سؤال14: أنا شاب أرغب في الدراسة الدينية والتوجّه بأعمالي جميعها إلى الله تعالى، ولكن رغبة والدي يحثني على الأعمال الدنيوية والدراسة الدنيوية، فهل يا تُرى إنْ بقيت على هذا المسلك هل يمكن أنْ آتِ يوم القيامة مبيض الوجه بين يدي الله تعالى وأنا لا أعرفه كمعرفة أهل الدين له؟.
جواب: إعلم أنَّ للإنسان حياتين لا محيص له من أنْ يعيش تلكما الحياتين بما اعدّه الله تعالى له من مقوَماتهما، فإحداهما ظرفها هذه الدنيا والأخرى ظرفها الآخرة، ومقومات تلكما الحياتين موجودة أيضاً في هذه الدنيا، مع العلم إنَّ الحياة الأولى فقط وسيلة ومقدمة لمعرفة كيف تهنأ له الحياة الأخرى مع مساويها ومحاسنها، فكما أنَّ الحياة الآخرة تحتاج إلى ما يعيش به مرفهاً غير منكوب في إكتساب معيشة الآخرة التي محل إكتسابها هذه الحياة، فالله تعالى أكمل له حواساً ظاهرية نفسية على إستطراق طريق المعيشة وأودع فيه قدرات كافية كما وهب له العقل لتدبير ما يهتم من تحملٍ به يديم هذه الحياة من أنحاء التكسبات، فأول ما يلزم الإنسان أنْ يعرف طريق معاشه مقروناً بما علّمه من حالات ما لا بُدَّ أنْ يأخذ منهجاً مبروراً ليكون له مهنةً، ثم منهجاً مبروراً لتحصيل معاشه الأخروي الذي هو أحرى بالدقّة في لطافته ونزاهته، فلا تكسل في إنتخاب مهنةٍ تعينك على راحتك لتتمحض في تحصيل مقوّمات حياتك الأخرى التي لا بُدَّ أنْ تعيش بها، فالأنبياء الذين هم مصلحوا البشر ومعلموهم لإرشاد الحياة الأخرى كانوا ذوي مهنة ليستريح فكرهم للإرشاد وتعليم العباد، فالفوز كلّ الفوز أنْ يتقن عيشاً حلالاً وزاداً مباحاً ويتفرغ في خلال ذلك في تدبير ما يتوجب عليه من أعمالٍ هي زادٌ للحياة الآخرة، وقد وفّر الله تعالى إمكانيات مقررات ومقومات تلكما الحياتين اللّتين أولاهما مقدمة للثانية، ولا غنى للعاقل أنْ يأخذ حظه منهما بما أوضح له من مباديهما ومشاريعهما مهتماً بحقهما ومجتنباً عن باطلهما لئلا يبتلى بالحسرات وقد قال علیه السلام: اعْمَلْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَداً وَاعْمَلْ لآِخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَداً[1]، أي لا تسلك في حياتك إلا ما يقيد بكل حكمة وقرار وتعمل بتبيّن وإخلاص للآخرة بما فرض عليك لتحيا حياة سعيدة مع الأبرار، فإنَّها غاية منى المؤمنين الأخيار.
[1]. وسائل الشيعة (ط. آل البيت b)؛ ج17 ص76.