وهو كون الشخص ممنوعاً شرعاً عن التصرف في ماله.
وعمدة أسبابه خمسه:
الأول: الصغر -وهو الذي لم يبلغ حدّ البلوغ- ممنوع من التصرف -ببيع وصلح وهبة وإقراض وإجارة وإيداع وإعارة وغيرها، وإنْ كان في كمال التمّيز والرشد- حتى يبلغ.
مسألة ۹37: يعلم البلوغ بأحد أمور ثلاثة: نبت الشعر الخشن على العانة، أو الاحتلام، أو إكمال خمس عشرة سنة هلالية في الذكر، أو الحيض، وإكمال تسع سنين هلالية في الأنثى.
مسألة ۹38: كما أنَّ الصبي لا ينفذ تصرفه في أمواله، لا ينفذ تصرفه في ذمته، فلا يصحّ منه البيع والشراء في الذمة، ولا الاقتراض، وإنْ صادف مدة الأداء من البلوغ، وكذا لا ينفذ منه التزويج والطلاق، ولا إجارة نفسه ولا جعل نفسه عاملاً في المضاربة والمزارعة ونحو ذلك.
مسألة ۹39: لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبي، بل لا بدّ معه من الرشد وعدم السفه بالمعنى الذي سيأتي.
الثاني: الجنون، فلا يصحّ تصرفه إلا في أوقات إفاقته، إنْ كان الجنون إدوارياً.
الثالث: السفه، أي من ليس له حالة باعثة على حفظ المال، والإهتمام بالشأن والحال، ويكون عُرضه للإنخداع والغرر، فهو محجور عن التصرف في أمواله وذمته.
مسألة ۹40: يعلم الرشد بإصلاح ماله عند اختباره، بحيث يسلم من المغابنات وتقع أفعاله على الوجه الملائم ولا يزول الحجر مع فقد الرشد وإن طعن في السن، إلا أنْ يستأنس منه الرشد، فإنْ كان رجلاً فباستئناس الرجال ذلك منه، وإنْ كان أنثى فباستئناس النساء ذلك منها، بحيث يتحقّق الإطمئنان بزوال السفاهة وثبوت الرشد.
الرابع: الرِّق، فلا ينعقد تصرف المملوك بدون إذن مولاه، ولو ملّكه مولاه شيئاً ملكه، وكذا غيره إذا كان بإذن المولى.
الخامس: الفَلَس، ويحجر على المفلّس بشروط أربعة: ثبوت ديونه بحجة شرعية، وأنْ تكون الديون حالة، وقصور أمواله عن الديون، ومطالبة الديّان الحجر، وإذا حجر عليه الحاكم لا يجوز له التصرف في ماله مع عدم إجازة الديّان ما دام الحجر باقياً.
مسألة ۹41: لو اقترض المفلّس بعد الحجر عليه أو اشترى في الذمة لم يشارك المقرض والبائع الغرماء، ولو أتلف مال غيره لا يشارك صاحبه للغرماء، وكذا لو أقرّ بدين سابق أو بعين.
مسألة ۹42: إنَّما يمنع المفلّس عن التصرفات الابتدائية، فلو كان قد اشترى شيئاً سابقاً بخيار ثم حجر عليه، فالخيار باق يجوز له الفسخ والامضاء.
مسألة ۹43: من وجد عين ماله في أموال المفلّس كان له أخذها وبيعه، وكذا النماء المتصل كالسَّمن وبلوغ الثمرة مثلاً دون المنفصل، والأحوط التراضي مع الغرماء في مثل الصوف والتمر.
مسألة ۹44: من وجد عين ماله وقد خلطها المفلّس بجنسها، فله عين ماله مطلقاً، وإنْ كان بالأجود، وكذا لو خلطها بغير جنسها ما لم تعد من التالف، والأحوط في الصورتين التراضي مع الغرماء.
مسألة ۹45: لا يختصّ الدائن بعين ماله إذا كانت في مال الميت مع قصور التركة.
مسألة ۹46: يخرج الحبّ والبيض بالزرع والإستفراخ عن الاختصاص.
