الظلّ: الستر, وكلّ ما يستر عن الضياء يسمى ظلًّا، والجمع: ظِلال, قال تعالى في وصف أهل الجنّة: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وعُيُونٍ[1], والفيء أخصّ منه، لاختصاص إطلاقه بما زالت عنه الشمس فقط، وليس كلّ ظلّ فيئًا.
والظُّلل: جمع ظُلّة, وهي: ما يُتستّر به، وسمّي السحاب, والغمام بذلك؛ وورد لفظ (ظلل) في القرآن الكريم في أربعة مواضع, وجميعها كناية عن التهويل, والعظمة، منها قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ [2].
والظليل: صفة اشتقّت من الظِل, تؤكّد معناه، وفي قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلًا ظَلِيلًا[3], أي: ظل الجنّة دائم لا حرّ فيه، ولا تنسخه شمس, كظلّ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس في هذه الدنيا، قال تعالى: وظِلٍّ مَمْدُودٍ* وماءٍ مَسْكُوبٍ* وفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ* لا مَقْطُوعَةٍ ولا مَمْنُوعَةٍ [4].
وفي قوله تعالى: وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [5], يمكن أن يكون المراد من الظلّ: قرب الوصول إليه تعالى في الجنّة، فإنّ المؤمن في هذه الدنيا وإن كان قريب الوصول إليه تعالى، ولكنّه في عالم الجنّة أقرب، فأدخله في ظلاله, وإنّ ظلّه جلّ شأنه عليه دائم لا ينقطع.
ويمكن أن يكون تظليل الغمام إشارة إلى مقام تجلّي صفاته المقدسة جلّت عظمته لخلّص عباده، وإنزال المنّ, والسلوى, إشارة إلى المقامات الحاصلة لهم من التخلّي عن الرذائل, والتحلّي بالفضائل؛ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ إشارة إلى قول نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): ” إنّ لربّكم في أيام دهركم نفحات، ألّا فتعرّضوا لها”[6]، وفي قوله تعالى: وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ [7] إشارة إلى قوله تعالى: “من تقرّب إليّ شبرًا، تقرّبت إليه ذراعًا، ومن تقرّب منّي ذراعًا، تقرّبت منه باعًا، ومن أتاني مشيًا أتيته هرولة”[8].
ويمكن أن يكون المراد من الظلّ: خلع المؤمن الكثافات الجسمانيّة عن نفسه, وتنزّهه عنها في ذلك العالم، فالظلّ شيء، ولكنّه مجرّد عن الكثافة, كذلك المؤمن, لتناسب المكين مع المكان، وإنّ شرف المكان بالمكين، فيدخل اللّه تعالى المؤمن الجنّة بعد تطهيره من الكثافات الجسمانيّة، وقد دلّت عليه آيات شريفة, وروايات كثيرة, في وصف أهل الجنة.
وقد عُبّر عن المجرّدات بالظلّ في لسان الأئمة (عليهم السّلام), كثيرًا للإشارة إلى أنّ المجرّدات قد تكون من الجواهر، فإنّها شيء لا كالأشياء، فعُبّر عن عالم الذرّ بعالم الظلّ، ففي حديث مفضل: “كيف كنتم حيث كنتم في الأظلّة؟، قال: يا مفضل كنّا عند ربنّا, ليس عنده أحد غيرنا, في ظلّة خضراء”[9]، فهو كناية عن قدسيّة أرواحهم الشريفة، وأنّها كانت من القرب المعنويّ الى المبدأ الأعلى، وفي حديث صفات الباري جلّ شأنه: “أزليّا, صمديّا, لا ظلّ له يمسكه، وهو يمسك الأشياء بأظلّتها”[10].
[1] المرسلات: 41
[2] البقرة : 210
[3] النساء : 57
[4] الواقعة: 30- 33
[5] البقرة : 57
[6] بحار الأنوار – ج 68 – ص 221
[7] البقرة: 58
[8] عوالي اللآلي – ج 1 – ص 56
[9] الكافي – ج 1 – ص 441, كتاب: فضل العلم, باب:بلد النبي محمد (صلى الله عليه واله) ووفاته,حديث:7.
[10] الكافي – ج 1 – ص 91, كتاب: فضل العلم , باب:النسبة, حديث:2