1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. ماقیل حول السید
  6. /
  7. معجم الألفاظ قرآنیة
  8. /
  9. باب الجيم
ج ب ت

مادّة (جبت)، تدلّ على كلّ ما لا خير فيه، وقد استعملها القرآن الكريم في كلّ ما يعبد من دون اللّه سبحانه, وتعالى, لرجوعه إلى الضلال، وفي حديث الدعاء: “اللهم العن الجوابيت والطواغيت، … وكلّ ندّ يُدعى من دون اللّه”[1]، وسمّي بالجبت كلّ ضال مضلّ؛  قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلًا[2], والجبت, والطاغوت, يشتركان في إطلاقهما على كلّ ما يكون سببا للخروج عن الحقّ, والصراط المستقيم، سواء كان صنمًا, أو شيطانًا, أو إنسانًا, أو العصبيّة, والأهواء الباطلة، فلها وجود نوعيّ يشمل جميع الأفراد, والمصاديق الضالّة, والمضلّة، وقد ذكر العلماء, والمفسّرون, لهاتين الكلمتين معان متعدّدة، والحقّ أنّها مصاديق لهما، وإنّما تعرف من القرائن المحفوفة بالكلام.

[1] من لا يحضره الفقيه – ج 2 – ص 589, زيارة قبر أمير المؤمنين, ح 3197

[2] النساء : 51

ج ب ر

مادّة (جبر) تدلّ على إصلاح الشي‏ء بضرب من القهر، وفي حديث علي (عليه السّلام): “وجبّار القلوب على فطرتها”[1]، أي: إصلاحها, وتثبيتها, على ما فطرها من معرفته جلّت عظمته, والإقرار به، شقيّها, وسعيدها، ومنه: الجبّار من الآدميين الّذي له السطوة, والقوّة، فيجبر غيره على ما يريد ظنّا منه الإصلاح, وعلى نحو العلوّ، ومنه: الجبر، وهو الإكراه، وفي الحديث المعروف: “لا جبر, ولا تفويض”[2]، ومنه: جبر العظم، وهو إصلاحه، وفي الدعاء المأثور عن علي (عليه السّلام): “يا جابر كلّ كسير، ويا مسهّل كلّ عسير”[3].

وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في ما يقرب من عشرة مواضع، كلّها تدلّ على الذمّ، إلّا ما أطلق عليه تبارك, وتعالى، قـــــال عـــــزّ, وجلّ: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ[4], ومعناه: الّذي يقهر العباد على ما أراد من أمر, أو نهي، أو يقهر خلقه على الموت, والنشور؛ وقيل: هو العالي فوق خلقه.

والجبّار من الناس: الذي يجبر نفسه بنقيصته, بادّعاء منزلة من التعالي, الذي لا يستحقّها، أو يجبر غيره على ما يريد, على نحو العلوّ, والتكبّر, والقهر، ولأجل هذا يتصوّر القهر بالعلو على الأقران، فهي صفة مذمومة، قال تعالى: وخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ[5], وقال تعالى حاكيا عن عيسى بن مريم: ولَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا[6]، وقال تعالى: إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِين[7] .وإذا أطلقت عليه عزّ اسمه, كان حقيقة, وصفة كمال، لأنّه استحقّ كلّ علو, وكبرياء، فيجبر خلقه بضروب من التدبير, والحكمة المتعالية، فهي صفة ذمّ, ومدح, فالمتكبّر, والمتعال, مدح للخالق, وذمّ للمخلوق، لأنّها تنبّئ عن نقص فيه، بخلاف الخالق جلّت عظمته.

والجبّار صفة مبالغة، وقال الفرّاء: لم أسمع (فعّال) من أفعل إلّا في موضعين: جبّار من أجبر، ودرّاك من أدرك.

وفي قوله تعالى: قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ[8], اختلفوا في المراد من هؤلاء الجبّارين، وذكروا أمورًا فيهم لا تنطبق على القواعد, والسنن الطبيعيّة، فتكون أقرب إلى الخرافات منها إلى الحقيقة والواقع, والمفاد من سياق الآية الشريفة, أنّهم أناس أولوا بطش, وقوّة, قد سكنوا الأرض المقدّسة.

[1] شرح نهج البلاغة – ج 19 – ص 135

[2] الكافي – ج 1 – ص 160, كتاب: التوحيد, باب:الاستطاعة,حديث:13.