مسألة ۹47: للشفيع أخذ الشقص ويضرب البائع مع الغرماء، وإذا كان في التركة عين زكوية قدّمت الزكاة على الديون، وكذلك الخمس، وإذا كانا في ذمة الميت كانا كسائر الديون.
مسألة ۹48: إذا اشترى أرضاً فأحدث فيها بناء أو غرساً ثم أفلس، كان للبائع الرجوع إلى أرضه، لكن البناء والغرس للمشتري يتراضيان بالبقاء مجاناً أو مع الأجرة.
مسألة ۹49: لا يحلّ مطالبة المعسر ولا إلزامه بالتكسب، إذا لم يكن من عادته وكان عسراً عليه، ولا بيع دار سكناه اللّائقة بحاله، ولا عبد خدمته، ولا غيره مما يعسر عليه بيعه كما تقدم في كتاب الدين.
مسألة ۹50: لا يحلّ بالحجر الدين المؤجل، ولو مات من عليه الدين حلّ، ولا يحلّ بموت صاحبه.
مسألة ۹51: ينفق على المفلّس من ماله إلى يوم القسمة وعلى عياله، ولو مات قدّم الكفن وغيره من واجبات التجهيز.
مسألة ۹52: يقسّم المال على الديون الحاّلة بالتقسيط، ولو ظهر دين حالّ بعد القسمة نقضت وشاركهم، ومع القسمة يطلق ويزول الحجر بالأداء.
مسألة ۹53: الولاية في مال الطفل والمجنون والسفيه إذا بلغا كذلك للأب والجد له، فإن فقدا فللوصي إذا كان وصياً في ذلك، فإنْ فقد فللحاكم، وفي مال السفيه والمجنون اللذين طرأ عليهما السفه والجنون بعد البلوغ والمفلّس للحاكم خاصة.
مسألة ۹54: معنى عدم نفوذ تصرفات السفيه، عدم استقلاله، فلو كان بإذن الولي أو إجازته صحّ ونفذ.
مسألة ۹55: لو أوقع معاملة في حال سفهه ثم حصل له الرشد فأجازها صحت المعاملة.
كتاب الضمان
هو التعهد بمال ثابت في ذمة شخص لآخر، ويقال للمتعهد الضامن، ولذلك الشخص المضمون عنه، وللآخر المضمون له.
مسألة ۹56: يعتبر في الضمان الإيجاب من الضامن، والقبول من المضمون له بكلّ ما يدلّ على تعهد الأول بالدين ورضا الثاني بذلك.
مسألة ۹57: يعتبر التنجيز في عقد الضمان، فلو علّقه على شيء كأنْ يقول: (أنا ضامنٌ لما على فلان إنْ أذن لي أبي) بطل، نعم إذا كان تعهد الضامن للدين فعلياً، ولكن علّق أداءه على عدم أداء المضمون عنه صحّ.
مسألة ۹58: يعتبر في الضامن والمضمون له البلوغ والعقل والإختيار، وعدم السفه، وعدم التفليس أيضاً في خصوص المضمون له، وأما في المديون فلا يعتبر شيء من ذلك، فلو ضمن شخص ما على المجنون أو الصغير من الدين صحّ.
مسألة ۹59: إذا دفع الضامن ما ضمنه إلى المضمون له، رجع به إلى المضمون عنه إذا كان الضمان إذنه، وإلا لم يرجع.
مسألة ۹60: إذا أبرأ المضمون له ذمة الضامن عن تمام الدين برئت ذمته، ولا يجوز له الرجوع إلى المضمون عنه، وإذا أبرأ ذمته عن بعضه برئت عنه، ولا يرجع إلى المضمون عنه بذلك المقدار. وإذا صالح المضمون له الضامن بالمقدار الأقلّ، فليس للضامن مطالبة المضمون عنه إلا بذلك المقدار دون الزائد، وكذا الحال لو ضمن الدين بمقدار أقلّ من الدين برضا المضمون له. فالضامن لا يطالب المضمون عنه إلا بما خسر دون الزائد، ومنه يظهر أنَّه ليس له المطالبة في صورة تبرع أجنبي بأداء الدين.
