وهي: توافقٌ والتزام بين مالك الأرض والزارع على زرع الأرض بحصة من حاصلها.
ويعتبر في المزارعة أمور:
الأول: الإيجاب من المالك والقبول من الزارع، بكلّ ما يدّل على تسليم الأرض للزراعة، وقبول الزارع لها من لفظ كقول المالك للزارع مثلاً (سلمت إليك الأرض لتزرعها) فيقول الزارع (قبلت)، أو فعلٌ دال على تسليم الأرض للزارع وقبول الزارع لها من دون كلام، ولا يعتبر فيها العربية والماضوية، كما لا يعتبر تقديم الإيجاب على القبول، ولا يعتبر أنْ يكون الإيجاب من المالك والقبول من الزارع بل يجوز العكس.
مسألة ٤94: تقع المزارعة بالمعاطات، ويجري فيها الإجارة والصلح والجعالة، بل مطلق الإذن وإنْ لم تجر على ذلك كله الأحكام الخاصة بالمزارعة.
الثاني: أنْ يكون كلّ من المالك والزارع بالغاً وعاقلاً ومختاراً، وأنْ يكون المالك غير محجور عليه لسفه أو فلس، وكذلك العامل إذا استلزم تصرفاً مالياً.
الثالث: أنْ يكون نصيبهما من تمام حاصل الأرض، فلو جعل لأحدهما أول الحاصل وللآخر آخره بطلت المزارعة، وكذا الحال لو جعل الكلّ لأحدهما.
الرابع: أنْ تجعل حصة كلّ منهما على نحو الإشاعة، كالنصف والثلث ونحوهما، فلو قال للزارع (أزرع وأعطني ما شئت) لم تصحّ المزارعة، وكذا لو عيّن للمالك أو الزارع مقدار معين كمئة كيلو مثلاً.
الخامس: تعيين المدة بالأشهر أو السنين أو الفصل بمقدار يمكن حصول الزرع فيه، ولو جعل آخر المدة إدراك الحاصل بعد تعيين أولها كفى في الصحة.
السادس: أنْ تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج والإصلاح، وأما إذا لم تكن كذلك كما إذا كانت الأرض سبخة لا يمكن الإنتفاع بها أو نحوها، بطلت المزارعة.
السابع: تعيين الزرع إذا كان بينهما اختلاف الأغراض في ذلك، وإلا لم يلزم التعيين فيتخير الزارع بين أفراده كما في صورة التعميم.
الثامن: تعيين الأرض وحدودها ومقدارها، فلو لم يعينها بطلت، وكذا إذا لم يعين مقدارها، نعم؛ لو عيّن كلياً موصوفاً على وجه لا يكون فيه غرر كمقدار جريب من هذه القطعة من الأرض التي لا اختلاف بين أجزائها صحت.
التاسع: تعيين ما عليهما من المصارف كالبذر ونحوه؛ بأنْ يجعل على أحدهما أو كليهما، ويكفي في ذلك المتعارف الخارجي الذي ينصرف الإطلاق إليه.
مسألة ٤95: يجوز للعامل أنْ يزرع الأرض بنفسه أو بغيره أو بالشركة مع غيره، هذا فيما إذا لم يشترط المالك عليه المباشرة وإلا لزم أنْ يزرع بنفسه.
مسألة ٤96: لو أذن شخص لآخر في زرع أرضه على أنْ يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما، وكان قصدهما من ذلك المزارعة المعهودة، يكون ذلك منهما ويترتب عليه أحكامها، وكذلك الحال لو أذن لكلّ من يتصدى للزرع وإنْ لم يعيّن شخصاً معيناً بأنْ يقول: (لكلّ من زرع أرضي هذه نصف حاصلها أو ثلثه) مع كون قصدهما المزارعة المعهودة، وأما مع عدم قصدهما لذلك فالأحوط عدم إجراء أحكامها الخاصة بها إلا بالتراضي والتصالح.
مسألة ٤97: يجوز اشتراط مقدار معين من الحاصل لأحدهما وتقسيم الباقي بينهما بنسبة معينة إذا علما ببقاء شيء من الحاصل بعد استثناء ذلك المقدار، كما يجوز استثناء مقدار البذر لمن كان منه، أو استثناء مقدار خراج السلطان أو ما يصرف في تعمير الأرض.
