الموضوع: بحث الأصول – مباحث الألفاظ – أنحاء تعدد الشرط والجزاء .
إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء في ظاهر الكتاب فهل يتعدد الجزاء أيضاً أو لا؟
ومثال ذلك شائع في الفقه من أوّله إلى آخره، فإذا ورد في الدليل ( إذا بلت فتوضأ ) فبال مكرّرا ومتعدداً فيجب عليه الوضوء متعدداً أيضاً، فإذا ورد في الدليل ( إذا تكلمت ساهياً في الصلاة تجب سجدة السهو ) فتكلّم ومرات في دفعةٍ واحدة هل يجب عليه السجود متعدداً؟، وإذا ورد في الدليل ( إذا استزلَّ المحرم في احرامه يجب عليه الفداء )، فلو استزّل محرم مرات عديدة في ساعةٍ واحدةٍ هل يجب عليه الفداء مكرراً أو لا؟ فالمسألة سارية من أوّل الفقه أوّل الشهادات إلى آخر الديّات وقد عنونها الاصوليون قدست أسرارهم في كتبهم الأصولية والفقهاء في كتبهم الفقهية، وعنوان المسألة قلنا إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء في ظاهر الكتاب هل يتعدد الجزاء أو لا يتعدد الجزاء.
ولابد من بيان أمور توضيحاً للمقام: –
الأمر الأول: – إنَّ الشرط إما أن يكون من سنخ واحد أو من أسناخ متعددة، وعلى كل واحدٍ منهما إما أن يكون المحل قابلاً للتكرر – أي تكرر الجزاء – أو أنَّ المحل غير قابل للتكرر، أما إذا كان من سنخ واحد مثل ما إذا ورد في الدليل ( إذا بلت فتوضأ ) فبال مكرراً فهل يجب عليه أن يتوضأ مكرراً لإطلاق قولهم عليهم السلام ( إذا بلت فتوضأ ) والاطلاق يقتضي أن يتوضأ مكرراً، وأما إذا كان من سنخٍ متعدد مثل ما ورد ( إذا بلت فتوضأ وإذا نمت فتوضأ وإذا خرج منك الريح فتوضأ ) فهذه أسناخٌ متعددة وحصلت منه الأسناخ المتعددة في محلٍّ واحد فهل يجب عليه الوضوء متعدداً أو لا؟، وكل منهما إما مع قابلية المحل للتعدد كالمثال الذي تعرضنا له، أو عدم قابلية المحل للتعدد وذلك كثير في الحدود والقتل وأمثال ذلك، فإذا ورد في الدليل ( إذا زنى شخص محصناً يقتل ) فزنى مكرراً في يومٍ واحد فالموضع غير قابل للتعدد، لأنه إذا قُتِل بالسبب الأول لا موضوع للقتل في السبب الثاني، فالأقسام أربعة مذكورة في فقههم وأصولهم، فالشرط إما أن يكون من سنخٍ واحد أو من أسناخٍ متعددة، وعلى كلّ واحد منهما إما أن يكون المحل قابلاً لتكرر الجزاء أو لا يكون قابلاً لتكرر الجزاء، وظاهرهم أنَّ جميع هذه الأقسام الأربعة هي مورد البحث إلا إذا فيما إذا لم يكن المحل قابلاً للتكرر، هذا هو الأمر الأول الذي أطالوا الكلام فيه في فقههم وأصولهم، وهذه خلاصة الكلام.
الأمر الثاني: – الاحتمالات في هذه المسألة بحسب مقام الثبوت أربعة: –
الاحتمال الأول: – إنه يلزم يتكرر الجزاء عند تكرر كل شرط إلا فما إذا لم يكن المحل قابلاً للتكرر، فيما إذا كان الشرط من سنخٍ واحد أو من اسناخٍ متعددة فقال به جمع جموداً على اطلاق الشرط، ففي ( إذا بلت فتوضأ ) الشرط علّة تامة منحصرة لثبوت الجزاء، والمفروض أنه حصلت منه علل كثيرة إما من سنخٍ واحد أو من أسناخٍ متعددة فمقتضى الاطلاق تكرر الجزاء عند تكرر الشرط.
