وهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، والصدقة الجارية التي تبقى للإنسان بعد موته.
مسألة ۱۲29: لا يكفي في تحقّق الوقف مجرد النية، بل لا بدّ من إنشاء ذلك بمثل: وقفت، وحبست ونحوهما ممّا يدل على المقصود.
مسألة ۱۲30: يقع الوقف بالمعاطاة أيضاً، مثل أنْ يعطي إلى قيّم مسجد أو مشهد آلات الإسراج أو يعطيه الفراش أو نحو ذلك، بل ربما يقع بالفعل بلا معاطاة مثل أنْ يعمّر الجدار أو الأسطوانة الخربة من المسجد أو نحو ذلك، فإنَّه إذا مات من دون إجراء صيغة الوقف لا يرجع ميراثاً إلى ورثته.
مسألة ۱۲31: الوقف إمّا خاص أو عام، والأول ما كان على شخص أو أشخاص، والثاني ما كان على مصلحة عامة كالمساجد والقناطر، أو على عنوان عام كالفقراء والعلماء ونحوهما.
مسألة ۱۲32: يعتبر في تحقّق المسجدية قصد خصوص عنوانها فقط، فلا يتحقّق بما قصد خصوص الصلاة أو الدعاء أو نحوهما، فإذا لاحظ الواقف منفعة خاصة مثل الصلاة أو الذكر أو الدعاء أو نحوها، من أنحاء العبادة فقال: (وقفت هذا المكان على المصلين أو الذاكرين أو الداعين) أو نحو ذلك، لم يصر مسجداً، ولم تجر عليه أحكام المسجد، وإنّما يصير وقفاً على الصلاة أو غيرها ممّا لاحظه الواقف، ويكون من القسم الأول الذي له موقوف عليه، وهو الذي لاحظ الواقف فيه المنفعة، وهو على أقسام:
الأول: أنْ يلحظ عود المنفعة إلى الموقوف عليهم، بصيرورتها ملكاً لهم، كما إذا قال: (هذا المكان وقف على أولادي على أنْ تكون منافعه لهم)، أو (هذه البستان وقف على أولادي على أنْ تكون ثمرتها لهم) فتكون المنافع والثمرة ملكاً لهم كسائر أملاكهم، تجوز المعاوضة منهم عليها، ويرثها وارثهم، وتضمن لهم عند طروء سبب الضمان، وتجب الزكاة على كلّ واحد منهم عند بلوغ حصته النصاب.
الثاني: أنْ يلحظ صرف المنافع على الموقوف عليهم من دون تمليك، فلا تجوز المعاوضة من أحد الموقوف عليهم على حصته، ولا تجب فيها الزكاة وإنْ بلغت النصاب، ولا يرثها وارث الموقوف عليه إذا مات قبل أنْ تصرف المنفعة عليه، ولكن المنفعة تضمن بطروء سبب الضمان، وهذا القسم على نوعين:
النوع الأول: أنْ يلحظ فيه صرف شخص المنفعة، كما إذا قال: (هذه الشجرة وقف على أولادي يأكلون ثمرتها) وفي مثله لا يجوز للولي تبديلها والمعاوضة عليها، بل يصرف نفس الثمرة عليهم ليأكلوها.
النوع الثاني: أنْ لا يلحظ فيه صرف شخص المنفعة، بل يلحظ الأعمّ منها ومن بدلها، كما إذا قال: (هذه البستان وقف على أولادي تصرف منفعتها عليهم) سواءً كان بتبديلها إلى عين أخرى، بأنْ يبدّل الولي الثمرة بالحنطة أو الدقيق أو الدراهم أم ببذل نفسها لهم.
القسم الثالث: أنْ يلاحظ الواقف إنتفاع الموقوف عليهم مباشرة باستيفاء المنفعة بأنفسهم، مثل وقف خانات المسافرين والرباطات والمدارس وكتب العلم والأدعية ونحوها.
وهذا القسم كما لا تجوز المعاوضة على منافعه، لا من الموقوف عليهم ولا من الولي، لا توارث فيه، والظاهر ثبوت الضمان فيه أيضاً إذا غصب المنفعة غاصب كالأقسام السابقة. نعم؛ لا ضمان في مثل المساجد التي يكون الوقف فيها تحريراً.
مسألة ۱۲33: لا يعتبر القبول في الوقف بجميع أنواعه، وإنْ كان الاعتبار أحوط، ولا سيّما في الوقف بلحاظ ملك المنفعة، سواءً كان عاماً مثل الوقف على العلماء، أم خاصاً مثل الوقف على أولاده، فيقبل في الأول الحاكم الشرعي، وفي الثاني الموقوف عليهم من الطبقة الأولى.
