1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس التاسع

الموضوع: بحث الأصول – مباحث الألفاظ – من ثمرات الصحيح والأعم  .

وأيضاً من الأصوليين قدس الله أسرارهم ذكر ثمرة أخرى من الصحيح والأعم:- حيث ذكرت هذه الثمرة في جملة من الكتب ولكن محققي مشايخنا قدس الله أسرارهم لم يذكروا هذه الثمرة أصلاً لعدم تسليمهم بهذه الثمرة، فهم قالوا لو نذر شخص ترك الصلاة في الأمكنة المكروهة أو ترك الصلاة مع الألبسة المكروهة، يترك الصلاة في الأثواب مطلقاً ويترك الصلاة في أمكنة كثيرة ربما تبلغ ثلاثين موضعاً، فلو نذر شخص أنَّ لا يصلي في الحمّام وهو مكان مكروه أو لا يصلي مع لباسِ سوادٍ وهو مكروهٌ الصلاةُ فيه فبناءً على القول الأعم سوف ينعقد نذره ولو صلى فيه تصح صلاته وتجب عليه الكفارة، أما صحة صلاته فلأنَّ المنذور أعم من الصحيح والفاسد، وأما أنه تجب عليه الكفارة لفرض أنه خالف نذره ومقتضى اطلاق أدلة وجوب الكفارة في مخالفة النذر وجوبها عليه، هذا على الأعم الصلاة صحيحة والكفارة واجبة.

وأما على الصحيح فلا يتصوّر الحنث أصلاً، لفرض أنه نذر أن يترك الصلاة في المحل المكروه فإذا أتى في الصلاة في هذا المحل تكون صلاته باطلة لفرض تعلّق النذر به فصلاته تكون باطلة ولا يتحقق الحنث بذلك، لأنَّ النذر تعلّق بالصلاة الصحيحة على الفرض بناءً على الوضع للصحيح والمفروض أنه بعد الاتيان بالمنذور في هذا المحل تكون صلاته باطلة لتعلّق النهي النذري بهذه الصلاة والنهي في العبادة يوجب البطلان، فلا يتحقق الحنث في مثل هذا النذر بناءً على الصحيح أصلاً وأبداً ولا تجب الكفارة لو صلى في هذا الموضع، بل يلزم من وجوب النذر عدمه لأنَّ النذر تعلّق بالصلاة الصحيحة المفروض أنَّ المكلف غير قادر على الصلاة الصحيحة، فيلزم بطلان النذر بناءً على القول بالوضع للصحيح. وهذه ثمرة قالوها في هذا البحث.

وفيه: –

أولاً: – إنَّ هذه الثمرة لا ربط لها بالمسألة الأصولية أصلاً وأبداً لما ذكرنا في أول مباحث علم الأصول من أنَّ المسألة الأصولية ونتيجة مباحثه لابد وأن تكون كبرى كلية تقع في طريق الأحكام الإلهية، يقال هذا أمرٌ وكلُّ أمرٍ ظاهرٌ في الوجوب فهذا ظاهر في الوجوب، فكل أمر ظاهر في الوجوب هو ثمرة أصولية ونتيجة بحثٍ أصولي يقع في طريق استفادة الأحكام الإلهية، أو أن تكون الثمرة في طريق الاعتذار، فالمولى وإن لم يكن حكم في البين قال هذا مجهول الحكم وغير معلوم وكل غيرُ معلومٍ ومجهول يرجع فيه إلى البراءة ولا عقاب فيه، فهذا يرجع إلى البراءة ولا عقاب فيه، فثمرة المسألة الأصولية لابد وأن تكون قاعدة كلّية فيما يستفاد منها الأحكام الفرعية أو تقع في طريق الاعتذار، وهذه الثمرة لا كلّية فيها أصلاً وأبداً، بل هي مسألة فرعية مبنيّة على قولين ومبنية على أمرين، كما أنه في مسائلتا الفرعية كثيرة من أول الفقه إلى آخره في جملة منها أقوال مختلفة مبنية على مبنيين، وما نحن فيه من هذا القبيل، يقال إنَّ ماء البئر ينفعل بملاقاة النجاسة بناءً على أنَّ الماء قليل ولا ينفعل بملاقاة النجاسة بناءً على أنه معتصم، فهذه مسألة فقهية بلا إشكال لا ربط لها بالأصول، وما نحن فيه من نذر ترك الصلاة في محلٍ مكروه أو في لباسٍ مكروه وصلى فيه فصلاته صحيحة بناءً على الأعم وصلاته باطلة بناءً على الصحيح، فهذه مسألة فرعية فقهية ذات قولين على المبنيين لا أن تكون قاعدة كلية يستفاد منها في المباحث الأصولية، فلا وجه لعدّها من الأصول، فلذا ترك هذه الثمرة جمع من الأعاظم قدس الله أسرارهم ولم يتعرضوا لها باللفظ ولا بالإلزام لأكونها أجنبية عن المقام.