الاحتمال الثاني: – وقال به جمع أيضاً، وهو أنه إذا كان الشرط من أسناخ متعددة يكرر الجزاء وأما إذا كان الشرط من سنخٍ واحد فلا يكرر الجزاء، فإذا بال متعدداً لا يكرر الجزاء لاستظهار هذا القائل إنَّ الشرط إنما هو طبيعة البول والطبيعي لا تكرر له بحسب تكرر له بحسب تكرر أفراده، وأما إذا كان الشرط من أسناخ متعددة يجب تكرر الجزاء أيضاً، ونسب إلى العلامة في جملة أقواله في فقهه وأصوله، فإذا نام شخص في محل ثم بال بعد الاستيقاظ من نومه أو بال ثم نام أو بال في نومه يجب عليه الوضوء مكرراً، لأنَّ كل واحدٍ مهما سبب مستقل لوجوب الوضوء، ففصّلوا قدس الله أسرارهم بين ما إذا كان الشرط من سنخٍ واحد وتكرر فلا يتكرر الجزاء معه، وبين ما إذا كان الشرط من سنخين أو أسناخٍ فهنا يتكرر الجزاء، وكذلك في كفارات افطار شهر رمضان إلى غير ذلك.
الاحتمال الثالث: – وبه قال جمع أيضاً، وهو أنَّ الشروط المتعددة سواء كانت من سنخٍ واحد أو من أسناخٍ متعددة ترجع إلى شرطٍ واحد، واصطلحوا على هذا بتداخل الأسباب، فإذا حصل منه شروط متعددة والجزاء واحد فإنَّ جميع هذه الأسباب تتداخل في شيءٍ واحد وفي حاق الواقع الشرط واحد لا أن يكون متعدداً، واصطلحوا عليه في الفقه من أوّله إلى آخره بتداخل الأسباب، يعني أنَّ الأسباب والشروط فيها وإن كانت متعددة ولكن جميع هذه الشروط والأسباب تتداخل وتكون شرطاً واحداً، كما إذا صدق جميع موجبات الوضوء من البول والحدث والنوم وغير ذلك فجميع هذه الأسباب يرجع إلى شيءٍ واحد وهو عنوان الحدث فالسبب في هذا الواقع والشرط في هذا الواقع واحد وهو الحدث، فالمشروط يكون واحداً.
الاحتمال الرابع: – وهو عن جمعٌ آخر أيضاً، وهو أنَّ الأسباب وإن تعددت سواء كانت من سنخٍ واحد أو من أسناخٍ متعددة يكتفى في مقام الامتثال بجزاءٍ واحدٍ ومسبَّبٍ واحد، فالأسباب متعددة في ظاهر الكلام ولكن الشارع المقدس يكتفي بمسبَّبٍ واحد، وقد اصطلحوا على ذلك في فقههم بتداخل المسبَّبات، فإذا بال ثلاث مرات أو بال ونام وأحدث يجب عليه ثلاث وضوءات ولكن الشارع الأقدس اكتفى في مقام الامتثال بوضوءٍ واحد.
هذه أقوالهم قدس الله أسرارهم، فما الدليل على هذه الأقوال وأيّ وجهٍ استندوا إليه.
