1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. ماقیل حول السید
  6. /
  7. معجم الألفاظ قرآنیة
  8. /
  9. باب الحاء
ح ب ب
ح ب ر

مادّة (ح ب ر) تدلّ على الجمال، والزينة، يقال: شعر محبّر، أي: مزيّن بنكت البلاغة؛ وثوب محبّر، أي: منقّش بالنقوش، ومنها: الحبرة، أي: البردة، وهي ثوب ذو خطوط بألوان متعدّدة.

وفي قوله تعالى:  إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء[1]، الأحبار: جمع الحبر (بفتح الحاء، وكسرها)؛ والمراد بهم: العلماء العاملون الذين يحكمون بما أمرهم اللّه تعالى، وظاهر الآية الشريفة أنّ الربانيين هم الأئمة (عليهم السّلام)، دون الأنبياء المبعوثين، الذين يربّون الناس بعلمهم، والأحبار دون الربّانيين، ويدلّ عليه بعض الأخبار.

وفي قوله تعالى: لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ[2]، الربّانيّون والأحبار: طائفتان معروفتان في مجتمع اليهود، وهم العبّاد، والعلماء، وتخصيصهم بالذكر، لأنّهم الذين يقتدي بهم غيرهم، ويعلمون قبح أفعالهم، ونتائج أعمالهم الشنيعة، ولأنّ الميثاق قد أخذ من العلماء لبيان الأحكام، وردع الناس عن ارتكاب الحرام، فإذا تركوه كان أشدّ قبحًا، وأعظم تأثيرًا، وهو ما أخبر عنه عزّ وجل.

[1] المائدة : 44

[2] المائدة : 63

ح ب ط

الحبط: بطلان العمل، وعدم الأجر له، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ[1]: أي: الّذين كفروا بآيات اللّه، وقتلوا الأنبياء، ودعاة الحقّ، والعدل، بطلت أعمالهم في الدنيا، والآخرة، أمّا بطلان عملهم في الدنيا، فلأنّهم فعلوا ذلك لإزالة الحقّ، وإثبات الباطل، واللّه تعالى فعل بهم خلاف ما أرادوه، فأثبت الحقّ، وأزال الباطل، وأذاقهم العذاب الأليم، وأمّا في الآخرة، فلأنّهم لا يؤجرون على أعمالهم بشي‏ء، بل يعذّبون عليها، وهم وقود النار

[1] آل عمران : 21 ــ 22

ح ج ج

مادّة (ح ج ج) تأتي بمعنى القصد.

والحجّ: شعيرة من شعائر الإسلام، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[1]، وقد شرّعه إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وكان عليه العرب في الجاهليّة، وأقرّه الإسلام إلى يوم القيامة؛ وهو على ثلاثة أقسام:

الأول: حجّ التمتّع، وهو أفضل الأقسام، وسمّي بذلك، لأنّ المُحرمَ يحلّ من إحرامه بعد تمام العمرة، فينتفع بما حرّم عليه لأجل الإحرام حتى يهلّ للحجّ، فهو إحلال بين إحرامين.

الثاني: حجّ القرآن.

الثالث: حجّ الإفراد.

وواجباته: الإحرام، والوقوف بعرفات، والوقوف بالمشعر الحرام، ثم إتيان منى، ورمي العقبة، والتضحية بها، ورمي الجمرات الثلاث، وطواف الحجّ، وصلاته، والسعي بين الصفا، والمروة، و طواف النساء، وصلاته.

والحُجّة: تطلق على ما يقصد به إثبات شي‏ء.

وفي قوله تعالى:  قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ[2]، الحجّة البالغة: الدلالة المبيّنة الواضحة التي بلغت غاية المتانة، والقوّة على الإثبات، أو بلغ بها صاحبها صحّة دعواه، نظير: عيشة راضية.

والمحاجّة: الجدال، أي: تبادل الحجّة مع الخصم، وهي: أن يقصد كلّ واحد ردّ الآخر بدليل معتبر؛ وقوله تعالى: وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ[3]، أي: إنّكم إذا أظهرتم للمؤمنين ما في التوراة، يصير حجّة عليكم من المسلمين فيحاجّوكم به، وليس هذا إلّا النفاق.

[1] آل عمران : 97

[2] الأنعام : 149

[3] البقرة 76

  الحَبّ: معروف، وهو: اسم جنس للحنطة، وغيرها، ممّا يكون في السنبل، والأكمام، والجمع: حبوب، والواحد حَّبَّة، والحِبّ (بالكسر): بزر ما لا يقتات، نحو: بذور الرياحين، واحدها الحِبَّة (بالكسر)، كذا ذكره جمع من اللّغوين. قال تعالى: إنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ[1].

والحُبّ: من المفاهيم التي قصرت الألفاظ عن بيان حقيقتها، والكلمات عن الإحاطة بها، فإيكاله إلى الوجدان أولى من التعرض له باللفظ، والبيان، وهو: الترابط الوثيق الذي يربط بين الموجودات بعضها ببعض، والجميع بالخالق.

وقد وردت مادّة (ح ب ب) في القرآن الكريم كثيرا، وهو:

الأول: حبّ اللّه تعالى لخلقه، قال تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[2]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[3]، وقال جلّ شأنه: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ[4]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ[5].

ومحبّته ــــ عزّ  وجلّ ــــــ للعبد من صفات فعله، وهي الهداية الى الصراط المستقيم، وكشف الحجب عن قلبه، وتوفيقه لما يحبه عزّ وجل، والتوجّه إليه، وحينئذ يطأ بساط قربه، ولا يصل العبد إلى هذه المراتب إلّا باتّباع الشريعة المقدّسة: اعتقادًا، وقولًا، وعملًا، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ[6]، وعدم محبّته هو سخطه، وعقابه.

الثاني: حبّ الخلق للّه تعالى، قال سبحانه:  فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ[7]. وبالنسبة إليهما معًا، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ[8].

وحبّ الذين آمنوا لللّه تعالى ليس كالحبّ الحاصل من الشهوات النفسانيّة، بل له واقع غيرها، وهو اللّه عزّ  وجلّ، وأنّه حقّ، لأنّ الاعتقاد بالحقّ، حقّ لا ريب فيه، وأنّه ظاهر في العمل، لأنّ العمل المنبعث عن الواقع، والحقيقة، مرآة صافية، لا شائبة فيه غيرهما، فكان هذا الحبّ بالنسبة إلى الواقع، والاعتقاد، والعمل، هو الحبّ الحقيقيّ الذي يربط بين الخالق، والمخلوق، والعابد، والمعبود، وبقدر إخلاص العبد للّه تعالى، تزداد محبّته له تعالى، وبقدر الاختلاط بغيره، تضعف درجة المحبّة، فإنّ مَن أحبّ شيئا، أعرض عن غيره، وازداد الاتّصال به؛ ويظهر أثر هذه المحبّة في الدنيا، والآخرة، أمّا في الدنيا فباتّصاف العبد بجميع الكمالات المعنويّة، وارتقائه في المقامات العالية، والابتعاد عن الرذائل، والتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، فإنّ للملكات النفسانيّة تأثيرات في ذات النفس، وكذا بالعكس.

وأمّا في الآخرة، فقد أعدّ اللّه للمحبّين له ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت. هذا بالنسبة إلى حبّ العبد للّه تعالى.

والحبّ أصل جميع المقامات، والأحوال، فهي إمّا وسيلة إلى حصوله، أو هي ثمرة من ثمراته، كالتوحيد، والرجاء، والخوف، والتوكّل، وغير ذلك، ولذا اختصّ بهذا المقام الخطير إمام الأنبياء، وسيّد المرسلين (صلّى اللّه عليه وآله).

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ[9]، لاعتقادهم بأنّه جامع لجميع الصفات الحسنى، وأنّه مرجع كلّ شيء ومنتهاه، وأنّه أرحم الراحمين، وله القدرة والسلطان، وأنّ عنده مفاتيح الغيب، يعطي لمن يشاء، ويمنع عمّن يريد، وأنّ عنده الثواب، والعقاب. فكان عرفانهم له أتمّ، فلا يرجون غيره، ولا يعبدون سواه، فلا محالة يكون حبّهم له أشدّ.

الثالث: حبّ الخلق للخلق، قال تعالى: وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا[10].

وفي قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ[11]، تفسير المحبّة بالإرادة، غير صحيح، فالإرادة لا تتعلّق إلّا بالمعاني والمنافع، فمحال تعلّقها بذاته، وصفاته؛ وهو إخراج للحبّ عن معناه الحقيقيّ، وهو خلاف الاستعمالات المتعارفة، لأنّه يصحّ أن يقال: “اللهم من أرادني بسوء فأرده”، ولا يصحّ أن يقال: “اللهم من أحبّني بسوء”. ويصحّ أن يقال: أحببت القرآن فقبّلته، ولا يصحّ استعمال الإرادة فيه، ومن اختلاف استعمال كلّ منهما في مورد الآخر حسنًا، وقبحًا، يُعلَم اختلاف المعنى؛ نعم يصحّ جعل الإرادة، والشوق، من مبادئ المحبة.

والحبّ من المعاني القلبيّة التي لا بدّ من أن يظهر أثرها في الجوارح، وهو الداعي إلى نيل المطلوب ممّا يحبّه، فالإنسان يحبّ الغذاء، ليرفع به الجوع، والنكاح، ليدفع ما عليه من الغريزة الجنسيّة، فهو لا بدّ من أن يقترن بالأثر، وإلّا فهو مجرّد وهم، وخيال.

والحبّ يتعلّق بكلّ شي‏ء، فقد يتعلّق باللّه تعالى، ويسمّى بالحبّ الإلهيّ، وهو وليد كمال معرفة اللّه جلّت عظمته، والناشئ عن الجمال المطلق، ولا يحصل إلّا بالتخلية عن الرذائل، والتطهير عن كلّ ما يشغل القلب عن اللّه تعالى، والتحلية بالفضائل، وقد أمر اللّه تعالى عباده بالإخلاص له، قال تعالى: هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[12]، وقال تعالى:  فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ولَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ[13]، ولا ريب في أنّ الإخلاص لا يتحقّق إلا بحبّه عزّ وجلّ، ولا يحصل مع تعلّق القلب بما سواه، ولو كان أمرًا أخرويًّا، إلّا إذا رجع إلى اللّه تعالى، فالعبد المخلص لا يحبّ إلا اللّه، ولا يشغل قلبه أمر من الأمور إلّا ما يرجع إلى محبوبه، وهو اللّه تعالى، وهو يقضي التديّن بدينه، بالايتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، فهو علامة محبّة العبد للّه تعالى، ويدلّ على ذلك سيرة الحبيب المصطفى (صلّى اللّه عليه وآله)، الذي بيّن سلوكه في محبّته للّه تعالى، إذ حكى عنه عزّ  وجلّ:  قُلْ  هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحانَ اللَّهِ وما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏[14]، فإنّ سبيله الدعوة إلى اللّه، عن بصيرة، وعلم، والإخلاص له، ونبذ كلّ ما يشغله عنه عزّ  وجلّ، ومن كان متّبعا له (صلّى اللّه عليه وآله)، لا بدّ من أن يكون كذلك؛ وهذا هو أفضل مراتب الحبّ، وكلّما ازداد الشخص عرفانًا باللّه العظيم، ازداد محبّة له عزّ  وجلّ.

والمحبّة: الجذبة الروحانيّة بين الحبيب والمحبوب، ولا تتحقّق مع الذنوب، فكما أنّ محبّة العبد للّه تعالى، توجب الإخلاص له، كذلك محبّة اللّه العبد تستدعي تقريبه تعالى له، وإزالة الحجب التي حصلت من الذنوب عنه، فالحبّ يقتضي غفران الذنوب، وما يتبعه من الإفاضات المعنويّة، والظاهريّة، والمقامات التي تقصر العقول عن دركها، فإنّ إفاضاته غير محدودة إلّا ما كان من جهة المستفيض، قال تعالى:  وما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا [15].