مسألة ۱۲34: لا تعتبر القربة في صحة الوقف، ولا سيّما في مثل الوقف على الذرية، ولكن الأحوط اعتبارهما في الكلّ.
مسألة ۱۲35: يعتبر في صحة الوقف قبض الموقوف عليه أو قبض وكيله أو وليه، فإذا مات قبل القبض بطل، ولا يعتبر في القبض الفورية، ولكن يعتبر أنْ يكون القبض بإذن الواقف.
مسألة ۱۲36: يكفي في تحقّق القبض في مثل الوقف على الذرية مثلاً قبض الطبقة الأولى.
مسألة ۱۲37: إذا وقف على أولاده الصغار وأولاد أولاده، وكانت العين في يده، كفى ذلك في تحقّق القبض ولم يحتج إلى قبض آخر، وإذا كانت العين في يد غيره فلا بدّ من أخذها منه ليتحقّق قبض وليهم.
مسألة ۱۲38: إذا كانت العين بيد الموقوف عليه، كفى ذلك في قبضها ولم يحتج إلى قبض جديد.
مسألة ۱۲39: يكفي في قبض غير المنقول رفع الواقف يده عنه واستيلاء الموقوف عليهم عليه.
مسألة ۱۲40: في الوقف على الجهات العامة، يكفي قبض المتولي، ومع عدمه فالحاكم أو وكيله.
مسألة ۱۲41: يكفي في قبض الوقف على الجهات العامة، تحقّق العنوان الذي وقفت لأجله، فإذا وقف مقبرة كفى في تحقّق القبض الدفن فيها، وإذا وقف مكاناً للصلاة تكفي الصلاة فيه، وإذا وقف حسينية تكفي إقامة العزاء فيها كذلك، وكذا الحكم في مثل وقف الخان على المسافرين، والدار على سكنى العلماء والفقراء، فإنَّه يكفي في قبضها السكنى فيها.
مسألة ۱۲42: إذا وقف حصيراً للمسجد كفى وضعه في المسجد، وكذا في مثل آلات المشاهد والمعابد والمساجد ونحوها، فإنَّه يكفي في قبضها وضعها فيها بقصد استعمالها.
مسألة ۱۲43: إذا خرب جانب من جدار المسجد أو المشهد أو نحوها، فعمّرة عامر بهذا العنوان، يكفي ذلك في تمامية الوقف، وإنْ لم يقبضه قابض، وإذا مات لم يرجع ميراثاً لوارثه.
مسألة ۱۲44: إذا وقف على أولاده الكبار فقبض واحد منهم، صحّ القبض في حصته ولم يصحّ في حصة الباقين، إلا إذا كان وكيلاً عنهم في ذلك.
مسألة ۱۲45: الوقوف التي تتعارف عند الأعراب بأنْ يقفوا شاة على أنْ يكون الذكر المتولد منها (ذبيحة)، أي يذبح ويؤكل، والأنثى (منيحة) إذا ولدت أنثى كانت (منيحة) وهكذا، فإذا كان وقفهم معلّقاً على شفاء مريض أو ورود مسافر أو سلامة غنمهم من الغزو أو المرض أو نحو ذلك فهي باطلة، لعدم تحقّق شرائط الصحة، وإنْ كانت واجدة لها فهي صحيحة.
مسألة ۱۲46: لا يجوز في الوقف توقيته بمدة، فإذا قال: (داري وقف على أولادي سنةً أو عشر سنين) بطل وقفاً، بل وحبساً أيضاً، إلا مع وجود قرينة معتبرة على الحبس.
مسألة ۱۲47: إذا وقف على من ينقرض، كما إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده صحّ وقفاً، فإذا انقرضوا رجع إلى ورثة الواقف حين الموت لا حين الإنقراض. فإذا مات الواقف عن ولدين ومات أحدهما قبل الإنقراض وترك ولداً ثم انقرض الموقوف عليهم، كانت العين الموقوفة مشتركة بين العمّ وابن أخيه.
مسألة ۱۲48: لا فرق فيما ذكرناه من صحة الوقف ورجوعه إلى ورثة الواقف، بين كون الموقوف عليه ممّا ينقرض غالباً، وبين كونه ممّا لا ينقرض غالباً فاتفق انقراضه. نعم يستثنى من ذلك ما إذا ظهر من القرائن أنَّ خصوصية الموقوف عليه ملحوظة بنحو تعدد المطلوب، بإنْ كان الواقف قد أنشأ التصدّق بالعين وكونه على نحو خاص، فإذا بطلت الخصوصية بقي أصل التصدّق، فإذا قامت القرينة على ذلك وانقرض الموقوف عليه، لم يرجع الى الوارث أو ورثته، بل تبقى العين وقفاً، وتصرف منافعها في جهة أخرى الأقرب فالأقرب.
