الوضع قطعا (۹0)، و أما بعد ذلك فهل يجوز له الرجوع مع الأرش و عدمه أم لا (۹۱)،مع استحقاق الأجرة و عدمه (۹۲).وجوه و أقوال و المسألة في غاية الإشكال (۹۳)، فلا يترك الاحتياط بالتصالح و التراضي بينهما و لو بالإبقاء مع الأجرة أو الهدم مع الأرش (۹٤).

لما تقدم غير مرة من حرمة التصرف فيما يتعلق بالغير بدون رضاه لقولهم عليه السّلام: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه»۳۲، بل بالضرورة الدينية.

للأصل، و قاعدة السلطنة، و ظهور الاتفاق.

لأن ما صدر منه صار لازما في هذه الموارد الخاصة و المفروض كون المقام من بعضها.

لقاعدة السلطنة، و أصالة عدم حدوث حق الإبقاء للواضع، و ظاهرهم الاتفاق عليه.

أما الرجوع فلقاعدة السلطنة الجارية في أصل الحدوث و في البقاء أيضا.

و أما الأرش، فلقاعدة من أتلف فإن البناء وقع بعد اذنه صحيحا فهو مال محترم يجب تدارك إتلافه، و أما وجه عدم الأرش فلا إتلاف انما حصل بحكم الشارع بوجوب تفريغ مال الغير ورده إليه فالإتلاف مستند إلى صاحب الجذوع الذي يكون هو الباني لا إلى الجار حتى يوجب ضمانه فلا منشأ لضمانه حتى يتعلق به الأرش و الغرامة و حينئذ فمقتضى قاعدة السلطنة صحة الرجوع و يجب على صاحب الجذع تفريغ الجدار ورده سالما إلى صاحبه من دون استحقاقه لأخذ الأرش لما فعل من قلع بنائه، لأن البناء وقع من إقدامه و فعله و الصلح من أمر الشارع لا بتسبيب من صاحب الجدار.

أما عدم جواز الرجوع فلأن الإذن في وضع الجذع مع الالتفات إلى أنه يبني عليه و البناء يبقى مدة بحسب العادة إسقاط لحق الرجوع ما دام البناء، و الاذن في الشي‏ء إذن في لوازمه العرفية فيكون إبقاء الوضع لازما على صاحب الجدار مع استنكار العرف للرجوع بعد الإذن في الوضع و الشك في جواز الرجوع و عدمه يكفي في عدم جواز التمسك بعموم القاعدة، لأنه تمسك بالدليل اللفظي في الموضوع المشكوك.

و أما استصحاب بقاء الحق فلا يجري أيضا، لأن أصل هذا الحق مردد بين أن يكون حقا في مجرد الحدوث أو في الحدوث و البقاء معا و في مثله لا يجري الأصل، مضافا إلى جريان قاعدة نفي الضر بالنسبة إلى صاحب الجذع و لزوم تضييع المال في القلع.

و أما استحقاق الأجرة، فلأنه جمع بين الحقين بناء على عدم سقوط حق صاحب الجدار عن البقاء.

و أما عدم استحقاقها، فهو مبني على لزوم الإبقاء على صاحب الجدار و سقوط حقه عن الرجوع كما مرت الإشارة إليه.

إذ ليس فيها نص خاص و لا إجماع معتبر و إنما حصلت الأقوال من الأنظار من حيث ملاحظة القواعد العامة و تطبيقها على المورد ثمَّ المناقشة في التطبيق و في مثل ذلك لا بد من الاحتياط.

لأن بكل منهما مع التراضي يحصل الاحتياط لا محالة.

(مسألة ۲۹): لا يجوز للشريك في الحائط التصرف فيه ببناء و لا تسقيف و لا إدخال خشبة أو وتد أو غير ذلك إلا بإذن شريكه (۹٥)، أو إحراز رضاه بشاهد الحال (۹٦) كما هو الحال في التصرفات اليسيرة كالاستناد إليه أو وضع يده أو طرح ثوب عليه أو غير ذلك (۹۷)، بل الظاهر إن مثل هذه الأمور اليسيرة لا يحتاج إلى إحراز الاذن و الرضا كما جرت به السير (۹۸).نعم، إذا صرّح بالمنع و أظهر الكراهة لم يجز (۹۹).

لحرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه عقلا و شرعا، مضافا إلى الإجماع على ذلك في المقام.

لأن المناط في هذه التصرفات على إحراز الرضا، و شاهد الحال من طرق إحرازه عند العرف.

لجريان السيرة المستمرة خلفا عن سلف على هذه التصرفات من غير منع و إنكار، بل الناس يستقبحون من منع عنها و يستنكرون ذلك.

