1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. ماقیل حول السید
  6. /
  7. معجم الألفاظ قرآنیة
  8. /
  9. باب الراء
ر أ ف

الرؤوف: من صيغ المبالغة، ولا مبالغة بالنسبة إليه عزّ وجلّ, لأن صفاته الجماليّة, والجلاليّة, غير متناهية من كل جهة, كذاته الأقدس، فالمبالغة من جهة الإضافة إلى المتعلق.

والرؤوف من صفات الذات, لا من صفات الفعل، وقابل للتشكيك: شدة, وضعفا, باعتبار المتعلّق, لا باعتبار الذات.

والرأفة بالمعنى اللغويّ لا يمكن إطلاقها عليه تعالى، وهي بمعنى اللطف بعباده والتساهل معهم، ولا تكاد تستعمل في الكراهة, بخلاف الرحمة, فإنها قد تكون في الكراهة للمصلحة.

ولم تستعمل في القرآن الكريم- غالبا- إلّا مقرونة بالرحمة, ومقدمة عليها, كذلك في أغلب الدعوات المأثورة أيضًا, وهي أرق منها, فيكون من تقديم الخاص على العام، لأن الرحمة نحو محبة خاصة تستعمل غالبا في دفع المكروه, وإزالة الضرر عن غير الراحم؛ والرأفة تستعمل غالبا في إيصال النفع إليه، وفي قوله تعالى:   إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [1]؛ أي: يدفع المكاره, والمضرات, ويوصل المنافع, وهما من مظاهر ربوبيته العظمى, وقيموميته المطلقة على جميع ما سواه؛ وغالب استعمالاته بالنسبة إلى ذوي العقول, والعباد, والمؤمنين، ولم نجد في القرآن العظيم استعماله بالنسبة إلى سائر الخليقة من الحيوان, والنبات.وجملة رَؤُفٌ بِالْعِبادِ , وردت في القرآن الكريم من غير توصيف بالرّحيم, نحو: قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ[2]، وقوله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ[3]، وفي غيرهما يتبع بالرّحيم، ولعلّ السرّ في ذلك أنّ العبوديّة أخص المقامات, والدّرجات, فتقتضي أخص الألطاف, والعنايات.

وحقيقة معنى الرأفة, مما يدرك ولا يوصف, ولا سيّما إذا أضيفت اليه عزّ, وجل، كسائر الصفات المضافة إليه تعالى، وجميع ما ذكره اللغويون, والأدباء, وتبعهم المفسرون, قول من وراء الحجاب, لا يصلح لإزالة الشك, والارتياب، فحقيقتها مجهولة, وإن كانت أخصيتها من مطلق الرحمة, معلومة.

والرأفة: تستعمل في المخلوق أيضًا، قال تعالى: ولا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ[4]، وفي بعض الدعوات المأثورة “يا أرأف من كل رؤوف”[5].

والآيات المباركة المشتملة على الرأفة على أقسام:

الأول: مطلقات، نحو قوله تعالى:  إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ[6]، وقوله تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ[7].

الثاني: ذكر فيه النّاس، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ[8].

الثالث: ذكر فيه العباد، قال تعالى: وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ[9].

الرابع: ذكر فيه المؤمنين، قال جل شأنه:  بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ[10].

وليس ذلك من التقييد في شي‏ء، فإن ما سواه تعالى مورد رأفته, ورحمته, حدوثا, وبقاء، وذكر النّاس, أو العباد، أو المؤمنين, إما لأجل ذكر الفرد الأهم، أو لأجل بيان مراتب الرأفة الكثيرة.

[1] البقرة : 143

[2] البقرة : 207

[3] آل عمران: 30

[4]  النور: 2

[5] المصباح للكفعمي – ص 253

[6]  النحل: 7

[7]  الحشر: 10

[8]  البقرة: 143

[9]  البقرة: 207

[10]  التوبة: 128

ر أ ي

مادّة (ر أ ي) لها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بهيآت مختلفة؛ وفي مضارعها تحذف الهمزة مطلقًا؛ وسعة استعمال الكلمة تعمّ الدنيا, والآخرة, بل الرؤيا تعمّ حتى الحيوانات؛ وتُستعمَل بالنسبة إلى اللّه جلّ شأنه، قال تعالى: وسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ [1].

والمعنى الجامع: هو الإدراك, بما له من المراتب الكثيرة، فيشمل علم اللّه تعالى, وإدراكات المجردات, وإدراكات القوى الحاسّة: الظاهريّة, والباطنيّة، والوهم، والخيال، والتفكير, والوجدان، والعلم, والظنّ, كلّ ذلك بحسب مراتبها.

وفي قوله تعالى:  وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى‏ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً[2], الرؤية: الإدراك بالقوة الحسيّة البصريّة، وتستعمل بمعنى: العلم, وما يُدرَك في عالم الرؤيا أيضًا.

وفي قوله تعالى: َ ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ [3], الرؤية بمعنى: العلم, إذ نزّل علم المخاطب, بما فيه من الإيمان, واليقين, أو ما عليه من الظهور, منزلة الرؤية بالبصر.

وفي قوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ[4], الرؤية أعمّ من العقليّة العرفانيّة, والنظريّة .

[1].  التوبة: 94

[2] البفرة: 55

[3] البقرة : 243

[4] الأنعام : 6

ر ب ب

الربّ‏: من أمهات الأسماء المقدسة كالحيّ، والقيّوم, بل هو الأمّ وحده، لأنّه ينطوي فيه الخالق, والعليم, والقدير, والمدبّر, والحكيم, وغيرها، فإنّه غير الخلق, وهو ما يفاد من قوله تعالى:  رَبُّ السَّماواتِ والْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ[1], أي: خلقهنّ؛ ولأنه أمّ الأسماء، وكونه مظهرا لجملة من أسمائه المقدسة, لم يرد في القرآن الكريم دعاء من عباده إلّا مبدوّا به, قال تعالى:  رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً[2], وقال تعالى:  رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا[3] وقال تعالى:  رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا[4], وقال تعالى: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى‏[5], وغيرها من الآيات المباركة؛ ولعلّ السرّ في ذلك هو إفادة هذا اللفظ حالة الانقطاع إلى اللّه تعالى أكثر من غيره, لذا وقع من أنبيائه العظام في تلك الحالة, قال تعالى عن لسان نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله):  يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا[6]، وقال تعالى عن لسان نوح (عليه السّلام):  رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا ونَهارًا[7].

وقد ذكر بعض المفسّرين, تبعًا لجمع من اللغويّين, أنّ الربّ بمعنى: المالك, والملك, أو الصاحب؛ لكن التدبّر في استعمالات هذا اللفظ, يعطي أنّ الملك شي‏ء, وربانيّته شي‏ء آخر, قال تعالى:  ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ[8],  وقال تعالى:  قُل أعوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ[9], فإنّ فيه خصوصيّة ليست في المالك, والملك, والصاحب, إنّها الربوبيّة الحقيقيّة الناشئة من الحكمة الكاملة, التي لا يُتصوّر النقص فيها بوجه، فالتكوين شي‏ء, وتنظيم عالم التكوين بتربيبه على النظام الأحسن شي‏ء آخر، قال تعالى: وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْ‏ءٍ[10]؛ ويدلّ على ذلك, فضلا عمّا ذُكر, عدم صحة استعمال كلّ واحد منها مقام الآخر في الاستعمالات الصحيحة إلّا بالعناية.

والربّ: مجمع جميع أسماء أفعال اللّه المقدّسة, لأنّ جميع أفعاله تبارك وتعالى, متشعّبة من جهة تدبيره تعالى، وتربيبه في كلّ موجود بحسبه, فالربّ مظهر الرحمة, والخلق, والقدرة, والتدبير, والحكمة, فهو الشامل لما سواه تعالى، فإنّهم المربوبون له تعالى على اختلاف مراتبهم.

والربوبيّة لها مراتب, تختلف باختلاف مراتب المربوب, والمتعلق، قال تعالى: اقْرَأْ ورَبُّكَ الْأَكْرَمُ[11], وقال تعالى: وتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ[12], وقد ورد في الأثر عن الأئمة الهداة (عليهم السّلام): “رب الملائكة والروح”[13].