مسألة ۱۲49: إذا وقف عيناً على غيره وشرط عودها إليه عند الحاجة، صحّ ويكون من الوقف المنقطع الآخر.
مسألة 1250: يشترط في صحة الوقف التنجيز؛ فلو علّقه على أمر مستقبل معلوم الحصول أو متوقع الحصول أو أمر حالي محتمل الحصول إذا كان لا يتوقف عليه صحة العقد بطل، فإذا قال: (وقفت داري إذا جاء رأس الشهر) أو (إذا ولد لي ذكر) أو (إنْ كان هذا اليوم يوم الجمعة) بطل، وإذا علّقه على أمر حالي معلوم الحصول، كقوله: (وقفت داري إنْ كان اليوم يوم الجمعة مثلاً) مع العلم بكونه يوم الجمعة، أو (وقفت داري إنْ كانت لي) مع أنَّها له صحّ.
مسألة ۱۲51: إذا قال هذا وقفٌ بعد وفاتي بطل، إلا أنْ يفهم منه عرفاً أنَّه أراد الوصية بالوقف، فيجب العمل بها عند تحقّق شرائطها فيوقف بعده.
مسألة ۱۲52: يشترط في صحة الوقف إخراج الواقف نفسه عن الوقف، فإذا وقف على نفسه بطل، وإذا قال:(داري وقفٌ عليّ وعلى أخي مثلاً على نحو التشريك) بطل الوقف في نصف الدار، وإذا كان على نحو الترتيب، بأنْ قصد الوقف على نفسه ثم على غيره، كان الوقف من المنقطع الأول فيبطل مطلقاً، وإنْ قصد الوقف على غيره ثم على نفسه بطل بالنسبة إلى نفسه فقط، وكان من الوقف المنقطع الآخر، وإنْ قال: (هي وقفٌ على أخي، ثم على نفسي، ثم على شخص آخر) بطل الوقف بالنسبة إلى نفسه والشخص الآخر، وكان من الوقف المنقطع الوسط.
مسألة ۱۲53: إذا وقف على أولاده واشترط عليهم وفاء ديونه من مالهم، وكذا أداء الحقوق الواجبة عليه شرعاً كالزكاة والكفارات المالية صحّ، بل يصحّ الوقف إذا اشترط وفاء ديونه من حاصل الوقف أيضاً بعد تملك الموقوف عليه.
مسألة ۱۲54: إذا وقف على جيرانه واشترط عليهم أكل ضيوفه، أو القيام بمؤونة أهله وأولاده حتى زوجته صحّ. وإذا اشترط عليهم نفقة زوجته الواجبة عليه من مالهم صحّ، بل ويصحّ مع اشتراطها من حاصل الوقف أيضاً بنحو ما مرّ.
مسألة ۱۲55: إذا وقف عيناً له على وفاء ديونه العرفية والشرعية بعد الموت لا يصحّ، وكذا في ما لو وقفها على أداء العبادات عنه بعد الوفاة.
مسألة ۱۲56: إذا أراد التخلّص من إشكال الوقف على النف، فله أنْ يملّك العين لغيره، ثم يقفها غيره على النهج الذي يريد، من إدرار مؤونته، ووفاء ديونه ونحو ذلك. ويجوز له أنْ يشترط ذلك عليه في ضمن عقد التمليك، كما يجوز له أنْ يؤجرها مدةً ويجعل لنفسه خيار الفسخ، وبعد الوقف يفسخ الإجارة فترجع المنفعة إليه لا إلى الموقوف عليهم، بل يصحّ وقف العين مع اشتراط بقاء منافعها على ملكه مدة معينة كسنة، أو غير معينة مثل مدة حياته.
مسألة ۱۲57: يجوز إنتفاع الواقف بالعين الموقوفة في مثل المساجد والقناطر والمدارس ومنازل المسافرين وكتب العلم والزيارات والأدعية والآبار والعيون ونحوها ممّا لم تكن المنفعة معنونة بعنوان خاصٍ مضاف إلى الموقوف عليه، بل قصد مجرد بذل المنفعة وإباحتها للعنوان العام الشامل للواقف، وكذا إذا كان الوقف على الأنحاء الأخر مع كون الموقوف عليه عنواناً كلياً عاماً منطبقاً عليه من دون أنْ يقصد دخول نفسه والاحتياط في الاجتناب مع ذلك.
مسألة ۱۲58: إذا تم الوقف كان لازماً لا يجوز للواقف الرجوع فيه، وإنْ وقع في مرض الموت لم يجز للورثة ردّه، وإنْ زاد على الثلث.