و يمكن أن يعد مثل هذا من الحقوق المجاملية اللازمة المراعاة بين الجيران و المؤمنين بعضهم على بعض فهو نحو حق جعله اللّه تعالى عليهم، فيكون الحق شرعيا لا أن يكون مالكيا.

و منه يظهر عدم أثر منع المالك لو امتنع عن ذلك مع عدم ضرر في البين‏ و لكنه على إطلاقه مشكل و إن صح في مثل الاستضاءة بنور الغير و الاستظلال بجداره مع عدم التصرف في ماله و عدم ضرر عليه.

إن عد تصرفا و كان المورد حقا مالكيا لا من حق اللّه تعالى.

و خلاصة الكلام في المقام و أمثاله إن المحتملات ثبوتا ثلاثة.

الأول‏: ان تكون هذه الأمور اليسيرة الشائعة بين الناس حقا شرعيا إلهيا مجعولا بين العباد بعضهم على بعض و لا إشكال في أنه لا ربط له بالمالك و ليس له حق المنع إلا مع انطباق عنوان الضرر و نحوه عليه.

الثاني‏: أن يكون حكما شرعيا من دون أن يكون حقا شرعيا و لا مالكيا و حكمه كسابقه من حيث عدم صحة منع المالك، لفرض أنه لا حق له.

الثالث‏: أن يكون حقا مالكيا و لا يعد مثل هذه الأمور من التصرف الممنوع في ملك الغير الذي يكون حراما عقلا و شرعا و دعوى: انصراف التصرف المحرم عن مثله بشهادة استمرار السيرة عليها.

(مسألة ۳۰): لو انهدم الجدار المشترك و أراد أحد الشريكين تعميره لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته (۱00)، و هل له التعمير من ماله مجانا بدون إذن شريكه لا إشكال في أن له ذلك إذا كان الأساس مختصا به و بناه بآلات مختصة به (۱0۱)، كما إنه لا إشكال في عدم الجواز إذا كان الأساس مختصا بشريكه (۱0۲)، و أما إذا كان الأساس مشتركا فإن كان قابلا للقسمة ليس له التعمير بدون إذنه (۱0۳). نعم له المطالبة بالقسمة (۱0٤) فيبني على حصته المفروزة (۱0٥) و إن لم يكن قابلا للقسمة و لم يوافقه الشريك في شي‏ء يرفع أمره الى الحاكم (۱0٦). ليخيّره بين عدة أمور من بيع أو إجارة أو المشاركة معه في العمارة أو الرخصة في تعميره و بنائه من ماله مجانا (۱0۷)، و كذا الحال لو كانت الشركة في بئر أو نهر أو قناة أو ناعور و نحو ذلك، فلا يجبر الشريك على المشاركة في التعمير و التنقية (۱0۸)، و لو أراد الشريك تعميرها و تنقيتها من ماله تبرعا و مجانا له ذلك على الظاهر (۱0۹)، و ليس للشريك‏ منعه خصوصا إذا لم يمكن القسمة (۱۱0)، كما إنه لو أنفق في تعميرها فنبع الماء أو زاد ليس له ان يمنع شريكه الغير المنفق من نصيبه من الماء لأنه من فوائد ملكهما المشترك (۱۱۱).

للأصل، و قاعدة السلطنة، و ظهور الإجماع.

لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فيشمله عموم قاعدة السلطنة و ظاهرهم عدم الخلاف فيه أيضا.

لأنه تصرف و لا يجوز التصرف في مال الغير إلا بإذنه بالأدلة الأربعة كما مر مرارا.

لبقائه على الاشتراك ما لم يقسم و لا يجوز التصرف في المال المشترك بدون إذن الشريك عقلا و شرعا.

لأن لكل شريك حق المطالبة بالقسمة في المال المشترك، للإجماع، و لقاعدة السلطنة.

لقاعدة السلطنة بعد زوال المانع.

لأنه المرجع في رفع المشاجرة و التخاصم و يجوز لهما التصالح و التراضي على كل ما يوافقا عليه، إذ المطلوب استرضاء الشريك بوجه معتبر شرعي و التصالح معتبر شرعا و لا موضوعية لخصوص نظر الحاكم الشرعي بل هو طريق للتراضي.

و لو فرض وجود طريق آخر لإمكان اتفاق رأيهما عليه يكون من أطراف التخيير أيضا، لأن ما ذكروه ليس من باب الحصر بل انما هو من باب الغالب.

لكون الحكم مطابقا للقاعدة فيجري في الجميع بلا فرق بين المصاديق.

للأصل، و لأنه إحسان محض و ليس في البين مانع شرعي أو عرفي‏ عنه فتشمله أصالة الإباحة و الأدلة المرغبة إلى الخير و الإحسان.

نعم، لو ادعى الطرف التضرر بذلك لا بد حينئذ من مراجعة الحاكم الشرعي.