ولابد لا أولاً من تحقيق المطلب بحسب القاعدة ثم الاستظهار من القرائن العرفية الخاصة أو القرائن العرفية العامة فنقول: – إنَّ مقتضى القاعد تعدد المسبَّب بتعدد السبب سواء كان السبب من سنخٍ واحد أو من أسناخٍ متعددة، لذا استظهرنا أيضاً من القرائن العرفية أنَّ لكل شرط سبب مستقل منحصر في حصول جزاءٍ واحد، فإذا ورد في الدليل ( إذا نمت فتوضأ وإذا بلت فتوضأ ) فنام مكرراً وبال مكرراً فكل واحدٍ منهم كان سبباً لوجوب الوضوء لفرض أنا قد استظهرنا من الأدلة أنَّ الشرط علة تامة منحصرة لوجوب الجزاء، فإذا حصلت علل متعددة يجب عليه معلولات متعددة، نعم فيما إذا لم يكن المحل قابلاً للتعدد كالقتل ونحوه حيث لا موضوع حينئذٍ فالعقل يحكم بسقوط التعدد لأنه لا موضوع للتعدد، ولكن في غيره مقتضى ما أثبتناه من أنَّ الشرط علّة تامة منحصرة لوجوب الجزاء أنه يجب تعدد الجزاء عند تعدد الشرط مطلقاً إلا إذا دل دليل بالخصوص على العكس، هذا هو مقتضى اطلاق الشرط في القضايا الشرطية ولكن خرجنا عن هذه القاعدة بأدلة خاصة، قام إجماع قدست أسرارهم أنَّ في كلية الأحداث الصغيرة إذا حصل منه أحداث صغرى سوء كانت من سنخ واحد أو من أسناخ متعددة لا يجب عليه إلا وضوء واحد، فلو أحدث شخص من أوّل طلوع الشمس إلى الغروب بأحداث صغرى مختلفة اجمعوا على أنه لا يجب عليه إلا وضوء واحد، فالاجماع دليل وقرينة على أنَّ تلك القاعدة في مورد الضوء غير واردة لأجل هذا الاجماع، وكذا ورد النفي في ما ورد عن أبي جعفر عليه السلام:- ( إذا اجتمعت لله عليك حقوق يكفيك غسل واحد ) فلو اجتمع على المكلف أسباب عشرة للغسل الجمعة والجناة والحج والتوبة والزيارة إلى غير ذلك فإذا اجتمع لله عليك حقوق يكفيك غسل واحد، وقد أفتى جميع فقهائنا بذلك في هذين الموردين، فهما خارجان عن مورد القاعدة التي أسسناها في المقام وقلنا إنَّ لكل شرط يوجد جزاءً مستقلاً فهو في الأحداث الكبار فإنه تتداخل جميع أسباب الغسل ولا منفعة لتلك القاعدة، كذا في جملة من الموارد كما لو استزلّ محرم خلال احرامه في ساعة واحدة أو في نصف ساعة أو في ربع ساعة مثلاً مرات متعددة ليس لفقيه أن يقول يجب عليه كفارات متعددة، كما لو دخل في السيارة ثم خرج ثم دخل ثم خرج فهل يجب عليه ثلاث كفارات بسبب هذا الفعل الذي أحدثه، وكذا في الصلاة لو سهى ولم يقرأ السورة أو سهى ولم يقرأ الفاتحة وقال الله أكبر ودخل في الركوع فهل يجب عليه سجود السهو بعدد كلمات الفاتحة والسورة أو بعدد آيات الفاتحة والسورة أو بعدد الفاتحة والسورة أو يجب عليه سجدة السهو مرة واحدة؟، فالمسألة جارية وبحسب الأصل العملي من موارد دوران الأمر الأقل والأكثر الأقل معلوم والأكثر مشكوك فليس لنا أن نستفيد من الأدلة اللفظية شيء.
ومحصل الكلام: – إنه قد رود الدليل في الأحداث الصغرى أنه يتداخل ولا يجب إلا وضوء واحد وفي الأحداث الكبرى أنه يجزي غسل واحد، وكذا الحال في جملةٍ كثيرةٍ من الموارد، وإنما الكلام فيما إذا لم يكن هناك دليل أو تكون قرينة عامة على التداخل والاكتفاء بالجزاء الواحد فإنَّ هذا سيأتي الكلام عنه.