1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس السابع

الموضوع: بحث الأصول – مبحث الأوامر والنواهي .

…. وهذه مسلّمة بين الحكماء والأصوليين، فالجميع يقولون من أنه ليس لنا في كل ما سمعنا من العجائب والغرائب التبادر إلى الحكم بالامتناع بل لابد أن نحتمل إمكانه، فإن ثبت امتناعه نقول بالامتناع وإلا لم نبنِ على الامتناع، فلأجل الامكان الذاتي بالنسبي إلى الاشتراك ثبوتاً واثباتاً موافق للمرتكزات العقلائية والقواعد العقلية إلا إذا ثبت الامتناع وسنثبت أن الامتناع لا وجه له.

الجهة الثالثة: – في وقوع الاشتراك في الخارج، لأنَّ الامكان الذاتي أعم من الوقوع، إذ ربّ ممكن ذاتي لا وقوع له في الخارج، فلابد أن نثبت وقوعه في الخارج أيضاً حتى يتم الامكان الذاتي والامكان الوقوعي، أيضاً وأن الاشتراك الذاتي غير ممكن وأنه لغو واللغو لا يصدر عن عاقل ولا يصدر من الحكيم، وكل لغوٍ محال بالنسبة إليه تبارك تعالى، فوقوع الاشتراك بالنسبة إلى المولى لغو واستعماله في القرآن العظيم محال لقاعدة أنَّ كل لفظ عقلائي محال بالنسبة إلى الله جلّ جلاله.

وقالوا في وجه اللفظية أنَّ المستعمل للفظ المشترك إذا اعتمد على القرائن يكون هذا تطويلا بلا طائل، إذ يمكن من أول الكلام وأوّل البيان أن يستعمل اللفظ المستعمل في المعنى حتى لا يحتاج إلى القرينة على التعريف ولا يكون من التطويل والاطالة، فإن لم يستعمل القرينة للتعريف يصير الكلام مجملاً والمجمل ليس من شؤون المحاورات ولا يستفاد منه شيء فكلا شقي استعمال المشترك يكون لغواً بالنسبة إلى المحاورات العقلائية وكل ما هو لغو بالنسبة إلى المحاورات العقلائية محال بالنسبة إلى الحكيم فلا يمكن، هذه خلاصة أدلتهم.

وهذا الدليل ساقط من أصله لأنَّ التفصيل والتفهيم والاجمال في المقام على قسمين: –

القسم الأول: – ما إذا تعلق غر صحيح عقلائي بالتفصيل فحينئذٍ يكون التفهيم والتفصيل مطابقاً للفصاحة والبلاغة، فإذا تعلّق غرض مخفي فيه أغراض عقلائية والجهات الراجحة يجب في الفصاحة والبلاغة أن فصّل الكلام، وإذا تعلق غرض عقلائي بالاجمال يجب في نظام الفصاحة والبلاغة أن يجمل الكلام ولا يفصّل، ومن سنخ ذلك في الآيات الكريمة من أولها إلى أخرى كثيرة في البين، فيمكن أن يستعمل المشترك في المحاورات ويعطى بالقرينة المعينة للمعنى لأجل تعلق غرض صحيح عقلائي بذلك، ويمكن أن يستعمل المشترك في المحاورات ويجمل ولم تذكر قرينة على التعيين لتعلق الغرض الصحيح  العقلائي بالاجمال فكم من آيات كثيرة في هذا المجال، فقال ﴿ منه آيات محكمات هن أمّ الكتاب وأخر متشابهات ﴾ والمتشابه هو المجمل تعلّق الغرض بإجماله إذ ليس من الأخلاق الربوبية أن يعرفها كل دهري وما شاكل ذلك، وإنما الاجمال يكون لأهله وكل مجمل كتابي مبين ومحكم لأهله، فهذا الدليل ساقط من أصله ولابد أن لا يذكر.