وقد قرن هذا اللفظ في القرآن الكريم بما يفيد عظمته, وجلالته, قال تعالى: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ[14]، وقال تعالى:  ورَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ[15]، وقال تعالى: اللَّهَ رَبَّكُمْ ورَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ[16]، وقال تعالى:  سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ[17]، وقال تعالى: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ[18], ولجلال عظمته وقع مقسمًا به, قال تعالى:  فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ[19], وقال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ[20]، وقال تعالى: فَوَرَبِّ السَّماءِ والْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ[21].

فليس في أسمائه المقدسة أعمّ نفعًا, وأكمل عناية, ولطفًا, من اسم (الربّ), بالمعنى الذي ذكرناه، ولعلّ المراد بقوله تعالى: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ[22], وقوله تعالى: أَولَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ والْأَرْضِ[23], وقوله تعالى: فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ[24], هو الربوبيّة العظمى, الإلهيّة, فإنّ التغييرات, والتبدّلات, اللازمة لعالم الكون, والفساد، والإفاضات الحاصلة منه تعالى على العوالم, هي الملكوت المضافة اليه تعالى؛ مع أنّ الثابت في علم الفلسفة أنّ ما سواه ــــ تبارك, وتعالى ـــــ به حاجة إليه تعالى, في البقاء, كحاجته إليه في أصل الحدوث, ففي كل لحظة- بل أقلّ منها- له رحمة خالقيّة, وربوبيّة, لما سواه من الموجودات, وهذا هو معنى القيموميّة المطلقة, التي لا يمكن إحاطة الإنسان بها, وبالربوبيّة العظمى, كعدم إمكان الإحاطة بذاته تعالى, وتقدّس, شأنه.

والربّانيّ: المنسوب إلى الربّ، زيد الألف والنون للمبالغة في التفخيم, والتعظيم، نحو ما يقال: رقبانيّ, لعظيم الرقبة، ولحيانيّ, لعظيم اللحية.

وفي قوله تعالى: لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ[25]، الربّانيّون, والأحبار: طائفتان معروفتان في مجتمع اليهود، وهم العبّاد, والعلماء، وتخصيصهم بالذكر, لأنّهم الذين يقتدي بهم غيرهم، ويعلمون قبح أفعالهم, ونتائج أعمالهم الشنيعة، ولأنّ الميثاق قد أخذ من العلماء, لبيان الأحكام، وردع الناس عن ارتكاب الحرام، فإذا تركوه كان أشد قبحًا, وأعظم تأثيرًا، وهو ما أخبر عزّ, وجل.

وفي قوله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ[26],المراد بالربّانيّين: التوغّل, والتحنّك في عبادة اللّه تعالى, حتى تعلّق قلبه به عزّ, وجل, ولا يخطر بباله غيره، وقد ظهرت آثار العبوديّة في جميع أقواله, وأفعاله, وأحواله, ومعارفه, لأجل انتسابه إلى ربّ العالمين، ووضع نفسه تحت إرادته, ومشيّته.

والربيب: ابن الزوجة من غير الزوج، والربيبة: بنت امرأة الرجل من غيره، وسمّيت بذلك, لأنّها في معرض تربية الزوج غالبًا، وإن لم يكن كذلك دائمًا.

وفي قوله تعالى:  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ[27], الربائب: جمع ربيبة ، فعيل بمعنى مفعول, يستوي فيه المذكّر, والمؤنّث، ولكن لمّا أُلحق بالأسماء الجامدة, جاز لحوق التاء له، وهذا هو معنى قول النحاة, والصرفيين: إن التاء للنقل إلى الاسميّة.

[1]  الأنبياء: 56

[2]  البقرة:201

[3]  آل عمران: 147

[4]  إبراهيم: 35

[5]  البقرة: 260

[6]  الفرقان: 30

[7]  نوح: 5

[8]  الزمر: 6

[9]  النّاس: 4

[10]  الأنعام: 164

[11] العلق: 3

[12]  الزمر: 75

[13] الكافي – ج 2 – ص 529 , كتاب: الدعاء ,باب: القول عند الاصباح والامساء , الحديث 20

[14]  الصّافات: 180

[15]  المؤمنون: 86

[16]  الصافات: 126

[17]  يس: 58

[18]  سبأ: 15

[19]  النساء: 65

[20]  الحجر: 92

[21]  الذاريات: 23

[22]  المؤمنون: 88

[23]  الأعراف: 185

[24]  يس: 83

[25] المائدة: 63

[26] آل عمران: 79

[27] النساء: 23

ر ب ص

التربّص: الانتظار, والإمساك, وفي قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ, يتربّصن بأنفسهنّ أي: يمسكن بأنفسهنّ, ويحبسنها عن الازدواج, والتمكين, وهو يفيد معنى الاعتداد.

[1] البقرة : 228

ر ب ط

المرابطة: الملازمة, والثبات, والمواظبة, وفي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[1], أي: واظبوا على تكميل أنفسكم بالكمالات الواقعيّة، وأثبتوا في تنفيذ أحكام اللّه تعالى، ولازموا الحقّ في جميع حالاتكم, في الشدّة, والرخاء.

[1] آل عمران: 200

ر ب و

الربوة- مثلّث الفاء-: المحلّ المرتفع, قال تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [1].

[1] البقرة : 265

ر ج ز

الرِجز: الاضطراب الموجب للعذاب، وعن نبّينا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “الطاعون رجز عذّب به بعض الأمم”[1], وفي قوله تعالى:  فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ[2],  لم يذكر سبحانه وتعالى, نوع العذاب، وإنما ذكر بعض المفسّرين أنّه الطاعون, فمات منهم أربعة وعشرون ألفًا من كبارهم, وشيوخهم, وبقي الأبناء, فانتقل عنهم العلم, والعمل, فمات الكبراء, والشيوخ, بالطاعون, ومات الباقون بالجهل المركّب, الذي هو أشدّ من الطاعون.

وعن بعض اللغويّين: الرِجز, والرجس, متقاربان, كالبزاق, والبصاق.

والرُجز (بالضم): عبادة الأوثان, ويناسب المعنى الأوّل.

[1] في صحيح مسلم – ج 7 – ص 27″:”قال رسول الله (صلى الله عليه  وسلم): الطاعون رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل أو على من كان قبلكم”

[2] البقرة : 59

ر ج س

مادّة ( ر ج س) تدلّ على الصوت الشديد, والاضطراب المخيف, الذي يُرعَب منه، يقال للغمام: رجاس لرعده، وفي الحديث: “لمّا ولد (صلى الله عليه وآله وسلم) ارتجس إيوان كسرى”[1]، أي: اضطرب, وتحرّك حركة لها صوت، ثمّ استعمل في ما يوجب الرعب, والمخافة منه, نحو الشيطان، ففي المأثور: “أعوذ بك من الرجس النجس”[2]، ولعلّ استعماله في القذارة لأجل هذا اللّحاظ، فإنّ بعض القذارات, ولا سّيما المعنويّة منها, توجب اللّعن, والطرد، ممّا لابدّ من الخوف الشديد منه، فتدلّ هذه المادّة على القذر الذي تتنفّر منه العقول, والطباع، فهي تدلّ على منتهى القبح, والخبث، ولذلك أطلقت على الأوثان، سواء أكانت ظاهريّة, نحو أصناف القذارات الظاهريّة، والمعاصي الربّانيّة، أم باطنيّة,  نحو ضروب رذائل الملكات, وقبائح الصفات، وأعظمها الكفر, والنفاق، فإنّهما أقبح الأشياء.

وردت هذه المادّة في القرآن الكريم  في ثمانية مواضع، في القذارات الظاهريّة, نحو قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ[3]، وقال تعالى: قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ[4], أي: يحرم لحم الخنزير, فإنّه قذر خبيث مخبث تتنفّر الطباع السليمة المستقيمة منه؛ وإنّما ذكر هذا ردًّا على من يستطيب أكله, وقد ثبتت قذارته بالتجربة.

وفي القذارات المعنويّة, نحو قوله تعالى : وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ[5]، أي: اللعنة, والعذاب، وفي كلتيهما، نحو قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا [6]، أي: الأعمال القبيحة, والمآثم, ورذائل الصفات.