[1] الأنعام : 95

[2]  البقرة: 195

[3]  الممتحنة: 8

[4]  آل عمران: 146

[5]  التوبة:4

[6] آل عمران: 31

[7]  المائدة: 54

[8] آل عمران: 31

[9] البقرة: 165

[10]  يوسف: 30

[11] البقرة : 165

[12]  المؤمن:65

[13]  المؤمن: 14

[14]  يوسف: 108

[15]  الإسراء: 20.

ح ج ر

الحِجْر: حضن الإنسان، واستعمل في مطلق الكنف، والمنعة، يقال: فلان في حجر فلان، أي: كنفه، ومنعته، وستره، وفي قوله تعالى:  وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم [1]، الحجور: جمع حِجر .

[1] النساء : 23

ح د ث

مادّة (ح د ث) تأتي بمعنى: الكون بعد العدم، سواء أكانت البعديّة ذاتيّة، أم زمانيّة.

والحديث: الكلام، والخبر، وإنّما يفترق بالعناية، فيسمّى حديثًا بالعناية بحدوثه، وتجدّده؛ وقد أطلق الحديث على القرآن نفسه أيضًا، قال تعالى: أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ[1]، وقال تعالى:أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ  [2].

[1] النجم: 59

[2] الواقعة: 81

ح د د

الحدّ: الحاجز بين الشيئين، الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، فيمايز بينهما، وفي قوله تعالى:  تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[1]، المراد بها: تلك الأحكام التي شرّعها اللّه تعالى في المواريث، وغيرها، التي هي حدوده عزّ وجلّ، فلا يجوز التعدّي، والتجاوز عنها.

[1] النساء : 13

ح ذ ر

مادّة (ح ذ ر) تأتي بمعنى: الاحتراز عمّا يخاف منه، ويختلف ذلك باختلاف المقامات، والحالات، ويلازم الحذر الاحتراز، والاستعداد.

والحَذَر (بالتحريك)، والحِذْر، بمعنى واحد، وهما مصدران، كالأَثَر، والإثْر، وقيل: إنّ الأوّل مصدر، والثاني ما يحذر به، وهو آلة الحذر، ورجل حذِر، أي: محترز، ومستعدّ.

والحَذَر: طريق الاحتياط، يعمّ جميع الأشياء، ويختلف بحسب متعلّقه، أي: المخوف، والفرق بينه، وبين الكيد، هو أنّ الكيد يحتال الإنسان، ليوقع غيره في مكروه، والحذر هو: احتيال الشخص، لخروج نفسه عن مكروه، فالتنافي بينهما واضح؛ فما قيل من أنّه نوع من الكيد، غير صحيح.

وللمادّة استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بهيآت مختلفة، بالنسبة إلى الدنيا، والآخرة، قال تعالى تحذيرًا من المنافقين، وفتنتهم: يحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ[1]، وقال تعالى تحذيرا من مخالفة أوامره، وأحكامه، التي تُعدّ من ملاحم القرآن الكريم:  فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ[2].

[1]  المنافقون: 4

[2]  النور: 63

ح ر ب

مادّة (ح ر ب) تدلّ على التعدّي، وما يضادّ السلم، والسلام، من الأذى، والقتل، والضرر على النفس، والمال، والحَرَب (بالتحريك): أن يسلب الرجل ماله، يقال: حربه يحربه- على وزن تَعَب: إذا أخذ ماله، فهو حريب، ومحروب. والمفاد من اشتقاق هذه الكلمة أنّ الحرب أعمّ من القتل، فتشمل الاعتداء، والسلب، وإزالة الأمن، والإخلال بالنظام العامّ، ولا ريب في أنّ ذلك يستلزم ـــــ بحسب الطبع، والعادة ــــ استعمال السلاح، والتهديد، وربّما القتل، وأنحاء الأذى، والضرر.

وقد ورد في السنّة الشريفة تفسير الحرب في قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ [1]، بشهر السيف، ونحوه، وهو إنّما يكون من باب المثال.

والمحاربة مفاعلة، ولا تتقوّم حقيقة معناها بطرفين، وهو ما يدّعيه بعضهم، بل هذه الهيأة تدلّ على صدور الفعل من شخص، وإنهائه إلى آخر، سواء أصدر منه فعل أم لا.

ومحاربة اللّه تعالى بالمعنى الحقيقيّ محالة، فلا بدّ من أن يكون المراد منها، مخالفة أحكامه المقدّسة، والاستهزاء بتعاليمه، وتشريعاته، ونقضها، ومحاربة الرسول (صلّى اللّه عليه وآله)، هي: إبطال ولايته في الأمور التي ثبتت من جانبه عزّ وجلّ، ويدخل فيه أذيّة أولياء اللّه تعالى، الذين ثبتت ولايتهم من جانب الرسول (صلّى اللّه عليه وآله)، بأمر من اللّه تعالى، فتكون محاربة اللّه، ورسوله، معاداة اللّه تعالى، ومخالفة أحكامه، ونقضها، وعدم تنفيذها، وإبطال ولاية أولياء اللّه تعالى، وإعلان مخالفتهم، ومعاداتهم.

وبعبارة أخرى: محاربة اللّه، ورسوله، هي: عدم الإذعان لدينه، بعدم حفظ الحقوق، وعدم إقامة تشريعاته، والاستهزاء بشعائر الدين، ومقدّساته، فترجع محاربة الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) إلى محاربة اللّه تعالى، فإنّ الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) من مظاهر الحقّ.

والمحراب:  المكان العالي، وسمّي محراب المسجد محرابًا، لأجل علوّه، وشرفه بالنسبة إلى غيره، من جهة قيام الإمام فيه.

وقيل: إنّ المراد بالمحراب في قوله تعالى:  كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ[2]، هو المسمّى عند أهل الكتاب، بالمذبح، وهو مقصورة في مقدّم المعبد، لها باب يصعد إليه بسلّم، ذي درج قليلة، يكون من فيه محجوبًا عمّن في المعبد، ومنها: المقصورات التي أحدثها بعض الخلفاء لنفسه في الإسلام؛  وقيل: إنّه المسجد، وكانت مساجدهم تسمّى بالمحاريب.

[1] المائدة : 33

[2] آل عمران: 37

ح ر ث

الحرث: إلقاء البذر في الأرض، وتهيأته للزّرع، ويطلق بالعناية على الزّرع، ومطلق العمارة، قال تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ[1].

وفي قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ[2]، الحرث:  اسم لكلّ ما يُحرَث؛ أي: المغروس والمزروع، فيشمل الزرع نفسه، وتربيته، يكون فيه معنى الكسب.

[1] الشورى 20

[2] آل عمران : 14

ح ر ج

الحَرَج: هو الضيق والمشقّة، قال تعالى:  ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا[1]، وقال سبحانه وتعالى:  وما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[2].

[1]  النساء: 65

[2]  الحج: 78

ح ر ر

التحرير: الخلوص، والتخلّص عن الوثائق، نحو: تحرير العبد، أي: خلوصه عن الرقيّة، وتحرير الكتاب: تخليصه عن الفساد، والاضطراب، أو إطلاق المعاني عن قيد الذهن، والفكر، ويقال لكلّ ما خلص: إنّه حرّ، ومنه قول الشاعر:

تمسّك إن ظفرت بودّ حرٍّ

فإنّ الحرَّ في الدنيا قليل‏[1]

وفي قوله تعالى: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[2] تحرير الولد للّه تعالى، أو للأمكنة المقدّسة، أو النفوس المحترمة، هو: التفرّغ للعبادة، والعمل للآخرة، وقد كان متعارفًا في الأمم القديمة، وكانوا يرون ذلك وسيلة لحفظ الولد عن الضياع، والتربية الحسنة، وعبادة اللّه الواحد القهّار، فلا يتزوّج، ولا يعمل للدنيا؛ ومعنى تحرير الولد من الأبوين في تلك الأزمنة: تحريره من التبعيّة لهما، والولاية عليه، فليس لهما بعد التحرير السلطنة على الولد في استخدامه لأغراضهما، بل هو داخل بالنذر تحت ولاية اللّه تعالى، فلا بدّ من صرف خدمته في سبيله عزّ وجلّ، إمّا في التفريغ لعبادته تعالى، وإمّا لخدمة الأماكن المقدّسة، والنفوس المحترمة، وهذا العمل كان جائزًا في الشرائع الإلهيّة السابقة، ويرون ذلك من نذر الأبرار.

[1] البيت لأبي اسحق الشيرازي, من بيتين أولهما:

سألت الناس عن خل وفيّ   فقالوا ما إلى هذا سبيل, ينظر: المنتظم 16/230

[2] آل عمران : 35

ح ر ض

التحريض: الحثّ على الشي‏ء، وقوله تعالى:  فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا[1] أي: حثّهم على القتال بالترغيب، والوعظ، والوعد في الطاعة، والتوعيد على المخالفة.

[1] النساء : 84

ح ر ف

التحريف: التبديل، والتغيير، بحسب مشتهيات النفس، سواء كان في اللفظ، أو في المعنى، أو في المحلّ، ومنه: أن ينقل اللفظ من موضعه إلى موضع آخر، قال تعالى: وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ [1].

[1] البقرة: 75

ح ر ق

الحريق في قوله تعالى: وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ[1]، إمّا بمعنى: المحرق، فتكون إضافة العذاب إليه بيانيّة، أو تكون الإضافة للسبب، لتنزيله منزلة الفاعل، فيقال: عذاب الحريق للنار، أو اللهب.

[1] آل عمران: 181

ح ر م

مادّة (ح ر م ) تدلّ على المنع ،سواء كان المانع العقل، أو الشرع، أو العرف، بالاختيار، أو بالإلجاء، والاضطرار، نحو التسخيّر الإلهي، أو المنع القهريّ، وممّا ورد في الصلاة : “تحريمها التكبير”[1]، لمنعه المصليّ من الأفعال الخارجة  عن الصلاة .

والحرام من الأحكام الخمسة التكليفيّة، وهو ضد الحلال؛ والتحريم ضد    التحليل، يقال: حرُم على الشيء (بضم الراء)، نقيض حلّ، ويُقال: “حرُمت الصلاة على الحائض”.

وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في أكثر من ثمانين موضعا.

والحُرُمات: جمع حُرْمة، كظُلْمة، وظُلُمات وهي: ما يجب احترامه، وتعظيمه، ويحرم هتكه، وفي الحديث عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حرمات اللّه إلا أعطيتهم إياها”[2]، أي: لا يسألوني عن أمر خطب، ومشكل، يعظمون فيه حرمات اللّه إلّا أجبتهم؛ قال تعالى: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ [3].

[1] من لا يحضره الفقيه – ج 1 – ص 33

[2] النهاية في غريب الحديث – ج 1 – ص 373

[3] البقرة :194

ح ز ن

الحَزن: بسكون الوسط، أو بفتحتين: غمّ يحصل للنفس، وهو قابل للشدّة، والضعف، وله مبادئ واقعيّة، وظنيّة.

قال تعالى: وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ  [1]
[1] البقرة: 262

ح س ب

الحِسبان: مصدر حسِب (بالكسر): الظن، والتخمين، وفي قوله تعالى:  وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ[1]، أي أنّ اللّيّ كان لأجل إيهامكم ــــ أيّها المؤمنون- بأنّ الكلام يشابه كلام اللّه تعالى، وما هو من كلام اللّه.

والحُسبان: مصدر حسَبَ (بالفتح)، قال تعالى: فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا[2].

[1] آل عمران : 78

[2] الأنعام : 96

ح س س

مادّة (ح س س) تدلّ على الإدراك بالمشاعر الحسّيّة، نحو: العين، والأذن، والأنف، واللسان، واليد، ويقابله الدرك العقليّ، أي: ما يدركه الفكر، قال تعالى:  هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا [1]، وقال تعالى:  فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا[2]، وقال تعالى:  حكاية عن يعقوب: يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأَخِيهِ[3]، أي: اطلبوه عن طريق الحسّ، وفي الحديث: “إن الشيطان حسّاس لحّاس”[4]، أي: شديد الحسّ، والإدراك، وفي الحديث أنّه (صلّى اللّه عليه وآله): “كان في مسجد الخيف فسمع حسّ حيّة”[5]، أي: حركتها، وصوت مشيها.

