مادة (ب ء س) من المواد المستعملة في الذمّ بجميع هيآتها: اسمًا، وفعلًا، نحو: قوله تعالى: وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[1].
وفي قوله تعالى : وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ [2]، البأس: الشدّة، نحو: الحرب، والفتنة، والقتل.
[1] البقرة: 126
[2] الأنعام : 65
مادة (ب ت ك) تدلّ على القطع، والفصل، والشقّ، ويقاربها مادّة (ب ت ت) الّتي تأتي بمعنى: الفصل، والقطع أيضًا، إلّا أنّ البتك تستعمل في الأعضاء، والشعر، والريش، يقال: بتكت الشعر، أي: تناولت بِتكة (بالكسر) منه، أي: القطعة المتّخذة منه، ومنها: سيف باتك، أي: قاطع، ولم ترد هذه المادّة في القرآن الكريم إلّا في قوله تعالى: وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ[1]، والمراد به: قطع آذان من أصلها، أو شقّها، وهو إشارة إلى ما كانت تفعله الجاهليّة من شقّ، أو قطع آذان الأنعام، إذا ولدت خمسة أبطن، وجاء الخامس ذكرًا، وحرّموا على أنفسهم الانتفاع بها.
[1] النساء: 119
البث: النشر، والتفرّق بالإثارة، والسعة، قال تعالى: وأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ[1]، ووصف تعالى الناس في يوم الحشر بأنّهم كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ[2]، وقال تعالى حكاية عن يعقوب:ِ إنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلَى اللَّهِ[3]، فإنّ الحزن بنفسه مبثوث، يظهره الإنسان عند القادر على كشفه، ورفعه.
[1] لقمان: 10
[2] القارعة: 4
[3] يوسف: 86
البحر: الاتّساع، والانبساط، ومنه سمّي البحر بحرًا، وهو من الموضوعات الإضافيّة، التشكيكيّة، فالبحر المحيط بالدنيا بحر، ودجلة، والفرات، بحران، بالنسبة إلى السواقي، والمراد به في قوله تعالى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْر[1]: البحر الأحمر.
[1] البقرة: 50
البخل: في قوله تعالى: وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[1]: الامتناع عن أداء ما فرضه اللّه تعالى على الإنسان، وهو يرجع إلى لؤم النفس، وشقائها، والسبب في ذلك هو الاستكبار، والعجب بالنفس، فكانت النتيجة أنّهم بخلوا بما آتاهم اللّه من الفضل، ولم يبذلوه في الموارد التي قرّرها اللّه عزّ وجلّ، وأوصى العباد بالإنفاق فيها، واكتساب الفضل منها.
[1] آل عمران: 180
البدار: المسارعة إلى الشيء، قال تعالى: ولا تَأْكُلُوها إِسْرافًا وبِدارًا أَنْ يَكْبَرُوا[1].
[1] النساء: 6
البديع معناه كلفظه، مما يجلب الأنظار إن كان من صنع المخلوق، فكيف إذا كان من صنع الخالق، فإنّه ممّا تتحيّر فيه العقول، والأفكار، وقد ذكر في القرآن المجيد مقرونًا بالسماوات والأرض، وهو أخصّ من الخلق، والإيجاد، والتكوين، فهو: إنشاء الشيء بلا مادّة، ولا زمان، ولا آلة، ولا اقتداء بالمثل، والنظير، وهو من الأمور الإضافيّة التشكيكيّة، وعلى مراتب، ولكن فيه سبحانه على أتمّها، وأعلاها. قال تعالى : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [1].
[1] الأنعام : 101
التبديل: التغيير، سواء كان في أصل المادة، أو في الهيأة، أو في بعض جهاتهما؛ وسواء كان في الاعتقاد، أو في اللفظ، أو فيهما معا.
والتبدّل: جعل شيء مكان الآخر، وفي قوله تعالى: ولا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ[1]، أي: لا تبدّلوا الرديّ من أموالكم، بالطيّب من أموال اليتامى، أو لا تأكلوا أموال اليتامى، فهي الخبيث، أي الحرام، بدلًا عمّا طيّب اللّه لكم من أموالكم، أي الحلال.
والاستبدال: طلب شيء بدلًا من آخر. وفي قوله تعالى: قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُو أَدْنى بِالَّذِي هُو خَيْرٌ[2]، أي: أتستبدلون الّذي هو خسيس، بالمنّ، والسلوى، الّذي هو خير منه؟! واستبدالهم الدنيء بالخيّر، واضح؛ لأنّ المنّ، والسلوى، ينزلان عليهم من عالم الغيب، من غير تعب، وعناء، وجميع ما سألوه إنّما كان يخرج من الأرض، بالتعب، والمشقّة، وبذل الجهد، حتّى يتغذّوا به؛ وأنّهما كانا أطيب، وألذّ، ممّا سألوه.
[1] النساء: 2
[2] البقرة: 61
البارئ: مثل الخالق لفظًا، ومعنًى، لكنّه أخصّ من الثاني من جهات ثلاث:
الأولى: اختصاصه بالإطلاق على اللّه عزّ، وجلّ، ولا يطلق على غيره إلّا بالعناية.
الثانية: اختصاصه في كون متعلّقه الحيوان، يقال: خالق الخلق، وبارئ النسمات.
الثالثة: اختصاص مورده بالأمور الدقيقة، التي لا يحيط بها إلّا علّام الغيوب؛ فهو أخصّ من الخالق، والمصوّر، قال تعالى: هُو اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[1].
