الموضوع: بحث الأصول – مباحث الألفاظ – بحث المجمل والمبيّن، والاشارة إلى بحث التعارض والخلاف في مكان بحثه .
بحث المجمل والمبين
من مباحث علم الأصول بحث المجمل والمبيّن، والبحث فيه من جهات: –
الجهة الأولى: – لفظ المجمل والمبين من الأمور العرفية المحاورية في كل محاورة وفي كل لغة مجمل ومبين، ففي بيان المجمل والمبين لابد وأن نرجع إلى أهل العرف، فكل ما حكم العرف بأنه مجمل فسوف يترتب عليه حكم المجمل، وكل ما حكم العرف بأنه مبيّن فسوف يترتب عليه حكم المبيّن، وليس للمتقدمين ولا للمتأخرين فيهما اصطلاحٌ آخر جديد، بل هم يذكرونهما بما هو المعهود من المعنى العرفي، وإذا راجعنا العرف في معنى المجمل والمبيّن فهم يقولون أنَّ المجمل ما لم يتّضح المعنى المراد منه ولو بالقرينة، والمبيّن ما كان المعنى المراد منه متضحاً وواضحاً ولو بالقرينة، فكل لفظٍ إذا ألقي على أبناء المحاورة وقالوا بأنَّ المعنى المراد منه غير واضح فهو مجمل، وكل لفظٍ إذا ألقي على أبناء المحاورة وقالوا إنَّ معناه واضح ولو بالقرينة فهذا هو المبين.
الجهة الثانية: – في بيان مصاديق المجمل والمبيَّن، للمجمل والمبيَّن مصاديق كثيرة في الكتاب والسنَّة، وليست تلك المصاديق في باب واحد لأنها متشخصة في أخبارنا وفي القرآن الكريم من أوله إلى آخره، فالمجمل يكون في الكتاب والسنَّة ولم يتعلق فقط الاتمام، فالمتكلم مع العبد يجمل كلامه لعلّه يوجد غرض يتعلّق بالاجمال، فالمجمل موجود في الآيات الكريمة وفي سنن المعصومين عليهم السلام كثيراً، وقد تعرضوا لمصاديق المجمل في الموارد المناسبة لها.
الجهة الثالثة: – في مناشئ حصول الاجمال، وهي كثيرة، فقد يكون منشأ حصول الاجمال تعمّد المتكلم ذلك لغرضٍ فيه، فالمتكلم يتعمّد في الاجمال وهو كثير في القرآن الكريم وفي السنن المعصومة لفرض أنه وجد سبباً صحيحاً للاجمال، وقد يكون منشأ الاجمال اختلاف الضبط الحاصل في الكتب الحديثية وفي الكتب العادية، فمثلاً التهذيب ضبطه بلفظٍ وغيره ضبطه بلفظٍ آخر فيحصل الاجمال من هذه الجهة، وقد يكون منشأ حصول الاجمال اختلاف قراءة القرّاء، فإنَّ جمعاً من القرّاء قرأوا الآية الكريمة هكذا وجمعٌ آخر قرأوا بنحوٍ آخر فيحصل الاجمال للاختلاف في القراءة، كما في ( يَطْهُرْنَ ) أو ( يَطَّهَّرْنَ ) أو ما شاكل ذلك، فيصح أن يكون اختلاف قراءة القرّاء منشأً للإجمال، كما يصح أن تكون التقيّة منشأً للإجمال، كما لو ورد نص من المعصوم عليه السلام وهو مجمل لأجل أنه عليه السلام يرى عدواً أثناء إلقاء هذا الكلام، فمناشئ الاجمال مختلفة اختلافاً كثيراً، وقد ذكروه في الكتب الحديثية.
الجهة الرابعة: – في بيان حكم الجمل والمبين.
أما المبيّن فحكمه واضح وهو الأخذ بظاهره، لأنَّ ظاهره قصد تلك المعاني العرفية موجودٌ فيه، وأما حكم المجمل فلابد وأن يتفحّص فيه في الموارد المناسبة له من كتب اللغة ومن كتب التفاسير والأعاريب ونحوها، ومع عدم ظفر الباحث بوضوح المجمل فلابد من الرجوع إلى الأدلة الأخرى لسقوطه عن الاعتبار بسبب إجماله، ومع عدم وجود الأدلة الأخرى يرجع إلى الأصول العدمية موضوعيةً كانت أو حكمية، فصرف وجود الاجمال من حيث أنه مجمل لا يعني أننا نطبق عليه حكم المجمل، بل لابد من التفحّص والتثبّت حتى يتبيّن الحال من لفظ المجمل، وإن لم يتبيّن الحال من لفظ المجمل يرجع إلى أدلةٍ أخرى ومع عدم الأدلة الأخرى يرجع إلى الأصول العدمية موضوعيةً كانت أو حكمية، هذا خلاصة القول في بيان المجمل والمبين.
وعن بعضٍ الاشكال: – على أنَّ المجمل لا ينبغي أن يقع في الكتاب والسنَّة لأنه خلاف الغرض.
وهذا الاشكال ساقط من أصله: – لأنه قد يكون الغرض الصحيح العقلائي في ذكر الاجمال، فالقرآن الكريم ” فيه آيات محكمات هنَّ أم الكتاب وأخر متشابهات “، فالغرض قد يتعلّق بالاجمال، أما إنكار الاجمال من ناحية اختلاف النسح أو اختلاف القراءة فلا يرتبط بالشارع الأقدس حتى يكون من ضمن بالبحث، فالإجمال روحه مسلّمة وحكمه أيضاً معلومٌ ببيان أئمة الدين عليهم السلام.
بحث التعارض: –
ثم إنَّ الأصوليين رحمهم الله تعرضوا إلى بحث التعارض في آخر كتاب الأصول، فشيخنا الأنصاري قدس سره ذكره، ولكن الصحيح أنَّ بحث التعارض من مباحث الألفاظ، فما فعله بعض الأعاظم من أنَّ بحث التعارض يقع في بيان استفادة الحكم من الدليل اللفظي عند التعارض ومباحث الألفاظ نرجع إلى بيان كيفية استفادة الحكم من الألفاظ وبحث التعارض يرجع إلى كيفية استفادة الحكم من الدليلين عند التعارض، فالحق أنَّ يذكر بحث تعارض الدليلين في مباحث الألفاظ، وقد فعلنا ذلك تبعاً لبعض علمائنا رضوان الله عليهم.
والكلام في التعارض من جهات: – وهي ستأتي.