[3] مفردات غريب القرآن – ص 85 (جبر)

[4] الحشر: 23

[5] إبراهيم: 15

[6] مريم: 32

[7] ‏ القصص: 19

[8] المائدة : 22

ج ب ي

مادّة (جبي) تدل على الجمع، يقال: جبيت الخراج جباية: إذا جمعته، قال تعالى: أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ[1]، ويقال: جبيت الماء في الحوض: إذا جمعته، ومنه: الجابية, أي: الحوض الجامع للماء، وجمعها (جواب)؛ قال تعالى: وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ[2]. واجتباء الله تعالى: اصطفاؤه لموهبة إلهيّة خاصّة، وفيض مقدس لمزيّة معينة فيه, من دون أن يكون له سعي في تحصيلها، وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في اثني عشر موضعًا، متعلقها الهداية، والأنبياء, إلّا موضعًا واحدًا، فيفاد أهمية هذه الكلمة في تعيين الهداة المهديِّين (سلام الله عليهم أجمعين).

[1] القصص : 57

[2] سبأ : 13

ج ح د

الجحد: نفي ما في القلب ثباته, أو بالعكس, يتعدّى بنفسه أو بالباء, قال  تعالى : وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ[1].

[1] الأنعام : 33

ج ح م

الجَحيم: اسم من أسماء النار, وهي النار إذا اضطرمت وشب وقودها, والجحمة: شدّة تأجّج النار، والجَحيم: اسم لدرك من دركات النار, قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ[1]., وقد أعدّها اللّه تعالى في الآخرة للغاوين قال تعالى: وبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ[2].

[1] المائدة: 10

[2] الشعراء: 81 .

ج ر ح

الجرح: يطلق على الأعمال, والكسب بالجوارح, ولم ترد هذه المادّة في القرآن الكريم إلّا في موضعين:

أحدهما: قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ[1]. والآخر: قوله تعالى: أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[2], ويطلق على الخير والشر, ولعل استعماله في الشرّ في آية الجاثية من أجل صيغة الاستفعال, فلا وجه لما يقال بأنّه يختصّ بالشرّ.

[1] الأنعام : 60

[2] الجاثية : 21

ج ر م

مادّة (جرم) تدلّ على القطع، يقال: جرَم يجرُم جرما إذا قطع، وفي الحديث:  “لا تذهب مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف، يريد تجرم ذلك القرن”[1], أي: انقضاؤه, وانصرامه؛ وأصله من الجرم، أي: القطع. ومنه الحمل على شي‏ء، يقال: جرمني كذا على بغضك، أي: حملني عليه، قال الشاعر:

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة

جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا[2]

فإنّ في الحمل على شي‏ء قطعًا عن غيره، قال تعالى: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ[3], ومنه جرم بمعنى: كسب, لانقطاعه إلى الكسب، يقال: فلان جريمة أهله، أي: كاسبهم، وأجرم فلان، أي: اكتسب الإثم، وجرم بمعنى: حقّ, لأنّ الحقّ يقطع عليه، قال تعالى: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ[4], أي: حقّ لهم العذاب, وقطع عليه، ومنه الجريمة: للمعصية, لأنّها مقطوعة على صاحبها, فيحتمل وبالها، وفي الحديث: “أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شي‏ء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته”.[5]

ويفترق الجرم عن الكسب, أنّ الأوّل يستعمل غالبًا في كسب ما لا خير فيه, بخلاف الكسب، ولعلّه هو السبب في إيثاره في قوله تعالى: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ[6]، ولكنّهما يتّفقان في التعدّي إلى مفعول واحد, وإلى اثنين، يقال: جرم ذنبًا، نحو: كسبه، وجرّمته ذنبًا، نحو: كسّبته إيّاه، وقد يتعدّى إلى مفعولين بالهمزة، نحو: أكسبته ذنبا.

والفرق بين الذنب, والجرم, بالاعتبار، لأنه يقطع ارتباط صاحبه باللّه تعالى، فكلّ مجرم مذنب, وكذا العكس.

[1] النهاية في غريب الحديث: ج 1, 362 (جرم)

[2] البيت من شواهد سيبويه, ينظر: خزانة الأدب 10/305

[3] المائدة : 2

[4] النحل 62

[5] النهاية في غريب الحديث: ج 1, 362 (جرم)

[6] المائدة : 2

ج ع ل

الجعل: الإيجاد، والخلق، والتقدير، وقد استعمل هذا اللفظ في القرآن الكريم في ما يربو على مائة وخمسين موردًا، مجرّدًا تارة، نحو قوله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ[1], ومضافًا إلى ضمير الخطاب، أو الغيبة, أو غيرهما أخرى, نحو قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً[2]، وقوله تعالى: ولَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِنًا[3], وفي الجميع يدلّ على عظمة الجاعل, وجلاله, وكبريائه.