مسألة ۹61: عقد الضمان لازم، فلا يجوز للضامن فسخه ولا للمضمون له. نعم لو كان الضامن معسراً حين عقد الضمان، وجهل المضمون له بإعساره، يجوز له فسخ الضمان والرجوع بحقّه إلى المضمون عنه.
مسألة ۹62: يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن والمضمون له.
مسألة ۹63: إذا كان الدين حالاً وضمنه الضامن مؤجلاً، فيكون الأجل للضمان لا للدين، فلو أسقط الضامن الأجل وأدى الدين حالاً، فله مطالبة المضمون عنه كذلك، وكذا إذا مات الضامن قبل حلول الأجل.
مسألة ۹64: إذا كان الدين مؤجلاً وضمنه شخص حالاً بإذن المضمون، وأدى الدين، فإنْ كان في البين قرينة معتبرة متّبعة على صحة الرجوع حينئذ، يرجع إليه بعد أداء الدين، وإلا فلا يرجع إلا بعد انقضاء أصل الدين.
مسألة ۹65: إذا كان الدين مؤجلاً وضمنه بأقلّ من أجله، كما إذا كان أجله ثلاثة أشهر مثلاً، وضمنه بمدة شهر، وأدّاه يعد هذه المدة، وقبل حلول الأجل، فليس له مطالبة المضمون عنه بذلك قبل انقضاء الأجل الأول، وهو أجل الدين، وإذا ضمنه بأكثر من أجله، ثم أسقط الزائد وأدّاه، فله مطالبة المضمون عنه بذلك، وكذا الحال إذا مات الضامن بعد انقضاء أجل الدين وقبل انقضاء المدة الزائدة.
مسألة ۹66: إذا احتسب المضمون له ما على ذمة الضامن خمساً أو زكاة بإجازة من الحاكم الشرعي، أو صدقة، يجوز للضامن أنْ يطالب المضمون عنه بذلك، وكذا الحال إذا أخذه منه ثم ردّه إليه بعنوان الهبة أو نحوها، وهكذا إذا مات المضمون له وورث الضامن ما في ذمته.
مسألة ۹67: يجوز الضمان بشرط الرهانة من المضمون عنه.
مسألة ۹68: إذا كان على الدين الثابت في ذمة المضمون عنه رهن، فإنْ كانت في البين قرينة معتبرة على أنَّ ضمان الدين بمنزلة أدائه، ينفكّ الرهن وإلا فلا، هذا إذا لم يشترط الإنفكاك أو عدمه، وإلا فهو المتّبع.
مسألة ۹69: يجوز ضمان اثنين أو أكثر عن واحد بالاشتراك بما يعيّن من المقدار، ومع عدم التعين يقسط بالتساوي، فبالنصف لو كانا أثنين وبالثلث لو كانا ثلاثة وهكذا، كما يجوز بنحو الاستقلال البدلي، فيضمن كلّ منهما لتمام المال، فيجوز للمضمون له مطالبة من شاء منهما، وأي منهما بادر سقط عن الآخر.
مسألة ۹70: إذا كان مديوناً لشخصين، صحّ ضمان شخص لهما أو لأحدهما المعيّن، ولا يصحّ ضمانه لأحدهما لا على التعيين، وكذا الحال إذا كان شخصان مديونين لواحد، فضمن عنهما شخص، فإنْ كان ضمانه عنهما أو عن أحدهما المعين صحّ، وإنْ كان عن أحدهما لا على التعيين لم يصحّ.
مسألة ۹71: إذا كان المديون فقيراً يصحّ أنْ يضمن شخص عنه بالوفاء من الخمس أو الزكاة أو المظالم. ولا فرق في ذلك بين أنْ تكون ذمة الضامن مشغولة بها فعلاً أم لا، والأحوط مراجعة الحاكم الشرعي في ذلك.
مسألة ۹72: إذا كان الدين الثابت على ذمة المدين خُمساً أو زكاة صحّ أنْ يضمن عنه شخص للحاكم الشرعي أو وكيله.
