البحث في هذه المسألة.
تارة: بحسب الأصل العملي.
و أخرى: بحسب الإطلاقات و العمومات.
و ثالثة: بحسب الاعتبار.
و رابعة: بحسب الأخبار.
و خامسة: بحسب أنظار فقهائنا الأبرار.
أما الأول: فمقتضاه عدم حصول الملكية له مع الشك فيها بجميع أسبابها الاختيارية و القهرية و لكنه لا وجه للتمسك به في مقابل الإطلاقات و العمومات الدالة على حصول الملكية بأسبابها الخاصة اختيارية كانت أو قهرية، فلا وجه للتمسك به مع وجودها كما ثبت في الأصول.
أما الثاني: بلا ريب في شمولها للعبد كشمولها للحر بلا فرق بينهما في كونهما مصداقا و موردا للإطلاقات و العمومات، فلا فرق بينهما من هذه الجهة لا لغة و لا عرفا و لا شرعا بعد كون الأسباب جامعة للشرائط التي منها إذن المولى بالنسبة إلى العبد.
و أما الثالث: فأي فرق بينه و بين الصغير بل الجنين و العبد في صحة اعتبار الملكية للأولين دون الأخير، هل هو لعدم المقتضي أو لوجود المانع؟ و لا وجه للأول لفرض وجود الإطلاقات و العمومات الدالة على حصول الملكية بأسبابها الخاصة و هي تشمل العبيد و الأحرار في عرض واحد مع وجدان الشرائط فالفرق بينهما تحكم محض من هذه الجهة، و ليس العبد كالبهائم بوجدان كل ذي شعور. و أما الثاني فلا مانع في البين إلا بعض ما استدل به على عدم ملكه و يأتي نقله و دفعه ان شاء اللّه تعالى.
و أما الرابعة: التي هي العمدة تكون على قسمين:
الأول: ما هو ظاهر في حصول الملكية له.
و الثاني: ما يظهر منه الخلاف.
و لا بد و ان يعلم أولا ان الملكية.
تارة: يراد بها مجرد المنشئية لصحة اعتبارها فقط بلا ترتب أثر من آثارها عليها أبدا فيصح للغير انتزاع الملك من هذا المالك اقتراحا و بلا سبب و لا يجوز للمالك التصرف فيما يملك بوجه من الوجوه أبدا إلا بإذن الغير و رضاه.
و أخرى: يراد بها ملكية يترتب عليها جميع الآثار و التسلط الفعلية المطلقة على التصرف بما شاء و كيف ما أراد و الاستيلاء المطلق على مدافعة كل مزاحم و معارض لها و هذه هي الملكية التي لا يصلح سلب الملك عنها بخلاف الأولى فإنه يصح سلب الملكية عنه في المتعارف كما لو ألقى أحد ماله في البحر بحيث لا يقدر على التصرف فيه بوجه من الوجوه فيقول الناس انه فقير و لا مال له، و يعطونه من الصدقات و لا يترتب عليه آثار الغنى لا شرعا و لا عرفا و مالكية العبد من هذا القبيل لا من القسم الثاني.
و بذلك يجمع بين الأخبار و كلمات فقهائنا الأخيار فما يظهر منه انه يملك أي: بالقسم الأول من الملك، و ما يظهر منه عدمه أي: بالقسم الأخير منه.
ثمَّ انه قد استدل على عدم ملكيته.
تارة: بالآية الشريف عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ٥۷، و المراد بها عدم القدرة مستقلا في مقابل المولى على شيء فلا وجه للاستدلال بها على عدم حصول الملكية له بإذن مولاه بالأسباب الخاصة.
و أخرى: بالإجماع بتعبيرات مختلفة كالتعبير بمذهب الأصحاب تارة، و بمذهب الإمامية أخرى، و عند علمائنا ثالثة، إلى غير ذلك من التعبيرات.