وفي قوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[6]، إنّما عبّر سبحانه وتعالى بـ (أحسّ) على الرغم من أنّ الكفر من الأمور المعنويّة، لبيان أنّ كفرهم بلغ مبلغا تعلّقت به الحواسّ الظاهرة، فيكون استعارة بليغة، نحو: قوله تعالى:  فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ[7] .

[1]  مريم: 98

[2]  الأنبياء: 12

[3]  يوسف: 87

[4] النهاية في غريب الحديث – ج 1 – ص 384

[5] النهاية في غريب الحديث – ج 1 – ص 384

[6] آل عمران : 52

[7]  الأنبياء: 12

ح س ن

الحسن  مطلوب مطلقًا، أعمّ من أن يكون اعتقاديًّا، نحو: ما في قوله تعالى:  أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ[1]، أو واقعيًّا حقيقيًّا، نحو: قوله تعالى:  ولِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا[2]، وقوله تعالى:  قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ[3]، نظير: الخير، والصلح، والجمال.

والحسن : كلّ مرغوب إليه- بأيّ قوة من القوى النفسانيّة، ظاهريّة كانت، أو باطنيّة؛ وتتّصف به جميع الأشياء من الجواهر، والأعراض، بل جميع الاعتباريّات، وهو بالمعنى الأعمّ، من المعاني التي تُدرَك، ولا توصف؛ ومن فسّره ببعض المعاني الخاصّة، فهو من باب التطبيق، لا التخصيص، وليس للحسن حدّ معيّن إلّا أنّه محدود بما لم ينه عنه الشرع، وهو من الصفات الإضافيّة، فربّ حسن عند قوم لا يكون حسنًا عند آخرين؛ وما ورد في القرآن الكريم، والسنة المقدسة، من الترغيب إلى الإحسان، والحسنة، إنّما يراد بهما ما هو المتعارف.

وفي قوله تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ[4]، القبول الحسن: القبول على نحو ما سألته أمّ مريم، وزيادة عليه.

والحَسَنة: ما يحسن عند صاحبه من الصحّة، والغنى، والرخاء، والخصب، ونحوها، سواء كانت مادّية ظاهريّة، أو باطنيّة؛ تقابلها السيّئة، وهي: ما يصيب الإنسان من مكروه، وسوء، نحو: المرض والفقر، والجدب، قال تعالى:  مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا[5].

والمُحسن: من أسماء اللّه الحسنى، وأمّا الحَسَن- بفتحتين- فلم أجد استعماله فيه تعالى منفردًا، نعم، ورد في المأثورات: “يا حسن التجاوز”[6].

الإحسان: معلوم عند كلّ أحد، وفاعله محبوب عند اللّه تعالى، وقد ذُكر في عدّة من مواضع من القرآن الكريم، منه: قوله تعالى: وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[7]، وهو من أهمّ القواعد في تهذيب النفس، وأعظم أنحاء التعليم الجامع للخير، وأصل من أصول التربية العمليّة، وعن نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) في حديث الإيمان إذ سُئل: “فما الإحسان؟ قال (صلّى اللّه عليه وآله): أنْ تعبد اللّه كأنّك تراه”[8]، فأراد بالإحسان: المراقبة، وحسن الطاعة، أي: الإخلاص؛ فإنّ من راقب اللّه أحسن عمله، لأنّه  “إنْ لم تكن تراه فإنّه يراك”[9]، وقد ورد أنّه “إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف اللّه عمله بكلّ حسنة سبعمائة، وذلك قول اللّه عز وجل: واللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ[10]، فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب اللّه. فقيل: وما الإحسان؟ فقال (صلّى اللّه عليه وآله): إذا صلّيت فأحسن ركوعك، وسجودك، وإذا صمت فتوقّ كلّ ما فيه فساد صومك، وكلّ عمل تعمله للّه، فليكن نقيًّا من الدنس”[11].

وإطلاق قوله تعالى: وَأَحْسِنُوا ، يشمل كلّ إحسان في الاعتقاد، والأعمال، بل يشمل حسن الظنّ باللّه تعالى، الذي أمرنا به، والترك، والكفّ عما نهينا عنه.

وفي قوله تعالى:  وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[12]، المراد بالإحسان: إتيان الأعمال على الوجه اللائق، ومزاولة العبادة الحقّة، مع مراقبة الله تعالى، فإنّ الهداية الإلهيّة لاتكون إلّا مع العمل الجادّ، اللائق  بالمقام الربوبيّ، ودوام المراقبة.

[1]  فاطر: 8

[2]  الأنفال: 17

[3]  التوبة: 52

[4] آل عمران : 37

[5] النساء : 79

[6] مصباح المتهجد 70

[7] البقرة: 195

[8] النهاية في غريب الحديث 1 /  387

[9] المصدر نفسه : الصفحة نفسها

[10] البقرة: 261

[11] المحاسن  1 / 254 – 255, والحديث فيه عن الصادق(عليه السلام)

[12] الأنعام : 84

ح ش ر

مادّة (ح ش ر) تأتي بمعنى: الجمع، والسوق، ولما كان الجلاء عن المحلّ، والخروج عن المقرّ، يستلزم الحركة، سمّي ذلك حشرًا، ويقال ذلك في الجماعة غالبًا، سواء أكان الحشر في الدنيا، نحو: قوله تعالى: فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ[1]، وقوله تعالى: وحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنْسِ والطَّيْرِ[2]، أم في الآخرة، نحو: قوله تعالى:  وتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا[3].

وأطلق (الحاشر) على سيد الأنبياء، ولعلّه لتنزيل هذا الفرد العظيم منزلة الجماعة، أو لأنّ الناس يُحشَرون خلفه، وعلى ملّته، يسوق الناس إلى المحشر، فإنّه آخر الأنبياء، وأوّل فيض السماء، فيقوم على قدميه بين يدي اللّه جلّ جلاله، والناس مصطفّون خلفه، فيسوقهم إلى موازين العدل، والحساب، وتعيين الجزاء: بالثواب، أو العقاب.

وفي قوله تعالى : وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ[4]، بيان عموم الحشر، والضمير في ( ربهم ) راجع إلى لأمم المذكورة، وصيغة جمع العقلاء وإجراؤها مجراهم، إمّا لبيان وجود الشعور الذي وهبه الله تعالى لها، وإمّا لبيان أنّ حياتها في الدنيا تستتبع الحشر الى ربهم، فكانت كالعقلاء لوجود الملاك الذي يدور معه الحشر، نحو: الرضا، والسخط، والمؤاخذة، والإثابة، والجزاء في الحيوان.

والظاهر من الحشر الى الربّ: البعث يوم القيامة، فلا يُصغى إلى ما قيل: إنّ المراد من حشر الحيوان: موته، فلا بعث بعده، ولكنّه مردود بالظاهر، ولا سيّما قوله تعالى: إِلَى رَبِّهِمْ، وصريح الآية يدلّ على حشر الحيوانات الى الله تعالى؛ فهو ثابت بلا إشكال على نحو الإجمال، وإن كانت تفاصيله غير معلومة، بخلاف حشر الإنسان الذي ورد شرحه في الكتاب، والسنّة، ولأجل ذلك وقع السؤال في أنّ الحشر إنّما يتبع التكليف، وهو يحتاج الى مبلغ له، فهل على الحيوانات تكاليف، كما هو الحال بالنسبة الى الإنسان؟؛ وهل للحيوانات أنبياء يبلّغونها التكاليف، والأحكام؟؛ وهل الرسول المبعوث إليها من نوعها، أو من نوع الإنسان؟؛ ولكن الجهل بذلك لا يضرّ بعد ثبوت أصل الحشر، بل يُفاد من إطلاق الآية الكريمة أنّه مماثل لحشر الإنسان، ولا سيّما بعد ثبوت النفس الناطقة، والشعور، والإرادة، والتفكّر لها، وتوصيفها بالأخلاق، فتُحشَر، وتُحاسَب على أفعالها، وتُجازى عليها من جنةٍ، أو نار، لكن بحسب ما لها من التعقّل، والتكليف، في دار الدنيا. ويدلّ عليه فضلا عن صريح الآية المباركة في المقام، قوله تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ[5]،  والآيات المتعدّدة التي تدلّ على إعادة السماوات، والأرض، وما ورد في الأصنام، وغيرها، من المعبودات سوى الله تعالى، نحو قوله تعالى : إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ[6]، وهي تشمل الحيوانات المعبودة، وتعضدها الروايات الكثيرة التي تدلّ على حشر الحيوان.

[1]  الشعراء: 53

[2]  النمل: 17

[3]  الكهف: 47

[4] الأنعام : 38

[5] التكوير : 5

[6] الأنبياء : 98

ح ص ر

مادّة (ح ص ر) تأتي بمعنى الضّيق، والحبس، يقال: حصره العدو في منزله: حبسه، وأحصره المرض: منعه من السفر.

ولها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بهيآت مختلفة تناسب هذا المعنى، وفي الحديث: “هلك المحاصير”[1]، أي: المستعجلون، لأنّ الاستعجال في الشي‏ء نحو تضييق في الجملة.

وفي قوله تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[2]، قيل: إنّ الإحصار: في المنع الظاهر عن الوصول إلى بيت اللّه تعالى، نحو: العدوّ، والحصر، يقال: في المنع الداخل، نحو المرض؛ ولكن عن جمع من أهل اللغة أنّه لا فرق بين الإحصار، والحصر، فإنّ كليهما يستعمل في الممنوعيّة عن الإتمام، سواء كان بسبب عدوّ، أو مرض، إلّا أنّه ورد في الأخبار المعتبرة عن الفريقين، أنّ المحصور غير المصدود، فإنّ الأول: المريض، والثاني: الذي يردّه العدو.

والحصور: الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليه، وقد يطلق على الممتنع عن غيرها أيضًا، وهو صفة كمال تدلّ على عزوفه عن مشتهيات الدنيا، وزهده عنها، لأنّ الممتنع عن الجماع تارة لآفة ونقصان فيه، وهو غير ممدوح، وتارة أخرى: لتقديم الأهمّ من المعنويّات عليه، وهو ممدوح في الجملة، إذا وافقته الشريعة، نحو ما في زمان يحيى (عليه السّلام)، قال تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ[3]، وأمّا إذا وصلت النفس إلى مرتبة من الكمال، لا يشغلها المهمّ عن الأهمّ، فلا موضوع لهذا البحث فيه، نحو ما في سيد الأنبياء (صلّى اللّه عليه وآله).

[1] وسائل الشيعة – ج 15 – ص 51 , كتاب: الجهاد , باب: حكم الخروج بالسيف قبل قيام القائم (عليه السلام) , الحديث (19967).

[2] البقرة : 196

[3] آل عمران : 39

ح ص ن

مادّة (ح ص ن) تدلّ على المنع، والتمنّع، ومنه: الحصن، وهو: المكان المنيع الحمي، وحصُنت المرأة (بضم الصاد) حَصانة، وحصنا، بمعنى: عفّت، ومنعت نفسها من الوقوع في الإثم، وامتنعت من الفجور، قال تعالى: مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ[1]، ومنه: الحَصان، لأنّه حصن بمائه فلم ينز إلّا على كريمة.

وأحصنتِ المرأة: إذا تزوّجت، ومنعت نفسها من غير الزوج، كما منعت الزوج من الوقوع في الحرام، فيقال لها: محصَنة (بفتح الصاد)، ومحصِنة (بالكسر). وقيل: إنّ كلّ امرأة عفيفة محصنة (بالفتح والكسر)، وكلّ امرأة متزوّجة محصَنة (بالفتح) لا غير.

قال ابن الأعرابي: “كلّ أفعل اسم فاعله بالكسر إلا ثلاثة أحرف: أحصن، وألفج: إذا ذهب ماله، وأسهب: إذا كثر كلامه”، وهي اسم مفعول من أحصن، وقيل: يمكن أن تكون اسم فاعل باعتبار أنهنّ أحصنّ فروجهن عن غير أزواجهن، أو أحصنّ أزواجهن.

وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في ما يقرب من ثمانية عشر موضعًا، وجميعها تدور حول المعنى الذي ذكرناه، أي: المنع، والامتناع، قال تعالى:  والَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها[2]، أي: عفّت، وقال تعالى:  قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ[3]، أي: ممّا تحفظونه في الحصن، والأماكن المعدّة لحفظ الأغذية، وقال تعالى: مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ[4]، وقال تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ[5]، أي: الحرائر، لأنّ الحريّة تمنع الحرّة عن الفجور، بخلاف الإماء اللواتي كان الزنا فاشيًا فيهن.

وقد ورد الإحصان في القرآن بمعان أربعة:

الأوّل: التزوّج.

الثاني: العفّة.

الثالث: الحرّيّة.

الرابع: الإسلام.

وفي قوله تعالى:  فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ[6]؛ المراد: فإذا أحصنّ بالتزويج، وهو المناسب للسياق والتفريع، ويدلّ عليه بعض الأحاديث.

وقيل: المراد بالإحصان الإسلام، واستدلّ عليه بالحديث المرويّ عن نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) أنّه قال: “إحصانها إسلامها”[7]؛ ولكنّه مردود لما يأتي:

أوّلا: أنّه مخالف لسياق الآية الشريفة.

ثانيًا: أنّ الإحصان حينئذ من فعلهنّ، لا من غيرهن عليهن، الذي هو مفاد القراءة بالبناء للمفعول.

ثالثًا: الحديث معارض بغيره.

نعم، لو كان المراد من الإسلام الحقيقيّ منه، كان له وجه.

وفي قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[8]، المراد بالمحصَنات: المتزوّجات من النساء مطلقًا، من الحرائر، والإماء، المسلمات،
والكافرات.

وفي قوله تعالى: مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ[9]، المراد بالمحصنات: العفائف، وغير مسافحات لبيان نفي جميع أنواع الزنا، العلن منها، والخفيّ.

[1]  النساء: 25

[2]  الأنبياء: 91

[3]  يوسف: 48

[4]  الحشر: 2

[5]  النور: 23

[6] النساء : 25

[7] الدر المنثور – ج 2 – ص 142

[8] النساء : 24

[9] النساء : 25

ح ف ظ

حفظ فلان حرمة زيد، أي: عمل فيه بما هو وظيفة احترامه، ومنه قولهم: “يُحفَظ الرجل في ولده”، ومادّة (ح ف ظ) تأتي بمعنى: المواظبة على الشي‏ء، والإقبال عليه مرة بعد أخرى، وفي قوله تعالى: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ[1]، المحافظة على الصّلوات: المواظبة عليها بإقامتها في أوقاتها، بحدودها، وشرائطها، والإقبال عليها بالإخلاص، والخشوع، والخضوع، وهو روح الصلاة التي هي تذلّل، وتأثّر باطنيّ، ومن دونه الصلاة مجرّد حركة لا روح فيها. وإن قلنا: إنّ المحافظة في كلّ مورد يُذكَر يُراد بها هذا المعنى لم يكن بعيدًا.

واستُحفِظوا: في قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء  [2]، المراد به: التحفّظ العمليّ عن ظهر القلب، وإنّما ذكر عزّ وجلّ: اسْتُحْفِظُواْ دون حفظوا، أو حملوا، ونحو ذلك، لأنّهم حفظوها بالعمل بما ورد فيها من الأحكام، وحفظوها بالتبيين، وحفظوها من التغيير، والتبديل، فكانوا أمناء على التوراة.

[1] البقرة:238

[2] المائدة : 44

ح ق ق

الحقّ: يشمل إرادته تعالى: التكوينيّة، والتشريعيّة، فهو تعالى حقّ، ولا حقّ إلّا منه؛ وقد استعمل (الحقّ) في القرآن الكريم بوجوه، منها:

الأول: بنسبة الحقّ إلى ذاته الأقدس، وهو تعالى حقّ في ذاته، وبذاته، قال تعالى: فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ  [1].

الثاني: بنسبة الحقّ إلى صفاته العليا، قال تعالى: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ [2].

الثالث: بنسبة الحقّ إلى أفعاله المقدسة، قال تعالى: وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ [3]، وقال تعالى: لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ[4].

الرابع: بنسبة الحقّ إلى القرآن العظيم نفسه، قال تعالى: وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ[5] وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ  [6].

الخامس: بنسبة الحقّ إلى نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) ودينه، قال تعالى: أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ ودِينِ الْحَقِّ[7]، وقال  تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ[8].

والحقّ إذا أطلق لا يمكن الإحاطة بجوانبه جميعًا، ونواحيه، ولا بدّ من الخضوع لديه والتسليم له، وهذا هو معنى الحقّ المطلق الذي قال عنه بعض فلاسفة الغرب المحدثين: “إذا قيل اللّه يعني الحقّ الواقع من كل جهة”.

وفي قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[9]، حقّ التلاوة: التي توجب فهم الكتاب، والتفقّه فيه، واتّباع أحكامه، دون مجرد الترتيل مع المخالفة العمليّة، وإلّا فهو استهزاء به، واستخفاف باللّه تعالى.

وفي قوله تعالى : فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ  [10]، المراد من الحقّ: مجموع الآيات، والبراهين، والحجج الكثيرة، الدالّة على أنّه عزّ وجلّ، هو الحقّ، وما ينزله حقّ، وما يرشد إليه هو الحقّ، الذي لابدّ من اتّباعه.

وحاق: ذكر الراغب أنّه من (حقّ)  فأبدل من أحد حرفي التضعيف حرف علة .

وفي القاموس : حاق يحيق حيقًا وحيوقًا وحيقانًا من الحوق .

وكيف كان، ففي قوله تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ[11]، حاق بمعنى: الإحاطة، إحاطة إصابة، وحلول بالمستهزئين، واستهزائهم، إذ نزل وبال استهزائهم بهم، وتمّ هلاكهم، فكان جزاؤهم عذاب الخزي بالاستئصال، وهو ما استهزؤوا به، والذي كان الانبياء ينذروهم به.

[1] يونس: 32

[2] الكهف: 44

[3] الأحزاب :3

[4] الكهف: 21

[5] فاطر:31

[6] الشورى: 17

[7] الفتح: 28

[8] فاطر:24

[9] البقرة : 121

[10] الأنعام : 5

[11] الأنعام : 10

ح ك م

الحُكم: لغةً، هو: الجزم، وفقه الأمور، وإليه يرجع ما قيل من أنّه المنع، لأنّ العلم، والجزم، يمنع جميع الاحتمالات، وإليه ترجع التعريفات التي ذكروها له في مختلف العلوم.

ففي العلوم الفلسفيّة تطلق على النسبة التصديقيّة بين أجزاء الكلام، نحو قولنا: فلان عادل. وفي الأمور الاجتماعيّة، والقضايا العلميّة التي تدور بين أفراد الاجتماع، يقال عن نوع النسبة: حكم، نحو: إدراك وقوع النسبة، أوعدم وقوعها. ويطلق على التأليف بين المدركات بالحسّ، أو بغير الحسّ على وجه يعرض المؤلّف لذاته إمّا للصدق، وإمّا الكذب.

ويطلق على القضيّة نفسها، وتسمى حكمًا، نحو ما يقال: يجب على الإنسان أن يفعل كذا، أو يحرم عليه كذا، ولكن إذا قصد به المعنى المصدريّ، يُراد به: إيجاد الحكم، وجعله إمّا في مقام التشريع، والتقنين، بتشريع الأحكام الصالحة التي ترجع الى تحصيل السعادة، والفوز بالفلاح، فردًا واجتماعًا، أو في مقام التشخيص، والنظر في المنازعات، نحو: ما في حكم القضاء، أو في مقام الإفتاء، نحو: ما هو الدائر عند المجتهدين في الفتوى، أو في مقام إنفاذ الحكم والسلطة التنفيذيّة، نحو: حكم الوالي على الناس، واذا أطلق على نفس الوجوب، والحرمة، والإباحة، والكراهة، والاستحباب، فإنها تُسمّى أحكامًا، وتسمّى القضايا المشتملة عليها أحكامًا.

ويعرفه الفقهاء بأنّه: خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين على نحو الاقتضاء، أو التخيير، أو الوضع.

ويطلق أيضا على ما هو دائر في الألسنة ماينشأ من نسب أخرى، نحو: الملك، والرياسة، والنيابة، والكفالة، والولاية. وله إطلاقات أخرى، نحو: الإطلاق على الحكمة.

إلا أنّ المناسب في قوله تعالى: أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ[1]، بقرينة ذكر الكتاب، وغيره، تلك الشرائع الإلهيّة، والدين الحقّ، الذي يرجع الى كمال الانسان علمًا، وعملًا، والصلاح العام، وقطع المنازعات، والقضاء بين الناس فيما اختلفوا فيه، وهو ما تدلّ عليه عدّة من آيات، قال تعالى:  إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ [2]، وقال تعالى:    كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ  [3].

وقال تعالى بعد سرد جملة التكاليف التشريعيّة:  ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ [4] .

وللحكم إطلاقات أيضًا في الكتاب المجيد، فإنّ منها: القضاء الوجوديّ، أي: الإيجاد الذي له مراتب، قال تعالى :  أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [5]، وهو يختصّ بما إذا نُسب اليه سبحانه وتعالى؛ ومنها: مايرجع الى تدبيره ــــ عزّ شأنه ـــــــ في خلقه من أنحاء التدبيرات الربوبيّة، وإليه يشير قوله تعالى:  بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ[6] ، ومن مراتبه قوله تعالى:  قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ[7].. ومنها: القضاء الذي هو منصب إلهيّ أكرم به سبحانه أنبياءه العظام (عليهم السلام)، قال تعالى: أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ[8]، وربّما يراد به: التشريع، نحو ما يشعر به قوله تعالى حكاية عن إبراهيم (عليه السلام): رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[9] ، ولكن يمكن إرجاع الأوّل الى الثاني بوجه صحيح.

ومنها: ماينسب الى سائر الناس، فإمّا هو بمعنى: القضاء أيضًا، نحو ما في قوله تعالى:  وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ  [10]، وإمّا بمعنى: التشريع، فلا ينسب إليهم إلّا على نحو الذمّ، قال تعالى :  إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ[11] .

وأمّا قوله تعالى :  وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ [12]؛ فإنّه يراد به: إنجاز الوعد، وإنفاد الحكم.

والمادّة (ح ك م) تدل على المنع الخاص الحاصل عن الإتقان، والمنع عن التعدّي، وهي ملازمة في الجملة للعقل النظريّ، والعمليّ.

والمادّة تدلّ على الإبرام، نحو ما يستشعر به الإنسان في مطلق الحكم الدائر في جميع شؤونه، بينه وبين خالقه، أو بين سائر أفراد الناس، ومنها: الإحكام، والتحكيم، والحكومة.

وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في أكثر من مئتي موضع، تتعلّق بجميع الموجودات: الواجب منها، والممكن، وسائر شؤون الحياة: المادّيّة، والمعنويّة، وأعظمها تأثيرًا ما ورد في قوله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ[13]،  ونظيراتها نحو قوله تعالى: أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ[14]، وقوله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[15]، وقوله تعالى:  وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ[16]، وقوله تعالى: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ[17]، وغيرها ممّا تدلّ على اختصاص الحكم به تعالى، وعمومها يشمل: التكوينيّ، والتشريعيّ، وأنّ حكمه لامعقّب له، فلا يعارض مشيئته شيء.

وهناك آيات أخرى تدلّ على اختصاص كلّ واحد من الحكمين به عزّ  وجلّ، فممّا يدلّ على اختصاص التشريعيّ به، قوله تعالى : إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ[18] .

ويدلّ قوله تعالى : مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا[19]، على اختصاص الحكم التكوينيّ به عزّ  وجلّ، ويعضد اختصاص الحكم مطلقًا به سبحانه، الأدلّة العقليّة أيضًا.

