أما أصل الوجوب في الجملة، فتدل عليه الأدلة الأربعة:
فمن الكتاب آيات كثيرة منها قوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ۱، و قوله تعالى فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ۲، و قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ۳، و قوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ4، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
و من السنة أخبار متواترة منها ما تقدم في صحيح ابن خالد٥.
و من الإجماع: إجماع المسلمين بل هو من ضروريات الدّين.
و من العقل: حكمه البتيّ بلزوم قطع مادة الفساد، و أيّ فساد أقوى من الكفر و الشرك، و كذا حكمه القطعي بلزوم إقامة العدل الإلهي و القوانين الإلهية المنظمة للنظام البشري في الدّين و الدنيا.
و أمّا أنّ الوجوب كفائيّ و ليس بعيني فلظهور سياق جميع الأدلة الأربعة في ذلك.
و إن شئت قلت: هذا القسم من الجهاد من أهمّ الواجبات النظامية و الأصل في الواجبات النظامية الكفائية إلا ما خرج بالدليل، مع دلالة سيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و الضرورة على أنّه واجب كفائي.
و أما النبوي: «من مات و لم يغز و لم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق»٦، و العلوي: «الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول اللّه عزّ و جلّ كتب عليكم القتال»۷.
فهما مضافا إلى قصور السند لا يدلان على العينية لأنّ كل واجب كفائي واجب على الجميع فان قام به بعض لا يبقى موضوع للبقية. نعم مع الشك في سقوطه يبقى الوجوب على الكل ما لم يسقط.
و أما اعتبار التكليف. و الحريّة، و عدم العذر، فيدل عليه الإجماع و حديث رفع القلم۸ بالنسبة إلى الصبيّ و المجنون، و قاعدة نفي الحرج بالنسبة إلى المعذور و الآية لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ، وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ۹، و قوله تعالى:
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ۱۰، بالنسبة إلى العبد و ظاهر إطلاق كلماتهم عدم ابتناء المسألة على أنّه يملك أو لا يملك و إن يظهر ذلك من محكي المختلف، و قد أرسلوا إرسال المسلّمات أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله «كان يبايع الحر على الإسلام و الجهاد، و العبد على الإسلام دون الجهاد»۱۱.
و أما المرسل: «إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام ليبايعه فقال: يا أمير المؤمنين ابسط يدك أبايعك على أن أدعو لك بلساني و أنصحك بقلبي و أجاهد معك بيدي فقال عليه السّلام: حرّ أنت أم عبد؟ فقال عبد، فصفق أمير المؤمنين عليه السّلام يده فبايعه.»۱۲ فأسقطه عن الاعتبار قصور سنده، و عدم عامل بإطلاقه إلا ما نسب إلى الإسكافي و هو متفرد بذلك.
ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق كلامهم عدم وجوبه على العبد بجميع أقسامه إلا المبعض إذا كان قد تهايا مع مولاه فتشمله العمومات حينئذ في نوبة مهاياته، لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ.
ثمَّ إنّهم ذكروا خروج الشيخ الهمّ العاجز عن وجوب الجهاد عليه أيضا و الظاهر أنّه مستدرك لخروجه بالمعذور إن كان معذورا و لا وجه لخروجه مع عدم العذر كما وقع عن عمار بن ياسر في صفين، و مسلم بن عوسجة في واقعة الطف.
و أما عدم وجوبه على النساء فيدل عليه مضافا إلى مناسبة الحكم و الموضوع، و الإجماع قول عليّ عليه السّلام في خبر الأصبغ: «كتب اللّه الجهاد على الرجال و النساء فجهاد الرجل أن يبذل ماله و نفسه حتى يقتل في سبل اللّه، و جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها و عشيرته»۱۳.
و يمكن دعوى القطع من مذاق الشاعر بعدم وجوب الجهاد الابتدائي للدعوة إلى الإسلام بالنسبة إلى النساء.
و أما الخنثى المشكل، فمقتضى الأصل عدم الوجوب عليها أيضا للشك في شمول الأدلة لها، مضافا إلى دعوى الإجماع على عدم الوجوب عليها.