والبارئ: من الأسماء الحسنى؛ والتعبير به في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ[2]، إشارة إلى نهاية جهلهم، إذ اختاروا عبادة الحيوان المعروف بالغباوة، في مقابل من هو بارئ لذاته، ومن ذاته.
[1] الحشر: 24
[2] البقرة: 54
التبرّج: الظهور، ومنه: تبرّجت المرأة: إذا أظهرت محاسنها، ومنه بروج النجوم، لمنازلها المختصّة بها، قال تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ[1]، أي: الكواكب العظام، سمّيت بها لظهورها، وقال تعالى: ولَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجًا[2]، أي: منازل للشمس، والقمر.
وفي قوله تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوكُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ[3]، المراد منه: البناء المعمول، وهو الحصن. والبروج المشيّدة: القصور المرتفعة الحصينة، الّتي أحكمت، ورفع بناؤها؛ ليأوي إليها الإنسان، لدفع المكروه عنه من عدو، ونحوه؛ وسياق الآية المباركة يأبى أن يراد منها بروج النجوم، فيكون استعمال لفظ (المشيّدة) فيها على سبيل الاستعارة، وتكون الآية للمبالغة.
[1] البروج: 1
[2] الحجر: 16
[3] النساء: 78
البِرّ: هو سعة الخير، ويطلق على كل خير من الإحسان؛ ومنه قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ[1].
[1] البقرة: 44
برز: ظهر، والبَراز: الفضاء من الأرض؛ والظهور من الأمور الإضافيّة، وله مراتب كثيرة، وهو إمّا تكوينيّ، قال تعالى: وتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً[1]، وإمّا اختياريّ، قال تعالى: فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ[2]، ومنه: مبارزة الصفوف للقتال، قال تعالى: قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ[3]، وإمّا تسخيري قال تعالى: وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ[4].
وفي قوله تعالى: وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ[5]، المراد به: الخروج من مجلس الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) منصرفين.
[1] الكهف: 47
[2] النساء: 81
[3] آل عمران: 154
[4] ابراهيم: 48
[5] النساء: 81
الأبرص: الّذي به داء البرص، وهو مرض جلدي معروف، تظهر فيه لمع بياض، ولذا يقال للقمر: أبرص، لبياضه، ومنه: “بتُّ لا يؤنسني إلّا الأبرص”، أي: القمر.
مادّة (برك) تدل على الثبوت، والاستقرار، ويختلف ما اشتقّ منها باختلاف متعلّقه، ومنه: بركة الماء، أي: محبسه، وأبركتِ الدابّةُ، أي: وقفت وقوفًا، والبَرَكة: ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ[1].
والمبارَك: مافيه ذلك الخير، نحو قوله تعالى : وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [2]، فإنّه يفيض منه الخيرات الإلهية، ومنه قوله تعالى: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [3]، أي: موضع الخيرات الإلهية، ومنه قوله تعالى : إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ[4]، وقوله تعالى: وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ[5]، أي: حيث يوجد الخير الإلهي، ومنه: تبارك، الذي يدلّ على اختصاصه سبحانه بالخيرات المذكورة في الآيات الكريمة، نحو قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[6] .
وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم في اثنين وثلاثين موردًا، ولا ريب في أنّ الخير الإلهي لا نهاية له مطلقًا، ويصدر منه عزّ وجلّ من حيث لا يحسّ به الطرف الآخر، فقد استعمل في كل مايشاهد منه زيادة غير محسوسة أيضًا، فيقال: هو مبارك، أو فيه بركة، وإليه يشير قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم): “لاينقص مالٌ من صدقة”[7].
[1] الأعراف: 96
[2] الأنبياء: 50
[3] مريم: 31
[4] الدخان: 3
[5] المؤمنون: 29
[6] الملك: 1
[7] كنز العمّال: 6/575، ح 16983
البزوغ: الطلوع منتشر الضوء، مأخوذ من (بزغ البيطار الدابة): إذا أسال دمها، كما ذكره الراغب، وقال الأزهري: إنّه من الشقّ، كأنّه بنوره يشقّ الظلمة. ومنه: بزغ الناب، أي: ظهر، وبزغ الدم، أي: سال، ولم يرد هذا اللفظ في القران الكريم إلّا في قوله تعالى: فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ[1]، وكأنّ لهذين اللفظين (أفل، وبزغ) اللذين احتجّ بهما إبراهيم (عليه السلام) الدلاله التامّة على نفي ربوبيّة غير الله تعالى.
وإنّما ذكر البزوغ في القمر دون الكوكب، لأنّه بإظلام الليل تظهر الكواكب، فلا يحتاج الى الترقّب حتّى تبزغ، بخلاف القمر، والشمس. أو لأجل التنويع في ذكر التبدّلات، والتحوّلات، والانتقال من حال الى حال، التي هي من لوازم الإمكان، والحدوث، وهما منفيان عن الربّ
[1] الأنعام : 77
البسط: المدّ، ويختلف باختلاف متعلّقه، فإذا استعمل في اليد كان المراد به: البطش بها بالقتل، والإهلاك، قال تعالى: إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ[1] وإذا استعمل في اللسان كان المراد به: الشتم، والسباب، ويستعمل في الشدة واللطف، فإنّ بسط يد الأمير يراد به: إدارة إمارته، والملِك: مملكته، والكريم: جوده، والغني: إحسانه، والمجرم: فساده, وإيذاؤه، نحو قوله تعالى : إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[2]، وفي قصة ابني آدم (عليه السلام) خصّ الإيذاء بأحدهما، قال: لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ[3]، ولعلّ تخصيص اليد بالذكر لكون أكثر الإيذاء العملي يكون بمدّها، أو تشبيهًا بالغريم الملازم الملّح الذي يبسط يده إلى من عليه الحق معنفًا له.