مسألة ٤98: إذا عيّن المالك نوعاً خاصاً من الزرع من حنطة أو شعير أو نحو ذلك في ضمن عقد المزارعة تعيّن ذلك على الزارع فلا يجوز له التعدّي عنه، ولكن لو تعدّى إلى غيره وزرع نوعاً آخر منه فللمالك الخيار بين الفسخ والإمضاء، فإنْ فسخ رجع على العامل بأُجرة مثل المنفعة الفائتة للأرض، وأما الحاصل فهو للعامل إنْ كان البذر له؛ وإنْ كان للمالك فله المطالبة ببدله أيضاً، وعلى تقدير البذل كان الحاصل للعامل أيضاً، وليست له مطالبة المالك بأُجرة العمل مطلقاً؛ هذا إذا علم المالك بذلك بعد بلوغ الحاصل، وأما إذا علم به قبل بلوغه فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة وإلزام العامل بقطع الزرع أو إبقائه بالأُجرة أو مجاناً؛ إنْ كان البذر له؛ وأما إذا كان للمالك فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة، وبدل البذر أيضاً ومع بذله يكون الزرع للعامل؛ هذا إذا كان على نحو الإشتراط، وأما إذا كان التعيين على نحو التقييد بطلت المزارعة، وحكمه ما تقدم في فرض الفسخ.
مسألة ٤99: إذا ظهر بطلان المزارعة بعد الزرع، فإنْ كان البذر للمالك كان الزرع له، وعليه للزارع ما صرفه من الأموال، وكذا أُجرة عمله وأُجرة الآلات التي أستعملها في الأرض، وإنْ كان البذر للزارع، فالزرع له وعليه للمالك أُجرة الأرض وما صرفه المالك، وأجرة أعيانه التي استعملت في ذلك الزرع، ثم إنْ رضي المالك والزارع ببقاء الزرع في الأرض بالأُجرة أو مجاناً فهو، وإنْ لم يرض المالك بذلك جاز له إجبار الزارع على إزالة الزرع، وإنْ لم يدرك الحاصل وتضرر بذلك، وليس للزارع إجبار المالك على بقاء الزرع في الأرض ولو مجاناً، وكذلك الحال فيما انقضت مدة المزارعة الصحيحة ولم يدرك الحاصل.
مسألة ٥00: يصحّ أنْ يشترط أحدهما على الآخر شيئاً على ذمته من ذهب أو فضة أو نحوهما مضافاً إلى حصته.
مسألة ٥01: المزارعة عقد لازم لا ينفسخ إلا بالتقايل أو الفسخ بخيار الشرط، أو بخيار تخلف بعض الشروط المشترطة فيه، ولا ينفسخ بموت أحدهما فيقوم الوارث مقامه، نعم ينفسخ بموت الزارع إذا قيدت المزارعة بمباشرته للعمل.
مسألة ٥02: إذا ترك الزارع الأرض بعد عقد المزارعة فلم يزرع حتى انقضت المدة، فإنْ كانت الأرض في تصرفه، وكان تركه بلا عذر ضمن أجرة المثل للمالك، ولا فرق في ضمانه في هذه الصورة بين أنْ يكون المالك عالماً بالحال، وأنْ يكون غير عالم به، وإنْ لم تكن الأرض تحت يده بل كانت تحت يد المالك، فحينئذ إنْ كان المالك مطلعاً على ذلك فلا يضمن، وإلا فيضمن، والأحوط التصالح والتراضي مطلقاً حتى في الصورة الأولى.
مسألة ٥03: يجوز لكلّ من المالك والزارع أنْ يخرص الزرع بعد إدراكه بمقدار معين منه بشرط رضا الآخر به، وعليه فيكون الزرع للآخر وله المقدار المعين، ولو تلف الزرع أو بعضه كان عليهما معاً.
مسألة ٥04: إذا غرقت الأرض قبل القبض أو بعده قبل ظهور الزرع أو قبل إدراكه، بطلت المزارعة، وإذا غرق بعضها تخيّر المالك والعامل في الباقي بين الفسخ والإمضاء.
مسألة ٥05: يجوز عقد المزارعة بين أكثر من إثنين، بأنْ تكون الأرض من واحد، والبذر من آخر، والعمل من ثالث، والعوامل من رابع، وكذا الحال إذا وقع العقد بين جماعة على النحو المذكور ولكن الأحوط الاقتصار على الإثنين فقط.
مسألة ٥06: لا فرق في صحة عقد المزارعة بين أنْ يكون البذر من المالك أو العامل أو منهما معاً، ولكن كلّ ذلك يحتاج إلى تعيين وجعل في ضمن العقد، إلا أنْ يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق. وكذا لا فرق بين أنْ تكون الأرض مختصة بالمزارع أو مشتركة بينه وبين العامل، كما أنَّه لا يلزم أنْ يكون تمام العمل على العامل، فيجوز أنْ يكون عليهما وكذا الحال في سائر التصرفات والآلات، والضابط أنَّ كلّ ذلك تابع للجعل في ضمن العقد.
مسألة ٥07: إذا وجد مانع في الأثناء قبل ظهور الزرع أو قبل بلوغه وإدراكه، كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله، أو استولى عليه الماء ولم يمكن قطعه، أو وجد مانع لم يمكن رفعه، تبطل المزارعة من الأول، لكشفه عن عدم قابلية الأرض للزراعة، فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر فإنْ كان البذر للمالك فعليه أجرة مثل عمل العامل، وإنْ كان للعامل فعليه أجرة مثل أرضه.
