الموضوع: بحث الأصول – مبحث الأوامر والنواهي .
….. ما هو فيما إذا كان اللفظ واحداً ولكن إذا كرر اللفظ حقيقية أو اعتباراً فيجوز حينئذٍ الاستعمال، وهذا دليل صاحب المعالم ومن قال بمقاله فهم يصرحون بجوا استعمال المشترك في التثنية والجمع في أكثر من معنى لا أنه من قبيل تعدد الاستعمال فيخرج من موضوع البحث اصلاً.
ولابد من الاشارة إلى ما يتعلق بالتثنية والجمع في الجملة ثم تطبيق التثنية والجمع على المقام: –
الجهة الأولى في التثنية والجمع: – أنَّ ظاهر الأدباء من أولهم إلى آخرهم أنَّ علامة التثنية واحدة في المذكر والمؤنث والعاقل وغير العاقل وهو الألف والنون، فجميع أفراد التثنية في جميع موارد الاستعمالات علامتها منحصرة بالألف والنون سواء كان مورد التثنية من ذوي العقول أو من غير ذوي العقول أو من المؤنث أو من المذكر فجعلوا للتثنية علامة واحدة وهي الألف والنون وقد يقتصرون على مجرّد الألف، تقول إنسانان وحيوانان وجبلان وحجران إلى غير ذلك من الاستعمالات في ذوي العقول وغيرهم، وقد جعلوا للجمع علامات كثيرة وأوزان كثيرة، فهم فرّقوا في الجمع بين ذوي العقول وبين غير ذوي العقول، فأخذوا لغير ذوي العقول هيئة خاصة من الجمع ولذوي العقول هيئات كثيرة، فإذاً هم فرقوا بين التثنية والجمع، فهم جعلوا للتثنية علامة واحدة تتفق فيها جميع ذوي العقول وغير ذوي العقول، وجعلوا للجمع علامات كثيرة وهيئات كثيرة لا تحصى، فما الفارق بينها، فلابد أن نفهم العلوم الأدبية.
الجهة الثانية:- لابد في كل تثنية وفي كل جمع من جهة الجامعة بين الفرد في التثنية وبين الأفراد في الجمع، مالم تكن جهة جامعة بين الفرد والتثنيات وبين الأفراد والجموع لا وجه للجمه أصلاً وابداً ولا وجه للتثنية وتلك الجهة الجامعة لها عرض قريب جداً ولها مراتب كثيرة، فكل وجهٍ أمكننا تصوير الجامع بين الفرد في التثنية وبين الأفراد في الجمع يصح الجمع وتصح التثنية سواء كانت تلك الجهة الجامعة في النوعية أو في الجنسية، ففي الجنسية سواء كان جنساً قريباً أو جنساً بعيداً، نعم الأغلب مهما أمكن يمنع، فنقول زيد وعمرو فردان من للإنسان، فردان لفظ التثنية والجامع بينهما حيثية الانسانية وهذه حيثية نوعية قريبة وتصح التسمية بها، أقول الانسان والفرس فردان من الحيوان فالجهة الجامع هي حيثية الحيوانية وهذه الحيثية وهذه الجهة الجامعة جامعة قريبة فتصح التثنية والجمع بهذه الحيثية، أو أقول الشجر والانسان جسمان ناميان فيها حيثية النماء وهي جهة جامعة قريبة بينهما فيصح التثنية والجمع لهذه الجهة الموجودة بينهما، اقول الانسان والعقل جوهران فالجامع القريب بين الانسان والعقل حيثية الجوهرية فتصح التثنية والجمع بهذه الحيثية، وفوق ذلك كله تقول الله جل جلاله والممكن شيآن، فالشيئية حيثية جامعة بين الواجب والممكن أوج صحة التثنية، فكلما صح فيه تصوير جامع قريب تصح التثنية والجمع، وكذا تصح التسمية في الأعلام أيضاً مثل زيد ويدان زيد بن عمروٍ وزيد بن بكرٍ فهنا توجد جهة جامعة قريبة وهي المسمّى بزيد، فالمناط في التثنية والجمع وجود جامع قريب في البين ومع وجود الجامع القريب في البين تصح كل تسمية وكل جمع بلا إشكال.
والتثنية والجمع بالنسبة إلى الألفاظ المشتركة يتصوّر على أقسام: –
القسم الأول: – ما إذا أريد من المفرد المعنى الواحد ومن التثنية فردان من ذاك المعنى الواحد مومن الجمع أفراد من ذاك المعنى، فنستعمل لفظ العين في العين الباكية ثم نجعلها تثنية عينان باكيتان ثم نجعلها جمعاً فنجعلها عيوناً باكية، ولا ريب ولا إشكال في صحة هذا الاستعمال لغة وعرفاً، فليس هذا من استعمال اللفظ في أكثر من معنى بلا إشكال، أما في الفرد فلفرض أنا استعملناه في معنىً واحد وأما في التثنية فيستفاد التعدد من تعدد الدال المدلول فعلامة التثنية تدل على التعدد وعلامة الجمع أيضاً كذلك، فليس هذا القسم من الاستعمال في اللفظ المشترك داخلاً في مبحثنا من استعمال اللفظ في غير معناه لفرض أن المفرد قد استعمل في معنى واحد والتعدد من الواحد في التثنية والجمع استفيد من شيء آخر فهذا القسم خارج تخصصاً عن بحثنا.
