1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس الرابع

الموضوع: بحث الأصول – مباحث الألفاظ – مفهوم الشرط – أقسام تعدد الشرط والجزاء  .

الشرط والجزاء بحسب الواقع ومقام الثبوت يتصور على أقسام أربعة: –

القسم الأول: – فيما إذا كان الشرط واحداً والجزاء واحداً، مثل ( إن جاء زيد فأكرمه )، فالشرط هنا واحد والجزاء واحد، والمفهوم من هذه القضية في هذا القسم أنه لو لم يجئ زيد فلا منشأ لوجوب الاكرام أصلاً، بناءً على ما أثبتناه من ثبوت المفهوم للجملة الشرطية.

القسم الثاني: – ما إذا كان الشرط متعدداً والجزاء واحداً، مثل ( إذا جاءك زيد فأكرمك فأكرمه )، فالشرط متعدد والجزاء واحد، وفي المثال الشرع ( إن خفي الأذان فقصّر وإن خفيت الجدران فقصّر )، فالشرط متعدد والجزاء واحد، وسيأتي البحث عن هذه القضية إن شاء الله تعالى.

القسم الثالث: – ما إذا كان الشرط واحداً والجزاء متعدداً، مثل ( إن جاءك زيد فأكرمه وسلّم عليه وأعطه كذا )، فالشرط واحد والجزاء متعدد.

القسم الرابع: – ما إذا كان الشرط متعدداً والجزاء متعدد أيضاً، مثل ( إذا جاءك زيد وأكرمك فأكرمه وسلّم عليه )، فالشرط متعدد والجزاء متعدد.

هذه هي الصور الثبوتية بحسب الواقع ومقام الثبوت، وإنما أشكل فيما إذا كان الشرط متعدداً والجزاء واحداً، فلو قال ( إذا خفي الجدران فقصّر وإذا خفي الأذان فقصّر ) فإنها بناءً على ثبوت المفهوم في الجملة الشرطية كما أثبتناه يقع التعارض بين مفهوم كل شرط ومنطوق الآخر، فإذا خفيت الجدران فقصّر مفهومه أنه مع عدم خفاء الجدران لا قصر سواء خفي الأذان أو لم يخفَ، أما ( إذا خفي الأذان فقصّر ) مفهومه أنه مع عدم خفاء الأذان لا يجب القصر سواء خفيت الجدران أو لم تخف الجدران، ففي مثل هذه القسم من الجمل الشرطية التي هي كثيرة في الفقه وقع النزاع بين العلماء قدست أسرار في أنه كيف يرتفع التناقض بين المفهوم والمنطوق، ففي كل جملة شرطية ظهوران ظهور أوّلي وضعي وهو ظهور دلالة الجملة على المنطوق، فإنَّ ( إن جاءك زيد فأكرمه ) فالظاهر المتبادر منه ظهور وضعي واضح، والظهور الثاني بناءً على ثبوت المفهوم للجمل الشرطية هو ظهور انسباقي ثانوي، فإذا تعدد الشرط واتحد الجزاء فسوف يعارض الظهور الانسباقي في كل جملة شرطية مع منطوق الجملة الشرطية الأخرى، فـ( إذا حفي الأذان فقصّر ) ظهوره الانسباقي – أي المفهومي – معناه أنه مع خفاء الأذان يجب القصر سواء خفيت الجدران أو لا، فيتعارض مفهوم هذه الجملة مع منطوق الجملة الأخرى، وقوله عليه السلام ( إذا خفيت الجدران فقصّر ) مفهومه أنه لا صر مع عدم خفاء الجدران سواء خفي الأذان أو لم يخفَ الأذان، فمع ثبوت المفهوم إذا كان الشرط متعدداً والجزاء واحداً يقع التعارض بين مفهوم كل جملة شرطية وبين منطوق الجملة الشرطية الأخرى، وقد اختلفت أقوالهم قدست أسرارهم في كيفية رفع التعارض بين الجملتين.

وخلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام: – إنه إذا كانت الجملتان متلازمتان من حيث الوجود في الخارج فإذا كان خفاء الجدران متلازماً مع خفاء الأذان وخفاء الأذان أيضاً متلازماً مع خفاء الجدران بحيث أنه كلما خفيت الجدران يخفى الأذان وكلما خفي الأذان خفيت الجدران فلا تعارض حينئذٍ في البين، لأنه من وجود هذه الملازمة نستكشف أنَّ الشرط واحد وهو الجامع بينهما، ففي كل جملة شرطية إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء وكانت هناك ملازمة بين الشرط بحسب الواقع بحيث أنه كلّما تحقق هذا الشرط يتحقق الشرط الآخر أيضاً ففي مثل هذه القسم من الجمل الشرطية لا تعارض بينها، لأنه من التلازم نستكشف أنَّ الجامع بين الشرطين هو شرط وهو واحد فلا تعدد في البين حتى يلزم التعارض والتنافي، ولكن لو لم يكن تلازم في البين كما في المقال المذكور في الفقه لأنَّ خفاء الجدران قد يتحقق ولا يخفى الأذان، وخفاء الأذان قد يتحقق ولا يتحقق خفاء الجدران، فبأيّ وجهٍ نرفع التناقض عن القضيتين المشتملتين على الشرطين المخالفين؟

