الأول: تعيين المرجع فى حالة الاجمال، و عدم استظهار تعدد الجزاء مع تعدد الشرط
لو فرض الإجمال و عدم استظهار تعدد الجزاء مع تعدد الشرط، فإن كان الشك في أن التكليف في الواقع واحد أو متعدد،فهو من موارد الأقل و الأكثر،فتجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر،و يتحد في النتيجة مع تداخل الأسباب.
و إن احرز تعدد التكليف،و شك في أن الجزاء الواحد يجزي عن التكاليف المتعددة،فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم الإجزاء و وجوب التعدد،و إن شك فيهما معا فيكون من القسم الأول و تجري البراءة عن الزائد.
الثاني:قد ورد الدليل على كفاية جزاء واحد عن شروط متعددة في موارد خاصه
منها:ما تقدم من كفاية وضوء واحد عن أحداث صغرى،سواء كانت من صنف واحد أم لا،للإجماع.
و منها:ما سبق أيضا من كفاية غسل واحد عن موجبات كثيرة للغسل، لقول أبي جعفر عليه السّلام:«إذا اجتمعت للّه عليك حقوق يجزيك غسل واحد».
و منها:كفاية كفارة واحدة لمن أفطر متعمدا في يوم من شهر رمضان متعددا،سواء كان الإفطار من صنف واحد أم من أصناف متعددة،تخلل التكفير أم لا،و لكن الظاهر خروجه عن المقام تخصصا،لأن بالإفطار الأول يبطل الصوم فلا يبقى موضوع للكفارة بعد ذلك،و وجوب الإمساك في شهر رمضان إنما هو تأدبي لا ربط له بالكفارة،و توجد هناك موارد اخرى مذكورة في الفقه،فراجع.
الثاني:مفهوم الوصف
الوصف إما أن يكون مذكورا في الكلام،أو يستفاد من سياق الجملة- فيكون كالمذكور فيه في المحاورات-و على كل منهما فإما أن يكون الموصوف مذكورا أو لا.و مورد البحث في المقام خصوص ما كان الموصوف مذكورا في الكلام،و أما غيره فإنه أشبه بمفهوم اللقب،و يأتي البحث عنه.
فالأليق بعنوان البحث في المقام أن يقال:الحكم الثابت للمنعوت بنعت ظاهري أو سياقي،هل يدور مدار وجود النعت؟
و كيف كان،فالوصف و الموصوف إما يكون بينهما التساوي،أو العموم المطلق،أو العموم من وجه،و أما التباين فلا يمكن أن يتحقق بينهما،للزوم الاتحاد بين الصفة و الموصوف في الجملة،و لا اتحاد بين المتباينين.و الظاهر خروج الأول عن مورد البحث،لأن مقتضى التساوي بين الموصوف و الصفة، انتفاء الموصوف بانتفاء الوصف قهرا،فتكون القضية من السالبة بانتفاء الموضوع،إلاّ أن يكون مورد نظرهم في المقام إلى الأعم من ثبوت الموضوع خارجا أو فرضا،و لكنه بعيد عن كلماتهم.
كما أنه لا إشكال في خروج القسم الأخير إن كان الافتراق من طرف الموضوع،إذ لا اعتماد فيه للوصف على الموصوف في ظاهر الخطاب،و قد تقدم اعتباره،فما نسب إلى بعض الشافعية من أن قوله صلّى اللّه عليه و آله:«في الغنم السائمة زكاة»يدل على عدم الزكاة في غير السائمة.لا وجه له إلاّ إذا استفيد العلية التامة المنحصرة من السائمة الواردة في الغنم في غير الغنم من سائر الأنعام التي فيها الزكاة أيضا.فيبقى مورد البحث القسم الثاني،و الأخير في ما إذا كان الافتراق من ناحية الوصف،و تكون البقية من اللقب الذي يأتي عدم المفهوم فيه.و منه يظهر الإشكال في ما في الكفاية من تعميمه للجميع،فراجع و تأمل.