ولمّا كانت أسباب القذارات متعدّدة: عقليّة, أو طبعيّة, أو شرعيّة، قد يعبّر به عن الحرام, والفعل القبيح, واللّعنة، وقد يتّحد الرجس, والنجس في بعض المصاديق، وعن بعض اللّغويّين: الرجز, والرجس, متقاربان, كالبزاق, والبصاق.

[1] النهاية في غريب الحديث: ج 2 ص 201

[2] النهاية في غريب الحديث: ج 2 ص 200

[3] المائدة : 90

[4] الأنعام : 145

[5] يونس : 100

[6] الأحزاب : 33

ر ج ع

الرجوع والعود, بمعنى: مصير الشي‏ء إلى ما كان عليه أوّلا, نظير قوله تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ[1].

وقول:  إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [2]: إقرار بالرجوع إليه تعالى, والجزاء على الأعمال؛ وفيه تسلية لكلّ مصاب, ومظلوم, وتوعيد لكلّ جائر, وظالم, وهو إقرار بالمبدأ, والمعاد, للّه تعالى بالمطابقة، ولمّا كان مبدأ كلّ شيء, ومرجعه, يستلزم وحدة الذات, والفعل, وإلّا لزم الخلف، فهذه الآية تدلّ على توحيد الذات, وتوحيد الفعل بالملازمة، ولعظمة هذه الجملة قال نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “لقد أعطيت هذه الأمّة عند المصيبة شيئًا لم يُعطَه الأنبياء قبلهم, … إنّا لله وإنّا إليه راجعون”[3].

والرجوع إلى اللّه تعالى رجوعان:

الأوّل: الرجوع غير الاختياريّ، وهو المعاد, الذي دلّت عليه الكتب السماويّة جميعًا, ولا سيّما القرآن الكريم, الذي أكّد هذا الموضوع تأكيدًا بليغًا؛ وبه يثبت المبدأ, ووحدانيّته, وإذا ثبت المبدأ, ثبت المعاد لا محالة.

الثاني: الرجوع الاختياريّ إليه عزّ, وجلّ, وهو أن يهيّئ الإنسان نفسه للحضور لدى الحيّ, القيّوم, العالم بالسرائر, والضمائر, حضور مجازاة لما فعل, لا مطلق الحضور, إذ الجميع حاضر لديه تعالى بهذا النحو من الحضور.

وبعبارة أخرى: إنّ هبوط الإنسان من المحلّ الأرفع الأعلى الى الحضيض الأسفل, لا يوجب أن ينسى الإنسان ما نزل منه, وأن يتدنّس بما وقع فيه، ولا بدّ له من التفكّر بالعروج, والصعود, وهذا هو الاسترجاع العمليّ, ولا ينفع مجرد الاسترجاع القوليّ؛ وللاسترجاع العملي مراتب كثيرة, ومقامات شريفة, فصّلها العرفاء في كتبهم العرفانيّة.

[1]  الأعراف: 29.

[2] البقرة: 156

[3] فيض القدير شرح الجامع الصغير – ج 2 – ص 3، (ح 1176).

ر ج ل

رجال: جمع راجل, كقيام جمع قائم, وصحاب جمع صاحب، وفي قوله تعالى: فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ[1],  وهم الكائنون على أرجلهم, في مقابل الرُكبان, الذي هو جمع الراكب, كفرسان جمع فارس، وكلّ شي‏ء علا شيئًا آخر, فقد ركبه.

وفي قوله تعالى: وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ[2], الرِجل: يطلق على الكلّ, وعلى الأبعاض، فتطلق على القدم، وعلى ما تحت الركبة، وعلى ما يشمل الفخذ؛ وفي قوله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ [3], حدّ ــــ عزّ وجلّ ــــ الرجلين إلى الكعبين، ليكون غاية للممسوح، على نحو ما ذكره في غسل اليدين.

[1] البقرة : 239

[2] المائدة: 6

[3] المائدة : 6

ر ح م

الرحِم: في المرأة منشأ نمو النطفة, وتربيتها، كما أنّ الأرض منشأ نمو البذرة, وتربيتها, وتسمّى القرابة رحمًا, لانتهائهم إلى رحم واحد, والجمع: أرحام, قال تعالى: ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ[1].

والرَّحْمنِ, والرَّحِيمِ: من مشتقّات الرحمة، ورحمته ــــ عزّ, وجلّ ـــــ أعمّ صفاته, وأوسعها, شملت جميع ما سواه, قال تعالى: ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ[2], فكلّ ما يطلق عليه شي‏ء في جميع العوالم, يكون من رحمته تعالى، وقد اعترف الأنبياء (صلى اللّه عليهم), والأئمة (عليهم السّلام), وجميع الفلاسفة المتألّهين, بالقصور عن الإحاطة بمراتب رحمته تعالى الواسعة .

وإنّ هاتين الكلمتين من الصفات المشبّهة إلّا أنّهم فرّقوا بينهما بوجوه:

الأول: أن الرحمن مبالغة, والرحيم صفة مشبهة, يدلّ على مجرد الثبوت, وهذا صحيح بالنسبة إلى ذات اللفظين إذا أطلقا على المخلوق؛ وأما من حيث إضافتهما إلى اللّه عزّ وجل, فلا وجه للمبالغة بالنسبة إليه تعالى؛ لأنّ صفاته بالنسبة إليه تعالى, غير محدودة فلا تجري المبالغة فيها؛ نعم تصحّ المبالغة بالنسبة إلى مورد الرحمة, على نحو قوله تعالى:  مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها[3] وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ[4], إلى غير ذلك ممّا ترجع المبالغة فيه بالنسبة إلى المخلوق.

وأمّا ما في بعض التفاسير من أنّ (فعلان) لا يدلّ على الثبوت, بخلاف (فعيل), وإنّما ذكر تعالى (الرحيم), لأجل إظهار ثبوت الرحمة بالنسبة إليه تعالى, فمخدوش, لأنّ التفرقة بين اللفظين إنّما تصحّ في الممكنات, دون الواجب تبارك, وتعالى.

الثاني: الرحمن يختصّ بالدنيا, والرحيم بالآخرة, لتقدّم الدنيا على الآخرة في سلسلة العوالم, والنشآت الزمانيّة, فالمقدّم للمتقدّم, والمؤخّر للمتأخّر، أو لذكر الرحيم مقرونًا بالغفران, والتوبة, في جملة من الآيات الكريمة، والغفران وأثر التوبة في الآخرة, فيختص الرحيم بها؛ والوجهان مخدوشان, لا يصلحان حتّى للاستحسان، فإن العوالم بالنسبة إليه تبارك وتعالى في عرض واحد, وإنّه محيط بالزمان, والزمانيات, وخارج عنهما, إلّا أن يلحظ ذلك بالنسبة إلى المخلوق.

وقد ورد الرحمن بالنسبة إلى الآخرة في قوله تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ[5]، وقوله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْدًا[6]، وورد الرحيم بالنسبة إلى الدنيا في قوله تعالى: ولا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا[7], وقد ورد عن الأئمة الهداة: “يا رحمن الدنيا والآخرة, ورحيمهما”[8].

الثالث: أن الأول عام للجميع, لقوله تعالى: ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ[9], والثاني خاص بالمؤمنين لقوله تعالى: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ[10], وهو أيضًا  مردود, فإن ذكر بعض الأفراد, وأشرفها, لا يدل على نفي ما عداه إلّا بالمفهوم, وقد ثبت أنه لا مفهوم للقيد.

الرابع: أنّ الرحمن ذو الرحمة الشاملة لكل محتاج إليها, بجميع مراتبها التفضليّة بلا اختصاص لها بنوع دون نوع, من الجماد, والنبات, والحيوان, والإنسان, وسائر المخلوقات, فلأجل إهمال المتعلق, أفيد العموم, والشمول, لجميع الأنواع الممكنة, من حضيض الجمادات الى أوج المجردات. نعم, من أهم مصاديق الرحمانيّة, تنظيم عالم التكوين بأحسن نظام, ومن أجلى مصاديق الرحيميّة, تنظيم التشريع بأكمل نظام, وأثر التشريع إنما يظهر بالنسبة إلى المؤمنين العاملين به, فاختص الرحيميّة بالآخرة من هذه الجهة، فهو تعالى رحيم في الدنيا بالتشريع, وفي الآخرة بالجزاء عليه.