القسم الثاني: – أن يستعمل المفرد في المعنيين، كما لو استعملنا لفظ العين في العين الجارية والعين الباكية ثم جعلنا به علامة التثنية أو علامة الجمع وأردنا من التثنية فردان من الجارية وفردان من الباكية ومن الجمع أفراد من الباكية أفراد من الجارية، فهذا يكون من كبريات مقامنا، لفرض أنا استعملنا الفرد في أكثر من معنىً واحد وأردنا من تثنيته أربعة أفراد فردان من الباكية وفردان من الجارية وفي جمعه أفراد من كل نوع، فبناءً على ما ذكرناه من جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى يصح هذا القسم أيضاً بالنسبة إلى مفرده وبالنسبة إلى تثنيته وجمعه، وما قاله صاحب المعالم ومن تبعه من عدم جواز الاستعمال لأجل قيد الوحدة في المفرد يُفصّل في هذه الصورة بين المفرد فلا يجوز وبين التثنية والجمع فيجوز لثبوت قيد الوحدة من حيث التعدد المستفاد التثنية والجمع.
القسم الثالث:- ما إذا استعملنا المفرد في معنى واحد، كما لو استعملنا لفظ العين بفي العين الجارية وأردنا من تثنيته ومن جمعه الجارية والباكية استعملنا التثنية في معنيين فيكون المفرد من استعمال اللفظ في معنى واحد والتثنية للاستعمال في أكثر من معنى، فيخالف بين المفرد والتثنية حيث أنَّ المفرد استعمل في المعنى الواحد واستعمال التثنية في معيين متباينين واستعملنا الجمع في معانٍ متباينة، فبناءً على جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى هذا القسم يجوز أيضاً ولا إشكال فيه، وحيث إنه من تعدد الدال والمدلول لفرض أنَّ الذات يدل على شيء والعلامة تدل على شيء آخر، ففي هذه الصورة يجوز نم باب تعدد الدال والمدلول.
فتلخّص من جميع ما قلناه في المقام أنَّ استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى بطريقة الدال والمدلول يجوز بلا إشكال، ولا فرق بين تعدد الدال والمدلول بين أن يكون التعدد حقيقياً أو اعتبارياً محضاً بالاعتبارات الصحيحة المتعارفة، وأبطلنا جميع ما استدلوا به على العكس.
ثم إنه يوجد في البين بحثٌ آخر أشار إليه صاحب تاريخ آداب اللغة العربية فقال: – إنَّ اتردف والاشتراك ليس وضعياً اختيارياً بل الترادف والاشتراك إنما حصل من اختلاف اللغات من دون وضع ولا اختيار، وبناءً على هذا المبنى يصير مسألة الترادف والاشتراك بعيداً عن الوضع والحقيقة الوضعية بل يصير من القيود غير الاختيارية الحاصلة باختلاف اللغات، فكان لفظ البشر في لغةٍ موضوع للإنسان ولفظ الانسان موضوع لهذه الحقيقة في لغةٍ أخرى فاختلطت اللغتان فحصل الترادف، وكذلك في المشتركات اللفظية فكان لفظ العين موضوعاً للحارية وعند طائفة أخرى للباكية وعند طائفة ثالثة للباصرة وحيث اختلط البشر بعضهم مع بعض واختلطت لغاتهم حصل الاشتراك حينئذٍ، هذا قوله في كتابه وتبعه بعض مشايخنا قدس الله أسرارهم.
ولكن نقول: – إنَّ هذا حاصل في مقام الثبوت ولكن أي دليل على إثبات هذا القول في مقام الاثبات؟!! مع أنَّ هذا القول لا ثمرة عملية فيه بالنسبة إلى مباحثنا لما أشرنا إليه مراراً من أن ندور مدار الظواهر حقيقيةً كانت أو مجازاً أو اختلافياً، ففعلاً في عرفنا وحواراتنا لفظ الانسان والبشر ظاهر في الاشتراك، ولفظ العين ظاهر في الاشتراك، فلا صلة لهذا القول بمقامنا وإن كان له وجه، نعم هناك بحث دقّي آخر بملاحظته يكون ثبوت الاشتراك اللفظي أصلاً من المحال، وهو أنه يمكننا بعد الجهد وإتعاب النفس في ارجاع جميع المشتركات اللفظية إلى المشترك المعنوي، فسقط بذلك موضوع هذا البحث أصلاً وهو بحث علمي نفيس وله ثمرات عديدة.