إلّا أنّ هذا الاختصاص بالنسبة الى الحكمين، لا ينافي الانتساب الى غيره عزّ  وجلّ، إذا دلّ عليه الدليل، فقد ورد الإذن صريحًا في انتساب الحكم التشريعيّ، الاعتباريّ، الى غير الله سبحانه، نحو قوله تعالى: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ [20]، وقوله تعالى لرسوله الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ[21]، وقوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ[22]، وقوله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ[23]، وغير ذلك من الآيات .

والمفاد من مجموع الآيات الكريمة أنّ الحكم الحقّ لله سبحانه أصالة، ولغيره تبعًا لأذنه، ويقتصر على معرفة خصوصيّات الإذن، وعلى الرغم من ذلك لا تكون له الاستقلاليّة على ما هو ثابت لله عزّ  وجلّ، ولعلّه لأجل ذلك عدّ ــــ عزّ  وجلّ ــــ نفسه أحكم الحاكمين، قال تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ[24]، وقال تعالى: وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ[25].

هذا بالنسبة الى الحكم التشريعيّ، وأمّا الحكم التكوينيّ، فلا يوجد في القرآن الكريم ما يدلّ على نسبته الى غير الله تعالى، بل صريح قوله سبحانه : ما لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا[26] الاختصاص، ونفي الشريك له مطلقًا، وفي بعض الأدعية الواردة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ما يدلّ على ذلك أيضًا، إلّا أنّه يمكن الاستشهاد بالعموم أيضا، وهو الحال في الحكم التشريعيّ، بأنّ هذه الصفة لا تخرج عن عامّة الصفات، والأفعال، المنسوبة إليه عزّ  وجلّ، التي ورد الإذن في الانتساب الى غيره نوعًا ما، نحو: العلم، والقدرة، والحياة، أو الخلق، والرزق، والإحياء، والمشيئة؛ وجميعها من مظاهر حكمه التكوينيّ، ومصاديقه. نعم، يتوقّف نسبة الحكم إلى غيره عزّ  وجلّ، على الإذن صريحًا، فلا يصحّ من دونه، مراعاةً لحرمه جانبه، وأنّ أسماء الله تعالى توقيفيّة؛ ومن ذلك يظهر أنّ المراد من الحكم في قوله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ[27]، ما يشمل: التكوينيّ، والتشريعيّ كليهما، لدلالة ما قبلها على التكوينيّ، وهو استعجال العذاب المترتّب على ما اقترحوه من الآيات، ودلالة ما بعدها على الوضعيّ.

والَحكَم: (بفتحتين كالجبل)، صفة مشبهة تفيد ثبوت معناها، وهو الذي يتحاكم الناس إليه باختيارهم، ويرضون بحكمه، وهو والحاكم واحد، إلّا أنّ الحَكَم أمدح، وأبلغ، لأن فيه استحقاق أن يُتحاكَم إليه، وأنه لايحكم إلّا بالحقّ، قال تعالى:  أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا  [28]، بخلاف الحاكم، فإنّه قد يحكم بغير الحقّ؛ ويأتي للواحد والجمع.

أمّا الحكمة: فقد اختلف العلماء في معناهاعلى النحو الآتي:

أوّلا: أنّها العلم بحقائق الموجودات، بقدر الطاقة الإنسانيّة، وهي بهذا المعنى، ترادف الفلسفة.

ثانيًا: أنّها صيرورة الإنسان عالمًا عقليًّا مضاهيًا للعالم العينيّ.

ثالثًا: أنّها الأسفار الأربعة النفسانيّة، التي جعلها بعض الأكابر مفتتح كتابه القيم.

رابعا: أنّها العالم الأكبر، ونسب إلى عليّ (عليه السلام):

أتزعم أنّـــك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر[29]

ويمكن إرجاع جميع هذه المعاني إلى معنى واحد.

والمفاد من الآيات الشريفة التي ذُكر فيها هذا اللفظ، أنّها: معرفة ظاهر الشريعة، وباطنها، والمعارف العالية من: التوحيد، والنبوة، والأخلاق الفاضلة، ومعرفة المصالح، والحكم المبتنى عليها دين اللّه عزّ  وجل، فإنّ بها تصفو النفوس، وتصل إلى الكمال المطلوب، وتتّصف بالأخلاق الفاضلة؛ وبعبارة أخرى: هي معرفة الصراط المستقيم من جهة التكوين، والتشريع، نحو ما جعله اللّه تعالى، والعمل بما عرف؛ ولها أهميّة عظمى في كمال النفس، بل هي الكمال بعينها، وقد عُني بها ــــ عزّ وجل ــــ عناية بالغة في القرآن الكريم، وجعلها من الخير الكثير، فقال تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا[30]، وذكرها في مقابل الكتاب في جملة كثيرة من الآيات، منها قوله تعالى: وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[31].

والحكمة هي التي تمنع صاحبها عن القبائح، والرذائل: اعتقادًا، وقولًا، وعملًا، على نحو تكون محكمة في النفس، لا يصيبها ضعف، ولا فتور، غالبة على قوى النفس، والإرادة، توجّهها نحو الخير والسعادة، وفي الحديث: “ما من آدميّ إلّا وفي رأسه حكمة، إذا همّ بسيّئة فإنْ شاء اللّه أن يقدعه بها قدعه”[32] أي: تمنع من هي في رأسه من السيّئة بنحو الاقتضاء، كما تمنع الحكمة الدابّة.

ويوصف بها اللّه تعالى، فإنّ من أسمائه الحسنى (الحَكَم)، و(الحكيم)؛ وقد ورد في أكثر من تسعين موردًا في القرآن الكريم مقرونًا بالعزيز، أو العليم، أو الخبير، أو العليّ، ولعلّ ذلك لملازمة حقيقتها فيه تعالى، لتلك الصّفات، فجي‏ء بها تبيينًا، وإيضاحًا.

والعلم، والقدرة، والحكمة، وإن كانت مفاهيم مختلفة، لكنّها بالنسبة إليه تعالى، ترجع إلى شي‏ء واحد، لأنّ علمه جلّ شأنه عين ذاته الأقدس، وقدرته العليا ترجع إلى علمه، وكذا الحكمة، وأمّا إرادته فإنّها عين فعله، والفعل منبعث عن العلم، والحكمة، فيرجع الجميع إلى شي‏ء واحد، والفرق بينها في القرآن العظيم يفاد من القرائن.

ويوصف بها الإنسان أيضًا، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ [33]، وإذا تتبعنا الموارد التي ذكر فيها الحكمة في القرآن الكريم، نرى أنّها تذكر تارة مقرونة بالكتاب قال تعالى: ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ[34]. وتارة أخرى تذكر بعد ورود جملة من الأحكام الشرعيّة، التي نزلت لتهذيب الإنسان، وسوقه إلى الكمال، والسعادة، قال تعالى بعد سرد جملة كثيرة من التكاليف الإلهيّة، والأحكام الفطريّة: ذلِكَ مِمَّا أَوْحى‏ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ [35]، ويفاد من ذلك: أنّ الحكمة هي: تلك المطالب الحقّة التي ترتسم في النفس، وتوجب التوفيق بين الاعتقاد، والعمل، والسوق إلى الكمال المنشود للإنسان، فتشمل جميع الحقائق الفطريّة، والأحكام الشرعيّة، والمعارف الحقّة التي تتعلّق بالمبدأ، والمعاد، وتشرح الحقائق المتعلّقة بالنظام الأحسن، من حيث ارتباطه بسعادة الإنسان، والتي لا تقبل الكذب، والبطلان، فتكون للحكمة مظاهر كثيرة، متفاوتة، فتتجلّى في القرآن الكريم، الذي هو مصدر كلّ ما يكون في العالم، من أنواع الحكمة المتعالية، وهي من أشعّة هذا النور العظيم، وشوارق ذلك النيّر المعظم، تأخّر زمان وجودها، أو تقدّم، لأنّ القرآن من اللوح المحفوظ، وهو محيط بهذا العالم، كذلك الكتب الإلهيّة من مظاهر هذا التجلّي الأعظم.

ومن مظاهرها أيضًا الدّين، ومعرفته، والتفقّه فيه، فإنّ الدّين هو القانون المتكفّل لجميع مطالب الإنسان، من حين نشأته، إلى ما بعد مماته، وعن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “إنّ اللّه آتاني من الحكمة مثل القرآن، وما من بيت ليس فيه شي‏ء من الحكمة إلّا كان خرابًا، ألا فتعلّموا، وتفقّهوا، ولا تموتوا جهّالا”.[36]

ومن أجلّ أفراد الحكمة، وأعظمها شأنًا، معرفة اللّه الواحد، الأحد، المتفرّد، الصمد. فهي بحسب المبدأ الجهد الأكيد في التصدّي لمرضاة اللّه الحكيم، وبحسب الغاية لذّة روحانيّة مفاضة من الغيب العليم، وتلزم الإحاطة بحقائق الأشياء على قدر طاقة الإنسان، ولأجل هذا تطلق الحكمة على تلك المعلومات الحقّة، الصادقة، ويسمّى العارف بها حكيمًا إلهيّا، أو متألّها.

وبالجملة: هي الخير الكثير، الذي وصفها به عزّ  وجل، وفي الحديث: “إنّ في الجنة دارًا ـــــ ووصفها ــــ ثم قال: لا ينزلها الا نبيّ، أو صدّيق، أو شهيد، أو محكّم في نفسه”[37].

وللحكمة مصاديق مختلفة، وكلّ ما قيل فيها، إنّما هو دون شأنها، وقد جعلها سبحانه وتعالى مدار كمال عباده، وترقياتهم المعنويّة.

وفي قوله تعالى: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ[38]، المراد بها: أسرار الشريعة، وأحكام الدين.

ومن الحكمة ما تكون فطريّة إفاضيّة من عالم الغيب، ومنها: ما تكون اكتسابيّة تكتسب بالمجاهدات، والرياضات الشرعيّة، ومنها ما هو مركب منهما.

ومن الحكماء من اجتمع جميع أنواع الحكمة فيه، وهم رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه بكلّ معنى الصدق، والوفاء، فشرح اللّه صدورهم بكلّ معنى الانشراح، تشتاق إليهم الجنان العاليات، وهذه هي إحدى مراتب الحكمة، وقس عليها سواها.

ولكنّ للحكمة مرتبة خاصّة محجوبة عن البصائر، والأفكار، لا تليق إلّا لمن يقدر على تحمل الأسرار، ويشهد لما قلناه شواهد من العقل، والآثار، والأخبار، وهي ليست منحصرة بالبحث، والنظر، والفكر، فقد تحصل للنفوس المستعدة من إفاضات الباري، فعن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “إذا رأيتم المؤمن صموتًا فادنوا منه، فإنّه يُلقي الحكمة”[39].

وعنه (صلّى اللّه عليه وآله): “اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه عزّ  وجلّ”[40].

والأصل في إفاضة جميع أفراد الحكمة، والعرفان، ومراتبها، هو الإخلاص للّه جلّ جلاله، فعن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “ما أخلص عبد لله عزّ  وجلّ، أربعين صباحًا إلّا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه”[41].

وعن جمع من أكابر علماء النفس دعوى التجربة في ذلك، فحقيقة الحكمة ارتباط خاص بعالم الغيب، وأمّا غيرها ففنّ، وصناعة، وهما شي‏ء، والحكمة الواقعيّة شي‏ء آخر.

وللحكمة مراتب لا نهاية لها، وهي قسمان:

حكمة علميّة: غايتها الاستلهام من الغيب، وهو غير محدود، والتحديد في الممكن المستفيض، لا في المبدأ المفيض.