وفي قوله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ[4]، بسط الملائكة أيديهم لقبض أرواح الظالمين، هو ابتداء شروعهم في تعذيبهم، وقد حكاه عزّ وجلّ في موضع آخر : وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ[5] ، أو يحمل على الأعمّ نحو قوله تعالى: أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ [6]، أو يحمل على اختلاف المراتب بحسب حالات الظالمين ومراتب ظلمهم.
[1] المائدة: 11
[2] المائدة: 12
[3] المائدة : 28
[4] الأنعام : 93
[5] الأنفال: 50
[6] الأنعام : 93
مادة (ب س ل ) تدل على الحبس، والمنع بالقهر، ومنه: أسدٌ باسل، لأنّه متمنّع، أو أنّ فريسته لا تفلت منه، والباسل: الشجاع، لامتناعه ممّن قرُبَه، وتختلف بحسب الغايات؛ فمرّة: يكون البسل من أجل الرهن، وثانية: للذنب، والجريرة، وثالثة: من أجل الهلاك، ورابعة: من أجل الكرامة، فيُقال للمحرم: بسل، والفرق بينه، وبين الحرام، أنّ الحرام عامّ، سواء بالحكم، أو بالقهر، والبسل يختصّ بالأخير فقط، يقال: متبسّل الوجه، وهو باسل، من أجل حبس أسارير الوجه، وتقطيبه.
وردت هذه المادة في القرآن الكريم في موضعين، في سورة الأنعام، أحدهما: قوله تعالى: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ[1]، والآخر: قوله تعالى: أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ[2].
[1] الأنعام : 70
[2] الأنعام : 70
بشّر: أخبر بما يظهر أثره في بشرة الوجه، نحو: ما يشاهد في من أخبر بموجب السرور؛ فإنه يظهر أثر الفرح في ظاهر الوجه؛ وفي الإخبار بالشرّ، يظهر الهم، والغم، في ظاهره أيضا. فيصحّ استعمال هذه المادة بحسب واقعها في كلّ من الأخبار بموجب السرور، والغم، من دون مجاز واستعارة؛ نعم، إذا أطلقت اختصّت بما يوجب السرور.
وفي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[1] ولو قيل: باختصاص البشارة بالإخبار بموجب السرور، فيصحّ استعمال البشارة في الغمّ، والحزن أيضا، من باب الوصف بحال المتعلّق، لأن الإخبار يوجب سرور المؤمنين بلا إشكال، ولم يقم دليل على أنّه لا بدّ من أن تكون جميع جهات الإخبار منحصرة في الوصف بحال المخبر عنه فقط، بل الكلام الفصيح ما كان متكفّلا لجهات شتى، ونواح مختلفة من الدلالة، والإفادة، فيكون كالبحر الّذي فيضه عميم، وأمواجه لا تستقيم.
والبشارة: غالب استعمالهما في الإخبار بما يسرّ، وقد تستعمل في غيره تهكّما، نحو: قوله تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[2]، ففي الكلام استعارة تهكّميّة، استعملت فيها (بشّر) موضع (أنذر)، تهكّما بهم.
وعن الفرّاء: إذا ثقّل (بشّر) فمن البشرى، وإذا خفّف (بشر) فمن السرور؛ وفي الحديث “من أحبّ القرآن فليبشر، أي: فليفرح وليسرّ”[3]، وهو كناية عن خلوص الإيمان.
وقيل: إنّ البشارة تستعمل فيما يسرّ، ويسوء، استعمالا حقيقيّا، فلا استعارة حينئذ؛ لأنّ أصلها الإخبار بما يظهر أثره في بشرة الوجه، سواء كان انبساطًا، أو انقباضًا.
والبشير: المخبر بالخير، والنذير: المخبر بما فيه خوف، وكلاهما يتحقق في أنبياء اللّه، وأوليائه، الناطقين عنه سبحانه، المبشّرين بثوابه، والمنذرين بعقابه.
والتبشير: في قوله تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ[4]: الوعد برحمة اللّه، ورضوانه، وجنته.
والاستبشار: في قوله تعالى: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ[5]، هو الخبر السار، الظاهر سروره على البشرة، وهذا الاستبشار أعمّ من الاستبشار بحال أنفسهم، والاستبشار بحال غيرهم، وإنّما حصلت هذه الفضيلة لهم من مجاهداتهم في سبيل اللّه تعالى، والاصطبار عليها.
[1] آل عمران: 21
[2] النساء: 138
[3] النهاية في غريب الحديث 1 / 129، باب: الباء مع الشين.
[4] البقرة: 213
[5] آل عمران: 171
البَصَر: يطلق على الجارحة، وعلى القوة التي فيها، وعلى البصيرة. قال تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [1].
[1] الانعام :103
البصل: معروف، قال تعالى: وقِثَّائِها وفُومِها وعَدَسِها وبَصَلِها[1].
