إجماعا، و نصوصا، منها قول علي عليه السّلام في الموثق: «أن الفرية ثلاث- يعني، ثلاث وجوه- إذا رمى الرجل الرجل بالزنا، و إذا قال: إن أمه زانية، و إذا دعا لغير أبيه، فذلك فيه حدّ ثمانون»۷، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر ابن صهيب: «إذا قال الرجل للرجل: يا معفوج [مفتوح] يا منكوح في دبره، فإن عليه حدّ القاذف»۸، إلى غير ذلك من الأخبار.
(مسألة ۱): موجب حدّ القذف الرمي بالزنا أو اللواط (۱)، و أما الرمي بسائر الفواحش كالسحق و نحوه فليس فيه حدّ القذف (۲). نعم لولي الأمر تعزير الرامي (۳).
للأصل، و الحصر المستفاد من الأدلة الآتية في خصوص الزنا و اللواط.
لأن حفظ حرمة المؤمن من شؤون ولاية الحسبة، و للحاكم الشرعي الولاية على أمور الحسبة و شؤونها، كما تقدم مكررا.
(مسألة ۲): يشترط في القذف أن يكون بلفظ له ظهور عرفي محاوري يعتمد الناس عليه في محاوراتهم (٤)، مثل أن يقول: «أنت زاني» أو «لائط» أو «ليط بك» أو «نكح في دبرك» أو «يا زاني» أو «يا لائط» أو نحو ذلك من الألفاظ الظاهرة في المعنى المقصود (٥). و يشترط أن يكون القائل عارفا بمعنى اللفظ الذي يقذف الغير به (٦).
لأن المناط كله في موضوعات الأحكام مطلقا إنما هو الظاهر المحاورية، فلا تختص بالصراحة المحضة، كما لا يترتب الأثر على المجملات مطلقا، فكل لفظ كان له ظهور عرفي في القذف يترتب عليه الأثر، كما في سائر الموارد من العقود و الإيقاعات و الأقارير و الوصايا و غيرها.
لأن كل ذلك ظاهر فكل ظاهر، يعتمد عليه في المحاورات و يترتب عليه الأثر.
لأن ذلك هو المنساق من الأدلة و المخاطبات في المحاورات، مضافا إلى الأصل، و الإجماع، و «درء الحدود بالشبهات»۹.
(مسألة ۳): لو تكلم الجاهل بالمعنى بأحد الألفاظ المذكورة فلا قذف و لا حدّ و إن علم المخاطب بمعناها (۷)، و لو عكس كما إذا قال العارف باللغة ما هو قذف و جهل المخاطب ذلك يكون قذفا و عليه الحد (۸).
لأصالة عدم ترتب الأثر إلا فيما إذا علم المتكلم بما يتكلم به، و إلا يكون من اللغو الباطل، فلو تكلم أحد بما يكون فحشا و هو لا يعرف تلك اللغة أصلا لا يلومه الناس أبدا و يعذرونه بجهله.
لصدق القذف عرفا، فيترتب عليه الحكم قهرا.
(مسألة ٤): إذا قال لولده الشرعي: «لست بولدي» مع عدم القرينة على الخلاف يكون ذلك قذفا و عليه الحدّ، و كذا لو قال لغيره «لست لأبيك» (۹)، و لو كانت في البين قرينة و لو حالية على الخلاف فلا قذف و لا حد (۱۰).
للصدق العرفي، مضافا إلى الإجماع، و النص، قال علي عليه السّلام في خبر السكوني: «من أقرّ بولد ثمَّ نفاه، جلد الحدّ، و الزم الولد»۱۰. و عنه عليه السّلام أيضا: «لم يكن يحدّ في التعريض حتى يأتي بالفرية المصرّحة، مثل يا زاني، يا ابن الزّانية، و لست لأبيك»۱۱.
للأصل، و الإجماع، و سقوط الظهور العرفي عن القذف بواسطة القرينة بل و للسيرة في الجملة، فكم من أب ذات مقام و شأن في العلم أو العمل أو هما معا يتوقع ذلك من ولده أيضا، و هو ليس بصدد تحصيله، يقول له: لست بولدي. و كذا بالنسبة إلى الغير، فلو كان زيد جوادا سخيا و كان له ولد بخيل لئيم، يقول الناس له: لست بولده، و هكذا في الأمثال و النظائر.
(مسألة ٥): يختلف التعبير في القذف. فتارة: يكون المخاطب هو المقذوف كما مر من الأمثلة. و أخرى: يقول القاذف: «يا أب الزاني أو الزانية» أو «يا أخت الزاني أو الزانية» أو «يا زوج الزانية» أو «يا أب اللائط أو أخاه» أو نحو ذلك من التعبيرات فيكون للمنسوب إليه الزنا أو اللواط فله المطالبة بالحدّ، فيحدّ القاذف لذلك و يعزر لإيذاء المخاطب و هتكه بما لا يجوز ذلك (۱۱).