مسألة ۹73: إذا ضمن شخص في مرض موته صحّ الضمان، ويخرج المال المضمون من أصل تركته، سواءً كان الضمان بإذن المضمون عنه أم لا.
مسألة ۹74: يصحّ أنْ يضمن شخص للمرأة نفقاتها الماضية. وكذا ضمانه لنفقاتها الآتية، إنْ كانت لها معرضية متعارفة للثبوت. وأما نفقة الأقارب فلا يصحّ ضمانها.
مسألة ۹75: يصحّ ضمان الأعيان الخارجية، بمعنى كون العين في عهدة الضامن فعلاً، وأثر ذلك وجوب ردّها مع بقاء العين المضمونة وردّ بدلها من المثل أو القيمة عند تلفها. ومن هذا القبيل ضمان شخص عهدة الثمن للمشتري إذا ظهر المبيع مستحقا للغير، أو ظهر بطلان البيع من جهة أخرى. فيصحّ الضمان في الأعيان الخارجية، بمعنى التعهد بل معنى الثبوت في الذمة، فهو قسم آخر من الضمان أيضاً أي الثبوت الاعتباري لا الدقي الحقيقي.
مسألة ۹76: يصحّ ضمان ما يحدثه المشتري في الأرض المشتراة من بناء أو غرس أو نحو ذلك، إذا ظهر كونها مستحقة للغير.
مسألة ۹77: إذا قال شخص لآخر: (ألقِ متاعك في البحر وعليّ ضمانه)؛ فألقاه؛ ضمنه؛ سواءً كان لخوف غرق السفينة أو لمصلحة أخرى من خفتها أو نحوها، وهكذا إذا أمره بإعطاء دينار مثلاً لفقير، أو أمره بعمل لآخر أو لنفسه، فإنَّه يضمن إذا لم يقصد المأمور المجانية.
مسألة ۹78: إذا اختلف الدائن والمدين في أصل الضمان، كما إذا ادّعى المديون الضمان وأنكره الدائن، فالقول قول الدائن، وهكذا إذا ادّعى المديون الضمان في تمام الدين، وأنكره المضمون له في بعضه.
مسألة ۹79: إذا ادّعى الدائن على أحد الضمان فأنكره، فالقول قول المنكر، وإذا اعترف بالضمان واختلفا في مقداره، أو في اشتراط التعجيل إذا كان الدين مؤجلاً، فالقول قول الضامن، وإذا اختلفا في اشتراط التأجيل مع كون الدين حالاً، أو في وفائه للدين، أو في إبراء المضمون له، قدّم قول المضمون له.
مسألة ۹80: إذا اختلف الضامن والمضمون عنه في الإذن وعدمه، أو في وفاء الضامن للدين، أو في مقدار الدين المضمون، أو في اشتراط شيء على المضمون عنه، قُدّم قول المضمون عنه.
مسألة ۹81: إذا أنكر المدعى عليه الضمان، ولكن استوفى المضمون له الحقّ منه بإقامة بينة، فليس له مطالبة المضمون عنه، لاعترافه بأنَّ المضمون له أخذ المال منه ظلماً.
مسألة ۹82: إذا ادّعى الضامن الوفاء، وأنكر المضمون له وحلف، فليس للضامن الرجوع إلى المضمون عنه إذا لم يصدّقه في ذلك.
مسألة ۹83: يجوز الترامي في الضمان، بأنْ يضمن زيد دين عمرو، ويضمن عن زيد وهكذا، فتبرأ ذمة غير الضامن الأخير، وتشتغل ذمته للدائن، فإذا أداه رجع به إلى سابقه، وهكذا إلى أنْ ينتهي إلى المدين الأول، هذا إذا كان المضمون بإذن المضمون عنه، وإلا فلا رجوع عليه فلو كان ضمان زيد بغير إذن عمرو، وكان ضمان بكر بإذن زيد وأدى بكر الدين رجع به إلى زيد ولا يرجع زيد إلى عمرو.