لوجود المقتضي لأصل الصحة، و هو صدور الإنشاء جامعا للشرائط إلا رضاء من له الحق، فإذا لحقه الرضاء يصير المقتضى موجودا و المانع مفقودا، فيؤثر العلة التامة أثره لا محالة.
ثمَّ إن البحث عن بيع الفضولي عن جهات.
الأولى: للعقد الفضولي إطلاقان، أخص و هو ما إذا فقد خصوص شرط الملكية فقط مع وجود سائر الشرائط. و أعم و هو ما إذا فقد بعض الشروط الأخر، كالاختيار، و البلوغ، و الملكية الطلقية. و بالجملة كلما يوجب التوقف على الإنفاذ و الإمضاء داخل فيه موضوعا أو حكما. فالمراد بالفضولي بهذا الإطلاق أي كل عقد يحتاج إلى الإمضاء و الإنفاذ و لو كان صادرا من نفس المالك، و تعبيرهم بالفضولي بالمعنى الأول من باب الغالب لا التقوم أو باعتبار أن عقده حيث إنه ليس علة تامة لوجوب الوفاء به كأنه فضول، و لو كان صادرا من نفس المالك فيشمل التعبيرين حينئذ.
الثانية: مقتضى أصالة عدم ترتب الأثر في جميع العقود و الإيقاعات هو الفساد مطلقا، و لذا اشتهر لديهم أصالة الفساد في العقود و الإيقاعات مطلقا أي بحسب الأصل العملي الموضوعي و هو استصحاب عدم ترتب الأثر. و أما مقتضى الأصول اللفظية- أي الإطلاقات و العمومات- فالصحة و ترتب الأثر مع صدق عنوان العقد عليه عرفا، كما مرّ بيانه سابقا.
و تحقيق المسألة.
تارة: بحسب الأصل العملي.
و أخرى: بحسب الأصل اللفظي أي الإطلاقات و العمومات.
و ثالثة: بحسب الأذهان العرفية.
و رابعة: بحسب كلمات الفقهاء.
و خامسة: بحسب الأدلة الخاصة.
أما الأول: فقد مر إن مقتضاه عدم الانعقاد و عدم ترتب الأثر، لأن الشك في أصل الحدوث فيستصحب عدمه، و كذا في جميع العقود و الإيقاعات مطلقا، و يمكن أن يقال في المقام بعدم جريان هذا الأصل، لأن الشك فيه مسبب عن اعتبار مقارنة الرضاء مع العقد. و مقتضى الأصل عدمه، و قد تسالموا على تقدم الأصل الجاري في السبب على الجاري في المسبب، هذا مضافا إلى قاعدة الصحة بعد صدق العقد عليه عرفا مع إنه بعد صدق الإطلاقات و العمومات لا تصل النوبة إلى هذه الأصول.
و أما الثاني: فلا ريب في شمول الإطلاقات و العمومات من كل عقد و إيقاع للفضولي منها عرفا و لغة، فيصح بحسبها أن يقال: باع زيد دار عمرو فضولة، و عقد بكر على بنت خالد فضولة، و هكذا في جميع العقود و الإيقاعات.
و أما الثالث: فلا يفرق الأذهان العرفية بين أن نقول: بعت داري و ربحت فيه، و بين قول باع فلان داري فضولة فأمضيته و ربحت في هذا البيع، فكما يرون الأول بيعا صحيحا جامعا للشرائط يرون الثاني أيضا كذلك، و لا يفرقون بحسب فطرتهم بين مقارنة الرضا و لحوقه في كون نتيجة كل من البيعين استندت إلى الرضاء و طيب النفس، و يرون أصل الرضا و طيب النفس من أهم المقومات. و أما مقارنته للإنشاء فهو شيء غالبي لا أن يكون مقوما أو شرطا معتبرا في العقد أو الإيقاع، بل ربما يمدحون الفضولي و يعطونه العطية لأنه باع المال بأزيد مما أرادوا أن يبيعوه، كما وقع ذلك كثيرا على ما نقل.