وأحسن ما ينبغي أن يقال في رفع التعارض:-إنَّ التعارض بين الجملتين إنما حصل من القول بالعلية التامة ومن القول بالعلية المنحصرة، حيث قلنا إذا كان الشرط علّة تامة ومنحصرة حصل المفهوم حينئذٍ وسوف يعارض مفهوم كل جملة منطوق الجملة الأخرى، ورفع التعارض إنما يحصل بإسقاط كل جملة عن مفهومها، فإذا رفعنا اليد عن المفهوم واسقطنا الجملة عن المفهوم فلا وجه حينئذٍ للتعارض ولا موضوع للتعارض، إذ التعارض إنما يتحقق بين مفهوم كل جملة ومنطوف الأخرى، والمفهوم إنما يحصل وينشأ من القول بالعلّية التامة للشرط والعلية المنحصرة، فإذا رفعنا اليد عن العلّية التامة فلا مفهوم فلا تعارض في البين، وإذا رفعنا اليد عن العلية المنحصرة فلا مفهوم ولا تعارض بين الجملتين، ففي مثل هذه المسألة المشهورة نرفع اليد عن العلّية التامة ونقول إنَّ خفاء الجدران ليس علّة تامة لوجوب القصر بل هو جزء العلّة، فإذا تحقق خفاء الجدران وخفاء الأذان فيجب القصر حينئذٍ، فيسقط المفهوم عن كل جملة لأنَّ ثبوت المفهوم كما قلنا سابقاً إنما يتحقق بالقول بالعلّية التامة والمنحصرة، فإذا أسقطنا الجملة عن العلّية التامة وقلنا إنّ كل جملة هي جزء العلَّة لثبوت الحكم يصير مفاد الجملتين ( إذا خفيت الجدران وخفي الأذان يجب القصر )، وحينئذ لا مفهوم لكل واحدة من الجملتين حتى يتحقق التعارض بينها وبين منطوق الأخرى، وأيضاً يرتفع التعارض عند القول بعدم ثبوت الانحصار، فنقول إنَّ كل جملة لها العلّية التامة ولكن ليست منحصرة، فإذا خفيت الجدران فقصّر وإذا خفي الأذان فقصّر كل واحدة منهما هي علّة لثبوت القصر، فإذا تحقق أحدهما أولاً فهو العلّة ومع تحقق العلة يجب القصر، فإن تحقق الثاني بعد ذلك يكون كاشفاً عن ثبوت العلَّة لا أن يكون هو بنفسه علّة تامة، فرفع التناقض والاختلاف بين هذين القسمين من الجمل الشرطية إما برفع اليد عن العلّية التامة في كل شرط فلا موضوع للمفهوم أصلاً حينئذٍ، وإما برفع اليد عن العلّية المنحصرة فنقول إنَّ كل واحدٍ منهما علّة تامة فأيهما تحقق يكون هو العلة والثاني إن تحقق بعد ذلك يكون كاشفاً عن تحقق العلَّة لا أن يكون بنفسه علةّ حينئذٍ لسبق علَّة أخرى عليه، وإلى ما قلنا من الوجهين يرجع جميع ما ذكره في الكفاية من الأقوال، فإذا رجعت إلى ما قلناه فإذاً لا إشكال فيه، بل لا يكون داخلاً في الحساب في موضوع رفع التعارض فيما ذكرناه، هذا ما استظهرناه من الأدلة وهو رفع العلّية التامة أو رفع الانحصار، ولكن إن لم نستظهر من الأدلة شيئاً يصير الكلام مجملاً، فلا مفهوم حينئذٍ، فالأقسام ثلاثة في مقام الاثبات، إما أن نستظهر من الأدلة رفع العلّية التامة كما قال الفقهاء في المقام ، وإما أن نستظهر من الأدلة رفع العلّية المنحصرة كما عن جمعٍ، وإما أن يصير المقام مجملاً في مقام الاثبات وبناءً على الاجمال أيضاً لا يتحقق المفهوم لفرض أنَّ ثبوت المفهوم متوقف على إحراز العلّية التامة المنحصرة والمفروض أنَّ الكلام صار مجملاً، فعلى أيَّ حال في الأقسام الثلاثة يسقط الكلام عن المفهوم ولابد من الرجوع إلى أدلة أخرى.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"