1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس الثامن

الموضوع: بحث الأصول – مباحث الألفاظ –  الاشتراك اللفظي  .

قلنا إنَّ استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى واحد جائز إذا كان على طريقة الدال والمدلول ولا خلاف فيه، سواء كان تعدد الدال من جهة القرائن الخارجية أو الحالية أو غير ذلك، فمهما فرض تعدد الدال والمدلول فسوف ترتفع جميع الاشكالات التي قالوها في هذا البحث، وإنما البحث في أنه هل يجوز استعمال المشترك اللفظي في أكثر من معنىً واحد بعنوان وحدة الدال والمدلول وبعنوان الاستقلالية المحضة، بأن يطلق لفظ العلم وأريد به الجارية والباصرة كأن لفظ العلم استعمل في الجارية مستقلاً وفي الباصرة مستقلاً، وهذا النزاع بين الأعلام في هذه الصورة أي صورة وحدة الدال والمدلول وكون الاستعمال واحداً في مستعمل واحد في آنٍ واحد، والأدلة المانعة التي ذكروها في خصوص هذا المورد متعددة، فقد استدل على عدم الجواز بأدلة: –

الدليل الأول: – أنه خلفٌ، فمع فرض كون الاستعمال استقلالياً كيف يمكن الاستعمال الاستقلالي في اسمين فيخرج الاستعمال عن الاستقلالية إلى التعدد، وهذا خلفٌ، فكل مورد يلزم من فرض وجود شيء عدمه اختلفوا على هذا بالخلف تارة وباللزوم مع فرض عدمه، فمع فرض كون الاستعمال استقلالياً والمستعمل فيه متعدداً يلزم خلف الفرض، فيلزم أن لا يكون الاستعمال استقلالياً في كلّ واحدٍ وهو خلف الفرض، ويلزم من فرض الموضوع عدمه.

وفيه:- إنَّ الاستعمال استقلالي بلا إشكال، فيمكن أن يكون الاستقلالية من جهة ومن جهة استقلالي كالعين الباصرة ومن جهة استقلالي في العين الجارية، فالجهات والحيثيات أمور اعتبارية اضافية مهما أمكن فرض الاستقلالية بالنسبة إلى كل من المعنيين أو المعاني يرتفع إشكال الخلف فالإشكال مبني على أن تكون الاستقلالية من جهة  واحدة وحيثية واحدة ولا نقول بذلك مستعمل استقلالياً في العين الجارية في حيثية استقلالياً أيضاً في العين الباكية في حيثية أخرى، فمع فرض تعدد الجهة والحيثية والاضافية الاعتبارية يرتفع الاشكال من الأساس، فهذا الدليل مدفوع.

الدليل الثاني: – إنَّ اللفظ موضوع بالمعنى بقيد الوحدة فإذا استعمل في أكثر من الواحد يكون مجازاً، فيكون من باب استعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء والكلام بما إذا كان بنحو الحقيقية لا بما إذا كان بنحو المجاز.

ولابد من تفصيل هذا القول وأنَّ الوحدة التي قالوا بها من أي جهة وفي أي مورد؟

إن في ذلك احتمالات: –

الاحتمال الأول: – فالوحدة التي قالوا بها تارة تتصور في الموضوع له بأن يكون الموضوع له مركباً وبقيد الوحدة، فوضع زيد للشخص الخارجي مع قيد الوحدة، فيكون الموضوع له مركباً من شيئين الذات الخاصة وقيد الوحدة.

الاحتمال الثاني: – ما إذا لم تكن الوحدة قيداً خارجياً بل كانت الوحدة شرطاً ذهنياً، وضع الواضع اللفظ لذات المعنى بشرط أن يستعمل واحداً بلا أن يستعمل مع غيره.

الاحتمال الثالث: – أن تكون الوحدة ملحوظة بنحو القضايا الحينية، ففي حين وحدة المعنى وضع اللفظ لهذا المعنى، لا أن يكون قيداً ولا أن يكون شرطاً.

الاحتمال الرابع: – أن تكون الوحدة من باب الداعي للوضع، لا أن يكون قيداً للموضوع له، ولا أن يكون شرطاً، ولا أن يكون من قبيل القضايا الحينية، بل داعي وضع الواضع للفظ لهذا المعنى أن يستعمل في الوحدة دون غيرها.

هذه هي الوجوه المتصوّرة في هذا القول.

والكل باطل عاطل مخالف للوجدان: –

أما الأول: – فإنا نرى بالوجدان أنَّ الواضع للمعنى الخاص لا يجعلون المعنى مركباً من شيئين الدال وغيره، فلكل فرد من أفرادنا أولاد وسميناها بأسماءً خاصة حين الوضع، وحين التسمية لم يخطر بخاطرنا أنَّ اللفظ موضوع للمعنى مع قيد الوحدة، فهذا الاحتمال ساقط ولا ينبغي لذكره.

وأما الاحتمال الثاني: – وهو أن يكون اللفظ موضوعاً للمعنى بشرط المعنى أي بشرط أن تستعمل وحده، فهو كذلك لأصالة اعتبار عدم هذا الشرط جارية في جميع الأوضاع العالمية إلا أن يدل دليل على ذلك، فالاحتمال الأول والاحتمال الأخير مخالف لأصالة عدم التقييد للفظ الأول وأصالة عدم التقييد للفظ الثاني، وأنهما مخالفان للوجدان لأوضاعنا التي نراها ونضع الألفاظ لمعانيها.