ويستعمل الجعل في موارد شتى, منها:

الخلق, والتكوين: نحو قوله تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّور[4]، وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً[5], وقوله تعالى: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ[6] ، وقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ[7].

والتشريع: قال تعالى:  وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ[8]، وقال تعالى: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً[9]، وغيرهما من الآيات المباركة.

والحقّ, قال تعالى: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا[10].

والباطل: قال تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ[11]، وقال تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ[12].

وفي قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[13], المراد به: الجعل التشريعي، نظير قوله تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً[14]، وقوله تعالى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ[15]، وقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا[16]

والجعل التكويني: ما ليس لاختيار المخلوق دخل فيه, بخلاف التشريعي فإنه في مورد اختيار المخلوق، ويصحّ كل منهما بالنسبة إلى اللّه تعالى, وبالنسبة إلى الإنسان، فالفعل الاختياري الصادر منه نحو: القيام, والقعود, جعل تكويني؛ وأمره غيره بشي‏ء, ونهيه عنه, جعل تشريعي.

وفي قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ[17], الجعل تشريفي تعظيمي، وهو ما يقتضيه كلّ جعل يتعلق بالشاهد الأمين.

وفي قوله تعالى: وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ[18]، الجعل تكويني، أي مسخ بعضهم قردة، وخنازير، بحسب اختلاف فسقهم، وذنوبهم الشنيعة، وهم أصحاب السبت، قال تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ[19].

[1] المائدة: 97

[2] المائدة: 48

[3] الفرقان: 45

[4] الأنعام: 1

[5] يونس: 5

[6] النحل: 78

[7] الأنبياء: 30

[8] البقرة: 143

[9] يونس: 87

[10] يوسف: 100

[11] الرعد: 33

[12] النحل: 57

[13] البقرة : 124

[14] ص: 26

[15] الأنبياء: 73

[16] السجدة: 35

[17] البقرة : 143

[18] المائدة : 60

[19] البقرة : 65

ج م ع

الجمع في قوله تعالى:  اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثا[1] بمعنى: الحشر, ولذا عدّي بـــ (إلى)، كما عدّي الحشر بها، قال تعالى: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ[2]، وقيل: إنّ (إلى) بمعنى (في)، أي: ليجمعنكم في يوم القيامة.

[1] النساء : 87

[2] آل عمران: 158

ج ن ب

الجُنُب: من الجنابة، ضدّ القرابة، أي: الأجنبي، وفي قوله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[1] الْجَارِ الْجُنُبِ: الجار البعيد دارًا، وذكر بعض المفسّرين أنّ المراد بالأولى: الجار ذي القربى، يعني: الّذي بينك, وبينه قرابة، والجار الجنب، يعني: الذي ليس بينك وبينه قرابة، ويكون التكرار لذي القربى, لامتيازه بحقّ الجوار أيضا؛ ولكنّ ظاهر الآية المباركة يدفع ذلك، ويشهد لما ذكرناه ما روي عن نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) في تحديد الجوار بأربعين ذراعا, أو أربعين دارّا، ويمكن أن يكون الاختلاف للإشارة إلى الجار القريب, والجار الجنب، وإن كان تحديدًا للجوار، إلّا أنّه يرجع فيه إلى العرف.

والجُنُب في قوله تعالى:  وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [2]: من أصابته الجنابة، ولها سببان:

أحدهما: ما ذكره عزّ وجلّ, في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا[3], فــــ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء: كناية عمّا يستقبح ذكره، أي: الوقاع, والجماع، بلا فرق بين خروج المني, وعدمه، فإنّ الموجب هو الدخول.

والآخر: خروج المني في اليقظة, أو المنام، وهو ما دلّت عليه السنّة الشريفة.

والجُنُب: مصدر استعمل بمعنى الوصف، ويقع على الواحد، والاثنين, والجمع، والمذكّر, والمؤنّث، كما يقال: رجل عدل، وامرأة عدل, وقوم عدل.

والاجتناب: الابتعاد عن الشي‏ء, وملازمة تركه، فهو أبلغ من الترك, لأنّه ملحوظ فيه النفور, والاشمئزاز، وهو مأخوذ من الجنب الّذي هو الجارحة؛ وإنّما بني عنه الفعل على سبيل الاستعارة، فإنّ الإنسان إذا أعرض عن شي‏ء تركه جانبًا.

