إن قلت:لا وجه لصحة السلب في المقام،لأنها إن كانت مطلقا حتى بالنسبة إلى حالة التلبس،فهي كاذبة قطعا.و إن كانت مقيدة بحال الانقضاء فلا تكون علامة للمجاز،لأن العلامة له ما كانت مطلقة،لا ما كانت مقيدة.
قلت:هي باعتبار حالة الانقضاء فقط،و ليس المقام من الإطلاق و التقييد، بل من المتباينين،لأن حالة التلبّس مباينة مع حالة الانقضاء عرفا،بل دقة أيضا، مع أنه لو كان من الإطلاق و التقييد الاصطلاحي تكون بلحاظ حال القيد-الذي هو الانقضاء-علامة للمجاز وجدانا،و هو المطلوب.و ليس المراد إثبات المجازية حتى بالنسبة إلى حال التلبس حتى يلزم الكذب.
و دعوى:أن علامة المجاز صحة السلب بقول مطلق،مما لا دليل عليها، بل العلامة صحة السلب بنحو تكون معتبرة عند المحاورة أعم من المطلق و غيره،فكلما صدق صحة السلب تصدق المجازية أيضا،فليست هذه الأمارات حاكمة على الوجدان مطلقا.
و قد استدل للأعم تارة بالتبادر،و اخرى بعدم صحة السلب عما انقضى، و فيهما ما لا يخفى.و ثالثة باستدلال المعصوم عليه السّلام بالآية الكريمة: لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ على عدم لياقة من كان مشركا و أسلم لخلافة النبي صلّى اللّه عليه و آله،و لا يتم الاستدلال إلا بناء على الأعم.
و يمكن المناقشة فيه:بأن الخلافة من المراتب الشريفة التي لا ينالها من كان مشركا و لو انقضى عنه الشرك و آمن بعد ذلك،للأدلة الدالة على اعتبار العصمة من المعاصي مطلقا في الخلافة الإلهية،فضلا عن الشرك.و لو اريد من الظلم في الآية الشريفة مطلق المعصية أعم من الشرك،لا يتوقف الاستدلال على دعوى كون المشتق حقيقة في الأعم،لأن القوم كانوا ظالمين بهذا المعنى حين تقمص الخلافة،كما لا يخفى على من راجع المطاعن الواردة فيهم من الطرفين.
بل تصوير الوضع للأعم ثبوتا مشكل،أما بناء على بساطة المشتق-كما هو الحق-فلا فرق بينه و بين المبدأ إلاّ بالحمل،و لا يعقل فرض الوضع للأعم بالنسبة إلى المبدأ-و أما بناء على التركب:فالنسبة إما أن تلحظ مهملة من كل جهة و لازمه الصدق الحقيقي بحسب الاستقبال أيضا مع اتفاقهم على أنه مجاز فيه.و إما أن تلحظ بالنسبة إلى حال التلبس فهو عين الوضع للمتلبس.و إما أن تلحظ بالنسبة إلى الأعم منه و ممّن انقضى،و هو خلاف مفهوم النسبة و معناها، لأن معناها الخروج من العدم إلى الوجود و هو ليس إلاّ حال التلبّس فقط،فلا وجه معقول للوضع للأعم ثبوتا حتى يستدل عليه إثباتا.
ثم إن الاصوليين اتفقوا على أن معنى المشتق بسيط لحاظا و اعتبارا، بمعنى أن الملحوظ من(عالم)مثلا شيء واحد،و إن انحل بالدقة العقلية الى معروض و عرض.و لكن اختلفوا في أنه كذلك في مقام التبادر اللفظي أيضا،أو أنه مركب فيه.
و الحق هو الأول،لأن المتبادر من كل واحد من العالم،و الضارب شيء واحد يعبر عنه في الفارسية ب(دانا)و ب(زننده)و إن انحل بالدقة العقلية إلى شيئين،و لكن لا ربط للدقيات العقلية بالتبادرات اللفظية،و لا ملازمة بين البساطة التبادرية و البساطة الدقية أيضا.فكما أن المتبادر من كل واحد من البيت و الجدار و الكتاب شيء واحد عرفا مع كونها مركبة في الواقع من الأجزاء،فكذا المقام يكون المتبادر من المشتق شيء واحد و إن انحل في الواقع إلى شيئين، و لا يضر الانحلال الواقعي بالبساطة التبادرية،فالعرف أصدق شاهد على البساطة التبادرية،و فيه غنى و كفاية.