ثانياً: – إنَّ النذر في كل مقام يتبع قصد الناذر، فهذا الذي نذر أن لا يصلي في المكان المكروه أو في الزمان المكروه أو في اللباس المكروه إنَّ قصد الصلاة الصحيحة تكون صلاته باطلة في هذا المحل سواء قلنا بوضع لفظ الصلاة للصحيح أو للأعم، وإن قصد بالصلاة الأعم من الصحيحة والفاسدة فصلاته صحيحة سواء قلنا بوضع الألفاظ للصحيح أو الأعم، فهذه المسألة تابعة لقصد الناذر لا أن تكون مبنيّة على وضع الواضع ووضع الشارع واستعمال الشارع، فبينهما فرق، فلا ربط لهذه الثمرة بالمقام من هذه الناحية.

وأما حكم هذه الصلاة في أمثال المقام، كما لو نذر شخص أن لا يصلي في المكان المكروه أو في الزمان المكروه كعند طلوع الشمس أو عند غروبها أو في اللباس المكروه فهذا النذر عن نهي خارجي تعلّق بهذه العبادة، وسنثبت في النهي في العبادات أنَّ النهي المقدّمي والخارجي لا يوجب بطلان العبادة، فيأتي إن شاء الله تعالى تحرير البحث بأنَّ النهي في العبادة يوجب الفساد بلا إشكال، ولكن النهي على قسمين، نهي أوّلي ذاتي ونهي ثانوي عرضي، فالنهي إذا كان أوّلاً وبالذات وتعلّق بالعبادة فسوف تلك تكون العبادة باطلة بلا إشكال، مثل لا تصلِّ في الذهب ولا تصلِّ في الميتة ولا تصلِّ في الغصوب إلى غير ذلك من  العناوين، ولكن لو كان النهي بالعرض لا بالذات فلا يبطل العبادة، فبناءً على هذا في جملةٍ من هذه النذور لو صلّى فصلاته صحيحة ولكن وقع الحنث وتجب عليه الكفارة مع صحة الصلاة، ونظير ذلك من نذر أن يصلي صلاة الظهر جماعةً فصلى فرادى، فتكون صلاته صحيحة ولكنه حنث النذر، فالمسألة سيّالة في جلمةٍ كثيرةٍ من فروعها عن جمعٍ كثير أنه إذا صلى فرادى تكون صلاته صحيحة وتجب عليه الكفارة لمخالفة النذر، وسيأتي تحقيق ذلك.

هذه نخبة القول في ألفاظ العبادات قد قلنا أولاً أنها باقية على المعاني اللغوية وأنَّ الشارع الأقدس زاد فيها قيوداً ونظمها تنظيماً ورتبها ترتيباً، ثم قلنا بأنه لا دليل على الوضع الشرعي بالنسبة إليها، فالاستعمال معلومٌ والوضع مشكوكٌ فيرفع بالأصل، ثم قلنا إنها استعملت في الصحيحة الاقتضائية كما في جميع الموارد ثم نفينا الثمرة من الصحيح والأعم بجميع الوجوه التي قيلت فيه.