و أما الرابع: فعمدة ما ذكروه في البطلان و ان الفضولي على خلاف القاعدة أنه لا بدّ في الإنشائيات مطلقا من الانتساب الصدوري إلى من له الإنشاء، بحيث لو أنشأ بلا رضاه يكون كالعدم لأنه وقع الإنشاء منتسبا إلى المنشئ لا إلى المالك و من له الإنشاء، فلو غيره الإجازة اللاحقة يلزم انقلاب الشيء عما وقع عليه، و هو محال.
و فيه. أولا: إنه يكفي في الصحة مجرد الإضافة إلى من له حق الإنشاء و هي من الأمور الخفيفة المؤنة، فكما تحصل بالإذن السابق تحصل بالإجازة اللاحقة، فإذا أذن في عقد أو إيقاع يقال العقد عقده و الإيقاع إيقاعه، و كذا لو وقع عقد أو إيقاع على ما يتعلق به ثمَّ أنفذه و أجازه يقال العقد عقده و الإيقاع إيقاعه بلا فرق بين الصورتين أصلا، فأصل هذه الدعوى مغالطة بين الانتساب الحدوثى الصدوري و بين صحة الإضافة بأي وجه أمكن عرفا، و المعتبر هو الثاني دون الأول، فإذا صحت الإضافة تشمله جميع الأدلة الدالة على صحة العقد و لزوم الوفاء به.
و ثانيا: استحالة انقلاب الشيء عما وقع عليه إنما تكون التكوينيات بحسب نظام التكوين لا بحسب قدرة اللّه تعالى، و لا في الاعتباريات الدائرة مدار الاعتبار كيفما يصح الاعتبار، و لا يستنكر عند العرف. فهذا الدعوى ساقط أصلا و يكفينا في الصحة أصالة عدم اعتبار مقارنة الرضا، و أصالة العموم و الإطلاق في الإنشائيات مطلقا.
و أما الخامس: فاستدل للصحة- مضافا إلى الأصل العملي بالمعنى الذي مرّ و الأصل اللفظي- بأمور.
الأول: دعوى الإجماع عن التذكرة على الصحة.
و فيه. أولا: الإشكال في أصل تحققه.
و ثانيا: بأنه اجتهادي على فرض التحقق.
الثاني، الحديث الذي أطبق العامة على نقله عن عروة البارقي، و هو: «أن النبي صلّى اللّه عليه و آله دفع إليه دينارا ليشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحديهما بدينار و جاء بدينار و شاة فدعا له النبي صلّى اللّه عليه و آله بالبركة في بيع و كان لو اشترى التراب لربح فيه»۲۷، و اتفقت كتب القوم- الذين هم الأصل في هذا الحديث- على ضبط الراوي بعروة من كتب حديثهم و فقههم و ما ألفوه في حالات النبي صلّى اللّه عليه و آله و معجزاته و أصحابه. فنسبة الشيخ ذلك إلى عرنة المدني، و العلامة إلى عرفة الأزدي سهو منهما اللهم إلا أن تكون القضية متعددة، و إن شئت التفصيل فراجع منتهى المقال۲۸.
و فيه: إن سياق الحديث و تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و تبريكه و ملاحظة عاداته و حالاته مع أصحابه و كثرة تسامحه معهم قرينة قطعية على أنه صلّى اللّه عليه و آله أذن في التصرف في الدينار و الشاة بما شاء و أراد، فكان كالوكيل المفوض في هذه الجهة، بل الظاهر انه صلّى اللّه عليه و آله بالفراسة الإيمانية أو بالعلم الغيبي السماوي علم ذلك من عروة و أذن له في مطلق التصرف، ثمَّ دعا له حتى يبقى أثر دعائه المستجاب و هذه المعجزة في عروة ما دام حياته. و مع هذا الاحتمال يسقط الاستدلال، و هناك احتمالات أخرى توجب سقوط الاستدلال به، و إن شئت العثور عليها فراجع المطولات.