[1] البقرة: 61
البُطء: التأخّر عن الانبعاث في السير، والتبطّي يطلق على البطء، والإبطاء معًا، وفي قوله تعالى: وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا[1] الإتيان بصيغة التشديد لتمكّن عمليّة الإبطاء في نفوسهم، واستحكام هذه الصفة فيها.
[1] النساء: 72
الباطل: الزوال، والفساد، والاضمحلال، وهو: خلاف الحق في جميع أطوار استعمالاته، فإنّ للحق أطوارًا من الظهور، وللباطل أيضا في مقابله كذلك، وهما يشملان الذات، والاعتقاد، والعمل، فيعمّان أعمال الجوارح، والجوانح.
والباطل: معروف بين الناس، والصّراع بينه وبين الحق قديم جدًا، ينتهي إلى ظهورهما من العدم إلى الوجود، فهما متخالفان في المفهوم، والذهن، والخارج، والدنيا، والآخرة
والباطل: الّذي لا واقع له، ولا حقيقة، وإن تخيّل الناس له واقعًا بزعمهم، وفي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ[1]، المراد بالباطل: كلّ ما لم يقرّره الشارع، الّذي هو رأس العقلاء، ورئيسهم، فينطبق على كلّ ما لم يكن فيه غرض عقلائيّ صحيح؛ وإنّما عبّر ــــ عزّ، وجلّ ـــ بالباطل، ليشمل الحكم الوضعيّ، والتكليفيّ، إذا بنى المتعاملان ترتيب الأثر على المعاملة، فالآية الشريفة تقرّر أهمّ قاعدة من القواعد النظاميّة العقلائيّة، فكلّ نقل، وانتقال، ليس فيه غرض صحيح قرّره الشارع، باطل، فتشمل جميع المعاملات المحرّمة، سواء كانت الحرمة في أحد العوضين، أو في كليهما، كالخمر، والخنزير، والمغصوب، أو أحد المتعاملين، نحو: بيع المجنون، والسفيه، أو في النقل نفسه، والانتقال، نحو: الربا، والقمار، والبيوع الغرريّة، وبيع الحصاة، والنواة، أو كانت سفهيّة، نحو: بيع ما لا منفعة فيه.
[1] النساء: 29
البعث: الإثارة، والإرسال، والتوجيه؛ وقد استعملت مادته في القرآن الكريم بهيآت مختلفة، ويجمع جميع هذه الاستعمالات أحد أمور ثلاثة:
الأول: الإيجاد من العدم المحض إلى عالم الدنيا، وهو مختص باللّه تعالى، قال تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ[1]، بناء على أنّه أوّل غراب بُعِث من العدم إلى الوجود، وهو الظاهر.
الثاني: الإحياء بعد الإماتة، قال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ[2]، وهو أيضًا مختص به عزّ، وجل، لأنّ الأرواح: إيجادًا، وإفناءً، تحت سلطة اللّه تعالى، وقد يهب ـــ عزّ، وجل ــــ ذلك لمن يشاء من خلقه، كما سلّط عزرائيل على قبض الأرواح، وعيسى على إحياء بعض الأموات، وبعثه.
الثالث: البعث إلى المقاصد الصحيحة، نحو: بعث الرسل، قال تعالى: وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ[3]، وبعث الأنبياء إنّما هو لتوجيه الناس إلى المعارف الحقّة، وإثارة ما في عقولهم، فعن عليّ (عليه السلام): “فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسيّ نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول”[4]
فجميع المعارف الربوبيّة، كانت موجودة في الفطرة الإنسانيّة، على نحو الاقتضاء، والاستعداد، ولكن احتجبت بالحجب الظلمانيّة، وقد بعث اللّه الأنبياء، لإزالة تلك الحجب.
والمعروف بين المفسرين، أنّ الأوّل مختصّ باللّه تعالى، ويستعمل الأخيران في غيره أيضًا، لأنّ بعض أولياء اللّه تعالى، يحيي الموتى، وأمّا البعث في الحوائج فهو شايع عند الناس.
أقول: إن اختصاص الأول باللّه تعالى، منصوص في قوله عزّ وجل لعيسى (عليه السلام): وإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي[5]، إلّا أن يقال: إنّه من تبديل الصورة، لا الإيجاد من العدم المحض.
والمراد بالبعث في قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[6]: المعنى الثاني، أي: بعثوا بعد الموت، لعلهم يشكرون هذه النعمة عليهم، ولكنهم قابلوها بالكفران.
[1] المائدة: 31
[2] الحج: 7
[3] البقرة: 129
[4] نهج البلاغة 1 / 23، خ: 1 .
[5] سورة المائدة: 110
[6] البقرة: 56
البَعْل: الذكر من الزوجين، سمّي به لاستعلائه على المرأة، ولأجل ذلك استعمل هذا اللفظ في كلّ ما فيه هذا المعنى، فسمّي الصنم بعلًا، قال تعالى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ[1]، أي: ربًّا، والبُعولة: جمع البعل، ولعلّ الوجه في التعبير به دون غيره في قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا[2]، ليترتب عليه أحقيّة الزوج برد الزوجة المطلّقة، أو لإخراج غير المدخول بها.
والبِعال: مباشرة النساء، قال نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) في أيام العيد: “إنّها أيام أكل، وشرب، وبعال”[3].
[1] الصافات: 125
[2] البقرة: 228
[3] من لا يحضره الفقيه 2 / 198، كتاب الحجّ، ح 2130.
