أما أصل الجواز فالبحث فيه.
تارة: بحسب الأصل الأولي أي البراءة العقلية و النقلية في الشبهات التحريمية الكلية.
و أُخرى: بحسب العمومات الأولية.
و ثالثة: بحسب أخبار المقام.
و رابعة: بحسب كلمات فقهائنا العظام.
أما الأول: فقد أثبتوا في الأصول بما لا مزيد عليه أن مقتضى الأصل- العقلي و النقلي في الشبهات الكلية التحريمية- الحلية، فلو شك في أن الاستمتاع بدبر الزوجة و المملوكة محرم أو لا؟ فالمرجع البراءة.
و أما الثاني: فمقتضى العمومات الأولية من الكتاب۱، و السنة كما سيأتي الدالة على جواز الاستمتاع بالزوجة و المملوكة ذلك أيضا.
و أما الثالث: فنصوص كثيرة منها ما عن الصادق عليه السّلام في رواية عبد اللَّه ابن أبي يعفور قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟
قال عليه السّلام: لا بأس إذا رضيت. قلت: فأين قول اللَّه عز و جل فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ قال عليه السّلام: هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللَّه إن اللَّه عز و جل يقول نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ»۲.
و منها رواية علي بن الحكم قال: «سمعت صفوان يقول: قلت للرضا عليه السّلام إن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك و أستحيي منك أن يسألك عنها، قال عليه السّلام: ما هي؟ قال: الرجل يأتي امرأته في دبرها، قال:
نعم ذلك له، قلت: و أنت تفعل ذلك. قال عليه السّلام: إنا لا نفعل ذلك»۳، إلى غير ذلك من الروايات.
و أما الأخير: فعن جمع منهم الشيخ و الحلي في السرائر الإجماع على الجواز هذا في أصل الجواز، و يشكل الاعتماد عليه لذهاب جمع من الفقهاء إلى الحرمة، مع احتمال أن يكون مدرك الإجماع الأخبار الموجودة لدينا.
و أما الكراهة فلأنها مقتضى الجمع بين ما مر من الأدلة و بين قول نبينا الأعظم صلّى اللَّه عليه و آله في رواية سدير: «محاش النساء على أمتي حرام»4، و قول الرضا عليه السّلام لابن خلاد: «أي شيء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟ قلت:
إنه بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأسا، فقال: إن اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول، فأنزل اللَّه عز و جل نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ. من خلف أو قدّام خلافا لليهود و لم يعن في أدبارهن»٥، فإن الجمع الشائع في الفقه من أوله إلى آخره، في مثل هذه الأخبار هو الحمل على الكراهة كما هو المتعارف بين الفقهاء.
و أما الاستدلال بقوله تعالى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ٦، فذكر الحرث و تكراره في الآية الشريفة قرينة على أن المراد مورد الحرث و هو القبل فلا يستفاد منها حكم الدبر.
و أما شدة الكراهة فلظاهر قوله عليه السّلام فيما مر: «إنا لا نفعل ذلك» فان الظاهر منه أنهم عليهم السّلام يتنزهون عنه و يستنكرونه، و في نفس المتدينين و المتدينات من ارتكابه شيء أيضا فيرون فيه نحو منقصة و حزازة.