لإطلاق قوله تعالى‏ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏۳۳، الشامل للصورتين، مع استنكار العرف لمنعه في الصورة الثانية.

هكذا علله جمع منهم صاحب الجواهر رحمه اللّه و هو صحيح و لم يؤثر فيه إلا نقل الطين لا إيجاد عين خارجية مختصة به حتى يختص بها كما في بناء الجدار إذا كان بالآلات المختصة بأحدهما.

(مسألة ۳۱): لو كانت جذوع دار أحد موضوعة على حائط جاره و لم يعلم على أي وجه وضعت حكم في الظاهر بكونه عن حق و استحقاق حتى يثبت خلافه (۱۱۲)، فليس للجار ان يطالبه برفعها عنه، و لا منعه من التجديد لو انهدم السقف (۱۱۳)، و كذا الحال لو وجد بناء أو مجرى ماء أو نصب ميزاب من أحد في ملك غيره و لم يعلم سببه فإنه يحكم في أمثال ذلك بكونه عن حق و استحقاق إلا أن يثبت كونها عن عدوان أو بعنوان‏ العارية التي يجوز فيها الرجوع (۱۱٤).

لقاعدة الصحة الجارية في فعل المسلم، مضافا إلى ظهور الإجماع.

لفرض ثبوت الحكم الشرعي الظاهري بأنه كان بحق ما لم يعلم الخلاف و لم يعلم الخلاف بعد. و كذا الحال في الفرع اللاحق من غير فرق بينه و بين سابقة فلا وجه للتكرار.

فيجوز للجار المطالبة برفعها حينئذ و المنع عن التجديد، لقاعدة السلطنة من غير دليل حاكم عليها.

(مسألة ۳۲): إذا خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار من غير استحقاق، له ان يطالب مالك الشجرة بعطف الأغصان أو قطعها من حد ملكه (۱۱٥)، و إن امتنع صاحبها يجوز للجار عطفها أو قطعها (۱۱٦). و مع إمكان الأول لا يجوز الثاني (۱۱۷).

للإجماع، و قاعدة السلطنة.

لظهور الاتفاق، و يدل عليه أيضا حديث سمرة بن جندب المعروف بين الخاصة و العامة، ففي صحيح أبي عبيدة الحذاء قال: «قال أبو جعفر عليه السّلام:

كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان، فكان إذا جاء إلى نخلته ينظر إلى شي‏ء من أهل الرجل يكرهه الرجل، قال: فذهب الرجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فشكاه، فقال يا رسول اللّه: إن سمرة يدخل عليّ بغير إذني فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتى تأخذ أهلي حذرها منه، فأرسل إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فدعاه فقال: يا سمرة ما شأن فلان يشكوك و يقول: يدخل بغير إذني فترى من أهله ما يكره ذلك، يا سمرة استأذن إذا أنت دخلت فأبى، ثمَّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يسرك أن يكون ذلك عذق في الجنة بنخلتك؟ قال: لا، قال: لك ثلاثة؟

قال: لا، قال صلّى اللّه عليه و آله: ما أراك يا سمرة إلا مضارا اذهب يا فلان فاقطعها و اضرب بها وجهه»۳4.

لحرمة التصرف في مال الغير إلا بما هو الأرفق فالأرفق في دحض ظلمه و عدوانه، مضافا إلى ظهور اتفاقهم عليه، و يشهد له مراعاة النبي صلّى اللّه عليه و آله الأرفق فالأرفق في قضية سمرة، و حينئذ فلو أمكنه العطف و قطع مع ذلك يكون‏ ضامنا لعدم الإذن الشرعي في القطع حينئذ فتجري قاعدة اليد و قاعدة من أتلف للضمان من غير دليل حاكم عليهما.

ثمَّ أن في المقام فروعا كثيرة الأنسب ذكرها في كتاب القضاء و يأتي التعرض لها هناك إن شاء اللّه تعالى.

(مسألة ۱): يعتبر في المصالح عدم الحجر لسفه أو فلس أو رق (۱).

لفرض حجره فيتوقف صحته على اذن من الآذن على ما يأتي في محله ان شاء اللّه تعالى.

(مسألة ۲): يجوز للولي أن يصالح عن المولى عليه مع المصلحة (۲)، كما انه يجوز له قبول الصلح له (۳).

لأن هذا من فروع ولايته.

بل قد يجب ذلك لما تقدم من عموم ولايته خصوصا مع احتياج المولى عليه.

(مسألة ۳): لو تصالح شخص مع الراعي بأن يسلم نعاجه إليه ليرعاها سنة مثلا و يتصرف في لبنها و يعطي مقدارا معينا من الدهن مثلا صحت المصالحة (٤)، بل لو آجر نعاجه من الراعي سنة على ان يستفيد من لبنها بعوض مقدار معين من دهن أو غيره صحت الإجارة (٥).