الثالث: صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «قضى في وليدة باعها إن سيدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما، ثمَّ قدم سيدها الأول فخاصم سيدها الأخير، فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير ادنى، فقال: خذ وليدتك و ابنها فناشدة المشتري، فقال عليه السّلام: خذ ابنه يعني الذي باع الوليدة حتى ينفذ لك ما باعك، فلما أخذ البيع الابن قال أبوه: أرسل ابني، فقال: لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني، فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأول أجاز بيع ابنه»۲۹. و السند تام و الدلالة ظاهرة، فالأخذ به متعين.
و أشكل عليه. تارة: بأن الحكم بأخذ الوليدة قبل سمع دعوى المشتري مما لا ينبغي.
و أخرى: بعدم الاستفصال عن الإجازة و عدمها.
و ثالثة: الحكم بأخذ الابن مع تولده حرا لا وجه له.
و رابعة: الحكم بأخذ ابن السيد مع عدم جواز حبس الحر مما لا ينبغي.
و خامسة: بتعليم الحيلة مع إنه لا يناسب الإمام عليه السّلام.
و سادسة: بظهوره في صحة الإجازة بعد الرد، فلا وجه للاستدلال به مع هذه المناقشات.
و فيه: إن كل هذه الإشكالات مردودة، لأن للحاكم الشرعي أن يتوصل في فصل الخصومة بين المتخاصمين خصوصا الإمام المعصوم عن الزلل سيما مثل أمير المؤمنين عليه السّلام بشتى التدبيرات و هذه أحسنها، و لا بد و أن يكون الحاكم مطلعا عليها و محيطا و عاملا بها. و أما قضية الظهور في تأثير الإجازة بعد الرد.
ففيه. أولا: إنه لم يقم دليل غير الإجماع على أن الإجازة بعد الرد لا أثر له، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى، و المتيقن منه على فرض اعتباره ما إذا كان الرد متحققا في الخارج لا ما إذا كان استظهاريا، كما في المقام فلا قصور في الحديث للاستدلال به لصحة الفضولي.
الرابع: صحته في النكاح نصا۳۰، و إجماعا يستلزم الصحة في غيره بالفحوى.
و نوقش فيه: بما ورد في الرد على العامة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل و بين بيعه بالصحة في الثاني، لأن المال له عوض و البضع ليس له عوض من قوله عليه السّلام: «سبحان اللّه ما أجور هذا الحكم و أفسده إن النكاح أولى و أجدر أن يحتاط فيه و هو فرج و منه يكون الولد»۳۱. و المستفاد منه ان صحة الفضولي في العقود المالية يستلزم صحة النكاح بالأولى لا العكس فلا يصح الاستدلال بالفحوى للمقام.
أقول: يمكن المناقشة في الفحوى.
أولا: بأنها ظنية لا اعتبار بها.
و ثانيا: إن الاهتمام في المسبب- و هو الزوجية- لا يستلزم الاهتمام في السبب، فيمكن أن يكون بالنسبة إلى السبب بالعكس. فلا تسهيل في السبب المحدث للزوجية و التشديد في السبب الناقل للمال لأن يكون الحصول عليه لكل أحد سهلا يسيرا، فالأولوية غير ثابتة في السبب الذي هو مورد البحث و ان ثبتت في أصل المسبب عرفا و شرعا و أثرها لزوم الاحتياط في الشبهات مهما أمكن و لا ربط له بالمقام.
و ثالثا: الحكم في النكاح ليس مسلّما عند الكل الاقتصار بعض في صحة الفضولي فيه على موارد خاصة ورد فيها النص بالخصوص، ربما تبلغ تسعة موارد يأتي التعرض لها في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى، و التعدي منها إلى مطلق نكاح الفضولي مشكل فضلا عن غيره.
و لكن الظاهر ثبوت الفحوى عرفا و إنه أصرّ بعض مشايخنا على عدمه و أطال القول فيه، كما إن القول بالاقتصار في النكاح على خصوص موارد النص تفريط من القول لحصول الاطمئنان العرفي بحكم مطلق النكاح من مورد نص واحد منها فضلا عن موارد كثيرة، كما إنه لا نحتاج إلى إثبات الفحوى حتى يطال فيه الكلام نفيا و إثباتا، بل يكفي حصول الاطمئنان بتساوي باقي العقود مع عقد النكاح، و هو حاصل لكل من يراجع الأدلة، و لا أدري ما دعيهم إلى تفصيل المقال في هذه المسألة مع إن بنائهم على كفاية مطلق الاطمينانات في الاستظهارات الفقهية.