والذي ينبغي أن يقال: إنه لا ريب في أن جميع ما سواه تعالى, مورد افاضة الوجود منه تبارك وتعالى, وهذا هو الرحمة الرحمانيّة, التي خرج بها ما سواه من العدم إلى الوجود, ولا ريب في أنّ كلّ نوع من أنواع الموجودات مطلقًا, بل كلّ صنف من أصنافها, له خصوصيّة لا توجد في غيره, وهي غير محدودة بحدّ, وتنكشف في طيّ العصور, ومرّ القرون, وتلك الخصوصيّات غير المتناهية, المجعولة منه تبارك وتعالى, مورد الرحمة الرحيميّة، فكما أنّ في الإنسان نوعًا خاصًّا منه, وهو المؤمن, مورد رحمته الرحيميّة, كذلك في الملك, والفلك, والجماد, والنبات, والحيوان, أصناف خاصة هي مورد رحمته الرحيميّة, بعد عدم برهان صحيح على اختصاص رحمته الرحيميّة بخصوص دار الآخرة.

وقد ذكر الاسمان: رحمن, ورحيم, في مفتتح القرآن العظيم, للإعلام بأن القرآن من أبرز مظاهر رحمتيه تعالى, أمّا الرحمانيّة فلفرض وحيه وإنزاله، وأمّا الرحيميّة فلأنّه ـــــ تبارك, وتعالى ـــــــ تجلّى لعباده, فأظهر فيه المعارف الربوبيّة, وخلاصة الكتب السماويّة, وزبدة حقائق التكوين, والتشريع, وربط به قلوب أوليائه.

فإذا رجعنا إلى موارد استعمال (رحمن) في القرآن الكريم, نرى أنّه استعمل مقرونًا بالتعظيم, والتجليل, بالنسبة إلى عالمي: الدنيا, والآخرة, قال تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ[11]، وقال تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ[12]، وقال تعالى: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ[13], وقال تعالى: ما تَرى‏ فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ[14].

وأمّا الرحيم فقد ذكر في القرآن الكريم غالبًا مقرونًا بالرؤوف, والتواب, والغفور، فقد جمع اللّه ــــ تبارك, وتعالى ـــــ في كتابيه: التدوينيّ (القرآن), والتكوينيّ, بين رحمته الرحمانيّة, ورحمته الرحيميّة, فتكون الرحمة الرحمانيّة عامّة لجميع الممكنات, قال تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى[15], أي استولى, والعرش هنا هو ما سواه تعالى، والرحمة الرحيميّة تعمّ جميع ذوي الكمالات التي أفيضت عليهم, من المجرّدات إلى الجمادات, فتكون من مظاهر رحمتيه تعالى: الرحمانيّة, والرحيميّة.

[1] البفرة: 228

[2]  الأعراف: 156

[3] الأنعام: 160

[4]  البقرة: 261

[5]  الفرقان: 26

[6] مريم: 85

[7]  النساء: 29

[8] مصباح المتهجد – ص 66

[9]  الأعراف: 156

[10]  التوبة: 128

[11]  مريم: 61

[12]  الفرقان: 26

[13]  الرحمن: 1

[14]  الملك: 3.

[15]  طه: 5

ر د د

مادّة (ر د د) تدلّ على الرجوع في الطريق الذي جاء منه, ومن هذا المعنى الردّ, وهو صرف الشيء بذاته, أو بحال من أحواله.

والارتداد اسم, ورد فعله في موضعين من الكتاب الكريم, أحدهما: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ[1], والآخر: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ [2].

والردّة: الرجوع من الإسلام إلى الكفر.

[1] المائدة : 54

[2] محمد : 25

ر د ي

الإرداء: الهلاك، قال تعالى:  وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ [1], والتردّي: التعرّض للهلاك.

[1] الأنعام : 137

ر ز ق

الرزق: هو العطاء الخاص في مقابل الحرمان, والرزق نوعان: ظاهريّ للأبدان نحو: الأقوات، وباطنيّ للقلوب, والنفوس, نحو: المعارف, والعلوم، فيشمل المال, والجمال, والكمال، وكلّ ما هو دائر في الاجتماع من الخير.

ولا يختصّ الرزق بالإنسان، بل يشمل الحيوان, والنبات, والجماد، فإنّ الرزق يعمّ جميع ذلك بما لها من الأفراد, والأنواع غير المتناهيّة، فلا يكون الرزق متناهيًا لا من حيث الإضافة إلى اللّه تعالى، ولا من حيث الإضافة إلى المرزوق، بل يحال ذلك, لعدم التناهي بقاء, وإن كان متناهيًا حدوثًا، وإذا لوحظ بالإضافة إلى كونه في غير حساب, يصير من غير المتناهي في غير المتناهي.

وبالجملة: كلّ جهة إمكانيّة تحقّقت بالنسبة إلى الإنسان, وأفاض اللّه تعالى عليه, فهو رزق منه تعالى إليه, قال عزّ وجل: ولَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ[1].

ومن أسمائه تعالى: رازق، ورزّاق، وخير الرازقين، وهو الذي خلق الأرزاق, وأعطاها الخلائق, وأوصلها إليهم, لعلمه جلّ شأنه, وحكمته البالغة, بجميع خصوصيّات الرزق, والمرزوق، فربّ منع منه عزّ, وجلّ, يكون رزقًا بالنسبة إلى الطرف, وقد ورد عن الإمام الكاظم (ع):”وإن كنت تسأل عن الخالق, فهو الجواد إن أعطى, وهو الجواد إن منع”.[2]
[1]  الإسراء: 70

[2] الكافي – ج 4 – ص 39, باب: معرفة الجود والسخاء, الحديث1

ر س ل

مادّة (رسل) من المواد الكثيرة الاستعمال في القرآن الكريم: مفردة, وجمعًا، تكسيرًا, وسالمًا، مقرونا باللّه تعالى, نحو قوله عزّ وجل: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ [1]، وقوله تعالى: جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ[2]، وقوله تعالى: لَأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسُلِي[3]، وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ ودِينِ الْحَقِّ[4].

قال الراغب : “أصل الرسل: الانبعاث على التؤدة، يُقال: ناقة رسلة: سهلة السير, وإبل مراسيل: منبعثة  انبعاثًا سهلًا”[5], ومنه: الرسول المنبعث, قال تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً  [6], ويُستعمَل في ما يقابل الإمساك, قال تعالى : مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [7] .

والرسالة: فضيلة إلهيّة, وسفارة ربانيّة, تشتمل على جميع الخيرات, والفضائل, لها من الرفعة, والبهاء, والعظمة, ما تقصر عن بيانها الألفاظ, يمنحها عزّ, وجلّ, لبعض أفراد الإنسان, قال جلّت عظمته: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [8]، لأنّها ترجع إلى كمال الإنسان غير المحدود بحدّ, المؤيّد من عالم الغيب, فإنّ آخر قوس الصعود في الممكنات, مقام الإنسانيّة, ثمّ ترتفع في عالم لا حدّ له, ولا نهاية, ولا سيّما إذا زالت الاثنينيّة بالكلّيّة، نحو قوله تعالى مخاطبًا لحبيبه: وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ اللَّهَ رَمى‏[9]، وقوله تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ[10]، فإنّ آخر مقامات الإنسانيّة الكاملة, والدرجات المعنويّة الشاملة, هي الرسالة الإلهيّة, فهي برزخ بين العالم المحدود بحدّ الإمكان, والعالم الرّبوبيّ غير المحدود بحدّ.

وللرسول شأن عظيم في ربط عالم الشهادة, بعالم الغيب، وهو السفير الخاصّ من العالم الربوبيّ, اختاره اللّه تعالى لتبليغ الرسالة, وهداية العباد إلى ما فيه السعادة.