لشمول عموم أدلة الصلح لذلك أيضا.

لتمامية شرائط الإجارة على ما يأتي في كتاب الإجارة.

(مسألة ٤): يشترط في مورد الصلح أن لا يكون من المحرمات الشرعية كالخمر و الخنزير- و الاعمال و المنافع المحرمة (٦).

لتعلق النهي عن نقله و انتقاله بجميع الوجوه كما مر مكررا.

(مسألة ٥): لو بان أحد العوضين مستحقا للغير بطل الصلح في المعين (۷)، و يصح في الكلي (۸).

لثبوت عدم تحقق العوضية و المفروض انه معين فلا موضوع للتبدل إلى المثل أو القيمة كما لا وجه لقياس المقام بالمهر في النكاح إذا ظهر مستحقا للغير، لأن النكاح ليس من المعاوضات في شي‏ء و إطلاق المعاوضة عليه انما هو بالعناية.

لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع بعد ظهور عدم كون المأخوذ فردا من الكلي.

(مسألة ٦): الظاهر أن الهواء المجاور لكل ملك من فوقه أو من جوانبه- تبع لأصل الملك (۹).

للسيرة ما لم يمنع العرف عن ذلك فيجوز للمالك أنحاء التصرفات فيه، كما يجوز الصلح فيه بعوض أو بدونه، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك قريبا.

(مسألة ۷): يجوز صرف الزكاة- من سهم سبيل اللّه في المصالحة بين شخصين من المؤمنين أن توقف الصلح بينهما عليه (۱0)، كما يجوز المصالحة عن الحقوق المجاملية مع تركها بعوض أو غير عوض (۱۱) بالهبة، بل الأولى عدم ترك ذلك (۱۲).

لما تقدم في كتاب الزكاة، و لرواية أبي حنيفة سائق الحاج قال: «مر بنا المفضل و أنا و ختني نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة ثمَّ قال: تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتى إذا استوثق كل واحد منا من صاحبه قال: أما انها ليست من مالي و لكن أبو عبد اللّه عليه السّلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شي‏ء ان أصلح بينهما و افتدي بها من ماله فهذا من مال أبي عبد اللّه عليه السّلام‏۱، بل يجوز وقف مال لأجل ذلك.

لشمول العمومات لها أيضا.

لئلا يؤخذ بها يوم القيمة كما في الحديث‏۲.

  1. سورة الأنفال: ۱.
  2. سورة الحجرات: ۱0.
  3. سورة النساء: ۱۲۸.
  4. مواهب الرحمن ج: ۹ ص: ۳۸٦ ط. النجف.
  5. سنن ابن ماجه باب: ۲۳ من أبواب الأحكام كتاب الصلح.
  6. الوسائل باب: ۳ من أبواب الصلح: ۱.
  7. راجع المجلد السادس عشر صفحة: ۲۳۱- ۲۳۳.
  8. تقدم في ج: ۱۷ صفحة: ۸۹- ۱۱۱- ۱۷۱.
  9. المجلد السادس عشر صفحة: ۲۷۲.
  10. الوسائل باب: ۳ من أبواب الصلح و تقدم في صفحة: ۱٦٥.
  11. الوسائل باب: ۱4۱ من أبواب أحكام العشرة.
  12. الوسائل باب: ٥ من أبواب الصلح: ۱.
  13. سورة النساء: ۱۲۸.
  14. الوسائل باب: ٥ من أبواب الصلح ۲.
  15. الوسائل باب: ٥ من أبواب الصلح: 4.
  16. الوسائل باب: ٥ من أبواب الصلح: ۱.
  17. الوسائل باب: 4 من أبواب الصلح: ۱.
  18. الوسائل باب: ٥ من أبواب الصلح: ۲ .
  19. الوسائل باب: ٥ من أبواب الصلح: 4.
  20. الوسائل باب: ۲ من أبواب كيفية الحكم. ۱.
  21. سورة النساء: ۲۹.
  22. الوسائل باب: ۳ من أبواب مكان المصلي حديث: ۱.
  23. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الصلح.
  24. الوسائل باب: ۹ من أبواب أحكام الصلح: حديث: ۱.
  25. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب أحكام الصلح: حديث: ۱.
  26. الوسائل باب: ٦ من أبواب الشركة: ۱.
  27. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب أحكام الصلح.
  28. سورة النساء: ۲۹.
  29. الوسائل باب: ۳ من أبواب مكان المصلي حديث: ۱.
  30. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب إحياء الموات حديث: ۱.
  31. سورة الحجرات: ٦.
  32. الوسائل باب: ۳ من أبواب مكان المصلي حديث: ۱.
  33. سورة التوبة: ۹۱.
  34. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب إحياء الموات حديث: ۱.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"