ثمَّ إن قول الإمام عليه السّلام: «النكاح أولى و أحرى أن يحتاط فيه»۳۲، يحتمل وجوها.
الأول: أن يكون ردا على العامة و أن قولهم ببطلان النكاح لا وجه له، بل لا بدّ فيه من الاحتياط أما بالنكاح الجديد أو الطلاق.
الثاني: إن لفظ الاحتياط من الامام عليه السّلام ليس بمعنى الاحتياط الاصطلاحي بل صدر منه عليه السّلام لأجل التقية حيث إن هذا التفكيك منهم بين البيع و النكاح كان لمجرد الاستحسان منهم فرد عليه السّلام استحسانهم بهذا النحو تسكيتا لمقالهم و أن لا يعترضوا على الإمام عليه السّلام.
الثالث: إنه مجمل لا بد من رد علمه إلى أهله، و على أي تقدير لا يضر بثبوت الفحوى.
و يمكن الاستدلال بفحوى صحة بيع المكره بعد لحوق الرضاء بدعوى إنه إذا صح مع وجود الكراهة و عدم الرضا حين البيع يكون صحيحا في غيره بالفحوى.
الخامس: جملة من الأخبار الواردة في المضاربة.
منها: موثق جميل عن الصادق عليه السّلام: «في رجل دفع إلى رجل مالا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة، فذهب فاشترى به غير الذي أمره، قال عليه السّلام:
هو ضامن و الربح بينهما على ما شرط»۳۳. فإنه يمكن حمله على صورة الإجازة اللاحقة بعد مخالفة الشرط فيكون من الفضولي المعهود حينئذ.
و فيه: إنه من مجرد الاحتمال الذي لا يكفي في الاستدلال و إن صح الاستيناس و الاستشهاد، و المنساق منها بحسب الأذهان العرفية أن الشرط إنما هو من باب تعدد المطلوب لا التقييد الحقيقي، فأصل الإذن حاصل في صورة مخالفة الشرط أيضا مع تحقق الربح، و هذا هو المشاهد في المضاربات الواقعة بين الناس، فمثل هذه الأخبار لا ربط لها بالفضولي فلا تصلح للتأييد فضلا عن الاستدلال.
و قد يستدل له بما ورد في الاتجار بمال اليتيم بناء على شمول إطلاقها لاتجار غير الولي ثمَّ إجازة الولي لها.
منها: صحيح ربعي: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل عنده مال اليتيم، فقال عليه السّلام: إن كان محتاجا و ليس له مال فلا يمسّ ماله، و إن هو اتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن».۳4 و منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في مال اليتيم، قال عليه السّلام: العامل به ضامن، و لليتيم الربح إذا لم يكن للعامل مال، و قال عليه السّلام: إن عطب أداه»۳٥.
و منها: خبر الصيقل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مال اليتيم يعمل به؟
فقال عليه السّلام: إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن المال، و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال»۳٦.
و منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به ففيه الزكاة و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال»۳۷.
و منها: خبر السمان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فأن اتجر به فالربح لليتيم، و إن وضع فعلى الذي يتجر به»۳۸.
و فيه: إن المنساق منها بعد رد بعضها إلى بعض إنما هو الولي فلا تصلح للاستئناس فضلا عن الاستدلال، كما إنه لا وجه للاستشهاد للمقام بخبر ابن أشيم عن أبي جعفر عليه السّلام: «عن عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم، فقال: اشتر بها نسمة و أعتقها عني و حج عني بالباقي، ثمَّ مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميت و دفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه و بلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميت جميعا فاختصموا جميعا في الألف، فقال: موالي العبد المعتق إنما اشتريت أباك بمالنا، و قال الورثة: إنما اشتريت أباك بمالنا، و قال موالي العبد: إنما اشتريت أباك بمالنا فقال أبو جعفر عليه السّلام: أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد، و أما المعتق فهو ردّ في الرق لموالي أبيه، و أي الفريقين بعد أقاموا البينة على أنه اشترى أباه من أموالهم كان له رقا»۳۹، بناء على أنه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال في تملك المبيع بعد طلبه الظاهر في الإجازة لم يكن مجرد دعوى الشراء بالمال، و لا إقامة البينة كافية في تملك المبيع.