وقد وردت كلمة (الاجتناب) في القرآن الكريم في أربعة عشر موضعًا, كلّها تدلّ على أهميّة المنهيّ عنه, نحو الطاغوت، قال تعالى: ولَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [4].

والرجس، قال تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ[5]، وقول الزور، قال تعالى: واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور[6]؛ وعبادة الأصنام، قال تعالى: واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ[7]؛ والنّار، قال تعالى: وسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى[8]؛ وسوء الظنّ، قال تعالى: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ[9].

والاجتناب مرّة يحصل بالنسبة إلى الشي‏ء قصدًا, وفعلًا, دائمًا من أوّل التمييز إلى حين الموت.

وثانية: بالنسبة إلى القصد فقط, دون العمل، بأن يقصد الاجتناب عن الكبائر مطلقًا، ولكن يتّفق صدور بعضها عنه غفلة.

وثالثة: يكون اجتنابًا عرفيًّا، فيصدق على الشخص أنّه مجتنب عرفًا، فيكون له, وللارتكاب, مراتب متفاوتة.

وفي قوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيما[10], مقتضى القواعد الشرعيّة, الموافق لسعة رحمته تبارك وتعالى, ترجيح الأخير، ولكنّ مقتضى الجمود على ظاهر اللفظ, هو الثاني.

[1] النساء : 36

[2] المائدة: 6

[3] النساء: 43

[4]  النحل: 36

[5] الحج: 30

[6] الحجر: 30

[7] إبراهيم: 35

[8]  الليل: 17

[9] الحجرات: 12

[10] النساء : 31

ج ن ح

مادّة (ج ن ح) تستعمل في الإثم المائل عن الحق، واستعير لفظ الجناح المأخوذ من جناح الطير لكلّ إثم.

ورد لفظ (جُناح) في القرآن الكريم في أكثر من عشرين موردًا منفيّا بـ (ليس)، أو لا، ولكن لم يرد مثبتًا فيه, وإن ورد بهيآته الأخرى، مثل قوله تعالى: وإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها[1], وفي قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ[2], والمراد به: نفي الحرج, والإثم، أي: لا بأس في ابتغاء الفضل من ربّكم، والمراد من ابتغاء الفضل: طلب الرزق بالكسب, والتجارة.

وفي قوله تعالى : وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ[3], توصيف الطير بقوله يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إمّا لأجل كون هذه الهيأة الغريبة دالّة على كمال القوّة, والقدرة, فإن الهواء جسم لطيف لا يمكن عادة تصرّف الأجرام الكثيفة فيها إلّا بباهر القدرة الإلهيّة, ولذلك قال تعالى : أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء[4], أو لدفع شبهة التجوّز, فإن الطيران قد يستعمل بمعنى: سرعة الحركة, مقابل الدبيب الذي هو الحركة الخفيفة, فإنه ربّما يُحتمل أن يراد بالطيران في المقام: الحركة السريعة, فدفع ذلك بالوصف, أو لتنويع الحيوان إلى الأرضي, والسماويّ الذي يطير في جو السماء.

[1] الأنفال: 1

[2] البقرة : 198

[3] الأنعام : 38

[4] النحل : 79

ج ن د

الجنود: جمع جند وهو: بمعنى المجتمع القويّ من كلّ شي‏ء، وسمّي العسكر به, لتزاحم الأفراد فيه, وقوّتهم, وفي قوله تعالى: فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ[1], في الكلمة دلالة على كثرة عددهم.

[1] البقرة: 249

ج ن ف

الجَنَف: الانحراف, والميل من الاستواء, والاستقامة, إلى الخلاف، أو الميل عن الحقّ إلى الباطل, فيشمل الظلم في الحكم، ولم تستعمل هذه المادّة في القرآن الكريم إلّا في موردين:

أحدهما: قوله تعالى: فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[1].

والآخر: قوله تعالى: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ[2]؛ وفي الحديث: “إنّا نردّ من جنف الظالم, مثلما نرد من جنف الموصي”[3].

ومن مقابلة الجنف والإثم, يُفاد أنّ الميل عن الحق إلى الباطل, قسمان: قسم فيه إثم، وهو: ما إذا كان الميل عن تقصير, وقسم آخر لا إثم فيه، وهو: ما إذا كان ذلك عن قصور، نحو الجهل.