و فيه: أن جميع ذلك دعوى بلا برهان و قول بلا فحص و بيان كيف يعتبر هذا الدعوى مع ان الشهيدين نسبا إلى الأكثر القول بأنه يملك، و الشهيد الأول لسان الفقهاء و ترجمانهم فكيف يخفى عليه الإجماع و يظهر على غيره ثبوت الإجماع.
و ثالثة: بأن ما يملكه العبد ملك للمولى، لقاعدة تبعية النماء في الملكية للأصل، و حيث أن أصل العبد ملك للمولى يكون ملكه أيضا كذلك.
و فيه: ان القاعدة محكومة بالإطلاقات و العمومات الواردة في الأسباب المملكة لا ينبغي الارتياب في شمولها للعبد، و كما ان مالكية المولى لعبده مالكية تصرفية فكذا بالنسبة إلى ماله أيضا و ليست مالكيته للعبد كمالكيته للحيوان الذي يشتريه من السوق فيذبحه و يقطع أعضائه إربا إربا بل نحو مالكية خاصة محدودة بحدود مخصوصة و يترتب على هذه الملكية ملكه لمنافعه و تصرفاته فبإذنه يملك بالأسباب المملكة و تصرفه في ملكه منوط بإذن السيد أيضا و لا محذور فيه من عقل أو شرع.
و أما الأخبار التي استدل بها على انه لا يملك فأقسام ثلاثة:
الأول: ما اشتمل على تعليل الإمام عليه السّلام لقوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ٥۸، و محتملات عدم القدرة ثلاثة:
الأول: عدم القدرة التكوينية و هو باطل قطعا.
الثاني: عدم القدرة الشرعية بدون إذن المولى و هو صحيح.
الثالث: عدم القدرة و عدم النفوذ حتى مع إذنه، و لا يستفاد من هذه الأخبار هذا، بل يستفاد من سياق مجموعها صحته بقرينة قوله عليه السّلام: «انه لم يعص اللّه و انما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز»٥۹، فالاستدلال بهذه الأخبار على المنع لا وجه له، بل لنا أن نتمسك بمثل هذه الأخبار على الجواز أما الآية الشريفة ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ٦0، لا ربط لها بعدم ملكية العبد و إنما هي إرشاد إلى حكم الفطرة من ان العبد ليس في عرض المولى و الخادم ليس في عرض المخدوم و إلا لاختل النظام.
الثاني من الأخبار: قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن قيس قال:
«المملوك ما دام عبدا فإنه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصية إلا ان يشاء سيده»٦۱، و عن ابن سنان في صحيحه قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام مملوك في يده مال عليه زكاة؟ قال عليه السّلام: لا، قلت: فعلى سيده؟ قال عليه السّلام: لا لأنه لم يصل إلى سيده و ليس هو للمملوك»٦۲، إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق المتفرق في الأبواب المتفرقة.
و فيه: أن استفادة نفي السلطة الفعلية المطلقة بدون إذن المولى من هذه الأخبار مسلمة و أما عدم الملك مطلقا فلا يستفاد منها خصوصا بقرينة سائر الأخبار.
الثالث من الاخبار ما هو ظاهر في أنه يملك ظهورا عرفيا منها صحيح عمرو بن يزيد عن الصادق عليه السّلام: «قلت له: للمملوك ان يتصدق مما اكتسب و يعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال عليه السّلام: نعم، و أجر ذلك له»٦۳، و منها صحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل أعتق عبدا و للعبد مال لمن المال؟ فقال عليه السّلام: ان كان يعلم ان له مالا تبعه ماله و إلا فهو له»٦4، إلى غير ذلك من النصوص المتفرقة في الأبواب الذي لا يسع الفقيه حصرها على وجه يقطع بملاحظتها حصول الملكية له و قد أطنب بعض الفقهاء في هذه المسألة مع أنها لا تستحق الإطناب مضافا إلى كونها خارجة عن مورد الابتلاء و من شاء العثور على التفصيل فليراجع المطولات و لا وجه لتضييع العمر فيما لا موضوع له و لذا تركنا التعرض لجملة من الفروع التي تعرض لها أصحابنا في المقام لأنها فرض في فرض غير واقع.