والسفير لا بدّ من أن يكون مطلعًا على أسرار ما يكون سفيرًا فيه, ويحيط بخصوصيّات من يكون سفيرًا إليه، فإنّ عظم المنصب يقتضي ذلك, وإنّ بالرسول يُعرَف المرسل.

ورسل اللّه تعالى كلّهم يشتركون في فضيلة الرسالة, ويستوون في هذه الموهبة الإلهيّة, والمنحة الربانيّة, ويتّفقون في أصل النبوّة, القابلة للتشكيك إلى مراتب متفاوتة، وهم حقيقون بالاتباع, وجديرون بالاقتداء بهديهم, إلّا أنّهم متفاضلون في الدّرجات, بما امتاز به الأفضل من الخصائص, التي لا يعلمها إلّا اللّه تعالى, قال عزّ وجلّ: اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ[11].

والفرق بين الرسول والنبي من جهات:

الأولى: إنّ كلّ رسول نبيّ, وليس كلّ نبيّ رسولًا, فيكون بينهما العموم المطلق، لأنّ النبيّ يصحّ أن يكون نبيّا في نفسه لنفسه, من دون أن يؤمر بإبلاغ الشريعة إلى النّاس، فإذا أُمر بذلك يصير رسولًا, سواء أكانت شريعته مبتدأة أم ناسخة، وفي الحديث: ” عن أبي جعفر  (عليه السلام), قال: كان ما بين آدم, وبين نوح من الأنبياء: مستخفين, ومستعلنين, ولذلك خفي ذكرهم في القرآن، فلم يُسمّوا كما سُمّي من استعلن من الأنبياء”[12], والنبيّ أعم من أن تكون له شريعة, نحو: محمّد (صلّى اللّه عليه وآله), وعيسى، وموسى (عليهما السلام)، أو لم تكن له شريعة، نحو: يحيى, وذي الكفل, ولوط (عليهم السلام), وغيرهم كثير, ولا سيّما في بني إسرائيل الذين كانوا يبلّغون شريعة موسى (عليه السلام), كعلماء أمة محمد (صلّى اللّه عليه وآله) الذين يبلغون شريعة خاتم الأنبياء.

الثانية: في مبدأ إفاضاتهم من ربهم، فإنّ الرسول يفاض عليه من اللّه تعالى بغير واسطة بشر, ويرى الملك, والنبيّ يُفاض عليه بالواسطة منه تعالى، ولا يرى الملك.

وفي الحديث عن الصادق (عليه السلام): ” الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات : فنبيّ منبّأ في نفسه لا يعدو غيرها، ونبيّ يرى في النوم, ويسمع الصوت, ولا يعاينه في اليقظة، ولم يبعث إلى أحد, وعليه إمام, مثل ما كان إبراهيم على لوط (عليهما السلام)، ونبيّ يرى في منامه, ويسمع الصوت, ويعاين الملك، وقد أُرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا، كيونس قال الله ليونس:  وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ[13], قال: يزيدون: ثلاثين ألفًا, وعليه إمام، والذي يرى في نومه, ويسمع الصوت, ويعاين في اليقظة, وهو إمام مثل: أولي العزم, وقد كان إبراهيم (عليه السلام) نبيًّا وليس بإمام, حتى قال الله : جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[14], من عبد صنمًا, أو وثنًا لا يكون إمامًا”[15].

الثالثة: الرسول قد يكون من الملائكة, بخلاف النبيّ.

ولا ريب في اختلافهم في الفضل، قال تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏[16]، وعمدة هذا الاختلاف, هو العلم بالمعارف الربوبيّة.

وقد ورد أنّ عدد الأنبياء عشرون ومئة ألف، والمرسلون منهم ثلاثمئة وثلاثة عشر.

وفي قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ[17], المراد بالرسل: جميعهم, ولكن خصّ بعضهم بالذكر, والوصف تعظيمًا، أو لبقاء أتباعهم, وهم ثلاثة من أولي العزم: موسى، وعيسى، ومحمد (صلّى اللّه عليه وآله).

وفي قوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا[18], المراد من إرسال السماء: إنزال المطر, بقرينة كلمة مِدْرَارًا التي تدلّ على الغزارة.

[1] البينة: 2

[2] المائدة: 32

[3] المجادلة: 21

[4] الفتح:28

[5] مفردات غريب القرآن: 195

[6] مريم : 83

[7] فاطر : 2

[8] الأنعام: 124

[9]الأنفال: 17

[10] الفتح: 10

[11] آل عمران: 179

[12] تفسير العياشي – ج 1 – ص 285 :

[13] الصافات: 147

[14] البقرة: 124

[15] الكافي – ج 1 – ص 174 – 175

[16]  البقرة: 253

[17] البقرة : 253

[18] الأنعام : 6

ر ش د

الرُشد- بضم الراء والشين أو بضم الرّاء فقط-: يأتي بمعنى: الصّلاح, وإصابة الصواب, خلاف الغيّ، ويستعمل بمعنى: الهداية أيضًا؛ وهو من المفاهيم المشكّكة التي لها مراتب متفاوتة جدًّا, فإنّ الرشد الذي آتاه خليله إبراهيم, مرتبة منها, والرشد الذي يحصل لليتيم أيضًا مرتبة أخرى؛ وبينهما بون.

وقد استعمل في القرآن كثيرًا, قال تعالى: ولَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ[1]، أي: آتينا ما يوجب صلاحه, ويهديه إلى الحقّ, والصواب, وقال ـــــ تعالى ــــــ حكاية عن أصحاب الكهف: وهَيِّئْ لَنا  مِنْ   أَمْرِنا  رَشَدًا[2]، وقال تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا[3], أي: صلاحهم في استعمال الأموال, وقال تعالى: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‏ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا[4].

والرشاد: ضد الغيّ, وفي قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[5], أي أنّ الأعمال, والدعاء, إذا صدرت عن روح الإيمان يكون صاحبها راشدًا مهتديًا.

[1] الأنبياء: 51

[2] الكهف:10

[3] النساء: 6،

[4] الكهف:66

[5] البقرة : 186

ر ض ع

الرِضاعة: الرضاعة (بفتح الراء, وكسرها): مصدر رضع. وهو: مصّ الثدي بالشروط المعروفة في كتب الفقه, وهو من صفات الأنثى, كالحائض، والحامل، فإذا أريد الصفة يقال: مُرضع, وإذا أريد الفعل, يقال: مرضعة, قال تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ‏[1]، وقال تعالى: وحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ[2]..

[1] الحج: 2

[2] القصص: 12

ر ض و

تكرّرت مادّة (رضو) في القرآن الكريم بهيآت شتّى تبلغ سبعين موردًا، وقد ينسب الرضا إلى اللّه عزّ, وجلّ, ويُراد به: عناية خاصّة غير محدودة بحدّ, من النعم المعنويّة، بلا فرق بين أن يكون رضاؤه تعالى بالنسبة إلى أفعال العباد, وطاعتهم له عزّ وجلّ، أو صفاتهم, وأحوالهم، أو بالنسبة إلى أمر آخر يتعلّق بهم، قال تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ[1]، وقال تعالى: ورَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا[2]، وقال تعالى: وإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ[3].

وقد ينسب إلى العبد، وهو آخر مقامات العبوديّة الخالصة, الذي هو التخلّق بأخلاق اللّه تعالى، والتفاني في حبّه، ولذلك درجات كثيرة، منها: رضاء العبد عن اللّه تعالى لجزائه بالحسنى, وحكمه، قال تعالى: والسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ وأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[4].

والرضوان (بكسر الراء, أو ضمّها): مصدران، وهو ملاءمة الشي‏ء لنفس صاحبه, وسرورها به, ورضوان اللّه تعالى هو الغاية القصوى لكلّ ذي لبّ، وهو أعلى مراتب اللذائذ الروحانيّة، وذكره بالخصوص لأجل بيان أنّ الرضا هو أقصى ما يشتهيه الإنسان من مشتهيات الدنيا، بل هو الغاية منها، فلا بدّ من السعي إلى رضوان اللّه تعالى, الذي هو من أعظم اللذائذ عند المتّقين, وذوي الألباب، فهو الخير الذي لا يُتصوّر أعظم منه، لا ما يتصوّره الإنسان من الخير في المال, والقناطير، فإن ذلك إنّما يكون برضائه تعالى، ولذلك اعتنى عزّ وجلّ به, وأفرده بالذكر في مقابل الجنّات, والأزواج المطهّرة, في قوله تعالى: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ[5], وفي سائر الآيات التي اقترن بغيره من اللذائذ، قال تعالى: فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْوانًا[6]، وقال تعالى: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ ورِضْوانٍ وجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ[7]، وقال تعالى: ومَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ ورِضْوان[8].