[1] البقرة : 182

[2] المائدة: 3

[3] النهاية في غريب الحديث 1 / 307 (جنف)

ج ن ن

مادّة (ج ن ن) تدلّ على الستر، قال الراغب: أصل الجَنّ، بالفتح: الستر عن الحاسّة، يُقال: جَنّه اللّيل, وأجنّه، وأجنّ عليه، ومنه الِجنّة بالكسر، والجُنّة بالضمّ، وهي الترس الذي يُستر به.

وفي قوله تعالى : فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ[1], جن الليل, أي: ستره بظلامه، وهو لايحصل بمجرّد غروب الشمس.

والجَنّة: البستان الكثير الشجر، لأنّها تجنّه أي: تستره, من ذلك قوله تعالى: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ.[2]

وفي قوله تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ[3], اختلفت آراء العلماء, والمفسّرين, في جنة آدم (عليه السلام)، وعمدة الأقوال ثلاثة:

الأوّل: أنّها جنّة الخلد, التي أعدّها اللّه للمؤمنين في الآخرة, واستدلّوا بأنّها ذُكرت في الآيات السابقة، وبظواهر بعض الأخبار؛ وهذا القول ممتنع، لأنّه من قبيل تقديم المعلول على العلّة، لأنّ نعيم الجنة، وعذاب الجحيم, إنّما يحصلان بالعمل,  وهو ظاهر الآيات, والأحاديث، بل إنّ الجنّة, والنار, قيعان محض, وإنّما تعمران بالأعمال, ولم يصدر من آدم (عليه السّلام), وحواء, عمل بعد حتّى تكون لهما جنة الآخرة؛ ومجرد الإطلاق لا يكفي في الانطباق على جنة الخلد, ما لم تكن قرينة على الخلاف.

الثاني: أنّها من جنان البرزخ, وادّعي الكشف, لإثباته, بل عن بعض من يدّعيه أنّه دخلها, ولم يزل يدخلها؛ وهذا باطل لأنّ دعوى الكشف لا تستقيم إلّا بأمرين:

أحدهما: كون من يدعيه كاملًا, من حيث العلم بالفلسفة الإلهيّة، والعمل بالأحكام الشرعيّة.

والآخر: ورود تقرير من الشرع لما كشف.

وكلّ ذلك ممنوع في من يدّعي الكشف في المقام؛ نعم لا ريب في وجود أصل عالم البرزخ بنصوص متواترة.

الثالث: أنّها جنّة من جنان الدنيا, خلقها اللّه تعالى لإسكان آدم (عليه السّلام), وحواء؛ وهذا هو المتعيّن, بل المنصوص عليه في الجملة.

وقد أيّد هذا القول بأمور:

الأوّل: أنّها لو كانت جنّة الخلد, لما وقع فيها تكليف، لأنّها دار النعيم, والراحة, لا دار التكليف.

الثاني: أنّها لو كانت جنة الخلد, لما خرج منها آدم (عليه السّلام), وحواء, لفرض أنّها دار الخلد.

الثالث: أنّ الجنّة الموعود بها لا يدخلها إلّا المؤمنون, المتّقون, فكيف يدخلها إبليس؟!

الرابع: أنّها لو كانت جنّة الخلد, كيف يقول الشيطان لآدم (عليه السّلام):هَلْ أَدُلُّكَ عَلى‏ شَجَرَةِ الْخُلْدِ ومُلْكٍ لا يَبْلى[4]، فإنّه ليس له أن يقول ذلك.

ولكن يمكن المناقشة في هذه الأمور, بأنّ ذلك كلّه صحيح, إذا كان المراد من جنّة الخلد هي التي أُعّدت للمتقين بعد الحشر, والنشر, والفراغ من الحساب؛ وأمّا قبل وقوع ذلك, وكون المورد من مادّة الجنّة فقط, فلا دليل على امتناع ما ذكروه من عقل, أو نقل، فيكون نظير ما رواه الفريقان عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة؛ ومنبري على ترعة من ترع الجنّة”[5]، على الرغم من أنّه يحضر في تلك الروضة المقدسة البر, والفاجر.

وكيف كان فالجنّة هي من جنان الدنيا, أعدها اللّه تعالى لآدم (عليه السّلام), وحواء, إجلًالا لهما, ولاحتياجهما إلى الغذاء, والراحة، ويرشد الى ذلك أنّ آدم (عليه السّلام), خُلِق من الأرض, وفي الأرض, وللأرض، وقد سخّر اللّه تعالى له الأرض, والسماء, بعد تعليمه الأسماء كلّها, وجعله خليفة فيها. نعم, وقع الكلام في محل هذه الجنّة.