الجهة الثالثة: – فيما قيل من انه يجب وقوع الاشتراك في الخارج في مقابل هذا القول الذي جعله لغواً، واستدلوا على ذلك بدليل مركب من مقدمات ثلاثة: –

المقدمة الأولى: – إنَّ الألفاظ متناهية.

المقدمة الثانية: – إنَّ المعاني غير متناهية.

المقدمة الثالثة: – إنَّ الاحتياجات المحاورية كثيرة جداً لا تفي الألفاظ التي تكون متخذة لتلك المعاني بالاحتياجات فلابد وأن نقول بالاشتراك لحفظ نظام المحاورة البشرية والمحاورات العقلائية.

وهذا الدليل مناقش في مقدمات الثلاثة، فكل المقدمات بجميعها من أولها إلى آخرها فاسدة: –

أما المقدمة الأولى: – فما هو الدليل على تناهي الألفاظ؟ وقد قيل في وجه التناهي أنَّ مباني الألفاظ عبارة عن الحروف الهجائية، والحروف الهجائية متناهية حصروها في ثمانية وعشرين في اللغة العربية، وفي واحد وثلاثين في سائر اللغات، فالمعاني محصورة ومتناهية لأنه إذا كانت مادة المركب محصورة يكون نفس المركب ايضاً محصوراً ومتناهياً.

فجعل هذا القائل هذا الدليل وأن الألفاظ مركبة من حروف هي متناهية إلى ثمانية وعشرين حرفاً أو إلى واحد وثلاثين حرفاً، وكلما كان شيء مواده محصورة فالمركب منه يكون محصوراً فتكون الألفاظ متناهية، هذا هو خلاصة دليلهم.

وفيه: – إنه يمكن أن تكون الألفاظ غير متناهية بمعنى أنه إلى أي حدّ وصل اللفظ لنا أن نزيد على هذا اللفظ، فلا ملازمة بين انحصر المواد وانحصار المركّب منها مثل الأعداد فإن العداد مركّبة من الآحاد والعشرات والمئات والألوف وهي متناهية ولكن اتفق الكل على أن الأعداد غير متناهية، بمعنى أنه لو تصورت مليارات من الأعداد لابد أن نزيد عليها واحداً أو عشرة أو مئات فيصير أكثر، وفي المقام نقول إن المواد وإن كانت متناهية لكن المركب من المتناهي يمكن أن يكون غير متناهٍ بمعنى أنه أي حدّ فرض لهذا المركب لنا أن نزيد على ذلك الحدّ شيئاً آخر ولفظاً آخر فيكون هكذا إلى ما لا نهاية، فهذا الدليل واضح الدفع، فإنَّ مواد الأعداد باتفاقهم أن الآحاد والعشرات بل الآحاد فقط والعدد غير متناهٍ بمعنى أنه مهما وجد عدد كثير يعجز العقلاء عن عدّها لنا أن نزيد عليها واحداً وهكذا … ، ويعبر عن هذا بعلم الحكمة احراز بغير المتناهي اللايأتي أي أن كل حد ومرتبة يمكن أن يزاد عليها مرتبة أخرى، فإذاً المرتبة الأولى من هذا الدليل ساقطة.

وأما المقدمة الثانية: – فأيَّ دليل عقلي أو نقلي يدل على أن المعاني متناهية، بل غير المتناهي بعد التحقق في الكتاب والسنَّة والعقيدة العقلية على أقسام: –

القسم الأول من غير المتناهي: – ما لا أول له ولا آخر له، فلا يعقل فرض الأوّلية بالنسبة إليه ولا يعقل فرض الآخرية بالنسبة إليه وهذا منحصر باتفاق الشرائع السماوية والعقيدة والعلاء بواحد وهو واجب الوجود، فغير المتناهي من حيث المبدأ والمنتهى لا مثال له باتفاق الكتب السماوية وجميع الحكماء إلا الواجب الوجود، أما البقية كلها خارجة عنه بلا إشكال، فليس لأحد أن يتوهم أن المعاني غير متناهية بهذا المعنى لاتفاق الكل على انحصار هذا في فرض واحدٍ وهو الله جل جلاله.