ومرضاة: في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ[9], مصدر من رضي يرضى، وابتغاء مرضاة اللّه: طلب ما فيه رضاء اللّه تعالى، وإنّ رضاه: ثوابه؛ وسخطه: عقابه، وفي الدعاء المأثور: “أللهم إنّي أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك”[10].

والرضاء, والسخط, من صفات الفعل, لا من صفات الذات, إلّا إذا رجعتا إلى علمه.

[1]  الفتح: 18

[2]  المائدة: 3

[3]  الزمر: 7

[4]  التوبة: 100

[5] آل عمران : 15

[6]  المائدة: 2

[7]  التوبة: 21

[8]  الحديد: 20.

[9] البقرة : 207

[10] النهاية في غريب الحديث – ج 2 – ص 232

ر ع ن

راعنًا: سواء كان من المراعاة أو من الرعونة، أو من شيء آخر، ليس استعماله من الأدب المحاوري، وفي خطاب النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) بذلك, من الجفاء, وسوء الأدب, لأنّه يأتي بالمعنى الذي بيّنه تعالى بقوله جلّ شأنه: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ويَقُولُونَ سَمِعْنا وعَصَيْنا واسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وطَعْنًا فِي الدِّينِ[1], وذلك لأنّ مقام النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) مقام المعلّم الهادي, ولا بدّ للمتعلم من حفظ الأدب معه، ونبذ كلّ ما هو مشتبه الإهانة, والهتك, فضلا عن معلومهما. ويحترز عن إظهار منزلة لنفسه عند المعلم, فإنه من الإهانة, والجفاء, بمقامه.

والمعروف أنّ هذه الكلمة سبّ بالعبرانيّة، وهو ما ورد في بعض الروايات؛ وقال شيخنا الأستاذ البلاغي (رحمة اللّه عليه): “قد تتبعت العهد القديم, فوجدت أنّ كلمة (راع)- بفتحة مشالة إلى الألف، وتسمّى عندهم (قامص), بمعنى: الشرّ, أو القبيح, ومن ذلك ما في الفصل الثاني, والثالث, من السفر الأوّل من توراتهم؛ وبمعنى: الشرير واحد الأشرار، ومن ذلك ما في الفصل الأوّل من السفر الخامس، وفي الرابع والستين, والثامن والسبعين, من مزاميرهم، وفي ترجمة الأناجيل بالعبرانيّة. و(نا)- ضمير المتكلّم- في العبرانيّة تبدل ألفها واوًا, أو تمال إلى الواو, فتكون راعنًا في العبرانيّة بمعنى: شريرنا, ونحو ذلك, فتكون الكلمة في لغتهم (راعينو) موافقة للعربيّة في نبرتها, ولهجتها، ويكون النهي عن استعمالها في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ[2], لئلّا يتّخذها اليهود- الذين عُرفوا بسوء الأدب تجاه أنبيائهم- وسيلة للسبّ, والطعن في الدين, فيقتدون بالمؤمنين في اللفظ، ويقصدون المعنى الفاسد منه.

[1]  النساء: 46

[2] البقرة : 104

ر غ ب

الرغبة تأتي بمعنى: الميل, والإقبال، فإذا عُدّيت بـ (إلى), أو (في), تفيد معنى: الحرص على الشي‏ء، وإذا عُدّيت بـ (عن) كانت بمعنى: الكراهة, والإدبار, فهي من هذه الجهة من الأضداد.؛ قال تعالى:  قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ[1].

[1] مريم: 46

ر غ د

الرغد: السعة, والكثرة، وإطلاقه يشمل السعة في كلّ شي‏ء, نحو: الرغد في أنواع النّعم, والرغد في المكان, والزمان, وغير ذلك, في مقابل كلّ ضيق يفترض, قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا[1].

[1] البقرة : 58

ر ف ث

الرفث: الكلام المستقبح ذكره من الجماع, ودواعيه، وقد كنّى به عن الجماع, للتلازم بينهما, وهو أدب القرآن في استعمال الألفاظ الكنائيّة عما يُستقبَح ذكره من الوطي, والجماع, نحو: المباشرة، والمسّ، واللمس، والدخول، والفرج، والغائط.

ويمكن أن يكون المراد من الرفث: الكلام الذي يقال عند حصول دواعي الجماع, وهيجان الشهوة، وتدلّ عليه الهيأة التركيبيّة لهذه الكلمة المركّبة من الحروف الإخفاتيّة، فيفاد منها أنّه: القول الخفيّ الذي لا يسمعه إلّا من به نواله، فأطلق على الجماع من باب الملازمة, ولما كان مثل هذا الكلام غالبًا, يوجب الوصول إلى المقصود, عُدّي بـ (إلى)، فضمّن معنى الإفضاء.

ولم ترد هذه الكلمة في القرآن الكريم إلّا في موردين, أحدهما: قوله تعالى:  أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ[1]، والآخر: آية الحجّ, قال تعالى:  فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدالَ فِي الْحَجِّ[2]. ولعلّ السرّ في استعمالها في هذين الموردين, أعني: الصيام, والحجّ, استهجانًا لمّا كانوا عليه قبل الحكم من الإباحة في الصيام.

[1] البقرة : 187

[2] البقرة: 197

ر ف ق

الرفيق: كالصديق, والخليط، بمعنى: الصاحب، سُمّي بذلك للارتفاق به, قال تعالى:  وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا  [1].

والمرافق: جمع المِرفَق (بالكسر, فالفتح) وقرئ بالعكس، ولكنّ الأوّل أفصح، وهو مجمع عظمي الذراع, والعضد، وإنّما ذكر بلفظ الجمع في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ[2], باعتبار صورة الخطاب بالجمع: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، وإن كان لكلّ مكلّف مرفقان, فإنّه يصحّ الخطاب به أيضًا، نظرًا لانحلال الخطاب إلى خطابات متعدّدة، وهو الشأن في كلّ عامّ إفراديّ، إلّا أنّه لا يصحّ حلّ جمع الأيدي إلى أفرادها، فيقال: ويدكم إلى المرافق.

[1] النساء : 69

[2] المائدة : 6

ر ف ع

مادّة (ر ف ع) تُستعمَل فيما يشتمل على العلوّ, نقيض الخفض، وتختلف باختلاف المتعلّق اختلافًا كثيرًا، وتختلف موارد استعمالاتها بين الجواهر, والأعراض, والصفات, والشؤون, والاعتباريّات, قال تعالى: والسَّماءَ رَفَعَها[1]، وقال تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ[2]، وقال جلّ شأنه: والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ[3], وقال تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ[4].

فالرفع يستعمل في ما يشتمل على العلوّ، سواء كان علوًّا معنويًّا، نحو: شرف المنزلة, والفضيلة, وغيرهما, نحو قوله تعالى: ورَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ[5]، وقوله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ[6]. قال الشاعر:

تلك الأماني يتركن الفتى ملكًا

على الأنام ولم ترفع له راسًا[7]

يعني: أنّ الآمال توهم الفتى أنّه قد صار ملكًا، ولكن لا تعطيه كرامة, وشرفًا في الواقع.

أو علوّا محسوسًا ظاهريًّا, نحو: ما في الأجسام الخارجيّة، إذا أعليت عن مقرّها، مثل قوله تعالى: ورَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ[8]، وقوله تعالى: وإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وإِسْماعِيلُ[9]، وفي حديث الاعتكاف: “كان إذا دخل العشر الآخر أيقظ أهله, ورفع المئزر”[10]، ولعلّه كناية عن الاجتهاد, والجدّ, في العبادة بارتقاء النفس.