لما تقدم من أن القذف هو الرمي و النسبة إلى الزنا أو اللواط، و المفروض أن القاذف لم ينسب المخاطب إلى شيء منهما و إنما نسب غيره، فحينئذ له المطالبة بالحدّ أو يكون له العفو دون المخاطب، نعم لا ريب في أنه هتك المخاطب بذلك، فيعزر بما يراه الحاكم لهتكه المؤمن بما لا يجوز، و يحدّ لقذفه الآخر إن طالبه.
(مسألة ٦): لا يثبت الحدّ مع تحقق الاحتمال في البين (۱۲)،و في مورد الترديد بين نفرين يثبت الحدّ مع مطالبتهما له (۱۳).
للأصل، و ما دلّ على درئ الحد بالشبهة۱۲، و أن التعيين و الجزم عرفا هو المنساق من الأدلة.
نعم، للحاكم التعزير بما يراه حفظا للنظام و دفعا للتقاذف بين الأنام بما لا يرتضيه الملك العلام.
لأن الحق لا يعدوهما و قد طالباه، فالمقتضي له موجود و المانع مفقود، و لو قذف أهل محل أو قرية أو بلد، فللحاكم التعزير.
و هل له إقامة الحد ولاية؟ وجهان من إطلاقات ثبوت الولاية له، و كون المقام من الحسبة، فيجوز له إقامة الحد. و من تحقق الشبهة فلا حد له.
(مسألة ۷): لو قال للملاعنة: «يا زانية» أو قال لابنها: «يا ابن الزانية» فعليه الحدّ (۱٤)، و لو قال: «زنيت أنت بفلانة» أو «لطت بفلان» يكون القذف للمخاطب (۱٥)، و لو قال لامرأة: «أنا زنيت بك» فلا حدّ للقذف (۱٦)، نعم لو أقر بذلك اربع مرات يحد حد الزاني (۱۷).
لصدق القذف عرفا بالنسبة إليها، و للإجماع، و قول الصادق عليه السّلام في رواية سليمان بن خالد: «يجلد القاذف للملاعنة»۱۳، و عنه عليه السّلام أيضا في صحيح الحلبي: «في رجل قذف ملاعنة، قال: عليه الحدّ»۱4، و في خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «عن رجل قذف امرأته فتلاعنا، ثمَّ قذفها بعد ما تفرقا أيضا بالزنا، أ عليه حدّ؟ قال: نعم عليه حدّ»۱٥.
لأنه المنساق عرفا من مثل هذا التعبير، و الشك في شموله للطرف يكفي في درء الحدّ بالشبهة.
للشبهة الدارئة للحدّ كما مر مكررا.
لقول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، قال عليه السّلام: عليه حدّ واحد لقذفه إياها، و أما قوله: أنا زنيت بك فلا حدّ فيه، إلا أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام»۱٦، و تقدم ما يرتبط بالمقام في حدّ الزنا.
ففي رواية حفص بن البختري عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام أنه قال لبعض ولده: «هل سعيت في وادي محسّر؟ فقال: لا، فأمره أن يرجع حتى يسعى فقال له ابنه: لا أعرفه فقال له: سل الناس»۱٥، و في مرسل الحجّال قال: «مرّ رجل بوادي محسّر فأمره أبو عبد اللَّه عليه السّلام بعد الانصراف إلى مكة أن يرجع فيسعى»۱٦ و إطلاقه يشمل ترك السعي عمدا، أو جهلا، أو سهوا، أو عذرا.
(مسألة ۸): كل ما ليس بقذف اصطلاحا و لكنه يوجب استخفاف الطرف و إهانته مع عدم كونه مستحقا للإهانة يوجب التعزير لا الحدّ (۱۸)، و لو كان مستحقا فلا يوجب شيئا (۱۹). و الفعل الذي يكون موجبا للهتك و الإيذاء مع عدم استحقاق الطرف لهما يكون كذلك (۲۰).
إجماعا، و نصوصا، منها ما عن الصادق عليه السّلام في صحيح عبد الرحمن:
«في رجل سبّ رجلا بغير قذف فعرض به، هل يجلد؟ قال عليه السّلام: لا، عليه تعزير»۱۷.
و عن أبي جعفر عليه السّلام في خبر أبي مريم: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الهجاء، التعزير»۱۸.