و فيه: مضافا إلى قصور سنده، و هجر الأصحاب عنه إنه أجنبي عن المقام، إذ الظاهر منه وقوع البيع بالإذن السابق فلا ربط بالمقام، و لعمري ان الحكم في الفضولي أوضح من أن يستشهد له بمثل هذه الاستحسانات.
و كذا لا ربط لصحيح الحلبي بالمقام «عن الرجل اشترى ثوبا و لم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ثمَّ ردّه على صاحبه، فأبى أن يقبله إلا بوضيعة، قال عليه السّلام: لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه رد على صاحبه الأول ما زاد»4۰. فأن الحكم برد ما زاد لا ينطبق بظاهره إلا على صحة بيع الفضولي لنفسه.
و فيه. أولا: إنه يمكن أن يكون دليلا لجواز الإقالة بالزيادة أو النقيصة، كما نسب إلى ابن الجنيد لهذا الصحيح خلافا للمشهور القائلين بأنه لا بد في الإقالة من تراد نفس العينين بلا زيادة و نقيصة في البين فيكون أجنبيا عن المقام حينئذ.
و ثانيا: إنه لو كان البيع صحيحا بالإجازة لا فرق فيه بين البيع بالزيادة أو النقيصة أو التساوي، فما وجه الاختصاص بالأولى؟! فلا بد إذن من حمله على ما إذا وقعت الإقالة بالنسبة إلى نفس العينين بلا زيادة و لا نقيصة في البين و كانت الزيادة خارجة عن حقيقة الإقالة بصلح خارجي، و ردّ ما زاد يحمل على الندب حينئذ، و كذا لا وجه للتأييد بموثق عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام: «عن السمسار أ يشترى بالأجر فيدفع إليه الورق و يشترط عليه إنك تأتي بما نشتري فما شئت أخذته، و ما شئت تركته، فيذهب فيشتري ثمَّ يأتي بالمتاع، فيقول: خذ ما رضيت، ودع ما كرهت؟ قال عليه السّلام: لا بأس»4۱. فإن إطلاق قوله عليه السّلام: «لا بأس» يشمل جميع الاحتمالات في سؤال السائل التي.
منها: أن يأخذ السمسار المال قرضا و يشتري لنفسه ثمَّ يجيزه صاحب الورق.
و منها: أن يكون فضوليا عن صاحب الورق مترقبا لإجازته فيكون من مورد الفضولي.
و فيه: إن ظاهر الخبر تحقق الإذن السابق من صاحب الورق و تسليطه للسمسار عليه فيخرج عن مورد الفضولي.
السابع: قاعدة قررها أبو جعفر الباقر عليه السّلام في العقود في الفرق بين ما تقبل الإجازة اللاحقة و بين ما لا تقبلها، محصولها: أن كل عقد عصى فيه اللّه تعالى فالبطلان فيه مستقر ثابت لا يرتفع بالإجازة اللاحقة، كبيع الخمر و الخنزير و نحوهما من المحرمات، و كل ما خولف فيه المالك تنفعه الإجازة اللاحقة، فقال عليه السّلام في جملة من الاخبار الوارد في نكاح العبد بدون إذن سيده: «إنه لم يعص اللّه. و إنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز»4۲. و هي قاعدة نظامية صحيحة تنطبق على مورد الفضولي فيصح بالإجازة.
إن قيل: إن معصية السيد معصية اللّه تعالى أيضا فلا وجه للصحة بالإجازة.
يقال: نعم إن معصية اللّه تعالى في مورد معصية السيد تعليقية على رضاء السيد.