ثم إن الوصف إما أن يكون علة تامة منحصرة لثبوت الحكم للموضوع أو يكون مقتضيا له،أو لا اقتضاء له أصلا،فيكون وجوده كعدمه على حدّ سواء، و المفهوم إنما يثبت في القسم الأول فقط دون الأخيرين،كما تقدم في مفهوم الشرط.
إذا عرفت ذلك نقول:إنه لا ريب في ثبوت المفهوم للوصف في بعض الموارد لقرائن خارجية أو داخلية،كما لا ريب في عدمه كذلك في بعض الموارد الأخر،إنما الكلام في بيان القاعدة الكلية التي يصح الاستناد إليها في كل مقام،و ما يمكن أن يستند به عليها وجوه جميعها قابلة للمناقشة:
منها:دلالته على المفهوم وضعا.
و فيه:أنه لو كان كذلك لما وقع الخلاف فيه،و لكانت كتب اللغة مرجعا لبعض ذلك من دون احتياج إلى إتعاب النفس إلى التمسك بالأدلة الخارجية.
و منها:أنه لو لم يدل عليه لكان ذكره لغوا،إذ لا فائدة فيه غير ذلك.
و فيه:وضوح عدم انحصار الفائدة فيه،بل له فوائد كثيرة،كما لا يخفى على من تأمل في المحاورات،فراجع علم المعاني و البيان.
و منها:ما اشتهر من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا،و أن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية،فيثبت المفهوم لا محالة.
و فيه:أنه لا أصل لهذا الأصل إلاّ في الحدود الحقيقية و التعريفات الواقعية،و هي كلها خارجة عن مورد الكلام.
و قضية تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية ليست من القواعد المعتبرة،مع أن الإشعار بالعلية أعم من العلية التامة المنحصرة التي هي مناط تحقق المفهوم،كما مر.
و منها:أن من لزوم حمل المطلق على المقيد في المحاورات العرفية يستكشف المفهوم للوصف أيضا.
و فيه:أن مناط حمل المطلق على المقيد إحراز وحدة الحكم فيهما، و تقديم النص-الذي هو المقيد-على الظاهر-الذي هو المطلق-و المناط في المقام إحراز العلية التامة المنحصرة للوصف،فلا ربط لأحدهما بالآخر.
فليست في البين قاعدة كلية تدل على ثبوت المفهوم للوصف،بل لا بد في ثبوته من دلالة القرائن الخاصة المعتبرة عليه.
و قد يستدل على عدم المفهوم للوصف بقوله تعالى: وَ رَبٰائِبُكُمُ اَللاّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اَللاّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فإنه لو ثبت المفهوم لدلت الآية على حلية الربيبة إذا لم تكن في الحجر،مع أنها محرّمة أيضا.
و فيه:أن ذلك لأجل الأدلة الخاصة الدالة على حرمة الربيبة مطلقا و لو لم تكن في الحجر،مع أن عدم دلالة الوصف على المفهوم أحيانا لا يدل على عدم دلالته عليه بالكلية،كما هو واضح.
الثالث:مفهوم الغاية
البحث في الغاية من جهتين:
الاولى:في دخولها في المغيّا و عدمه،و التحقيق أن لها معنيين:فتارة يراد بها آخر الشيء باعتبار وجوده المختص به،كقولك:مساحة هذا الشيء ذراع. و هو داخل في المغيّا،لأن كل شيء عبارة عن المحدود بحد خاص و شكل مخصوص.
و اخرى يراد بها ما ينتهي عنده الشيء باعتبار الحكم لا باعتبار الموضوع، كقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا اَلصِّيٰامَ إِلَى اَللَّيْلِ. و حينئذ فيمكن أن يقال بانتزاع الغاية من أول جزء من الليل فتكون داخلة حينئذ،أو انتزاعها من آخر جزء من النهار فتكون خارجة لا محالة،و يختلف ذلك باختلاف الموارد،و المتبع هو القرائن المعتبرة و مع عدمها فالمرجع هو الاستصحاب،فتكون النتيجة دخولها في المغيا.