وفي قوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [11], رفع القواعد: هو البناء عليها, ويحتمل أن يراد بالبيت, والقواعد, والرفع, المذكورة في الآية المباركة, المعنى الأعمّ من رفع البيت الجسمانيّ, وقواعده, ورفع بيت النبوّة, والتشريعات السماويّة, فإنّ أساسها من إبراهيم (عليه السلام).

والرافع: من أسمائه تعالى، وهو الذي يرفع المؤمنين بالإسعاد, وأولياءه بالتقرّب إليه.

[1]  الرحمن: 57

[2] الإنشراح: 4

[3]  فاطر: 10

[4]  غافر: 15

[5]  الزخرف: 32

[6]  المجادلة: 11

[7] ديوان امرئ القيس، ص 115

[8]  البقرة: 63

[9]  البقرة: 127

[10] كنز العمال: 8/631, ح:24470

[11] البقرة: 127

ر ق ب

الرقيب: المطلع على الأعمال, والحركات, عن كثب, وعناية, بخلاف الحارس, قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[1].

[1] النساء : 1

ر م ز

مادّة (ر م ز) تأتي بمعنى: التحرّك، وفي قوله تعالى على لسان زكريّا (عليه السلام):  قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ[1], الرمز: هو الإفهام بتحرّك شي‏ء، سواء كان بالرأس, أو اليد, أو العين, أو غيرها، وقيل: هو مختصّ بالشفة، ولم يدلّ دليل على التخصيص.

[1] آل عمران : 41

ر م ن

الرّمَان: فُعّال دون فُعلان، وهو: شجر معروف, وثمرته كثيرة النفع، وتعرفه العرب بأنّ ورقه يشتمل على الغصن من أوّله, وآخره, قال تعالى:  وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ[1].

[1] الأنعام  : 99

ر ك ب

التراكب: انعقاد الحبّ بعضه فوق بعض، وفي قوله تعالى:  وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا[1], المراد به: النبات المزادن بالحبّ، كالسنبل وغيره.

[1] الأنعام  : 99

ر ك س

مادّة (ر ك س) تدلّ على التحوّل, والانقلاب، أي: قلب الشي‏ء على رأسه, وردّ أوّله إلى آخره، وهو تارة: ظاهري، كالردّ, والقلب، نحو ما في النكس الّذي يكون الركس أبلغ منه, لأنّ من يرمي منكّسا في هوّة، قلّما يتخلّص منها.

وتارة أخرى: معنويّ، كالتحوّل من الحالة العاديّة, والفطرة المستقيمة, إلى الحالة الرديئة، نحو ما حكى عنها عزّ وجلّ في قوله تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى‏ وَجْهِهِ أَهْدى‏ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ[1]، وهذا هو الانقلاب من الفطرة المستقيمة إلى غيرها, وهو الركس، أي: التحوّل المعنويّ, والانقلاب من الهدى, والصراط المستقيم, إلى الكفر, والضلالة, قال تعالى:  سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا[2].

[1]  الملك: 22

[2] النساء : 91

ر م ض

يقال: رمض الصائم, يرمض: إذا حرّ جوفه من شدة العطش.

والرمضاء: الحجارة الحارة، وعن نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال”[1], أي: وقت نافلة الظهر, هو أن تُحمى الرمضاء, فتبرك الفصال من شدّة حرّها, وإحراقها أخفافها.

ورمضان: مأخوذ من (رمض‏), وهو: شدّة وقع الشمس على الرمل, وغيره, وعن جمع من اللغويين أنّ هيئة فَعَلان- بفتح الأوّل والثاني- يُراعى فيها الاضطراب, والحركة في الجملة، نحو: الخفقان, واللّمعان، والسّيلان، وقد ادّعوا الكلّيّة في ذلك.

سُمّي هذا الشهر بهذا الاسم، لأنّ حدوث هذه التسمية كان في شدّة الحر، فإنّهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة, عدّوها بالأزمنة التي وقعت فيها؛ أو لأنّه يحرق الذنوب, ويسقطها عن الصائمين, فعن نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) قال: “إنّما سُمّي رمضان لأنّه يرمض ذنوب عباد اللّه”[2], أو إنّه مأخوذ من الرمْضاء- بسكون الميم- وهو: مطر يأتي قبل الخريف, يطهّر وجه الأرض عن الغبار، وهو ما نقل عن الخليل، فكذلك شهر رمضان, يطهّر قلوب هذه الأمّة عن الخطايا, والرذائل.

وهو ممنوع من الصرف, للتعريف، والنون الزائدة، ولم ترد هذه المادّة في القرآن الكريم إلّا في قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ[3].

وفي بعض الأخبار أنّ رمضان اسم من أسماء اللّه تعالى, فعن أبي جعفر الباقر (عليهما السلام): ” لا تقولوا: هذا رمضان, ولا ذهب رمضان, ولا جاء رمضان فإنّ رمضان اسم من أسماء الله عزّ, وجلّ”[4]، وقد روي عن النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) مثله[5]؛ ولعلّ الوجه فيه أنّه عزّ, وجلّ يسقط ذنوب عباده, ويغفر لمن يشاء، ويشهد له ما في بعض الآثار أنّه شهر اللّه تعالى، ولذا من الأدب أن لا يفرد في الكلام، بل يقال: شهر رمضان، ولكن وقع التعبير به مفردًا في بعض الأخبار، لبيان أصل الجواز، ولم أظفر في الدعوات المأثورة أنّه أطلق عليه تعالى (رمضان) في ما تفحّصت عاجلًا.

[1] النهاية في غريب الحديث – ج 2 – ص 264 (رمض)

[2] التفسير الكبير – ج 5 – ص 91

[3] البقرة : 185

[4] الكافي – ج 4 – ص 69 – 70 ,كتاب: الصيام , باب: في النهي عن قول رمضان بلا شهر , الحديث 2

[5] ينظر: كنز العمال 8/484, ح 23743.

ر ه ب

الرهب: الخوف المشوب بالاضطراب, قال تعالى: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ  [1].

[1] البقرة : 40

ر و د

الإرادة: من الوجدانيّات لكلّ ذي شعور، لأنّ من لوازم الحياة, التحرّك بالإرادة، – إنسانًا كان, أو حيوانًا- حتّى لقد عرّف الحيوان المطلق بأنّه: جسم نام, متحرّك بالإرادة، فهي من لوازمه التي لا تنفكّ عنه، بل قد أثبت بعض قدماء الفلاسفة الإرادة في النبات، ولا يبعد ذلك على نحو الجملة, والإجمال.

وكيف كان، فقد فسّروا الإرادة بوجوه: فمنهم: من فسّرها بالقصد، واستدلّ بالتبادر.

ومنهم من فسّرها بالطلب, وأشكل عليه بأنّه مبرز للإرادة نفسها.

ومنهم من فسّرها بالميل الذي يعقب اعتقاد النفع.

وقال بعض المحدّثين: إنّها تصميم واع على أداء فعل معين، لأنّ التصميم هو الإرادة النافذة، والإرادة بلا تصميم نيّة مؤجّلة.

وقال بعضهم: إنّ الإرادة هي الرغبة التي ترافق الفعل إلى أن تبلغ به إلى الغاية.

والحقّ أنّ هذه التعاريف لا تخلو من مناقشة واضحة، فإنّ الإرادة غير الميل، بل هو من مقدّماتها، والتصميم إرادة مؤكّدة، ولكن ممّا يهوّن الخطب, أنّ الإرادة من الأمور الوجدانيّة التي تتداخل مقدّمات حصولها بعضها ببعض، حتى يصعب التمييز بينها، ولأجل ذلك اختلفوا في تعريف الإرادة، فإنّه قد يختلط بينها وبين المقدّمات, التي هي الإدراك, وتوجّه النفس, والعزم، أي: التصميم، وتصوّر الغاية الذي به يمتاز الإنسان من الحيوان، فإنّهما ذوا شهوة, نحو: شهوة الطعام, والشهوة التناسليّة، وهي تدفع الحيوان, والإنسان إلى الفعل، ولكن الحيوان لا يفعل ذلك متعقّلا كالإنسان.