وقال بعض الأعاظم من الحكماء المتألّهين: “إنّ غاية ما للإنسان من الكمال، هو الاتّصال بالعقل الفعّال، المسيطر على الملك، والملكوت، تسيطر الروح على الجسد”. وهذا صحيح إذا كان المراد بذلك روح القرآن، والشريعة الأحمديّة، المنبعثة عن الحقيقة المطلقة الأحديّة، لأنّ الإحاطة بالواقعيّات صعبة جدّا، إن لم تكن ممتنعة، مهما بلغت فطنة العقول في الحدة، والذكاء، والدقّة، ولا سيّما بالنسبة إلى المعارف، وأسرار القضاء، والقدر، التي لا يمكن أن يحيط بها غير علّام الغيوب، وقد ورد النّهي عن الخوض في جملة منها، وأنّه لا يزيد الخوض فيها إلّا تحيّرا، فلا مناص للحكيم إلّا الوقوف على ظواهر الكتاب، والسنّة المقدّسة، وهي تحتوي على معادن العلم، والحكمة، والمعارف، وما يكفي لتكميل النفوس الناقصة، وإيصالها إلى أوج الكمال، والمعرفة، وهي الحكمة الحقّة التي تفيد لجميع النشآت، قال تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ[42]، أي: الكتاب المشروح بالسنّة، أو السنّة الشارحة للكتاب، وقال تعالى: وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ [43]، وهو مصدر كلّ علم، ومعرفة.

وحكمة عمليّة: غايتها رضوان اللّه تعالى ولقائه، ولا بدّ من أن تطابق الشريعة المقدّسة الختميّة، وإلّا كانت لغوًا محضًا.

وغلب استعمال الحكمة على الفلسفة المتوارثة عن اليونان، وقد اصطلح على قدماء الفلاسفة بالحكماء، وقسّموهم على الإشراقيين، والمشّائيين، والرّواقيين، وقسّموا الحكمة الاصطلاحيّة (الفلسفة) على قسمين:

حكمة علميّة: وقسّمت على قسمين: الإلهيّات، والطبيعيّات، ولكلّ واحد منهما فصول وأبواب، وقد جعل كلّ فصل من فصول الطبيعيّات في العصر الحديث علمًا مستقلًا برأسه.

ومن فصول الفلسفة الإلهيّة البحث عن كلام اللّه تعالى، من حيث قدمه، وحدوثه، وكثر النقض، والإبرام فيه، حتّى جعل ذلك علمًا مستقلًا له أبواب كثيرة، وفصول طويلة.

وحكمة عمليّة: هي علم الفقه، والأخلاق، وقسّموا الفقه على العبادات، والمعاملات، أي: العقود، والإيقاعات، والأحكام،  والسياسات، التي بمعرفتها، والعمل بها، يصل الإنسان إلى مقام الإنسانيّة، والخروج عن حدود الحيوانيّة، البهيميّة، وبذلك تتمّ المدينة الفاضلة التي خُلق الإنسان لورودها، والاستكمال فيها.

ولكن كلّ من نظر في الحكمة الاصطلاحيّة، يرى أنّها كغبار على اللجين، ولو فرض فيها شي‏ء صحيح، فهو مستلهَم من الوحي المبين، أو السنّة المقدّسة، وغيره ليس إلّا من الأوهام، والتخيّلات، والمغالطات، وكلّ واحد منها حجاب عن الوصول إلى الواقع، ولذلك كثر الخلاف، وقلّ الوصول إلى المراد، وقد ذكرنا أنّ الحكمة بمعزل عن البطلان، والتكذيب، ومنزّهة عن جميع ذلك، وإذا كانت الحكمة ما ذكروه، فليست هي إلّا العلم بالمصطلحات فقط، فهي كعلم اللغة، وهي صنعة، وفنّ، لا تزيد على سائر الصنايع، والفنون، بل ربّما يكون بعضها أفضل منها، وهو المحسوس.

والحَكَم في قوله تعالى: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وحَكَمًا مِنْ أَهْلِها[44]، هو من ينصّب للتحكيم.

والإحكام: صفة للكتاب، تستعمل في موردين:

الأول: بالنسبة إلى جميع هذا الكتاب العظيم، المشتمل على الأسلوب المحكم، المتقن، الصادر من المصدر الأزليّ، الحكيم، وهذا وصف لجميع آيات القرآن، حتّى المتشابهات منه، لأنها منه عزّ وجلّ، وهي محكمة من تمام الجهات، من حيث الصدور، ومن حيث الأسلوب، ومن حيث الإعجاز، ومن حيث الهداية، فهي محكمة بجميع ما مرّ من معاني الإحكام، قال تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ[45].

الثاني: في مقابل المتشابه، فتصير الآيات الشريفة حينئذ على قسمين: محكمة، ومتشابهة، وفي قوله تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [46]، المراد من المحكمات: معلومة الدلالة، ومفهومة المراد، أي: مصونة عن طرو التردّد، والاحتمال عند الأذهان المستقيمة.

[1] الأنعام : 89

[2] المائدة : 44

[3] البقرة :اية 213.

[4] الإسراء: 39

[5] الرعد: 41

[6] البقرة: 117

[7] المؤمنون: 48

[8] الأنعام : 89

[9] الشعراء: 83

[10] المائدة: 47

[11] الأنعام: 36

[12] هود: 45

[13] الأنعام : 57

[14] الأنعام : 62

[15] القصص : 70

[16] الرعد : 41

[17] غافر : 12

[18] يوسف : 40

[19] الكهف : 26

[20] ص : 26

[21] المائدة : 49

[22] المائدة : 44

[23] المائدة : 95

[24] التين : 8

[25] الأعراف : 87

[26] الكهف : 26

[27] الأنعام : 57

[28] الأنعام : 114

[29] في روضة المتقين 2/81: ورد عن مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):

دواؤك منك وما تبصر     وداءك منك وما تشعر

وتحسب أنك جرم صغير  وفيك انطوى العالم الأكبر

وأنت الكتاب المبين الذي   بأحرفه يظهر المضمر

[30] البقرة: 269

[31] البقرة : 231

[32] بحار الأنوار 70/224

[33] لقمان: 12

[34] البقرة: 129

[35] الإسراء: 39

[36] مجمع البيان – ج 2 – ص 194

[37] النهاية في غريب الحديث: ج1 ، ص 42

[38] البقرة: 129

[39] بحار الأنوار: ج 1 ، ص 154, كتاب: العقل, والعلم, والجهل, باب: علامات العقل.

[40] الكافي: ج 1، ص 218 , كتاب: الحجة , باب: أن المتوسمين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه هم الائمة عليهم السلام , الحديث 3

[41] عيون أخبار الرضا (ع) – ج 1 – ص 74 , الحديث:321

[42] الأنعام: 28

[43] الأنعام: 59

[44] النساء: 35

[45]  هود: 1.

[46] آل عمران : 7

ح ل ق

 الحلق: استيصال الشعر، قال تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ[1]، وعن نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “اللهم اغفر للمحلّقين، قالها ثلاثا”[2]؛ والمراد بهم: في الحجّ، والعمرة، وإنّما قال (صلّى اللّه عليه وآله) ذلك، لأنّ أكثر من حجّ معه (صلّى اللّه عليه وآله) لم يكن معهم هدي، فلمّا حلق من كان معه هدي، وأمر النبي (صلّى اللّه عليه وآله) من لم يكن معه هدي أن يحلق، ولكنّهم آثروا البقاء على إحرامهم، فتدارك النبي (صلّى اللّه عليه وآله) ذلك منهم بالدعاء لهم.

[1] الفتح: 27

[2] النهاية في غريب الحديث 1 / 427

ح ل ل

مادّة (ح ل ل) تدلّ على الفكّ، يقال:  حلّ العقدة، إذ فكّها، قال تعالى: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي[1]، وحلّ: إذا نزل به، بفكّ الأحمال عند النزول، ثمّ جردّ في الاستعمال للنزول، يقال: حل حلولًا وأحلّ غيره ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ[2].

والمحلّة: مكان النزول، قال تعالى: وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ[3]، أي: مكانه ، وقوله تعالى : وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ[4]، أي: مُحِلّ بمكّة.

وحلّ المحرم، يحلّ، إحلالًا: إذا أتمّ إحرامه بفعل ما يوجب التقصير، نحو الحلق، فيحلّ ماحرم عليه من محظورات الحج حينئذ،

والحلال: ضد الحرام، قال تعالى : وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ[5]، ومنه الحديث عن نبيّنا الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) : “من أكل من الحلال القوت صفا قلبه، ورقّ، ودمعت عيناه، ولم يكن لدعوته حجاب”[6].

وأحلّ الرجل: إذا خرج إلى الحِلّ عن الحرم، واذا دخل في شهر الحِلّ، قال تعالى : وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا[7].

وتَحِلة الأيمان: ما تنحلّ به من الكفّارة، وفي الحديث: “لا يموت للرجل ثلاثة من الأولاد، فتمسّه النار إلّا قدر تحلّة القسم”[8]، أي قدر مايقول: إن شاء الله تعالى.

والحَليل: الزوج.

والحِل: في قوله تعالى:  الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ[9]، مصدر بمعنى المفعول، كالحَل مقابل العقد، وهو ضدّ الحرام، وهما قسمان من أقسام الأحكام الخمسة التكليفيّة.

والإحلال: الرخصة، والإباحة، قال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى‏ نِسائِكُمْ[10].

[1] طه : 27

[2] إبراهيم : 28

[3] البقرة : 196

[4] البلد : 2

[5] النحل : 116

[6] مجمع البحرين: ج 1 ص 564

[7] المائدة : 2

[8] مفردات غريب القرآن: 128

[9] المائدة : 5

[10] البقرة: 187

ح ل م

أصل الحلم: ضبط النفس عن هيجان الغضب، ويطلق على غير اللّه تعالى، قال جلّت عظمته: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ[1]، وإذا أطلق عليه تعالى، يراد به: عدم تعجيل عقوبة العصاة، لأنّه لا يستخفّه شي‏ء من عصيان العباد، ولا يستفزّه الغضب عليهم.

[1] التوبة: 114

ح م د

الحمد: الثناء على الجميل الاختياريّ، ومعنى  الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [1]، أنّ كلّ حمد يصدر من أي حامد: اختياريًا كان، أو غير اختياريّ (تكوينيّ)، فهو للّه تعالى، لأنّ كلّ شيء مخلوق، ومربوب له عزّ وجل، فهو الخالق، والمدبّر لجميع ما سواه، فيرجع ما سواه إليه سبحانه، قال تعالى: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [2]، فكونه تعالى مبدأ كلّ شيء، يستلزم أن يكون حمد كلّ شيء له، وفي الآيات دلالات واضحة عليه، قال تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ[3]، وقال تعالى: ولَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ[4]، وقال تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى‏ والْآخِرَةِ[5].

ثم إنّ هناك عناوين أربعة: الحمد، والمدح، والشكر، والتسبيح.

ونسب إلى أهل اللغة وجمع من الأدباء والمفسّرين أنّ:

الحمد: الثناء باللسان على الجميل الاختياريّ.

والمدح: الثناء باللسان على الجميل، ولو لم يكن اختياريًّا، نحو قولك: مدحت اللؤلؤة على صفائها، والنجوم اللامعة على جلائها، وبهائها، فيكون الفرق بينهما بالعموم، والخصوص.

ولم يرد لفظ المدح في القرآن الكريم، ولم يستعمل الحمد فيه إلّا للّه تبارك، وتعالى.

والشكر: ما أنبأ عن عظمة المنعم، سواء كان بالقلب، أو باللسان، أو بالأركان، فالتفكّر في عظمته تعالى شكر له، وذكره باللسان، وفعل الصّلاة شكر له أيضًا، فالحمد أعمّ من الشكر من ناحية المتعلّق، لأنّه الجميل الاختياريّ سواء أكان للحامد أم لغيره، وأخصّ منه من ناحية المورد، لأنّ مورده اللسان فقط في الإنسان، والشكر بالعكس فإنّ متعلّقه الإنعام على الشاكر فقط، ومورده يعمّ القلب، واللسان والأركان.

وهنا وجه آخر، وهو أنّ مادّتي: (ح م د) و(م د ح) متحدّتان في مادّتهما، والاختلاف بالتقديم، والتأخير، وهذا الاختلاف أوجب اختصاص لفظ الحمد باللّه تعالى، وإطلاق المدح على غيره أيضًا، فيكون لفظ الحمد، كلفظ (اللّه، والرحمن)، مختصًّا به تعالى، فلا ينبغي إطلاقه على غيره عزّ  وجل، ولو أطلق يكون بمعنى: المدح، بخلاف المدح، فإنّه يُطلَق على غيره تعالى إطلاقا شائعًا.