وأما المعاملات فالبحث فيها من جهات: –

الجهة الأولى: – إنَّ مقتضى الأصل بقاء المعاني المعاملات وألفاظها حين البعثة وبعد البعثة وإلى زماننا هذا، فلا ريب ولا إشكال في أنَّ جميع تلك المعاملات من الأصول النظامية البشرية يتوقف نظام البشر عليها كالبيع والصلح والنكاح الاجارة والمزارعة إلى غير ذلك فكان كل ذلك قبل البعثة بالمعاني التي تكون فعلاً عندنا، فإنَّ هذه الألفاظ أيضاً كانت قبل البعثة ولم يظهر الشارع الأقدس بالنسبة إليها لا لفظاً ولا معنىً أنها كانت قبله عدماً، وإنما زاد الشارع الأقدس حدوداً في جلمةٍ منها وقيوداً ونظمها وهذبها لا أنه يأتي بشيءٍ مسبوقٍ بالعدم، فالبيع هو البيع الذي كان قبل البعثة، والنكاح أيضاً كذلك، والعتق أيضاً كذلك، إلا أنَّ الشارع أضاف حدوداً وقيوداً لها، ونحن قلنا عين هذا الكلام في الألفاظ العبادية فضلاً عن الألفاظ المعاملية، فلا وجه لبحث الحقيقة الشرعية بالسنبة إلى ألفاظ المعاملات مطلقاً من أول البيع إلى آخره، لأنها حقائق لغوية كانت قبل البعثة وعند البعثة وبعد البعثة إلى يوم القيامة وإنما زاد الشارع فيها قيوداً حدوداً.

الجهة الثانية:- إنه في المعاملات مطلقاً يلحظ عنوان السبب والمسبَّب، مثل بعت واشتريت سبب، فأنكحت وقبلت سبب، وأنت حرّ اعتقتك سببٌ … إلى غير ذلك، فالملكية الحاصلة في البيع والزوجية الحاصلة في النكاح والحرية الحاصلة في العتق كلها مسبَّبات حاصلة من تلك الأسباب، ولا ريب ولا إشكال في أنه في جميع المعاملات والعقود والايقاعات من أوّل فقهنا إلى آخره أسباب ومسببات فلا ريب ولا إشكال في أنَّ الأسباب في العقود مركّبة بلا إشكال لتقوّم العقود الايجاب والقبول بحدودٍ خاصَّةٍ وأجزاءٍ مخصوصة، وكذا في الايقاعات لها شروط خاصة ولفظ مخصوص إلى غير ذلك، فالأسباب من المركبات بلا إشكال، ولكن الظاهر أنَّ المسببات بسيطة من كل جهة ولا تركّب فيها، فإذا قال البائع بعتك وقال المشتري قبلت فالسبب مركّب من الايجاب والقبول والشرائط والأجزاء، ولكن الملكية الحاصلة بهذا العقد هي أمرٌ بسيطٌ قائمٌ بالطرفين، فلو قال الزوج زوجتي طالق فهذا اللفظ مركّب من الأجزاء والشرائط ولكن فالرقة الحاصلة بين الزوج وزوجته أمرٌ بسيطٌ قائمٌ بهما لا أن يكون مركّباً من أمرين، وكذا الحال في جميع العقود والايقاعات، فلو قلنا إنَّ ألفاظ المعاملات من أولها إلى آخرها موضوعة للأسباب فسوف يتصوّر فيها الصحيح والأعم، لأنَّ موضوع الصحيح والأعم التمامية والنقصان، وكل مركّب يتصوّر فيه التمامية والنقصان، ولكن لو قلنا إنَّ أسامي المعاملات موضوع للمسبَّبات الحاصلة من تلك الأسباب فلا وجه لتطبيق الصحيح والأعم بالنسبة إليها لفرضها بسائط لا تركّب فيها حتى يتصوّر فيها التمامية والنقصان، وهذا صحيح وإنما الكلام في الاستظهارات العرفية، فهل المعاملات الدائرة بين الناس والاستعمالات الشائعة بينهم في هذه الألفاظ تستعمل في المسبَّبات أو تستعمل في الأسباب؟ ظاهر فقهاء الفريقين حيث يعنون كتاب البيع وكتاب النكاح وكتاب الطلاق وكتاب الاجارة والمزارعة أنها مستعملة في الأسباب لا أن يكون المراد المسبَّبات، وقد استعملت في الكتاب الكريم في الأسباب تارةً وفي المسبَّبات أخرى، وسيأتي هذا بعد ذلك.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"