لما رواه الفريقان: «أن قدامة بن مظعون شرب الخمر فأراد عمر أن يحدّه فقال: لا يجب عليّ الحدّ، إن اللّه تعالى يقول لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا فدرأ عمر عنه الحدّ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فمشى إلى عمر فقال: ليس قدامة من أهل هذه الآية و لا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم اللّه، إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات لا يستحلون حراما، فاردد قدامة فاستتبه مما قال، فإن تاب فأتم عليه الحدّ، و إن لم يتب فاقتله، فقد خرج من الملّة، فاستيقظ عمر لذلك، و عرف قدامة الخبر، فأظهر التوبة و الإقلاع فدرأ عنه القتل و لم يدر كيف يحدّه، فقال لعلي عليه السّلام: أشر عليّ فقال عليه السّلام: حدّه ثمانين- الحديث-»۱، هذا إذا رجع استحلاله إلى تكذيب النبي صلّى اللّه عليه و آله، و إلا فقد تقدم الحكم في إنكار الضروري في كتاب الطهارة۲.
تقدم بعضها في الفصول السابقة إلا أن هنا مسائل:
(مسألة ۱): من شرب الخمر مستحلا لشربها و هو مسلم يستتاب فإن تاب يقام عليه الحدّ و إن لم يتب يقتل (۱)،و لا يقتل مستحل غير شرب الخمر من سائر المسكرات مطلقا (۲)، بل يحدّ بشربه خاصة (۳).
لعدم كون حرمة سائر المسكرات ضرورية بين المسلمين من جهة تحقق الخلاف فيها.
مع تحقق ما تقدم من شرائط الحدّ، لأن مقتضى الإجماع، و الإطلاق، عدم الفرق بين تناول جميع المسكرات في ثبوت الحدّ كما مر.
و كذا لا يقتل لو كان استحلاله لأجل حدوث إسلامه و سبق كفره، لما مر من النص۳.
(مسألة ۲): بائع الخمر مستحلا يستتاب فإن تاب قبل منه (٤)، و إن لم يتب يقتل إن رجع استحلاله إلى تكذيب النبي صلّى اللّه عليه و آله (٥)، و إن لم يكن مستحلا لها يعزره الحاكم الشرعي بما يراه (٦)، و بائع ما سواه من المسكرات لا يقتل و إن باعها مستحلا و لم يتب (۷).
أما استتابته فلفرض أنه اعتقد منكرا و صدر ذلك منه، فلا بد من استتابته إجماعا، و لما مر من النص في شربه، و أما قبول توبته فلعمومات قبول التوبة الشاملة للمقام أيضا.
لتحقق الارتداد بذلك إجماعا من المسلمين، و إن لم يرجع ذلك فقد تقدم في كتاب الطهارة حكم منكر مطلق الضروري4.
إذ لا ريب في كونه منكرا، و تقدم في كتاب الأطعمة و الأشربة ما ورد من التشديدات بالنسبة إليها، و قد لعن اللّه بائعها و شاربها و غارسها و غير ذلك٥، و للحاكم الشرعي الولاية في التعزير لحسمها.
لتحقق الخلاف و الاختلاف فيه، فلا يكون من ضروري الدين فينتفي الحدّ للشبهة. نعم يعزّر بما يراه الحاكم الشرعي.
(مسألة ۳): الظاهر أن صنع الخمر أيضا مثل ما ذكرناه سواء كان بالمباشرة أو بواسطة الآلات المعدة لذلك (۸).
لشمول جميع ما تقدم لذلك بالفحوى.
(مسألة ٤): لو ناول أحد شخصا الخمر فشربها فإن كان عن تعمد و اختيار عن كل منهما يحدّ الثاني و يعزّر الأول (۹)، و إن كان عن جهل من كل منهما فلا حدّ و لا تعزير (۱۰) و إن كان عن علم من الأول و جهل من الثاني يعزّر الأول و لا حدّ على الثاني (۱۱)، و لو انعكس يحدّ الثاني و لا تعزير على الأول (۱۲).
أما الحدّ الثاني (أي: الشارب)، لوجود المقتضي و فقد المانع. و أما التعزير بالنسبة إلى الأول، فلتحقق التسبيب منه إلى المنكر، فلا بد من تأديبه كما مر مكررا.
إن كان الجهل بالموضوع، فلما مر من اعتبار العلم في مسألة ۲ من الفصل الأول، و إن كان الجهل بالحكم، ففيه تفصيل بين القاصر و المقصر.
لجهل الثاني (أي: الشارب)، فلا حدّ عليه، و صدور هذا المنكر من الأول عن علم، فيعزر كما تقدم.
لصدور الفعل عن علم و اختيار، فالمقتضي للحدّ موجود و المانع مفقود، كما لا تعزير على الثاني لجهله بها.
(مسألة ٥): كما يجرى الحدّ في الخمر المعلوم كذلك يجري في ما قام عليها حجة معتبرة كالأمارة و قول ذي اليد و الاستصحاب (۱۳).
لفرض اعتبار جميع ذلك شرعا، كما ذكرنا في الأصول.
نعم، لو كان مترددا حين الشرب، و شربها من غير التفات إلى الحالة السابقة- مثلا- يشكل وجوب جريان الحدّ، لأن هذه نحو شبهة يدرأ الحدّ بها، كما تقدم.
(مسألة ٦): لو أقرّ مرّة واحدة و حصل للحاكم الاطمئنان من إقراره مرة واحدة يمكن الاكتفاء بذلك (۱٤).
أما بناء على كفاية الإقرار مرة واحدة، فهو معلوم. و أما بناء على اعتبار المرتين، فيمكن أن يقال اعتبار الثانية إنما هي فيما إذا كان لها نحو سببية في الجملة، لحصول الاطمئنان للحاكم، فلا يشمل مثل المقام بعد فرض حصوله للحاكم. و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، فمن يجتزي بالمرة، أي: فيما إذا حصل للحاكم الاطمئنان مع قطع النظر عن العموم- و من لا يجتزي بها، أي فيما توقف حصول الاطمئنان على مرتين.
(مسألة ۷): لو تاب متناول الخمر قبل ثبوت الحدّ بالبينة يسقط عنه الحدّ (۱٥)، و لو تاب بعد قيامها لم يسقط (۱٦)، و لو تاب بعد الإقرار فمقتضى الأصل بقاء الحدّ عليه (۱۷).
إجماعا في المقام.
للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.
نسب ذلك إلى جمع منهم الشيخ و ابن إدريس و المحقق (رحمة اللّه عليهم)، و لكن نسب إلى المشهور تخيير الإمام بين الاستيفاء و العفو، تنظيرا للمقام على ما تقدم في الزنا، بل يدلّ على المقام بالفحوى كما يأتي. و لكن التنظير قياس، و الأولوية غير قطعية.
- الوسائل: باب ۲ من أبواب حد المسكر: ۲.
- راجع ج: ۱ صفحة: ۳۷۲.
- راجع صفحة: ۳۹.
- راجع صفحة: 4۰.
- الوسائل: باب ۳4 من أبواب الأشربة المحرمة.