والإرادة من اللّه جل شأنه, فعله, وهي من أتمّ مظاهر الجلال, والجمال, وتجليّات الذات: قولًا, وفعلًا، ولا ريب في أنّ الإرادة بالمعنى الذي ذكرناه في إرادة الإنسان لا يمكن اتّصافه عزّ وجلّ بها, للزوم كونه محلًا للحوادث، وهو منزّه عنها، إلّا إذا قلنا بأنّ الإرادة في الإنسان أيضًا هي فعله- وهو الحقّ- فيتّحد معنى الإرادتين حينئذ.

ولكن قد اختلفت تعبيرات العلماء في إرادة اللّه تعالى، وعمدة الأقوال فيها ثلاثة:

الأوّل: أنّها ابتهاج الذات بالذات، وقد اختاره جمع من محقّقي العلماء، وقال بعض الفلاسفة:

فحيث ذاته أجلّ مدرك

أتمّ إدراك لأبهى مدرك‏

مبتهج بذاته بنهجه

أقوى ومن له بشي‏ء بهجه

مبتهج بما يصير مصدره

من حيث إنّه يكون أثره‏[1]

وعن شيخنا المتألّه المحقّق الشيخ محمد حسين الغروي الاصفهاني، قال (قدس سرّه) في بيان هذا القول: “ومن البيّن, أنّ مفهوم الإرادة- وهو مختار الأكابر من المحقّقين- هو الابتهاج, والرضا, وما يقاربها مفهومًا، ويعبّر عنه بالشوق الأكيد فينا، والسرّ في التعبير عنها بالشوق فينا، وبصرف الابتهاج, والرضا فيه تعالى, إنّما لمكان أننا ناقصون, غير تامّين في الفاعليّة، وفاعليّتنا لكلّ شي‏ء بالقوّة، فلذا نحتاج في الخروج من القوّة إلى الفعل إلى أمور زائدة على ذواتنا، من تصوّر الفعل, والتصديق بفائدته, والشوق الأكيد، المملية جميعا للقوّة الفاعلة, المحرّكة للعضلات، بخلاف الواجب تعالى، فإنّه لتقدّسه عن شوائب الإمكان, وجهات القوّة, والنقصان، فاعل, وجاعل بنفس ذاته العليمة, المريدة، وحيث إنّه صرف الوجود، وصرف الوجود صرف الخير، فهو مبتهج بذاته أتمّ ابتهاج, وذاته مرضيّة لذاته أتمّ الرضا، وينبعث من هذا الابتهاج الذاتي- وهي الإرادة الذاتيّة- ابتهاج في مرحلة الفعل، وهي التي وردت الأخبار عن الأئمة الطاهرين (سلام اللّه تعالى عليهم) بحدوثها، وبناء على هذا القول, تكون الإرادة صفة تقابل سائر الصفات العليا، فلا ترجع إلى العلم حينئذ، فتكون في مرحلة الذات عين ذاته عزّ وجلّ، وفي مرتبة الفعل لصدور الإيجاد، فتكون حادثة.

وأشكل عليه: بأنّ الإرادة غير الشوق, والابتهاج عندنا، لما نراه في تناول الأدوية, والأفعال العاديّة, والجزافيّة, والعبثيّة، وأمّا الابتهاج في حقّه تعالى، فهو بري‏ء عنه, لأنّه منزّه عن الجسم, والجسمانيّات، إلّا أن يراد فيه عزّ وجلّ معنىً آخر غير ما نجده في أنفسنا. وفيه: أنّ الابتهاج حاصل في كلّ فاعل لا محالة، ولكن ابتهاجه عزّ وجلّ مباين لابتهاج الخلق، كما في سائر صفاته تعالى، نحو السميع, والبصير, ولا يضرّ ذلك بأصل ثبوت هذه الصفة.

الثاني: أنّ إرادته عزّ, وجلّ علمه بالنظام الأحسن, والأصلح.

وقد ذهب إليه جمع آخر من الحكماء، وعلى هذا القول ترجع الإرادة إلى العلم، فتكون عين ذاته.

الثالث: أنّ الإرادة هي الإيجاد عن علم وحكمة، وبه يمكن الجمع بين الأقوال, لأنّ كلّ من تأمّل في تعبيرات العلماء على اختلافها، يرى أنّها ترجع إلى شي‏ء واحد، لعدم إمكان قطع النظر عن العلم, والحكمة المتعالية, في إرادة اللّه عزّ وجلّ، فمن نظر إلى أساس المقدّمات, أدخل العلم في حدّها، ومن نظر إلى النتيجة مجرّدة عن المقدّمات, حدّها بغير ذلك، فيصحّ أن يقال: إنّ الإرادة هي: الإيجاد عن علم, وحكمة متعالية، فالمراد من حيث الإضافة إلى الجاعل يسمّى إيجادًا, وإرادة، ومن حيث لحاظه في نفسه, يسمّى فعلًا؛ وهذا المعنى لا يختصّ به عزّ, وجلّ، بل يجري في إرادة الإنسان أيضًا، وممّا يؤكّد ذلك أنّ الأئمة (عليهم السّلام), جعلوا الإرادة من صفات الفعل.

ومن ذلك يظهر أنّ جعل الإرادة العلم بالنظام الأحسن, ليس المراد به: أنّ العلم بنفسه هو المؤثّر التامّ لصدور الأشياء ووجودها، حتّى يلزم المحاذير التي ذكروها في الكتب الفلسفيّة, والكلاميّة، وإن كان القول بذلك صحيحًا في الجملة، بمعنى المنشئيّة, والمصدريّة.

والحاصل: أنّ الإرادة هي الإيجاد عن علم وحكمة، وهي فعله، فتكون من صفات الأفعال، ولا بد من انبعاث صفات الأفعال عن العلم, والحكمة.

ويمكن رفع الاختلاف من أصله لما تسالموا عليه من أنّ العلل التوليديّة يصحّ انتساب الأثر فيها إلى المعلول نفسه, وإلى العلّة، نحو قولك: أحرقته النّار فمات، أو مات بالنّار، كما لا فرق بين قولهم (عليهم السّلام): “الطهور نور”، أو: “الوضوء نور”[2] , وأمثال ذلك كثير.

وفي قوله تعالى: يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيما[3],  الإرادة هي العلّة التي يترتّب عليها المراد، بلا فرق بين إرادة الخالق, وإرادة المخلوق، فالإرادة بما هي من شؤون المريد, باعثة لصدور المراد, والفعل؛ فمن نظر إلى المراد جعل الإرادة الفعل، ومن نظر إلى أنّها لا تحصل إلا بالعلم, والحكمة, جعلها منهما، ومن نظر إلى توسّط الإرادة بين العلم والمراد، جعلها ابتهاجا وشوقا، فيرجع الجميع إلى شي‏ء واحد في هذا الموضوع الذي له شؤون مختلفة.

[1] لم أعثر على القائل في ما بين يدي من المصادر

[2] في من لا يحضره الفقيه – ج 1 – ص 41 :”82 – وروي في خبر آخر ” أن الوضوء على الوضوء نور على نور”.

[3] النساء : 26 ــــ 27

ر ي أ

الرئاء, والرياء, والمراءاة: بمعنى واحد, وهو العمل لأجل إراءة غيره مباهيًا به, فعمل المرائي, وعمل ذي المنّ, والأذى, مشتركين في عدم القبول, وعدم الصحّة، وإنّما الفرق بينهما, أنّ عمل المانّ, والمؤذي, يقع صحيحًا, ثمّ يعرض عليه البطلان, بخلاف عمل المرائي, فإنّه باطل من حينه؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ[1].

[1] البقرة : 264

ر ي ب

 الريب والريبة: الشكّ, بل هو أدنى مراتبه, قال تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [1] .

[1] البقرة : 2

ر ي ن

عن بعض اللغويين: الرين أيسر من الطبع، وهو أيسر من الإقفال، فالإقفال أشدّ ذلك كلّه، واستدلّ بقوله تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ[1]، وقوله تعالى: طَبَعَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ [2]، وقوله تعالى: أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها .[3]

والّذي يهوّن الأمر أنّ لكلّ منها مراتب، فيطلق كلّ مرتبة على غيرها.

[1] المطففين: 14

[2] النحل: 108

[3] محمّد: 24

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"