و بعبارة أخرى المعصية التي توجب البطلان و لا تنفعها الإجازة ما كانت من الوصف بحال الذات و ما تنفعها ما كانت من الوصف بحال المتعلق. هذه جملة ما استدل به على صحة الفضولي في كل عقد إلا ما خرج بالدليل و في الإطلاقات و العمومات و أصالة عدم اعتبار مقارنة الرضا مع العقد غنى و كفاية.
و قد استدل للبطلان بالأدلة الأربعة. فمن الكتاب قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ*- الآية-4۳، بدعوى ظهورها في اعتبار كون حدوث إنشاء التجارة عن تراض، فمع عدم الحدوث بهذا الوصف لا اعتبار بها و لو لحقتها الإجازة، لا استفادة الحصر من الآية في المحاورات العرفية إما لأجل الاستثناء في مثل المقام، أو لأجل السياق فأصل الحصر في الجملة مما لا مجال لإنكاره في عرف المحاورات.
و إنما الكلام في إنه هل ينفع شيئا في المقام؟ الحق هو عدمه.
أما أولا: فلأن في العقود و الإيقاعات شيئان، الأسباب و المسببات، و كل منهما من الاعتباريات و لا ريب عند كل أحد أن الأسباب لها طريقة محضة إلى النتائج و المسببات، و هي المناط الوحيد بين الناس فلا موضوعية للرضاء بالسبب حين حدوثه بوجه من الوجوه لا عرفا و لا شرعا و لا عقلا، فإذا كانت نتيجة العقد و مسببه مورد الرضاء و طيب النفس حين تأثير العقد، فتكون التجارة عن تراض لا محالة و العرف يحكمون بأنه ليس من الأكل بالباطل.
و بالجملة: إذا كانت الأدلة منزلة على العرفيات فالعرف يرى الإجازة اللاحقة كالإذن السابق في الخروج عن كونه من الأكل بالباطل.
و ثانيا: العقد وقع عن الرضا و طيب النفس الحاصل للفضولي و الإجازة اللاحقة تنزلها منزلة الرضا و طيب نفس المالك، و لا بأس بذلك في الاعتباريات التي تدور مدار الاعتبار ما لم يقم على امتناعه الدليل.
و من السنة نصوص كثيرة منها النبوي: «لا تبع ما ليس عندك»44، و النبوي الآخر: «لا بيع إلا فيما تملك»4٥، و في حديث المناهي: «نهى عن بيع ما ليس عندك»4٦، و قوله عليه السّلام: «لا طلاق إلا فيما تملكه و لا بيع إلا فيما تملكه»4۷، و عن مولانا العسكري: «لا يجوز بيع ما ليس يملك»4۸، و عن الحجة (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف): «الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضي منه»4۹، و في صحيح ابن مسلم في الأرض: «لا تشترها إلا برضا أهلها»٥۰، و في الصحيح الوارد فيمن باعت بعض القطائع فسئل عليه السّلام يعطيها المال أم يمنعها؟
قال عليه السّلام: «قل له: يمنعها أشد المنع فإنها باعته ما لم تملكه»٥۱، إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق.
و الجواب عن الجميع.
أولا: انه لا بد من تخصيصها بالكلي الذمي، فإنه جائز نصا و إجماعا، فيعلم منه انه ليس لنفس عدم كونه عنده موضوعية بل لا بد من انطباق جهة أخرى عليه.
و ثانيا: هي معارضة بما تقدم من الأدلة الدالة على الصحة و الترجيح معها، لموافقة الإطلاقات و العمومات، و شهادة العرف و الوجدان على عدم الفرق بين المقارن و اللاحق.
و ثالثا: المنساق من مثل هذه التعبيرات في المحاورات انما هو النفي، أو النهي عن البيع المؤثر الفعلي التام، و هذا هو المنفي أو المنهي عرفا في مثل هذه الأخبار و هو مسلم بين الكل لأنه ما لم يجز المالك لا يقول بصحة أحد، و أما نفي مجرد الاقتضاء و الشأنية المحضة فلا تدل هذه الأخبار عليه بوجه من الوجوه.