والحمد يكون من اللّه تعالى لذاته المقدّسة وهو كثير في القرآن، قال تعالى: ولَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ[6]، وقال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ[7]، وقال تعالى:  فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ ورَبِّ الْأَرْضِ[8].

ويكون من خلقه له تعالى:  وقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا[9].

وأمّا التسبيح فيقع منه تعالى، ومن خلقه له، ولكن لا يقع من الخلق للخلق.

والحميد: في قوله تعالى: وكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا[10]؛ أي: المحمود بذاته لذاته، وهو من الأسماء الحسنى، وهو يدلّ على أنّ كلّ ما في الوجود يصدر منه تعالى، وإليه يرجع الحمد كلّه، وهو مصدره.

[1] الفاتحة : 2

[2] الشورى 53

[3]  التغابن: 1

[4]  الروم: 18

[5]  القصص: 70

[6]  الروم: 18

[7]  فاطر: 1

[8] الجاثية: 36.

[9] الأعراف: 43.

[10] النساء: 131

ح ن ف

مادّة (ح ن ف) تدلّ على الميل إلى الحقّ، والأحنف: مَن في رجله ميل، قيل: سمّي بذلك  على التفاؤل؛ وقيل : استعير للميل المجرد، والمراد به: عدم الانحراف عن جادّة الحقّ، والصواب، إلى يمين، أو يسار؛ ولمّا كان الحقّ فيه تعالى، فيكون الميل إلى التوحيد حينئذ، ويلازمه نفي كلّ شيء خلاف الحقّ، والتوحيد، من الشرك، والضلال، فكانت عقيدة إبراهيم (عليه السلام) مائلة عن الشرك، ومتمحّضة في التوحيد الخالص، الذي ينفي كلّ شرك، وضلال، قال تعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [1].

ويقابلها مادّة (ج ن ف) الدالّة على الميل إلى الباطل.

وقد كان عرب الجاهليّة يدعون أنفسهم بالحنفاء، لأنّهم تبعوا إبراهيم في بعض شرايعه، كالختان، والحجّ؛ وكان أهل الكتاب يسمّونهم بالحنفيّة الوثنيّة.

[1] آل عمران : 67

ح و ب

الحوب: الإثم، في قوله تعالى: وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا  [1].

[1] النساء : 2

ح و ر

مادّة ( ح و ر) تدلّ على البياض، والتخلّص من كلّ عيب، ولذلك سمّيت نساء أهل الجنّة بالحور العين، لشدّة بياضهن، وسواد عيونهن، وفي الحديث: “إنّ في الجنّة لمجتمعًا للحور العين.[1]

والحواريّون: جمع حواري، وإنما سمّي ناصر الأنبياء حواري، لخلوصه في نفسه عن العيب، والذنب، وإخلاصه لغيره، فيكون ناصرًا، وخاصّة له.

ولم يرد هذا اللفظ في القرآن الكريم إلّا بالنسبة إلى أصحاب المسيح (عليه السّلام)، ومنه قوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[2]، وهم رسله الّذين أخلصوا في أنفسهم، ونقّوها من كلّ عيب، وكانوا مخلصين له، وهم الّذين كان عيسى (عليه السّلام) يرسلهم إلى بني إسرائيل، للوعظ، والإرشاد.

[1] النهاية في غريب الحديث – ج 1 – ص 458 (حور)

[2] آل عمران: 52

ح و ذ

مادّة (ح و ذ) تدلّ على الحوط، يقال: حاذه حوذًا، إذا حاطه، ومنه المحاذي للشي‏ء.

والحاذيان: جانبا الفخذين من الوراء، وسمّي السائق للبعير، وغيره من الدوابّ، حوذيًّا، لأنّه يضرب حاذي البعير.

واستحوذ على الشي‏ء: غلب عليه، وتمكّن من تسخيره، والتصرّف فيه.

وفي الحديث: “ليأتين على الناس زمان يغبط فيه الرجل بخفّة الحاذ كما يغبط اليوم أبو العشرة[1]، أي الاستيلاء على المال، أو العيال، وذلك كناية عن القلّة، والخفّة فيهما.

والفعل استحوذ جاء على الأصل من غير إعلال، كما جاءت استروح، واستصوب،  خارجة عن أخواتها، نحو: استقال، واستقام، وأشباههما، فلو أعلّ لكان: ألم نستحِذ، والفعل على الإعلال استحاذ يستحيذ.

وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم في موضعين، أحدهما: قوله تعالى:  قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ[2]، والآخر: في قوله تعالى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ[3].

[1] النهاية في غريب الحديث – ج 1 – ص 457

[2] النساء: 141

[3]  المجادلة: 19

ح و ط

الإحاطة: الغلبة، والاستيلاء؛ قال تعالى: بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[1]، وإحاطة الخطيئة بالإنسان على أقسام، من أهمّها:

الأول: الشرك، والكفر باللّه تعالى، فإنّهما يحيطان بالقلب، والجوارح، قال تعالى: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [2]، وقال جلّ شأنه:  فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [3].

الثاني: متابعة الذنب للذنب حتى تستولي السيّئة على مجامع قلبه، فتتبدّل فطرته الأوليّة إلى فطرة أهل الجحيم، والنار، مع فرض عدم تخلل التوبة، والندم، وما يوجب الكفران في البين، وقال تعالى: و ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا ولَهْوًا وغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا[4]، وقد ورد عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام): ” ما من عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنبًا، خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب، ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب، زاد ذلك السواد حتّى يغطي البياض، فإذا غطى البياض، لم يرجع صاحبه إلى خير أبدًا، وهو قول اللّه عزّ وجل: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ[5][6].

الثالث: الاستخفاف، والاستهانة بأوامر اللّه تعالى، ونواهيه، المؤدّي إلى الاستهزاء بالدين، قال تعالى: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ [7].

وغير ذلك من الأقسام التي المناط فيها كلّه، تبديل الذات المقتضية للسعادة إلى الشقاوة في مرتبة الاقتضاء، فتتغيّر الذات من كثرة مزاولة السيّئات، والمعاصي، وعدم المبالاة بها، كما يصير الجبان بكثرة مزاولة الحروب شجاعًا، فمقتضيات الذات تتغيّر بالملكات التي تحصل بتكرر الأفعال.

[1] البقرة: 81

[2] المائدة: 72

[3] مريم: 37

[4] الأنعام: 70

[5] المطففين: 14

[6] الكافي – ج 2 – ص 273, كتاب: الايمان والكفر , باب: الذنوب , الحديث 20.

[7] الروم: 10

ح و ق

حاق: في القاموس : حاق يحيق حيقًا وحيوقًا وحيقانًا من الحوق .

وذكر الراغب أنّه من (حقّ)  فأبدل من أحد حرفي التضعيف حرف علة .

وكيف كان، ففي قوله تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ[1]، حاق بمعنى: الإحاطة، إحاطة إصابة، وحلول بالمستهزئين، واستهزائهم، إذ نزل وبال استهزائهم بهم، وتمّ هلاكهم، فكان جزاؤهم عذاب الخزي بالاستئصال، وهو ما استهزؤوا به، والذي كان الأنبياء ينذروهم به.

[1] الأنعام : 10

ح و ل

مادّة (ح و ل) تأتي بمعنى: التغيّر، والتبدّل، والانفصال، يقال: حال فلان بيني وبينك. قال تعالى: أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وقَلْبِهِ[1]، وقال تعالى: وحِيلَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ[2]، وقال تعالى: وحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ[3].

والتغيّر، والتبدّل، يكون بالذات، أو بالصفات، أو بالإضافات، ويمكن أن يجتمع في الزمان جميع ذلك، لأنّه متغيّر بالذات، وكذا بالصفات، والإضافات.

وفي قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ[4]، المراد بالحولين الكاملين: أربعة وعشرون شهرًا، فلا يكفي الحول، وبعض الحول، لما ورد في الآية المباركة من التحديد، والتوصيف.

[1] الأنفال: 24

[2] سبأ: 54

[3] هود: 43

[4] البقرة : 233

ح ي ث

حيث: تستعمل في المكان المبهم، كـ(حين) في الزمان المبهم، ويرتفع الإبهام ممّا بعدهما في سياق الكلام، فيكون التعريف، والتعيين من باب الوصف بحال المتعلق؛ ويختص استعماله بالممكنات، قال تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا[1].

ولا تستعمل فيه تبارك وتعالى، وفي الحديث: :”أم كيف أصفه بحيث ؟ ! وهو الذي حيّث الحيث حتى صار حيثًا”[2].

[1] البقرة : 35

[2] الكافي 1 / 104, كتاب: التوحيد, باب: النهي عن الجسم والصورة.

ح ي ل

مادّة (ح ي ل) تدلّ على الحركة، والاضطراب، والتخيّر، للتخلّص من شي‏ء، أو تحصيله، أو ما يتوسّل به للحصول على شي‏ء، أو الاحتراز منه، وغلب استعماله على ما يكون في خفاء، وفي الأمور المذمومة؛ قال تعالى: إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [1].

[1] النساء : 98

ح ي ص

يقال: وقع في حيص، وبيص: إذا وقع في أمر يعسر التخلّص منه.

والمحيص: اسم مكان، أو مصدر ميميّ، من: حاص يحيص: إذا عدل، وولي، قال تعالى: أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا[1].

[1] النساء : 121

ح ي و

الحيّ: صفة له سبحانه، من الصفات المشبّهة التي تدلّ على الثبوت، والدوام، كالرحيم، والعليم، أي: أنّه الحياة الثابتة، فتكون حياته ــــ جلّت عظمته ــــــ حياة حقيقيّة، كاملة، واجبة فيه عزّ  وجل، بريئة من النقص، محال عليها الموت، والفناء، قال تعالى:  وتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ[1]، وهي متقوّمة بالعلم، والقدرة، ولها مراتب غير متناهية، لانتهائها إلى ما يكون عين ذات اللّه جلّت عظمته، ولا مبدأ لأوّلها، ولا منتهى لآخرها، لأنّه أزليّ أبديّ بذاته، وكذلك يكون ما هو عين ذاته، أي الحياة، والعلم، والقدرة؛ وهذه الحياة منحصرة في اللّه تعالى، وليست حياته حياة فرديّة شخصيّة، بل هي حياة كلّيّة حقيقيّة، هي مبدأ حياة كلّ حيّ من النبات، والحيوان، والإنسان، والروحانيّين، والأرواح الشامخة، والعقول المجردة.

وجميع ما سواه، حتّى الجمادات، لها حياة خاصّة، لا ندركها، يظهر هذا من قوله تعالى: وإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ[2]، وقوله تعالى: أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ[3]، وجميعها مستمّدة من تلك الحقيقة الواحدة البسيطة، فتكون حياته عزّ  وجلّ، منشأ الأرواح، وأصلها، وبدوامها تدوم، بلا فرق بين الأرواح العلويّة، والأرواح السفليّة، والجواهر المقدّسة الروحانيّة، فهي منشأ الخيرات، ومنبع البركات، وهي الغيث المستغيث، والغياث المستغاث، في عالمي: الأمر، والخلق، اللذين يجمعان جميع الممكنات.

والحيّ أمّ الأسماء الحقيقيّة المحضة، نحو القدرة، ونحوها.

ومفهوم الحياة في غيره سبحانه، معلوم وظاهر، وهي التي تُبتنى عليها جميع الإحساسات، والإدراكات، ويلازمها العلم، والقدرة، وبانتفائها تتعطّل جميع قوى الحيّ، ومشاعره، وأفعاله، وهي على مراتب، وأصولها الحياة الإنسانيّة، والحيوانيّة، والنباتيّة، وحياة المجردات، وقد ذكرها اللّه تعالى في كتابه الكريم في مواضع متعددة قال تعالى:  اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها  [4]، وقال تعالى:  وهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى  ‏[5].

وأقسامها ثلاثة: الحياة الدنيا، والحياة البرزخيّة، والحياة الآخرة، وقد وردت في القرآن الكريم، قال تعالى:  رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ[6]، والمراد من الحياتين: الحياة البرزخيّة، والحياة الآخرة.