مسألة 508: إذا كانت الأرض التي وقعت المزارعة عليها مغصوبة وكان البذر من العامل، بطلت المزارعة والإضافة إلى المزارع، فإنْ أجاز المالك عقد المزارعة وقع له، وإلا كان الزرع للزارع وعليه أجرة المثل لمالك الأرض، ويرجع فيما خسره إلى المزارع إنْ كان مغروراً مِن قِبله، وإلا فلا رجوع إليه، وإذا انكشف الحال قبل بلوغ الزرع وإدراكه، كان المالك مخيراً أيضاً بين الإجازة والردّ، فإنْ ردّ فله الأمر بالإزالة أو الرضا ببقائه ولو بأجرة، وعلى الزارع أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى، ويرجع إلى المزارع بالخسارة مع الغرور كما تقدم.
مسألة ٥09: تجب على كلّ من المالك والزارع الزكاة إذا بلغت حصة كلّ منهما حد النصاب، وتجب على أحدهما إذا بلغت حصته كذلك. هذا إذا كان الزرع مشتركاً بينهما من الأول، أو من حين ظهور الثمر قبل صدق الاسم، وأما إذا اشترطا الاشتراك بعد صدق الاسم، أو من حين الحصاد والتصفية، فالزكاة على صاحب البذر سواءً كان هو المالك أم العامل.
مسألة ٥10: الباقي في الأرض من أصول الزرع بعد الحصاد وانقضاء المدة، إذا نبت في السنة الجديدة وأدرك، فإنْ كان القرار الواقع بينهما على اشتراكهما في الزرع وأصله، كان الزرع الجديد بينهما كالزرع السابق، وإنْ كان القرار فقط على اشتراكهما في الزرع فقط، فالجديد لصاحب البذرة، إلا إذا أعرض عنه فهو لمن سبق.
مسألة ٥11: إذا اختلف المالك والزارع في المدّة، فادّعى أحدهما الزيادة والآخر القلة، فالقول قول منكر الزيادة، ولو اختلفا في الحصة قلةً وكثرةً فالقول قول صاحب البذر المدّعي للقلة.
مسألة ٥12: إذا اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على أيّهما، فالمرجع التحالف، ومع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة.
مسألة ٥13: الزارع إذا قصّر في تربية الأرض فقلّ الحاصل يضمن التفاوت فيما إذا كان البذر للمالك وصَدَق الإتلاف والتفويت بالنسبة إليه، وأما إذا كان للعامل وكان التقصير قبل ظهور الزرع فلا ضمان، ولكن للمالك حينئذ الفسخ والمطالبة بأُجرة المثل للأرض.
مسألة ٥14: لو ادّعى المالك على الزارع عدم العمل بما اشترط عليه في ضمن عقد المزارعة من بعض الأعمال، أو ادّعى تقصيره فيه على وجه يضرّ بالزراعة، أو تقصيره في الحفظ أو نحو ذلك وأنكره الزارع فالقول قوله. وكذلك الحال في كلّ مورد ادّعى أحدهما شيئاً وأنكره الآخر، ما لم يثبت ما ادّعاه شرعاً.
مسألة ٥15: إذا أوقع المتولي للوقف عقد المزارعة على الأرض الموقوفة على البطون إلى مدة حسب ما يراه صالحاً، لزم لهم ولا يبطل بالموت، وأما إذا أوقعه البطن المتقدم من الموقوف عليهم ثم مات في الأثناء قبل انقضاء المدة، بطل العقد من ذلك الحين، إلا إذا أجاز البطن اللاحق.
مسألة ٥16: يجوز لكلّ من المالك والعامل بعد ظهور الحاصل، أنْ يصالح الآخر عن حصته بمقدار معين من جنسه أو غير جنسه بعد التخمين بحسب المتعارف في الخارج، كما يجوز ذلك قبل ظهور الحاصل مع الضميمة.
مسألة ٥17: لا يعتبر في عقد المزارعة على الأرض أنْ تكون قابلة للزرع من حين العقد وفي السنة الأولى، بل يصحّ العقد على أرض بائرة وخربة لا تصلح للزرع إلا بعد إصلاحها وتعميرها سنة أو أكثر، وعليه فيجوز للمتولي أنْ يزارع الأراضي الموقوفة وقفاً عاماً أو خاصاً التي أصبحت بائرة إلى عشر سنين أو أقلّ أو أكثر حسب ما يراه صالحاً.
مسألة ٥18: لا فرق في صحة المزارعة -مع اجتماعها للشرائط- بين كون الطرفين مسلمين أو كافرين أو مختلفين.
مسألة ٥19: لا تعتبر في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع، بل يكفي كونه مالكاً لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة ونحوها.
مسألة ٥20: يجوز لشخصين أنْ يشاركا في زرع أرض مباحة لا حقّ لهما فيها، فيكون حاصلها لهما مع الاشتراك في البذر، ولكن لا تجري عليه أحكام المزارعة.