و بذلك يمكن أن يجعل النزاع لفظيا فمن يقول بدلالة مثل هذه الأخبار على البطلان، أي في مقام فعلية التأثير من كل جهة و من يقول بالعدم أي: في مقام الشأنية المحضة، و الاقتضاء الصرف فالصحة في جميع العقود الفضولية اقتضائية فإن لحقتها الإجارة يؤثر أثرها، و إلا فتبطل لا محالة كما هو شأن كلما فيه الاقتضاء بالنسبة إلى الجزء الأخير من العلة التامة.
ثمَّ أنه يصح لنا التمسك للاقتضاء بشكل بديهي الإنتاج فنقول: العقود الفضولية ليست من اللغو عند أبناء المحاورة و كل ما ليس كذلك فيه اقتضاء الصحة، فالعقود الفضولية فيها اقتضاء الصحة و لا ينبغي المناقشة فيه إلا ممن دأبه المناقشة في الواضحات، كما لا ينبغي التعرض للجواب لكل واحد واحد من الروايات مستقلا بعد كون أصل الجواب عن الجميع واحدا و لو بجامع واحد قريب عرفي كما ذكرناه فراجع و تأمل.
و من الإجماع ما ادعاه الشيخ في الخلاف.
و فيه: أن دعوى الإجماع في هذه المسألة الاختلافية من أول حدوثها على أحد الطرفين أوهن من بيت العنكبوت، مع اعتراف مدعيه بالخلاف و المخالف مع ذهاب أساطين القدماء إلى الصحة فكيف ينبغي دعوى الإجماع على البطلان.
و من العقل: إن عقد الفضولي تصرف في مال الغير و هو قبيح عقلا و حرام شرعا فيوجب البطلان لا محالة.
و فيه: إن مجرد العقد الذي له اقتضاء التأثير- لا أن يكون مؤثرا فعليا- ليس من التصرف في مال الغير لا بحكم العقل و لا بحكم الشرع و لا بنظر العرف.
و لكن لا ريب في انه تجر لا ينبغي صدوره ممن يعتني بدينه.
نعم، لو كان العقد من العلة التامة التوليدية لحصول الأثر كان تصرفا حينئذ و لكنه لا نقول به بل هو محال، و كذا لو كان علة تامة و لم يكن توليديا و قلنا بحرمة مقدمة الحرام.
و لكن فيه. أولا: انه حينئذ ليس من دليل العقل، بل يدخل في النقل فيكون من السنة.
و ثانيا: قد أثبتنا في الأصول أن النهي التحريمي في المعاملات لا يدل على الفساد فراجع و تأمل.
و قد يستدل للبطلان بعدم القدرة على التسليم، و عدم موضوع لوجوب الوفاء بالعقد، و إن العقد غرري بالنسبة إلى الأصيل.
و الكل باطل لأن القدرة معتبرة حين التسليم لا حين العقد، و لم يقل أحد باعتبار القدر في مجرى الصيغة فقط و وجوبها إنما هو بعد الإجازة و للرضا قولا واحدا، و لا غرر في البين كما هو المعلوم لدى العرف. فتلخص من جميع ما مر أن المقتضى لصحة العقود الفضولية موجود بنحو الاقتضاء و المانع عنها كذلك مفقود.
الجهة الثالثة: من موارد عقد الفضولي: عقد المملوك بدون إذن سيده و المحتملات فيه ثلاثة.
الأول: البطلان مطلقا بحيث لا تنفعه لحوق الإجازة كما نسب إلى المشهور في عقد الصبي من كونه مسلوب العبارة رأسا. و هذا الاحتمال باطل بالنسبة إلى العبيد لترتب الأثر على أقوالهم و أفعالهم عقلا و شرعا، و ربما يزاد في قيمهم لأجل الكمالات القولية و الفعلية التي تكون فيهم.
