البحث في هذه المسألة.
تارة: بحسب الأصل.
و أخرى: بحسب القاعدة العرفية.
و ثالثة: بحسب الدليل الخاص.
أما الأول: فمقتضى الأصل بقاء حق الاختصاص بالنسبة إلى أحد الدرهمين إجمالا الذي يدعيهما أحدهما و يعترف به الآخر و انما النزاع في الآخر الذي يدعيه كل واحد منهما لنفسه، و أما أصالة عدم اختصاص الآخر لكل واحد منهما إما لا تجري أو تجري و تسقط بالمعارضة على ما فصل ذلك في الأصول.
أما الثاني: فحيث ان كل واحد منهما مسلط على ماله و لا ترجيح لكل واحد منهما على الآخر بوجه من الوجوه فالعقل و العرف يحكم بتنصيفه بينهما جمعا بين حقهما بقدر الإمكان و أن لا يكون نصيب أحدهما الحرمان و هذا الانسباق الذهني عند العرف يمنع عن احتمال القرعة، مع أن جريانها يحتاج إلى جبر دليلها بعمل الأصحاب و لا عمل منهم عليها في المقام بل الارتكاز على خلافها، بحيث لو امتنع أحدهما عن التنصيف يستنكر ذلك منه و يلام عليه عند العرف و لا يرون بحسب مرتكزاتهم يمينا و حلفا لأحدهما على الآخر، فهذا الأمر الارتكازي يقتضي التنصيف و هو قاعدة سارية في جميع الموارد ما لم ينه عنه الشارع.
و بعبارة أو جز: كل مال حصل النزاع فيه.
تارة: يكون تحت يد كل واحد من المتنازعين بحيث لا يكون تفاوت ليدهما أبدا في البين.
و أخرى: لا يد لأحدهما عليه أصلا و هو خارج تحت استيلائهما بالمرة.
و ثالثة: يكون تحت يد أحدهما فقط و يدعيه الآخر.
و رابعة: يكون في يدهما معا و تحت استيلائهما مع اختلاف احدى اليدين على الأخرى بجهة من الجهات.
و المنساق إلى الأذهان في الأول هو التنصيف، لما مر بلا لزوم حلف و يمين، للأصل بعد عدم دليل على الخلاف و يصح أن يسمى هذا بالصلح القهري و لا بأس به، لحكم المتعارف بصحته، و إقدامهم عليه و النص ورد على طبق هذا المرتكز العرفي.
و الثاني مورد التداعي الذي يحتاج الى حلف كل واحد منهما.
كما إن الثالث يحتاج إلى حلف المنكر بعد عدم البينة للمدعي، و الأخير يحتاج إلى الترجيح و قد فصل ذلك كله في كتاب القضاء.
و أما الدليل الخاص ففي صحيح ابن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، و قال الآخر: هما بيني و بينك، فقال عليه السّلام: أما الذي قال هما بينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له و أنه لصاحبه و يقسم الدرهم الثاني بينهما نصفين»۲4، و مثله ما عن السكوني عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام: «في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا، فضاع دينار منها، قال: يعطي صاحب الدينارين دينارا و يقسم الآخر بينهما نصفين»۲٥.
و ظهر مما تقدم انهما موافقان لما هو المرتكز في الأذهان و لقاعدة العدل و الإنصاف التي صرح باعتبارها جمع من الأعيان، و يصح أن يكون هذا صلحا قهريا لا اختياريا- كما تقدم- و يستدل على صحته بالنص- كما تقدم- و الإجماع.