ويمكن أن يكون المراد من جنة الخلد ما ذكرناه، ومن جنة البرزخ ما ذكره الفلاسفة: من أن لجميع الموجودات نحو وجود برزخيّ في مقابل سائر أنحاء وجودها, قد يظهر ذلك لأهله، كما يظهر جملة من الموجودات في عالم النوم للنائم.

والجِنّ إذا أطلق يراد به: المقابل للإنس المعروف عندهم، إلّا إذا قام دليل على إرادة كلّ مستتر نحو: الملائكة, وغيرها.

وفي قوله تعالى : وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ[6], المعشر: الجماعة أمرهم واحد، وقال الطبرسي: الجماعة التامّة من القوم التي تشمل على أصناف الطوائف، ومنه العشرة, لأنّها تمام العقد. ويؤيده ما ذكر الراغب في ” مفرداته “، ولذلك سمّي الجن والإنس معشرًا، أو باعتبار كونهم جماعة من عقلاء الخلق، ويؤكّد ذلك أنّه ذكر لفظ المعشر مع الجن دون الإنس, لأنّ الإغواء كثيرا ما يقتضي التظاهر, والتعاون، وفي المعشر نوع إيماء فيه.

[1] الأنعام : 76

[2] البقرة: 265

[3] البقرة : 35

[4]  طه: 120

[5] معاني الأخبار: 267

[6] الأنعام : 128

ج ه د

الجهاد, والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو، وهو على أقسام: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس الأمّارة، وقد يعبّر عن الأخيرة بالجهاد الأكبر، فعن أبي عبد الله  (عليه السلام) أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بعث بسريّة  فلما رجعوا قال: مرحبًا بقوم قضوا الجهاد الأصغر, وبقي الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر ؟ قال: جهاد النفس”[1].

ويتحقّق الجهاد باليد, واللسان، فعن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) “جاهدوا الكفار بأيديكم, وألسنتكم”[2].

والجهاد بمعناه العام, أي: استفراغ الوسع في دفع الموانع عن الوصول إلى المقصود, من أعظم ما بني عليه نظام التكوين, ومن أهم أركان النظام الأحسن، فلو فرض عدم الجهاد, والمجاهدة, والمصابرة, في سبيل المرام, لاختلّ النظام, وبطل الاستكمال بين الأنام مطلقًا, ولا يختصّ ذلك بالإنسان, بل يعمّ الحيوان أيضًا؛ فالوصول إلى المقامات العالية: دنيويّة كانت, أو أخرويّة, لا يكون إلّا بالمجاهدة، وقوله تعالى: وأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏ * وأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى‏[3]، وقوله تعالى:  والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا[4]، شرح لحقيقة ما عليه نظام العالم, وبيان لواقع مصير بني آدم في النشأتين، ومرآة لما هو عليه في الحالتين، هذا في سلسلة الاستكمالات الاختياريّة، وهكذا بالنسبة إلى سلسلة الاستكمالات التكوينيّة غير الاختياريّة, التي لا تتمّ إلّا بالجهد الأكيد, الشديد, ولذا سمّي هذا العالم بعالم التغيّر, والكون, والفساد، فالجهاد, والمجاهدة, داخلان في السلسلتين، ومصيرهما إلى اللّه تعالى: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ[5], ومبدؤهما هو اللّه عزّ, وجل .

[1] الكافي – ج 5 – ص 12, كتاب: الجهاد , باب: وجوه الجهاد , الحديث 3  .

[2] بحار الأنوار  – ج 65 – ص 370 , الباب السابع والعشرون: دعائم الاسلام والايمان وشعبهما , الحديث 2.

[3]النجم: 39 ــ40

[4] العنكبوت: 69

[5] الشورى: 53

ج ه ر

مادّة (ج ه ر) تدلّ على الظهور, والبروز, بوضوح؛ وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في ما يقرب من ستة عشر موضعًا، استعملت جميعها في هذا العالم, وليس لها حظّ في الآخرة، ومتعلّقها إمّا حاسة البصر، نحو: قوله تعالى حاكيًا عن اليهود لموسى (عليه السّلام):  لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً[1] ، وأكّد بالجهر للفرق بين رؤية العيان, وغيرها. وقوله تعالى حاكيا عن أهل الكتاب: فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً[2].

