أنهاها في الحدائق إلى ستة:
الأول: الجواز مطلقا.
الثاني: المنع مطلقا.
الثالث: جواز التمتع اختيارا و الدوام اضطرارا.
الرابع: عدم جواز العقد مطلقا و جواز التملك.
الخامس: عدم الجواز مطلقا و جواز المتعة و ملك اليمين.
السادس: عدم الجواز مطلقا و الجواز في حال الاضطرار.
و منشأ الاختلاف اختلاف الأخبار، و إنما حصل اختلاف الأقوال من ملاحظة بعض الأخبار و عدم ملاحظة مجموعها ورد بعضها إلى بعض ثمَّ استفادة الحكم من المجموع و جعله كخبر واحد.
و أما الأخبار فهي على أقسام ستة أيضا:
الأول: ما يظهر منه الجواز مطلقا مثل صحيح ابن وهب عن الصادق عليه السّلام:
«في الرجل المؤمن يتزوج اليهودية و النصرانية، فقال: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية و النصرانية؟!! فقلت له: يكون له فيها الهوى، قال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير، و اعلم أن عليه في دينه غضاضة»6، و هذا الحديث من محكمات الأخبار سندا و متنا و تعليلا و ظهوره في المرجوحية الغيرية و الغضاضة مما لا ينكر فلا بد من حمل غيره على الكراهة بحسب الموارد شدة و ضعفا.
و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن نكاح اليهودية و النصرانية؟ فقال: لا بأس به أما علمت انه كانت تحت طلحة بن عبيد اللّه يهودية على عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله»7.
الثاني: ما دل على التحريم المطلق مثل صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن نصارى العرب أتوكل ذبائحهم؟ فقال: كان علي عليه السّلام ينهى عن ذبائحهم و عن صيدهم و عن مناكحتهم»8.
و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا ينبغي نكاح أهل الكتاب قلت: جعلت فداك و أين تحريمه؟ قال: قوله تعالى وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ9»، إلى غير ذلك من الروايات.
الثالث: ما يدل على الجواز مع الضرورة مثل ما ورد عنهم عليهم السّلام كما في معتبرة يونس: «لا ينبغي للمسلم الموسر أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة و كذلك لا ينبغي له أن يتزوج امرأة من أهل الكتاب إلا في حال ضرورة حيث لا يجد مسلمة حرة و لا أمة»10، و قريب منه غيره.
الرابع: ما يدل على الجواز مطلقا على كراهة كما في صحيح عبد اللّه ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «سأله أبي و أنا أسمع عن نكاح اليهودية و النصرانية فقال: نكاحهما أحب إليّ من نكاح الناصبية و ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية و لا النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يتنصروا»11.
و في معتبرة حفص بن غياث قال: «كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مسائل، فسألته عن الأسير هل له أن يتزوج في دار الحرب؟
فقال عليه السّلام: أكره ذلك فإن فعل في بلاد الروم فليس هو بحرام و هو نكاح، و أما في الترك و الديلم و الخزر فلا يحل له ذلك»12، إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالة على الجواز مع الكراهة.
الخامس: ما يدل على تخصيص الجواز بالبلهة مثل صحيح زرارة قال:
«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن نكاح اليهودية و النصرانية؟ فقال: لا يصلح للمسلم أن ينكح يهودية و لا نصرانية إنما يحل منهن نكاح البله»13.
و في معتبرة حمران بن أعين قال: «كان بعض أهله يريد التزويج فلم يجد امرأة مسلمة موافقة فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: أين أنت من البله الذين لا يعرفون شيئا»14.
و في صحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام إني أخشى أن لا يحل لي أن أتزوج ممن لم يكن على أمري فقال: و ما يمنعك من البله؟ قلت و ما البله؟
قال: هي المستضعفات من اللاتي لا ينصبن و لا يعرفن ما أنتم عليه»15.
السادس: ما يدل على جواز التمتع مثل صحيح زرارة قال: «سمعته يقول:
لا بأس أن يتزوج اليهودية و النصرانية متعة و عنده امرأة»16.
و في معتبرة ابن فضال عن الصادق عليه السّلام: «لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية و النصرانية و عنده حرة»17، إلى غير ذلك من الروايات.
و دعوى: أن التمتع بالكتابية إذا صح فلا بد و أن يصح نكاحها دائما أيضا، لأنهما حقيقة واحدة كما يأتي.
غير صحيحة: لأن كون حقيقتهما واحدة لا تستلزم وحدتهما صنفا فيمكن أن يترتب على أحد الصنفين حكم دون الآخر.
ثمَّ أن نفس هذا الاختلاف الذي تقدم يدل على عدم إرادتهم عليهم السّلام لبيان نفس الحكم الواقعي بهذه المختلفات.
و استدل على المنع تارة: بأنهن مشركات موضوعا فيشملهن قوله تعالى:
وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ18.
و اخرى: بإطلاق قوله تعالى وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ19.
و ثالثة: بان الزواج موادة و هي منهي عنها في الآية الشريفة20.
و رابعة: بسراية دينها إلى دينه و دين أولاده.
و خامسة: بما تقدم من قول أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح: «كان علي عليه السّلام ينهي عن ذبائحهم و عن صيدهم و مناكحتهم»21.
و الكل مخدوش أما الأولى فلأنه خلاف اللغة و العرف و اصطلاح الكتاب و السنة.
و أما الثانية فلأنها منسوخة بآية وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ22، و هي في سورة المائدة التي قال فيها النبي صلّى اللّه عليه و آله: «آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها و حرموا حرامها»23، و ما في معناه ما عن علي عليه السّلام قال: «كان القرآن ينسخ بعضه بعضا و إنما يؤخذ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بآخره و كان آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها و لم ينسخها شيء لقد نزلت عليه و هو على بغلة شهباء، و قد ثقل عليه الوحي حتى وقفت و تدلى بطنها حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض و اعيى و أغمي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقرأ علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سورة فعمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عملنا»24 و كذا ما عن أبي جعفر عليه السّلام25.
و أما الثالثة و الرابعة فلا كلية فيهما كما هو معلوم، و الأخير محمول على الكراهة جمعا بين ما مر من الأخبار الدالة على الجواز.
فتبقى أصالة الحلية و عموماتها و إطلاقاتها على حالها مضافا إلى ما تقدم من صحيح ابن وهب الدال على الحلية مطلقا مع الكراهة جمعا بين الأخبار.
هذه خلاصة ما ينبغي ان يقال في المقام.
و مما ذكرنا يظهر الحال في حكم ملك اليمين لهم و اللّه العالم بالحقائق.