القسم الثاني من غير المتناهي: – ما يكون غير متناهٍ بالنسبة إلى الآخر ولكنه متناهٍ بالنسبة إلى أوّله، يعني أنه حادث أولاً وأبدي آخراً وهذا منحصر في عالم الآخرة وحركات أهل الجنة والنار كما تدل عليه الآيات الكثيرة والروايات من كتاب الفريقين في جنتهم أو نارهم، فقد ورد أنه قال أنَّ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: – ( أنه إذا دخل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار في النار جيء …. فيفصل بين الجنة والنار بحيث يراه جميع أهل الجنة وجميع أهل النار ثم ينادي الله جل جلاله يا أهل الجنة …. ويا أهل النار …. )، وعبّر عنها باللامتناهي العددي، فهو من حيث الحروف ثابت ومحدود بمدىً ولكن من حيث البقاء باقٍ ببقاء الله عزّ وجل لا حدَّ ولا أمد له.

القسم الثالث من اللامتناهي: – ما اصطلحوا غير بغير المتناهي اللايأتي بحيث إنه كلما فرض مرتبة من المراتب في شيء يصح للعقل أن يفرض مرتبة أخرى فوق هذا، فيمكن أن يقال إنَّ مراد هذا القائل من أن مراتبه غير متناهية أي غير متناهية من حيث أنه لا يفرض مرتبة من المراتب إلا ويمكن فرض مرتبة أخرى فوقها.

وهذا الدليل أيضاً لا وجه له إلا بعد التكلف في تعيينه: – فكيف تقول إنَّ المعاني غير متناهية مع أنَّ الأدلة الشرعية والعقلية الدالة أنَّ ما سوى الله عزّ وجل محصور بين عددين العدد السابق والعدد واللاحق، فكيف يعقل أن ما يكون محصوراً بين عددين غير متناهٍ؟!! فإنَّ هذا لا وجه.

وأما مقدمته الثالثة من أن الاختيارات الاستعمالية كثيرة وهي تقتضي ألفاظاً كثيرة: – فإنَّ هذا أقل مما ذكره في المقدّمة الأولى لأنَّ الاحتياجات الكثيرة تحصل في كل مرة وفارق بحسب الخصوصيات ولهم ألفاظ خاصة يستعملونها وهم مستغنون عن معنى الاشتراك، فهذا الدليل الذي أقاموه على وجود الاشتراك ساقط بجميع مقدماته، نعم الاشتراك ثابت في الخارج لا أنه يكون باطلاً لبطلان الدليل.

الجهة الرابعة في صحة استعمال اللافظ المشترك في أكثر من معنى واحد: – اتفق الكل من أولهم إلى آخرهم أنه لو كان الاستعمال بنحو تعدد الدال والمدلول يصح ولا إشكال فيه، فاستعمال الكنايات بالدلالة المطابقة تدل على معنى وفي الدلالة الالتزامية تدل على آخر، فمثلاً نقول ( كثير الرماد ) فهي بالدلالة المطابقية تدل على كثرة رماده وبالدلالة الالتزامية تدل على جوده، إلى غير ذلك من الكنايات، فالكنايات مستعملة في المعاني الحقيقية بالدلالة المطابقية ويستفاد منها المعاني الكنائية بالمعاني الالتزامية، ولم يشكل أحد من العقلاء على صحة استعمالها هذا، فاستعمال المشتركات في أكثر من معاني لو كان بتعد الدال والمدلول صحيح عقلاٍ وعرفاً ولغة ولا إشكال فيه من أحد ابدًأ لفرض تعدد الدال والمدلول، وأما إذا كان بنحو وحدة الدال والمدلول ففيه خلاف، فعن جمعٍ امتناعه وعن آخرين جوازه.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"