أو حاسة السمع, نحو قوله تعالى: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ ومَنْ جَهَرَ بِهِ[3]، وقوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِه[4]، ولعلّ أشدّها ما ورد في قصة نوح (عليه السّلام)، قال تعالى حاكيا عنه: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرارا[5]. ويفاد منه: أنّ الإعلان خلاف الإسرار، فيكون الإجهار خلاف الإخفات، وقد يستعمل خلاف الإسرار أيضًا.

[1]  البقرة: 55

[2]  النساء: 153

[3] الرعد: 10

[4] الإسراء: 110

[5]  نوح: 8 ـــــــ 9

ج ه ل

الجهل: تارة يطلق على ما يقابل العقل، وأخرى: على فعل ما لا ينبغي فعله إلّا من الصغير, وبعض مراتب الشبّان، ومنه: قوله تعالى: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ[1], وهو ملازم للمعنى الأوّل.

ويمكن أن يستدلّ بقوله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ[2], على عصمة الأنبياء, لأنّ الاستهزاء, والسخرية, قبيحان, لا ينبغي صدورهما منهم, ولاسيّما إذا كانا في مورد أحكام اللّه تعالى.

والجهالة: من الجهل مقابل العلم, والمراد بها في قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا[3]: إمّا عدم العلم بالموضوع, أو الحكم, أو هما معًا، قصورًا, أو تقصيرًا، وفي كلّ ذلك لا يتحقّق العصيان حتى يتحقّق موضوع التوبة، لأنّ مقتضى ما هو المتواتر بين المسلمين عن نبيّنا الأعظم (صلى اللّه عليه وآله): “رُفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يعلمون … .”[4], عموم الحكم لجميع أفراد عدم العلم, إلّا أن يُدّعى الانصراف عن مورد التقصير، وهو ما ورد عن جمع من العلماء من تحقق العصيان في الجهل التقصيريّ, وهو مقتضى ظاهر بعض الأخبار أيضًا, فلا تكون الجهالة في المقام بهذا المعنى, بلا إشكال.

أو المراد بالجهالة: فعل كلّ ما لا ينبغي صدوره عن العاقل المتوجّه إلى نفسه, والعارف ببصيرته ما فيه صلاحه, وما يسوؤه, نحو: قوله تعالى حكاية عن يوسف (عليه السلام): قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ[5], فما يصدر حينئذ عن الفرد, إنّما يكون من داع نفسانيّ غالب على ما تقتضيه القوّة العاقلة, فيكون مغلوبًا لنفس أمّارة, وداعية شهويّة, أو غضبيّة، وغواية الشيطان, الّذي يمنّي الإنسان بالسوء, وحبّ العاجل, والتغاضي عن الجزاء، فإنّ جميع ذلك, يوجب الغفلة, والوقوع في الجهالة, فيغفل عن وجه قبح الفعل, وذمّه, على الرغم من كون الفاعل إنّما يفعل عن علم, وإرادة, وعلى هذا تكون الجهالة قيدًا توضيحيًّا لكلّ معصية, تصدر عن الهوى, وغلبة الشهوة, والغضب, فتكون صادرة عن الجهالة، ولذا لو سكنت ثائرة الغضب, وخمد لهيب الشهوة, ورأى جزاء عمله, لعاد إلى العلم, وزالت الجهالة, وندم على فعله, وممّا ذكرنا يظهر السرّ في قوله (صلى اللّه عليه وآله): “كفى بالندم توبة”[6].

وفي قوله تعالى : وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[7], أي: عمل ذنبًا من غير جحود, واستكبار عليه,  عزّ اسمه, وإلّا فلا تقبل توبته, وإن كان صادرًا عن جهالة, ولكنّها جهالة الضلالة, والجحود, وفي غير هذه الحالة تقبل توبته.

وذكر المفسرون وجوها في المراد من الجهالة, هي:

الأوّل: من عمل ذنبا جاهلًا بحقيقة مايتبعه من الآثار السيّئة, والمضار .

الثاني: متلبسًا بفعل الجهلة .

الثالث: إن كان من فعل سوءًا مع العلم بحكمه, وما يؤدي إليه من الضرر, إنّما هو من أفعال السفه, والجهل, لا من أهل الحكمة, والتدبّر.

الرابع: أنّ عمل السوء لاينفكّ عن الجهل: حقيقة, أوحكمًا .

والأوفق بالقواعد هو الأخير, وعلى كل حال, فلا يشمل ما يصدر عن الجاهلين المستكبرين عليه عزّ, وجلّ.