و لا وجه لما استدل به عليها من أنه إن تركب المشتق من الشيء و المبدأ، يلزم دخول العرض العام في الذاتي في جميع القضايا التي تكون محمولاتها ذاتيا للموضوع،كالإنسان ناطق مثلا،لكون الشيء عرضا عاما بالنسبة إلى جميع الأنواع،و إن تركب من الذات و المبدأ،لزم انقلاب القضية الممكنة إلى الضرورية في جميع القضايا الممكنة التي تكون محمولاتها من عوارض الموضوع،كزيد كاتب مثلا،لصيرورة ذات الموضوع حينئذ جزء للمحمول، فتصير ضرورية لا محالة،لأن ثبوت الشيء لنفسه ضروري.و ذلك لإمكان اختيار الشق الأول،و لا يلزم دخول العرض العام في الذاتي.
أما أولا:فلأن جميع تلك المحمولات في تلك القضايا من الخواص الكاشفة عن الذاتيات،لا أن تكون ذاتية بنفسها.
و أما ثانيا:فلأن الشيء ينطبق قهرا على الحصص المختلفة التي تكون مع الذاتي ذاتيا و مع غيره عرضيا،فيرجع الإشكال إلى الشق الثاني،و يأتي الجواب عنه.
و يمكن اختيار الشق الأخير أيضا و لا يلزم المحذور،لأن الذات أخذ في طرف المحمول مرآة لتعرف الموضوع،و بمنزلة الرابط،لا أن يكون مستقلا حتى يكون هو المحمول و يلزم المحذور،فكأنه قيل في(زيد كاتب)مثلا،زيد يظهر بهذا الوصف،أو هذه الصفة من مظاهر زيد،و لا محذور فيه،و لو لوحظ مستقلا أيضا على ما فصّل،فكما أنه لو قام شخص مقابل المرآة لا تحصل فيها إلاّ صورة واحدة،فكذلك تكون مرآة النفس،فالتبادرات المحاورية لا تكون إلاّ صورة واحدة،مع أن القضايا المعمولة في العلوم ليست مبنيّة على هذه الدقائق، بل منزّلة على المتعارف بين أهل المحاورة،فربّ شيء لا يصح بالدقة العقلية مع أنه يصح في المحاورات،و ربّ شيء يكون بالعكس،فلا وجه للاستدلال.
و قد ذكرنا أنه لا ثمرة في بساطة المشتق و تركبه،بل لا ثمرة عملية في أصل بحث المشتق،لأن الموارد التي ادعي استعماله فيها في الأعم تكون هناك قرائن معتبرة دالة على ترتب الحكم على الأعم.
ثم إنه قد استدل على التركيب:
تارة:بأن العرض متقوّم بالموضوع،فيحصل التركب لا محالة.
و فيه:إن التقوّم إنما هو في الوجود الخارجي لا في المفهوم،و الكلام في الثاني دون الأول.
و اخرى:بأن المشتق متضمن للنسبة،و هي لا بد أن تكون بين اثنين منتسبين،فيتحقق التركب لا محالة.
و فيه:أنه كذلك في تحليل العقل،و الكلام في المفهوم في المحاورات العرفية.
و يمكن أن يرفع النزاع و جعله نزاعا لفظيا،فمن يقول بالبساطة،أي لم يؤخذ شيء متعين من مفهوم المشتق،و من يقول بالتركب،أي اخذ فيه شيء مبهم من كل جهة حتى من الإبهام و الشيئية،فيكون من الشبح المحض،مثل الظل و ذي الظل،و الظاهر كون هذا مطابقا للوجدان في الجملة.أو يكون مراد من يثبت التركب أي بلحاظ الحمل،و من البساطة أي مع قطع النظر عنه.