و في خبر إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام: «أن عليا عليه السّلام كان يعزر في الهجاء، و لا يجلد الحد إلا في الفرية المصرحة، أن يقول: يا زان، أو يا ابن الزانية، أو لست لأبيك»۱۹.
و في خبر حسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السّلام أنه شكا رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل قال احتملت بأمك، فقال عليه السّلام: سنضربه ضربا وجيعا حتى أنه لا يؤذي المؤمنين، فضربه ضربا وجيعا۲۰، إلى غير ذلك من الأخبار.
للأصل، و ظهور الإجماع، و النصوص، منها قول الصادق عليه السّلام: «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة۲۱. و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبهم و القول فيهم و أهينوهم- الحديث-»۲۲، إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة.
لعدم الفرق بين الهتك القولي و الفعلي، بل ربما يكون الثاني أشد و أقوى.
(مسألة ۹): لو قال: «أنت ولد شبهة» أو «حملت بك أمك في الحيض» أو قال لزوجته: «لم أجدك عذراء» كل ذلك ليس من القذف و لكن فيها التعزير (۲۱).
أما الأول: فلما مر من بيان موضوع القذف سابقا.
و أما الثاني: فلأنه إيذاء للمؤمنين، و كل ما يوجب أذى للمؤمن- مثل قوله يا أبرص يا أجذم يا أعور- فللحاكم التعزير، كما مر في النصوص السابقة، و عن الصادق عليه السّلام في رواية أبي بصير: «في رجل قال لامرأته: لم أجدك عذراء، قال عليه السّلام: يضرب، فإنه يوشك أن ينتهي»۲۳.
و عنه عليه السّلام أيضا في خبره الآخر: «ان العذرة قد تسقط من غير جماع، و قد تذهب بالنكية و العثرة و السقطة»۲4.
و أما صحيح ابن سنان: «إذا قال الرجل لامرأته: لم أجدك عذراء، و ليست له بينة، يجلد الحدّ، و يخلى بينه و بين امرأته»۲٥، محمول على التعزير إجماعا.
(مسألة ۱۰): يتوقف إجراء حدّ القذف على مطالبة المقذوف (۲۲).
لأنه من حقوق الناس، و تقدم أنها تتوقف على مطالبة صاحب الحق، و في موثق عمار عن الصادق عليه السّلام: «في رجل قال للرجل: يا ابن الفاعلة، يعني الزنا، فقال: إن كانت أمه حية شاهدة، ثمَّ جاءت تطلب حقها، ضرب ثمانين جلدة، و إن كانت غائبة انتظر بها حتى تقدم ثمَّ تطلب حقها، و إن كانت قد ماتت و لم يعلم منها إلا خيرا ضرب المفتري عليها الحدّ ثمانين جلدة»۲٦.
- سورة النور آية: ۱۹.
- سورة النور آية: ۲۳.
- السنن الكبرى للبيهقي ج: ۸ كتاب الحدود باب: ۳۸.
- السنن الكبرى للبيهقي ج: ۸ كتاب الحدود باب: ۳۸.
- الوسائل: باب ۴٦ من أبواب جهاد النفس: ۳۴.
- الوسائل: باب ۱ من أبواب حد القذف: ٥.
- الوسائل: باب ۲ من أبواب حد القذف: ۲.
- الوسائل: باب ۳ من أبواب حد القذف: ۲.
- الوسائل: باب ۲۴ من أبواب مقدمات الحدود.
- الوسائل: باب ۲۳ من أبواب حد القذف: ۱.
- الوسائل: باب ۱۹ من أبواب حد القذف: ۹.
- الوسائل: باب ۲۴ من أبواب مقدمات الحدود.
- الوسائل: باب ۸ من أبواب حد القذف: ۱.
- الوسائل: باب ۸ من أبواب حد القذف: ۳.
- الوسائل: باب ۱۳ من أبواب حد القذف: ۲.
- الوسائل: باب ۱۳ من أبواب حد القذف: ۱.
- الوسائل: باب ۱۹ من أبواب حد القذف: ۱.
- الوسائل: باب ۱۹ من أبواب حد القذف: ٥.
- الوسائل: باب ۱۹ من أبواب حد القذف: ٦.
- الوسائل: باب ۲۴ من أبواب حد القذف.
- الوسائل: باب ۱٥۴ من أبواب أحكام العشرة: ۴.
- الوسائل: باب ۳۹ من أبواب الأمر و النهي: ۱.
- الوسائل: باب ۱۷ من أبواب اللعان: الحديث: ٦.
- الوسائل: باب ۱۷ من أبواب اللعان: الحديث: ۱.
- الوسائل: باب ۱۷ من أبواب اللعان: الحديث: ٥.
- الوسائل: باب ٦ من أبواب حد القذف: ۱.