وأما احتمال أن يكون المراد بالوحد بنحو القضية الكلية يعني أن الواضع وضع اللفظ لمعنى في حين كونه واحداً لا أن يلحظه بنحو التقييد أو الشرط ففيه: – إنَّ هذا ليس تقييداً للمعنى لما أثبتناه في محله من أنَّ الخصوصيات التي تكون حال الوضع ليست مأخوذة لا في الموضوع له ولا في المستعمل فيه، فالجهات التي تحفّ بالواضع حين وضعه ليست مأخوذة في الموضوع له ولا في المستعمل فيه، فهو وضع اللفظ للمعنى في حال برودة الهواء، أو هو وضع اللفظ للمعنى في حال حرارة الهواء، فلم يقل أحد بأنَّ هذه الخصوصية مأخوذة في الموضوع له ولا في الموضوع.

وأما الاحتمال الرابع وهو أن يكون وضع اللفظ للمعنى الداعي بأن يستعمل وحدة لا أن يستعمل مع غيره ففيه: –

أولاً: – من قال إنَّ داعي الوضع هذا لا يفترق عن الدواعي فإن هذا لا يعلمه إلا علّام الغيوب.

ثانياً: – ثم بعد ذلك من قال إنه يشترط في المستعملين أن يلاحظوا داعي الواضع لو فرض أنَّ داعيه خلاف ذلك، فلا ينفعا في الاستعمال أصلاً.

فاعتبار قيد الوحدة في جميع الشقوق المتقدمة ساقط، فيجوز الاستعمال في أكثر من معنى من هذه الجهة لسقوط هذا الدليل بجميع شقوقه.

الدليل الثالث: – ما اختاره جمع منهم صاحب الكفاية قدست أسراهم، وهو أنَّ اللفظ قائم في المعنى من كل حيثية وجهة، فكأنه بالاستعمال نفس المعنى ألقي إلى المخاطب لاحتواء اللفظ لكل حيثيةٍ وجهةٍ في المعنى، ولا يعقل تماهي شيءٍ واحدٍ في اسمين لأنه يلزم أن يصير شيء واحد لمعنىً واحدٌ اثنان وهذا خلف، وقد اختار هذا في كفايته بشرح مفصّل، حيث أنَّ اللفظ قائم في المعنى وكأنه حين الاستعمال نفس المعنى يلقى إلى المخاطب، فإذا صار استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد يلزم فناء شيءٍ واحدٍ في شيئين وهذا يلزم تعدد الواحد وهو محال، فلا يجوز استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى من هذه الجهة.

ويرد عليه: – إنَّ اللفظ متعين خارجي، فاللفظ من باب الشيء المتعين باتفاق جميع العقلاء والعلماء، والمعنى شيءٌ متعينٌ خارجيٌ، ولا يعقل فناء متعينٍ في متعينٍ آخر، فالفناء متقوّم بأن يذهب التعيّن من أحدهما، ومادام كل منهما متعيناً من كل جهة فلا يعقل الفناء أصلاً، كما في الفناء الذي عند الأنبياء والأوصياء، فيقولون إنَّ الفناء في الله هو عين البقاء بالله، فمادام العبد متعيناً بشهواته الجسمانية وجهاته المادية لا يعقل الفناء أصلاً وأبداً، ولم يتبنّاه أحد، لأنَّ حقيقة الفناء متقرّر بأن ينسلخ أحد الطرفين عن جميع حيثياته حتى يحصل الفناء في الآخر، وفي المقام بعد كون اللفظ كيفا متعيّناً والمعنى أيضاً داخلٌ في إحدى المقولات المتعيّنة، فكيف يعقل فناء إحدى المقولات في مقولةٍ أخرى، بل اللفظ نحو عنوان مشير إلى المعنى، ويمكن أن يتحقق عنوان خارجي يشار بها إلى شيء بل إلى أشياء، فهذا الدليل أيضاً ساقط، فلا وجه لمسألة الفناء في المقام، بل هو علامة وعنوانٌ، فيصح أن يكون شيء واحد علامةً وعنواناً لأشياء كثيرة.

الدليل الرابع: – ما أن يقال من أنَّ استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد يلزم تكثير الواحد وتكثير الواحد محال، فاستعمال المشترك في أكثر من معنى محال، فقالوا إنَّ الواحد من حيث هو واحد لا وجه للتكثر فيه فإنَّ الكثرة متنافية ومتباينة مع الواحد، فإذا استعملنا المشترك في أكثر من معنىً واحد يلزم في اللفظ المشترك التكثّر، وتكثّر الواحد باطل.

وهذا الدليل ساقط وباطل لما أثبت جمع من أعاظم الحكماء: – من أنَّ حقيقة الوجود واحد في عين أنه متكثر، وأقاموا على ذلك براهين كثيرة الوحدة في عين الكثرة والكثرة في عين الوحدة، ومع قطع النظر عن ذلك في المقام نقول: – إذا كان الواحد متكثراً من جهةٍ واحدةٍ وحيثيةٍ واحدةٍ يلزم ما قلتم، ولكن إذا كان الواحد متكثراً من جهاتٍ كثيرةٍ فأيّ مانعٍ فيه من عقلٍ أو نقل.

فتلخص من جميع ما ذكرنا أن جميع الأدلة التي أقاموها على امتناع استعمال المشترك اللفظي في أكثر من معنى واحدٍ ساقطة، فيجوز استعمال المشترك اللفظي في أكثر من معنى واحد مستقلاً لأصالة الجواز ما لم يدل دليل عليها.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"