بغتة: فجأة، يقال: بغتهم الأمر يبغتهم بغتا، وبغتة، وفي قوله تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا[1]، ذهب بعضهم إلى أنّها مصدر في موضع الحال، كما في قولك : قتلته صبرًا، ولايقاس عليه، فلا يقال : جاء فلان سرعة.
وقد وصف سبحانه الساعة بها، للإعلام بأنّها تأتي بسرعة، ولا يعلم بوقت مجيئها، وتهاجم الناس من غير شعور، ألاّ من كان مستعدًا للقاء الله تعالى، وتزوّد بالتقوى، والعمل الصالح، فلا يبالي بوقوع الموت عليه، وقيام الساعة، قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) : “والله إن ابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أُمّه”[2]، وهكذا يكون شأن أولياء الله تعالى، فإنّهم لا يبالون بمباغتة الساعة لهم؛ لأنّهم أماتوا شهواتهم، وأهواءهم، قبل موت أبدانهم، كما قال سيِّد الخلائق (صلى الله عليه واله وسلم) : “موتوا قبل أنّ تموتوا”[3] .
وفي قوله تعالى : قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ[4]، لتضمّن (بغتة) ما في الخفيه من عدم الشعور، صحّ مقابلتها لـ (جهرة)، التي هي بمعنى: الظهور التامّ، الذي لا يقبل الارتياب، ولم يقل خفية لأنّ الإخفاء لا يناسب شأنه سبحانه؛ وبدأ بـ (بغتة) التي بمعنى: الخفية، لأنها أردع من الجهرة .
[1] الأنعام : 31
[2] نهج البلاغة – ج 1 – ص 41، خ 5
[3] بحار الأنوار – ج 69 – ص 59 ، الباب الخامس والتسعون: الغنا والكفاف ، الحديث 1
[4] الأنعام : 47
البغضاء: ما يكون في القلب من نفار، وفي قوله تعالى: وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ[1]، العداوة أخصّ منها، لأنّها بغضٌ متعدٍّ إلى غيره عمليًّا.
[1] المائدة: 64
مادة (ب غ ي) وردت بمعنى: طلب تجاوز الاقتصاد: كمًّا، أو كيفًا، تجاوزه، أو لم يتجاوزه.
والبغي على قسمين:
الأول: محمود، مثل قوله تعالى: وإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا[1]، وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “إن اللّه يحبّ بغاة العلم”[2]، وكذا تجاوز العدل إلى الإحسان.
الثاني: مذموم، نحو: تجاوز الحقّ إلى الباطل، أو الشبه.
والتمييز بينهما بالقرائن، فإن كان طلب الشيء محمودًا، فالابتغاء فيه يكون كذلك، وإذا كان الطلب مذمومًا، فالابتغاء مذمومًا أيضًا، ولكن أكثر موارد استعماله في الذم.
وهيأة الافتعال تدلّ على كثرة الاهتمام، وشدّة الطلب لذلك، قال تعالى: والَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ[3].
وفي قوله تعالى : وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ[4]، الابتغاء: طلب ما يكون في طلبه كلفة، ومشقّة، أو تجاوز المعتاد، والاعتدال، ومنه: طلب غايات الأمور، وأعاليها، نحو: قوله تعالى ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ[5]. وقوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ[6]، وقوله تعالى : لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً[7]؛ ولاريب في أنّ رضوان الله، ومرضاته، عزّ، وجلّ، من أعظم الغايات، وأعلاها، وغاية الكمال؛ وأنّ ابتغاء الفتنة من أدنى الغايات، ومنتهى الضلال.
[1] الإسراء: 28
[2] الكافي 1 / 30، كتاب: العقل والجهل، باب: فرض العلم، ح 1.
[3] الرعد: 22
[4] الأنعام : 35
[5] الحديد : 27
[6] البقرة : 207
[7] النساء : 114
مادة (بقر) تأتي بمعنى الشقّ، والتوسّع، وسمّي الرابع من أولاد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) باقرًا؛ لأنّه يشقّ العلم شقّا؛ وفي الحديث: “نهى النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) عن التبقّر في الأهل، والمال”[1]، أي: التوسّع فيهما.
والبقرة: واحدة البقر، اسم جنس، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً [2]، الأنثى، والذكر، فيه سواء؛ وقيل: البقرة: اسم للأنثى، والثور: اسم للذكر، نحو: الرجل، والمرأة، والجمل، والناقة.
[1] النهاية في غريب الحديث: 1/144، باب: الباء مع القاف.
[2] البقرة: 67
البقل: كل نبات لا ينبت أصله، وفرعه، في الشتاء.
وفي قوله تعالى: فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها[1]، المراد به: ما يطعمه الإنسان من طيّب الخضروات.
[1] البقرة: 61
البقيّة في قوله تعالى: وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ[1]، تشمل البقايا الجسمانيّة، والمعنويّة، وآثار النبوّة، نحو: عصا موسى؛ وبعض ثياب الأنبياء (عليهم السلام)، التي كانوا فيها يعبدون اللّه تعالى، ويجاهدون في سبيله، عزّ، وجل، لإزالة الشرك، والعدوان؛ والألواح، وهي موجودة كسائر آثار الأنبياء (عليهم السلام)، ولا تقدر الطبيعة على إزالتها، وفنائها، وإنّها باقية مدى الدّهر، وستظهر إن شاء اللّه تعالى.