أمّا الحياة الدنيا، فقد وصفها اللّه تعالى بأوصاف مختلفة، كلّها تدلّ على ذمّها، ورداءتها، وزوالها، بخلاف حياة الآخرة، التي وصفها اللّه تعالى بأنّها الحياة الكاملة، قال تعالى:  وما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ ولَعِبٌ وإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ[7]، ووصفها بالأمن، والخلود، والهناء، وعدم النقص في كلّ ما يرتبط بها، قال تعالى:  آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى‏ ووَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ[8]، وهي أبديّة، لا غاية لها بحسب الآخر، والمنتهى، قال تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ[9]، ولكنّها محدثة، مسبوقة بالعدم، فهي الحياة الكاملة على الإطلاق، ولكنها مسخّرة تحت إرادته تعالى، مملوكة له عزّ  وجلّ، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ[10].

وفي قوله تعالى:  وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ [11]، خروج الحيّ من الميّت، وبالعكس، لهما مظاهر مختلفة، لا يمكن إدراكها إلّا للّه تعالى .

منها: خروج النباتات التي لها حياة نباتيّة من الأرض الميّتة.

ومنها: خروج الإنسان من النطفة، ثم موته بعد مدّة.

ومنها: خروج المؤمن من صلب الكافر، وخروج الكافر من صلب المؤمن، فإنّ الإيمان أعظم أقسام الحياة المعنويّة، قال تعالى:  أَومَنْ كانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْناهُ وجَعَلْنا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ[12].

وفي قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[13]، ذكر المفسّرون في الموت، والحياة، أقوالًا:

الأوّل: أنّ المراد بالموت هنا العدم السابق على الوجود، أي: كنتم معدومين فأوجدكم، وظاهر القرآن ينفي هذا الاحتمال.

الثاني: عدم الحياة عمّا من شأنه الحياة، كالنطفة، والعلقة، والمضغة، ونحوها من الأطوار التي تعرض على الإنسان في بدء خلقه، حتّى يصير خلقًا جديدًا.

الثالث: أنّ المراد بها الموت الحكميّ، لا الحقيقيّ، إذ الإنسان حين ولادته لا اسم له، ولا شهرة له عند النّاس، ثم يصير مشهورًا عندهم.

ولم يأت كل منهم في ما ذكروه بدليل يدلّ عليه؛ والأولى الحمل على الجميع، فإنّ للحياة بمراتبها المختلفة، من النباتيّة، والحيوانيّة، والإنسانيّة، جامعًا قريبًا، وهو الحركة، والحس، وللموت أيضًا بمراتبه الكثيرة جامعًا قريبًا، وهو الوقف، والسكون، واللّه تعالى، هو القادر على إيجاد أصلهما، وسائر جهاتهما، وخصوصياتهما، فإن الإنسان من بدء خلقه إلى نشوره، ووقوفه بين يدي ربّ العالمين، وفي جميع أطواره، وحالاته، بل جميع شؤونه، وتبدّلاته، مورد علمه، وقدرته، وإرادته، وهذا هو معنى الربوبيّة العظمى المذكورة في قوله تعالى: رَبِّ الْعالَمِينَ[14]، وإذا كان هذا شأنه معكم، وكان لكم التفات إلى هذه الجهة، ولو إجمالًا، كيف تكفرون باللّه، فتكون هذه الآية الشريفة مثل قوله تعالى:  فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[15].

والفرق بين الحياة الأولى، والحياة الثانية، بعد اتحاد المبدأ، والمرجع فيهما، وعدم الفرق بينهما من هذه الجهة: أنّ الحياة الأولى مؤقّتة، والثانية أبديّة دائميّة، وأنّ التبدّل في الصورة، فالأعمال في الدنيا- خيرًا كانت، أو شرًّا- عرض قائم بغيره، وفي الآخرة جوهر قائم بذاته، فالعامل، والعمل فيهما واحد، والاختلاف إنّما هو في صورة العمل؛ وأنّ الحياة الأخرى أكمل من الأولى للإنسان، إنْ عمل صالحا في الدنيا، وأدون إن كان شرًا.

والحياء: يفترق عن الخجل، بأنّ الثاني من عوارض الجسم الإنسانيّ، بخلاف الأوّل، فإنّه من صفات الروح، ولذا عُدّ الحياء من جنود العقل في جملة من الأخبار، وهناك فروق أخرى مذكورة في علم الأخلاق.

ويحيى اسم أعجميّ ممنوع من الصرف للعلميّة، والعجمة.

وقيل: إنه عربيّ منقول من الفعل، فيكون المنع من الصرف هو العلميّة ووزن الفعل، وقيل في تسميته بهذه الاسم وجوه:

فعن بعضهم أنّه لمّا علم اللّه تعالى أنّه يستشهد، والشهداء أحياء عند ربّهم يُرزَقون فسمّي به، وعن بعض آخر أنّه يحيى بالعلم والحكمة، أو يحيى به الناس بالهداية، وقال القرطبيّ: إنه كان اسمه حيّا في الكتاب الأوّل.

وجميع ذلك به حاجة إلى دليل.

وفي الأناجيل المعروفة أنّه يوحنا المعمدان.

ويفاد من قوله تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ[16]، أنّ التسمية كانت من اللّه تعالى، ويدلّ على ذلك قوله تعالى في موضع آخر: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى‏ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا[17]، ويفاد من مجموع قصتي امرأة عمران، وزكريا، أنّه لو لم تبادر امرأة عمران بالتسمية لمولودها لأمكن أن تأتي التسمية من اللّه تعالى، ولعلّ الحكمة في ذلك أنّ اللّه تعالى أراد أن ينفي جهات الغلوّ من مريم الصدّيقة الطاهرة، بأن تكون التسمية من ممكن محتاج لممكن آخر مثله.

وقد وصف اللّه تعالى هذا المولود المبشّر به، بأوصاف تدلّ على عظمته، وكرامته، وجلالة قدره، ومن مجموع ذلك يفاد التشابه الكبير بين هذا المولود، ومريم العذراء، وابنها عيسى (عليهم السّلام.(

ويفاد من مجموع ما ورد في شأن يحيى، وما ورد في شأن كلمة اللّه عيسى بن مريم (عليهما السّلام)، الشبه الكثير بينهما، وهو ما كان يريده زكريّا عند طلبه من اللّه تعالى أن يرزقه ولدًا، يكون له من الكرامة عند اللّه تعالى، ما لمريم العذراء عنده، بعد ما شاهد الآيات الباهرات منها.

ومن الشبه بينهما:

الأوّل: أنّ مريم وابنها آية من اللّه تعالى، قال عزّ  وجلّ: وَجَعَلْناها وابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ[18]، وأن تسمية عيسى من اللّه تعالى، قال عزّ  وجلّ: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيا والْآخِرَةِ ومِنَ الْمُقَرَّبِينَ[19]، وأنّ يحيى آية منه عزّ  وجلّ، أيضًا، إذ كانت تسميته من عند اللّه تعالى في بدء ما بشّر به زكريّا، قال تعالى:  يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى‏ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا[20].

الثاني: أنّ يحيى قد أوتي الكتاب، والحكم، وهو صبيّ، قال تعالى: يا يَحْيى‏ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا[21]، وكذلك أوتي عيسى الحكم، والنبوّة، والكتاب، في صباه، قال تعالى حكاية عنه: قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبارَكًا أَيْنَ ما كُنْتُ وأَوْصانِي بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا[22].

الثالث: أنّهما اشتركا في الخصال الحميدة، نحو: البرّ بالوالدين، والسيادة، والوجاهة، وأنّهما لم يكونا من الجبّارين، قال سبحانه وتعالى في شأن يحيى:  وحَنانًا مِنْ لَدُنَّا وزَكاةً وكانَ تَقِيًّا وبَرًّا بِوالِدَيْهِ ولَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا[23]، وقال عزّ من قائل في شأن عيسى: وبَرًّا بِوالِدَتِي ولَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا[24].

الرابع: أنّهما اشتركا في السّلام عليهما في المواطن الثلاثة المهمّة: الولادة، والموت، والبعث، قال تعالى في شأن يحيى: وسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ويَوْمَ يَمُوتُ ويَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا[25]، وقال عزّ وجلّ في شأن عيسى:  والسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا[26].

ولكن يبقى الفرق بينهما أنّ عيسى (عليه السّلام)، نبيّ، من أولي العزم، وصاحب شريعة، وأنّ يحيى (عليه السّلام)، كان أوّل المصدّقين به، وذلك لأنّ عيسى (عليه السّلام) كان أسبق من يحيى في التقدير، فإنّ زكريّا بعد ما شاهد من مريم الصدّيقة (عليها السّلام) من عجائب الرزق، والكرامات، طلب من اللّه أن يرزقه ذرّيّة طيبة، يكون وليًّا مرضيًّا.

والتحيّة: تفعلة، مصدر (حيى يحيى تحيّة)، كتزكية، وتسمية، فادغموا الياء في الياء، وهي في الأصل: الدعاء بالحياة وطولها، وصارت اسمًا لكلّ دعاء، وثناء، ولها مظاهر مختلفة، وفيها عادات متفاوتة، فلكلّ قوم تحيّة معيّنة، ولكن تحيّة المسلمين السلام، قال تعالى:  فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ[27]، وقال تعالى: وتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ[28].

وقيل: إنّ فيه مزيد على كلّ تحيّة، لأنّه اسم من أسمائه المقدّسة، ودعاء بالسلامة عن الآفات، والعاهات، ويستلزم طول الحياة، ولأنّه ينبّئ عن أنّ دين الإسلام دين الأمان، والسلام، وأنّ المؤمنين به هم أصول السلم، ومحبّو السلامة.

والاستحياء: الاستبقاء، فعن نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) في وقعة بدر “اقتلوا المشركين، واستحيوا شرخهم”[29]، أي: شبابهم، الذين ينتفع بهم في الخدمة، يعني: أنهم كانوا يقتلون الذكور، ويستبقون النساء، وكان قصدهم من ذلك إذلالهم، وإبادتهم بقطع نسلهم، أو إبقاء النساء للانتفاع بهنّ بكل ما أمكن من أنحاء الاستمتاعات؛ وأدب القرآن اقتضى التعبير بلفظ جامع، وإلّا لاحدّ لظلم هذا المتجبّر، المدّعي للألوهيّة، المتسلّط على بني نوعه، وقد قال تعالى عن ظلم فرعون، وجبروته في آية أخرى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وجَعَلَ أَهْلَها شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ ويَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ[30]، ومن ذلك يعلم أنه لا وجه لحصر بعض المفسّرين ظلمه في شي‏ء محسوس.

وقد يقال: إن معنى استحياء النساء، أي: يطلبون فروجهنّ، لأن الحياء: الفرج. وفيه: أن الحياء بهذا الإطلاق يختص بالفرج من ذوات الخف، والظلف- وهو ما صرح به ابن الأثير- فلا يشمل الإنسان؛ ولكن كلّ ما قيل من هذه الاحتمالات في قصّة فرعون وبني إسرائيل، يناسب ما نسب إليهم من السيئات.

[1] الفرقان: 58

[2] الإسراء: 44

[3]فصلت: 21

[4] الحديد: 17

[5] الشورى: 9

[6] غافر: 9

[7] العنكبوت: 64

[8] الدخان: 56

[9] هود: 108

[10] النحل: 97

[11] آل عمران : 27

[12]  الأنعام: 122

[13] البقرة : 28

[14]  الحمد: 1

[15]  البقرة: 22

[16] آل عمران : 39

[17]  مريم: 7

[18]  الأنبياء:91

[19]  آل عمران: 45

[20]  مريم: 7

[21]  مريم: 12

[22]  مريم: 30- 31

[23]  مريم: 13- 14

[24]  مريم: 32

[25]  مريم: 15

[26]  مريم: 33.

[27]  النور: 61

[28]  يونس: 10

[29] النهاية في غريب الحديث: ج 2 ، ص 456( حيو).

[30]  القصص: 4

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"