و المعروف بين أهل الأدب أن كلمة(حتى)و(إلى)تدلان على دخول الغاية في المغيّا ما لم تكن قرينة على الخلاف،و لكن اعتبار كلامهم أول الدعوى إلا مع ثبوت ذلك في المحاورات المعتبرة.
الثانية:أنها هل تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية؟و التحقيق أنها إن كانت قيدا للموضوع تكون من الوصف حينئذ،و قد تقدم عدم المفهوم له.و إن كانت قيدا للحكم فتدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية قهرا،و إلا فلا تكون غاية و هو خلف،مثل قوله عليه السّلام:«كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر»، و قوله عليه السّلام:«كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام»فلا وجه للطهارة و الحلّية بعد العلم بالقذارة و الحرمة.و يمكن أن يعد هذا من الدلالة المنطوقية لا المفهومية،و إن شك في كونها قيدا للحكم أو للموضوع فالمرجع الاستصحاب مع تحقق شرائطه و إلاّ فالبراءة،فتخرج حينئذ عن الدلالة منطوقية كانت أو مفهومية.
الرابع:مفهوم الاستثناء
مقتضى المحاورات المتعارفة في كل لغة أن الاستثناء من الإيجاب سلب؛و من السلب إيجاب،و أنه يدل على الحصر،و أن الحكم المذكور في القضية مختص بالمستثنى منه،و المشهور أن انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى إنما هو بالمفهوم،فإن أرادوا ذلك في الجملة و في بعض الموارد الخاصة لمناسبات مخصوصة فلا إشكال فيه،و إلا فالظاهر أنه في مثل(ليس)و(لا يكون)بالمنطوق لا بالمفهوم،لتبادر ذلك منهما في المحاورات،و لا يبعد ذلك في مثل(إلاّ)أيضا إذا كان من حدود الحكم و متعلقاته.
و أما إذا كان من قيود الموضوع فمرجعه إلى الوصف،و تقدم عدم المفهوم له،فيصح أن يقال:إن الأدوات الاستثنائية تدل على انتفاء حكم ما قبلها عما بعدها بالمنطوق لا المفهوم،إلا في بعض الموارد لقرائن خاصة.
و أما ما قيل:من أنها لو دلت على المفهوم لكان قوله عليه السّلام:«لا صلاة إلاّ بطهور»دالا على كون الطهور صلاة و لو لم تتحقق سائر الأجزاء و الشرائط.
فهو باطل قطعا،لأن مثل هذه التعبيرات إنما يقال عند بيان اعتبار ما بعد إلاّ لما قبلها تحققا أو كمالا،فيقال:لا صلاة إلا بطهور،و يكون عبارة اخرى عن قوله عليه السّلام:«الصلاة ثلث طهور،و ثلث ركوع،و ثلث سجود».و كما يقال:لا علم إلاّ بعمل،و لا إيمان إلا بصبر.
كما أن قبول إسلام من قال:لا إله إلا اللّه،لا يدل على ثبوت المفهوم للاستثناء على نحو الكلية،لما تقدم من احتمال كون الدلالة فيها أيضا بالمنطوق مثل(ليس)و(لا يكون)،و على فرض كونها بالمفهوم فهي لقرينة خاصة،و لا تثبت بها الكلية.
و قد يقال:بأن المقصود من كلمة التوحيد الإقرار بوجود اللّه تعالى و تحقق فعليته من كل جهة،و نفي الشريك له تعالى.فإن قدّر خبر(لا)النافية ممكن،يكون المعنى:لا إله ممكن إلا اللّه،فهو ممكن و يثبت الإمكان بالنسبة إليه تعالى،و هو أعم من الوجود الفعلي،إذ لا يلزم أن يكون كل ممكن موجودا.و إن قدّر موجود فيكون المعنى:لا إله موجود إلا اللّه فهو موجود،فهو و إن دلّ على الفعلية و الوجود و لكن لا يدل على امتناع الشريك له تعالى،لأن نفي الوجود أعم من الامتناع إذ ليس كل معدوم ممتنعا.