[1] البقرة: 248
البِكر: ما لم يستفحله الفحل، قال تعالى: قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ [1]، وضربة بكر: قاطعة.
[1] البقرة:68
الإبلاس: الحزن المعترض من شدّة اليأس، وأصله من السكون، يقال : أبلس فلان إذا سكت، وانقطعت حجتّه، وفي قوله تعالى : فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ[1]، المبلس: الباهت، الحزين، الآيس من الخير، الذي لا يحار جوابًا لشدة ما نزل به من سوء الحال، ومنه اشتق اسم إبليس.
[1] الأنعام : 44
مادّة (ب ل غ) تدلّ على الوصول مع البيّنة، حتّى يكون كالمشافهة، ومنه قوله تعالى: هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [1]، وقوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ[2]؛ وإليه يشير ماورد في بعض الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): “من بلغه القرآن فكأنّما شافهته”[3].
وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم فيما يقرب من ثمانية وسبعين موضعًا في جميع مشتقّاتها، من غير اختصاص بعالم خاصّ، ففي العالم الربوبي، قال تعالى: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ[4]، الحجّة البالغة: الدلالة المبيّنة الواضحة التي بلغت غاية المتانة، والقوّة على الإثبات، أو بلغ بها صاحبها صحّة دعواه، نظير: عيشة راضية.
وفي النبوّات، قال: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[5]، وفي قوله تعالى: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا[6].
وفي الإنسان وشؤونه، قال تعالى : وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [7].
ومن أحسن مراحل الإنسان، مرحلة البلوغ التي يقع الفرد فيها مورد التكاليف الإلهيّة، ويخطو في مسير الكمال؛ وغير ذلك من وجوه الاستعمال.
وفي قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير[8]، بلوغ الأجل يعني: الإشراف على تماميّة العدّة؛ لأنّه لو كان المراد انقضاءها، وتمامها، فلا موضوع للإمساك، والتسريح حينئذ؛ والبلوغ يستعمل في الغاية، ويستعمل في الإشراف عليها، والاقتراب منها.
وفي قوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ [9]، المراد بالبلوغ: الانتهاء من العدّة، والخروج منها، فإنّها ما دامت في العدّة لم يكن لأحد عليها ولاية، وسلطة، إلا لبعولتهنّ، فإنّهم أحقّ بردهنّ.
[1] إبراهيم : 52
[2] الأنعام : 19
[3] الدر المنثور: 3/7.
[4] الأنعام : 149
[5] الأعراف : 62.
[6] الأحزاب : 39
[7] القصص : 14
[8] البقرة: 234
[9] البقرة: 232
البلاء: الاختبار، والامتحان، ويستعمل في الخير، والشر، قال سبحانه: ونَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً[1]، وقال تعالى: ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ والصَّابِرِينَ ونَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ[2]، فهو إمّا إنعام، أو انتقام، وربّما يكون إنعامًا لقوم، وانتقامًا من آخرين، وهو كثير في سنة اللّه الجارية في هذا العالم، ولذا عبّر ــــ تبارك، وتعالى ـــــ بكلمة رَبِّكُمْ، في قوله تعالى: وفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ[3]؛ لأن الربوبيّة العظمى، تقتضي ذلك.
والبلاء، والابتلاء بمعنى واحد، وهو: الاختبار بما يصعب تحمله، أو فعله، قال تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ[4]؛ والابتلاء في الأموال، والأنفس، هو: الوقوع في تكاليف خاصّة بحسب المصالح؛ ومثال الابتلاء في الأموال: التكاليف الآمرة ببذل الأموال في الصدقات، وقضاء الحوائج، وما تتطلّبه الدعوة على المؤمن من بذل المال، وما يفقد في أثناء الحروب، والقتال. والابتلاء في الأنفس: التكليف ببذل النفس، ومن يُحَبّ من الأهل، والأولاد، في سبيل اللّه تعالى، ويدخل فيه التسليم للأمراض، والآفات.
[1] الأنبياء: 35
[2] محمد: 31
[3] البقرة: 49
[4] الفجر: 16
بلى: كلمة تستعمل غالبا مع النفي فتزيله، ويثبت نقيضه، قال تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى[1]، فأثبتوا الربوبيّة، فكانوا مسلمين، بخلاف نعم، فإنه تقرير غالبًا، وعليه لو قالوا: نعم، لكانوا كافرين، وإذا قيل: ما عندي شيء، فقال المخاطب: بلى، فهو رد لكلامه، وإذا قال: نعم، فهو تقرير، هذا مع عدم القرينة في البين، وإلّا فتتَّبع هي لا محالة؛ فكلمة (بلى) في قوله تعالى: وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[2]، ردّ لما زعموه، أي: ليس الأمر ما ذكرتم، بل تمسّكم النار كما تمسّ غيركم وتخلدون فيها.
[1] الأعراف: 172
[2] البقرة: 80 ـــــ 81
الابن: تارة يطلق، ويراد منه المعنى الحقيقي، وهو المراد في الاستعمالات الدائرة عند العرف، وهو محال على اللّه تعالى، لأنّه يستلزم الاختلاط، والمجانسة مع مخلوقاته، تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا، وقد نفاه ــــ عزّ وجلّ ـــــ عنه في الآيات التي حكى فيها مقالتهم عن بنوّة المسيح، وشدّد النكير على قائليها، وأقام البراهين الكثيرة على إبطالها[1].