والجهل قد يقابل الحلم, ولا يصار اليه إلّا بعد عدم إمكان إرادة معنى مقابلة العلم, نحو: قوله تعالى : وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ[8] , إذ ذكر جمهور المفسّرين أنّه بمعنى: الحُلم, أي: فلا تكن حريصًا على إسلامهم, لأنّ الجزع في مواطن  الصبر ممّا يوجب القرب الى الجاهلين, والميل الى النزول الى مقترحاتهم, وهم جاهلون بدقائق شؤون أفعاله عزّ, وجلّ، والسنن التي اقتضتها الحكمة الالهيّة.

[1] يوسف: 89

[2]  البقرة : 67

[3] النساء : 17

[4] الخصال: 417

[5] يوسف: 89

[6] التوحيد : 408

[7] الأنعام : 54

[8] الأنعام : 35

ج و ب

مادّة (ج و ب) تأتي بمعنى: القطع، ولها استعمالات كثيرة في القرآن بهيآت مختلفة، والجواب يطلق غالبًا في مقابل السؤال. والسؤال إن كان لطلب المقال, فجوابه المقال، ومنه قوله تعالى: أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ[1].

وإن كان لطلب المنال, فجوابه المنال؛ ومنه قوله تعالى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما[2], أي: أعطيتما سؤلكما.

والاستجابة: التحرّي, والتهيّؤ للجواب، يعبّر بهما عن الإجابة, لعدم الانفكاك بينهما غالبًا, ولاسيّما بالنسبة إلى الغنيّ المطلق, والرحيم بعباده في جميع العوالم، فهذه المفاهيم الثلاثة: الدعاء، والإجابة، والاستجابة، من المفاهيم الإضافيّة, بالنسبة إليه عزّ وجل، قال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[3]، وقال تعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ[4]، وقال تعالى: لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى‏[5].

وفي قوله تعالى : إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ[6], الاستجابة بمعنى: الإجابة, فإن صيغة الاستفعال تأتي كثيرا بمعنى: أفعل, نحو: استخلص بمعنى: أخلص, واستوقد بمعنى: أوقد.

وقيل : إنها تدلّ على قبول, قال الراغب, والاستجابة قيل: هي الإجابة, وحقيقتها هي التحرّي للجواب, والتهيّؤ له, لكن عبّر به عن الإجابة لقلّة انفكاكها منها .

وما ذكره من دقائق ما أفاده من موارد استعمالات الصيغتين: الاستجابة, والإجابة في القرآن الكريم؛ فإن الأخيرة إنّما تستعمل فيما إذا  كان السؤال بالقوّة, والاستعداد له, نحو قوله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ[7], فإنّه نزل بعد استعداد المسلمين للخروج الى غزوة حمراء الأسد بعد غزوة أحد؛ وأمّا استجابة الله تعالى, فإنّها لأجل الأمور التي تحصل بالتدريج في المستقبل, نحو: استجابة الدعاء للمغفرة, والوقاية من النار, وما وعده الله سبحانه للمؤمنين في الآخرة, نحو: قوله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ[8], واستجابته تعالى لأيوب, وزكريا, وذي النون في سورة الأنبياء .

وأمّا إجابته عزّ, وجلّ لموسى, وهارون (عليهما السلام)  الّتي أخبر بها فقال: قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ[9], فإنّه يرجع الى القبول بالفعل إكرامًا, وبشارةً لهما؛ وهو ما ترشد إليه صيغة الماضي إيذانًا بتحقّق موضوعها في المستقبل, فهذا هو الفرق بين هاتين الصيغتين, وممّا ذكرنا يظهر أنّ القول بأنّ الاستجابة بمعنى: القبول, خال من التحقيق, فإنّ الإجابة تدلّ أيضا على القبول, وإنّما الفرق ما ذكرناه, وهو يرجع إلى أسرار البلاغة التي تضمّنها القرآن الكريم, الّتي جعلته من المعجزة الإلهيّة.

[1] الأحقاف: 31

[2] يونس: 89

[3] غافر: 60

[4] آل عمران: 172

[5] الرعد: 8

[6] الأنعام : 36

[7] آل عمران : 172

[8] آل عمران : 195

[9] يونس : 89

ج ا ل و ت

في قوله تعالى: فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ [1], جالوت: هو القائد الفلسطيني المشرك الّذي أذلّ اليهود, وأخرجهم من ديارهم.

[1] البقرة : 251

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"