نقول:
أولا:أن كلمة(لا)تامة لا تحتاج إلى الخبر مثل ليس التامة، فالمعنى أنه لا تحقق للمعبود بالذات إلاّ اللّه تعالى،و هو ظاهر في وجوده و امتناع معبود آخر غيره عزّ و جلّ.
و ثانيا:يصح تقدير الخبر لفظ الممكن و لا يلزم المحذور،لما ثبت في محله من أن كل ما كان من المعاني الكمالية ممكنا بالنسبة إليه تعالى و لم يكن مستلزما للنقص،فهو واجب بالنسبة إليه،فقولك:لا إله ممكن إلا اللّه فهو ممكن، أي واجب،كما برهن عليه.قال الحكيم السبزواري:
إذ الوجود كان واجبا فهو و مع الإمكان قد استلزمه و قس عليه كلما ليس امتنع بلا تجشم على الكون وقع
و ثالثا:يصح تقدير الخبر لفظ الموجود،و يكون نفي الوجود عن جنس الواجب بالذات أو المستحق للعبادة ذاتا ملازما لامتناعه،لأنه لو كان ممكنا لتحقق.
ثم إن لفظ(إنما)يدل على الحصر و الاختصاص،لتبادر ذلك منه عند عرف أهل المحاورة ما لم تكن قرينة على الخلاف.
و كذا لفظ(بل)الإضرابية المستعملة في الجملة المنفية مع كون الإضراب حقيقيا التفاتيا،فإنه يدل على الاختصاص أيضا،لتبادره منه.و أما لو كان لبيان السهو و الغفلة و الغلط فلا يدل عليه،كما لا يدل عليه سائر أقسام(بل)المذكورة في الكتب الأدبية إلا مع قرينة معتبرة دالة عليه.
و قد يعدّ مما يدلّ على الحصر تعريف المسند إليه باللام،و تقديم ما حقه التأخير،فإن اريد أنها لأجل القرينة الخاصة-حالية كانت أو مقالية- فلا إشكال فيه.و إن اريد أنها وضعية فهي ممنوعة،لعدم التبادر كما لا يخفى.
الخامس و السادس:مفهوم اللقب و العدد
و الأول ما كان طرفا للنسبة الكلامية في الجملة،مسندا كان،أو مسندا إليه، أو من متعلقاتهما.و حينئذ فإن كان وصفا يصير مورد بحث المفهوم من جهتين، بل يمكن أن يصير مورد البحث من جهات لامور أخر أيضا.
و على أي تقدير مقتضى الأصل و المحاورات العرفية عدم اعتبار المفهوم للقب،فإن قول:زيد قائم،لا يدل على نفي القعود عنه-نعم حين القيام لا يصدق عليه القعود فعلا من جهة امتناع اجتماع الضدين،و لا ربط له بالمفهوم- كما لا يدل على نفي القيام عن عمرو بوجه من الدلالات،و قد ارتكز في النفوس أن إثبات شيء لشيء لا يدل على نفيه عما عداه و نفي ما عداه عنه و عن غيره.
و أما العدد:
فتارة:يكون محدودا بالنسبة إلى طرفي القلة و الكثرة،كركعات الظهر مثلا.
و اخرى:بالنسبة إلى طرف القلة فقط،كالصدقات الواجبة المحدودة بحدّ خاص معين،فلا يجزي الأقل منه.
و ثالثة:يكون محدودا بالنسبة إلى طرف الزيادة،كنافلة الظهر حيث لا تجوز الزيادة على الثمانية و يجزي الأقل منها.
و رابعة:يكون لا اقتضاء بالنسبة إلى الطرفين.
و الكل ليس من المفهوم في شيء،و المنساق عرفا من العدد التحديد بالنسبة إلى الأقل إلا مع القرينة على الخلاف.