وتارة أخرى: يطلق، ويراد منه: المعنى المجازيّ، أي: القرب، والرحمة، لأنّ الأولاد مقرّبون من آبائهم، وموارد رحمتهم، وعنايتهم. ولعلّ هذا المعنى هو المناسب في قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وأَحِبَّاؤُهُ[2]، فيكون قوله تعالى: وأَحِبَّاؤُهُ، عطفا تفسيريًّا له، ويدلّ على ذلك أنّهم لم يدّعوا البنوّة الحقيقيّة لغير ما ادّعوها فيه، نحو المسيح، وعُزَير، فلا اليهود تدّعي تلك حقيقة، ولا النصارى، فكانوا يطلقونها على أنفسهم تشريفًا.
والمتتبّع في كتبهم المقدّسة، يرى أنّ لفظ الابن قد استعمل فيها كثيرًا، فقد أُطلق على آدم (عليه السّلام)، وعلى يعقوب، وداود، وعلى أقوام، وعلى المسيح، ولم يريدوا منه المعنى الحقيقيّ سوى ما أطلق على الأخير فقط، نحو: ما حكى ــــ عزّ، وجلّ ــــ عنهم في عدّة من آيات، وأطلق على الملائكة، والمؤمنين الصالحين، وهذا الاستعمال كثير في العهد الجديد، فقد روى متى في وعظ المسيح على الجبل: “طوبى لصانعي السلام لأنّهم أبناء اللّه يدعون” (متى- 5: 9)، وفي الرسالة الأولى من رسالتي يوحنا: “كلّ من هو مولود من اللّه، لا يعقل خطيئته؛ لأنّ زرعه يثبت فيه، ولا يستطيع أن يخطئ؛ لأنّه مولود من اللّه، بهذا أولاد اللّه ظاهرون وأولاد إبليس” (يوحنا- 3 الآيتان 9 و10)، فيفاد من ذلك أنّهم أرادوا من إطلاق الابن عليهم، إظهار أنّهم مورد عنايته عزّ، وجلّ وعطفه، ومحبّته، فلا يجازيهم على أفعالهم، كما لا يؤاخذ الأب الحنون ولده المسيء، فهم من اللّه تعالى، بمنزلة الأبناء من الأب، فلهم أحكام خاصّة تختلف عن سائر الخلق، فيكون الغرض من هذا الاختصاص هو معافاتهم من العذاب، والعقوبة، وأنّهم مهما عملوا من القبائح، لا سبيل إلى تعذيبهم، لأنّه يناقض ما خصّهم به من المزيّة، والفضل، وما حباهم من الكرامة؛ فلا محالة مصيرهم إلى النعمة الدائمة، والكرامة الأبديّة، ولأجل ذلك كان الردّ عليهم حاسمًا، وواضحًا من دون تأويل، وشبهة.
والبنين: جمع ابن، وهو: الذكر من الأولاد، وفي قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ[3]، يشمل الذكور، والإناث، بقرينة قوله تعالى: إنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ[4]، وقوله تعالى: وما أَمْوالُكُمْ ولا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى[5]، وقوله تعالى: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ ولا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[6]، وإنما أتى ـــ عزّ وجلّ ــــ بصيغة الذكور، إمّا تغليبًا، أو كناية عن حبّهم المذموم، الّذي كان دائرًا بينهم.
وفي قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيماً[7]، المراد من الأبناء: كلّ من انتسب بالإنسان بولادة، سواء أكان مباشرة من دون واسطة، أم معها، نحو: ابن الابن، وابن البنت، وهم الّذين يسمّون بأولاد الصلب، مقابل ولد التبنّي، الّذي كان شائعا في عصر نزول القرآن الكريم، فكانوا يعاملون الولد الدعيّ معاملة ولدهم الحقيقيّ، في كلّ ما يترتّب على النسب من الآثار، نحو: الخلطة، والخلوة، وعدم الحجاب، وقد أبطل الإسلام هذه العادة
[1] قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (التوبة: 30 )
[2] المائدة 18
[3] آل عمران: 14
[4] التغابن: 15
[5] سبأ: 37
[6] الممتحنة: 3
[7] النساء: 23
البهت: انقطاع الحجة، وعدم القدرة على إقامتها، فينقطع اللجاج، والمحاجّة، لا محالة، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[1] أي: فسكت نمرود، الكافر باللّه تعالى، متحيّرا، مدهوشا، لا يقدر على الردّ.
والبُهتان: الكذب على شخص بما يبهت منه، ويتحيّر عند سماعه، لفظاعته، يقال: بهته بهتا وبُهتانًا، قال تعالى: وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا[2] .
[1] البقرة: 258
[2] النساء: 112
البوء: الرجوع، ويستعمل في القرآن غالبا في الشر، فَباؤُوا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ[1].
وفي قوله تعالى: كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ[2]، باء بمعنى: رجع، واستقرّ، وفي الحديث: عن أبي جعفر (عليه السلام ) قال: “من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فليتبوّأ مقعده من النار”[3]، أي: لينزل، ويستقر فيها.
[1] البقرة: 90
[2] آل عمران: 162
[3] الكافي 1 / 47، كتاب: العقل والجهل، كتاب: فضل العلم، باب: لزوم الحجة على العالم، ح 5.
