بلا خلاف محقق فيه، كما في الجواهر، و تدل عليه جملة من النصوص كقول أبي عبد اللَّه عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «خذ حصى الجمار ثمَّ ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها»۱، و في صحيح الأعرج عنه عليه السّلام أيضا: «معنا نساء قال عليه السّلام: أفض بهن بليل، و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع، ثمَّ أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظيم فيرمين الجمرة- الحديث-»۲، و عن أحدهما عليهما السّلام: «أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام بليل فلا بأس فليرم الجمرة ثمَّ ليمض و ليأمر من يذبح عنه و تقصر المرأة و يحلق الرجل»۳ إلى غير ذلك من النصوص الآتية، و يدل عليه أيضا اهتمام النبي صلّى اللَّه عليه و آله، و الأئمة عليهم السّلام، و جميع المسلمين به كاهتمامهم بسائر واجبات الحج خلفا عن سلف.
و بعد ذلك لا وجه لما نسب إلى الشيخ من أنه من السنّة- على فرض كون مراده من السنّة الندب لا ما ثبت بغير القرآن- و إلا فليس مخالفا للمشهور، و يكفي الإخبار لحصول الاطمئنان بالوجوب كالاطمينانات الحاصلة من مثل هذه الأخبار في سائر المسائل.
و نوقش في الإجماع بأن مفاده وجوب أصل الرمي في الجملة بالنسبة إلى مطلق الجمار لا خصوص هذا الرمي، و في الأخبار بأنها لأجل اشتمالها على بعض المندوبات لا يستفاد منها الوجوب، و في فعل النبي صلّى اللَّه عليه و آله و المعصومين عليهم السّلام بأنه أعم من الوجوب.
و جميع هذه المناقشات مردودة.
أما الأولى: فلأن مورد دعوى الإجماع و عدم الخلاف خصوص رمي جمرة العقبة في يوم النحر فلا وجه لحمل كلماتهم على الإطلاق.
أما الثانية: فلأن استفادة الندب في بعضها بدليل خارجي لا يضر بظهورها في الوجوب فيما ليس عليه دليل خارجي على الندب.
و أما الأخيرة: فلأن الوجوب يستفاد من كثرة اهتمامهم به نحو اهتمامهم بالواجبات لا من جهة الفعل من حيث هو، و يأتي ما يتعلق بوجوب الهدي و التقصير بعد ذلك.
فائدتان: الأولى: الجمرة: علامة خاصة معروفة هناك سمي بها لرميها بالجمار و هي الحصاة، أو لاجتماع الحصاة عندها، و الظاهر أن الرجم و الجمر بمعنى واحد و الفرق بينهما اعتباري إذ الأول هو الرمي بالحصاة، و الثاني هو نفس الحصاة.
و الجمرات ثلاثة. الأولى: و هي التي تلي المشعر، و الوسطى، و العقبة:
و تسمى الأخيرة، كما تسمى (القصوى) و (العظمى) أيضا و هي أقرب الجمرات إلى مكة راجع الخريطة، و يجب رميها بالخصوص يوم النحر و يأتي حكم رمي باقي الجمرات بعد ذلك إنشاء اللَّه تعالى.
الثانية: رمي الجمرات كناية عن طرح الرذائل النفسانية، و دفع العقائد و الأخلاق الفاسدة و هو مظهر من مظاهر المدافعة مع الشيطان ليليق الرامي بذلك الغفران و مواهب حضرة الرحمن و يكون توبة فعلية في مقابل التوبة القلبية و القولية.
قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله: «إنما أمر برمي الجمار لأن إبليس اللعين كان يتراءى لإبراهيم عليه السّلام في موضع الجمار فيرجمه إبراهيم عليه السّلام فجرت بذلك السنة»4، و قال صلّى اللَّه عليه و آله أيضا: «رمي الجمار ذخر يوم القيامة»٥، و قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام «الحاج إذا رمى الجمار خرج عن ذنوبه»٦، و عنه عليه السّلام أيضا: «رمي الجمار يحط عنه بكل حصاة كبيرة موبقة و إذا رماها المؤمن التقفها الملك، و إذا رماها الكافر قال الشيطان باستك ما رميت»۷.