الثاني: كونه صحيحا و نافذا و لو بدون رضاء سيده و لا ريب في بطلانه، لأنه ينافي العبودية و تكون قدرته و إرادته مندكا تحت قدرة السيد و إرادته، و العرف و العقلاء يرون ذلك باطلا، و لا نحتاج فيه إلى التعبد الشرعي و لولاه لاختل النظام كما هو واضح.
الثالث: حيث انه مملوك و عبد لا بد و أن يكون اختياره و ارادته من فروع اختيار المولى و إرادته إما بالإذن السابق أو الإجازة اللاحقة، و هذا هو الذي يقتضيه نظام العبودية في العالم، و عليه بناء العقلاء في عبيدهم و إمائهم و قرره الشرع الأقدس بقوله تعالى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ٥۲، و ليس المراد بها نفي القدرة التكوينية بل المراد القدرة التي يعملها المولى في شؤونه، و في المثل المعروف الرعية لا تقدر على شيء في مقابل السلطان، و يدل على ما قلناه خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليهم السّلام قالا: «المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلا بإذن سيده قلت: فإن كان السيد زوّجه بيد من الطلاق؟ قال عليه السّلام: بيد السيد «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ أ فشيء الطلاق»٥۳، و عنه أيضا: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال عليه السّلام: ذلك إلى سيده ان شاء أجاز و إن شاء فرق بينهما» قلت: أصلحك اللّه ان الحكم بن عيينة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد فلا تحل له إجازة السيد له، فقال عليه السّلام: إنه لم يعص اللّه، و إنما عصى سيده فإذا أجاز فهو له جائز»٥4، و المراد بالمعصية التعدي عن زيّ العبودية و ظهورهما فيما قلناه مما لا ينكر و حيث ان المسألة خارجة عن مورد الابتلاء فلا وجه للتفصيل بأكثر من ذلك.
الجهة الرابعة: الفضولي.
تارة: يعلم بعدم رضاء المالك ببيع ماله.
و أخرى لا يعلم به.
و ثالثة: يعلم برضائه بذلك مع تحقق الرضاء واقعا أيضا.
و رابعة: يعلم به مع عدم تحقق الرضاء في الواقع.
و لا ريب في كون القسمين الأولين من الفضولي المبحوث عنه عند الفقهاء، كما لا ريب في أن القسمين الأخيرين يوجب رفع الحرمة التكليفية لو كانت في البين، و هل يوجب الخروج عن عنوان الفضولية أيضا، بحيث يكون كالبيع المأذون فيه قبل العقد أو لا يوجب ذلك، بل يكون من الفضولي و لو علم بالرضا و صادف الواقع؟ الظاهر هو الأخير، لعدم اكتفاء العقلاء في معاملاتهم الدائرة بينهم على مجرد العمل بالرضاء ما لم يكن مبرز خارجي في البين، و لو كان ذلك سكوتا يعتمد عليه في كونه مظهر الرضا و مبرزه، و ذلك لأن فيها معرضية للخصومة و اللجاج فلا بد و أن يكون في الظاهر ما يصلح للاحتجاج و قطع اللجاج من قول أو فعل أو قرينة خارجية معتبرة يصلح للاستناد إليه عند نوع أهل العرف.
الجهة الخامسة: بعد كون الفضولي مطابقا للإطلاقات و العمومات و أصالة عدم اشتراط مقارنة الرضا بصدور الإنشاء لا فرق فيه بين العقود و الإيقاعات فيصح الإيقاع الفضولي مع الإجازة اللاحقة إلا مع دليل خاص أو عام على الخلاف و ليس في البين شيء منهما سوى دعوى الإجماع، و حديث: «لا عتق إلا بعد ملك»٥٥، و الأول موهون جدا، و نجيب عن الثاني بعين ما أجبنا به عن قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا بيع إلا في ملك»٥٦، فمقتضى القاعدة الجواز، و طريق الاحتياط معلوم خصوصا في الطلاق و العتق، حيث ادعى فيهما الإجماع على المنع بالخصوص، مضافا إلى الإجماع المدعى على المنع في مطلق الإيقاعات.
و انما الشأن في اعتبار مثل هذه الإجماعات، مع أن مقتضى الأصل عدم اعتبارها مطلقا.