المعروف في الباب، في قوله تعالى: وادْخُلُوا الْبابَ سُجَّدًا[1]، أنّها من أبواب بيت المقدس، يسمّى بباب حطّة (باب التوبة)، ويمكن أن يراد بالباب مطلق مدخل الشيء، سواء أكان من الأبواب المعهودة الماديّة، أم المعنويّة، أي: أبواب استكمالات النفس الإنسانيّة مطلقًا؛ وإطلاق الباب على هذا المعنى شايع كثير؛ فقد روى الفريقان عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “أنا مدينة العلم وعليّ بابها، ومن أراد العلم فليأت الباب”[2]؛ فالأنبياء، والأوصياء، والعلماء باللّه العاملون، أبواب معرفة اللّه تعالى، وطرق الهداية إليه، ولا بدّ من الخضوع لهم، لاستكمال النفوس الناقصة، وهذا ما تقتضيه الفطرة، فليس ما في هذه الآية المباركة أمرا خارجًا عن حكم الفطرة، وعن أبي جعفر (عليه السلام): “نحن باب حطّتكم”[3]، فباب الحطّة، والعلم الإلهي، واحد.
[1] البقرة: 58.
[2] ينظر: كنز العمال 11 / 600، فضائل علي، ح 32890. وبحار الأنوار 38 / 189، الباب: الثالث والستون (النوادر)
[3] بحار الأنوار13/168، ، الباب السادس (خروج موسى من الماء)
البيت: مأوى الإنسان بالليل، يقال: بات، أي: أقام بالليل، كما يقال: ظلّ بالنهار، وغلب استعماله لمطلق السكن من غير اعتبار الليل، وجمعه: بيوت، وأبيات. والأوّل في السكن أشهر، والثاني في الشّعر؛ وقد استعمل لفظ بيت، وبيوت، في القرآن الكريم كثيرًا، ولم يرد فيه لفظ أبيات؛ وفي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: “إنّ جبرئيل (عليه السلام) قال: إنّا لا ندخل بيتًا فيه صورة، ولا كلب، يعني: صورة الإنسان، ولا بيتا فيه تماثيل”[1]، ويمكن حمله على الأعمّ من البيوت الظاهريّة، والقلب الحريص على الدنيا، فإنّ أشهر الصفات الرذيلة للكلب، هي الحرص، حتى يضرب بذلك المثل.
وفي قوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [2]، رفع القواعد: البناء عليها؛ ويحتمل أن يراد بالبيت، والقواعد، والرفع، المذكورة في الآية المباركة: المعنى الأعمّ من رفع البيت الجسمانيّ، وقواعده، ورفع بيت النبوّة، والتشريعات السماويّة، فإنّ أساسها من إبراهيم (عليه السلام).
وبيّت: تدلّ على التدبير، والتقدير، والإبرام في الليل، يقال: أمر بُيّت بليل: إذا أحكمه، ودبّره في الليل، وإنّما خصّ الليل بذلك؛ لأنّه وقت يصفو فيه الذهن، ويتفرّغ فيه، ومنه: التبييت، والبيات، وهو إتيان العدو ليلًا، ومنه: تبييت الصائم، أي: القصد إلى الصوم ليلًا.
وفي قوله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا[3]، المراد بالتبييت: التدبير ليلًا، وفي الخفاء، بما لا يرضاه عزّ، وجلّ، من القول، والفعل، نحو: التبريّ من الخيانة، ورمي البريء بها، وشهادتهم عليها زورا، فيكون المراد من القول: الأعمّ منه، ومن الفعل المترتّب عليه، فكانوا يدبّرون ما لا يرضاه ـــ عزّ وجلّ ــــ في الخفاء، وينسبونه إلى البريء.
[1] في الكافي – ج 6 – ص 527 ، كتاب: الزي والتجمّل، باب: تزويق البيوت، ح 3.
[2] البقرة: 127
[3] النساء: 108
البيع: معروف، وهو إعطاء المثمّن، وأخذ الثمن، والشراء عكسه، وقد يطلق أحدهما على الآخر، قال تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ[1].
[1] البقرة: 254.
البين: من الأضداد، كالقُرء، يستعمل في الوصل، والفصل، وفي قوله تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [1]، المراد به: الوصل، أن تقطّع وصلكم، وتفرّق جمعكم، ويُستعمل في المسافة الحسيّة، أو المعنويّة، بين شيئين، أو أشياء، وهو يضاف غالبًا إلى المثنّى، نحو قوله تعالى : فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ[2]، أو الجمع لفظًا، أو معنى، نحو: قوله تعالى : أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ[3]؛ ولا يضاف إلى الاسم المفرد، إلّا إذا كرّر، نحو قوله تعالى : قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ[4] .
والبّينة: الدلالة الواضحة، الكافية عقلا، لإتمام الحجة، قال تعالى: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ويَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ[5]، والجمع: بيّنات، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ[6]، وفي قوله تعالى: وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ[7]، البينات: الدلالات الواضحة، والعلامات الظاهرة، لكلّ أحد، نحو: إحياء الموتى، وإبراء الأكمه، والأبرص، وخلق الطير، ونزول المائدة من السّماء، وغير ذلك من المعجزات، والآيات، التي تفرّق بين الحقّ، وغيره.
والمبين: هو الظاهر في نفسه، المظهر لما يحتاج إليه الناس، وهو من أوصاف القرآن الكريم لهدايتهم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا [8].
[1] الأنعام : 94
[2] الحجرات: 10
[3] النساء: 114
[4] الكهف: 78
[5] الأنفال: 42
[6] البقرة: 185
[7] البقرة: 87
[8] النساء: 174